ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=84)
-   -   تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=273185)

ابوالوليد المسلم 17-07-2025 12:46 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنفال
الحلقة (721)
صــ 371 إلى صــ 380






15656- حدثني إسماعيل بن موسى السدي قال، حدثنا أبو الأحوص، عن عاصم، عن مصعب بن سعد، عن سعد قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر بسيف فقلت: يا رسول الله، هذا السيف قد شَفَى الله به من المشركين! فسألته إياه، فقال: ليس هذا لي ولا لك! قال: فلما وليت، قلت: أخاف أن يعطيه من لم يُبْلِ بلائي! فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفي، قال فقلت: أخاف أن يكون نزل في شيء! قال: إن السيف قد صارَ لي! قال: فأعطانيه، ونزلت: "يسئلونك عن الأنفال" . (1)
15657- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو بكر قال، حدثنا عاصم، عن مصعب بن سعد، عن سعد بن مالك قال: لما كان يوم بدر جئت بسيف. قال: فقلت: يا رسول الله، إن الله قد شفي صَدري من المشركين = أو نحو هذا= فهبْ لي هذا السيف! فقال لي: هذا ليس لي ولا لك! فرجعت فقلت: عسى أن يعطي هذا من لم يُبْلِ بلائي! فجاءني الرسول، فقلت: حدث فِيَّ حدثٌ! فلما انتهيت قال: يا سعد إنك، سألتني السيف وليس لي، وإنه قد صار لي، فهو لك! ونزلت: "يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول" . (2)
(1)
الأثر: 15656 - خبر "سعد بن مالك" ، وهو "سعد بن أبي وقاص" ، رواه أبو جعفر من سبع طرق، بألفاظ مختلفة، إلا رقم: 15659، فهو منقطع الإسناد. وهي من رقم 15656 - 15659 ثم من 15662 - 15664.

رواه من طريق عاصم، عن مصعب بن سعد برقم 15656، 15657.
ومن طريق سماك بن حرب، عن مصعب بن سعد برقم 15658، 15662، 15663.
ومن طريق محمد بن عبيد الله، أبي عون الثقفي، عن مصعب بن سعد رقم: 15659، منقطعًا. ومن طريق مجاهد، عن سعد ابن أبي وقاص: 15664.
وهذا تفسير إسناد الخبر الأول: "إسماعيل بن موسى السدي الفزاري شيخ الطبري" ، مضى برقم: 849، 9682.
و "أبو الأحوص" ، هو "سلام بن سليم الحنفي" ، الثقة الحافظ، مضى مرارًا كثيرة.
و "عاصم" ، هو "عاصم بن أبي النجود" ، مضى مرارًا.
و "مصعب بن سعد بن أبي وقاص الزهري" ، تابعي ثقة، مضى برقم: 8941، 11450.
وهو إسناد صحيح، ولم أجده في موضع آخر من طريق أبي الأحوص عن مصعب.
(2)
الأثر: 15657 - إسناد صحيح. ورواه من هذه الطريق أحمد في المسند رقم: 1538، بنحوه، مطولا.

ورواه أبو داود في سننه 3: 103 رقم 2740، بنحوه مطولا.
رواه الحاكم في المستدرك 2: 132، بنحوه مطولا، وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه" ، ووافقه الذهبي.
ورواه البيهقي في السنن 6: 291، وخرجه ابن كثير في تفسيره 4: 4، وقال: "رواه أبو داود" والترمذي، والنسائي من طرق، عن أبي بكر بن عياش، وقال الترمذي: حسن صحيح "."
15658 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن سماك بن حرب، عن مصعب بن سعد، عن أبيه قال: أصبت سيفًا يوم بدر فأعجبني، فقلت: يا رسول الله، هبه لي! فأنزل الله: "يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول" . (1)
15659- حدثنا ابن المثنى وابن وكيع= قال ابن المثنى: حدثني أبو معاوية= وقال ابن وكيع: حدثنا أبو معاوية= قال: حدثنا الشيباني، عن محمد بن عبيد الله، عن سعد بن أبي وقاص قال: فلما كان يوم بدر، (2) قتل أخي عُمَيْر، وقتلت سعيد بن العاص وأخذت سيفه، وكان يسمى "ذا الكتيفة" ، (3) فجئت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: اذهب فاطرحه في القبض! (4) فطرحته ورجعتُ، وبي ما لا يعلمه إلا الله من قتل أخي، وأخذ سَلَبي! قال: فما جاوزت إلا قريبًا، حتى نزلت عليه "سورة الأنفال" ، فقال: اذهب فخذ سيفك! = ولفظ الحديث لابن المثنى. (5)
(1)
الأثر: 15658 - هو مختصر الحديث رقم: 15662، وهو إسناد صحيح، وسأخرجه هناك.

(2)
في المطبوعة: "لما كان" ، حذف الفاء، وأثبت ما في المخطوطة.

(3)
"ذو الكتيفة" على وزن "عظيمة" ، و "الكتيفة" : حديدة عريضة طويلة، وربما كانت كأنها صحيفة، وربما سموا السيف "كتيفًا" .

(4)
"القبض" (بفتحتين) قال أبو عبيد القاسم بن سلام: "القبض، الذي تجمع عنده الغنائم" . وقال غيره: بمعنى المقبوض، وهو ما جمع من الغنيمة قبل أن تقسم.

(5)
الأثر: 15659 - "أبو معاوية" ، هو الضرير، "محمد بن خازم التميمي السعدي" ثقة، من شيوخ أحمد، روى له الجماعة.

وكان في المطبوعة هنا: "قال ابن المثنى حدثني معاوية" ، حذف "أبو" ، كأنه ظن أن ابن المثنى قال: "معاوية" ، وأن ابن وكيع قال "أبو معاوية" ، وأن هذا هو وجه الاختلاف! والصواب أن الاختلاف في أن ابن المثنى قال: "حدثني" ، وأن ابن وكيع قال: "حدثنا" . فهذا مبلغ الإساءة في التصرف!! .
و "الشيباني" ، هو "أبو إسحاق الشيباني" : "سليمان بن أبي سليمان" الثقة الحجة، مضى مرارًا كثيرة
و "محمد بن عبيد الله بن سعيد الثقفي" ، "أبو عون الثقفي" ، تابعي ثقة ولكنه لم يدرك سعد ابن أبي وقاص، وروايته عن سعد مرسلة. (انظر شرح الإسناد في مسند أحمد) . مضى برقم: 7595، 13965.
وهذا الخبر ضعيف الإسناد، لانقطاعه.
رواه أحمد في مسنده برقم: 1556،
ورواه أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الأموال: 303، بمثله. وقال في خلال الخبر "... قتلت سعيد بن العاص = وقال غيره: العاص بن سعيد. قال أبو عبيد: هذا عندنا هو المحفوظ" . ثم قال تعقيبًا عليه "قال أبو عبيد: وقال أهل العلم بالمغازي: قاتل العاص، علي بن أبي طالب" . والذي قاله أبو عبيد هو الصواب.
فالذي جاء في الخبر هنا "سعيد بن العاص" وهم، فإن سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص ابن أمية الأموي، متأخر، قبض رسول الله عليه وله تسع سنين، وهو لم يشرك قط وقتل أبوه "العاص بن سعيد" يوم بدر كافرًا، أما جده "سعيد بن العاص بن أمية" ، فمات قبل بدر مشركًا. ويكون الصواب كما قال ابن حجر في الإصابة في ترجمة "عمير بن أبي وقاص" : "العاص بن سعيد بن العاص" ، ويكون الاختلاف إذن في الذي قتله: أهو علي بن أبي طالب، أم سعد بن أبي وقاص؟ وإن كنت لم أجد هذا الاختلاف. وهذا موضع يحتاج إلى فضل تحقيق. وانظر التعليق على رقم: 15664.
هذا، وقد رأيت بعد في الروض الأنف 2: 76، هذا الخبر عن أبي عبيد وفيه "العاصي ابن سعيد بن العاصي" في صلب الخبر، ورأيت ذكر هذا الاختلاف في الروض الأنف 2: 102، 103.
15660- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا يونس بن بكير، وحدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة جميعًا، عن محمد بن إسحاق قال، حدثني عبد الله بن أبي بكر، عن قيس بن ساعدة قال: سمعت أبا أسَيْد مالك بن ربيعة يقول: أصبت سيف ابن عائد يوم بدر، وكان السيف يدعى "المرْزُبان" ، فلما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يردُّوا ما في أيديهم من النفل، أقبلت به فألقيته في النفل، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمنع شيئًا يُسْأله، فرآه الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعطاه إياه. (1)
(1)
الأثر: 15660 - "عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري" ، ثقة روى له الجماعة، مضى برقم: 4808.

وأما قوله: "بعض بني ساعدة" ، فقد جعلها في المطبوعة "قيس بن ساعدة" لا أدري لم غير ما في المخطوطة.
وأما "أبو أسيد مالك بن ربيعة الأنصاري" ، من بني ساعدة بن كعب بن الخزرج، فهو الصحابي المشهور، فجعله في المطبوعة: "أبا أسيد بن مالك بن ربيعة" ، زاد "بن" بلا مراجعة.
وأما "سيف بني عائذ" فجعلها "سيف بن عائذ" ، كما في الخبر التالي، وهي في المخطوطة سيئة الكتابة. والصواب من سيرة ابن هشام، وفيها: "سيف بني عائذ المخزوميين" .
و "عائذ" في المخطوطة غير منقوطة، وفي المطبوعة: "عائد" بالدال المهملة. والصواب ما في سيرة ابن هشام.وفي بني مخزوم: "بنو عائذ بن عمران بن مخزوم" (بالذال المعجمة) رهط آل المسيب، وفي بني مخزوم أيضًا: "بنو عابد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم" (بالباء والدال المهملة) ، وهم رهط آل السائب. انظر الروض الأنف 2: 76، ونسب قريش 333 ثم: 343، ولم أجد ما أرجح به أحدهما على الآخر.
وهذا الخبر رواه ابن إسحاق في سيرته، ابن هشام 2: 296، بلفظه، وانظر التعليق على الخبر التالي.
15661- حدثني يحيى بن جعفر قال، حدثنا أحمد بن أبي بكر، عن يحيى بن عمران، عن جده عثمان بن الأرقم= وعن عمه، عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر: ردُّوا ما كان من الأنفال! فوضع أبو أسيد الساعديّ سيف ابن عائذ "المرزبان" ، فعرفه الأرقم فقال: هبه لي، يا رسول الله! قال: فأعطاه إياه. (1)
(1)
الأثر: 15661 - هذا مختصر الأثر السالف من طريق أخرى.

و "يحيى بن جعفر" ، هو "يحيى بن أبي طالب" ، و "يحيى بن جعفر بن الزبير قال" ، شيخ الطبري. محدث مشهور ثقة. مضى برقم: 284.
و "أحمد بن أبي بكر" هو "أحمد بن القاسم بن الحارث بن زرارة بن مصعب بن عبد الرحمن ابن عوف الزهري" ، كنيته "أبو مصعب الزهري" ، ثقة، روى له الجماعة. مترجم في التهذيب، والكبير 1 \ 2 \ 6، وابن أبي حاتم 1 \ 1 \ 43.
و "يحيى بن عمران بن عثمان بن الأرقم المخزومي" ، روى عن أبيه، وعمه "عبد الله ابن عثمان" . روى عنه عطاف بن خالد، وأبو مصعب الزهري "أحمد بن أبي بكر" ، وغيرهما ذكره ابن حبان في الثقات. مترجم في تعجيل المنفعة: 446، والكبير 4 \ 2 \ 297، ولم يذكر فيه جرحًا، وابن أبي حاتم 4 \ 2 \ 177، 178، وقال ابن أبي حاتم: "سألت أبي عنه فقال: شيخ مدني مجهول"
وأما قوله: "وعن عمه، عن جده" ، فكان في المطبوعة والمخطوطة "عن عمه، عن جده" بغير واو العطف، وهو لا يستقيم، بل هو خطأ محض. بل الصواب أن "يحيى بن عمران" ، رواه عن جده مباشرة، ورواه مرة أخرى عن عمه "عبد الله بن عثمان" ، عن جده أيضًا.
و "عبد الله بن عثمان بن الأرقم" في المطبوعة ابن الأرقم مكررة "المخزومي" ، مترجم في تعجيل المنفعة: 228، وابن أبي حاتم 2 \ 2 \ 113، لم يذكروا فيه جرحًا.
وهذا الخبر، مختصر الذي قبله، ولم أجده في مكان آخر.
15662- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن سماك بن حرب، عن مصعب بن سعد، عن أبيه قال: أصبت سيفا= قال: فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، نفلنيه! فقال: ضعه! ثم قام فقال: يا رسول الله، نفلنيه! قال: ضعه! قال: ثم قام فقال: يا رسول، الله نفلنيه! أجعل كمن لا غَنَاء له؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ضعه من حيث أخذته! فنزلت هذه الآية: يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول. (1)
15663- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا إسرائيل، عن سماك، عن مصعب بن سعد، عن سعد قال: أخذت سيفًا من المغنم فقلت: يا رسول الله، هب لي هذا! فنزلت: "يسئلونك عن الأنفال" . (2)
15664- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا إسرائيل، عن إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد في قوله: "يسئلونك عن الأنفال" ، قال: قال سعد: كنت أخذت سيفَ سعيد بن العاص بن أمية، فأتيت رسول الله
(1)
الأثر: 15662 - طريق أخرى لخبر سعد بن أبي وقاص، كما بينه في رقم: 15656.

وهو خبر صحيح الإسناد، من طريق سماك بن حرب، عن مصعب بن سعد.
وبهذا الإسناد رواه أحمد في المسند رقم: 1567، 1614 في خبر طويل، مضى بعضه في شأن تحريم الخمر برقم: 12518، من تفسير الطبري. ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده ص: 28 رقم: 208. ورواه مسلم في صحيحه 12: 53، 54، ورواه البيهقي في السنن الكبرى 6: 291، وخرجه ابن كثير في تفسيره 4: 5. ورواه أبو جعفر النحاس في الناسخ والمنسوخ: 150، من طريق زهير بن معاوية عن سماك بن حرب، بغير هذا اللفظ.
(2)
الأثر: 15663 - مختصر الذي قبله.

صلى الله عليه وسلم، فقلت: أعطني هذا السيف يا رسول الله! فسكت، فنزلت: "يسئلونك عن الأنفال" ، إلى قوله: "إن كنتم مؤمنين" ، قال: فأعطانيه رسول الله صلى الله عليه وسلم. (1)
* * *
وقال آخرون: بل نزلت: لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوا قسمة الغنيمة بينهم يوم بدر، فأعلمهم الله أنّ ذلك لله ولرسوله دونهم، ليس لهم فيه شيء. وقالوا: معنى "عن" في هذا الموضع "من" ، (2) وإنما معنى الكلام: يسألونك من الأنفال. وقالوا: قد كان ابن مسعود يقرؤه: "يَسْأَلُونَكَ الأنْفَالَ" على هذا التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
(1)
الأثر: 15664 - "إسرائيل" ، هو "إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي" مضى مرارًا كثيرة.

و "إبراهيم بن المهاجر بن جابر البجلي" ، ثقة، متكلم فيه، مضى برقم: 1291 في نحو هذا الإسناد.
و "مجاهد" هو "مجاهد بن جبر المكي المخزومي" ، الإمام الثقة، روى عن سعد بن أبي وقاص وغيره من الصحابة.
فهذا خبر صحيح الإسناد من إسرائيل، إلى مجاهد.
أما "الحارث" ، فهو "الحارث بن أبي أسامة" ، وهو ثقة، مضى برقم: 10295، وغيره.
وأما "عبد العزيز" ، فهو "عبد العزيز بن أبان الأموي" ، من ولد "سعيد بن العاص ابن أمية" ، وهو كذاب خبيث يضع الأحاديث. مضى برقم: 10295، وغيره، راجع فهارس الرجال.
فمن هذا ضعف إسناده، حتى أجد له رواية عن غير الكذاب، كما قاله أهل الجرح والتعديل. هذا، وقد جاء في هذا الخبر ذكر "سعيد بن العاص بن أمية" ، مبينًا، وكنت قلت في التعليق على رقم: 15659 أن "سعيد بن العاص بن أمية" مات مشركًا قبل يوم بدر، فلذلك لم يصح عندنا قوله في ذلك الخبر "قتلت سعيد بن العاص" . أما في هذا الخبر، فإنه مستقيم، لأنه قال: "أخذت سيف سعيد بن العاص" ، فسيفه بلا ريب كان مشهورًا معروفًا عند سعد بن أبي وقاص، وكان عند ولده المقتول ببدر "العاص بن سعيد بن العاص" ، وظاهر أنه كان معه يقاتل به يوم بدر فقتل وهو معه، فأخذه سعد بن أبي وقاص. ومع ذلك يظل أمر الاختلاف في قتل "العاص ابن سعيد بن العاص" قائمًا كما هو، أقتله على بن أبي طالب، كما قال أصحاب السير والمغازي، أم قتله سعد بن أبي وقاص، كما دل عليه الخبر الصحيح عنه. راجع التعليق على رقم: 15659. وانظر الروض الأنف 2: 102، 103 وذكر هذا الاختلاف.
(2)
انظر "عن" بمعنى "من" فيما سلف 1: 446، تعليق: 6.

15665- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان، عن الأعمش قال: كان أصحاب عبد الله يقرأونها: "يَسْأَلُونَكَ الأنْفَالَ" .
15666- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك قال: هي في قراءة ابن مسعود "يَسْأَلُونَكَ الأنْفَالَ" .
* * *
* ذكر من قال ذلك:
15667- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: "يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول" ، قال: "الأنفال" ، المغانم كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة، ليس لأحد منها شيء، ما أصاب سرايا المسلمين من شيء أتوه به، فمن حبس منه إبرة أو سِلْكًا فهو غُلول. (1) فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطيهم منها، قال الله: يسألونك عن الأنفال، قل: الأنفال لي جعلتها لرسولي، ليس لكم فيها شيء= "فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين" ، ثم أنزل الله: (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول) [سورة الأنفال: 41] . ثم قسم ذلك الخُمس لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولمن سمي في الآية. (2)
15668- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: "يسألونك عن الأنفال" ، قال: نزلت في المهاجرين والأنصار ممن شهد بدرًا. قال: واختلفوا، فكانوا أثلاثًا. قال: فنزلت: "يسألونك"
(1)
في المخطوطة: "في حبسه منه" ، والصواب ما في المطبوعة، وهو مطابق لما في البيهقي. و "الغلول" ، هي الخيانة في المغنم، والسرقة من الغنيمة.

(2)
الأثر: 15667 - هذا الإسناد، سلف بيانه برقم: 1833، 8472، وأنه إسناد منقطع، لأن "على بن طلحة" لم يسمع من ابن عباس التفسير.

وهذا الخبر، رواه البيهقي من هذه الطريق نفسها، في السنن الكبرى 6: 293، مطولا.
عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول "، وملَّكه الله رَسوله، يقسمه كما أراه الله. (1) "
15669- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا عباد بن العوام، عن الحجاج، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أن الناس سألوا النبي صلى الله عليه وسلم الغنائم يوم بدر، فنزلت: "يسألونك عن الأنفال" . (2)
15670-. . . . قال: حدثنا عباد بن العوّام، عن جويبر، عن الضحاك: "يسئلونك عن الأنفال" ، قال: يسألونك أن تنفِّلهم.
15671- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا حماد بن زيد قال، حدثنا أيوب، عن عكرمة في قوله: "يسألونك عن الأنفال" ، قال: يسألونك الأنفال.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى أخبرَ في هذه الآية عن قوم سألوا رَسول الله صلى الله عليه وسلم الأنفال أن يُعطيهموها، فأخبرهم الله أنها لله، وأنه جعلها لرسوله.
وإذا كان ذلك معناه، جاز أن يكون نزولها كان من أجل اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها= وجائز أن يكون كان من أجل مسألة من سأله
(1)
في المطبوعة: "فقسمه" ، وأثبت ما في المخطوطة.

(2)
الأثر: 15669 - "عباد بن العوام الواسطي" ، ثقة، من شيوخ أحمد. مضى برقم: 5433.

و "الحجاج" هو "الحجاج بن أرطاة النخعي" ، مضى برقم: 3299، 3960، 4246، 9631، 10138، وهو ثقة، إلا أنه كان يدلس عن "عمرو بن شعيب" ، وقال محمد بن نصر: "الغالب على حديثه الإرسال والتدليس وتغيير الألفاظ" ، واشترطوا في حديثه التصريح بالسماع، وهذا مما لم يصرح فيه السماع.
فهذا خبر ضعيف، لهذه العلة.
و "عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص" ، أنكروا عليه كثرة روايته عن أبيه، عن جده عبد الله بن عمرو، قال أبو زرعة: "إنما سمع أحاديث يسيرة، وأخذ صحيفة كانت عنده فرواها" ، وهو ثقة في نفسه، وأحاديثه "عن أبيه عن جده" ، محتملة، ولكنهم لم يدخلوها في صحاح ما خرجوا.
السيف الذي ذكرنا عن سعد أنه سأله إياه= وجائز أن يكون من أجل مسألة من سأله قسم ذلك بين الجيش.
* * *
واختلفوا فيها: أمنسوخة هي أم غير منسوخة؟
فقال بعضهم: هي منسوخة. وقالوا: نسخها قوله: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ) الآية [سورة الأنفال: 41] ،.
* ذكر من قال ذلك:
15672- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن جابر، عن مجاهد وعكرمة قالا كانت الأنفال لله وللرسول، فنسختها: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ)
15673- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "يسئلونك عن الأنفال" ، قال: أصاب سعد بن أبي وقاص يوم بدر سيفًا، فاختصم فيه وناسٌ معه، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم منهم، فقال الله: "يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول" ، الآية، فكانت الغنائم يومئذ للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة، فنسخها الله بالخُمس.
15674- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، أخبرني سليم مولى أم محمد، عن مجاهد في قوله: "يسئلونك عن الأنفال" ، قال: نسختها: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) . (1)
(1)
الأثر: 15674 - "سليم مولى أم محمد" ، لم أجده، والذي يروي عن مجاهد، ويروي عنه ابن جربج، فهو "سليم، أبو عبيد الله مولى أم علي" ، مضى برقم: 4305، وهو مترجم في التهذيب، والكبير 2 \ 2 \ 127، وابن أبي حاتم 2 \ 1 \ 213، وهو من كبار أصحاب مجاهد، ذكره ابن حبان في الثقات.

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif




ابوالوليد المسلم 17-07-2025 12:49 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنفال
الحلقة (722)
صــ 381 إلى صــ 390






15675 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا شريك، عن جابر، عن مجاهد وعكرمة= أو: عكرمة وعامر= قالا نسخت الأنفال: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) .
* * *
وقال آخرون: هي محكمة، وليست منسوخة. وإنما معنى ذلك: "قل الأنفال لله" ، وهي لا شك لله مع الدنيا بما فيها والآخرة= وللرسول، يضعها في مواضعها التي أمره الله بوضعها فيه.
* ذكر من قال ذلك:
15676- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "يسألونك عن الأنفال" ، فقرأ حتى بلغ: "إن كنتم مؤمنين" ، فسلَّموا لله ولرسوله يحكمان فيها بما شاءا، ويضعانها حيث أرادا، فقالوا: نعم! ثم جاء بعد الأربعين: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ) الآية [سورة الأنفال: 41] ، ولكم أربعة أخماس. وقال النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر: "وهذا الخمس مردود على فقرائكم" ، يصنع الله ورسوله في ذلك الخمس ما أحبَّا، ويضعانه حيث أحبَّا، ثم أخبرنا الله بالذي يجب من ذلك. ثم قرأ الآية: (وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأغْنِيَاءِ مِنْكُمْ) [سورة الحشر: 7] .
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله جل ثناؤه أخبر أنه جعل الأنفال لنبيه صلى الله عليه وسلم، يُنفِّل من شاء، فنفّل القاتل السَّلَب، وجعل للجيش في البَدْأة الربع، وفي الرجعة الثلث بعد الخمس. (1) ونفَّل
(1)
"البدأة" ، ابتداء سفر الغزو، "الرجعة" القفول منه. وكان إذا نهضت سرية من جملة العسكر المقبل على العدو، فأوقعت بطانته من العدو، فما غنموا كان لهم الربع، ويشركهم سائر العسكر في ثلاثة أرباع ما غنموا. وإذا فعلت ذلك عند عود العسكر، كان لهم من جميع ما غنموا الثلث، لأن الكرة الثانية أشق عليهم، والخطر فيها أعظم. وذلك لقوة الظهر عند دخولهم، وضعفه عند خروجهم. وهم في الأول أنشط وأشهي للسير والإمعان في بلاد العدو، وهم عند القفول أضعف وأفتر وأشهي للرجوع إلى أوطانهم، فزادهم لذلك.

قومًا بعد سُهْمَانهم بعيرًا بعيرًا في بعض المغازي. فجعل الله تعالى ذكره حكم الأنفال إلى نبيه صلى الله عليه وسلم، ينفِّل على ما يرى مما فيه صلاحُ المسلمين، وعلى من بعده من الأئمة أن يستَنّوا بسُنته في ذلك.
وليس في الآية دليل على أن حكمها منسوخ، لاحتمالها ما ذكرتُ من المعنى الذي وصفت. وغير جائز أن يحكم بحكم قد نزل به القرآن أنه منسوخ، إلا بحجة يجب التسليم لها، فقد دللنا في غير موضع من كتبنا على أن لا منسوخ إلا ما أبطل حكمه حادثُ حكمٍ بخلافه، ينفيه من كل معانيه، أو يأتي خبرٌ يوجب الحجةَ أن أحدهما ناسخٌ الآخرَ. (1)
* * *
وقد ذكر عن سعيد بن المسيب: أنه كان ينكر أن يكون التنفيل لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، تأويلا منه لقول الله تعالى: "قل الأنفال لله والرسول" .
15677- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبدة بن سليمان، عن محمد بن عمرو قال: أرسل سعيد بن المسيب غلامه إلى قوم سألوه عن شيء، فقال: إنكم أرسلتم إلي تسألوني عن الأنفال، فلا نَفَل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
* * *
وقد بينا أن للأئمة أن يتأسَّوْا برسول الله صلى الله عليه وسلم في مغازيهم بفعله، فينفِّلوا على نحو ما كان ينفل، إذا كان التنفيل صلاحًا للمسلمين.
* * *
(1)
انظر مقالة أبي جعفر في "النسخ" فيما سلف في فهارس الموضوعات، وفهارس النحو والعربية وغيرهما.

القول في تأويل قوله: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فخافوا الله أيها القوم، واتقوه بطاعته واجتناب معاصيه، وأصلحوا الحال بينكم.
* * *
واختلف أهل التأويل في الذي عنى بقوله: "وأصلحوا ذات بينكم" .
فقال بعضهم: هو أمر من الله الذين غنموا الغنيمة يوم بدر، وشهدوا الوقعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ اختلفوا في الغنيمة: أن يردَّ ما أصابوا منها بعضُهم على بعض. (1)
* ذكر من قال ذلك:
15678- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم" ، قال: كان نبي الله ينفِّل الرجل من المؤمنين سَلَب الرجل من الكفار إذا قتله، ثم أنزل الله: "فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم" ، أمرهم أن يردَّ بعضهم على بعض.
15679- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفّل الرجل على قدر جِدّه وغَنَائه على ما رأى، حتى إذا كان يوم بدر، وملأ الناسُ أيديهم غنائم، قال أهل الضعف من الناس: ذهب أهل القوة بالغنائم! فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت: "قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم" ، ليردَّ أهل القوة على أهل الضعف.
* * *
(1)
في المطبوعة: "أن يردوا" بالجمع، وأثبت ما في المخطوطة، وهو الصواب.

وقال آخرون: هذا تحريج من الله على القوم، ونهيٌ لهم عن الاختلاف فيما اختلفوا فيه من أمر الغنيمة وغيره.
* ذكر من قال ذلك:
15680- حدثني محمد بن عمارة قال، حدثنا خالد بن يزيد= وحدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد= قالا حدثنا أبو إسرائيل، عن فضيل، عن مجاهد، في قول الله: "فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم" ، قال: حَرَّج عليهم.
15681- حدثني الحارث قال، حدثنا القاسم قال، حدثنا عباد بن العوام، عن سفيان بن حسين، عن مجاهد، عن ابن عباس: "فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم" ، قال هذا تحريجٌ من الله على المؤمنين، أن يتقوا ويصلحوا ذات بينهم= قال عباد، قال سفيان: هذا حين اختلفوا في الغنائم يوم بدر.
15682- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم" ، أي لا تَسْتَبُّوا.
* * *
واختلف أهل العربية في وجه تأنيث "البين" .
فقال بعض نحويي البصرة: أضاف "ذات" إلى "البين" وجعله "ذاتًا" ، لأن بعضَ الأشياء يوضع عليه اسم مؤنث، وبعضًا يذكر نحو "الدار" و "الحائط" ، أنث "الدار" وذكر "الحائط" .
* * *
وقال بعضهم: إنما أراد بقوله: "ذات بينكم" ، الحال التي للبين، فقال: وكذلك "ذات العشاء" ، يريد الساعة التي فيها العشاء، قال: ولم يضعوا مذكرًا لمؤنث، ولا مؤنثًا لمذكر، إلا لمعنى.
* * *
قال أبو جعفر: هذا القول أولى القولين بالصواب، للعلة التي ذكرتها له.
* * *
وأما قوله: "وأطيعوا الله ورسوله" ، فإن معناه: وانتهوا أيها القوم الطالبون الأنفال، إلى أمر الله وأمر رسوله فيما أفاء الله عليكم، فقد بين لكم وجوهه وسبله= "إن كنتم مؤمنين" ، يقول: إن كنتم مصدقين رسول الله فيما آتاكم به من عند ربكم، كما:-
15683- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: "فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين" ، فسلموا لله ولرسوله، يحكمان فيها بما شاءا، ويضعانها حيث أرادا.
* * *
القول في تأويل قوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ليس المؤمن بالذي يخالف الله ورسوله، ويترك اتباعَ ما أنزله إليه في كتابه من حدوده وفرائضه، والانقياد لحكمه، ولكن المؤمن هو الذي إذا ذكر الله وَجِل قلبه، وانقاد لأمره، وخضع لذكره، خوفًا منه، وفَرَقًا من عقابه، وإذا قرئت عليه آيات كتابه صدّق بها، (1) وأيقن أنها من عند الله، فازداد بتصديقه بذلك، إلى تصديقه بما كان قد بلغه منه قبل ذلك، تصديقًا. وذلك هو زيادة ما تلى عليهم من آيات الله إيَّاهم إيمانًا (2) = "وعلى ربهم يتوكلون" ، يقول: وبالله يوقنون، في أن قضاءه فيهم ماضٍ، فلا يرجون غيره، ولا يرهبون سواه. (3)
* * *
(1)
انظر تفسير "التلاوة" فيما سلف ص: 252، تعليق 2، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "زيادة الإيمان" فيما سلف 7: 405.

(3)
انظر تفسير "الوكيل" فيما سلف 12: 563، تعليق: 1، والمراجع هناك.

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
15684- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: "إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم" ، قال: المنافقون، لا يدخل قلوبهم شيء من ذكر الله عند أداء فرائضه، ولا يؤمنون بشيء من آيات الله، ولا يتوكلون على الله، ولا يصلّون إذا غابوا، ولا يؤدُّون زكاة أموالهم. فأخبر الله سبحانه أنهم ليسوا بمؤمنين، ثم وصف المؤمنين فقال: "إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم" ، فأدوا فرائضه= "وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانًا" ، يقول: تصديقًا= "وعلى ربهم يتوكلون" ، يقول: لا يرجون غيره.
15685- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبد الله، عن ابن جريج، عن عبد الله بن كثير، عن مجاهد: "الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم" ، قال: فَرِقت.
15686-. . . . قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن السدي: "الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم" ، قال: إذا ذكر الله عند الشيء وجِلَ قلبه.
15687 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم" ، يقول: إذا ذكر الله وَجِل قلبه.
15688 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: "وجلت قلوبهم" ، قال: فرقت.
15689 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن
ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "وجلت قلوبهم" ، فرقت.
15690-. . . . قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن سفيان قال: سمعت السدي يقول في قوله: "إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم" ، قال: هو الرجل يريد أن يظلم = أو قال: يهمّ بمعصية = أحسبه قال: فينزع عنه.
15691- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا سفيان الثوري، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن شهر بن حوشب، عن أبي الدرداء في قوله: "إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم" ، قال: الوجل في القلب كإحراق السَّعَفة، (1) أما تجد له قشعريرة؟ قال: بلى! قال: إذا وجدت ذلك في القلب فادع الله، فإن الدعاء يذهب بذلك.
15692- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم" ، قال: فرقًا من الله تبارك وتعالى، ووَجلا من الله، وخوفًا من الله تبارك وتعالى.
* * *
وأما قوله: "زادتهم إيمانًا" ، فقد ذكرت قول ابن عباس فيه. (2)
* * *
وقال غيره فيه، ما:-
15693- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: "وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانًا" ، قال: خشية.
15694- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانًا وعلى ربهم يتوكلون" ، قال: هذا نعت أهل الإيمان، فأثبت نَعْتهم، ووصفهم فأثبت صِفَتهم.
* * *
(1)
"السعفة" (بفتحتين) ورق جريد النخل إذا يبس.

(2)
يعني رقم: 15684.

القول في تأويل قوله: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: الذين يؤدون الصلاة المفروضة بحدودها، وينفقون مما رزقهم الله من الأموال فيما أمرهم الله أن ينفقوها فيه، من زكاة وجهاد وحج وعمرة ونفقةٍ على من تجب عليهم نفقته، فيؤدُّون حقوقهم= "أولئك" ، يقول: هؤلاء الذين يفعلون هذه الأفعال (1) = "هم المؤمنون" ، لا الذين يقولون بألسنتهم: "قد آمنا" وقلوبهم منطوية على خلافه نفاقًا، لا يقيمون صلاة ولا يؤدُّون زكاة.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
15695- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي، عن ابن عباس: "الذين يقيمون الصلاة" ، يقول: الصلوات الخمس= "ومما رزقناهم ينفقون" ، يقول: زكاة أموالهم (2) = "أولئك هم المؤمنون حقًّا" ، يقول: برئوا من الكفر. ثم وصف الله النفاق وأهله فقال: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ) : إلى قوله: (أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا) [سورة النساء: 150-151] فجعل الله المؤمن مؤمنًا حقًّا، وجعل الكافر كافرًا حقًّا، وهو قوله: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) [سورة التغابن: 2] .
(1)
انظر تفسير: "إقامة الصلاة" ، و "الرزق" ، و "النفقة" فيما سلف من فهارس اللغة (قوم) ، (رزق) ، (نفق) .

(2)
انظر تفسير "حقا" فيما سلف من فهارس اللغة (حقق) .

15696- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "أولئك هم المؤمنون حقًّا" ، قال: استحقُّوا الإيمان بحق، فأحقه الله لهم.
* * *
القول في تأويل قوله: {لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) }
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: "لهم درجات" ، لهؤلاء المؤمنين الذين وصف جل ثناؤه صفتهم= "درجات" ، وهي مراتب رفيعة. (1)
* * *
ثم اختلف أهل التأويل في هذه "الدرجات" التي ذكر الله أنها لهم عنده، ما هي؟
فقال بعضهم: هي أعمال رفيعة، وفضائل قدّموها في أيام حياتهم.
* ذكر من قال ذلك:
15697- حدثني أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا إسرائيل، عن أبي يحيى القتات، عن مجاهد: "لهم درجات عند ربهم" ، قال: أعمال رفيعة. (2)
* * *
وقال آخرون: بل ذلك مراتب في الجنة.
* ذكر من قال ذلك:
15698- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا
(1)
انظر تفسير "الدرجة" فيما سلف 12: 289، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(2)
الأثر: 15697 - "أبو يحيى القتات" ، ضعيف، مضى برقم: 12139.

سفيان، عن هشام عن جبلة، عن عطية، عن ابن محيريز: "لهم درجات عند ربهم" ، قال: الدرجات سبعون درجة، كل درجة حُضْر الفرس الجواد المضمَّر سبعين سنة. (1)
* * *
وقوله: "ومغفرة" ، يقول: وعفو عن ذنوبهم، وتغطية عليها (2) = "ورزق كريم" ، قيل: الجنة= وهو عندي: ما أعد الله في الجنة لهم من مزيد المآكل والمشارب وهنيء العيش. (3)
15699- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق، عن هشام، عن عمرو، عن سعيد، عن قتادة: "ومغفرة" ، قال: لذنوبهم= "ورزق كريم" ، قال: الجنة.
* * *
(1)
الأثر: 15698 - "سفيان" هو، الثوري.

و "هشام" هو: "هشام بن حسان القردوسي" ، مضى برقم: 2827، 7287، 9837، 10258.
و "جبلة" هو "جبلة بن سحيم التيمي" ، مضى برقم: 3003، 10258، زكان في المطبوعة والمخطوطة: "هشام بن جبلة" ، وهو خطأ صرف.
وأما "عطية" ، فلا أعرف من يكون، وأنا في شك منه.
و "ابن محيريز" ، هو: "عبد الله بن محيريز الجمحي" ، مضى برقم: 8720، 10258.
وهذا الخبر، روى مثله في تفسير غير هذه الآية، فيما سلف برقم: 10258 قال: "حدثنا علي بن الحسين الأزدي، قال حدثنا الأشجعي، عن سفيان، عن هشام بن حسان، عن جبلة ابن سحيم، عن ابن محيريز" ، ليس فيه "ابن عطية" هذا الذي هنا.
و "الحضر" (بضم فسكون) ، ارتفاع الفرس في عدوه.
و "المضمر" ، هو الذي أعد للسباق والركض.
(2)
انظر تفسير "المغفرة" فيما سلف من فهارس اللغة (غفر) .

(3)
انظر تفسير "كريم" فيما سلف 8: 259.

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif




ابوالوليد المسلم 17-07-2025 12:53 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنفال
الحلقة (723)
صــ 391 إلى صــ 400





القول في تأويل قوله: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5) يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (6) }
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في الجالب لهذه "الكاف" التي في قوله: "كما أخرجك" ، وما الذي شُبِّه بإخراج الله نبيه صلى الله عليه وسلم من بيته بالحق.
فقال بعضهم: شُبِّه به في الصلاح للمؤمنين، اتقاؤهم ربهم، وإصلاحهم ذات بينهم، وطاعتهم الله ورسوله. وقالوا: معنى ذلك: يقول الله: وأصلحوا ذات بينكم، فإن ذلك خير لكم، كما أخرج الله محمدًا صلى الله عليه وسلم من بيته بالحقّ، فكان خيرًا له. (1)
* ذكر من قال ذلك:
15700- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا داود، عن عكرمة: "فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين. كما أخرجك ربك من بيتك بالحق" ، الآية، أي: إن هذا خيرٌ لكم، كما كان إخراجك من بيتك بالحق خيرًا لك.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: كما أخرجك ربك، يا محمد، من بيتك بالحق على كره من فريق من المؤمنين، كذلك هم يكرهون القتال، فهم يجادلونك فيه بعد ما تبين لهم.
* ذكر من قال ذلك:
15701- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا
(1)
في المطبوعة، والمخطوطة: "كان خيرًا له" ، بغير فاء، والصواب ما أثبت، وهي في المخطوطة سيئة الكتابة.

عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "كما أخرجك ربك من بيتك بالحق" ، قال: كذلك يجادلونك في الحق.
15702 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "كما أخرجك ربك من بيتك بالحق" ، كذلك يجادلونك في الحقِّ، القتالِ.
15703-. . . . قال: حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: "كما أخرجك ربك من بيتك بالحق" ، قال: كذلك أخرجك ربك. (1)
15704- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: أنزل الله في خروجه = يعني خروج النبي صلى الله عليه وسلم= إلى بدر، ومجادلتهم إياه فقال: "كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقًا من المؤمنين لكارهون" ، لطلب المشركين، "يجادلونك في الحق بعد ما تبين" .
* * *
واختلف أهل العربية في ذلك.
فقال بعض نحويي الكوفيين: ذلك أمر من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يمضي لأمره في الغنائم، على كره من أصحابه، كما مضى لأمره في خروجه من بيته لطلب العِير وهم كارهون. (2)
* * *
وقال آخرون منهم: معنى ذلك: يسألونك عن الأنفال مجادلةً، كما جادلوك يوم بدر فقالوا: "أخرجتنا للعِير، ولم تعلمنا قتالا فنستعدَّ له" .
(1)
هكذا في المخطوطة والمطبوعة، ولعل الصواب: "قال: كذلك يجادلونك" ، وهو ما تدل عليه الآثار السالفة عن مجاهد.

(2)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 403

وقال بعض نحويي البصرة، يجوز أن يكون هذا "الكاف" في (كما أخرجك) ، على قوله: (أولئك هم المؤمنون حقًّا) ، (كما أخرجك ربك من بيتك بالحق) . وقال: "الكاف" بمعنى "على" . (1)
* * *
وقال آخرون منهم (2) هي بمعنى القسم. قال: ومعنى الكلام: والذي أخرجك ربّك. (3)
* * *
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب، قولُ من قال في ذلك بقول مجاهد، وقال: معناه: كما أخرجك ربك بالحقّ على كره من فريق من المؤمنين، كذلك يجادلونك في الحق بعد ما تبين= لأن كلا الأمرين قد كان، أعني خروج بعض من خرج من المدينة كارهًا، وجدالهم في لقاء العدو وعند دنوِّ القوم بعضهم من بعض، فتشبيه بعض ذلك ببعض، مع قرب أحدهما من الآخر، أولى من تشبيهه بما بَعُد عنه.
* * *
وقال مجاهد في "الحق" الذي ذكر أنهم يجادلون فيه النبيّ صلى الله عليه وسلم بعد ما تبينوه: هو القتال.
15705- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (يجادلونك في الحق) ، قال: القتال.
15706 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة، قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
(1)
في المطبوعة: "وقيل: الكاف ..." ، كأنه قول آخر، والصواب ما في المخطوطة. ولعل قائل هذا هو الأخفش، لأنه الذي قال: "الكاف بمعنى: على" ، وزعم أن من كلام العرب إذا قيل لأحدهم: "كيف أصبحت" ، أن يقول: "كخير" ، والمعنى: على خير.

وانظر تفسير "كما" فيما سلف 3: 209، في قوله تعالى: "كما أرسلنا فيكم رسولا" [سورة البقرة: 151] .
(2)
في المطبوعة: "وقال آخرون" ، جمعًا، وأثبت ما في المخطوطة، وهو الصواب، وقائل ذلك هو أبو عبيدة معمر بن المثنى.

(3)
انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 240، 241.

15707 - حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
* * *
وأما قوله: (من بيتك) ، فإن بعضهم قال: معناه: من المدينة.
* ذكر من قال ذلك:
15708- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة، قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي بزة: (كما أخرجك ربك من بيتك) ، المدينة، إلى بدر.
15709- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، أخبرني محمد بن عباد بن جعفر في قوله: (كما أخرجك ربك من بيتك بالحق) ، قال: من المدينة إلى بدر.
* * *
وأما قوله: (وإن فريقًا من المؤمنين لكارهون) ، فإن كراهتهم كانت، كما:-
15710- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال، حدثني محمد بن مسلم الزهري، وعاصم بن عمر بن قتادة، وعبد الله بن أبي بكر، ويزيد بن رومان، عن عروة بن الزبير وغيرهم من علمائنا، عن عبد الله بن عباس، قالوا: لما سمع رَسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي سفيان مقبلا من الشأم، ندب إليهم المسلمين، (1) وقال: هذه عير قريش فيها أموالهم، (2) فاخرجوا إليها، لعل الله أن ينفِّلكموها! فانتدب الناس، فخفّ بعضهم وثقُل بعضهم، وذلك أنهم لم يظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقى حربًا. (3)
15711- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (وإن فريقًا من المؤمنين لكارهون) ، لطلب المشركين.
* * *
(1)
"ندب الناس إلى حرب أو معونة، فانتدبوا" ، أي: دعاهم فاستجابوا وأسرعوا إليه.

(2)
"العير" ، (بكسر العين) : القافلة، وكل ما امتاروا عليه من أبل وحمير وبغال. وهي قافلة تجارة قريش إلى الشام.

(3)
الأثر: 15710 - سيرة ابن هشام 2:257، 258.

ثم اختلف أهل التأويل في الذين عنوا بقوله: (يجادلونك في الحق بعد ما تبين) .
فقال بعضهم: عُني بذلك: أهلُ الإيمان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين كانوا معه حين توجَّه إلى بدر للقاء المشركين.
* ذكر من قال ذلك:
15712- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال، لما شاور النبي صلى الله عليه وسلم في لقاء القوم، وقال له سعد بن عبادة ما قال، وذلك يوم بدر، أمرَ الناس، فتعبَّوْا للقتال، (1) وأمرهم بالشوكة، وكره ذلك أهل الإيمان، فأنزل الله: (كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقًا من المؤمنين لكارهون يجادلونك في الحق بعد ما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون) .
15713- حدثني ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: ثم ذكر القومَ= يعني أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم = ومسيرَهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين عرف القوم أن قريشًا قد سارت إليهم، وأنهم إنما خرجوا يريدون العيرَ طمعًا في الغنيمة، فقال: (كما أخرجك ربك من بيتك بالحق) ، إلى قوله: (لكارهون) ، أي كراهيةً للقاء القوم، وإنكارًا لمسير قريش حين ذُكِروا لهم. (2)
* * *
وقال آخرون: عُني بذلك المشركون.
* ذكر من قال ذلك:
15714- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في
(1)
"عبى الجيش" و "عبأة" بالهمز، واحد. و "تعبوا للقتال" و "تعبأوا" ، تهيأوا له.

(2)
الأثر: 15713- سيرة ابن هشام 2: 322، وهو تابع الأثر السالف رقم: 15655.

قوله: (يجادلونك في الحق بعد ما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون) ، قال: هؤلاء المشركون، جادلوه في الحق (1) = "كأنما يساقون إلى الموت" ، حين يدعون إلى الإسلام= (وهم ينظرون) ، قال: وليس هذا من صفة الآخرين، هذه صفة مبتدأة لأهل الكفر.
15715- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا يعقوب بن محمد قال، حدثني عبد العزيز بن محمد، عن ابن أخي الزهري، عن عمه قال: كان رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يفسر: (كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون) ، خروجَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العِير. (2)
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك ما قاله ابن عباس وابن إسحاق، من أن ذلك خبرٌ من الله عن فريق من المؤمنين أنهم كرهوا لقاء العدو، وكان جدالهم نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم أن قالوا: "لم يُعلمنا أنا نلقى العدو فنستعد لقتالهم، وإنما خرجنا للعير" . ومما يدلّ على صحته قولُه (3) (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ) ، ففي ذلك الدليلُ الواضح لمن فهم عن الله، أن القوم قد كانوا للشوكة كارهين، وأن جدالهم كان في القتال، كما قال مجاهد، كراهيةً منهم له= وأنْ لا معنى لما قال ابن زيد، لأن الذي قبل قوله: (يجادلونك في الحق) ، خبرٌ عن أهل الإيمان، والذي يتلوه
(1)
في المطبوعة: "جادلوك" ، وأثبت الصواب الجيد من المخطوطة.

(2)
الأثر: 15715 - "يعقوب بن محمد الزهري" ، مضى قريبًا برقم 15654، وهو يروي عن ابن أخي الزهري مباشرة، ولكنه روى عنه هنا بالواسطة.

و "عبد العزيز بن محمد بن عبيد بن أبي عبيد الدراوردي" ثقة، روى له الجماعة، مضى برقم: 10676.
و "ابن أخي الزهري" ، هو "محمد بن عبد الله بن مسلم الزهري" ، ثقة، متكلم فيه، روى له الجماعة. يروي عن عمه "ابن شهاب الزهري" .
(3)
في المطبوعة والمخطوطة: "على صحة قوله" ، والصواب ما أثبت.

خبرٌ عنهم، فأن يكون خبرًا عنهم، أولى منه بأن يكون خبرًا عمن لم يجرِ له ذكرٌ.
* * *
وأما قوله: (بعد ما تبين) ، فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله.
فقال بعضهم: معناه: بعد ما تبين لهم أنك لا تفعل إلا ما أمرك الله.
* ذكر من قال ذلك:
15816- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: بعد ما تبين أنك لا تصنع إلا ما أمرك الله به.
* * *
وقال آخرون: معناه: يجادلونك في القتال بعدما أمرت به.
* ذكر من قال ذلك:
15717- رواه الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس. (1)
* * *
وأما قوله: (كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون) ، فإن معناه: كأن هؤلاء الذين يجادلونك في لقاء العدوّ، من كراهتهم للقائهم إذا دعوا إلى لقائهم للقتال، "يساقون إلى الموت" .
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
15718- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، قال ابن إسحاق: (كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون) ، أي كراهةً للقاء القوم، وإنكارًا لمسير قريش حين ذكروا لهم. (2)
* * *
(1)
الأثر: 15717 - هكذا جاء في المخطوطة والمطبوعة، لم يذكر نصًا، وكأن صواب العبارة: "رواه الكلبي ..." .

(2)
الأثر: 15718 - سيرة بن هشام 2: 322، وهو جزء من الخبر السالف رقم: 15713.

القول في تأويل قوله: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: واذكروا، أيها القوم= (إذ يعدكم الله إحدى الطائفتين) ، يعني إحدى الفرقتين، (1) فرقة أبي سفيان بن حرب والعير، وفرقة المشركين الذين نَفَروا من مكة لمنع عيرهم.
* * *
وقوله: (أنها لكم) ، يقول: إن ما معهم غنيمة لكم= (وتودون أنّ غير ذات الشوكة تكون لكم) ، يقول: وتحبون أن تكون تلك الطائفة التي ليست لها شوكة= يقول: ليس لها حدٌّ، (2) ولا فيها قتال= أن تكون لكم. يقول: تودُّون أن تكون لكم العيرُ التي ليس فيها قتال لكم، دون جماعة قريش الذين جاءوا لمنع عيرهم، الذين في لقائهم القتالُ والحربُ.
* * *
وأصل "الشوكة" من "الشوك" .
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
15719- حدثنا علي بن نصر، وعبد الوارث بن عبد الصمد قالا حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال، حدثنا أبان العطار قال، حدثنا هشام بن عروة، عن عروة: أن أبا سفيان أقبل ومن معه من رُكبان قريش مقبلين من الشأم، (3) فسلكوا طريق الساحل. فلما سمع بهم النبي صلى الله عليه وسلم، ندب أصحابه، وحدّثهم بما معهم من الأموال، وبقلة عددهم. فخرجوا
(1)
انظر تفسير "الطائفة" فيما سلف 12: 560، تعليق: 3، والمراجع هناك.

(2)
"الحد" (بفتح الحاء) هو: الحدة (بكسر الحاء) ، والبأس الشديد، والنكاية.

(3)
"الركبان" و "الركب" ، أصحاب الإبل في السفر، وهو اسم جمع لا واحد له.

لا يريدون إلا أبا سفيان والركب معه، لا يرونها إلا غنيمة لهم، لا يظنون أن يكون كبيرُ قتالٍ إذا رأوهم. وهي التي أنزل الله فيها (1) (وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم) . (2)
15720- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن مسلم الزهري، وعاصم بن عمر بن قتادة، وعبد الله بن أبي بكر، ويزيد بن رومان، عن عروة بن الزبير وغيرهم من علمائنا، (3) عن عبد الله بن عباس، كُلٌّ قد حدثني بعض هذا الحديث، فاجتمع حديثهم فيما سُقت من حديث بدر، قالوا: لما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي سفيان مقبلا من الشأم، ندب المسلمين إليهم وقال: هذه عير قريش، فيها أموالهم، فاخرجوا إليها لعل الله أن ينفِّلكموها! فانتدب الناس، فخف بعضهم وثقل بعض، وذلك أنهم لم يظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقى حربًا. وكان أبو سفيان يستيقن حين دنا من الحجاز ويتحسس الأخبار، (4) ويسأل من لقي من الركبان، تخوفًا على
(1)
في المطبوعة: "وهي ما أنزل الله" ، وفي المخطوطة: "وهي أنزل الله" ، وأثبت ما في تاريخ الطبري.

(2)
الأثر: 15719 - "علي بن نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضي" ، الثقة الحافظ، شيخ الطبري، روى عنه مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وأبو زرعة، وأبو حاتم، والبخاري، في غير الجامع الصحيح. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 3 \ 1 \ 207.

و "عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث العنبري" ، شيخ الطبري. ثقة، مضى برقم: 2340.
وأبوه: "عبد الصمد بن عبد الوارث بن سعيد العنبري" ، ثقة، مضى مرارًا كثيرة.
و "أبان العطار" ، هو "أبان بن يزيد العطار" ، ثقة، مضى برقم: 3832، 9656.
وهذا الخبر رواه أبو جعفر، بإسناده هذا في التاريخ 2: 267، مطولا مفصلا، وهو كتاب من عروة بن الزبير إلى عبد الملك بن مروان. وكتاب عروة إلى عبد الملك بن مروان كتاب طويل رواه الطبري مفرقًا في التاريخ، وسأخرجه مجموعًا في تعليقي على الأثر 16083.
(3)
القائل "من علمائنا ..." إلى آخر السياق، هو محمد بن إسحاق.

(4)
في المطبوعة، وفي تاريخ الطبري، وفي سيرة ابن هشام: "وكان أبو سفيان حين دنا من الحجاز يتحسس" ، ليس فيها "يستقين" ، وليس فيها واو العطف في "يتحسس" ، ولكن المخطوطة واضحة، فأثبتها.

وكان في المطبوعة: "يتجسس" بالجيم، وإنما هي بالحاء المهملة، و "تحسس الخبر" ، تسمعه بنفسه وتبحثه وتطلبه.
أموال الناس، (1) حتى أصاب خبرًا من بعض الركبان: "أن محمدًا قد استنفر أصحابه لك ولعِيرك" ! (2) فحذر عند ذلك، واستأجر ضمضم بن عمرو الغِفاري، فبعثه إلى مكة، وأمره أن يأتي قريشًا يستنفرهم إلى أموالهم، ويخبرهم أن محمدًا قد عرض لها في أصحابه. فخرج ضمضم بن عمرو سريعًا إلى مكة. (3) وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه حتى بلغ واديًا يقال له "ذَفِرَان" ، فخرج منه، (4) حتى إذا كان ببعضه، نزل، وأتاه الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عِيرهم، فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم الناسَ، وأخبرهم عن قريش. فقام أبو بكر رضوان الله عليه، فقال فأحسن. ثم قام عمر رضي الله عنه، فقال فأحسن. ثم قام المقداد بن عمرو فقال: يا رسول الله، امض إلى حيث أمرك الله، فنحن معك، والله، لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى: (اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ) ، [سورة المائدة: 24] ، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون! فوالذي بعثك بالحق، لئن سرت بنا إلى بَرْك الغِمَاد = يعني: مدينة الحبشة (5) = لجالدنا معك مَن دونه حتى تبلغه! فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرًا، ثم دعا له بخيرٍ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أشيروا عليّ أيها الناس! = وإنما يريد الأنصار، وذلك أنهم كانوا عَدَدَ الناس، وذلك أنهم حين بايعوه على العقبة قالوا: "يا رسول الله، إنا برآء من ذِمامك حتى تصل إلى ديارنا، فإذا وصلت إلينا فأنت في ذمتنا، (6) نمنعك مما نمنع منه أبناءنا ونساءنا" ، فكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوف أن لا تكون الأنصار ترى عليها نُصرته إلا ممن دهمه بالمدينة من عدوه، (7) وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدوٍّ من بلادهم= قال: فلما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال له سعد بن معاذ: لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال: أجل! قال: فقد آمنا بك وصدَّقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت، فوالذي بعثك بالحق إن استعرضتَ بنا هذا البحرَ فخضته لخُضناه معك، (8) ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدًا، (9) إنا لصُبُرٌ عند الحرب، صُدُقٌ عند اللقاء، (10) لعلّ الله أن يريك منا ما تَقرُّ به عينك، فسر بنا على بركة الله! فسُرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعد، ونشطه ذلك، ثم قال: سيروا على بركة الله وأبشروا، فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين، (11) والله لكأني أنظر الآن إلى مصارع القوم غدًا ". (12) "
15721- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: أن أبا سفيان أقبل في عير من الشأم فيها تجارة قريش، وهي اللَّطيمة، (13) فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها قد أقبلت، فاستنفر الناس، فخرجوا معه ثلثمائة وبضعة عشر رجلا. فبعث عينًا له من جُهَينة، حليفًا للأنصار، يدعى "ابن أريقط" ، (14) فأتاه بخبر القوم. وبلغ أبا سفيان خروج محمد صلى الله عليه وسلم، فبعث إلى أهل مكة يستعينهم، فبعث رجلا من بني غِفار يدعى ضمضم بن عمرو، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم ولا يشعر بخروج قريش، فأخبره الله بخروجهم، فتخوف من الأنصار أن يخذلوه ويقولوا: "إنا عاهدنا أن نمنعك إن أرادك أحد ببلدنا" ! فأقبل على أصحابه فاستشارهم في طلب العِير، فقال له أبو بكر رحمة الله عليه: إنّي قد سلكت هذا الطريق، فأنا أعلم به، وقد فارقهم الرجل بمكان كذا وكذا، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم، ثم عاد فشاورهم، فجعلوا يشيرون عليه بالعير. فلما أكثر المشورة، تكلم سعد بن معاذ، فقال: يا رسول الله، أراك تشاور أصحابك فيشيرون عليك، وتعود فتشاورهم، فكأنك لا ترضى ما يشيرون عليك، وكأنك تتخوف أن تتخلف عنك الأنصار! أنت رسول الله، وعليك أنزل الكتاب، وقد أمرك الله بالقتال، ووعدك النصر، والله لا يخلف الميعاد، امض لما أمرت به، فوالذي بعثك بالحق لا يتخلف عنك رجل من الأنصار! ثم قام المقداد بن الأسود الكندي فقال: يا رسول الله، إنا لا نقول لك كما قال بنو إسرائيل لموسى: (اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ
(1)
في المطبوعة: "تخوفًا من الناس" ، وفي سيرة ابن هشام: "تخوفًا على أمر الناس" ، وأثبت ما في تاريخ الطبري.

(2)
"استنفر الناس" ، استنجدهم واستنصرهم، وحثهم على الخروج للقتال.

(3)
عند هذا الموضع انتهي ما في سيرة ابن هشام 2: 257، 258، وسيصله بالآتي في السيرة بعد 2: 266، وعنده انتهي الخبر في تاريخ الطبري 2: 270، وسيصله بالآتي في التاريخ أيضًا 2: 273.

وانظر التخريج في آخر هذا الخبر.
(4)
في السيرة وحدها "فجزع فيه" ، وهي أحق بهذا الموضع، ولكني أثبت ما في لمطبوعة والمخطوطة والتاريخ. و "جزع الوادي" ، قطعه عرضًا.

(5)
"برك الغماد" ، "برك" (بفتح الباء وكسرها) ، و "الغماد" ، (بكسر الغين وضمها ". قال الهمداني: "برك الغماد" ، في أقاصي اليمن (معجم ما استعجم: 244) ."

(6)
"الذمام" و "الذمة" ، العهد والكفالة والحرمة.

(7)
في المطبوعة "خاف أن لا تكون الأنصار" ، وأثبت ما في سيرة ابن هشام، وتاريخ الطبري. و "يتخوف" ساقطة من المخطوطة.

و "دهمه" (بفتح الهاء وكسرها) : إذا فاجأه على غير استعداد.
(8)
"استعرض البحر، أو الخطر" : أقبل عليه لا يبالي خطره. وهذا تفسير للكلمة، استخرجته، لا تجده في المعاجم.



https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif


ابوالوليد المسلم 17-07-2025 12:56 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنفال
الحلقة (724)
صــ 401 إلى صــ 410




(9)
في المطبوعة: "أن يلقانا عدونا غدًا" ، لم يحسن قراءة المخطوطة، وهذا هو الموافق لما في سيرة ابن هشام، وتاريخ الطبري.

(10)
"صدق" (بضمتين) جمع "صدوق" ، مجازه: أن يصدق في قتاله أو عمله، أي يجد فيه جدًا، كالصدق في القول الذي لا يخالطه كذب، أي ضعف.

(11)
قوله في آخر الجملة الآتية "غدًا" ، ليست في سيرة ابن هشام ولا في التاريخ، ولكنها ثابتة في المخطوطة.

(12)
الأثر: 15720 - هذا الخبر، روى صدر منه فيما سلف: 15710. وهو في سيرة ابن هشام مفرق 2: 257، 258، ثم 2: 266، 267.

وفي تاريخ الطبري 2: 270 ثم 2: 273، ثم تمامه أيضًا في: 273.
(13)
"اللطيمة" ، هو الطيب، و "لطيمة المسك" ، وعاؤه ثم سموا العير التي تحمل الطيب والعسجد، ونفيس بز التجار: "اللطيمة" .

(14)
في المطبوعة: "ابن الأريقط" ، وأثبت ما في المخطوطة.

فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ) ، [سورة المائدة: 24] ، ولكنا نقول: أقدم فقاتل، إنا معك مقاتلون! ففرح رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، وقال: إن ربي وعدني القوم، وقد خرجوا، فسيروا إليهم! فساروا.
15722- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم) ، قال: الطائفتان إحداهما أبو سفيان بن حرب إذ أقبل بالعير من الشأم، والطائفة الأخرى أبو جهل معه نفر من قريش. فكره المسلمون الشوكة والقتال، وأحبوا أن يلقوا العير، وأراد الله ما أراد.
15723- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين) ، قال: أقبلت عير أهل مكة = يريد: من الشأم (1) = فبلغ أهل المدينة ذلك، فخرجوا ومعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدون العير. فبلغ ذلك أهل مكة، فسارعوا السير إليها، لا يغلب عليها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. فسبقت العير رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الله وعدهم إحدى الطائفتين، فكانوا أن يلقوا العير أحبَّ إليهم، وأيسر شوكة، وأحضر مغنمًا. فلما سبقت العير وفاتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، سار رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسلمين يريد القوم، فكره القوم مسيرهم لشوكةٍ في القوم.
15724- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم) ، قال: أرادوا العير. قال: ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة في شهر ربيع الأول، فأغار
(1)
في المخطوطة: "يريد الشأم" ، وما في المطبوعة هو الصواب.

كُرْز بن جابر الفهري يريد سَرْح المدينة حتى بلغ الصفراء، (1) فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فركب في أثره، فسبقه كرز بن جابر. فرجع النبي صلى الله عليه وسلم، فأقام سنَتَه. ثم إن أبا سفيان أقبل من الشأم في عير لقريش، حتى إذا كان قريبًا من بدر، نزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم فأوحى إليه: (وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم) ، فنفر النبي صلى الله عليه وسلم بجميع المسلمين، وهم يومئذ ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلا منهم سبعون ومئتان من الأنصار، وسائرهم من المهاجرين. وبلغ أبا سفيان الخبر وهو بالبطم، (2) فبعث إلى جميع قريش وهم بمكة، فنفرت قريش وغضبت.
15725- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: (وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم) ، قال: كان جبريل عليه السلام قد نزل فأخبره بمسير قريش وهي تريد عيرها، ووعده إما العيرَ، وإما قريشًا وذلك كان ببدر، وأخذوا السُّقاة وسألوهم، فأخبروهم، فذلك قوله: (وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم) ، هم أهل مكة.
(1)
"السرح" ، المال يسام في المرعى، من الأنعام والماشية ترعى. و "الصفراء" قرية فويق ينبع، كثيرة المزارع والنخل، وهي من المدينة على ست مراحل، وكان يسكنها جهينة والأنصار ونهد.

(2)
هكذا جاء في المطبوعة والمخطوطة، ولم أجد مكانًا ولا شيئا يقال له "البطم" ، وأكاد أقطع أنه تحريف محض، وأن صوابه (بِإضَمٍ) . و "إضم" واد بجبال تهامة، وهو الوادي الذي فيه المدينة. يسمى عند المدينة "قناة" ، ومن أعلى منها عند السد يسمى "الشظاة" ، ومن عند الشظاة إلى أسفل يسمى "إضما" . وقال ابن السكيت: "إضم" ، واد يشق الحجاز حتى يفرغ في البحر، وأعلى إضم "القناة" التي تمر دوين المدينة. و "إضم" من بلاد جهينة.

والمعروف في السير أن أبا سفيان في تلك الأيام، نزل على ماء كان عليه مجدى بن عمير الجهني، فلما أحس بخبر المسلمين، ضرب وجه عيره، فساحل بها، وترك بدرًا بيسار. فهو إذن قد نزل بأرض جهينة، و "إضم" من أرضهم، وهو يفرغ إلى البحر، فكأن هذا هو الطريق الذي سلكه. ولم أجد الخبر في مكان حتى أحقق ذلك تحقيقًا شافيًا.
15726- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم) ، إلى آخر الآية، خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى بدر وهم يريدون يعترضون عِيرًا لقريش. قال: وخرج الشيطان في صورة سُرَاقة بن جعشم، حتى أتى أهل مكة فاستغواهم، وقال: إنّ محمدًا وأصحابه قد عرضوا لعيركم! وقال: لا غالبَ لكم اليوم من الناس من مثلكم، وإنّي جار لكم أن تكونوا على ما يكره الله! فخرجوا ونادوا أن لا يتخلف منا أحد إلا هدمنا داره واستبحناه! وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالروحاء عينًا للقوم، فأخبره بهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد وعدكم العير أو القوم! فكانت العير أحبّ إلى القوم من القوم، كان القتال في الشوكة، والعير ليس فيها قتال، وذلك قول الله عز وجل: (وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم) ، قال: "الشوكة" ، القتال، و "غير الشوكة" ، العير.
15727- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا يعقوب بن محمد الزهري قال، حدثنا عبد الله بن وهب، عن ابن لهيعة، عن ابن أبي حبيب، عن أبي عمران، عن أبي أيوب قال: أنزل الله جل وعز: (وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم) ، فلما وعدنا إحدى الطائفتين أنها لنا، طابت أنفسنا: و "الطائفتان" ، عِير أبي سفيان، أو قريش. (1)
(1)
الأثر: 15727 - "يعقوب بن محمد الزهري" ، سلف قريبًا رقم: 15715.

و "عبد الله بن وهب المصري" ، الثقة، مضى برقم 6613، 10330.
و "ابن لهيعة" ، مضى الكلام في توثيقه مرارًا.
و "ابن أبي حبيب" ، هو "يزيد بن أبي حبيب المصري" ، ثقة مضى مرارًا كثيرة.
و "أبو عمران" هو: "أسلم أبو عمران" ، "أسلم بن يزيد التجيبي" ، روى عن أبي أيوب، تابعي ثقة، وكان وجيهًا بمصر. مترجم في التهذيب، والكبير 1 \ 2 \ 25، وابن أبي حاتم 1 \ 1 \ 307. وسيأتي في هذا الخبر بإسناد آخر، في الذي يليه.
ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 6: 73، 74 مطولا، وقال: "رواه الطبراني، وإسناده حسن" .
15728 - حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أسلم أبي عمران الأنصاري، أحسبه قال: قال أبو أيوب=: (وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم) ، قالوا: "الشوكة" القوم و "غير الشوكة" العير، فلما وعدنا الله إحدى الطائفتين، إما العير وإما القوم، طابت أنفسنا. (1)
15729- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثني يعقوب بن محمد قال، حدثني غير واحد في قوله: (وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم) ، إن "الشوكة" ، قريش.
15730- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم) ، هي عير أبي سفيان، ودّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن العير كانت لهم، وأن القتال صُرِف عنهم.
15731- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم) ، أي الغنيمة دون الحرب. (2)
* * *
وأما قوله: (أنها لكم) ، ففتحت على تكرير "يعد" ، وذلك أن قوله: (يعدكم الله) ، قد عمل في "إحدى الطائفتين" .
فتأويل الكلام: (وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين) ، يعدكم أن إحدى الطائفتين لكم، كما قال: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً) . [سورة محمد: 18] . (3)
* * *
(1)
الأثر: 15728 - "أسلم، أبو عمران الأنصاري" ، هو الذي سلف في الإسناد السابق، وسلف تخريجه.

(2)
الأثر: 15731 - سيرة ابن هشام 2: 322، وهو تابع الأثريين السالفين، رقم: 15713، 15718.

(3)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 404، وزاد "فأن، في موضع نصب كما نصب الساعة" .

قال: (وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم) ، فأنث "ذات" ، لأنه مراد بها الطائفة. (1) ومعنى الكلام: وتودون أن الطائفة التي هي غير ذات الشوكة تكون لكم، دون الطائفة ذات الشوكة.
القول في تأويل قوله: {وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) }
* * *
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ويريد الله أن يحق الإسلام ويعليه (2)
= "بكلماته" ، يقول: بأمره إياكم، أيها المؤمنون، بقتال الكفار، وأنتم تريدون الغنيمة، والمال (3) وقوله: (ويقطع دابر الكافرين) ، يقول: يريد أن يَجُبَّ أصل الجاحدين توحيدَ الله.
* * *
وقد بينا فيما مضى معنى "دابر" ، وأنه المتأخر، وأن معنى: "قطعه" ، الإتيان على الجميع منهم. (4)
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
15731- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، في قول الله: (ويريد الله أن يحق الحق بكلماته) ، أن يقتل هؤلاء الذين أراد أن يقطع دابرهم، هذا خيرٌ لكم من العير.
(1)
انظر ما قاله آنفًا في "ذات بينكم" ص: 384.

(2)
انظر تفسير "حق" فيما سلف من فهارس اللغة (حقق) .

(3)
انظر تفسير "كلمات الله" فيما سلف 11: 335، وفهارس اللغة (كلم) .

(4)
انظر تفسير "قطع الدابر" 11: 363، 364 \ 12: 523، 524.

15732- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين) ، أي: الوقعة التي أوقع بصناديد قريش وقادتهم يوم بدر. (1)
* * *
القول في تأويل قوله: {لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ويريد الله أن يقطع دابر الكافرين، كيما يحق الحق، كيما يُعبد الله وحده دون الآلهة والأصنام، ويعزّ الإسلام، وذلك هو "تحقيق الحق" = (ويبطل الباطل) ، يقول ويبطل عبادة الآلهة والأوثان والكفر، ولو كره ذلك الذين أجرموا فاكتسبوا المآثم والأوزار من الكفار. (2)
15733- حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: (ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون) ، هم المشركون.
* * *
وقيل: إن "الحق" في هذا الموضع، الله عز وجل.
* * *
(1)
الأثر: 15731 - سيرة ابن هشام 2: 322، وهو تابع الأثر السالف رقم: 15730.

(2)
انظر تفسير "المجرم" فيما سلف ص: 70، تعليق: 2، والمراجع هناك.

القول في تأويل قوله: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: "ويبطل الباطل" ، حين تستغيثون ربكم= ف "إذْ" من صلة "يبطل" .
* * *
ومعنى قوله: (تستغيثون ربكم) ، تستجيرون به من عدوكم، وتدعونه للنصر عليهم= "فاستجاب لكم" فأجاب دعاءكم، (1) بأني ممدكم بألف من الملائكة يُرْدِف بعضهم بعضًا، ويتلو بعضهم بعضًا. (2)
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل، وجاءت الرواية عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. * ذكر الأخبار بذلك:
15734- حدثني محمد بن عبيد المحاربي قال، حدثنا عبد الله بن المبارك، عن عكرمة بن عمار قال، حدثني سماك الحنفي قال، سمعت ابن عباس يقول: حدثني عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لما كان يوم بدر، ونظرَ رَسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وعِدّتهم، ونظر إلى أصحابه نَيِّفا على ثلاثمئة، فاستقبل القبلة، فجعل يدعو يقول: "اللهم أنجز لي ما وعدتني! اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تُعبد في الأرض!" ، فلم يزل كذلك حتى سقط رداؤه، وأخذه أبو بكر الصديق رضي الله عنه فوضع رداءه عليه، ثم التزمه من ورائه، (3) ثم قال: كفاك يا نبي الله، بأبي وأمي، مناشدتَك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك! فأنزل الله: (إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين) . (4)
(1)
انظر تفسير "استجاب" فيما سلف ص: 321، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "الإمداد" فيما سلف 1: 307، 308 \ 7: 181.

(3)
"التزمه" ، احتضنه أو اعتنقه.

(4)
الأثر: 15734 - "عكرمة بن عمار اليمامي العجلي" ، ثقة، مضى برقم: 849، 2185، 8224، 13832.

و "سماك الحنفي" ، هو "سماك بن الوليد الحنفي" ، "أبو زميل" ، ثقة. مضى برقم: 13832.
وهذا الخبر، رواه مسلم في صحيحه 12: 84 - 87، مطولا من طريق هناد بن السري، عن عبد الله بن المبارك، عن عكرمة.
رواه أحمد في مسنده رقم: 208، 221، من طريق أبي نوح قراد، عن عكرمة ابن عمار. مطولا.
وروى بعضه أبو داود في سننه 3: 82.
ورواه الترمذي في كتاب التفسير، مختصرًا، من طريق محمد بن بشار، عن عمر بن يونس اليمامي، عن عكرمة، وقال "هذا حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه من حديث عمر، إلا من حديث عكرمة بن عمار، عن أبي زميل" .
ورواه أبو جعفر الطبري في تاريخه، من الطريق نفسها 2: 280.
15735- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قال: لما اصطفَّ القوم، قال أبو جهل: اللهم أولانا بالحق فانصره! ورفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فقال: يا رب، إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض أبدا!
15736- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اللهم ربنا أنزلت علي الكتاب، وأمرتني بالقتال، ووعدتني بالنصر، ولا تخلف الميعاد! فأتاه جبريلُ عليه السلام، فأنزل الله: (أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزِلِينَ بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ) ، (1)
[سورة ال عمران: 124-125] .
15737- حدثني أبو السائب قال، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي إسحاق، عن زيد بن يُثَيْع قال: كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يدعو يقول: اللهم انصر هذه العصابة، فإنك إن لم تفعل لن تعبد في الأرض! قال: فقال أبو بكر: بعضَ مناشدتك مُنْجِزَك ما وعدك. (2)
(1)
الأثر: 15736 - هذا الخبر لم يذكره أبو جعفر في تفسير آية سورة آل عمران 7: 173 - 190.

(2)
الأثر: 15737 - "أبو إسحاق" ، هو الهمداني السبيعي، وكان في المطبوعة "ابن إسحاق" غير ما في المخطوطة، فأساء.

و "زيد بن يثيع الهمداني" ، ويقال: "... أثيع" و "أثيل" . آخره لام. روى عن أبي بكر الصديق، وعلي، وحذيفة، وأبي ذر، وعنه أبو إسحاق السبيعي فقط. ذكره ابن حبان في الثقات، مترجم في التهذيب، وابن سعد: 155، والكبير 2 \ 1 \ 373، وابن أبي حاتم 1 \ 2 \ 573 في "زيد بن نفيع الهمداني" ، وهو خطأ، والصواب ما أثبتناه، ولكن العجب أنه كان هناك في المطبوعة والمخطوطة، "زيد بن نفيع" أيضًا.
و "يثيع" بالياء والثاء، مصغرًا، هكذا ضبط. وقال ابن دريد في كتاب الاشتقاق: 249: "يثيع" "يفعل" من "ثاع، يثيع" ، إذا اتسع وانبسط.
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif




ابوالوليد المسلم 17-07-2025 12:59 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنفال
الحلقة (725)
صــ 411 إلى صــ 420





15738- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: أقبل النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الله ويستغيثه ويستنصره، فأنزل الله عليه الملائكة.
15739- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: (إذ تستغيثون ربكم) ، قال: دعاء النبي صلى الله عليه وسلم.
15740- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (إذ تستغيثون ربكم) ، أي: بدعائكم، حين نظروا إلى كثرة عدوهم وقلة عددهم= "فاستجاب لكم" ، بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعائكم معه. (1)
15741- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن أبي حصين، عن أبي صالح قال: لما كان يوم بدر جعل النبي صلى الله عليه وسلم يناشد ربه أشد النِّشدة يدعو، (2) فأتاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: يا رسول الله، بعض نِشْدَتك، فوالله ليفيَنَّ الله لك بما وعدك!
* * *
وأما قوله: (أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين) ، فقد بينا معناه. (3)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
(1)
الأثر: 15740 - سيرة ابن هشام 2: 322، 323، وهو تابع الأثر السالف رقم: 15731، وليس في سيرة ابن هشام "معه" ، في آخر الخبر.

(2)
"النشدة" (بكسر فسكون) مصدر: "نشدتك الله" ، أي سألتك به واستحلفتك.

(3)
انظر ما سلف ص: 409.

15742- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين) ، يقول: المزيد، كما تقول: "ائت الرجل فزده كذا وكذا" .
15743- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أحمد بن بشير، عن هارون بن عنترة [عن أبيه] ، عن أبيه، عن ابن عباس: (مردفين) ، قال: متتابعين. (1)
15744-. . . . قال، حدثني أبي، عن سفيان، عن هارون بن عنترة، [عن أبيه] ، عن ابن عباس، مثله. (2)
15745- حدثني سليمان بن عبد الجبار قال، حدثنا محمد بن الصلت قال، حدثنا أبو كدينة، عن قابوس، عن أبيه، عن ابن عباس: (ممدكم بألف من الملائكة مردفين) ، قال: وراء كل ملك ملك. (3)
15746 - حدثني ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن أبي كدينة يحيى بن المهلب، عن قابوس، عن أبيه، عن ابن عباس: (مردفين) ، قال: متتابعين. (4)
15747-. . . . قال، حدثنا هانئ بن سعيد، عن حجاج بن أرطأة،
(1)
الأثر: 15743 - "أحمد بن بشير الكوفي" ، مضى برقم 7819، 11084.

و "هارون بن عنترة بن عبد الرحمن" ، مضى مرارًا كثيرة آخرها: 11084.
وأبوه "عنترة بن عبد الرحمن" ، مضى أيضًا، انظر رقم 11084.
(2)
الأثر: 15744. زيادة "عن أبيه" بين قوسين، هو ما أرجح أنه الصواب، وأن إسقاطها من الناسخ. انظر الإسناد السالف.

(3)
الأثر: 15745 - "سليمان بن عبد الجبار بن زريق الخياط" ، شيخ الطبري، مضى برقم: 5994، 9745.

و "محمد بن الصلت بن الحجاج الأسدي" ، مضى برقم: 3002، 5994، 9745.
و "أبو كدينة" ، "يحيى بن المهلب البجلي" ، مضى برقم: 4193، 5994، 9745.
و "قابوس بن أبي ظبيان الجنبي" ، مضى برقم: 9745، 10683.
وأبوه "أبو ظبيان" ، هو: "حصين بن جندب الجنبي" ، مضى برقم: 9745، 10683.
(4)
الأثر: 15746 - انظر رجال الأثر السالف.

عن قابوس قال: سمعت أبا ظبيان يقول: (مردفين) ، قال: الملائكة، بعضهم على إثر بعض. (1)
15748-. . . . قال، حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك قال: (مردفين) ، قال: بعضهم على إثر بعض.
15749- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
15750- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله: (مردفين) ، قال: ممدِّين= قال ابن جريج، عن عبد الله بن كثير قال: (مردفين) ، "الإرداف" ، الإمداد بهم.
15751- حدثني بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (بألف من الملائكة مردفين) ، أي متتابعين.
15752- حدثنا [محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور] قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (بألف من الملائكة مردفين) ، يتبع بعضهم بعضًا. (2)
(1)
الأثر: 15747 - "هانئ بن سعيد النخعي" ، شيخ ابن وكيع، سلف برقم: 13159، 13965، 14836.

(2)
الأثر: 15752 - صدر هذا الإسناد خطأ لا شك فيه. وهو كما وضعته بين القوسين، جاء في المطبوعة. أما المخطوطة، فهو فيها هكذا: "حدثنا محمد بن عبد الله قال، حدثنا محمد ابن ثور قال، حدثنا بن عبد الأعلى قال حدثنا أحمد بن المفضل ..." ، وهو خلط لا ريب، وهما إسنادان.

فالإسناد الأول، هو: "حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد ثور، عن معمر ..." ، وهو إسناد دائر في التفسير.
والإسناد الثاني، وهو هذا كما يجب أن يكون:
"حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل ..." ، وهو إسناد دائر في التفسير، أقربه رقم: 15738.
وظاهر أنه قد سقط تمام إسناد "محمد بن عبد الأعلى" .
15753- حدثنا يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (مردفين) ، قال: "المردفين" ، بعضهم على إثر بعض، يتبع بعضهم بعضًا.
15754- حدثت عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (بألف من الملائكة مردفين) ، يقول: متتابعين، يوم بدر.
* * *
واختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأته عامة قرأة أهل المدينة: "مُرْدَفِينَ" ، بنصب الدال.
* * *
وقرأه بعض المكيين وعامة قرأة الكوفيين والبصريين: (مُرْدِفِينَ) .
* * *
وكان أبو عمرو يقرؤه كذلك، ويقول فيما ذكر عنه: هو من "أردف بعضهم بعضًا" .
* * *
وأنكر هذا القول من قول أبي عمرو بعض أهل العلم بكلام العرب وقال: إنما "الإرداف" ، أن يحمل الرجل صاحبه خلفه. قال: ولم يسمع هذا في نعت الملائكة يوم بدر.
* * *
واختلف أهل العلم بكلام العرب في معنى ذلك إذا قرئ بفتح الدال أو بكسرها.
فقال بعض البصريين والكوفيين: معنى ذلك إذا قرئ بالكسر: أن الملائكة جاءت يتبع بعضهم بعضًا، على لغة من قال: "أردفته" . وقالوا: العرب تقول: "أردفته" . و "رَدِفته" ، بمعنى "تبعته" و "أتبعته" ، واستشهد لصحة قولهم ذلك بما قال الشاعر: (1)
(1)
هو: حزيمة بن نهد بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة، من قدماء الشعراء في الجاهلية. و "حزيمة" بالحاء المهملة المفتوحة، وكسر الزاي، هكذا ضبطه في تاج العروس، وقال: "وحزيمة بن نهد" في قضاعة. وهو في كتب كثيرة "خزيمة بن نهد" ، أو "خزيمة بن مالك بن نهد" (اللسان: ردف) . وقد قرأت في جمهرة الأنساب لابن حزم: 418، أن "نهد بن زيد" ، ولد "خزيمة" و "حزيمة" ، فهذا يقتضي التوقف والنظر في ضبطه، وأيهما كان صاحب القصة والشعر. وإن كان الأرجح هو الأول.

إِذَا الْجَوْزَاءُ أرْدَفَتِ الثُّرَيَّا ظَنَنْتُ بِآلِ فَاطِمَةَ الظُّنُونَا (1)
قالوا: فقال الشاعر: "أردفت" ، وإنما أراد "ردفت" ، جاءت بعدها، لأن الجوزاء تجئ بعد الثريا.
وقالوا معناه إذا قرئ (مردَفين) ، أنه مفعول بهم، كأن معناه: بألف من الملائكة يُرْدِف الله بعضهم بعضًا. (2)
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك، إذا كسرت الدال: أردفت الملائكة بعضها بعضًا= وإذا قرئ بفتحها: أردف الله المسلمين بهم.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندي، قراءة من قرأ: (بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ) ، بكسر الدال، لإجماع أهل التأويل على ما ذكرت من تأويلهم، أن معناه: يتبع بعضهم بعضًا، ومتتابعين= ففي إجماعهم على ذلك من التأويل، الدليلُ الواضح على أن الصحيح من القراءة ما اخترنا في ذلك من كسر الدال، بمعنى: أردف بعض الملائكة بعضًا، ومسموع من العرب: "جئت مُرْدِفًا لفلان" ، أي: جئت بعده.
وأما قول من قال: معنى ذلك إذا قرئ "مردَفين" بفتح الدال: أن الله أردفَ المسلمين بهم= فقولٌ لا معنى له، إذ الذكر الذي في "مردفين" من الملائكة دون المؤمنين. وإنما معنى الكلام: أن يمدكم بألف من الملائكة يُرْدَف بعضهم ببعض. ثم حذف ذكر الفاعل، وأخرج الخبر غير مسمَّى فاعلُه، فقيل: (مردَفين) ، بمعنى: مردَفٌ بعض الملائكة ببعض.
ولو كان الأمر على ما قاله من ذكرنا قوله، وجب أن يكون في "المردفين" ذكر المسلمين، لا ذكر الملائكة. وذلك خلاف ما دلّ عليه ظاهر القرآن.
(1)
الأغاني 13: 78، معجم ما استعجم: 19، سمط اللآلئ: 100، شرح ديوان أبي ذؤيب: 145. المعارف لا بن قتيبة: 302، الأزمنة والأمكنة 2: 130، جمهرة الأمثال: 31، الأمثال للميداني 1: 65، اللسان (ردف) ، (قرظ) .

وسبب هذا الشعر: أن حزيمة بن نهد كان مشئومًا فاسدًا متعرضًا للنساء، فعلق فاطمة بنت يذكر ابن عنزة بن أسد بن ربيعة بن نزار، (وهو أحد القارظين المضروب بهما المثل) ، فاجتمع قومه وقومها في مربع، فلما انقضى الربيع، ارتحلت إلى منازلها فقيل له: يا حزيمة: لقد ارتحلت فاطمة! قال: أما إذا كانت حية ففيها أطمع! ثم قال في ذلك: إِذَا الْجَوْزَاءُ أرْدَفَتِ الثُّرَيَّا ... ظَنَنْتُ بِآلِ فَاطِمَةَ الظُّنُونَا
ظَنَنْتُ بِهَا، وَظَنُّ المرء حُوبٌ ... وَإنْ أَوْفَى، وَإِنْ سَكَنَ الحَجُونا
وَحَالَتْ دُونَ ذَلِكَ مِنْ هُمُومِي ... هُمُومٌ تُخْرِيُج الشَّجَنَ الدَّفينَا
أَرَى ابْنَةَ يَذْكُرٍ ظَعَنَتْ فَحَلَّتْ ... جَنُوبَ الْحَزْنِ، يا شَحَطًا مُبِينَا!
فبلغ ذلك ربيعة، فرصدوه، حتى أخذوه فضربوه. فمكث زمانًا، ثم أن حزيمة قال ليذكر ابن عنزة: أحب أن تخرج حتى نأتي بقرظ. فمرا بقليب فاستقيا، فسقطت الدلو، فنزل يذكر ليخرجها. فلما صار إلى البئر، منعه حزيمة الرشاء، وقال: زوجني فاطمة! فقال: على هذه الحال، اقتسارًا! أخرجني أفعل! قال: لا أخرجك! فتركه حتى مات فيها. فلما رجع وليس هو معه، سأله عنه أهله، فقال: فارقني، فلست أدري أين سلك! فاتهمته ربيعة، وكان بينهم وبين قومه قضاعة في ذلك شر، ولم يتحقق أمر فيؤخذ به، حتى قال حزيمة: فَتَاةٌ كَأَنَّ رُضَابَ العَبِيرِ ... بِفِيهَا، يُعَلُّ بِهِ الزَّنْجَبِيلُ
قَتَلْتُ أَبَاهَا عَلَى حُبِّهَا، ... فَتَبْخَلُ إنْ بَخِلَتْ أوْ تُنِيلُ
عندئذ، ثارت الحرب بين قضاعة وربيعة.
قال أبو بكر بن السراج في معنى بيت الشاهد: "إن الجوزاء تردف الثريا في اشتداد الحر، فتتكبد السماء في آخر الليل، وعند ذلك تنقطع المياه وتجف، فيتفرق الناس في طلب المياه، فتغيب عنه محبوبته، فلا يدري أين مضت، ولا أين نزلت" . وانظر أيضًا شرحه في الأزمنة والأمكنة 2: 130، 131.
(2)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 404، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 241.

وقد ذكر في ذلك قراءة أخرى، وهي ما:-
15755- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، قال عبد الله بن يزيد: "مُرَدِّفِينَ" و "مُرِدِّفِينَ" و "مُرُدِّفِينَ" ، مثقَّل (1) على معنى: "مُرْتَدِفين" .
15756- حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا يعقوب بن محمد الزهري قال، حدثني عبد العزيز بن عمران عن الزمعي، عن أبي الحويرث، عن محمد بن جبير، عن علي رضي الله عنه قال: نزل جبريل في ألف من الملائكة عن ميمنة النبي صلى الله عليه وسلم وفيها أبو بكر رضي الله عنه، ونزل ميكائيل عليه السلام في ألف من الملائكة عن ميسرة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا فيها. (2)
* * *
القول في تأويل قوله: {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: لم يجعل الله إردافَ الملائكة بعضها بعضًا وتتابعها بالمصير إليكم، أيها المؤمنون، مددًا لكم= "إلا بشرى" لكم، أي: بشارة
(1)
ضبطها القرطبي في تفسيره 7: 371.

(2)
الطبري: 15756 - "عبد العزيز بن عمران بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن ابن عوف الزهري" ، الأعرج، يعرف "بابن أبي ثابت" ، كان صاحب نسب وشعر، ولم يكن صاحب حديث، وكان يشتم الناس ويطعن في أحسابهم. قال البخاري "منكر الحديث، لا يكتب حديثه" ، وقال ابن أبي حاتم: "منكر الحديث جدًا" . مضى برقم: 8012.

و "الزمعي" ، هو "موسى بن يعقوب الزمعي القرشي" ، ثقة، متكلم فيه مضى برقم: 9923، زكان في المطبوعة هناك "الربعي" ، وهي في المخطوطة غير منقوطة، وهذا صوابه، وهو الذي يروى عن أبي الحويرث.
و "أبو الحويرث" هو: "عبد الرحمن بن معاوية بن الحويرث الأنصاري الزرقي" ، ثقة، متكلم فيه حتى قالوا: "لا يحتج بحديثه، مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 2/2/284، و" محمد بن جبير بن مطعم "، ثقة تابعي مضى برقم: 9269. وهو إسناد ضعيف جداً."
لكم، تبشركم بنصر الله إياكم على أعدائكم (1) = "ولتطمئن به قلوبكم" ، يقول: ولتسكن قلوبكم بمجيئها إليكم، وتوقن بنصرة الله لكم (2) = "وما النصر إلا من عند الله" ، يقول: وما تنصرون على عدوكم، أيها المؤمنون، إلا أن ينصركم الله عليهم، لا بشدة بأسكم وقواكم، بل بنصر الله لكم، لأن ذلك بيده وإليه، ينصر من يشاء من خلقه= "إن الله عزيز حكيم" يقول: إن الله الذي ينصركم، وبيده نصرُ من يشاء من خلقه= "عزيز" ، لا يقهره شيء، ولا يغلبه غالب، بل يقهر كل شيء ويغلبه، لأنه خلقه= "حكيم" ، يقول: حكيم في تدبيره ونصره من نصر، وخذلانه من خذل من خلقه، لا يدخل تدبيره وهن ولا خَلل. (3)
* * *
وروي عن عبد الله بن كثير عن مجاهد في ذلك، ما:-
15757- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج عن ابن جريج قال، أخبرني ابن كثير: انه سمع مجاهدًا يقول: ما مدّ النبي صلى الله عليه وسلم مما ذكر الله غيرُ ألف من الملائكة مردفين، وذكر "الثلاثة" و "الخمسة" بشرى، ما مدُّوا بأكثر من هذه الألف الذي ذكر الله عز وجل في "الأنفال" ، وأما "الثلاثة" و "الخمسة" ، فكانت بشرَى.
* * *
وقد أتينا على ذلك في "سورة آل عمران" ، بما فيه الكفاية. (4)
(1)
انظر تفسير "البشرى" فيما سلف ص: 303، تعليق: 2، المراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "الاطمئنان" فيما سلف 5: 492 \ 9: 165 \ 11: 224.

(3)
انظر تفسير "عزيز" و "حكيم" فيما سلف من فهارس اللغة (عزز) ، (حكم) .

(4)
انظر ما سلف 7: 173 - 192.

القول في تأويل قوله: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأقْدَامَ (11) إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: "ولتطمئن به قلوبكم" ، "إذ يغشيكم النعاس" ، ويعني بقوله: (يغشيكم النعاس) ، يلقي عليكم النعاس (1) = (أمنة) يقول: أمانًا من الله لكم من عدوكم أن يغلبكم، وكذلك النعاس في الحرب أمنة من الله عز وجل.
* * *
15758- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا سفيان، عن عاصم، عن أبي رزين، عن عبد الله قال: النعاس في القتال، أمنةٌ من الله عز وجل، وفي الصلاة من الشيطان. (2)
15759 - حدثني الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري في قوله: "يغشاكم النعاس أمنة منه" ، (3) عن عاصم، عن أبي رزين، عن عبد الله، بنحوه، قال: قال عبد الله، فذكر مثله.
15760 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن عاصم، عن أبي رزين، عن عبد الله بنحوه.
* * *
(1)
انظر تفسير "يغشى" فيما سلف 1: 265، 266 \ 12: 436: 483.

= وتفسير "النعاس" فيما سلف 7: 316.
(2)
الأثر: 15758 - انظر هذا الخبر بإسناد آخر فيما سلف رقم: 8083.

(3)
قوله: "يغشاكم النعاس" قراءة أخرى في الآية، وسأثبتها كما جاءت في المخطوطة بعد.

و "الأمنة" مصدر من قول القائل: "أمنت من كذا أمَنَة، وأمانًا، وأمْنًا" وكل ذلك بمعنى واحد. (1)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
15761- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (أمنة منه) ، أمانًا من الله عز وجل.
15762 -. . . . قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (أمنة) ، قال: أمنًا من الله.
15763- حدثني يونس قال، حدثنا ابن وهب قال، قال ابن زيد قوله: (إذ يغشيكم النعاس أمنة منه) ، قال: أنزل الله عز وجل النعاس أمنة من الخوف الذي أصابهم يوم أحد. فقرأ: (ثُمَّ أَنزلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا) [سورة ال عمران: 154] .
* * *
واختلفت القرأة في قراءة قوله: "إذ يغشيكم النعاس أمنة منه" ،
فقرأ ذلك عامة قرأة أهل المدينة: "يُغْشِيكُمُ النُّعَاسَ" بضم الياء وتخفيف الشين، ونصب "النعاس" ، من: "أغشاهم الله النعاس فهو يغشيهم" .
* * *
وقرأته عامة قرأة الكوفيين: (يُغَشِّيكُمُ) ، بضم الياء وتشديد الشين، من: "غشّاهم الله النعاس فهو يغشِّيهم" .
* * *
وقرأ ذلك بعض المكيين والبصريين: "يَغْشَاكُمُ النُّعَاسُ" ، بفتح الياء ورفع "النعاس" ، بمعنى: "غشيهم النعاس فهو يغشاهم" .
(1)
انظر تفسير "أمنة" فيما سلف 7: 315، تعليق: 1، والمراجع هناك.



https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif


ابوالوليد المسلم 17-07-2025 01:02 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنفال
الحلقة (726)
صــ 421 إلى صــ 430






واستشهد هؤلاء لصحة قراءتهم كذلك بقوله في "آل عمران" : (يَغْشَى طَائِفَةً) [سورة ال عمران: 154] .
* * *
قال أبو جعفر: وأولى ذلك بالصواب: (إِذْ يُغَشِّيكُمْ) ، على ما ذكرت من قراءة الكوفيين، لإجماع جميع القراء على قراءة قوله: (وينزل عليكم من السماء ماء) ، بتوجيه ذلك إلى أنه من فعل الله عز وجل، فكذلك الواجب أن يكون كذلك (يغشيكم) ، إذ كان قوله: (وينزل) ، عطفًا على "يغشي" ، ليكون الكلام متسقًا على نحو واحد.
* * *
وأما قوله عز وجل: (وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به) ، فإن ذلك مطرٌ أنزله الله من السماء يوم بدر ليطهر به المؤمنين لصلاتهم، لأنهم كانوا أصبحوا يومئذ مُجْنبِين على غير ماء. فلما أنزل الله عليهم الماء اغتسلوا وتطهروا، وكان الشيطان قد وسوس إليهم بما حزنهم به من إصباحهم مجنبين على غير ماء، فأذهب الله ذلك من قلوبهم بالمطر. فذلك ربطه على قلوبهم، وتقويته أسبابهم، وتثبيته بذلك المطر أقدامهم، لأنهم كانوا التقوا مع عدوهم على رملة ميثثاء، (1) فلبَّدها المطر، حتى صارت الأقدام عليها ثابتة لا تسوخ فيها، توطئةً من الله عز وجل لنبيه عليه السلام وأوليائه، أسبابَ التمكن من عدوهم والظفر بهم.
* * *
وبمثل الذي قلنا تتابعت الأخبار عن [أصحاب] رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره من أهل العلم. (2)
(1)
في المطبوعة: "على رملة هشاء" ، ولا أصل لذلك في اللغة، كلام لا يقال. وهو في المخطوطة سيء الكتابة قليلا، صواب قراءته ما أثبت. و "الرملة الميثاء" ، اللينة السهلة. قد تسوخ فيها الرجل قليلاً.

(2)
هذه الزيادة بين القوسين لا بد منها، والأخبار الآتية تدل عل صحة ذلك. وكان في المخطوطة أمام هذا السطر حرف (ط) دلالة على الخطأ والشك.

* ذكر الأخبار الواردة بذلك:
15764- حدثنا هارون بن إسحاق قال، حدثنا مصعب بن المقدام قال، حدثنا إسرائيل قال، حدثنا أبو إسحاق، عن حارثة، عن علي رضي الله عنه قال: أصابنا من الليل طَشّ من المطر (1) = يعني الليلة التي كانت في صبيحتها وقعة بدر = فانطلقنا تحت الشجر والحَجَف نستظل تحتها من المطر، (2) وبات رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو ربه: "اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض!" فلما أن طلع الفجر، نادى: "الصلاة عبادَ الله!" ، فجاء الناس من تحت الشجر والحجف، فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحرض على القتال. (3)
15765- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حفص بن غياث وأبو خالد، عن داود، عن سعيد بن المسيب: (ماء ليطهركم به) ، قال: طش يوم بدر.
15766 - حدثني الحسن بن يزيد قال، حدثنا حفص، عن داود، عن سعيد، بنحوه. (4)
(1)
"الطش" ، المطر القليل، وهو فوق "الرذاذ" .

(2)
في المطبوعة: "تحت الشجر" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب جيد.

= و "الحجف" (بفتحتين) جمع "جحفة" . وهي الترس، يكون من الجلود ليس فيه خشب ولا عقب، وهو مثل "الدرقة" .
(3)
الأثر: 15764 - "هارون بن إسحاق الهمداني" ، شيخ الطبري، مضى برقم: 3001، 10873.

و "مصعب بن المقدام الخثمي" ، ثقة مضى برقم: 1291، 3001، 10873، وغيرها.
و "إسرائيل" هو "إسرائيل بن يونس بن إسحاق السبيعي" ثقة حافظ، مضى مرارًا كثيرة.
و "حارثة" هو "حارثة بن مضرب العبدي" ، من ثقات التابعين، مضى برقم: 2057، 8597.
وهو خبر صحيح الإسناد، خرجه السيوطي مختصرًا بغير هذا اللفظ، ونسبة إلى ابن جرير، وأبي الشيخ، وابن مردويه. الدر المنثور 3: 171.
(4)
الأثر: 15766 - "الحسن بن يزيد" ، لم أجد في شيوخ أبي جعفر، وفيمن روى عن حفص بن غياث، من يقال له "الحسن بن يزيد" ، وأرجح أنه:

"الحسن بن عرفة بن يزيد العبدي" ، شيخ أبي جعفر، نسبه إلى جده، وقد مضى برقم: 9373، 12581.
15767- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن أبي عدي وعبد الأعلى، عن داود، عن الشعبي وسعيد بن المسيب، قالا طش يوم بدر.
15768- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا ابن أبي عدي، عن داود، عن الشعبي وسعيد بن المسيب في هذه الآية: (ينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به، ويذهب عنكم رجز الشيطان) ، قالا طشٌّ كان يوم بدر، فثبَّت الله به الأقدام.
15769- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "إذ يغشاكم النعاس أمنة منه" الآية، ذكر لنا أنهم مُطِروا يومئذ حتى سال الوادي ماءً، واقتتلوا على كثيب أعفر، (1) فلبَّده الله بالماء، وشرب المسلمون وتوضأوا وسقوْا، وأذهب الله عنهم وسواس الشيطان.
15770- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قال، نزل النبي صلى الله عليه وسلم = يعني: حين سار إلى بدر= والمسلمون بينهم وبين الماء رملة دَعْصَة، (2) فأصاب المسلمين ضعف شديد، وألقى الشيطان في قلوبهم الغيظ، فوسوس بينهم: تزعمون أنكم أولياء الله وفيكم رسوله، وقد غلبكم المشركون على الماء، وأنتم تصلُّون مُجْنِبين! فأمطر الله عليهم مطرًا شديدًا، فشرب المسلمون وتطهروا، وأذهب الله عنهم رجز الشيطان، وثبت
(1)
"الأعفر" ، الرمل الأحمر.

(2)
"رملة دعصة" ، هكذا جاء في التفسير، في المخطوطة والمطبوعة، وفي ابن كثير، وضبطته بفتح الدال، لأني رجوت أن يكون صفة، كقولهم: "الدعصاء" ، وهي أرض سهلة فيها رملة تحمي عليها الشمس، فتكون رمضاؤها أشد من غيرها، قال: وَالمُسْتَجِيرُ بِعَمْرٍو عِنْدَ كُرْبَتِهِ ... كَالمُسْتَجِيرِ مِنَ الدَّعْصَاءِ بِالنَّارِ

ولكن كتب اللغة لم تذكر "دعصة" ، هذه. وفي بعض الأخبار الأخرى "رملة دهسة" . و "الدهس" ، و "الدهاس" ، أرض سهلة لينة يثقل فيها المشي.
الرمل حين أصابه المطر، ومشى الناس عليه والدوابّ، فساروا إلى القوم، وأمدّ الله نبيه بألف من الملائكة، فكان جبريل عليه السلام في خمسمائة من الملائكة مجنِّبةً، وميكائيل في خمسمائة مجنبةً. (1)
15771 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "إذ يغشاكم النعاس أمنة منه" إلى قوله: (ويثبت به الأقدام) ، وذلك أن المشركين من قريش لما خرجوا لينصروا العير ويقاتلوا عنها، نزلوا على الماء يوم بدر، فغلبوا المؤمنين عليه، فأصاب المؤمنين الظمأ، فجعلوا يصلون مجنبين مُحْدِثين، حتى تعاظم ذلك في صدور أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله من السماء ماء حتى سال الوادي، فشرب المسلمون، وملئوا الأسقية، وسقوا الرِّكاب، واغتسلوا من الجنابة، فجعل الله في ذلك طهورًا، وثبت الأقدام. وذلك أنه كانت بينهم وبين القوم رَملة، فبعث الله عليها المطر، فضربها حتى اشتدَّت، وثبتت عليها الأقدام.
15772 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون، فسبقهم المشركون إلى ماء بدر فنزلوا عليه، وانصرف أبو سفيان وأصحابه تِلْقاء البحر، فانطلقوا. قال: فنزلوا على أعلى الوادي، ونزل محمد صلى الله عليه وسلم في أسفله. فكان الرجل من أصحاب محمد عليه السلام يُجْنِب فلا يقدر على الماء، فصلي جُنُبًا، فألقى الشيطان في قلوبهم فقال: كيف ترجون أن تظهروا عليهم، وأحدكم يقوم إلى الصلاة جنبًا على غير وضوء!، قال: فأرسل الله عليهم المطر، فاغتسلوا وتوضأوا وشربوا، واشتدّت لهم الأرض، وكانت بطحاء تدخل فيها أرجلهم، (2) فاشتدت لهم من المطر، واشتدُّوا عليها.
(1)
"المجنبة" (بتشديد النون مكسورة) ، هي الكتيبة التي تأخذ إحدى ناحيتي الجيش، "المجنبة اليمنى" ، و "المجنبة اليسرى" وهي: "الميمنة" و "الميسرة" .

(2)
"البطحاء" ، تراب لين جرته السيول، وهو "الأبطح" ، يكون في مسيل الوادي.

15773- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: غلب المشركون المسلمين في أول أمرهم على الماء، فظمئ المسلمون وصلوا مجنبين محدثين، وكانت بينهم رمال، فألقى الشيطان في قلوب المؤمنين الحَزَن، فقال: تزعمون أن فيكم نبيًّا، وأنكم أولياء الله، وقد غلبتم على الماء، وتصلون مُجْنبين محدثين! قال: فأنزل الله عز وجل ماء من السماء، فسال كل وادٍ، فشرب المسلمون وتطهروا، وثبتت أقدامهم، وذهبت وسوسة الشيطان.
15774- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: (ماء ليطهركم به) ، قال: المطر، أنزله عليهم قبل النعاس= (رجز الشيطان) ، قال: وسوسته. قال: فأطفأ بالمطر الغبار، والتبدت به الأرض، (1) وطابت به أنفسهم، وثبتت به أقدامهم.
15775 - حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (ماء ليطهركم به) ، أنزله عليهم قبل النعاس، طبَّق بالمطر الغبار، ولبّد به الأرض، وطابت به أنفسهم، وثبتت به الأقدام.
15776 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (ماء ليطهركم به) ، قال: القطر= (ويذهب عنكم رجز الشيطان) ، وساوسه. أطفأ بالمطر الغبار، ولبد به الأرض، (2) وطابت به أنفسهم، وثبتت به أقدامهم.
15777- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن
(1)
في المخطوطة: "واصـ به" غير منقوطة، كأنها "وأثبتت به" ، بالبناء للمجهول، والذي في المطبوعة جيد، وقريب أن يكون قد حرفه الناسخ.

(2)
في المخطوطة: "تطفي بالمطر الغبار، وبدت به الأرض" ، وهو محرف، والذي في المطبوعة أشبه بالصواب.

ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "رجز الشيطان" ، وسوسته.
15778- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به) ، قال: هذا يوم بدر أنزل عليهم القطر= (وليذهب عنكم رجز الشيطان) ، الذي ألقى في قلوبكم: ليس لكم بهؤلاء طاقة! = (وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام) .
15779- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (إذ يغشاكم النعاس أمنة منه) ، إلى قوله: (ويثبت به الأقدام) ، إن المشركين نزلوا بالماء يوم بدر، وغلبوا المسلمين عليه، فأصاب المسلمين الظمأ، وصلوا محدثين مجنبين، فألقى الشيطان في قلوب المؤمنين الحزَن، ووسوس فيها: إنكم تزعمون أنكم أولياء الله، وأن محمدًا نبي الله، وقد غلبتم على الماء، وأنتم تصلون محدثين مجنبين! فأمطر الله السماء حتى سال كل واد، فشرب المسلمون وملأوا أسقيتهم، (1) وسقوا دوابهم، واغتسلوا من الجنابة، وثبت الله به الأقدام. وذلك أنهم كان بينهم وبين عدوهم رملة لا تجوزها الدواب، ولا يمشي فيها الماشي إلا بجَهد، فضربها الله بالمطر حتى اشتدت، وثبتت فيها الأقدام.
15780- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: "إذ يغشاكم النعاس أمنة منه" ، أي: أنزلت عليكم الأمنة حتى نمتم لا تخافون،= "وينزل عليكم من السماء ماء" ، للمطر الذي أصابهم تلك الليلة، (2) فحبس المشركون أن يسبقوا إلى الماء، وخلَّي سبيل المؤمنين إليه= (ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام) ، ليذهب عنهم شك
(1)
في المخطوطة: "وبلوا أسقيتهم" . كأنها تقرأ "وبلوا" ، والذي في المطبوعة جيد، قد مضى مثله في الأخبار.

(2)
في المطبوعة: "ونزل عليكم من السماء المطر الذي أصابهم ..." ، وفي المخطوطة: ونزلت عليكم من السماء المطر الذي أصابهم ... "، وأثبت ما في سيرة ابن هشام وهو الجيد."

الشيطان، بتخويفه إياهم عدوهم، واستجلاد الأرض لهم، (1) حتى انتهوا إلى منزلهم الذي سبق إليه عدوهم. (2)
15781- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: ثم ذكر ما ألقى الشيطان في قلوبهم من شأن الجنابة، وقيامهم يصلون بغير وضوء، فقال: "إذ يغشيكم النعاسَ أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام" ، حتى تشتدون على الرمل، وهو كهيئة الأرض.
15782- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية قال، حدثنا داود بن أبي هند قال: قال رجل عند سعيد بن المسيب= وقال مرة: قرأ= (وينزل عليكم من السماء ماء ليطهِّركم به) ، (3) فقال سعيد: إنما هي: "وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ" . قال: وقال الشعبي: كان ذلك طشًا يوم بدر.
* * *
وقد زعم بعض أهل العلم بالغريب من أهل البصرة، أن مجاز قوله: (ويثبت به الأقدام) ، ويفرغ عليهم الصبر وينزله عليهم، فيثبتون لعدوهم. (4)
(1)
"استجلاد الأرض" : من "الجلد" (بفتحتين) ، وهي الأرض الصلبة، يعني أنها صارت أرضًا صلبة غليظة، بعد أن كانت رملة ميثاء لينة.

و "استجلدت الأرض" ، مما لم تذكره معاجم اللغة، وهو عريق فصيح.
(2)
الأثر: 15780 - سيرة ابن هشام 2: 323، وهو تابع الأثر السالف رقم: 15740. وكان في المطبوعة: "الذي سبق" ، غير ما كان في المخطوطة، وهو المطابق لما في سيرة ابن هشام، وهو الصواب.

(3)
في المطبوعة كتب "ليطهركم بها" ، غير ما في المخطوطة، ولا أدري من أين جاء بها، ولم أجد قراءة كهذه القراءة، بل المعروف أن قراءة عامة القرأة "ليطهركم به" بتشديد الهاء مكسورة، من "طهر" مضعفًا، وأن سعيد بن المسيب، قد انفرد بقراءة "ليطهركم" ، كما ضبطتها، بضم الياء، وسكون الطاء وكسر الهاء. من "أطهر" ، وهي قراءة شاذة. انظر شواذ القراءات لابن خالويه: 49، وتفسير أبي حيان 4: 468

(4)
هو أبو عبيدة في مجاز القرآن 1: 242.

وذلك قولٌ خِلافٌ لقول جميع أهل التأويل من الصحابة والتابعين، وحَسْبُ قولٍ خطًأ أن يكون خلافًا لقول من ذكرنا، وقد بينا أقوالهم فيه، وأن معناه: ويثبت أقدام المؤمنين بتلبيد المطر الرمل حتى لا تسوخ فيه أقدامهم وحوافر دوابِّهم. (1)
* * *
وأما قوله: (إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم) ، أنصركم (2) = (فثبتوا الذين آمنوا) ، يقول: قوُّوا عزمهم، وصححوا نياتهم في قتال عدوهم من المشركين. (3)
* * *
وقد قيل: إن تثبيت الملائكة المؤمنين، كان حضورهم حربهم معهم.
* * *
وقيل: كان ذلك معونتهم إياهم بقتال أعدائهم.
* * *
وقيل: كان ذلك بأن الملك يأتي الرجلَ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقول: سمعت هؤلاء القوم= يعني المشركين= يقولون: والله لئن حملوا علينا لننكشفن! (4) فيحدِّث المسلمون بعضهم بعضًا بذلك، فتقوى أنفسهم. قالوا: وذلك كان وحي الله إلى ملائكته.
* * *
وأما ابن إسحاق، فإنه قال بما:-
15783- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (فثبتوا الذين آمنوا) ، أي: فآزروا الذين آمنوا. (5)
* * *
(1)
انظر تفسير "تثبيت الأقدام" فيما سلف 5: 354 \ 7: 272، 273. * * *

هذا، وقد أغفل أبو جعفر هنا إفراد تفسير "يذهب عنكم رجز الشيطان" و "وليربط على قلوبكم"
وانظر تفسير "الرجز" فيما سلف: ص: 179، تعليق: 3، والمراجع هناك.
(2)
انظر تفسير "مع" فيما سلف 3: 214 \ 5: 353.

(3)
انظر تفسير "التثبيت" فيما سلف 5: 354 \ 7 \ 272، 273، ومادة (ثبت) في فهارس اللغة.

(4)
"الانكشاف" ، الانهزام.

(5)
الأثر: 15783 - سيرة ابن هشام 2: 323، وهو تابع الأثر السالف رقم: 15780.

القول في تأويل قوله: {سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: سَأرْعِبُ قلوب الذين كفروا بي، أيها المؤمنون، منكم، وأملأها فرقًا حتى ينهزموا عنكم (1) = "فاضربوا فوق الأعناق" .
* * *
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: (فوق الأعناق) .
فقال بعضهم: معناه: فاضربوا الأعناق.
* ذكر من قال ذلك:
15784- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن إدريس، عن أبيه، عن عطية: (فاضربوا فوق الأعناق) ، قال: اضربوا الأعناق.
15785-. . . . قال، حدثنا أبي، عن المسعودي، عن القاسم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لم أبعث لأعذِّب بعذاب الله، إنما بعثت لضرب الأعناق وشدِّ الوَثَاق.
15786- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (فاضربوا فوق الأعناق) ، يقول: اضربوا الرقاب.
* * *
واحتج قائلو هذه المقالة بأن العرب تقول: "رأيت نفس فلان" ، بمعنى: رأيته. قالوا: فكذلك قوله: (فاضربوا فوق الأعناق) ، إنما معناه: فاضربوا الأعناق.
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك، فاضربوا الرؤوس.
(1)
انظر تفسير "إلقاء الرعب" فيما سلف 7: 279.

* ذكر من قال ذلك:
15787- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرمة: (فاضربوا فوق الأعناق) ، قال: الرؤوس.
* * *
واعتلّ قائلو هذه المقالة بأن الذي "فوق الأعناق" ، الرؤوس. قالوا: وغير جائز أن تقول: "فوق الأعناق" ، فيكون معناه: "الأعناق" . قالوا: ولو جاز ذلك، جاز أن يقال (1) "تحت الأعناق" ، فيكون معناه: "الأعناق" . قالوا: وذلك خلاف المعقول من الخطاب، وقلبٌ لمعاني الكلام. (2)
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: فاضربوا على الأعناق، وقالوا: "على" و "فوق" معناهما متقاربان، فجاز أن يوضع أحدهما مكان الآخر. (3)
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: أن الله أمر المؤمنين، مُعَلِّمَهم كيفية قتل المشركين وضربهم بالسيف: أن يضربوا فوق الأعناق منهم والأيدي والأرجل. وقوله: (فوق الأعناق) ، محتمل أن يكون مرادًا به الرؤوس، ومحتمل أن يكون مرادًا له: من فوق جلدة الأعناق، (4) فيكون معناه: على الأعناق. وإذا احتمل ذلك، صح قول من قال، معناه: الأعناق. وإذا كان الأمر محتملا ما ذكرنا من التأويل، لم يكن لنا أن نوجِّهه إلى بعض معانيه دون بعض، إلا بحجة يجب التسليم لها، ولا حجة تدلّ على خصوصه، فالواجب أن يقال: إن الله أمر بضرب رؤوس المشركين وأعناقهم وأيديهم وأرجلهم، أصحابَ نبيه صلى الله عليه وسلم الذين شهدوا معه بدرًا.
* * *
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: "ولو جاز ذلك كان أن يقال" ، وهو فاسد، صوابه ما أثبت.

(2)
في المطبوعة والمخطوطة: "وقلب معاني الكلام" ، صواب السياق ما أثبت.

(3)
انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 242.

(4)
في المطبوعة حذف "من" ، وهي في المخطوطة سيئة الكتابة.

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif




ابوالوليد المسلم 17-07-2025 01:05 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنفال
الحلقة (727)
صــ 431 إلى صــ 440





وأما قوله: (واضربوا منهم كل بنان) ، فإن معناه: واضربوا، أيها المؤمنون، من عدوكم كل طَرَف ومَفْصِل من أطراف أيديهم وأرجلهم.
* * *
و "البنان" : جمع "بنانة" ، وهي أطراف أصابع اليدين والرجلين، ومن ذلك قول الشاعر: (1)
أَلا لَيْتَنِي قَطَّعْتُ مِنِّي بَنَانَةً وَلاقَيْتُهُ فِي الْبَيْتِ يَقْظَانَ حاذِرَا (2)
(1)
هو العباس بن مرداس السلمي.

(2)
مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 242، اللسان (بنن) ، ولم أجده في مكان آخر.

وقال أبو عبيدة بعد البيت: "يعني أبا ضب، رجلاً من هذيل، قتل هريم بن مرداس وهو نائم، وكان جاورهم بالربيع" .
وقد روى أبو الفرج الأصبهاني في الأغاني 13: 66 (ساسى) ، عن أبي عبيدة أن هريم بن مرداس كان مجاورًا في خزاعة، في جوار رجل منهم يقال له عامر، فقتله رجل من خزاعة يقال له خويلد. فالذي قاله أبو عبيدة هنا مضطرب، وهو زيادة بين قوسين في النسخة المطبوعة، فأخشى أن لا تكون من قول أبي عبيدة.
وأما "أبو ضب" الرجل من هذيل، فهو شاعر معروف من بني لحيان، من هذيل، له شعر في بقية أشعار الهذليين وأخبار، انظر رقم: 13، 14 من الشعر. وجاء أيضًا في البقية من شعر هذيل 43، ما نصه: "وقال عباس بن مرداس، وأخواله بنو لحيان" : لا تَأْمَنَنْ بالعَادِ والخِلْفِ بَعْدَهَا ... جِوَارَ أُناسٍ يَبِتَنُونَ الحَصَائِرَاِ
ذكر "جوارًا" كان في بني لحيان، فأجابه رجل من بني لحيان، يذكر عقوقه أخواله، ويتهدده بالقتل. جَزَى الله عَبَّاسًا عَلَى نَأْي دَارِهِ ... عُقُوقًا كَحَرِّ النَّارِ يأتِي المَعَاشِرَا
فَوَاللهِ لَوْلا أَنْ يُقال: ابْنُ أخْتِهِ! ... لَفَقَّرْتُهُ، إنِّي أُصِيبُ المَفاقِرَا
فِدًي لأَبِي ضَبٍّ تِلادِي، فإنَّنَا ... تَكَلْنَا عَلَيْهِ دَاخِلا ومُجَاهِرَا
وَمَطْعَنَهُ بالسَّيْفِ أحْشَاءَ مالِكٍ ... بِما كانَ مَنَّي أوْرَدُوهُ الجَرَائِرَا
فقد ذكر في هذا الشعر "أبا ضب" ، ومقتله "مالكا" . لم أقف بعد على "مالك" هذا، ولكني أظن أن شعر عباس هذا، يدخل في خبر مقتل "مالك" الذي قتله "أبو ضب" ، لا في خبر مقتل أخيه "هريم بن مرداس" ، فذاك خبر معروف رجاله.
وقوله "حاذرا" ، أي: مستعدًا حذرًا متيقظًا.
وقال شمر: "الحاذر" ، المؤدي الشاك السلاح، وفي شعر العباس بن مرداس ما يشعر بذلك: وَإنِّي حاذِرٌ أَنْمِى سِلاحِي ... إلى أَوْصالِ ذَيَّالٍ مَنِيع
وكان في المطبوعة: "قطعت منه بنانة" ، فأفسد الشعر إفسادًا، إذ غير الصواب المحض الذي في المخطوطة، متابًعًا خطأ الرواية المحرفة في لسان العرب.
يعني ب "البنانة" واحدة "البنان" .
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
15788- حدثنا أبو السائب قال، حدثنا ابن إدريس، عن أبيه، عن عطية: (واضربوا منهم كل بنان) ، قال: كل مفصِل.
15789 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن إدريس، عن أبيه، عن عطية: (واضربوا منهم كل بنان) ، قال: المفاصل.
15790-. . . . قال: حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك: (واضربوا منهم كل بنان) ، قال: كل مفصل.
15791- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرمة: (واضربوا منهم كل بنان) ، قال: الأطراف. ويقال: كل مفصل.
15792- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: (واضربوا منهم كل بنان) ، يعني: بالبنان، الأطراف.
15793- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: (واضربوا منهم كل بنان) ، قال: الأطراف.
15794- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (واضربوا منهم كل بنان) ، يعني: الأطراف.
القول في تأويل قوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (13) }
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: (ذلك بأنهم) ، هذا الفعل من ضرب هؤلاء الكفرة فوق الأعناق وضرب كل بنان منهم، جزاءٌ لهم بشقاقهم الله ورسوله، وعقاب لهم عليه.
* * *
ومعنى قوله: (شاقوا الله ورسوله) ، فارقوا أمرَ الله ورسوله وعصوهما، وأطاعوا أمرَ الشيطان. (1)
* * *
ومعنى قوله: (ومن يشاقق الله ورسوله) ، ومن يخالف أمرَ الله وأمر رسوله ففارق طاعتهما (2) = (فإن الله شديد العقاب) ، له. وشدة عقابه له: في الدنيا، إحلالُه به ما كان يحلّ بأعدائه من النقم، وفي الآخرة، الخلودُ في نار جهنم= وحذف "له" من الكلام، لدلالة الكلام عليها.
* * *
القول في تأويل قوله: {ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ (14) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: هذا العقابُ الذي عجلته لكم، أيها الكافرون المشاقون لله ورسوله، في الدنيا، من الضرب فوق الأعناق منكم، وضرب
(1)
انظر تفسير "الشقاق" فيما سلف 3: 115، 116، 336 \ 8: 319 \ 9: 204.

(2)
في المخطوطة والمطبوعة: "وفارق" ، والسياق يقتضي ما أثبت.

كل بنان، بأيدي أوليائي المؤمنين، فذوقوه عاجلا واعلموا أن لكم في الآجل والمعاد عذابَ النار. (1)
* * *
ولفتح "أن" من قوله: (وأن للكافرين) ، من الإعراب وجهان:
أحدهما الرفع، والآخر: النصبُ.
فأما الرفع، فبمعنى: ذلكم فذوقوه، ذلكم وأن للكافرين عذاب النار= بنية تكرير "ذلكم" ، كأنه قيل: ذلكم الأمر، وهذا.
وأما النصب: فمن وجهين: أحدهما: ذلكم فذوقوه، واعلموا، أو: وأيقنوا أن للكافرين= فيكون نصبه بنية فعل مضمر، قال الشاعر:
وَرَأَيْتِ زَوْجَكِ فِي الوَغَى مُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَرُمْحَا (2)
بمعنى: وحاملا رمحًا.
والآخر: بمعنى: ذلكم فذوقوه، وبأن للكافرين عذاب النار= ثم حذفت "الباء" ، فنصبت. (3)
* * *
(1)
انظر تفسير "الذوق" فيما سلف 12: 420، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(2)
مضى البيت مرارًا وتخريجه، انظر آخرها ما سلف 11: 577، تعليق: 3، والمراجع هناك.

(3)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 405، 406.

القول في تأويل قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأدْبَارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16) }
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله= (إذا لقيتم الذين كفروا) في القتال= (زحفًا) ، يقول: متزاحفًا بعضكم إلى بعض= و "التزاحف" ، التداني والتقارب (1) = "فلا تولوهم الأدبار" ، يقول: فلا تولوهم ظهوركم فتنهزموا عنهم، ولكن اثبتوا لهم، فإن الله معكم عليهم (2) = "ومن يولهم يومئذ دبره" ، يقول: ومن يولهم منكم ظهره = (إلا متحرفًا لقتال) ، يقول: إلا مستطردًا لقتال عدوه، يطلب عورةً له يمكنه إصابتها فيكرّ عليه = (أو متحيزًا إلى فئة) أو: إلا أن يوليهم ظهره متحيزًا إلى فئة، يقول: صائرًا إلى حَيِّز المؤمنين الذين يفيئون به معهم إليهم لقتالهم، (3) ويرجعون به معهم إليهم. (4)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
15795- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن جويبر، عن الضحاك: (إلا متحرفًا لقتال أو متحيزًا إلى فئة) ، قال: "المتحرف" ، المتقدم من أصحابه ليرى غِرَّة من العدوّ فيصيبها. قال، و "المتحيز" ، الفارّ إلى
(1)
هذا الشرح لقوله: "التزاحف" ، لا تجده في معاجم اللغة، فيقيد.

(2)
انظر تفسير "التولي" فيما سلف من فهارس اللغة (ولى) .

= وتفسير "الدبر" فيما سلف 7: 109، 110 \ 10: 170.
(3)
انظر تفسير "فئة" فيما سلف 9: 7، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(4)
في المطبوعة: "يرجعون به معهم إليهم" ، وأثبت ما في المخطوطة.

النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه. وكذلك من فرّ اليوم إلى أميره أو أصحابه. قال الضحاك: وإنما هذا وعيد من الله لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، أن لا يفروا. وإنما كان النبيُّ عليه الصلاة والسلام وأصحابه فئتَهم. (1)
15796- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفًا لقتال أو متحيزًا إلى فئة) ، أما "المتحرف" ، يقول: إلا مستطردًا، يريد العودة= (أو متحيزًا إلى فئة) ، قال: "المتحيز" ، إلى الإمام وجنده إن هو كرّ فلم يكن له بهم طاقة، ولا يُعذَر الناس وإن كثروا أن يُوَلُّوا عن الإمام.
* * *
واختلف أهل العلم في حكم قول الله عز وجل: (ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفًا لقتال أو متحيزًا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم) ، هل هو خاص في أهل بدر، أم هو في المؤمنين جميعًا؟
فقال قوم: هو لأهل بدر خاصة، لأنه لم يكن لهم أن يتركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عدوه وينهزموا عنه، فأما اليومَ فلهم الانهزام.
* ذكر من قال ذلك:
15797- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا داود، عن أبي نضرة في قول الله عز وجل: (ومن يولهم يومئذ دبره) ، قال: ذاك يوم بدر، ولم يكن لهم أن ينحازوا، ولو انحاز أحدٌ لم ينحز إلا إلي (2) = قال أبو موسى: يعني: إلى المشركين.
(1)
في المطبوعة: حذف "وأصحابه" ، تحكمًا.

(2)
وقف على قوله: "إلى" ، كأنه يشير بيده إلى الفئة الأخرى، والتي فسرها أبو موسى، وهو ابن المثنى، بقوله: يعني: إلى المشركين.

15798- حدثنا إسحاق بن شاهين قال، حدثنا خالد، عن داود، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد قوله عز وجل: (ومن يولهم يومئذ دبره) ، ثم ذكر نحوه= إلا أنه قال: ولو انحازوا انحازوا إلى المشركين، ولم يكن يومئذ مسلم في الأرض غيرهم.
15799- حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا بشر بن مفضل قال، حدثنا داود، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد قال: نزلت في يوم بدر: (ومن يولهم يومئذ دبره) .
15800 - حدثني ابن المثنى، وعلي بن مسلم الطوسي= قال ابن المثنى: حدثني عبد الصمد= وقال علي: حدثنا عبد الصمد= قال، حدثنا شعبة، عن داود، يعني ابن أبي هند، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد: (ومن يولهم يومئذ دبره) ، قال: يوم بدر= قال أبو موسى: حدثت أن في كتاب غندر هذا الحديث: عن داود، عن الشعبي، عن أبي سعيد.
15801 - حدثنا أحمد بن محمد الطوسي قال، حدثنا علي بن عاصم، عن داود بن أبي هند، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري قال: إنما كان ذلك يوم بدر، لم يكن للمسلمين فئة إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأما بعد ذلك، فإن المسلمين بعضهم فئة لبعض. (1)
15802 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا داود، عن أبي نضرة: (ومن يولهم يومئذ دبره) ، قال: هذه نزلت في أهل بدر.
15803- حدثنا يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن ابن عون قال:
(1)
الآثار: 15797 - 15801 - "داود" هو "ابن أبي هند" مضى مرارًا.

و "أبو نضرة" هو "المنذر بن مالك بن قطعة العبدي" ، ثقة، مضى مرارًا آخرها رقم: 14664.
و "أبو سعيد" ، هو أبو سعيد الخدري، صاحب رسول الله.
وهذا الخبر رواه الحاكم في المستدرك 2: 327، من طريق شعبة، عن داود بن أبي هند، بمثله، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه" ، ووافقه الذهبي.
كتبت إلى نافع أسأله عن قوله: (ومن يولهم يومئذ دبره) ، أكان ذلك اليوم، أم هو بعد؟ قال: وكتب إليّ: "إنما كان ذلك يوم بدر" .
15804- حدثنا علي بن سهل قال، حدثنا زيد، عن سفيان، عن جويبر، عن الضحاك قال: إنما كان الفرار يوم بدر، ولم يكن لهم ملجأ يلجأون إليه. فأما اليوم، فليس فرارً.
15805 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن الربيع، عن الحسن: (ومن يولهم يومئذ دبره) ، قال: كانت هذه يوم بدر خاصة، ليس الفرار من الزحف من الكبائر.
15806-. . . . قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن رجل، عن الضحاك: (ومن يولهم يومئذ دبره) ، قال: كانت هذه يوم بدر خاصة.
15807-. . . . قال، حدثنا روح بن عبادة، عن حبيب بن الشهيد، عن الحسن: (ومن يولهم يومئذ دبره) ، قال: نزلت في أهل بدر.
15808- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال حدثنا سعيد، عن قتادة: (ومن يولهم يومئذ دبره) ، قال: ذلكم يوم بدر.
15809 - حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك. عن المبارك بن فضالة، عن الحسن: (ومن يولهم يومئذ دبره) ، قال: ذلك يوم بدر. فأما اليوم، فإن انحاز إلى فئة أو مصر = أحسبه قال: فلا بأس به.
15810 - حدثني المثنى قال، حدثنا قبيصة بن عقبة قال، حدثنا سفيان، عن ابن عون قال: كتبت إلى نافع: (ومن يولهم يومئذ دبره) ، قال: إنما هذا يوم بدر.
15811- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، حدثنا ابن المبارك، عن ابن لهيعة قال، حدثني يزيد بن أبي حبيب قال: أوجب الله لمن فرّ يوم بدر النارَ. قال: (ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفًا لقتال أو متحيزًا إلى
فئة فقد باء بغضب من الله) ، فلما كان يوم أحد بعد ذلك قال: (إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ) [سورة ال عمران: 155] . ثم كان حنين، بعد ذلك بسبع سنين فقال: (ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ) [سورة التوبة: 25] : (ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ) [سورة التوبة: 27] .
15812- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، حدثنا ابن عون، عن محمد، أن عمر رحمة الله عليه بلغه قتل أبي عبيدٍ فقال: لو تحيز إليّ! إنْ كنتُ لَفِئَةً! (1)
15813- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، حدثنا ابن المبارك، عن جرير بن حازم قال، حدثني قيس بن سعد قال: سألت عطاء بن أبي رباح عن قوله: (ومن يولهم يومئذ دبره) ، قال: هذه منسوخة بالآية التي في الأنفال: (الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) ، [سورة الأنفال: 66] . قال: وليس لقوم أن يفرُّوا من مثلَيْهم. قال: ونسخت تلك إلا هذه العِدّة. (2)
15814 - حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن
(1)
الأثر: 15812 - "أبو عبيدة بن مسعود الثقفي" ، صحابي وهو صاحب يوم الجسر المعروف بجسر أبي عبيد. وكان عمر ولى الخلافة، عزل خالد بن الوليد عن العراق والأعنة، وولى أبا عبيد بن مسعود الثقفي سنة 13. ولما وجه يزدجر جموعه إلى جيش أبي عبيد، عبر أبو عبيد الجسر في المضيق، فاقتتلوا قتالا شديدًا، وأنكى أبو عبيد في الفرس: وضرب أبو عبيد مشفر الفيل، فبرك عليه الفيل فقتله. واستشهد من المسلمين يومئذ ألف وثمانمائة، ويقال أربعة آلاف، ما بين قتيل وغريق. انظر الاستيعاب: 671، وتاريخ الطبري 4: 67 - 70. وانظر الأثر رقم: 15814، 15815. وفي كثير من الكتب "أبو عبيدة" في هذا الخبر، وهو خطأ.

وكان في المطبوعة هنا: "لو تحيز إلى لكنت له فئة" ، غير ما في المخطوطة بلا أمانة ولا معرفة.
(2)
الأثر: 15813 - "قيس بن سعد المكي" ، ثقة، مضى برقم: 2943، 9413، وكان في المخطوطة والمطبوعة: "قيس بن سعيد" ، وهو خطأ.

سليمان التيمي، عن أبي عثمان قال: لما قتل أبو عبيد، جاء الخبر إلى عمر فقال: يا أيها الناس، أنا فئتكم. (1)
15815-. . . . قال: ابن المبارك، عن معمر وسفيان الثوري وابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: قال عمر رضي الله عنه: أنا فئة كل مسلم.
* * *
وقال آخرون: بل هذه الآية حكمها عام في كل من ولى الدبر عن العدو منهزمًا.
* ذكر من قال ذلك:
15816- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قال: أكبر الكبائر الشرك بالله، والفرار من الزحف، لأن الله عز وجل يقول: (ومن يولهم يومئذ دبره ... فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير) .
* * *
قال أبو جعفر: وأولى التأويلين في هذه الآية بالصواب عندي قولُ من قال: حكمها محكم، وأنها نزلت في أهل بدر، وحكمها ثابت في جميع المؤمنين، وأن الله حرّم على المؤمنين إذا لقوا العدو، أن يولوهم الدبر منهزمين إلا لتحرفٍ القتال، أو لتحيز إلى فئة من المؤمنين حيث كانت من أرض الإسلام، وأن من ولاهم الدبر بعد الزحف لقتالٍ منهزمًا بغير نية إحدى الخلتين اللتين أباح الله التولية بهما، فقد استوجب من الله وعيده، إلا أن يتفضل عليه بعفوه.
وإنما قلنا هي محكمة غير منسوخة، لما قد بينا في غير موضع من كتابنا هذا
(1)
الأثر: 15814 - "أبو عثمان" ، مجهول، روى عن أنس بن مالك، ومعقل بن يسار. روى عنه "سليمان التيمي" ، قال ابن المديني: "لم يرو عنه غيره، وهو مجهول" مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 4 \ 2 \ 408.

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif


ابوالوليد المسلم 17-07-2025 01:09 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنفال
الحلقة (728)
صــ 441 إلى صــ 450






وغيره: (1) أنه لا يجوز أن يحكم لحكم آية بنسخ، وله في غير النسخ وجه، إلا بحجة يجب التسليم لها، من خبر يقطع العذر، أو حجة عقل، ولا حجة من هذين المعنيين تدل على نسخ حكم قول الله عز وجل: (ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفًا لقتال أو متحيزًا إلى فئة) .
* * *
وأما قوله: (فقد باء بغضب من الله) ، يقول: فقد رجع بغضب من الله (2) = (ومأواه جهنم) ، يقول: ومصيره الذي يصير إليه في معاده يوم القيامة جهنم (3) = "وبئس المصير" ، يقول: وبئس الموضع الذي يصير إليه ذلك المصير. (4)
* * *
(1)
انظر ما قاله في "النسخ" ، في فهارس الموضوعات، وفي فهارس اللغة والنحو وغيرها.

(2)
انظر تفسير "باء" فيما سلف 10: 216، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(3)
انظر تفسير "مأوى" فيما سلف 10: 481، تعليق: 3، والمراجع هناك.

(4)
انظر تفسير "المصير" فيما سلف 9: 205، تعليق: 5، والمراجع هناك.

القول في تأويل قوله: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله، ممن شهد بدرًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقاتل أعداء دينه معه من كفار قريش: فلم تقتلوا المشركين، أيها المؤمنون، أنتم، ولكن الله قتلهم.
* * *
وأضاف جل ثناؤه قتلهم إلى نفسه، ونفاه عن المؤمنين به الذين قاتلوا المشركين، إذ كان جل ثناؤه هو مسبِّب قتلهم، وعن أمره كان قتالُ المؤمنين إياهم. ففي ذلك أدلُّ الدليل على فساد قول المنكرين أن يكون لله في أفعال خلقه صُنْعٌ به وَصَلوا إليها.
وكذلك قوله لنبيه عليه السلام: (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) ، فأضاف الرميَّ إلى نبي الله، ثم نفاه عنه، وأخبر عن نفسه أنه هو الرامي، إذ كان جل ثناؤه هو الموصل المرميَّ به إلى الذين رُمُوا به من المشركين، والمسبِّب الرمية لرسوله.
فيقال للمنكرين ما ذكرنا (1) قد علمتم إضافة الله رَمْيِ نبيه صلى الله عليه وسلم المشركين إلى نفسه، بعد وصفه نبيَّه به، وإضافته إليه، وذلك فعلٌ واحد، (2) كان من الله تسبيبه وتسديده، (3) ومن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحذفُ والإرسال، فما تنكرون أن يكون كذلك سائر أفعال الخلق المكتسبة: من الله الإنشاء والإنجاز بالتسبيب، ومن الخلق الاكتسابُ بالقُوى؟ فلن يقولوا في أحدهما قولا إلا ألزموا في الآخر مثله.
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
15817- حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (فلم تقتلوهم) ، لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حين قال هذا: "قتلت" ، وهذا: "قتلت" = (وما رميت إذ رميت) ، قال لمحمد حين حَصَب الكفار.
15818 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه.
15819- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر عن
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: "للمسلمين ما ذكرنا" ، وهو خطأ صرف، وظاهر أن كاتب النسخة التي نقل عنها ناسخ المخطوطة، قد وصل "راء" المنكرين بالياء والنون، ولم يضع شرطة الكاف كعادتهم، فقرأها خطأ، ونقلها خطأ.

(2)
في المطبوعة والمخطوطة: "ذلك" بغير واو، والكلام لا يستقيم بغيرها.

(3)
في المطبوعة والمخطوطة: "بتسبيبه" وهو خطأ من الناسخ، صوابه ما أثبت بغير باء في أوله، كما يدل عليه السياق.

قتادة: (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) ، قال: رماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحصباء يوم بدر.
15820- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن أيوب، عن عكرمة قال: ما وقع منها شيء إلا في عين رجل.
15821 - حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث قال، حدثنا أبي قال، حدثنا أبان العطار قال، حدثنا هشام بن عروة قال: لما ورد رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرًا قال: هذه مصارعهم! ووَجد المشركون النبيَّ صلى الله عليه وسلم قد سبقهم إليه ونزل عليه، فلما طلعوا عليه زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "هذه قريش قد جاءت بجَلَبتها وفخرها، تحادُّك وتكذب رسولك، اللهم إني أسألك ما وعدتني!" . فلما أقبلوا استقبلهم، فحثا في وجوههم، فهزمهم الله عز وجل. (1)
15822- حدثنا أحمد بن منصور قال، حدثنا يعقوب بن محمد قال، حدثنا عبد العزيز بن عمران قال، حدثنا موسى بن يعقوب بن عبد الله بن زمعة، عن يزيد بن عبد الله، عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة، عن حكيم بن حزام قال: لما كان يوم بدر، سمعنا صوتًا وقع من السماء كأنه صوت حصاة وقعت في طَسْت، ورمى رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الرمية فانهزمنا. (2)
(1)
الأثر: 15821 - "أبان العطار" ، هو "أبان بن يزيد العطار" ، ثقة، مضى: 3832، 9656، 13518، 15719.

وهذا الخبر رواه أبو جعفر في تاريخه 2: 268 في أثناء خبر طويل، قد مضى بعضه برقم: 15719، وهو من كتاب عروة إلى عبد الملك بن مروان، رواه أبو جعفر مفرقًا في التاريخ، سأخرجه مجموعًا في تخريج الأثر رقم: 16083.
وكان في المطبوعة هنا: "قد جاءت بخيلائها وفخرها" ، وهو تصرف قبيح. وأثبت ما في المخطوطة، وهو مطابق لما في التاريخ.
و "الجلبة" ، هو اختلاط الناس إذ تجمعوا، وصاح بعضهم ببعض يذمره ويستحثه، كالذي يكون في اجتماع الجيوش.
(2)
الأثر: 15822 - "أحمد بن منصور بن سيار بن المعارك الرمادي" ، شيخ الطبري، ثقة. مضى برقم: 10260، 10521.

و "يعقوب بن محمد الزهري" ، مختلف فيه، وهو صدوق، لكن لا يبالي عمن حدث. مضى برقم: 2867، 8012، 15654، 15714.
و "عبد العزيز بن عمران بن عبد العزيز الزهري" ، الأعرج، يعرف بابن أبي ثابت. ضعيف، كان صاحب نسب، لم يكن من أصحاب الحديث. مضى برقم: 8012، 15756.
و "موسى بن يعقوب بن عبد الله بن وهيب بن زمعة الأسدي القرشي" ، ثقة، متكلم فيه، وقال أحمد: "لا يعجبني حديثه" ، وقال أبو داود: "له مشايخ مجهولون" . مضى برقم: 9923، 15756.
و "يزيد بن عبد الله بن وهب بن زمعة الأسدي القرشي" ، روى عنه ابن أخيه "موسى بن يعقوب" . مترجم في الكبير 4 \ 2 \ 346، وابن أبي حاتم 4 \ 2 \ 276، ولم يذكرا فيه جرحًا.
و "أبو بكر بن سليمان بن أبي حثمة العدوي" ، كان من علماء قريش. ثقة. مترجم في التهذيب، والكني البخاري: 13، وابن أبي حاتم 4 \ 2 \ 341.
وهذا خبر ضعيف الإسناد، لضعف "عبد العزيز بن عمران الزهري" ، وذكره ابن كثير في تفسيره 4: 32، وقال: "غريب من هذا الوجه" ، فقصر في بيان إسناده.
بيد أن الهيثمي ذكره في مجمع الزائد 6: 84، وقال: "رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وإسناده حسن" ، فلعله إسناد غير هذا، فإنه قد ضعف عبد العزيز بن عمران في هذا الباب مرارًا كثيرة.
وخرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 174، وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه.
15823- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو معشر، عن محمد بن قيس، ومحمد بن كعب القرظي قالا لما دنا القوم بعضهم من بعض، أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبضة من تراب فرمى بها في وجوه القوم، وقال: "شاهت الوجوه!" ، فدخلت في أعينهم كلهم، وأقبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتلونهم ويأسرونهم، وكانت هزيمتهم في رمية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنزل الله: (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) ، الآية، إلى: (إن الله سميع عليم) .
15824- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (وما رميت إذ رميت) ، الآية، ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم أخذ يوم بدر ثلاثة أحجار ورمى بها وجوه الكفار، فهزموا عند الحجر الثالث.
15825- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين التقى الجمعان يوم بدر لعلي: "أعطني حصًا من الأرض" ، فناوله حصى عليه تراب، فرمى به وجوه القوم، فلم يبق مشرك إلا دخل في عينيه من ذلك التراب شيء، ثم رَدِفهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم، (1) فذكر رميةَ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) .
15826- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) ، قال: هذا يوم بدر، أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث حصيات، فرمى بحصاة في ميمنة القوم، وحصاة في ميسرة القوم، وحصاة بين أظهرهم، وقال: "شاهت الوجوه!" ، وانهزموا، فذلك قول الله عز وجل: (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) .
15827- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قال: رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده يوم بدر فقال: يا رب، إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض أبدًا! فقال له جبريل: خذ قبضة من التراب! فأخذ قبضة من التراب، فرمى بها في وجوههم، فما من المشركين من أحد إلا أصابَ عينيه ومنخريه وفمه تراب من تلك القبضة، فولُّوا مدبرين.
15728- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: قال الله عز وجل في رمي رسول الله صلى الله عليه وسلم المشركين بالحصباء من يده حين رماهم: (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) ، أي: لم يكن ذلك برميتك، لولا الذي جعل الله فيها من نصرك، وما ألقى في صدور عدوك منها حين هزمهم الله. (2)
* * *
(1)
"ردفه" (بفتح فكسر) : اتبعه ودهمه.

(2)
الأثر: 15828 - سيرة ابن هشام 2: 323، وهو تابع الأثر السالف رقم: 15783. وكان في المطبوعة والمخطوطة، أغفل ذكر "وما رميت إذ رميت" ، وأتى ببقية الآية. وكان في المخطوطة "حين هزمهم" ، بغير ذكر لفظ الجلالة، فغيرها في المطبوعة فقال: "فهزمتهم" . وأثبت ما في سيرة ابن هشام.

وروي عن الزهري في ذلك قول خلاف هذه الأقوال، وهو ما:-
15829- حدثنا الحسن بن يحيى قال، حدثنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الزهري: (وما رميت إذ رميت) ، قال: جاء أبي بن خلف الجمحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعظم حائل، فقال: "آلله محيي هذا، يا محمد، وهو رميم؟" ، وهو يفتُّ العظم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يحييه الله، ثم يميتك، ثم يدخلك النار! قال: فلما كان يوما أحد قال: والله لأقتلن محمدًا إذا رأيته! فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: بل أنا أقتله إن شاء الله.
(1)

* * *
(1)
أخشى أن يكون في هذا الموضع من التفسير نقص، فإني وجدت ابن كثير (4: 32) قد ذكر في تفسير هذه الآية ما نسبه إلى ابن جرير، وهذا نصه بترتيبه وتعليقه:

وههنا قولان آخران غريبان جدًّا:
أحدهما: قال ابن جرير: حدثني محمد بن عوف الطائي، حدثنا أبو المغيرة، حدثنا صفوان بن عمرو، حدثنا عبد الرحمن بن جبير: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ابن أبي الحقيق بخيبر، دعَا بقوس، فأتِىَ بقوسٍ طويلة، وقال: جيئوني بقوس غيرها. فجاؤوه بقوسٍ كَبْداء، فرمى النبيّ صلى الله عليه وسلم الحصن، فأقبل السهم يهوي حتى قتل ابن أبي الحقيق، وهو في فراشه، فأنزل الله "وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى" .
وهذا غريب، وإسناده جيد إلى عبد الرحمن بن جبير بن نفير، ولعله اشتبه عليه، أو أنه أراد أن الآية تعم هذا كله، وإلا فسياق الآية في سورة الأنفال في قصة بدرٍ لا مَحالة، وهذا مما لا يخفي على أئمة العلم، والله أعلم.
والثاني: روى ابن جرير أيضًا، والحاكم في مستدركه، بإسناد صحيح إلى سعيد بن المسيّب والزهري أنهما قالا: أنزلت في رمية النبي صلى الله عليه وسلم يوم أُحُدٍ أُبَيَّ بن خلفٍ بالحربة في لأْمَته، فخدشه في تَرْقُوَته، فجعل يتدأدأ عن فرسه مرارًا. حتى كانت وفاتُه بعد أيام قاسى فيها العذاب الأليمَ، موصولا بعذابِ البرزخ، المتصل بعذاب الآخرة.
وهذا القول عن هذين الإمامين غريب أيضًا جدًّا، ولعلهما أرادَا أن الآية تتناوله بعمومها، لا أنها نزلت فيه خاصة، كما تقدم، والله أعلم "."
قلت: والخبر الأول منهما، رواه الواحدي في أسباب النزول: 174 من طريق "صفوان بن عمرو، عن عبد العزيز بن جبير" ، وقوله: "عبد العزيز" ، خطأ، صوابه ما في تفسير ابن كثير.
ثم إن السيوطي في الدر المنثور 3: 175، خرج هذين الخبرين منسوبين إلى ابن جرير أيضًا، وزاد نسبته الأول منهما إلى ابن أبي حاتم. وذكر الثاني وزاد نسبته إلى ابن المنذر، وابن أبي حاتم.
ثم زاد السيوطي في الدر المنثور، وهذان الخبران أنقلهما أيضًا بنصهما منه:
الأول: "أخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، عن سعيد بن المسيّب قال: لما كان يوم أُحُد، أخذ أبيُّ بن خلفٍ يركض فرسه حتى دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، واعترض رجالٌ من المسلمين لأبيّ بن خلف ليقتلوه. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: استأخروا! استأخرُوا، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حربته في يده فرمى بها أبيّ بن خلف، وكسر ضِلْعًا من أضلاعه، فرجع أبيّ بن خلف إلى أصحابه ثقيلا، فاحتملوه حين وَلَّوا قافلين، فطفقوا يقولون: لا بأس! فقال أبيّ حين قالوا ذلك: والله لو كانت بالناس لقتلتهم! ألم يقلْ: إنِّي أقتلك إن شاء الله؟ فانطلق به أصحابه يَنْعَشونه حتى مات ببعض الطريق، فدفنوه."
قال ابن المسيب: وفي ذلك أنزل الله تعالى: "وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى الآية" .
الثاني: "وأخرج ابن جرير وابن المنذر، عن الزهري في قوله: وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى. قال: حيث رمَى أبيَّ بنَ خلف يوم أُحُدٍ بحربته، فهذا كله، يوشك أن يرجح سقوط شيء من أخبار أبي جعفر في هذا الموضع. إلا أن تكون هذه الأخبار ستأتي فيما بعد في غير هذا الموضع. أما فيما سلف، فإن خبر" أبي بن خلف "قد مضى في حديث السدى رقم: 7943 (ج 7: 255) "
والخبر الأول رواه الحاكم في المستدرك 2: 327، من طريق محمد بن فليح، عن موسى بن عقبة، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
وأما قوله: (وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنًا) ، فإنّ معناه: وكي ينعم على المؤمنين بالله ورسوله بالظفر بأعدائهم، (1) ويغنّمهم ما معهم، ويكتبت لهم أجور أعمالهم وجهادهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. (2)
* * *
وذلك "البلاء الحسن" ، رمي الله هؤلاء المشركين، ويعني ب "البلاء الحسن" ، النعمة الحسنة الجميلة، وهي ما وصفت وما في معناه. (3)
15830- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال في قوله: (وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنًا) ، أي ليعرِّف المؤمنين من نعمه عليهم، في إظهارهم على عدوهم مع كثرة عددهم وقلة عددهم، ليعرفوا بذلك حقه، وليشكروا بذلك نعمته. (4)
* * *
وقوله: (إن الله سميع عليم) ، يعني: إن الله سميع، أيها المؤمنون، لدعاء النبي صلى الله عليه وسلم، ومناشدته ربه، ومسألته إياه إهلاكَ عدوه وعدوكم، فقيل له: إنْ يَكُ إلا جّحْش! قال: أليسَ قال: أنا أقتلك؟ والله لو قالها لجميع الخلق لماتوا! ""
(1)
في المطبوعة: "ولينعم" ، وأثبت ما في المخطوطة.

(2)
في المطبوعة: "ويثبت لهم أجور أعمالهم" ، وهو لا معنى له، ولم يحسن قراءة المخطوطة، لخطأ في نقطها.

(3)
انظر تفسير "البلاء" فيما سلف ص: 85، تعليق: 5، والمراجع هناك.

(4)
الأثر: 15830 - سيرة ابن هشام 2: 323، 324، وهو تابع الأثر السالف رقم: 15828. وفي السيرة سقط من السياق قوله: "مع كثرة عددهم" ، فيصحح هناك.

ولقِيلكم وقيل جميع خلقه= "عليم" ، بذلك كله، وبما فيه صلاحكم وصلاح عباده، وغير ذلك من الأشياء، محيط به، فاتقوه وأطيعوا أمرَه وأمر رسوله. (1)
القول في تأويل قوله: {ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ (18) }
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (ذلكم) ، هذا الفعل من قتل المشركين ورميهم حتى انهزموا، وابتلاء المؤمنين البلاء الحسن بالظفر بهم، وإمكانهم من قتلهم وأسرهم= فعلنا الذي فعلنا= (وأنّ الله موهن كيد الكافرين) ، يقول: واعلموا أن الله مع ذلك مُضْعِف (2) = "كيد الكافرين" ، يعنى: مكرهم، (3) حتى يَذِلُّوا وينقادوا للحق، أو يُهْلَكوا. (4)
* * *
وفى فتح "أن" من الوجوه ما في قوله: (ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ) ، [سورة الأنفال: 14] ، وقد بينته هنالك. (5)
* * *
وقد اختلفت القرأة في قراءة قوله: (موهن) .
فقرأته عامة قرأة أهل المدينة وبعض المكيين والبصريين: "مُوَهِّنُ" بالتشديد، من: "وهَّنت الشيء" ، ضعَّفته.
* * *
(1)
انظر تفسير "سميع" و "عليم" فيما سلف من فهارس اللغة (سمع) ، (علم) .

(2)
انظر تفسير "الوهن" فيما سلف 7: 234، 269 \ 9: 170.

(3)
انظر تفسير "الكيد" فيما سلف ص: 322، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(4)
في المخطوطة: "ويهلكوا" ، وصواب السياق ما أثبت.

(5)
انظر ما سلف ص: 434.

وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين: (مُوهِنُ) ، من أوهنته فأنا موهنه "، بمعنى: أضعفته."
* * *
قال أبو جعفر: والتشديد في ذلك أعجبُ إليّ، لأن الله تعالى كان ينقض ما يبرمه المشركون لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، عقدًا بعد عَقْدٍ، وشيئًا بعد شيء، وإن كان الآخرُ وجهًا صحيحًا.
* * *
القول في تأويل قوله: {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمشركين الذين حاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ببدر: (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) ، يعني: إن تستحكموا الله على أقطع الحزبين للرحم، وأظلم الفئتين، وتستنصروه عليه، فقد جاءكم حكم الله، ونصرُه المظلوم على الظالم، والمحق على المبطل. (1)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
15831- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك: (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) ، قال: إن تستقضوا فقد جاءكم القضاء.
(1)
انظر تفسير "الاستفتاح" و "الفتح" فيما سلف 2: 254 \ 10: 405، 406 \ 12: 563.

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif




ابوالوليد المسلم 17-07-2025 01:12 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنفال
الحلقة (729)
صــ 451 إلى صــ 460






15832-. . . . قال: حدثنا سويد بن عمرو الكلبي، عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن عكرمة: (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) ، قال: إن تستقضوا فقد جاءكم القضاء.
15833- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) ، يعني بذلك المشركين: إن تستنصروا فقد جاءكم المدد.
15834- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، أخبرني عبد الله بن كثير، عن ابن عباس قوله: (إن تستفتحوا) ، قال: إن تستقضوا القضاء= وإنه كان يقول: (وإن تنتهوا فهو خير لكم وإن تعودوا نعد ولن تغني عنكم فئتكم شيئًا) ، قلت: للمشركين؟ قال: لا نعلمه إلا ذلك (1)
15835- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) ، قال: كفار قريش في قولهم: "ربنا افتح بيننا وبين محمد وأصحابه" ! ففُتح بينهم يوم بدر.
15836 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، نحوه.
15837- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري: (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) ، قال: استفتح أبو جهل فقال: اللهم = يعني محمدًا ونفسه = "أيُّنا كان أفجرَ لك، اللهم وأقطعَ للرحم، فأحِنْه اليوم" ! (2) قال الله: (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) .
15838 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الزهري في قوله: (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) ، قال: استفتح
(1)
في المطبوعة والمخطوطة، "لا نعلم" ، والجيد ما أثبت.

(2)
يقال: "أحانه الله" ، أهلكه. و "الحين" (بفتح فسكون) : الهلاك، أو هو أجل الهلاك على التحقيق.

أبو جهل بن هشام فقال: "اللهم أيُّنا كان أفجر لك وأقطعَ للرحم، فأحنه اليوم!" يعني محمدًا عليه الصلاة والسلام ونفسه. قال الله عز وجل: (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) ، فضربه ابنا عفراء: عوف ومعوِّذ، وأجهزَ عليه ابن مسعود.
15839- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني الليث قال، حدثنى عقيل، عن ابن شهاب قال، أخبرني عبد الله بن ثعلبة بن صُعَير العدوي، حليف بني زهرة، أن المستفتح يومئذ أبو جهل، وأنه قال حين التقى القوم: "أينا أقطعُ للرحم، وآتانا بما لا يُعرف، فأحِنْه الغداة" ! فكان ذلك استفتاحه، فأنزل الله في ذلك: (إن إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) ، الآية. (1)
15840- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) ، الآية، يقول: قد كانت بدرٌ قضاءً وعِبْرةً لمن اعتبر.
(1)
الأثر: 15839 - "عبد الله بن ثعلبة بن صعير العدوي" ، مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه ورأسه زمن الفتح، ودعا له. وقال أبو حاتم: "رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير" ، وقال البخاري في التاريخ: "عبد الله بن ثعلية، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مرسل، إلا أن يكون عن أبيه، وهو أشبه" . مترجم في الإصابة، والتهذيب، وأسد الغابة، والاستيعاب: 341، وابن أبي حاتم 2 \ 2 \ 19.

وهذا الخبر سيأتي من طريق ابن إسحاق، عن الزهري، برقم: 15846، 15848، ومن طريق صالح بن كيسان، عن الزهري، رقم: 15847.
ورواه أحمد في مسنده 5: 431، 4 من طريق يزيد بن هارون، عن ابن إسحاق، عن الزهري، وص: 431، 432، من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن ابن إسحاق، عن الزهري.
ورواه الحاكم في المستدرك 2: 328 من طريق يزيد بن هارون، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري = ثم من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه، عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن صالح بن كيسان، عن الزهري، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه" ، ووافقه الذهبي.
وهذا الإسناد الثاني الذي ذكره الحاكم، لم أجده في المسند، و "إبراهيم بن سعد" يروي عن "صالح بن كيسان" ، وعن "الزهري" ، عن "ابن إسحاق" .
15841- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: كان المشركون حين خرجوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من مكة، أخذوا بأستار الكعبة واستنصروا الله وقالوا: "اللهم انصر أعز الجندين، وأكرم الفئتين، وخير القبيلتين" ! فقال الله: (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) ، يقول: نصرت ما قلتم، وهو محمد صلى الله عليه وسلم.
15842- حدثنا عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) إلى قوله: (وأن الله مع المؤمنين) ، وذلك حين خرج المشركون ينظرون عِيرَهم، وإن أهلَ العير، أبا سفيان وأصحابه، أرسلوا إلى المشركين بمكة يستنصرونهم، فقال أبو جهل: "أينا كان خيرًا عندك فانصره" ! وهو قوله: (إن تستفتحوا) ، يقول: تستنصروا.
15843- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) ، قال: إن تستفتحوا العذاب، فعُذِّبوا يوم بدر. قال: وكان استفتاحهم بمكة، قالوا: (اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) ، [سورة الأنفال: 32] . قال: فجاءهم العذاب يوم بدر. وأخبر عن يوم أحد: (وإن تعودوا نعد ولن نغني عنكم فئتكم شيئًا ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين) .
15844- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن فضيل، عن مطرف، عن عطية قال: قال أبو جهل يوم بدر: "اللهم انصر أهدى الفئتين، وخير الفئتين وأفضل" فنزلت: (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) .
15845 -. . . . قال، حدثنا عبد الأعلى، عن معمر، عن الزهري: أن أبا جهل هو الذي استفتح يوم بدر وقال: "اللهم أينا كان أفجر وأقطع لرحمه، فأحِنْه اليوم" ! فأنزل الله: (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) .
15846 -. . . . قال، حدثنا يزيد بن هارون، عن ابن إسحاق،
عن الزهري، عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير: أن أبا جهل، قال يوم بدر: اللهمّ أقطعنا لرحمه، وآتانا بما لا نعرف، فأحنه الغداة! ". وكان ذلك استفتاحًا منه، فنزلت: (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) ، الآية. (1) "
15847 -. . . . قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن إبراهيم بن سعد، عن صالح بن كيسان، عن الزهري، عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير قال: كان المستفتح يوم بدر أبا جهل، قال: "اللهم أقطعنا للرحم، وآتانا بما لا نعرف، فأحنه الغداة!" ، فأنزل الله: (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) . (2)
15848 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال، حدثني محمد بن مسلم الزهري، عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير، حليف بني زهرة قال: لما التقى الناس، ودنا بعضهم من بعض، قال أبو جهل: "اللهم أقطعنا للرحم، وآتانا بما لا نعرف، فأحنه الغداة!" ، فكان هو المستفتح على نفسه= (3) قال ابن إسحاق: فقال الله: (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) ، لقول أبي جهل: "اللهم أقطعنا للرحم، وآتانا بما لا نعرف، فأحنه للغداة!" قال: "الاستفتاح" ، الإنصاف في الدعاء. (4)
15849- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو معشر، عن يزيد بن رومان وغيره: قال أبو جهل يوم بدر: "اللهم انصر أحب الدينين إليك، دينَنا العتيق، أم دينهم الحديث" ! فأنزل الله: (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) ، إلى قوله: (وأن الله مع المؤمنين) .
* * *
(1)
الأثر: 15846 - انظر تخريج الأثر رقم: 15839، والخبرين التاليين.

(2)
الأثر: 15847 - انظر تخريج الآثار السالفة، والذي سيليه.

(3)
قول: "على نفسه" ، ليست في سيرة ابن هشام 2: 280. وانظر تخريج الخبر، بعد.

(4)
الأثر: 15848 - هما خبران، أولهما إلى قوله: "المستفتح على نفسه" ، رواه ابن هشام في سيرته 2: 280، وسائر الخبر، رواه في سيرته 2: 324، وهو تابع الأثر: 15830.

وانظر تخريج الأثر رقم: 15839.
وأما قوله: (وإن تنتهوا فهو خير لكم) ، فإنه يقول: "وإن تنتهوا" ، يا معشر قريش، وجماعة الكفار، عن الكفر بالله ورسوله، وقتال نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به= "فهو خير لكم" ، في دنياكم وآخرتكم (1) = (وإن تعودوا نعد) ، يقول: وإن تعودوا لحربه وقتاله وقتال اتباعه المؤمنين= "نعد" ، أي: بمثل الواقعة التي أوقعت بكم يوم بدر.
* * *
وقوله: (ولن تغني عنكم فئتكم شيئًا ولو كثرت) ، يقول: وإن تعودوا نعد لهلاككم بأيدي أوليائي وهزيمتكم، ولن تغني عنكم عند عودي لقتلكم بأيديهم وسَبْيكم وهزمكم (2) "فئتكم شيئًا ولو كثرت" ، يعني: جندهم وجماعتهم من المشركين، (3) كما لم يغنوا عنهم يوم بدر مع كثرة عددهم وقلة عدد المؤمنين شيئًا= (وأن الله مع المؤمنين) ، يقول جل ذكره: وأن الله مع من آمن به من عباده على من كفر به منهم، ينصرهم عليهم، أو يظهرهم كما أظهرهم يوم بدر على المشركين. (4)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
15850- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق في قوله: (وإن تنتهوا فهو خير لكم) ، قال: يقول لقريش= "وإن تعودوا نعد" ، لمثل الواقعة التي أصابتكم يوم بدر= (ولئن تغني عنكم فئتكم شيئًا ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين) ، أي: وإن كثر عددكم في أنفسكم لن يغني عنكم شيئًا. وإني مع المؤمنين، أنصرهم على من خالفهم. (5)
* * *
(1)
انظر تفسير "الانتهاء" فيما سلف 20: 566، تعليق: 1 والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "أغنى" فيما سلف 7: 133.

(3)
انظر تفسير "فئة" فيما سلف ص: 435، تعليق: 3، والمراجع هناك.

(4)
انظر تفسير "مع" فيما سلف ص: 428، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(5)
الأثر: 15850 - سيرة ابن هشام 2: 324، وهو تابع الأثر السالف رقم: 15848، في القسم الثاني منه.

وكان في المطبوعة و "إن الله مع المؤمنين ينصرهم" ، وفي المخطوطة مثله إلا أن فيها "أنصرهم" ، وأثبت نص ما في سيرة ابن هشام، والذي في المخطوطة بعضه سهو من الناسخ وعجلة.
وقد قيل: إن معنى قوله: (وإن تعودوا نعد) ، وإن تعودوا للاستفتاح، نعد لفتح محمد صلى الله عليه وسلم.
وهذا القول لا معنى له، لأن الله تعالى قد كان ضمن لنبيه عليه السلام حين أذن له في حرب أعدائه إظهارَ دينه وإعلاءَ كلمته، من قبل أن يستفتح أبو جهل وحزبه، فلا وجه لأن يقال والأمر كذلك: "إن تنتهوا عن الاستفتاح فهو خير لكم، وإن تعودوا نعد" ، لأن الله قد كان وعد نبيه صلى الله عليه وسلم الفتح بقوله: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) ، [سورة الحج: 39] ، استفتح المشركون أو لم يستفتحوا.
* ذكر من قال ذلك:
15851- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (وإن تعودوا نعد) ، إن تستفتحوا الثانية نفتح لمحمد صلى الله عليه وسلم = (ولن نغني عنكم فئتكم شيئًا ولو كثرت وإن الله مع المؤمنين) ، محمد وأصحابه.
* * *
واختلفت القرأة في قراءة قوله: (وإن الله مع المؤمنين) .
ففتحها عامة قرأة أهل المدينة بمعنى: ولن تغني عنكم فئتكم شيئًا ولو كثرت وإن الله لمع المؤمنين= (1) فعطف ب "أن" على موضع "ولو كثرت" ، كأنه قال: لكثرتها، ولأن الله مع المؤمنين. ويكون موضع "أن" حينئذ نصبًا على هذا القول. (2)
* * *
وكان بعض أهل العربية يزعم أن فتحها إذا فتحت، على: (وأنّ الله موهن كيد الكافرين) ، (وأن الله مع المؤمنين) ، عطفًا بالأخرى على الأولى.
* * *
(1)
في المطبوعة: "مع المؤمنين" بغير لام، وأثبت ما في المخطوطة، وأنا في شك منه.

(2)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 407.

وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين والبصريين: "وَإِنَّ اللهَ" ، بكسر الألف على الابتداء، واعتلوا بأنها في قراءة عبد الله: "وإنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُؤْمِنِينَ" .
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القراءتين بالصواب، قراءة من كسر "إن" للابتداء، لتقضِّي الخبر قبل ذلك عما يقتضي قوله: (وأن الله مع المؤمنين) . (1)
* * *
القول في تأويل قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله= (أطيعوا الله ورسوله) ، فيما أمركم به وفيما نهاكم عنه= (ولا تولوا عنه) ، يقول: ولا تدبروا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مخالفين أمره ونهيه (2) = "وأنتم تسمعون" أمرَه إياكم ونهيه، وأنتم به مؤمنون، كما:-
15852- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا وأنتم تسمعون) ، أي: لا تخالفوا أمره، وأنتم تسمعون لقوله، وتزعمون أنكم منه. (3)
* * *
(1)
في المطبوعة: "عما يقضي قوله" ، والصواب ما في المخطوطة.

(2)
انظر تفسير "التولي" فيما سلف من فارس اللغة (ولي) .

(3)
الأثر: 15852 - سيرة ابن هشام 2: 324، وهو تابع الأثر السالف رقم: 15850.

وكان في المطبوعة هنا "وتزعمون أنكم مؤمنون" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو المطابق لما في سيرة ابن هشام.
القول في تأويل قوله: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (21) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمؤمنين بالله ورسوله من أصحاب نبي الله صلى الله عليه وسلم: لا تكونوا، أيها المؤمنون، في مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كالمشركين الذين إذا سمعوا كتاب الله يتلى عليهم قالوا: "قد سمعنا" ، بآذاننا= "وهم لا يسمعون" ، يقول: وهم لا يعتبرون ما يسمعون بآذانهم ولا ينتفعون به، لإعراضهم عنه، وتركهم أن يُوعُوه قلوبهم ويتدبروه. فجعلهم الله، إذ لم ينتفعوا بمواعظ القرآن وإن كانوا قد سمعوها بأذانهم، (1) بمنزلة من لم يسمعها. يقول جل ثناؤه لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تكونوا أنتم في الإعراض عن أمر رسول الله، وترك الانتهاء إليه وأنتم تسمعونه بآذانكم، كهؤلاء المشركين الذين يسمعون مواعظ كتاب الله بآذانهم، ويقولون: "قد سمعنا" ، وهم عن الاستماع لها والاتعاظ بها معرضون كمن لا يسمَعُها. (2)
* * *
وكان ابن إسحاق يقول في ذلك ما:-
15853- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون) ، أي: كالمنافقين الذين يظهرون له الطاعة، ويُسِرُّون المعصية. (3)
15854- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا
(1)
في المطبوعة: "فجعلهم الله لما لم ينتفعوا" ، وأثبت ما في المخطوطة.

(2)
في المخطوطة: "وهم لاستعمالها والاتعاظ بها" ، والصواب ما في المطبوعة، وإنما هو إسقاط من الناسخ في كتابته. وكان في المطبوعة: "كمن لم يسمعها" ، وأثبت ما في المخطوطة.

(3)
الأثر: 15853 - سيرة ابن هشام 2: 324، وهو تابع الأثر السالف رقم: 15852.

عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (وهم لا يسمعون) ، قال: عاصون.
15855- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
* * *
قال أبو جعفر: وللذي قال ابن إسحاق وجه، ولكن قوله: (ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون) ، في سياق قَصَص المشركين، ويتلوه الخبر عنهم بذمّهم، وهو قوله: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) ، فلأن يكون ما بينهما خبرًا عنهم، أولى من أن يكون خبرًا عن غيرهم.
* * *
القول في تأويل قوله: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (22) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إنّ شر ما دبَّ على الأرض من خلق الله عند الله، (1) الذين يصمون عن الحق لئلا يستمعوه، (2) فيعتبروا به ويتعظوا به، وينكُصون عنه إن نطقوا به، (3) الذين لا يعقلون عن الله أمره ونهيه، فيستعملوا بهما أبدانهم.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
(1)
انظر تفسير "دابة" فيما سلف 3: 275 \ 11: 344.

(2)
انظر تفسير "الصمم" 1: 328 - 331 \ 3: 315 \ 10: 478 \ 11: 350.

(3)
انظر تفسير "البكم" فيما سلف 1: 328 - 331 \3: 315 \ 11: 350.

15856- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (إن شر الدواب عند الله) ، قال: "الدواب" ، الخلق.
15857- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج، عن عكرمة قال: وكانوا يقولون: "إنا صم بكم عما يدعو إليه محمد، لا نسمعه منه، ولا نجيبه به بتصديق!" فقتلوا جميعًا بأحد، وكانوا أصحاب اللواء.
15858- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "الصم البكم الذين لا يعقلون" ، قال: الذين لا يتّبعون الحق.
15859- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (إن شر الدوابّ عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون) ، وليس بالأصم في الدنيا ولا بالأبكم، ولكن صمّ القلوب وبُكمها وعُميها! وقرأ: (فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) [سورة الحج: 46] .
* * *
واختلف فيمن عني بهذه الآية.
فقال بعضهم: عُني بها نفرٌ من المشركين.
* ذكر من قال ذلك:
15860- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال، قال ابن عباس: "الصم البكم الذين لا يعقلون" ، نفرٌ من بني عبد الدار، لا يتبعون الحق.
15861 -. . . . قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (الصم البكم الذين لا ينقلون) ، قال: لا يتبعون الحق= قال، قال ابن عباس: هم نَفرٌ من بني عبد الدار.
15861 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن


https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif


ابوالوليد المسلم 17-07-2025 01:15 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنفال
الحلقة (730)
صــ 461 إلى صــ 470





ابن جريج، عن مجاهد، نحوه.
* * *
وقال آخرون: عُني بها المنافقون.
* ذكر من قال ذلك:
15862- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (إن شرّ الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون) ، [أي المنافقون الذين نهيتكم أن تكونوا مثلهم، بُكمٌ عن الخير، صم عن الحق، لا يعقلون] ، لا يعرفون ما عليهم في ذلك من النقمة والتِّباعة. (1)
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بالصواب، قولُ من قال بقول ابن عباس: وأنه عُني بهذه الآية مشركو قريش، لأنها في سياق الخبر عنهم.
* * *
(1)
الأثر: 15862 -سيرة ابن هشام 2: 324، وهو تابع الأثر السالف رقم: 15853. والذي بين القوسين سقط من ناسخ المخطوطة بلا شك، لأن إسقاطه يجعل الخبر غير مطابق للترجمة، لأنه عندئذ لا ذكر فيه للمنافقين. هذا فضلا عن أن أبا جعفر ينقل تفسير ابن إسحاق في سيرته بنصه في كل ما مضى، فلا معنى لاختصاره هنا اختصارًا مخلا، فثبت أن ذلك من الناسخ فزدته من السيرة.

أما الجملة التي أثبتها الناسخ، وهي الخارجة عن القوسين. فكانت في المخطوطة: "... من النعمة والساعة" ، الأولى خطأ، وصوابها ما أثبت.
فجاء الناشر، ولم يفهم معنى الكلام، فجعله هكذا: "... من النعمة والسعة" ، فصار خلطًا لا خير فيه، ولا معنى له. ورددته إلى الصواب والحمد لله.
و "التباعة" ، (بكسر التاء) ، مثل "التبعة" (بفتح التاء وكسر الباء) : ما فيه إثم يتبع به صاحبه. يقال: "ما عليه من الله في هذا تبعة ولا تباعة" ، أي: مطالبة يطلب بإثمها.
القول في تأويل قوله: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) }
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل فيمن عني بهذه الآية، وفي معناها.
فقال بعضهم: عني بها المشركون. وقال: معناه: أنهم لو رزقهم الله الفهم لما أنزله على نبيه صلى الله عليه وسلم، لم يؤمنوا به، لأن الله قد حكم عليهم أنهم لا يؤمنون.
* ذكر من قال ذلك:
15863- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنى حجاج قال، قال ابن جريج قوله: (ولو علم الله فيهم خيرًا لأسمعهم ولو اسمعهم) ، لقالوا: (ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا) ، [سورة يونس: 15] ، ولقالوا: (لَوْلا اجْتَبَيْتَهَا) [سورة الأعراف: 203] ، ولو جاءهم بقرآن غيره= (لتولوا وهم معرضون) .
15864- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون) ، قال: لو أسمعهم بعد أن يعلم أن لا خير فيهم، ما انتفعوا بذلك، ولتولوا وهم معرضون.
15865 - وحدثني به مرة أخرى فقال: "لو علم الله فيهم خيرًا لأسمعهم ولو أسمعهم" ، بعد أن يعلم أن لا خير فيهم، ما نفعهم بعد أن نفذ علمه بأنهم لا ينتفعون به.
* * *
وقال آخرون: بل عني بها المنافقون. قالوا: ومعناه ما:-
15866- حدثنا به ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (ولو علم الله فيهم خيرًا لأسمعهم) ، لأنفذ لهم قولهم الذي قالوه بألسنتهم، (1) ولكن
(1)
في المطبوعة: "الذي قالوه" ، وأثبت ما في المخطوطة، مطابقًا لما في السيرة.

القلوب خالفت ذلك منهم، ولو خرجوا معكم لتولوا وهم معرضون، (1) ما وفَوا لكم بشيء مما خرجوا عليه. (2)
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القول في تأويل ذلك بالصواب عندي ما قاله ابن جريج وابن زيد، لما قد ذكرنا قبل من العلة، وأن ذلك ليس من صفة المنافقين. (3)
* * *
قال أبو جعفر: فتأويل الآية إذًا: ولو علم الله في هؤلاء القائلين خيرًا، لأسمعهم مواعظ القرآن وعِبَره، حتى يعقلوا عن الله عز وجل حججه منه، ولكنه قد علم أنه لا خير فيهم، وأنهم ممن كتب لهم الشقاء فهم لا يؤمنون. ولو أفهمهم ذلك حتى يعلموا ويفهموا، لتولوا عن الله وعن رسوله، (4) وهم معرضون عن الإيمان بما دلَّهم على صحته مواعظُ الله وعبره وحججه، (5) معاندون للحق بعد العلم به. (6)
* * *
القول في تأويل قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: (إذا دعاكم لما يحييكم) .
فقال بعضهم: معناه: استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم للإيمان.
(1)
كانت هذه الجملة الآتية في المخطوطة والمطبوعة هكذا: "فأوفوا لكم بشر مما خرجوا عليه" ، وهو لا معنى له. وصوابها ما أثبت من سيرة ابن هشام.

(2)
الأثر: 15866 - سيرة ابن هشام 2: 324، وهو تابع الأثر السالف رقم: 15862.

(3)
انظر ص: 461.

(4)
انظر تفسير "التولي" فيما سلف 12: 571، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(5)
في المطبوعة: "... دلهم على حقيقة" ، وفي المخطوطة: "... دلهم على حجته" ، وهذا صواب قراءتها.

(6)
انظر تفسير "الإعراض" فيما سلف ص: 332 تعليق: 1، والمراجع هناك.

* ذكر من قال ذلك:
15867- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط عن السدي: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) ، قال: أمّا "ما يحييكم" ، (1) فهو الإسلام، أحياهم بعد موتهم، بعد كفرهم.
* * *
وقال آخرون: للحق.
* ذكر من قال ذلك:
15868- حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نحيح، عن مجاهد في قول الله: (لما يحييكم) ، قال: الحق.
15869 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
15870 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (إذا دعاكم لما يحييكم) ، قال: الحق.
15871 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام قال، حدثنا عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد في قوله: (استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) ، قال: للحق.
* * *
وقال آخرون: معناه: إذا دعاكم إلى ما في القرآن.
* ذكر من قال ذلك:
15872- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: "أما يحييكم" ، بإسقاط "ما" والجيد إثباتها.

قوله: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) ، قال: هو هذا القرآن، فيه الحياة والثقة والنجاة والعصمة في الدنيا والآخرة. (1)
* * *
وقال آخرون: معناه: إذا دعاكم إلى الحرب وجهاد العدو.
* ذكر من قال ذلك:
15873- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) ، أي: للحرب الذي أعزكم الله بها بعد الذل، وقوّاكم بعد الضعف، ومنعكم بها من عدوكم بعد القهر منهم لكم. (2)
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قولُ من قال: معناه: استجيبوا لله وللرسول بالطاعة، إذا دعاكم الرسول لما يحييكم من الحق. وذلك أن ذلك إذا كان معناه، كان داخلا فيه الأمر بإجابتهم لقتال العدو والجهاد، والإجابة إذا دعاكم إلى حكم القرآن، وفي الإجابة إلى كل ذلك حياة المجيب. أما في الدنيا، فبقاء الذكر الجميل، (3) وذلك له فيه حياة. وأما في الآخرة، فحياة الأبد في الجنان والخلود فيها. (4)
* * *
وأما قول من قال: معناه الإسلام، فقول لا معنى له. لأن الله قد وصفهم بالإيمان بقوله: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) ، فلا وجه لأن يقال للمؤمن: استجب لله وللرسول إذا دعا إلى الإسلام والإيمان. (5)
* * *
(1)
في المطبوعة: "الحياة والعفة" ، وهي في المخطوطة كما أثبتها غير منقوطة "الثاء" ، ثم زاد ناشرها أيضًا فأسقط من الكلام "والنجاة" ، وهذا من أسوأ العبث وأقبحه.

(2)
الأثر: 15873 - سيرة ابن هشام 2: 324، وهو تابع الأثر السالف رقم: 15866.

(3)
في المطبوعة والمخطوطة: "فيقال الذكر الجميل" ، وهو لا معنى له. صوابه ما أثبت.

(4)
انظر تفسير "الاستجابة" فيما سلف ص: 409، تعليق 1، والمراجع هناك.

(5)
في المطبوعة: "إذا دعاك" ، وأثبت ما في المخطوطة.

وبَعْدُ، ففيما:-
15874- حدثنا أحمد بن المقدام العجلي قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا روح بن القاسم، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبيٍّ وهو يصلي، فدعاه: أيْ أُبَيّّ! فالتفت إليه أبيّ ولم يجبه. ثم إن أبيًّا خفف الصلاة، ثم انصرف إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليك، أي رسول الله! قال: وعليك، ما منعك إذ دعوتك أن تجيبني؟ قال: يا رسول الله، كنت أصلي! قال: أفلم تجد فيما أوحي إليّ: "استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم" ؟ قال: بلى، يا رسول الله! لا أعود. (1)
(1)
الأثر:: 15874 - سيأتي من طريق أخرى في الذي يليه.

"أحمد بن المقدام بن سليمان العجلي" ، شيخ الطبري، ثقة، مضى برقم: 12861.
و "يزيد بن زريع العيشي" ، ثقة حافظ مضى مرارًا. برقم: 1769، 2533، 5429، 5438، غيرها.
و "روح بن القاسم التميمي الطبري" ، ثقة، مضى برقم 6613.
و "العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب، مولى الحرقة" ، تابعي ثقة، مضى برقم: 221، 14210.
وأبوه: "عبد الرحمن بن يعقوب، مولى الحرقة" ، تابعي ثقة. مضى برقم: 14210.
وهذا الخبر رواه أحمد في مسنده 2: 412، 413، من طريق عبد الرحمن بن إبراهيم، عن العلاء بن عبد الرحمن. عن أبيه، بنحوه، مطولا.
ورواه الترمذي في "فضائل القرآن، باب ما جاء في فضل الفاتحة" ، من طريق عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن العلاء، بنحوه مطولا، وقال: "هذا حديث حسن صحيح" . وفي الباب عن أنس بن مالك "."
وخرجه ابن كثير في تفسيره 1: 22، 23.
ثم انظر حديث البخاري (الفتح 8: 119، 231) ، وهو حديث أبي سعيد بن المعلى، بنحو هذه القصة عن أبي بن كعب. وقد فصل الحافظ ابن حجر هناك الكلام فيه، وخرج حديث أبي بن كعب. وانظر أيضًا الموطأ: 83، خبر مالك عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب: أن أبا سعيد مولى عامر بن كريز، أخبره: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نادى أبي بن كعب وهو يصلي ..." بغير هذا السياق، وما قاله فيه الحافظ ابن حجر، وابن كثير في تفسيره، حيث أشرنا إلى موضعه.
15875 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا خالد بن مخلد، عن محمد بن جعفر، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبيّ وهو قائم يصلي، فصرخ به [فلم يجبه، ثم جاء] ، (1) فقال: يا أبيّ، ما منعك أن تجيبني إذ دعوتك؟ أليس الله يقول: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) ؟ قال أبيّ: لا جَرَم يا رسول الله، لا تدعوني إلا أجبتُ وإن كنت أصلي! (2)
* * *
=ما يُبِين عن أن المعنيَّ بالآية، هم الذين يدعوهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ما فيه حياتهم بإجابتهم إليه من الحق بعد إسلامهم، لأن أبَيًّا لا شك أنه كان مسلمًا في الوقت الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم ما ذكرنا في هذين الخبرين.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) }
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم: معناه: يحول بين الكافر والإيمان، وبين المؤمن والكفر.
* ذكر من قال ذلك:
(1)
هذا الذي بين القوسين، ليس في المخطوطة، زاده ناشر المطبوعة، لا أدري من أين؟ وفي الخبر سقط لا شك فيه، ولكني لم أجد الخبر بنصه هذا.

(2)
الأثر: 15875 - إسناد آخر للخبر السالف. وقد خرجته هناك.

"خالد بن مخلد القطواني" ، ثقة من شيوخ البخاري، وأخرج له مسلم "مضى مرارًا، برقم: 2206، 4577، 8166، 8397، وغيرها."
و "محمد بن جعفر بن أبي كثير الزرقي" ، ثقة معروف، مضى برقم: 2206، 8397.
15876- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن الأعمش عن عبد الله بن عبد الله الرازي، عن سعيد بن جبير: (يحول بين المرء وقلبه) ، قال: بين الكافر أن يؤمن، وبين المؤمن أن يكفر. (1)
15877 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أحمد= قالا حدثنا سفيان= وحدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، حدثنا الثوري، عن الأعمش، عن عبد الله بن عبد الله الرازي، عن سعيد بن جبير، بنحوه.
15878 - حدثني أبو زائدة زكريا بن أبي زائدة قال، حدثنا أبو عاصم، عن سفيان، عن الأعمش، عن عبد الله بن عبد الله، عن سعيد بن جبير، مثله.
15879 - حدثني أبو السائب وابن وكيع قالا حدثنا أبو معاوية، عن المنهال، عن سعيد بن جبير: (يحول بين المرء وقلبه) ، قال: يحول بين المؤمن وبين الكفر، وبين الكافر وبين الإيمان.
15880- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن فضيل، عن الأعمش، عن عبد الله بن عبد الله الرازي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (يحول بين المرء وقلبه) ، يحول بين الكافر والإيمان وطاعة الله.
15881 -. . . . قال، حدثنا حفص، عن الأعمش، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (يحول بين المرء وقلبه) ، قال: يحول بين المؤمن والكفر، وبين الكافر والإيمان.
15882- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا عبيد بن سليمان، وعبد العزيز بن أبي رواد، عن الضحاك في قوله: (يحول بين المرء
(1)
الأثر: 15876 - "عبد الله بن عبد الله الرازي" ، "أبو جعفر الرازي" ، قاضي الري، ثقة، لا بأس. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 2 \ 2 \ 92.

وهو غير "أبي جعفر الرازي التميمي" ، "عيسى بن ماهان" .
وقلبه) ، قال: يحول بين الكافر وطاعته، وبين المؤمن ومعصيته.
15883 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن أبى روق، عن الضحاك بن مزاحم، بنحوه.
15884 -. . . . قال، حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك قال: يحول بين المرء وبين أن يكفر، (1) وبين الكافر وبين أن يؤمن.
15885 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، حدثنا عبد العزيز بن أبي رواد، عن الضحاك بن مزاحم: (يحول بين المرء وقلبه) ، قال: يحول بين الكافر وبين طاعة الله، وبين المؤمن ومعصية الله.
15886 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري قال، حدثنا بن أبي رواد، عن الضحاك، نحوه.
15887 - وحدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك بن مزاحم يقول، فذكر نحوه.
15888 - حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج بن منهال قال، حدثنا المعتمر بن سليمان قال، سمعت عبد العزيز بن أبي رواد يحدث، عن الضحاك بن مزاحم في قوله: (يحول بين المرء وقلبه) ، قال: يحول بين المؤمن ومعصيته.
15889 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: (واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه) ، يقول: يحول بين المؤمن وبين الكفر، ويحول بين الكافر وبين الإيمان.
15890 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه) ، يقول: يحول بين الكافر وبين طاعته، ويحول بين المؤمن وبين معصيته.
(1)
هكذا في المخطوطة والمطبوعة: "يحول بين المرء" ، ولو ظننت أنها: "يحول بين المؤمن" ، لكان في الذي سلف ما يرجحه.

15891- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا المحاربي، عن ليث، عن مجاهد: (يحول بين المرء وقلبه) ، قال: يحول بين المؤمن وبين الكفر، وبين الكافر وبين الإيمان.
15892 -. . . . قال، حدثنا أبي، عن ابن أبي رواد، عن الضحاك: (يحول بين المرء وقلبه) ، يقول: يحول بين الكافر وبين طاعته، وبين المؤمن وبين معصيته.
15893 -. . . . قال، حدثنا إسحاق بن إسماعيل، عن يعقوب القمي، عن جعفر، عن سعيد بن جبير: (يحول بين المرء وقلبه) ، يحول بين المؤمن والمعاصي، وبين الكافر والإيمان.
15894-. . . . قال، حدثنا عبيدة، عن إسماعيل، عن أبي صالح: (يحول بين المرء وقلبه) ، قال: يحول بينه وبين المعاصي.
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك: يحول بين المرء وعقله، فلا يدري ما يَعمل.
* ذكر من قال ذلك:
15895- حدثنا عبيد الله بن محمد الفريابي قال، حدثنا عبد المجيد، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله: (يحول بين المرء وقلبه) ، قال: يحول بين المرء وعقله.
15896 - حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (يحول بين المرء وقلبه) ، حتى تركه لا يعقل.
15897 - حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
15898 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: (يحول بين المرء وقلبه) ، قال:


https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif


ابوالوليد المسلم 17-07-2025 03:29 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنفال
الحلقة (731)
صــ 471 إلى صــ 480





هو كقوله "حال" ، حتى تركه لا يعقل. (1)
15899 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا معقل بن عبيد الله، عن حميد، عن مجاهد: (يحول بين المرء وقلبه) ، قال: إذا حال بينك وبين قلبك، كيف تعمل.
15900 - قال: حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا شريك، عن خصيف، عن مجاهد: (يحول بين المرء وقلبه) ، قال: يحول بين قلب الكافر، وأن يعمل خيرًا.
* * *
وقال آخرون: معناه: يحول بين المرء وقلبه، أن يقدر على إيمان أو كفر إلا بإذنه.
* ذكر من قال ذلك:
15901- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه) ، قال: يحول بين الإنسان وقلبه، فلا يستطيع أن يؤمن ولا يكفر إلا بإذنه.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: أنه قريب من قلبه، لا يخفى عليه شيء أظهره أو أسره.
* ذكر من قال ذلك:
15902- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور قال، حدثنا معمر، عن قتادة في قوله: (يحول بين المرء وقلبه) ، قال: هي كقوله: (أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) ، [سورة ق: 16] .
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصواب عندي في ذلك أن يقال: إن ذلك
(1)
في المطبوعة: "قال: هي يحول بين المرء وقلبه حتى يتركه لا يعقل" ، غير ما في المخطوطة كل التغيير، لأنه لم يفهمه، وهذا من أسوأ التصرف وأقبحه وأبعده من الأمانة. وإنما أراد أن "يحول" مضارعًا، بمعنى "حال" ماضيًا، ولذلك قال "حتى تركه لا يعقل" . فانظر أي فساد أدخله الناشر بلا ورع! .

خبرٌ من الله عز وجل أنه أملك لقلوب عباده منهم، وأنه يحول بينهم وبينها إذا شاء، حتى لا يقدر ذو قلب أن يُدرك به شيئًا من إيمان أو كفر، أو أن يَعِي به شيئًا، أو أن يفهم، إلا بإذنه ومشيئته. وذلك أن "الحول بين الشيء والشيء" ، إنما هو الحجز بينهما، وإذا حجز جل ثناؤه بين عبد وقلبه في شيء أن يدركه أو يفهمه، (1) لم يكن للعبد إلى إدراك ما قد منع الله قلبَه إدراكَه سبيلٌ.
وإذا كان ذلك معناه، دخل في ذلك قول من قال: "يحول بين المؤمن والكفر، وبين الكافر والإيمان" ، وقول من قال: "يحول بينه وبين عقله" ، وقول من قال: "يحول بينه وبين قلبه حتى لا يستطيع أن يؤمن ولا يكفر إلا بإذنه" ، لأن الله عز وجل إذا حال بين عبد وقلبه، لم يفهم العبد بقلبه الذي قد حيل بينه وبينه ما مُنِع إدراكه به على ما بيَّنتُ.
غير أنه ينبغي أن يقال: إن الله عم بقوله: (ولعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه) ، الخبرَ عن أنه يحول بين العبد وقلبه، ولم يخصص من المعاني التي ذكرنا شيئًا دون شيء، والكلام محتمل كل هذه المعاني، فالخبر على العموم حتى يخصه ما يجب التسليم له.
* * *
وأما قوله: (وأنه إليه تحشرون) ، فإن معناه: واعلموا، أيها المؤمنون، أيضًا، مع العلم بأن الله يحول بين المرء وقلبه: أنّ الله الذي يقدر على قلوبكم، وهو أملك بها منكم، إليه مصيركم ومرجعكم في القيامة، (2) فيوفّيكم جزاء أعمالكم، المحسنَ منكم بإحسانه، والمسيءَ بإساءته، فاتقوه وراقبوه فيما أمركم ونهاكم هو ورسوله أن تضيعوه، وأن لا تستجيبوا لرسوله إذا دعاكم لما يحييكم، فيوجب ذلك سَخَطَه، وتستحقوا به أليم عذابه حين تحشرون إليه.
* * *
(1)
انظر تفسير "المرء" فيما سلف 2: 446 \ 9: 430.

(2)
انظر تفسير "الحشر" فيما سلف ص 23، تعليق: 1، والمراجع هناك.

القول في تأويل قوله: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله: "اتقوا" ، أيها المؤمنون= "فتنة" ، يقول: اختبارًا من الله يختبركم، وبلاء يبتليكم (1) = "لا تصيبن" ، هذه الفتنة التي حذرتكموها (2) "الذين ظلموا" ، وهم الذين فعلوا ما ليس لهم فعله، إما إجْرام أصابوها، وذنوب بينهم وبين الله ركبوها. يحذرهم جل ثناؤه أن يركبوا له معصية، أو يأتوا مأثمًا يستحقون بذلك منه عقوبة. (3)
* * *
وقيل: إن هذه الآية نزلت في قوم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم الذين عُنوا بها.
* ذكر من قال ذلك:
15903- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن إبراهيم قال، حدثنا الحسن بن أبي جعفر قال، حدثنا داود بن أبي هند، عن الحسن في قوله: (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) ، قال: نزلت في علي، وعثمان، وطلحة، والزبير، رحمة الله عليهم.
15904- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر: (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) ، قال قتادة: قال الزبير بن العوام: لقد نزلت وما نرى أحدًا منا يقع بها. ثم خُلِّفْنا في إصابتنا خاصة. (4)
(1)
انظر تفسير "الفتنة" فيما سلف ص: 151، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "الإصابة" فيما سلف 2: 96، تعليق: 3، والمراجع هناك.

(3)
انظر تفسير "الخصوص" فيما سلف 2: 471 \ 6: 517.

(4)
في المطبوعة: "ثم خصتنا في إصابتنا خاصة" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو فيها غير منقوط، وظننت أن صواب نقطها ما أثبت. يعني: أنهم بقوا بعد الذين مضوا، فإذا هي في إصابتهم خاصة.

15905 - حدثني المثنى قال، حدثنا زيد بن عوف أبو ربيعة قال، حدثنا حماد، عن حميد، عن الحسن: أن الزبير بن العوام قال: نزلت هذه الآية: (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) ، وما نظننا أهلها، ونحن عُنِينا بها. (1)
15906 -. . . . قال، حدثنا قبيصة، عن سفيان، عن الصلت بن دينار، عن ابن صبهان قال: سمعت الزبير بن العوام يقول: قرأت هذه الآية زمانًا، وما أرانا من أهلها، فإذا نحن المعنيون بها: (واتقوا فتنه لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب) . (2)
15907- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصه) ، قال: هذه نزلت في أهل بدر خاصة، وأصابتهم يوم الجمل، فاقتتلوا.
15908- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن ابن أبي خالد، عن السدي: (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب) ، قال: أصحاب الجمل.
15909- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثنا معاوية، عن علي، عن ابن عباس: (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منعم خاصة) ، قال: أمر الله المؤمنين أن لا يقرُّوا المنكر بين أظهرهم، فيعمَّهم الله بالعذاب.
(1)
الأثر: 15905 - "زيد بن عوف القطعي" ، "أبو ربيعة" . ولقبه "فهد" ، متكلم فيه، ضعيف، مضى برقم: 5623، 14215، 14218.

(2)
الأثر: 15906 - "الصلت بن دينار الأزدي" "أبو شعيب" ، "المجنون" . متروك لا يحتج بحديثه. مترجم في التهذيب. والكبير 2 / 2 / 305، وابن أبي حاتم 2 / 1 / 437. وميزان الاعتدال 1: 468.

وابن صهبان "هو" عقبة بن صهبان الحداني الأزدي "تابعي ثقة، مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 113/ 312، ولم أجدهم ذكروا له رواية عن الزبير بن العوام، ولكنه روى عن عثمان، وعياض بن حمار، وعبد الله بن مغفل، وأبي بكرة الثقفي وعائشة."
15910-. . . . قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) ، قال: هى أيضًا لكم.
15911- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (واتقوا فتنه لا تصيبن الذين ظلموا منعم خاصة) ، قال: "الفتنة" ، الضلالة.
15912- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن المسعودي، عن القاسم قال: قال عبد الله: ما منكم من أحد إلا وهو مشتمل على فتنة، إن الله يقول: (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) [سورة الأنفال: 28] ، فليستعذ بالله من مُضِلات الفتن. (1)
15913- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا مبارك بن فضالة، عن الحسن قال: قال الزبير: لقد خُوِّفنا بها= يعني قوله: (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) .
* * *
واختلف أهل العربية في تأويل ذلك.
فقال بعض نحويي البصرة: (اتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا) ، قوله: "لا تصيبن" ، ليس بجواب، ولكنه نهي بعد أمر، ولو كان جوابًا ما دخلت "النون" .
* * *
وقال بعض نحويي الكوفة قوله: (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا) ، أمرهم ثم نهاهم. وفيه طرَفٌ من الجزاء، (2) وإن كان نهيًا. قال: ومثله قوله:
(1)
الأثر: 15912 - انظر الأثر التالي رقم: 15934، ونصه: "فمن استعاذ منكم، فليستعذ ..." ، وكأنه الصواب.

(2)
في المطبوعة: "ومنكم ظرف من الجزاء" ، فجاء الناشر بكلام غث لا معنى له وفي المخطوطة: "ومنه طرف" ، وصواب قراءته ما أثبت، مطابقًا لما في معاني القرآن للفراء.

(يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ) ، [سورة النمل: 18] ، أمرهم ثم نهاهم، وفيه تأويل الجزاء. (1)
وكأن معنى الكلام عنده: اتقوا فتنة، إن لم تتقوها أصابتكم.
* * *
وأما قوله: (واعلموا أن الله شديد العقاب) ، فإنه تحذير من الله، ووعيد لمن واقع الفتنة التي حذره إياها بقوله: (واتقوا فتنة) ، يقول: اعلموا، أيها المؤمنون، أن ربكم شديد عقابه لمن افتُتن بظلم نفسه، وخالف أمره، فأثم به. (2)
* * *
(1)
هذه مقالة الفراء في معاني القرآن 1: 407.

(2)
انظر تفسير "شديد العقاب" فيما سلف من فهارس اللغة (شدد) ، (عقب) .

القول في تأويل قوله: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26) }
قال أبو جعفر: وهذا تذكيرٌ من الله عز وجل أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومناصحة. يقول: أطيعوا الله ورسوله، أيها المؤمنون، واستجيبوا له إذا دعاكم لما يحييكم، ولا تخالفوا أمرَه وإن أمركم بما فيه عليكم المشقة والشدة، فإن الله يهوِّنه عليكم بطاعتكم إياه، ويعجِّل لكم منه ما تحبون، كما فعل بكم إذ آمنتم به واتبعتموه وأنتم قليلٌ يستضعفكم الكفار فيفتنونكم عن دينكم، (1) وينالونكم بالمكروه في أنفسكم وأعراضكم، (2) تخافون منهم أن يتخطفوكم فيقتلوكم ويصطلموا
(1)
انظر تفسير "القليل" فيما سلف 1: 329 \ 8: 439، 577 \ 9: 331.

(2)
انظر تفسير "المستضعف" فيما سلف 12: 542 \ 13: 76، 131.

جميعكم (1) = (فآواكم) ، يقول: فجعل لكم مأوى تأوون إليه منهم (2) = (وأيدكم بنصره) ، يقول: وقواكم بنصره عليهم حتى قتلتم منهم من قتلتم ببدر (3) = (ورزقكم من الطيبات) ، يقول: وأطعمكم غنيمتهم حلالا طيبًا (4) = (لعلكم تشكرون) ، يقول: لكي تشكروه على ما رزقكم وأنعم به عليكم من ذلك وغيره من نعمه عندكم. (5)
* * *
واختلف أهل التأويل في "الناس" الذين عنوا بقوله: (أن يتخطفكم الناس) .
فقال بعضهم: كفار قريش.
* ذكر من قال ذلك.
15914- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة قوله: (واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس) ، قال: يعني بمكة، مع النبي صلى الله عليه وسلم ومن تبعه من قريش وحلفائها ومواليها قبل الهجرة.
15915- حدثنا ابن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الكلبي= أو قتادة أو كلاهما (6) = (واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون) أنها نزلت في يوم بدر، كانوا يومئذ يخافون أن يتخطفهم الناس، فآواهم الله وأيدهم بنصره.
(1)
انظر تفسير "الخطف" فيما سلف 1: 357.

(2)
وانظر تفسير "المأوى" فيما سلف ص: 441، تعليق: 3، والمراجع هناك.

(3)
انظر تفسير "أيد" فيما سلف 2: 319، 320 \ 5: 379 \ 6: 242 \ 11: 213، 214.

(4)
انظر تفسير "الرزق" فيما سلف من فهارس اللغة (رزق) .

= و "الطيبات" فيما سلف منها (طيب) .
(5)
في المطبوعة: "لكي تشكروا" ، وفي المخطوطة: "لكي تشكرون" ، ورجحت ما أثبت.

(6)
هكذا في المخطوطة والمطبوعة: "أو كلاهما" ، وهو جائز.

15916- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، بنحوه.
* * *
وقال آخرون: بل عُني به غيرُ قريش.
* ذكر من قال ذلك.
15917- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرزاق قال، أخبرني أبي قال، سمعت وهب بن منبه يقول في قوله عز وجل: (تخافون أن يتخطفكم الناس) ، قال: فارس.
15918-. . . . قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال، حدثني عبد الصمد: أنه سمع وهب بن منبه يقول، وقرأ: (واذكروا إن أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس) ، و "الناس" إذ ذاك، فارس والروم.
15919-. . . . قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض) ، قال: كان هذا الحي من العرب أذلَّ الناس ذلا وأشقاهُ عيشًا، وأجوعَه بطونًا، (1) وأعراه جلودًا، وأبينَه ضلالا [مكعومين، على رأس حجر، بين الأسدين فارس والروم، ولا والله ما في بلادهم يومئذ من شيء يحسدون عليه] . (2) من عاش منهم عاش شقيًّا، ومن مات منهم رُدِّي في النار، يوكلون ولا يأكلون، والله ما نعلم قبيلا من حاضر أهل الأرض يومئذ كانوا أشرَّ منهم منزلا (3) حتى جاء الله بالإسلام،
(1)
في المطبوعة: "بطونًا" وأثبت ما في المخطوطة.

(2)
هذه الجملة بين القوسين لا بد منها، فإن الترجمة أن فارس والروم هما المعنيان بهذا. وقد أثبتها من رواية الطبري قبل، كما سيأتي في التخريج. وإغفال ذكرها في الخبر، يوقع في اللبس والغموض.

(3)
قوله: "أشر منهم منزلا" لم ترد في الخبر الماضي، وكان مكانها: "والله ما نعلم قبيلا يومئذ من حاضر الأرض كانوا أصغر حظًا، وأدق فيها شأنًا، منهم" .

فمكن به في البلاد، ووسَّع به في الرزق، وجعلكم به ملوكًا على رقاب الناس. فبالإسلام أعطى الله ما رأيتم، فاشكروا الله على نعمه، فإن ربكم منعمٌ يحب الشكر، وأهل الشكر في مزيد من الله تبارك وتعالى. (1)
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب، قولُ من قال: "عُني بذلك مشركو قريش" ، لأن المسلمين لم يكونوا يخافون على أنفسهم قبل الهجرة من غيرهم، لأنهم كانوا أدنى الكفار منهم إليهم، وأشدَّهم عليهم يومئذ، مع كثرة عددهم، وقلة عدد المسلمين.
* * *
وأما قوله: (فآواكم) ، فإنه يعني: آواكم المدينة،
وكذلك قوله: (وأيدكم بنصره) ، بالأنصار.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
15920- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (فآواكم) ، قال: إلى الأنصار بالمدينة= (وأيدكم بنصره) ، وهؤلاء أصحابُ محمد صلى الله عليه وسلم، أيدهم بنصره يوم بدر.
15921- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة: (فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات) ، يعني بالمدينة.
(1)
الأثر: 15919 - مضى هذا الخبر بإسناده مطولا فيما سلف رقم: 7591، ومنه اجتلبت الزيادة والتصحيح.

القول في تأويل قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمؤمنين بالله ورسوله من أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله= (لا تخونوا الله) ، وخيانتهم الله ورسوله، كانت بإظهار من أظهر منهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين الإيمانَ في الظاهر والنصيحةَ، وهو يستسرُّ الكفر والغش لهم في الباطن، يدلُّون المشركين على عورتهم، ويخبرونهم بما خفى عنهم من خبرهم. (1)
* * *
وقد اختلف أهل التأويل فيمن نزلت هذه الآية، وفي السبب الذي نزلت فيه.
فقال بعضهم: نزلت في منافق كتب إلى أبي سفيان يطلعه على سرِّ المسلمين.
* ذكر من قال ذلك.
15922- حدثنا القاسم بن بشر بن معروف قال، حدثنا شبابة بن سوار قال، حدثنا محمد بن المُحْرِم قال، لقيت عطاء بن أبي رباح فحدثني قال، حدثني جابر بن عبد الله: أن أبا سفيان خرج من مكة، فأتى جبريلُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبا سفيان في مكان كذا وكذا! فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: إن أبا سفيان في مكان كذا وكذا، فاخرجوا إليه واكتموا! "قال: فكتب رجل من المنافقين إلى أبي سفيان:" إن محمدًا يريدكم، فخذوا حذركم "! فأنزل الله عز وحل: (لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم) . (2) "
(1)
انظر تفسير "الخيانة" فيما سلف 9: 190.

(2)
الأثر: 15922 - "القاسم بن بشر بن معروف" ، شيخ الطبري، مضى برقم 10509، 10531.

و "شبابة بن سوار الفزاري" ، ثقة، مضى مرارًا: 37، 6701، 10051، وغيرها.
و "محمد المحرم" ، هو: "محمد بن عمر المحرم" ، وقد ترجم صاحب لسان الميزان لثلاثة: "محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير المكي" (ج 5: 216) ، و "محمد بن عمر المحرم" ج (5: 320،) و "محمد المحرم" (ج 5: 439) ، وقال هم واحد، وأن "محمد بن عمر" صوابه: "محمد ابن عمير" منسوبًا إلى جده. و "محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي" ، مضى برقم: 7484.
وترجم البخاري في الكبير 1 \ 1 \ 142 "محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي المكي" ، عن عطاء، وليس بذاك الثقة. ولم يذكر أنه "محمد المحرم" .
ثم ترجم أيضًا في الكبير 1 \ 1 \ 248 "محمد المحرم" ، عن عطاء والحسن، منكر الحديث. فكأنهما عنده رجلان.
وترجم ابن أبي حاتم 3 \ 2 \ 300 "محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي" ، وضعفه، ولم يذكر أنه "محمد المحرم" .
ثم ترجم "محمد بن عمر المحرم" ، روى عن عطاء، روى عنه شبابة، وقال: "ضعيف الحديث، واهي الحديث" ، ولم يذكر أنه الذي قبله.
وترجم الذهبي في ميزان الاعتدال 3: 77 "محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي" ، ويقال له: "محمد المحرم" .
ثم ترجم في الميزان 3: 113 "محمد بن عمر المحرم" عن عطاء، وعنه شبابة، وضعفه، ولم يذكر أنه الذي قبله.
وترجم عبد الغني بن سعيد في والمؤتلف والمختلف: 117، "محمد بن عبيد بن عمير المحرم" ، عن: "عطاء بن أبي رباح" .
والظاهر أن الذي قاله الحافظ في لسان الميزان، من أن هؤلاء جميعًا واحد، هو الصواب إن شاء الله، من أنهم جميعًا رجل واحد.
وكان في المطبوعة: "محمد بن المحرم" ، غير ما كان في المخطوطة بزيادة "بن" بينهما.
وهذا خبر ضعيف جدًا، لضعف "محمد المحرم" ، وهو متروك الحديث. وقد ذكر الخبر ابن كثير في تفسيره 4: 43، 44، ثم قال: "هذا الحديث غريب جدًا، وفي سنده وسياقه نظر" .


https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif


ابوالوليد المسلم 17-07-2025 03:32 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنفال
الحلقة (732)
صــ 481 إلى صــ 490





وقال آخرون: بل نزلت في أبي لبابة، في الذي كان من أمره وأمر بنى قريظة. (1)
* ذكر من قال ذلك.
15923 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني أبو سفيان، عن معمر، عن الزهري، قوله: "لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم" ، قال: نزلت في أبي لبابة، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشار إلى حلقه: إنه الذَّبح= قال الزهري: فقال، أبو لبابة: لا والله، لا أذوق طعامًا ولا شرابًا حتى أموتَ
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: "في أبي لبابة، الذي كان من أمره" ، والسياق يقتضي زيادة "في" كما أثبتها.

أو يتوب الله عليَّ! فمكث سبعة أيام لا يذوق طعامًا ولا شرابًا حتى خر مغشيًّا عليه، ثم تاب الله عليه. فقيل له: يا أبا لبابة، قد تِيبَ عليك! قال: والله لا أحُلُّ نفسي حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يَحُلّني. فجاءه فحله بيده. ثم قال أبو لبابة: إن من توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت بها الذنب، وأن أنخلع من مالي! قال: "يجزيك الثلث أن تصدَّق به. (1) "
15924 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن الزبير، عن ابن عيينة قال، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد قال: سمعت عبد الله بن أبي قتادة يقول: نزلت: "يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون" في أبي لبابة. (2)
* * *
وقال آخرون: بل نزلت في شأن عثمان رحمة الله عليه.
* ذكر من قال ذلك.
15925 - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا يونس بن الحارث الطائفي (3) قال، حدثنا محمد بن عبيد الله بن عون الثقفي، عن المغيرة بن شعبة قال: نزلت هذه الآية في قتل عثمان رحمة الله عليه: "يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول" الآية.
* * *
(1)
الأثر: 15923 - خبر أبي لبابة بن عبد المنذر الأنصاري، حين فعل ذلك يوم بنى قريظة، وعرف أنه خان الله ورسوله، في سيرة ابن هشام 3: 247، 248، وفي غيره. ثم إنه لما عرف ذلك ارتبط في سارية المسجد، وقال: "لا أبرح مكاني هذا حتى يتوب الله علي مما صنعت" .

ورواه الواحدي في أسباب النزول: 175، وروى بعضه مالك في الموطأ: 481.
(2)
الأثر: 15924 - "عبد الله بن أبي قتادة الأنصاري" . تابعي ثقة، روى له الجماعة، مترجم في التهذيب.

(3)
الأثر: 15925 - "يونس بن الحارث الطائفي الثقفي" ، ضعيف، إلا أنه لا يتهم بالكذب، وقال ابن معين: "كنا نضعفه ضعفًا شديدًا" . وقال أحمد: "أحاديثه مضطربة" .

مترجم في التهذيب، والكبير 4 \ 2 \ 409، ولم يذكر فيه جرحًا، وابن أبي حاتم 4 \ 2 \ 237، وضعفه.
و "محمد بن عبيد الله بن سعيد" ، "أبو عون الثقفي" ثقة، مضى برقم: 7595، 13965، 15659.
وكان في المطبوعة: "محمد بن عبد الله بن عون الثقفي" ، ومثله في المخطوطة. إلا أنه قد يقرأ "محمد بن عبيد الله" ، والصواب ما أثبت، لأن يونس بن الحارث الطائفي، يروي عن أبي عون الثقفي، و "أبو عون" اسم جده "سعيد" لا "عون" .
و "أبو عون الثقفي" ، لا أظنه روى عن المغيرة بن شعبة، فالمغيرة مات سنة خمسين، ويقال قبلها. والمذكور في ترجمته أنه يروي عن "عفان بن المغيرة بن شعبة" ، فهذا إسناد منقطع على الأرجح عندي.
وقوله: "نزلت في قتل عثمان" ، يعني أن حكمها يشمل فعل عثمان رضي الله عنه، فإنه قتل خيانة لله ولرسوله، وخيانة للأمانة، إذ نقض القتلة بيعة له في أعناقهم، رحم الله عثمان وغفر له.
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله نهى المؤمنين عن خيانته وخيانة رسوله، وخيانة أمانته= وجائز أن تكون نزلت في أبي لبابة= وجائز أن تكون نزلت في غيره، ولا خبر عندنا بأيِّ ذلك كان يجب التسليم له بصحته.
فمعنى الآية وتأويلها ما قدمنا ذكره.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
15926 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، في قوله: "يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول" قال: نهاكم أن تخونوا الله والرسول، كما صنع المنافقون.
15927 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط. عن السدي: "لا تخونوا الله والرسول" الآية، قال: كانوا يسمعون من النبي صلى الله عليه وسلم الحديث فيفشونه حتى يبلغ المشركين.
* * *
واختلفوا في تأويل قوله: "وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون" .
فقال بعضهم: لا تخونوا الله والرسول، فإن ذلك خيانة لأمانتكم وهلاك لها.
* ذكر من قال ذلك.
15928 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم" ، فإنهم إذا خانوا الله والرسول فقد خانوا أماناتهم.
15929 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: "يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون" ، أي لا تظهروا لله من الحق ما يرضى به منكم، ثم تخالفوه في السرِّ إلى غيره، فإن ذلك هلاك لأماناتكم، وخيانة لأنفسكم. (1)
* * *
قال أبو جعفر: فعلى هذا التأويل قوله: "وتخونوا أماناتكم" ، في موضع نصب على الصرف (2)
كما قال الشاعر: (3)
لا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ عارٌ عَلَيْكَ إِذَا فَعَلْتَ عَظِيمُ (4)
ويروى: "وتأتي مثله" . (5)
* * *
وقال آخرون: معناه: لا تخونوا الله والرسول، ولا تخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون.
* ذكر من قال ذلك.
15930 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية،
(1)
الأثر: 15929 - سيرة ابن هشام 2: 325، وهو تابع الأثر السالف رقم: 15873.

(2)
في المطبوعة: "على الظرف" ، وفي المخطوطة: "على الطرف" ، والصواب ما أثبت. وانظر معنى "الصرف" فيما سلف من فهارس المصطلحات.

وانظر معاني القرآن للفراء 1: 408.
(3)
هو المتوكل الليثي، وينسب لغيره.

(4)
سلف البيت، وتخريجه 1: 569 \ 3: 552.

(5)
يعني على غير النصب.

عن علي، عن ابن عباس قوله: "يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم" ، يقول: "لا تخونوا" : يعني لا تنقصُوها.
* * *
قال أبو جعفر: فعلى هذا التأويلُ: لا تخونوا الله والرسول، ولا تخونوا أماناتكم.
واختلف أهل التأويل في معنى: الأمانة، التي ذكرها الله في قوله: "وتخونوا أماناتكم" .
فقال بعضهم: هي ما يخفى عن أعين الناس من فرائض الله.
* ذكر من قال ذلك.
15931- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: "وتخونوا أماناتكم" ، و "الأمانة" : الأعمال التي أمِن الله عليها العباد= يعني: الفريضة. يقول: "لا تخونوا" ، يعني: لا تنقصوها.
15932 - حدثنا علي بن داود قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: "يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله" ، يقول: بترك فرائضه= "والرسول" ، يقول: بترك سننه، وارتكاب معصيته= قال: وقال مرة أخرى: "لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم" ، والأمانة: الأعمال، ثم ذكر نحو حديث المثنى.
* * *
وقال آخرون: معنى "الأمانات" ، ههنا، الدِّين.
* ذكر من قال ذلك.
15933 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، في قوله: "وتخونوا أماناتكم" دينكم= "وأنتم تعلمون" ، قال: قد فعل ذلك
المنافقون، وهم يعلمون أنهم كفار، يظهرون الإيمان. وقرأ: وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى [سورة النساء: 142] . قال: هؤلاء المنافقون، أمنهم الله ورسوله على دينه، فخانوا، أظهروا الإيمان وأسرُّوا الكفر.
* * *
قال أبو جعفر: فتأويل الكلام إذن: يا أيها الذين آمنوا، لا تنقصوا الله حقوقه عليكم من فرائضه، ولا رسوله من واجب طاعته عليكم، ولكن أطيعوهما فيما أمراكم به ونهياكم عنه، لا تنقصوهما= "وتخونوا أماناتكم" ، وتنقصوا أديانكم، وواجب أعمالكم، ولازمَها لكم= "وأنتم تعلمون" ، أنها لازمة عليكم، وواجبة بالحجج التي قد ثبتت لله عليكم.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمؤمنين: واعلموا، أيها المؤمنون، أنما أموالكم التي خوَّلكموها الله، وأولادكم التي وهبها الله لكم، اختبارٌ وبلاء، أعطاكموها ليختبركم بها ويبتليكم، لينظر كيف أنتم عاملون من أداء حق الله عليكم فيها، والانتهاء إلى أمره ونهيه فيها. (1) = "وأن الله عنده أجر عظيم" ، يقول: واعلموا أن الله عنده خيرٌ وثواب عظيم، على طاعتكم إياه فيما أمركم ونهاكم، في أمولكم وأولادكم التي اختبركم بها في الدنيا. وأطيعوا الله فيما كلفكم فيها، تنالوا به الجزيل من ثوابه في معادكم. (2)
15934 - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا المسعودي،
(1)
انظر تفسير "الفتنة" فيما سلف ص: 486، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "الأجر" فيما سلف من فهارس اللغة (أجر) .

عن القاسم، عن عبد الرحمن، عن ابن مسعود، في قوله: "إنما أموالكم وأولادكم فتنة" ، قال: ما منكم من أحد إلا وهو مشتمل على فتنة، فمن استعاذ منكم فليستعذ بالله من مُضِلات الفتن. (1)
15935 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، في قوله: "واعلموا إنما أموالكم وأولادكم فتنة" ، قال: "فتنة" ، الاختبار، اختبارُهم. وقرأ: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) [سورة الأنبياء: 35] .
* * *
القول في تأويل قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله، إن تتقوا الله بطاعته وأداء فرائضه، واجتناب معاصيه، وترك خيانته وخيانة رسوله وخيانة أماناتكم= يجعل لكم فرقانًا "، يقول: يجعل لكم فصلا وفرْقا بين حقكم وباطل من يبغيكم السوء من أعدائكم المشركين، بنصره إياكم عليهم، وإعطائكم الظفر بهم = (2) " ويكفر عنكم سيئاتكم "، يقول: ويمحو عنكم ما سلف من ذنوبكم بينكم وبينه = (3) " ويغفر لكم "، يقول: ويغطيها فيسترها عليكم، فلا يؤاخذكم بها= (4) " والله ذو الفضل العظيم "، يقول: والله الذي يفعل ذلك بكم، له"
(1)
الأثر: 15934 - انظر الأثر السالف رقم: 15912، والتعليق عليه.

(2)
انظر تفسير "الفرقان" فيما سلف 1: 98، 99 \ 3: 448 \ 6: 162، 163.

(3)
انظر تفسير "التكفير" فيما سلف من فهارس اللغة (كفر) .

= وتفسير "السيئات" فيما سلف من فهارس (سوأ) .
(4)
انظر تفسير "المغفرة" فيما سلف من فهارس اللغة (غفر) .

الفضل العظيم عليكم وعلى غيركم من خلقه بفعله ذلك وفعل أمثاله. وإنّ فعله جزاءٌ منه لعبده على طاعته إياه، لأنه الموفق عبده لطاعته التي اكتسبها، حتى استحقّ من ربه الجزاء الذي وعدَه عليها. (1)
* * *
وقد اختلف أهل التأويل في العبارة عن تأويل قوله: "يجعل لكم فرقانا" .
فقال بعضهم: مخرجًا.
* * *
وقال بعضهم: نجاة.
* * *
وقال بعضهم: فصلا.
* * *
= وكل ذلك متقارب المعنى، وإن اختلف العبارات عنها، وقد بينت صحة ذلك فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته. (2)
* * *
ذكر من قال: معناه: المخرج.
15936 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد: "إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانًا" قال: مخرجًا.
15937- قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد: "إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانًا" ، قال: مخرجًا.
15938- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام عن عنبسة، عن جابر، عن مجاهد: "فرقانا" ، مخرجًا.
15939- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد "فرقانا" ، قال: مخرجًا في الدنيا والآخرة.
(1)
انظر تفسير "الفضل" ، فيما سلف فهارس اللغة (فصل) .

(2)
يعني ما سلف 1: 98، 99.

15940- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
15941- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا هانئ بن سعيد، عن حجاج، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "فرقانًا" ، قال: "الفرقان" المخرج.
15942 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: "فرقانا" ، يقول: مخرجًا.
15943- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن منصور، عن مجاهد: "فرقانا" ، مخرجًا.
15944- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن رجاء البصري قال، حدثنا زائدة، عن منصور، عن مجاهد، مثله.
15945 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك: "فرقانا" ، قال: مخرجًا.
15946- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، سمعت عبيدا يقول، سمعت الضحاك يقول: "فرقانًا" ، مخرجًا.
15947- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، مثله.
15948 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حميد، عن زهير، عن جابر، عن عكرمة، قال: "الفرقان" ، المخرج.
* * *
* ذكر من قال: معناه النجاة.
15949 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عنبسة، عن جابر، عن عكرمة: "إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانًا" ، قال: نجاة.
15950 - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا إسرائيل،
عن رجل، عن عكرمة ومجاهد، في قوله: "يجعل لكم فرقانًا" ، قال عكرمة: المخرج= وقال مجاهد: النجاة.
15951- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "يجعل لكم فرقانًا" ، قال: نجاة.
15952 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: "يجعل لكم فرقانًا" ، يقول: يجعل لكم نجاة.
15953 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "يجعل لكم فرقانًا" ، أي: نجاة.
* * *
* ذكر من قال فصلا.
15954 - "يا أيها الذين آمنوا إذ تتقوا الله يجعل لكم فرقانًا" ، قال: فرقان يفرق في قلوبهم بين الحق والباطل، حتى يعرفوه ويهتدوا بذلك الفرقان. (1)
15955 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: "يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانًا" ، أي: فصلا بين الحق والباطل، ليظهر به حقكم، ويخفي به باطل من خالفكم. (2)
(1)
الأثر: 15954 - إسناد هذا الخبر ساقط في المخطوطة، جعل مكانه بياضًا نحوًا من سطر ونصف، فجاء ناشر المطبوعة ووصل الكلام دون أن يشير إلى ذلك البياض. وظاهر أنه خبر قائم برأسه، كما وضعته.

(2)
الأثر: 15955 - سيرة ابن هشام 2: 325، وهو تابع الأثر السالف رقم: 15929. وكان في المطبوعة: "يظهر" بغير لام، وهي في المخطوطة تقرأ هكذا وهكذا، وأثبت نص ما في السيرة، باللام في أولها.



https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif


ابوالوليد المسلم 17-07-2025 03:36 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنفال
الحلقة (733)
صــ 491 إلى صــ 500








و "الفرقان" في كلام العرب، مصدرٌ من قولهم: "فرقت بين الشيء والشيء أفرُق بينهما فَرْقًا وفُرْقانًا. (1) "
* * *
القول في تأويل قوله: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، مذكِّرَه نعمه عليه: واذكر، يا محمد، إذ يمكر بك الذين كفروا من مشركي قومك كي يثبتوك. (2)
* * *
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: "ليثبتوك" .
فقال بعضهم: معناه ليقيِّدوك.
* ذكر من قال ذلك:
15956- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: "وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك" ، يعني: ليوثقوك.
15957 - قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "ليثبتوك" ، ليوثِقوك.
15958 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: "وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك" ، الآية، يقول: ليشدُّوك
(1)
انظر ما سلف 1: 98، 99 \ 3: 448 \ 6: 162، 163.

(2)
انظر تفسير "المكر" فيما سلف 12: 95، 97، 579 \ 13: 33

وَثاقًا. وأرادوا بذلك نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم وهو يومئذ بمكة.
15959 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ومقسم قالا قالوا: "أوثقوه بالوثاق" .
15960 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "ليثبتوك" ، قال: الإثبات، هو الحبس والوَثَاق.
* * *
وقال آخرون: بل معناه الحبس.
* ذكر من قال ذلك.
15961 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، سألت عطاء عن قوله: "ليثبتوك" ، قال: يسجنوك= وقالها عبد الله بن كثير.
15962 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: قالوا: "اسجنوه" .
* * *
وقال آخرون: بل معناه: ليسحروك.
* ذكر من قال ذلك.
15963 - حدثني محمد بن إسماعيل البصري المعروف بالوساوسي قال، حدثنا عبد المجيد بن أبي روّاد، عن ابن جريج، عن عطاء، عن عبيد بن عمير، عن المطلب بن أبي وَداعة: أن أبا طالب قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يأتمر به قومك؟ قال: يريدون أن يسحروني ويقتلوني ويخرجوني! فقال: من أخبرك بهذا؟ قال: ربي! قال: نعم الرب ربك، فاستوص به خيرًا! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا أستوصي به! بل هو يستوصي بي خيرًا "! فنزلت:" وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك "، الآية. (1) "
(1)
الأثر: 15963 - "محمد بن إسماعيل البصري" ، المعروف ب "الوساوسي" شيخ الطبري، لم أجد النص على أنه "الوساوسي" ، والذي يروى عنه أبو جعفر في تاريخه، في مواضع "محمد بن إسماعيل الضراري" ، وهو "محمد بن إسماعيل بن أبي ضرار الرازي" ، صدوق. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 3 \ 2 \ 190، وذكر في التهذيب أن أبا جعفر محمد بن جرير الطبري، روى عنه، ولم يذكر أنه يعرف بالوساوسي.

وترجم ابن أبي حاتم لأخيه: "أحمد بن إسماعيل بن أبي ضرار الرازي" ، 1 \ 1 \ 41، فوجدت في لباب الأنساب 2: 273: "الوساوسي، عرف بها" أحمد بن إسماعيل الوساوسي البصري "، فدل هذا على ترجيح أن يكون" محمد بن إسماعيل بن أبي ضرار " يقال له "الوساوسي" أيضًا."
و "عبد المجيد بن أبي رواد" ، هو "عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد الأزدي" ، روى عن ابن جريح وغيره. وثقه أحمد وابن معين. وغيرهما. وضعفه أبو حاتم وابن سعد. ومنهم من قال هو ثبت في حديثه عن ابن جريج، ومنهم من قال: روى عن ابن جريج أحاديث لا يتابع عليها. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 3 \ 1 \ 64.
"وعبيد بن عمير بن قتادة الليثي" ثقة، مضى برقم: 9180، 9181، 9189، 15621.
وكان في المخطوطة والمطبوعة: "عبيد بن عمير بن المطلب بن أبي وداعة" ، وهو خطأ لا شك فيه.
و "المطلب بن أبي وداعة السهمي القرشي" ، له صحبة - مترجم في التهذيب، والكبير 4 \ 2 \ 7، وابن أبي حاتم 4 \ 1 \ 385، ولم يذكر لعبيد بن عمير رواية عنه.
وهذا الخبر رواه ابن كثير في تفسيره 4: 46، 47، وقال: "وذكر أبي طالب في هذا، غريب جدًا، بل منكر لأن هذه الآية مدنية. ثم إن هذه القصة، واجتماع قريش على هذا الائتمار والمشاورة على الإثبات أو النفي أو القتل، إنما كانت ليلة الهجرة سواء. وكان ذلك بعد موت أبي طالب بنحو من ثلاث سنين، لما تمكنوا منه واجترأوا عليه بسبب موت عمه أبي طالب، الذي كان يحوطه وينصره ويقوم بأعبائه" .
فلو صح ما قاله ابن كثير، كان هذا الخبر من الأخبار التي دعتهم إلى أن يقولوا في "عبد المجيد ابن أبي رواد" أنه روى عن ابن جريج أحاديث لا يتابع عليها. ومع ذلك فإن حجاجًا قد روى عنه مثل رواية عبد المجيد. انظر التعليق على الأثر التالي، فإني اذهب مذهبًا غير مذهب ابن كثير في الخبر. وانظر أيضًا رقم: 15976، فإن ابن جريج سيقول: إن هذه الآية مكية، لا مدنية.
15964 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج قال عطاء: سمعت عبيد بن عمير يقول: لما ائتمروا بالنبي صلى الله عليه وسلم ليقتلوه أو يثبتوه أو يخرجوه، قال له أبو طالب: هل تدري ما ائتمروا بك؟ قال: نعم! قال: فأخبره، قال: من أخبرك؟ قال: ربي! قال: نعم الرب ربك، استوص به خيرًا! قال: "أنا أستوصي به، أو هو يستوصي بي؟ (1) "
(1)
الأثر: 15964 - انظر التعليق على الأثر السالف. سلف ما قاله ابن كثير في نقد هذا الخبر. والذي دفعه أن يقول ما قال، من انه كان ليلة الهجرة، ما رواه ابن جرير في الأثر الذي يليه، والذي ترجم له بقوله: "وكأن معنى مكر قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم به ليثبتوه، كما حدثني ..." وساق خبر ائتمارهم به ليلة الهجرة.

ولكن جائز أن يكون الخبران الأولان، في شأن آخر، وليلة أخرى، بل أكاد أقطع أن الخبر الذي رواه ابن جريج، لا علاقة له بأمر الهجرة، وأن ابن كثير تابع للطبري فيما ظنه ظنًا وذلك أن ابن إسحاق وغيره، رووا أن أشراف قريش اجتمعوا يوما في الحجر، فذكروا رسول الله، وزعموا أنهم صبروا منه على أمر عظيم. فبينا هم في ذلك إذ طلع عليهم رسول الله، فأقبل يمشي حتى استلم الركن، ثم مر بهم طائفًا بالبيت، فغمزوه ببعض القول. فعرف الغضب في وجهه صلى الله عليه وسلم. فلما مر بهم الثانية، غمزوه بمثلها، ثم مر الثالثة، ففعلوا فعلتهم، فوقف ثم قال: "أتسمعون يا معشر قريش، أما والذي نفسي بيده، لقد جئتكم بالذبح" . فاستكانوا ورفأوه بأحسن القول رهبة ورغبة. فلما كان الغد، اجتمعوا في الحجر فقال بعضهم لبعض: "ذكرتم ما بلغ منكم وما بلغكم عنه، حتى إذا باداكم بما تكرهون تركتموه" . فبينا هم كذلك، طلع عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوثبوا إليه رجل واحد، وأحاطوا به يقولون: "أنت الذي تقول كذا وكذا؟" ، لما كان من عيب آلهتهم، فيقول: "نعم، أنا الذي أقول ذلك" ، فأخذ بعضهم بمجمع ردائه، فقام أبو بكر دونه وهو يبكي ويقول: "أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله" ! (سيرة ابن هشام 1: 309، 310) ، وانظر الخبر التالي رقم: 15974، والتعليق عليه.
وكان هذا قبل الهجرة بزمان طويل، في حياة أبي طالب. فكأن هذا الخبر، هو الذي قال عبيد بن عمير في روايته عن المطلب بن أبي وداعة أنه ائتمار قومه به. فإذا صح ذلك، لم يكن لما قال ابن كثير وجه، ولصح هذا الخبر لصحة إسناده.
وكأنّ معنى مكر قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم به ليثبتوه، كما:-
15965 - حدثنا سعيد بن يحيى الأموي قال، حدثني أبي قال، حدثنا محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس= قال وحدثني الكلبي، عن زاذان مولى أم هانئ، عن ابن عباس: أن نفرًا من قريش من أشراف كل قبيلة، اجتمعوا ليدخلوا دار الندوة، فاعترضهم إبليس في صورة شيخ جليل، (1) فلما رأوه قالوا: من أنت؟ قال شيخ من نجد، سمعت أنكم اجتمعتم، فأردت أن أحضركم، ولن يعدمكم مني رأيٌ ونصحٌ. (2) قالوا: أجل، ادخل! فدخل معهم، فقال: انظروا إلى شأن هذا الرجل، (3) والله
(1)
في المخطوطة: "في صورة جليل" ، وفوق "جليل" حرف (ط) دليلا على الخطأ، والصواب ما في المطبوعة، مطابقًا لما في سيرة ابن هشام.

(2)
"لن يعدمكم" ، أي: لا يعدوكم ويخطئكم مني رأي ونصح.

(3)
في المطبوعة: "في شأن" ، وأثبت ما في المخطوطة.

ليوشكن أن يُواثبكم في أموركم بأمره. (1) قال: فقال قائل: احبسوه في وَثاق، ثم تربصوا به ريبَ المنون، حتى يهلك كما هلك من كان قبله من الشعراء، زهير والنابغة، إنما هو كأحدهم! قال: فصرخ عدوُّ الله الشيخ النجدي فقال: والله، ما هذا لكم برأي! (2) والله ليخرجنه ربه من محبسه إلى أصحابه، فليوشكن أن يثبوا عليه حتى يأخذوه من أيديكم فيمنعوه منكم، فما آمن عليكم أن يخرجوكم من بلادكم! قالوا: فانظروا في غير هذا. قال: فقال قائل: أخرجوه من بين أظهركم تستريحوا منه، فإنه إذا خرج لن يضركم ما صنع وأين وقع، إذا غاب عنكم أذاه واسترحتم، وكان أمره في غيركم. فقال الشيخ النجدي: والله ما هذا لكم برأي، ألم تروا حلاوة قوله، وطلاقة لسانه، وأخذَ القلوب ما تسمع من حديثه؟ والله لئن فعلتم، ثم استعرَض العرب، لتجتمعن عليكم، ثم ليأتين إليكم حتى يخرجكم من بلادكم ويقتل أشرافكم! قالوا: صدق والله! فانظروا رأيًا غير هذا! قال: فقال أبو جهل: والله لأشيرن عليكم برأي ما أراكم أبصرتموه بعد، ما أرى غيره! قالوا: وما هو؟ قال: نأخذ من كل قبيلة غلامًا وَسيطا شابًّا نَهْدًا، (3) ثم يعطى كل غلام منهم سيفًا صارمًا، ثم يضربوه ضربة رجل واحد، فإذا قتلوه تفرق دمه في القبائل كلها، فلا أظن هذا الحي من بني هاشم يقدرون على حرب قريش كلها، فإنهم إذا رأوا ذلك قبلوا العقل، (4) واسترحنا وقطعنا عنا أذاه. فقال الشيخ النجدي: هذا والله الرأي، القولُ ما قال الفتى، لا أرى غيره! قال: فتفرقوا على ذلك وهم مُجْمعون له، قال: فأتى جبريل النبيَّ صلى الله عليه وسلم فأمره أن لا يبيت في مضجعه الذي كان يبيت فيه تلك الليلة، وأذِن الله له عند ذلك بالخروج، وأنزل عليه بعد قدومه المدينة "الأنفال" ، يذكره نعمه عليه، وبلاءه عنده: "وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين" ، وأنزل في قولهم: "تربصوا به ريبَ المنون" حتى يهلك كما هلك من كان قبله من الشعراء ": أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ، [سورة الطور: 30] . وكان يسمى ذلك اليوم:" يوم الزحمة "للذي اجتمعوا عليه من الرأي. (5) "
15966 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى (6) قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ومقسم، في قوله: "وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك" قالا تشاوروا فيه ليلة وهم بمكة، فقال بعضهم: إذا أصبع فأوثقوه بالوثاق. وقال بعضهم: بل اقتلوه. وقال بعضهم: بل اخرجوه. فلما أصبحوا رأوا عليًّا رحمة الله عليه، فردَّ الله مكرهم.
15967 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عيد الرزاق قال، أخبرني أبي، عن عكرمة قال: لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر إلى الغار، أمر عليَّ بن أبي طالب، فنام في مضجعه، فبات المشركون يحرسونه، فإذا رأوه نائمًا حسبوا أنه النبي صلى الله عليه وسلم فتركوه. فلما أصبحوا ثاروا إليه وهم يحسبون أنه النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا هم بعليّ، فقالوا: أين صاحبك؟ قال:
(1)
في المطبوعة: "أن يواتيكم في أموركم" ، وهو لا معنى له، وأثبت ما في المخطوطة، وهي غير منقوطة، وصواب قراءتها ما أثبت.

(2)
في المطبوعة: "رأي" بغير باء، والصواب من المخطوطة.

(3)
"الوسيط" : حسيبًا في قومه، من أكرمهم حسبًا ونسبًا ومجدًا. وكان في المطبوعة "وسطا ً" ، والصواب ما في المخطوطة. و "غلام نهد" : كريم، ينهض إلى معالي الأمور. واصل "النهد" : المرتفع.

(4)
"العقل" ، الدية.

(5)
الأثر: 15965 - سيرة ابن هشام 2: 124 - 128، وإسناد هناك "قال ابن إسحاق، فحدثني من لا أتهم من أصحابنا، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد بن جبير أبي الحجاج، وغيره ممن لا أتهم، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما" ، ثم ساق الخبر بغير هذا اللفظ.

ومما اعترض به على هذا الخبر أن آية "سورة الطور" ، آية مكية، نزلت قبل الهجرة بزمان، وسياق ابن إسحاق للآية بعد الخبر، يوهم أنها نزلت ليلة الهجرة، أو بعد الهجرة، وهذا لا يكاد يصح.
(6)
سقط من المطبوعة: "محمد" وكتب "بن عبد الأعلى" ، وهي ثابتة في المخطوطة.

لا أدري! قال: فركبوا الصعب والذَّلول في طلبه. (1)
15968 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر قال، أخبرني عثمان الجزريّ: أن مقسمًا مولى ابن عباس أخبره، عن ابن عباس في قوله: "وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك" ، قال: تشاورت قريش ليلة بمكة، فقال بعضهم: إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق= يريدون النبي صلى الله عليه وسلم. وقال بعضهم: بل اقتلوه. وقال بعضهم: بل أخرجوه. فأطلع الله نبيه على ذلك، فبات على رحمه الله على فراش النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة، (2) وخرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى لحق بالغار، وبات المشركون يحرسون عليًّا يحسبون أنه النبي صلى الله عليه وسلم. فلما أصبحوا ثاروا إليه، فلما رأوا عليًّا رحمة الله عليه، ردّ الله مكرهم، فقالوا: أين صاحبك؟ قال: لا أدري! فاقتصُّوا أثره، فلما بلغوا الجبل ومرُّوا بالغار، رأوا على بابه نسج العنكبوت، قالوا: لو دخل ههنا لم يكن نَسْجٌ على بابه! فمكث فيه ثلاثا. (3)
(1)
"الصعب" من الإبل، هو الذي لم يركب قط، لأنه لا ينقاد لراكبه، ونقيضه "الذلول" ، وهو السهل المنقاد. مثل لركوب كل مركب في طلب ما يريده المرء، سهل المركب أو صعب.

(2)
في المخطوطة، سقط من الناسخ "الليلة" ، وزادتها المطبوعة.

(3)
الأثر: 15968 - "عثمان الجزري" ، يقال له: "عثمان المشاهد" . روى عن مقسم، روى عنه معمر، والنعمان بن راشد. قال أبو حاتم: "لا أعلم روى عنه غير معمر، والنعمان" . وسئل عنه أحمد فقال: "روى أحاديث مناكير، زعموا أنه ذهب كتابه" . مترجم في ابن أبي حاتم 3 \ 1 \ 174.

وكان في المطبوعة: "عثمان الجريري" ، والمخطوطة، كما أثبتها، غير أنه غير منقوط.
وهذا الخبر رواه أحمد في مسنده برقم: 3251، وقال أخي: "في إسناده نظر، من أجل عثمان الجزري، كالإسناد 2562" ، وقد استظهر هناك أن "عثمان الجزري" هو "عثمان بن ساج" ، ولكن ما قاله ابن أبي حاتم، يرجح أن "عثمان الجزري" ، غير "عثمان بن ساج" .
وقد وجدت بعد في مجمع الزوائد 7: 27، هذا الخبر، بنحوه ثم قال: "رواه أحمد والطبراني، وفيه" عثمان بن عمرو الجزري "، وثقه ابن حبان، وضعفه غيره، وبقية رجاله رجال الصحيح" .
ولا أزال أشك في أن "عثمان الجزري" ، غير "عثمان بن عمرو بن ساج"
15969 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين" ، قال: اجتمعت مشيخة قريش يتشاورون في النبيّ صلى الله عليه وسلم بعد ما أسلمت الأنصار، وفَرِقوا أن يتعالى أمره إذا وجد ملجأ لجأ إليه. (1) فجاء إبليس في صورة رجل من أهل نجد، فدخل معهم في دار الندوة، فلما أنكروه قالوا: من أنت؟ فوالله ما كل قومنا أعلمناهم مجلسنا هذا! قال: أنا رجل من أهل نجد، أسمع من حديثكم وأشير عليكم! فاستحيَوْا، فخلَّوا عنه. فقال بعضهم: خذوا محمدًا إذا اضطجع على فراشه، (2) فاجعلوه في بيت نتربص به ريبَ المنون = و "الريب" ، هو الموت، و "المنون" ، هو الدهر = قال إبليس: بئسما قلت! تجعلونه في بيت، فيأتي أصحابه فيخرجونه، فيكون بينكم قتال! قالوا: صدق الشيخ! قال: أخرجوه من قريتكم! قال إبليس: بئسما قلت! تخرجونه من قريتكم، وقد أفسد سفهاءكم، فيأتي قرية أخرى فيفسد سفهاءهم، فيأتيكم بالخيل والرجال! قالوا: صدق الشيخ! قال أبو جهل= وكان أولاهم بطاعة إبليس=: بل نعمد إلى كل بطن من بطون قريش، فنخرج منهم رجلا فنعطيهم السلاح، فيشدُّون على محمد جميعًا فيضربونه ضربة رجل واحد، فلا يستطيع بنو عبد المطلب أن يقتلوا قريشًا، فليس لهم إلا الدية! قال إبليس: صدق، وهذا الفتى هو أجودكم رأيًا! فقاموا على ذلك. وأخبر الله رسوله صلى الله عليه وسلم، فنام على الفراش، وجعلوا عليه العيون. فلما كان في بعض الليل، انطلق هو وأبو بكر إلى الغار، ونام علي بن أبي طالب على الفراش، فذلك حين يقول الله: "ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك" = و "الإثبات" ،: هو الحبس والوثاق= وهو قوله: وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأرْضِ لِيُخْرِجُوكَ
(1)
"فرقوا" ، خافوا وفزعوا.

(2)
في المطبوعة: "إذا اصطبح على فراشه" ، لا أدري من أين جاء بها! .

مِنْهَا وَإِذًا لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلا قَلِيلا [سورة الإسراء: 76] ، يقول: يهلكهم.
فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، لقيه عمر فقال له: ما فعل القوم؟ وهو يرى أنهم قد أهلكوا حين خرج النبي صلى الله عليه وسلم من بين أظهرهم، وكذلك كان يُصنع بالأمم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أخِّروا بالقتال" .
15970 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "ليثبتوك أو يقتلوك" ، قال: كفار قريش، أرادوا ذلك بمحمد صلى الله عليه وسلم قبل أن يخرج من مكة.
15971 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد نحوه.
15972- حدثني ابن وكيع قال: حدثنا هانئ بن سعيد، عن حجاج، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد نحوه; إلا أنه قال: فعلوا ذلك بمحمد.
15973 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: "وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك" ، الآية، هو النبي صلى الله عليه وسلم، مكروا به وهو بمكة.
15974 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، في قوله: "وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك" ، إلى آخر الآية، قال: اجتمعوا فتشاوروا في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: اقتلوا هذا الرجل. فقال بعضهم: لا يقتله رجل إلا قُتل به! قالوا: خذوه فاسجنوه، واجعلوا عليه حديدًا. قالوا: فلا يدعكم أهل بيته! قالوا: أخرجوه. قالوا: إذًا يستغوي الناس عليكم. (1)
(1)
"يستغوي الناس" ، أي: يدعوهم إلى التجمع. يقال: "تغاووا عليه حتى قتلوه" ، إذا تجمعوا وتعاونوا في الشر. والأجود عندي: "يستعوى" (بالعين المهملة) . يقال: "استعوى فلان جماعة" ، إذا نعق بهم على الفتنة. ويقال: "تعاوى بنو فلان على فلان" و "تغاووا" (بالغين المعجمة) ، إذا تجمعوا عليه. و "استعوى القوم" ، استغاث بهم. وأصله من "العواء" ، عواء الكلب، فتجاوبه كلاب الحي.

قال: وإبليس معهم في صورة رجل من أهل نجد، واجتمع رأيهم أنه إذا جاء يطوف البيت ويستلم، أن يجتمعوا عليه فيغمُّوه ويقتلوه، (1) فإنه لا يدري أهله من قتله، فيرضون بالعقل، فنقتله ونستريح ونعقِله! فلما أن جاء يطوف بالبيت، اجتمعوا عليه فغمُّوه، فأتى أبو بكر فقيل له ذاك، فأتى فلم يجد مدخلا. فلما أن لم يجد مدخلا قال: أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ، [سورة غافر: 28] . قال: ثم فرَّجها الله عنه. فلما أن حطّ الليل، (2) أتاه جبريل عليه السلام فقال، من أصحابك؟ فقال: فلان وفلان وفلان. فقال: لا نحن أعلم بهم منك، (3) يا محمد، هو ناموس ليل! (4) قال: وأخِذ أولئك من مضاجعهم وهم نيام، فأتى بهم النبي صلى الله عليه وسلم، فقدِّم أحدهم إلى جبريل، فكحَله ثم أرسله، فقال: ما صورته يا جبريل؟ قال: كُفِيتَه يا نبي الله!
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: "فيعموه" بالعين المهملة، ولها وجه ضعيف عندي، وصوابها بالغين المعجمة. يقال: "غم الشيء يغمه" ، إذا علاه وغطاه وستره حتى لا فرجة فيه، ومنه قول النمر بن تولب، يصف اجتماع المقاتلة العرب في الحرب: زَبَنَتْكَ أَرْكَانُ العَدُوِّ فأَصْبَحتْ ... أَجَأ وَحَيَّة مِنْ قَرَارِ ديارها

وَكأَنَّهَا دَقَرَى، تَخَايَلَ نَبْتُها ... أُنُفٌ يَغُمُّ الضَّالَ نَبْتُ بِحَارِهَا
ومنه قيل للغمة "غمة" ، وقيل: "سحاب أغم" ، لا فرجة فيه. وانظر بعد ذلك صفة اجتماعهم عليه صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي، وأن أبا بكر لم يجد مدخلا، وقوله أيضًا: "ثم فرجها الله عنه" . فكل هذا يدل على صواب قراءتها كما أثبتها. وهذه الصفحة من المخطوطة، يكاد أكثرها يكون غير منقوط.
(2)
في المطبوعة: "فلما أن كان الليل" ، غير ما في المخطوطة، وكان فيها "فلما أن حبط" وصواب قراءتها إن شاء الله ما أثبت. و "حط الليل" ، نزل وأطبق.

(3)
في المخطوطة: "فقال: فلان وفلان وفلان، فقال لا. فقال جبريل عليه السلام: نحن أعلم بهم منك ..." ، أخشى أن يكون سقط من الكلام شيء، والذي في المطبوعة اجتهاد من الناشر، تركه على حاله.

(4)
في المطبوعة والمخطوطة: "هو ناموس ليل" ، والسياق يقتضي ما أثبت.

و "الناموس" دويبة أغبر، كهنة الذرة، تلكع الناس وتلسعهم. وقولهم: "هم ناموس ليل" ، يعني حقارتهم وقلة شأنهم.


https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif


ابوالوليد المسلم 17-07-2025 03:39 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنفال
الحلقة (734)
صــ 501 إلى صــ 510





ثم قدِّم آخر، فنقر فوق رأسه. بعصًا نقرة ثم أرسله، فقال: ما صورته يا جبريل؟ فقال: كُفِيته يا نبي الله! ثم أتي بآخر فنقر في ركبته، فقال: ما صورته يا جبريل؟ قال: كفيته! ثم أتي بآخر فسقاه مَذْقة، (1) فقال: ما صورته يا جبريل؟ قال: كفيته يا نبي الله! وأتي بالخامس، (2) فلما غدا من بيته، مرّ بنبّال فتعلق مِشْقَص بردائه، (3) فالتوى، فقطع الأكحل من رجله. (4) وأما الذي كحلت عيناه، فأصبح وقد عمي. وأما الذي سقي مَذْقةً، فأصبح وقد استسقى بطنه. وأما الذي نقر فوق رأسه، فأخذته النقبة = و "النقبة" ، قرحة عظيمة (5)
= أخذته في رأسه. وأما الذي طعن في ركبته، فأصبح وقد أقعد. فذلك قول الله: "وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين" .
15975 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قوله: "ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين" ، أي: فمكرت لهم بكيدي المتين، حتى خلّصك منهم. (6)
(1)
"المذقة" ، الطائفة من اللبن الممزوج بالماء.

(2)
لم يذكر ما فعل جبريل عليه السلام بالخامس، وإن كان ذكر ما آل إليه أمره، فأخشى أن يكون سقط من الكلام شيء.

(3)
في المطبوعة "مر" حذف الفاء، وهو صواب، فأثبتها من المخطوطة. و "المشقص" ، نصل السهم إذا كان طويلا غير عريض.

(4)
"الأكحل" ، عرق الحياة، ويقال له: "نهر البدن" ، وهو عرق في اليد ووسط الذراع، وفي كل عضو منه شعبة، لها اسم على حدة، إذا قطع لم يرقأ الدم.

(5)
في المطبوعة: "النقدة" ، في الموضعين. وأما المخطوطة، فالأولى، يوشك أن يكتبها "النقبة" إلا أنه يزيد في رأس الباء، ثم كتب بعد "النقدة" ولم أجد في القروح ما يقال له: "نقدة" .

و "النقبة" (بضم فسكون) أول بدء الجرب، ترى الرقعة مثل الكف بجنب البعير أو وركه أو بمشفرة، ثم تتمشى فيه تشريه كله، أي تملؤه كله. فلعل هذه هي المرادة هنا.
(6)
الأثر: 15975 - سيرة ابن هشام 1: 325، وهو تابع الأثر السالف رقم: 15955.

وكان في المطبوعة والمخطوطة: "فمكرت لهم" ، وأثبت ما في سيرة ابن هشام، وهي أجود.
15976 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة، قوله: "وإذ يمكر بك الذين كفروا" ، قال: هذه مكية= قال: ابن جريج، قال مجاهد: هذه مكية. (1)
قال أبو جعفر: فتأويل الكلام إذًا: واذكر، يا محمد، نعمتي عندك، بمكري بمن حاول المكرَ بك من مشركي قومك، بإثباتك أو قتلك أو إخراجك من وطنك، حتى استنقذتك منهم وأهلكتهم، فامض لأمري في حرب من حاربك من المشركين، وتولى عن إجابة ما أرسلتك به من الدين القيم، ولا يَرْعَبَنَّك كثرة عددهم، فإن ربّك خيرُ الماكرين بمن كفر به، وعبد غيره، وخالف أمره ونهيه.
* * *
وقد بينا معنى "المكر" فيما مضى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (2)
القول في تأويل قوله: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ (31) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: واذا تتلى على هؤلاء الذين كفروا آياتِ كتاب الله الواضحةَ لمن شرح الله صدره لفهمه (3) =، قالوا جهلا منهم، وعنادًا للحق، وهم يعلمون أنهم كاذبون في قيلهم= "لو نشاء لقلنا مثل هذا" ،
(1)
الأثر: 15976 - انظر التعليق على الأثر السالف رقم: 15964. كأنه يعني أن هذه الآية، معنى بها أمر من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة. والقطع بأن هذه الآية أو اللواتي تليها آيات نزلت بمكة، أمر صعب، لا يكاد المرء يطمئن إلى صوابه، والاعتراض على ذلك له وجوه كثيرة لا محل لذكرها هنا.

(2)
انظر تفسير "المكر" فيما سلف 12: 95، 97، 579 \ 13: 33، 491.

(3)
انظر تفسير "التلاوة" فيما سلف ص: 385، تعليق: 1، والمراجع هناك.

الذي تُلِي علينا= "إن هذا إلا أساطير الأولين" ، يعني: أنهم يقولون: ما هذا القرآن الذي يتلى عليهم إلا أساطير الأولين.
و "الأساطير" جمع "أسطر" ، وهو جمع الجمع، لأن واحد "الأسطر" "سطر" ، ثم يجمع "السطر" ، "أسطر" و "سطور" ، ثم يجمع "الأسطر" "أساطير" و "أساطر" . (1)
وقد كان بعضُ أهل العربية يقول: واحد "الأساطير" ، "أسطورة" .
* * *
وإنما عنى المشركون بقولهم: "إن هذا إلا أساطير الآولين" ، إنْ هذا القرآن الذي تتلوه علينا، يا محمد، إلا ما سطَّره الأولون وكتبوه من أخبار الأمم! كأنهم أضافوه إلى أنه أخذ عن بني آدم، وأنه لم يوحِه الله إليه.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
15977 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج قوله: "وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا" ، قال: كان النضر بن الحارث يختلف تاجرًا إلى فارس، فيمرّ بالعِباد وهم يقرأون الإنجيل ويركعون ويسجدون. (2) فجاء مكة، فوجد محمدًا صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه وهو يركع ويسجد، فقال النضر: "قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا!" ، للذي سَمِع من العباد. فنزلت: "وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد"
(1)
انظر تفسير "الأساطير" فيما سلف 11: 308 - 310.

(2)
"العباد" ، قوم من قبائل شتى من بطون العرب، اجتمعوا على النصرانية قبل الإسلام، فأنفوا أن يسموا بالعبيد، فقالوا: "نحن العباد" ، ونزلوا بالحيرة. فنسب إلى "العباد" ، ومنهم عدى بن يزيد العبادي الشاعر.

سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا "، قال: فقص ربُّنا ما كانوا قالوا بمكة، وقص قولهم: إذ قالوا:" اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك "، الآية."
15978 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: كان النضر بن الحارث بن علقمة، أخو بني عبد الدار، يختلف إلى الحيرة، فيسمع سَجْع أهلها وكلامهم. فلما قدم مكة، سمع كلام النبي صلى الله عليه وسلم والقرآن، فقال: "قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إنْ هذا إلا أساطير الأولين" ، يقول: أساجيع أهل الحيرة. (1)
15979 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير قال: قتل النبيُّ من يوم بدر صبرًا: عقبةَ بن أبي معيط، وطعيمة بن عدي، والنضر بن الحارث. وكان المقداد أسر النضر، فلما أمر بقتله، قال المقداد: يا رسول الله، أسيري! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه كان يقول في كتاب الله ما يقول! فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله، فقال المقداد: أسيري! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: واللهم اغْنِ المقداد من فضلك! "فقال المقداد: هذا الذي أردت! وفيه نزلت هذه الآية:" وإذا تتلى عليهم آياتنا "، الآية."
15980- حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَتل يوم بدر ثلاثة رهط من قريش صبرًا: المطعم بن عديّ، والنضر بن الحارث، وعقبة بن أبي معيط. قال: فلما أمر بقتل النضر، قال المقداد بن الأسود: أسيري، يا رسول الله! قال: إنه كان يقول في كتاب الله وفي رسوله ما كان يقول! قال: فقال ذلك مرتين أو ثلاثًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم اغْن المقداد من فضلك! وكان المقداد أسر النضر. (2) "
(1)
"الأساجيع" جمع "أسجوعة" ، ما سجع به الكاهن وغيره. وانظر ما سلف رقم: 13157.

(2)
الأثر: 15980 - هكذا جاء في رواية هذا الخبر "المطعم بن عدي" ، مكان "طعيمة بن عدى" ، وكأنه ليس خطأ من الناسخ، لأن ابن كثير في تفسيره 4: 51، قال: "وهكذا رواه هشيم، عن أبي بشر جعفر بن أبي وحشية، عن سعيد بن جبير أنه قال: المطعم بن عدي، بدل طعيمة. وهو غلط، لأن المطعم بن عدي لم يكن حيًا يوم بدر، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ: لو كان المطعم بن عدي حيًا، ثم سألني في هؤلاء النتنى، لوهبتهم له! يعني الأسارى، لأنه كان قد أجار رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم رجع من الطائف" . وانظر التعليق على رقم: 15981.

القول في تأويل قوله: {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: واذكر، يا محمد، أيضًا ما حلّ بمن قال: "اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم" ، إذ مكرت بهم، فأتيتهم بعذاب أليم= (1) وكان ذلك العذاب، قتلُهم بالسيف يوم بدر.
* * *
وهذه الآية أيضًا ذكر أنها نزلت في النضر بن الحارث.
* ذكر من قال ذلك.
15981 - حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، حدثنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير، في قوله: "وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء" ، قال: نزلت في النضر بن الحارث. (2)
15982 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: "مكرت لهم" ، وليست بشيء.

(2)
الأثر: 15981 - "أبو بشر" ، هو "جعفر بن إياس" ، "جعفر بن أبي وحشية" ، مضى مرارًا كثيرة. وكان في تعليق ابن كثير، الذي نقلته في التعليق على الخبر السالف "جعفر بن أبي دحية" ، وهو خطأ محض.

عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: "إن كان هذا هو الحق من عندك" ، قال: قول النضر بن الحارث= (1) أو: ابن الحارث بن كَلَدة.
15983- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك" ، قول النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة، من بني عبد الدار.
15984-قال، أخبرنا إسحاق قال، أخبرنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: "إن كان هذا هو الحق من عندك" ، قال: هو النضر بن الحارث بن كلدة.
15985 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا طلحة بن عمرو، عن عطاء قال: قال رجل من بني عبد الدار، يقال له النضر بن كلدة: "اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم" ، فقال الله: (( وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ )) [سورة ص: 16] ، وقال: (( وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ )) [سورة الأنعام: 94] ، وقال: (( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ لِلْكَافِرينَ )) [سورة المعارج: 1-2] . قال عطاء: لقد نزل فيه بضعَ عشرة آية من كتاب الله.
15986 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: فقال= يعني النضر بن الحارث =: اللهم إن كان ما يقول محمد هو الحق من عندك، فأمطر علينا حجارة من السماء أو
(1)
الأثر: 15982 - في المطبوعة: "النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة" .

والصواب ما في المخطوطة، لأن الاختلاف في نسبة هكذا: "النضر بن الحارث بن كلدة بن علقمة بن عبد مناف بن عبد الدار" أو: "النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة بن عبد مناف بن عبد الدار" انظر سيرة ابن هشام 2: 320، 321. وقد غير ما في المخطوطة بلا حرج ولا ورع.
ائتنا بعذاب أليم! قال الله: (( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ لِلْكَافِرينَ )) .
15987 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عنبسة، عن ليث، عن مجاهد في قوله: "إن كان هذا هو الحق من عندك" الآية، قال: (( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ لِلْكَافِرينَ )) .
15988 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك" ، الآية قال: قال ذلك سُفَّهُ هذه الأمة وجهلتها، (1) فعاد الله بعائدته ورحمته على سَفَهة هذه الأمة وجهلتها. (2)
15989 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: ثم ذكر غِرَّة قريش واستفتاحهم على أنفسهم، إذ قالوا: "اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك" ، أي: ما جاء به محمد= "فأمطر علينا حجارة من السماء" ، كما أمطرتها على قوم لوط = "أو ائتنا بعذاب أليم" ، أي: ببعض ما عذبت به الأمم قبلنا. (3)
* * *
واختلف أهل العربية في وجه دخول "هو" في الكلام.
فقال بعض البصريين: نصب "الحق" ، لأن "هو" والله أعلم، حُوِّلت
(1)
في المطبوعة: "سفهة هذه الأمة" ، غير ما في المخطوطة، طرح الصواب المحض يقال: "سفيه" ، والجمع "سفهاء" "وسفاه" (بكسر السين) و "سفه" ، بضم السين وتشديد الفاء المفتوحة. والذي في كتب اللغة أن "سفاه" و "سفه" ، و "سفائه" جمع "سفيهة" . وسيأتي في المخطوطة بعد قليل "سفهه" ، وكأنها جائزة أيضًا.

(2)
هكذا في المخطوطة أيضًا "سفهة" ، فتركتها على حالها. انظر التعليق السالف. وكأنه إتباع لقوله "جهلة" ، وهذا من خصائص العربية.

(3)
الأثر: 15989 - سيرة ابن هشام 2: 325، وهو تبع الأثر السالف رقم: 15975.

وكان في المطبوعة: "ثم ذكر غيرة قريش" ، وهو لا معنى له، صوابه من المخطوطة وابن هشام. يعني: اغترارهم بأمرهم، وغفلتهم عن الحق.
زائدة في الكلام صلةَ توكيدٍ، كزيادة "ما" ، ولا تزاد إلا في كل فعل لا يستغني عن خبر، وليس هو بصفة، ل "هذا" ، لأنك لو قلت: "رأيت هذا هو" ، لم يكن كلامًا. ولا تكون هذه المضمرة من صفة الظاهرة، ولكنها تكون من صفة المضمرة، نحو قوله: (( وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ )) [سورة الزخرف: 76] و (( خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا )) [سورة المزمل: 20] .
لأنك تقول: "وجدته هو وإياي" ، فتكون "هو" صفة. (1)
وقد تكون في هذا المعنى أيضا غير صفة، ولكنها تكون زائدة، كما كان في الأول. وقد تجري في جميع هذا مجرى الاسم، فيرفع ما بعدها، إن كان بعدها ظاهرًا أو مضمرًا في لغة بني تميم، يقولون في قوله: "إن كان هذا هو الحق من عندك" ، "ولكن كانوا هم الظالمون" ، (2) و "تجدوه عند الله هو خيرٌ وأعظم أجرًا" (3) كما تقول: "كانوا آباؤهم الظالمون" ، جعلوا هذا المضمر نحو "هو" و "هما" و "أنت" زائدًا في هذا المكان، ولم تجعل مواضع الصفة، لأنه فصْلٌ أراد أن يبين به أنه ليس ما بعده صفةً لما قبله، ولم يحتج إلى هذا في الموضع الذي لا يكون له خبر.
* * *
وكان بعض الكوفيين يقول: لم تدخل "هو" التي هى عماد في الكلام، (4) إلا لمعنى صحيح. وقال: كأنه قال: "زيد قائم" ، فقلت أنت: "بل عمرو هو القائم" ف "هو" لمعهود الاسم، و "الألف واللام" لمعهود الفعل، (5) [ "والألف واللام" ] التي هي صلة في الكلام، (6) مخالفة لمعنى "هو" ، لأن دخولها وخروجها واحد
(1)
"الصفة" ، هو "ضمير الفصل" ، وانظر التعليق التالي رقم: 4.

(2)
في المطبوعة: "هم الظالمين" ، خالف المخطوطة وأساء.

(3)
في المطبوعة والمخطوطة: "هو خيرًا" ، ولا شاهد فيه، وصوابه ما أثبت.

(4)
"العماد" ، اصطلاح الكوفيين، والبصريون يقولون: "ضمير الفصل" ، ويقال له أيضًا: "دعامة" و "صفة" . انظر ما سلف 2: 312، تعليق 2، ثم ص 313، 374 \ ثم 7: 429، تعليق: 2.

(5)
"الفعل" ، يعني الخبر.

(6)
ما بين القوسين، مكانه بياض في المخطوطة، ولكن ناشر المطبوعة ضم الكلام بعضه إلى بعض. وأثبت ما بين القوسين استظهارًا، وكأنه الصواب إن شاء الله. وقوله: "صلة" ، أي: زيادة، انظر تفسير ذلك فيما سلف 1: 190، 405، 406، 548 \ 4: 282 \ 5: 460، 462 \ 7: 340، 341.

في الكلام. وليست كذلك "هو" . وأما التي تدخل صلة في الكلام، فتوكيدٌ شبيه بقولهم: "وجدته نفسَه" ، تقول ذلك، وليست بصفة "كالظريف" و "العاقل" . (1)
* * *
القول في تأويل قوله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33) }
(1)
انظر مبحث ضمير "العماد" في معاني القرآن للفراء 1: 50 - 52، 104، 248، 249، 409، 410.

وما سلف من التفسير 2: 312، 313 \ 7: 429، 430، وغيرها في فهارس مباحث العربية والنحو وغيرهما.
القول في تأويل قوله: {وَمَا لَهُمْ أَلا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم: تأويله: "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم" ، أي: وأنت مقيم بين أظهرهم. قال: وأنزلت هذه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو مقيم بمكة. قال: ثم خرجَ النبي صلى الله عليه وسلم من بين أظهرهم، فاستغفر من بها من المسلمين، فأنزل بعد خروجه عليه، حين استغفر أولئك بها: "وما كان الله معذِّبهم وهم يستغفرون" . قال: ثم خرج أولئك البقية من المسلمين من بينهم، فعذّب الكفار.
* ذكر من قال ذلك.
15990 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يعقوب، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن ابن أبزى قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم بمكة، فأنزل الله عليه:
"وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم" ، قال: فخرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فأنزل الله: "وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" . قال: فكان أولئك البقية من المسلمين الذين بقوا فيها يستغفرون= يعني بمكة= فلما خرجوا أنزل الله عليه: "وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياء" . قال: فأذن الله له في فتح مكة، فهو العذاب الذي وعدهم.
15991 - حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا حصين، عن أبي مالك، في قوله: "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم" ، يعني النبي صلى الله عليه وسلم= "وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" ، يعني: من بها من المسلمين= "وما لهم ألا يعذبهم الله" ، يعني مكة، وفيهم الكفار. (1)
15992- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن حصين، عن أبي مالك، في قول الله: "وما كان الله ليعذبهم" ، يعني: أهل مكة= "وما كان الله معذبهم" ، وفيهم المؤمنون، يستغفرون، يُغفر لمن فيهم من المسلمين.
15993- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا إسحاق بن إسماعيل الرازي، وأبو داود الحفري، عن يعقوب، عن جعفر، عن ابن أبزى: "وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" ، قال: بقية من بقي من المسلمين منهم. فلما خرجوا قال: "وما لهم ألا يعذبهم الله" . (2)
15994 - قال، حدثنا عمران بن عيينة، عن حصين، عن أبي مالك: "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم" ، قال: أهل مكة.
(1)
في المطبوعة: "وفيها الكفار" ، أما المخطوطة فتقرأ: "بغير مكة، وفيهم الكفار" ، ولعل ما في المطبوعة أولى بالإثبات.

(2)
الأثر: 15993 - "إسحاق بن إسماعيل الرازي" هو: "حبويه، أبو يزيد" سلف مرارًا، آخرها رقم: 15311.

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif




ابوالوليد المسلم 17-07-2025 03:42 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنفال
الحلقة (735)
صــ 511 إلى صــ 520





15995 -وأخبرنا أبي، عن سلمة بن نبيط، عن الضحاك: "وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" ، قال: المؤمنون من أهل مكة= "وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام" ، قال: المشركون من أهل مكة.
15996-قال: حدثنا أبو خالد، عن جويبر، عن الضحاك: "وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" قال: المؤمنون يستغفرون بين ظهرانَيْهم.
15997 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" ، يقول: الذين آمنوا معك يستغفرون بمكة، حتى أخرجك والذين آمنوا معك.
15998 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج قال: ابن عباس: لم يعذب قريةً حتى يخرج النبي منها والذين آمنوا معه، ويلحقه بحيث أُمِر= "وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" ، يعني المؤمنين. ثم أعاد إلى المشركين فقال: "وما لهم ألا يعذبهم الله" .
15999- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، في قوله: وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم "، قال: يعني أهل مكة."
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وما كان الله ليعذب هؤلاء المشركين من قريش بمكة وأنت فيهم، يا محمد، حتى أخرجك من بينهم= "وما كان الله معذبهم" ، وهؤلاء المشركون، يقولون: "يا رب غفرانك!" ، وما أشبه ذلك من معاني الاستغفار بالقول. قالوا: وقوله: "وما لهم ألا يعذبهم الله" ، في الآخرة.
* ذكر من قال ذلك.
16000 - حدثنا أحمد بن منصور الرمادي قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا عكرمة، عن أبي زميل، عن ابن عباس: إن المشركين كانوا يطوفون
بالبيت يقولون: "لبيك، لبَّيك، لا شريك لك" ، (1) فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: "قَدْ قَدْ!" (2) فيقولون: "إلا شريك هو لك، تملكه وما ملك" ، (3) ويقولون: "غفرانك، غفرانك!" ، فأنزل الله: "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" . فقال ابن عباس: كان فيهم أمانان: نبيّ الله، والاستغفار. قال: فذهب النبي صلى الله عليه وسلم وبقي الاستغفار= "وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون" ، قال: فهذا عذاب الآخرة. قال: وذاك عذاب الدنيا. (4)
16001 - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو معشر، عن يزيد بن رومان، ومحمد بن قيس قالا قالت قريش بعضها لبعض: محمد أكرمه الله من بيننا: "اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك، فأمطر علينا" الآية. فلما أمسوا ندموا على ما قالوا، فقالوا: "غفرانك اللهم!" ، فأنزل الله: "وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" إلى قوله: "لا يعلمون" .
16002 - حدثني ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: كانوا يقولون = يعني المشركين =: والله إن الله لا يعذبنا ونحن نستغفر، ولا يعذِّب أمة ونبيها معها حتى يخرجه عنها! وذلك من قولهم، ورسولُ لله صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم. فقال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم، يذكر له جَهالتهم وغِرَّتهم واستفتاحهم على أنفسهم، إذ قالوا: "اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء" ، كما أمطرتها على قوم لوط. وقال حين نَعى
(1)
في المطبوعة: "لبيك، لا شريك لك لبيك" ، غير ما في المخطوطة.

(2)
"قد، قد" ، أي حسبكم، لا تزيدوا. يقال: "قدك" ، أي حسبك، يراد بها الردع والزجر.

(3)
في المطبوعة، زاد زيادة بلا طائل، كتب: "فيقولون: لا شريك لك، إلا شريك هو لك" .

(4)
الأثر: 16000 - "أبو زميل" هو: "سماك بن الوليد الحنفي اليمامي" ، مضى برقم: 13832، 15734.

عليهم سوء أعمالهم: "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" ، أي: لقولهم: [ "إنا نستغفر ومحمد بين أظهرنا" = "وما لهم ألا يعذبهم الله" ، وإن كنت بين أظهرهم] ، وإن كانوا يستغفرون كما يقولون (1) = "وهم يصدون عن المسجد الحرام" ، أي: من آمن بالله وعبده، أي: أنت ومن تبعك. (2)
16003 - حدثنا الحسن بن الصباح البزار قال، حدثنا أبو بردة، عن أبي موسى قال: إنه كان قبلُ أمانان، قوله: "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" قال: أما النبي صلى الله عليه وسلم فقد مضى، وأما الاستغفار فهو دائر فيكم إلى يوم القيامة. (3)
16004 - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا يونس
(1)
كانت هذه الجملة هكذا في المخطوطة والمطبوعة: "أي بقولهم، وإن كانوا يستغفرون كما قال وهم يصدون ..." ، أسقط من الكلام ما لا بد منه وحرف. فأثبت الصواب بين الأقواس، وفي سائر العبارة، من سيرة ابن هشام.

(2)
الأثر: 16003 - سيرة بن هشام 2: 325، وهو تابع الأثر السالف رقم: 15989.

(3)
الأثر: 16004 - "الحسن بن الصباح البزار" ، شيخ الطبري، مضى برقم: 4442، 9857.

وهذا الإسناد قد سقط منه رواة كثيرون، وكان في المخطوطة "بردة" فجعلها الناشر "أبو بردة" ، وأصاب وهو لا يدري.
وهذا الخبر روى مثله مرفوعًا الترمذي في سننه في تفسير هذه السورة، وهذا إسناده: "حدثنا سفيان بن وكيع، حدثنا ابن نمير، عن إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر، عن عباد بن يوسف، عن أبي بردة بن أبي موسى، عن أبيه قال، قال رسول الله صلى لله عليه وسلم: أنزل الله علي أمانين لأمتي:" وما كان ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون "، فإذا مضيت تركت فيهم الاستغفار إلى يوم القيامة."
ثم قال الترمذي: "هذا حديث غريب، وإسماعيل بن إبراهيم يضعف في الحديث" .
أما خبر الطبري، فلا شك أنه خبر موقوف على أبي موسى الأشعري.
وكان في المطبوعة: "إنه كان فيكم أمانان" ، غير ما في المخطوطة، وصواب قراءته ما أثبت.
بن أبي إسحاق، عن عامر أبي الخطاب الثوري قال: سمعت أبا العلاء يقول: كان لأمة محمد صلى الله عليه وسلم أمَنَتَان: فذهبت إحداهما وبقيت الأخرى: "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم" ، الآية. (1)
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم" ، يا محمد، وما كان الله معذب المشركين وهم يستغفرون أي: لو استغفروا. (2) قالوا: ولم يكونوا يستغفرون، فقال جل ثناؤه إذ لم يكونوا يستغفرون: "ومالهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام" .
* ذكر من قال ذلك.
16005 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" ، قال: إن القوم لم يكونوا يستغفرون، ولو كانوا يستغفرون ما عُذِّبوا. وكان بعض أهل العلم يقول: هما أمانان أنزلهما الله: فأما أحدهما فمضى، نبيُّ الله. وأما الآخر فأبقاه الله رحمة بين أظهركم، الاستغفارُ والتوبةُ.
16006 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: قال الله لرسوله: "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" ، يقول: ما كنت أعذبهم وهم يستغفرون، ولو استغفروا وأقرُّوا بالذنوب لكانوا مؤمنين، وكيف لا أعذبهم وهم لا يستغفرون؟ وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن محمد وعن المسجد الحرام؟
16007 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، في قوله: "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" ، قال يقول: لو استغفروا لم أعذبهم.
(1)
الأثر: 16005 - "عامر، أبي الخطاب الثوري" ، لم أجد له ذكر، وأخشى أن يكون في اسمه تحريف.

(2)
في المخطوطة والمطبوعة: "أن لو استغفروا" ، وكأن الصواب ما أثبت.

وقال آخرون: معنى ذلك: وما كان الله ليعذبهم وهم يُسلمون. قالوا: و "استغفارهم" ، كان في هذا الموضع، إسلامَهم.
* ذكر من قال ذلك.
16008 - حدثنا سوّار بن عبد الله قال، حدثنا عبد الملك بن الصباح قال، حدثنا عمران بن حدير، عن عكرمة، في قوله: "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" ، قال: سألوا العذاب، فقال: لم يكن ليعذبهم وأنت فيهم، ولم يكن ليعذبهم وهم يدخلون في الإسلام.
16009 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: "وأنت فيهم" ، قال: بين أظهرهم= وقوله: "وهم يستغفرون" ، قال: يُسلمون.
16010- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم" ، بين أظهرهم= "وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" ، قال: وهم يسلمون (1) = "وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون" ، قريش، "عن المسجد الحرام" . (2)
16011- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا محمد بن عبيد الله، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم" ، قال: بين أظهرهم= "وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" ، قال: دخولهم في الإسلام.
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وفيهم من قد سبق له من الله الدخول في الإسلام.
(1)
في المخطوطة: "وهم مسلمون" ، والصواب ما في المطبوعة.

(2)
(2) كان في المطبوعة: سياق الآية بلا فصل، وهو قوله: "قريش" ، التي أثبتها من المخطوطة. وكان في المخطوطة: "وهم مسلمون يعذبهم الله" ، بياض بين الكلامين وفي الهامش حرف (ط) دلالة على الخطأ.

* ذكر من قال ذلك.
16012 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم" ، يقول: ما كان الله سبحانه يعذب قوما وأنبياؤهم بين أظهرهم حتى يخرجهم. ثم قال: "وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" ، يقول: ومنهم من قد سبق له من الله الدخول في الإيمان، وهو الاستغفار. ثم قال: "ومالهم ألا يعذبهم الله" ، فعذبهم يوم بدر بالسيف.
* * *
وقال آخرون: بل معناه: وما كان الله معذبهم وهم يصلُّون.
* ذكر من قال ذلك.
16013 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: "وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" ، يعني: يصلُّون، يعني بهذا أهل مكة.
16014 - حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال، حدثنا حسين الجعفي، عن زائدة، عن منصور، عن مجاهد في قول الله: "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" ، قال: يصلون.
16015 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك بن مزاحم يقول في قوله: "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم" ، يعني: أهل مكة. يقول: لم أكن لأعذبكم وفيكم محمد. ثم قال: "وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" ، يعني: يؤمنون ويصلون.
16016 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: "وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" ، قال: وهم يصلون.
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وما كان الله ليعذب المشركين وهم يستغفرون.
قالوا: ثم نسخ ذلك بقوله: "ومالهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام" .
* ذكر من قال ذلك.
16017 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح، عن الحسين بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة والحسن البصري قالا قال في "الأنفال" : "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" ، فنسختها الآية التي تليها: "وما لهم ألا يعذبهم الله" ، إلى قوله: "فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون" ، فقوتلوا بمكة، وأصابهم فيها الجوع والحَصْر.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال عندي في ذلك بالصواب، قولُ من قال: تأويله: "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم" ، يا محمد، وبين أظهرهم مقيم، حتى أخرجك من بين أظهرهم، لأنّي لا أهلك قرية وفيها نبيها= وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون "، من ذنوبهم وكفرهم، ولكنهم لا يستغفرون من ذلك، بل هم مصرُّون عليه، فهم للعذاب مستحقون= كما يقال:" ما كنت لأحسن إليك وأنت تسيء إليّ"، يراد بذلك: لا أحسن إليك، إذا أسأت إليّ، ولو أسأت إليّ لم أحسن إليك، ولكن أحسن إليك لأنك لا تسيء إليّ. وكذلك ذلك= ثم قيل: "ومالهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام" ، بمعنى: وما شأنهم، وما يمنعهم أن يعذبهم الله وهم لا يستغفرون الله من كفرهم فيؤمنوا به، (1) وهم يصدون المؤمنين بالله ورسوله عن المسجد الحرام؟"
وإنما قلنا: "هذا القول أولى الأقوال في ذلك بالصواب" ، لأن القوم = أعني مشركي مكة = كانوا استعجلوا العذاب، فقالوا: "اللهم إن كان ما جاء به محمد هو الحق، فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم" فقال الله لنبيه: "ما كنت لأعذبهم وأنت فيهم، وما كنت لأعذبهم لو استغفروا،"
(1)
انظر تفسير "مالك" فيما سلف 5: 301، 302 \ 9: 7.

وكيف لا أعذبهم بعد إخراجك منهم، وهم يصدون عن المسجد الحرام؟ ". فأعلمه جل ثناؤه أن الذي استعجلوا العذاب حائق بهم ونازل، (1) وأعلمهم حال نزوله بهم، وذلك بعد إخراجه إياه من بين أظهرهم. ولا وجه لإيعادهم العذابَ في الآخرة، وهم مستعجلوه في العاجل، ولا شك أنهم في الآخرة إلى العذاب صائرون. بل في تعجيل الله لهم ذلك يوم بدر، الدليلُ الواضحُ على أن القول في ذلك ما قلنا. وكذلك لا وجه لقول من وجَّه قوله:" وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون "، إلى أنه عُنى به المؤمنين، وهو في سياق الخبر عنهم، وعما الله فاعل بهم. ولا دليل على أن الخبر عنهم قد تقضَّى، وعلى ذلك [كُنِي] به عنهم، (2) وأن لا خلاف في تأويله من أهله موجودٌ."
وكذلك أيضًا لا وجه لقول من قال: ذلك منسوخ بقوله: "وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام" ، الآية، لأن قوله جل ثناؤه: "وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" خبرٌ، والخبر لا يجوز أن يكون فيه نسخ، وإنما يكون النسخ للأمر والنهي.
* * *
(1)
في المطبوعة: "أن الذين استعجلوا العذاب حائق بهم" ، وفي المخطوطة كما أثبته إلا أنه كتب مكان "حائق" "حاق" ، وهو سهو.

(2)
في المطبوعة: "وعلى أن ذلك به عنوا، ولا خلاف في تأويله" ، وفي المخطوطة، كما أثبته، إلا أنه سقط منه [كني] كما أثبته بين القوسين. وإن كنت أظن في الكلام سقطًا.

هذا وقد ذكر أبو جعفر النحاس في الناسخ والمنسوخ: 154، هذا الرأي، ثم قال: "جعل الضميرين مختلفين، وهو قول حسن، وإن كان محمد بن جرير قد أنكره، لأنه زعم أنه لم يتقدم للمؤمنين ذكر، فيكنى عنهم. وهذا غلط، لأنه قد تقدم ذكر المؤمنين في غير موضع من السورة."
فإن قيل: لم يتقدم ذكرهم في هذا الموضع.
فالجواب: أن في المعنى دليلا على ذكرهم في هذا الموضع. وذلك أن من قال من الكفار: "اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء" ، إنما قال ذلك مستهزئًا ومتعنتًا. ولو قصد الحق لقال: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا له = ولكنه كفر وأنكر أن يكون الله يبعث رسولا بوحي من الله، أي: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك، فأهلك الجماعة من الكفار والمسلمين. فهذا معنى ذكر المسلمين، فيكون المعنى: كيف يهلك الله المسلمين؟ فهذا المعنى: "ما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" يعني المؤمنين = "وما لهم ألا يعذبهم الله" ، يعني الكافرين "."
واختلف أهل العربية في وجه دخول "أن" في قوله: "وما لهم ألا يعذبهم الله" .
فقال بعض نحويي البصرة: هي زائدة ههنا، وقد عملت كما عملت "لا" وهي زائدة، وجاء في الشعر: (1)
لَوْ لَمْ تَكنْ غَطَفَانُ لا ذُنُوبَ لَهَا إلَيَّ، لامَ ذَوُو أحْسَابِهَا عُمَرَا (2)
وقد أنكر ذلك من قوله بعض أهل العربية وقال: لم تدخل "أن" إلا لمعنى صحيح، لأن معنى: "وما لهم" ، ما يمنعهم من أن يعذبوا. قال: فدخلت "أن" لهذا المعنى، وأخرج ب "لا" ، ليعلم أنه بمعنى الجحد، لأن المنع جحد. قال: و "لا" في البيت صحيح معناها، لأن الجحد إذا وقع عليه جحد صار خبرًا. (3)
وقال: ألا ترى إلى قولك: "ما زيد ليس قائما" ، فقد أوجبت القيام؟ قال: وكذلك "لا" في هذا البيت. (4)
* * *
القول في تأويل قوله: {وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (34) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وما لهؤلاء المشركين إلا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام، ولم يكونوا أولياء الله= "إن أولياؤه" ، (5) يقول: ما
(1)
هو الفرزدق.

(2)
سلف البيت وتخريجه 5: 302، 303، وروايته هناك: "إذن للام ذود أحسابها" ، وقد فسرته هناك، وزعمت أن "الذنوب" بفتح الذال بمعنى: الحظ والنصيب عن الشرف والحسب والمروءة.

أمَّا رواية البيت كما جاءت هنا، وفي الديوان، توجب أن تكون "الذنوب" جمع "ذنب" .فهذا فرق ما بين الروايتين والمعنيين.
(3)
يعني بقوله: "خبرًا" ، أي: إثباتًا.

(4)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 163 - 166، وما سلف من التفسير 5: 300 - 305.

(5)
انظر تفسير "ولي" فيما سلف من فهارس اللغة (ولي) .

أولياء الله= "إلا المتقون" ، يعني: الذين يتقون الله بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه. (1)
= "ولكن أكثرهم لا يعلمون" يقول: ولكن أكثر المشركين لا يعلمون أن أولياء الله المتقون، بل يحسبون أنهم أولياء الله.
* * *
وبنحو ما قلنا قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16018 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون" ، هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
16019 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: "إن أولياؤه إلا المتقون" ، مَن كانوا، وحيث كانوا.
16020- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
16021 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: "وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون" ، الذين يحرمون حرمته، (2) ويقيمون الصلاة عنده، أي: أنت= يعني النبي صلى الله عليه وسلم= ومن آمن بك= يقول: "ولكن أكثرهم لا يعلمون" . (3)
* * *
(1)
وتفسير "التقوى" فيما سلف من فهارس اللغة (وقى) .

(2)
في المطبوعة والمخطوطة مكان: "يحرمون حرمنه" ، "يخرجون منه" ، وهذا من عجائب التحريف من طريق الاختصار!! ، والصواب من سيرة ابن هشام.

(3)
الأثر: 16021 - سيرة ابن هشام 2: 325، 326، وهو تابع الأثر السالف رقم: 16003.



https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif


ابوالوليد المسلم 17-07-2025 04:41 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنفال
الحلقة (736)
صــ 521 إلى صــ 530





القول في تأويل قوله: {وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (35) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وما لهؤلاء المشركين إلا يعذبهم الله، وهم يصدون عن المسجد الحرام الذي يصلون لله فيه ويعبدونه، ولم يكونوا لله أولياء، بل أولياؤه الذين يصدونهم عن المسجد الحرام، وهم لا يصلون في المسجد الحرام= "وما كان صلاتهم عند البيت" ، يعني: بيت الله العتيق= "إلا مُكاء" ، وهو الصفير.
يقال منه: "مكا يمكو مَكوًا ومُكاءً" وقد قيل: إن "المكو" : أن يجمع الرجل يديه، ثم يدخلهما في فيه، ثم يصيح. ويقال منه: "مَكت است الدابة مُكاء" ، إذا نفخت بالريح. ويقال: "إنه لا يمكو إلا استٌ مكشوفة" ، ولذلك قيل للاست "المَكْوة" ، سميت بذلك، (1) ومن ذلك قول عنترة:
وَحَلِيلِ غَانِيَةٍ تَرَكْتُ مُجَدَّلا تَمْكُو فَرِيصَتُهُ كَشِدْقِ الأعْلَمِ (2)
وقول الطِّرِمَّاح:
(1)
وتمام سياقه أن يقول: "سميت بذلك لصفيرها" .

(2)
من معلقته المشهورة الغالية. سيرة بن هشام 2: 326، والمعاني الكبير: 981، واللسان (مكا) وبعد البيت. سَبَقَتْ يَدَايَ لَهُ بِعَاجِلِ طَعْنَةٍ ... وَرَشَاشِ نَافِذَةٍ كَلَونِ العَنْدَمِ

"الحليل" ، الزوج، و "الغانية" : البارعة الحسن والجمال، استغنت بجمالها عن التجمل. "مجدلا" ، صريعًا على الجدالة، وهي الأرض. و "الفريصة" ، لحمة عند نغض الكتف، في وسط الجنب، عند منبض القلب، وهما فريصتان، وهي التي ترعد عند الفزع، فيقال للفزع: "أرعدت فرائصه" ، وإصابة الفريصة مقتل. و "الأعلم" ، الجمل المشقوق الشفة العليا. خرج إليه هذا القتيل، مدلا بقوته وشبابه، يحفزه أن ينال إعجاب صاحبته الغانية الجميلة به إذا قتل عنترة، فلم يكد حتى عاجله بالطعنة التي وصف ما وصف من اتساعها كشدق البعير الأعلم.
فَنَحَا لأُِولاَها بِطَعْنَةِ مُحْفَظٍ تَمْكُو جَوَانِبُهَا مِنَ الإنْهَارِ (1)
بمعنى: تصوِّت.
وأما "التصدية" ، فإنها التصفيق، يقال منه: "صدَّى يصدِّي تصديةً" ، و "صفَّق" ، و "صفّح" ، بمعنى واحد.
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16022 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبى، عن موسى بن قيس، عن حجر بن عنبس: "إلا مكاء وتصدية" ، قال: "المكاء" ، التصفير= و "التصدية" ، التصفيق. (2)
16023 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: "وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية" ، "المكاء" ، التصفير= و "التصدية" ، التصفيق.
16024 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي
(1)
ديوانه 149، والمعاني الكبير: 983، وهو بيت من قصيدة مدح بها خالد بن عبد الله القسري، ولكن هذا البيت، مفرد وحده لا صلة له بما قبله، وهي قصيدة ناقصة بلا شك. وشرحه ابن قتيبة فقال: "نحا" انحرف، و "المحفظ" ، المغضب. و "تمكو" ، تصفر، وذلك عند سيلانها. و "الإنهار" ، سعة الطعنة، ومنه قول قيس بن الخطيم، يصف طعنة: طَعَنْتُ ابنَ عَبْدِ الْقَيْسِ طَعْنَةَ ثَائِرٍ ... لَهَا نَفَذٌ لَوْلا الشُّعَاعُ أَضَاءَهَا ... مَلَكْتُ بها كَفِّى فَأَنْهَرْتُ فَتْقَهَا يَرَى قَائِمٌ مِنْ دُونِهَا مَا وَرَاءَهَا

(2)
الأثر: 16022 - "موسى بن قيس الحضرمي" ، "عصفور الجنة" ، مضى برقم: 16022.

و "حجر بن عنبس الحضرمي" ، "أبو العنبس" ، ويقال: "أبو السكن" ، قال ابن معين: "شيخ كوفي ثقة مشهور" ، تابعي، وكان شرب الدم في الجاهلية، شهد مع علي الجمل وصفين مترجم في التهذيب، والكبير 12 \ 68، وابن أبي حاتم 1 \ 2 \ 266.
قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية" ، يقول: كانت صلاة المشركين عند البيت "مكاء" = يعني الصفير= و "تصدية" ، يقول: التصفيق.
16025 - حدثني محمد بن عمارة الأسدي قال، حدثنا عبيد الله بن موسى قال، أخبرنا فضيل، عن عطية: "وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية" ، قال: التصفيق والصفير.
16026- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن قرة بن خالد، عن عطية، عن ابن عمر قال: "المكاء" ، التصفيق، و "التصدية" ، الصفير. قال: وأمال ابن عمر خدّه إلى جانب.
16027 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا وكيع، عن قرة بن خالد، عن عطية، عن ابن عمر: "وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية" ، قال: "المكاء" و "التصدية" ، الصفير والتصفيق.
16028- حدثني الحارث قال، حدثنا القاسم قال، سمعت محمد بن الحسين يحدث، عن قرة بن خالد، عن عطية العوفي، عن ابن عمر قال: "المكاء" ، الصفير، و "التصدية" : التصفيق.
16029 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا أبو عامر قال، حدثنا قرة، عن عطية، عن ابن عمر في قوله: "وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية" ، قال، "المكاء" الصفير، و "التصدية" ، التصفيق= وقال قرة: وحكى لنا عطية فعل ابن عمر، فصفر، وأمال خده، وصفق بيديه.
16030 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني بكر بن مضر، عن جعفر بن ربيعة قال: سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف يقول في قول الله: "وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية" قال بكر: فجمع لي جعفر كفيه، ثم نفخ فيهما صفيرًا، كما قال له أبو سلمة.
16031 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا إسرائيل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: "المكاء" ، الصفير، و "التصدية" ، التصفيق.
16032- ... قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سلمة بن سابور، عن عطية، عن ابن عمر: "وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية" ، قال: تصفير وتصفيق. (1)
16033- ... قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا فضيل بن مرزوق، عن عطية، عن ابن عمر، مثله.
16034- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حبويه أبو يزيد، عن يعقوب، عن جعفر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كانت قريش يطوفون بالبيت وهم عراة يصفّرون ويصفقون، فأنزل الله: (( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ )) [سورة الأعراف: 32] ، فأمروا بالثياب.
16035 - حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن سالم، عن سعيد قال: كانت قريش يعارضون النبي صلى الله عليه وسلم في الطواف يستهزئون به، يصفرون به ويصفقون، فنزلت: "وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية" .
16036 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد: "إلا مكاء" ، قال: كانوا ينفخون في أيديهم، و "التصدية" ، التصفيق.
(1)
الأثر: 16032 - "سلمة بن سابور" ، روى عن عطية العوفي، وعبد الوارث مولى. روى عنه أبو نعيم، والفضل بن موسى، وغيرهما. ضعفه ابن معين، وثقه ابن حبان وقال: "كان يحيى القطان يتكلم فيه، ومن المحال أن يلحق بسلمة ما جنت يدا عطية" . أما البخاري فاقتصر على قوله: "كان يحيى يتكلم في عطية" ، كأنه لا يريد استضعافه. مترجم في لسان الميزان 3: 68، والكبير 2 \ 2 \ 84، وابن أبي حاتم 2 \ 1 \ 163، وضعفه، وميزان الاعتدال 1: 406، واقتصر فقال: "جرحوه" .

16037- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "إلا مكاء وتصدية" ، قال: "المكاء" ، إدخال أصابعهم في أفواههم، و "التصدية" التصفيق، يخلِطون بذلك على محمد صلى الله عليه وسلم صلاتَه.
16038 - حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله= إلا أنه لم يقل: "صلاته" .
16039- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قال: "المكاء" ، إدخال أصابعهم في أفواههم، و "التصدية" ، التصفيق. قال نفرٌ من بني عبد الدار، كانوا يخلطون بذلك كله على محمد صلاتَه.
16040 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا طلحة بن عمرو، عن سعيد بن جبير: "وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية" ، قال: من بين الأصابع= قال أحمد: سقط عليَّ حرف، وما أراه إلا الخَذْف (1) = والنفخ والصفير منها، وأراني سعيد بن جبير حيث كانوا يَمْكون من ناحية أبي قُبَيس. (2)
16041- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق بن سليمان قال، أخبرنا طلحة بن عمرو، عن سعيد بن جبير في قوله: "وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية" ، قال: "المكاء" ، كانوا يشبِّكون بين أصابعهم ويصفرون بها، فذلك "المكاء" . قال: وأراني سعيد بن جبير المكان الذي كانوا يمكون فيه نحو أبي قُبَيس.
16042- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا محمد بن حرب
(1)
"الخذف" رميك بحصاة أو نواة تأخذها بين سبابتيك، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن "الخذف" وقال: "إنه يفقأ عينًا، ولا ينكي العدو، ولا يحرز صيدًا" .

(2)
"أبو قبيس" ، اسم الجبل المشرف على بطن مكة.

قال، حدثنا ابن لهيعة، عن جعفر بن ربيعة، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن في قوله: "مكاء وتصدية" ، قال: "المكاء" النفخ= وأشار بكفه قِبَل فيه= و "التصدية" ، التصفيق.
16043 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك قال: "المكاء" ، الصفير، و "التصدية" ، التصفيق.
16044 - حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، مثله.
16045 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية" ، قال: كنا نُحَدَّث أن "المكاء" ، التصفيق بالأيدي، و "التصدية" ، صياح كانوا يعارضون به القرآن.
16046 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: "مكاء وتصدية" ، قال: "المكاء" ، التصفير، و "التصدية" ، التصفيق.
16047 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية" ، و "المكاء" ، الصفير، على نحو طير أبيض يقال له "المكَّاء" ، يكون بأرض الحجاز، (1) و "التصدية" ، التصفيق.
16048 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية" ، قال: "المكاء" ، صفير كان أهل الجاهلية يُعلنون به. قال: وقال في "المكاء" ، أيضًا: صفير في أيديهم ولعب.
* * *
(1)
"المكاء" (بضم الميم وتشديد الكاف) ، وجمعه "مكاكي" طائر نحو القنبرة، إلا أن في جناحيه بلقًا. سمى بذلك، لأنه يجمع يديه، ثم يصفر فيهما صفيرًا حسنًا.

وقد قيل في "التصدية" : إنها "الصد عن بيت الله الحرام" . وذلك قول لا وجه له، لأن "التصدية" ، مصدر من قول القائل: "صدّيت تصدية" . وأما "الصدّ" فلا يقال منه: "صدَّيت" ، إنما يقال منه "صدَدْت" ، فإن شدَّدت منها الدال على معنى تكرير الفعل قيل: "صدَّدْتَ تصديدًا" . (1) إلا أن يكون صاحب هذا القول وجَّه "التصدية" إلى أنه من "صَدَّدت" ، ثم قلبت إحدى داليه ياء، كما يقال: "تظنَّيْتُ" من "ظننت" ، وكما قال الراجز: (2)
تَقَضِّيَ البَازِي إذَا البَازِي كَسَرْ (3)
يعني: تقضُّض البازي، فقلب إحدى ضاديه ياء، فيكون ذلك وجهًا يوجَّه إليه.
* ذكر من قال ما ذكرنا في تأويل "التصدية" .
16049 - حدثني أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا طلحة بن عمرو، عن سعيد بن جبير: "وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية" ، صدهم عن بيت الله الحرام.
16050 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق بن سليمان قال، أخبرنا طلحة بن عمرو، عن سعيد بن جبير: "وتصدية" قال: "التصدية" ، صدّهم الناس عن البيت الحرام.
16051 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، في قوله: "وتصدية" ، قال: التصديد، عن سبيل الله، (4) وصدّهم عن الصلاة وعن دين الله.
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: "صددت تصدية" ، وهو خطأ ظاهر، صوابه ما أثبت.

(2)
هو العجاج.

(3)
سلف البيت وتخريجه وشرحه 2: 157، وسيأتي في التفسير 30: 135 (بولاق) .

(4)
في المطبوعة: "التصدية" ، وفي المخطوطة توشك أن تقرأ هكذا وهكذا، ورأيت الأرجح أن تكون "التصديد" ، فأثبتها.

16052 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: "وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية" ، قال: ما كان صلاتهم التي يزعمون أنها يُدْرَأ بها عنهم= "إلا مكاء وتصدية" ، وذلك ما لا يرضى الله ولا يحبّ، ولا ما افترض عليهم، ولا ما أمرهم به. (1)
* * *
وأما قوله: "فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون" ، فإنه يعني العذابَ الذي وعدهم به بالسيف يوم بدر. يقول للمشركين الذين قالوا: "اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء" الآية، حين أتاهم بما استعجلوه من العذاب= "ذوقوا" ، أي اطعموا، وليس بذوق بفم، ولكنه ذوق بالحسِّ، ووجود طعم ألمه بالقلوب. (2) يقول لهم: فذوقوا العذابَ بما كنتم تجحدون أن الله معذبكم به على جحودكم توحيدَ ربكم، ورسالةَ نبيكم صلى الله عليه وسلم.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16053 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: "فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون" ، أي: ما أوقع الله بهم يوم بدر من القتل. (3)
16054 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: "فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون" ، قال: هؤلاء أهل بدر، يوم عذبهم الله.
16055 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: "فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون" ، يعني أهل بدر، عذبهم الله يوم بدر بالقتل والأسر.
* * *
(1)
الأثر: 16052 - سيرة ابن هشام 2: 326، وهو تابع الأثر السالف رقم: 16021

(2)
انظر تفسير "الذوق" فيما سلف ص 434، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(3)
الأثر: 16053 - سيرة ابن هشام 2: 326، وهو تابع الأثر السالف رقم: 1605.

القول في تأويل قوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن الذين كفروا بالله ورسوله ينفقون أموالهم، (1) فيعطونها أمثالهم من المشركين ليتقوَّوا بها على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به، ليصدّوا المؤمنين بالله ورسوله عن الإيمان بالله ورسوله، (2) فسينفقون أموالهم في ذلك، ثم تكون نفقتهم تلك عليهم= "حسرة" ، يقول: تصير ندامة عليهم، (3) لأن أموالهم تذهب، ولا يظفرون بما يأملون ويطمعون فيه من إطفاء نور الله، وإعلاء كلمة الكفر على كلمة الله، لأن الله مُعْلي كلمته، وجاعل كلمة الكفر السفلى، ثم يغلبهم المؤمنون، ويحشر الله الذين كفروا به وبرسوله إلى جهنم، فيعذبون فيها، (4) فأعظم بها حسرة وندامة لمن عاش منهم ومن هلك! أما الحيّ، فحُرِب ماله وذهبَ باطلا في غير دَرَك نفع، ورجع مغلوبًا مقهورًا محروبًا مسلوبًا. (5) وأما الهالك، فقتل وسُلب، وعُجِّل به إلى نار الله يخلُد فيها، نعوذ بالله من غضبه.
وكان الذي تولَّى النفقةَ التي ذكرها الله في هذه الآية فيما ذُكر، أبا سفيان.
* ذكر من قال ذلك:
(1)
انظر تفسير "الإنفاق" فيما سلف من فهارس اللغة (نفق) .

(2)
انظر تفسير "الصد" فيما سلف 12: 559 تعليق: 2، والمراجع هناك.

(3)
انظر تفسير "الحسرة" فيما سلف 3: 295 \ 7: 335 \ 11: 325.

(4)
انظر تفسير "الحشر" فيما سلف ص: 472 تعليق: 2، والمراجع هناك.

(5)
في المطبوعة: "محزونًا مسلوبًا" ، والسياق يتقضى ما أثبت.

"محروب" ، مسلوب المال.
16056- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يعقوب القمي، عن جعفر، عن سعيد بن جبير في قوله: "إن الذين كفروا ينفقون أموالهم" الآية، "والذين كفروا إلى جهنم يحشرون" ، قال: نزلت في أبي سفيان بن حرب. استأجر يوم أحد ألفين من الأحابيش من بني كنانة، (1) فقاتل بهم النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وهم الذين يقول فيهم كعب بن مالك:
وَجِئْنَا إلَى مَوْجٍ مِنَ البَحْرِ وَسْطَه أَحَابِيشُ، مِنْهُمْ حَاسِرٌ وَمُقَنَّعُ (2)
ثَلاثَةُ آلافٍ، ونَحْنُ نَصِيَّةٌ ثَلاثُ مِئِينَ إن كَثُرْنَ، فَأرْبَعُ (3)
16057- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا إسحاق بن إسماعيل، عن يعقوب القمي، عن جعفر، عن ابن أبزى: "إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله" ، قال: نزلت في أبي سفيان، استأجر يوم أحد ألفين ليقاتل بهم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، سوى من استجاش من العرب. (4)
(1)
"الأحابيش" ، هم بنو الحارث بن عبد مناة بن كنانة، وعضل، والديش، من بني الهون بن خزيمة، والمطلق، والحيا، من خزاعة. وسميت "الأحابش" ، لاجتماعها وانضمامها محالفة قريش، في قتال بني ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة. (انظر المحبر: 246، 267) و (نسب قريش: 9) .

(2)
سيرة ابن هشام 3: 141، طبقات فحول الشعراء: 183، نسب قريش: 9 وغيرها.

ويعني بقوله: "فجئنا إلى موج" ، جيش الكفار يوم أحد، يموج موجه. وكان عدة المشركين بأحد ثلاثة آلاف. و "الحاسر" ، الذي لا درع له، ولا بيضة على رأسه. و "المقنع" ، الدارع الذي ليس لبس سلاحه، ووضع البيضة على رأسه.
(3)
"نصية" ، أي: خيار أشراف، أهل جلد وقتال. يقال: "انتصى الشيء" ، اختار ناصيته، أي أكرم ما فيه. وكان في المطبوعة: "ونحن نظنه" ، وهو خطأ صرف، وهي في المخطوطة، كما كتبتها غير منقوطة.

وهكذا جاء الرواية في المخطوطة: "إن كثرن فأربع" ، كأنه يعني أنهم كانوا ثلاثمئة، فإن كثروا فأربعمئة. وهو لا يصح، لأن عدة المسلمين يوم أحد كانت سبعمئة. فصواب الرواية ما أنشده ابن إسحاق وابن سلام.
"إنْ كَثُرْنَا وَأَرْبَعُ"
(4)
"استجاش" ، طلب منه الجيش وجمعه على عدوه.

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif




ابوالوليد المسلم 17-07-2025 04:45 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنفال
الحلقة (737)
صــ 531 إلى صــ 540





16058-قال، أخبرنا أبي عن خطاب بن عثمان العصفري، عن الحكم بن عتيبة: "إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله" ، قال: نزلت في أبي سفيان. أنفق على المشركين يوم أحد أربعين أوقية من ذهب، وكانت الأوقية يومئذ اثنين وأربعين مثقالا. (1)
16059 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: "إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله" ، الآية، قال: لما قدم أبو سفيان بالعير إلى مكة أشَّبَ الناس ودعاهم إلى القتال، (2) حتى غزا نبيَّ الله من العام المقبل. وكانت بدر في رمضان يوم الجمعة صبيحة سابع عشرة من شهر رمضان. وكانت أحد في شوال يوم السبت لإحدى عشرة خلت منه في العام الرابع.
16060 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: قال الله فيما كان المشركون، ومنهم أبو سفيان، يستأجرون الرجال يقاتلون محمدًا بهم: "إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله" ، وهو محمد صلى الله عليه وسلم= "فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة" ، يقول: ندامة يوم القيامة وويلٌ (3) = "ثم يغلبون" .
16061 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: "ينفقون أموالهم ليصدوا"
(1)
الأثر: 16058 - "خطاب بن عثمان العصفري" ، لم أجد له ترجمة في غير ابن أبي حاتم 1 \ 2 \ 286، وقال: "خطاب العصفري" روى عن الشعبي، روى عنه وكيع، ومحمد بن ربيعة، وأبو نعيم. سمعت أبي يقول ذلك.

وسألته عنه فقال: "شيخ" . ولم يذكر أن اسم أبيه "عثمان" .
(2)
في المطبوعة: "أنشد الناس" ، وهو لا معنى له. وفي المخطوطة: "أنسب" ، غير منقوطة، وصواب قراءتها ما أثبت. و "التأشيب" ، التحريش بين القوم، و "التأشيب" ، التجميع، يقال: "تأشب به أصحابه" ، أي: اجتمعوا إليه وطافوا به. أراد أنه جمعهم وحرضهم على القتال.

(3)
في المطبوعة: "وويلا" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب أيضًا.

عن سبيل الله "، الآية حتى قوله:" أولئك هم الخاسرون "، قال: في نفقة أبي سفيان على الكفار يوم أحد."
16062- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
16063 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال، حدثنا محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، ومحمد بن يحيى بن حبان، وعاصم بن عمر بن قتادة، والحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ، (1) [وغيرهم من علمائنا، كلهم قد حدث بعض الحديث عن يوم أحد. وقد اجتمع حديثهم كله فيما سقت من الحديث عن يوم أحد، قالوا: أو من قاله منهم: لما أصيب] يوم بدر من كفار قريش من أصحاب القليب، (2) ورجع فَلُّهم إلى مكة، (3) ورجع أبو سفيان بعِيره، مشى عبد الله بن أبي ربيعة، (4) وعكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية، في رجال من قريش أصيب آباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم ببدر، فكلموا أبا سفيان بن حرب ومن كان له في تلك العير من قريش تجارة، فقالوا: يا معشر قريش، إن محمدًا قد وَتَرَكم وقتل خيارَكم، (5) فأعينونا
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: "الحصين بن عبد الرحمن وعمرو بن سعد بن معاذ" ، وهو خطأ، فقد مضى مرارًا مثله. وصوابه من سيرة ابن هشام.

(2)
هذه الزيادة بين القوسين من سيرة ابن هشام، وإنما فعلت ذلك، لأن المطبوعة خالفت المخطوطة لخطأ فيها، فكتب في لمطبوعة: "قالوا: أما أصابت المسلمين يوم بدر ..." ، وكان في المخطوطة: "قالوا: لما أصيبت قريش، أو من قاله منهم، يوم بدر" ، وهو غير مستقيم، فرجح قوله: "أو من قال منهم" ، أن الناسخ قد عجل في نقل بقية الإسناد، وخلط الكلام فاضطرب. فلذلك أثبته بنصه من السيرة.

(3)
"الفل" (بفتح الفاء) : المنهزمون، الراجعون من جيش قد هزم.

(4)
في المطبوعة: "عبد الله بن ربيعة" ، خطأ محض.

(5)
"وتر القوم" ، أدرك فيهم مكروهًا بقتل أو غيره. و "الموتور" الذي قتل له قتيل فلم يدرك بدمه.

بهذا المال على حربه، لعلنا أن ندرك منه ثأرًا بمن أصيب منا! ففعلوا. قال: ففيهم، كما ذكر عن ابن عباس، (1) أنزل الله: "إن الذين كفروا ينفقون أموالهم" إلى قوله: "والذين كفروا إلى جهنم يحشرون" . (2)
16064 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: "إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله" ، إلى قوله: "يحشرون" ، يعني النفرَ الذين مشوا إلى أبي سفيان، وإلى من كان له مال من قريش في تلك التجارة، فسألوهم أن يُقَوُّوهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، (3) ففعلوا. (4)
16065 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني سعيد بن أبي أيوب، عن عطاء بن دينار في قول الله: "إن الذين كفروا ينفقون أموالهم" ، الآية، نزلت في أبي سفيان بن حرب. (5)
* * *
وقال بعضهم: عني بذلك المشركون من أهل بدر.
* ذكر من قال ذلك:
16066 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: "إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله" الآية، قال: هم أهل بدر.
* * *
(1)
الذي في سيرة ابن هشام: "قال ابن إسحاق، ففيهم، كما ذكر لي بعض أهل العلم" ، ولم يسند الكلام إلى ابن عباس.

(2)
الأثر: 16063 - سيرة ابن هشام 3: 64.

(3)
في المطبوعة: "أن يعينوهم" ، وفي سيرة ابن هشام: "يقووهم بها" ، بزيادة.

(4)
الأثر: 16064 سيرة ابن هشام 2: 327، وهو تابع الأثر السالف رقم: 16053.

(5)
الأثر: 16065 - "سعيد بن أبي أيوب مقلاص المصري" ، مضى مرارًا آخرها رقم: 13178. وكان في المخطوطة: "سعيد بن أيوب" ، وصححه ناشر المطبوعة.

و "عطاء بن دينار الهذلي المصري" ، مضى أيضًا برقم: 160، 13178، بمثل هذا الإسناد.
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي ما قلنا، وهو أن يقال: إن الله أخبرَ عن الذين كفروا به من مشركي قريش، أنهم ينفقون أموالهم ليصدُّوا عن سبيل الله. لم يخبرنا بأيّ أولئك عَنى، غير أنه عم بالخبر "الذين كفروا" . وجائز أن يكون عَنَى المنفقين أموالهم لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بأحد= وجائز أن يكون عنى المنفقين منهم ذلك ببدر= وجائز أن يكون عنى الفريقين. وإذا كان ذلك كذلك، فالصواب في ذلك أن يعمّ كما عم جل ثناؤه الذين كفروا من قريش.
* * *
القول في تأويل قوله: {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (37) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: يحشر الله هؤلاء الذين كفروا بربهم، وينفقون أموالهم للصدّ عن سبيل الله، إلى جهنم، ليفرق بينهم= وهم أهل الخبث، كما قال وسماهم "الخبيث" = وبين المؤمنين بالله وبرسوله، وهم "الطيبون" ، كما سماهم جل ثناؤه. فميَّز جل ثناؤه بينهم بأن أسكن أهل الإيمان به وبرسوله جناته، وأنزل أهل الكفر نارَه. (1)
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16067 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية،
(1)
انظر تفسير "الخبيث" فيما سلف ص: 165، تعليق: 3، 4، والمراجع هناك.

= وتفسير "الطيب" فيما سلف من فهارس اللغة (طيب) .
عن علي، عن ابن عباس قوله: "ليميز الله الخبيث من الطيب" فميَّز أهل السعادة من أهل الشقاوة.
16068 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: ثم ذكر المشركين، وما يصنع بهم يوم القيامة، فقال: "ليميز الله الخبيث من الطيب" ، يقول: يميز المؤمن من الكاف، فيجعل الخبيث بعضه على بعض.
* * *
ويعني جل ثناؤه بقوله: "فيجعل الخبيث بعضه على بعض" ، فيحمل الكفار بعضهم فوق بعض = "فيركمه جميعا" ، يقول: فيجعلهم ركامًا، وهو أن يجمع بعضهم إلى بعض حتى يكثروا، كما قال جل ثناؤه في صفة السحاب: (( ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا )) [سورة النور: 43] ، أي مجتمعًا كثيفًا، وكما:-
16069 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، في قوله: "فيركمه جميعًا" ، قال: فيجمعه جميعًا بعضه على بعض.
* * *
وقوله: "فيجعله في جهنم" يقول: فيجعل الخبيث جميعًا في جهنم= فوحَّد الخبر عنهم لتوحيد قوله: "ليميز الله الخبيث" ، ثم قال: "أولئك هم الخاسرون" ، فجمع، ولم يقل: "ذلك هو الخاسر" ، فردَّه إلى أول الخبر.
ويعني ب "أولئك" ، الذين كفروا، وتأويله: هؤلاء الذين ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله "هم الخاسرون" ، ويعني بقوله: "الخاسرون" الذين غُبنت صفقتهم، وخسرت تجارتهم. (1) وذلك أنهم شَرَوْا بأموالهم عذابَ الله في الآخرة، وتعجَّلوا بإنفاقهم إياها فيما أنفقوا من قتال نبيّ الله والمؤمنين به، الخزيَ والذلَّ.
* * *
(1)
انظر تفسير "خسر" فيما سلف 12: 579، تعليق: 2،المراجع هناك.

القول في تأويل قوله: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأوَّلِينَ (38) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: "قل" ، يا محمد، "للذين كفروا" ، من مشركي قومك= "إن ينتهوا" ، عما هم عليه مقيمون من كفرهم بالله ورسوله، وقتالك وقتال المؤمنين، فينيبوا إلى الإيمان (1) = يغفر الله لهم ما قد خلا ومضى من ذنوبهم قبل إيمانهم وإنابتهم إلى طاعة الله وطاعة رسوله بإيمانهم وتوبتهم (2) = "وإن يعودوا" ، يقول: وإن يعد هؤلاء المشركون لقتالك بعد الوقعة التي أوقعتها بهم يوم بدر= فقد مضت سنتي في الأولين منهم ببدر، ومن غيرهم من القرون الخالية، (3) إذ طغوا وكذبوا رسلي ولم يقبلوا نصحهم، من إحلال عاجل النِّقَم بهم، فأحلّ بهؤلاء إن عادوا لحربك وقتالك، مثل الذي أحللت بهم. (4)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16070- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: "فقد مضت سنة الأولين" ، في قريش يوم بدر، وغيرها من الأمم قبل ذلك.
16071 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
(1)
انظر تفسير "الانتهاء" فيما سلف: 455، تعليق: 1 والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "سلف" فيما سلف 6: 14 \ 8: 138، 150 \ 11: 48.

(3)
انظر تفسير "سنة" فيما سلف 7: 228 \ 8: 209.

(4)
في المطبوعة: "اللذين أحلت بهم" ، وفي المخطوطة سيئة الكتابة، صوابها ما أثبت.

16072 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
16073 - حدثني ابن وكيع قال، (1) حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "فقد مضت سنة الأولين" ، قال: في قريش وغيرها من الأمم قبل ذلك.
16074 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال في قوله: "قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا" لحربك= "فقد مضت سنة الأولين" ، أي: من قُتل منهم يوم بدر. (2)
16075 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وإن يعودوا" ، لقتالك= "فقد مضت سنة الأولين" ، من أهل بدر.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله: وإن يعد هؤلاء لحربك، فقد رأيتم سنتي فيمن قاتلكم منهم يوم بدر، وأنا عائد بمثلها فيمن حاربكم منهم، فقاتلوهم حتى لا يكون شرك، ولا يعبد إلا الله وحده لا شريك له، فيرتفع البلاء عن عباد الله من الأرض= وهو "الفتنة" (3) = "ويكون الدين"
(1)
في المطبوعة: "حدثنا المثنى قال، حدثنا ابن وكيع ..." ، وهو خطأ ظاهر، وصوابه من المخطوطة.

(2)
الأثر: 16074 - سيرة ابن هشام 2: 327، وهو تابع الأثر السالف رقم: 16064.

(3)
انظر تفسير "الفتنة" فيما سلف: 486، تعليق: 1، والمراجع هناك.

كله لله "، يقول: حتى تكون الطاعة والعبادة كلها لله خالصةً دون غيره. (1) "
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16076 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة" ، يعني: حتى لا يكون شرك.
16077 - حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن يونس، عن الحسن في قوله: "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة" ، قال: "الفتنة" ، الشرك.
16078 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة" ، يقول: قاتلوهم حتى لا يكون شرك= "ويكون الدين كله لله" ، حتى يقال: "لا إله إلا الله" ، عليها قاتل نبي الله صلى الله عليه وسلم، وإليها دَعا.
16079 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة" ، قال: حتى لا يكون شرك.
16080 - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا مبارك بن فضالة، عن الحسن في قوله: "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة" ، قال: حتى لا يكون بلاء.
(1)
وتفسير "الدين" فيما سلف 1: 155، 156 \ 6:273 - 275، وغيرها في فهارس اللغة (دين) .

16081 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج: "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله" ، أي: لا يفتن مؤمن عن دينه، ويكون التوحيد لله خالصًا ليس فيه شرك، ويُخلع ما دونه من الأنداد. (1)
16082 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، في قوله: "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة" ، قال: حتى لا يكون كفر= "ويكون الدين كله لله" ، لا يكون مع دينكم كفر.
16083 - حدثني عبد الوارث بن عبد الصمد قال، حدثنا أبي قال، حدثنا أبان العطار قال، حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه: أن عبد الملك بن مروان كتبَ إليه يسأله عن أشياء، فكتب إليه عروة: "سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد، فإنك كتبت إليّ تسألني عن مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة، وسأخبرك به، ولا حول ولا قوة إلا بالله. كان من شأن خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة، أن الله أعطاه النبوة، فنعم النبيُّ! ونعم السيد! ونعم العشيرة! فجزاه الله خيرًا، وعرّفنا وجهه في الجنة، وأحيانَا على ملته، وأماتنا عليها، وبعثنا عليها. وإنه لما دعا قومه لما بعثه الله له من الهدى والنور الذي أنزل عليه، لم يَبْعُدوا منه أوّلَ ما دعاهم إليه، (2) وكادوا"
(1)
الأثر: 16081 - هذا نص ابن هشام في سيرته، من روايته عن ابن إسحاق، فأنا أكاد أقطع أن هذا الخبر ملفق من خبرين:

أولهما هذا الإسناد الأول، سقط نص خبره.
والآخر إسناد أبي جعفر إلى ابن إسحاق، وهو هذا، حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق في قوله:.. "، ثم هذا السياق الذي هنا، وهو نص ما في ابن هشام."
انظر سيرة ابن هشام 2: 327، وهو تابع الأثر السالف رقم: 12074.
(2)
في المطبوعة: "لم ينفروا منه" غير ما في المخطوطة، وهو مطابق لما في التاريخ.

يسمعون له، (1) حتى ذكر طواغيتهم. وقدم ناس من الطائف من قريش، لهم أموال، أنكر ذلك ناسٌ، واشتدّوا عليه، (2) وكرهوا ما قال، وأغروا به من أطاعهم، فانصفق عنه عامة الناس فتركوه، (3) إلا من حفظه الله منهم، وهم قليل. فمكث بذلك ما قدّر الله أن يمكث، ثم ائتمرت رؤوسهم بأن يفتنوا من اتبعه عن دين الله من أبنائهم وإخوانهم وقبائلهم، فكانت فتنةً شديدة الزلزال (4) ، فافتتن من افتتن، وعصم الله من شاء منهم. فلما فُعِل ذلك بالمسلمين، أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا إلى أرض الحبشة. وكان بالحبشة ملك صالح يقال له "النجاشي" ، لا يُظلم أحد بأرضه، (5) وكان يُثْنَى عليه مع ذلك [صلاح] ، (6) وكانت أرض الحبشة متجرًا لقريش، يَتْجَرون فيها، ومساكن لتِجَارهم (7) يجدون فيها رَفاغًا من الرزق وأمنًا ومَتْجَرًا حسنًا، (8) فأمرهم بها النبي صلى الله عليه وسلم، فذهب إليها عامتهم لما قُهِروا بمكة، وخاف عليهم الفتن. (9) ومكث هو فلم يبرح. فمكث ذلك سنوات يشتدُّون على من أسلم منهم. (10) ثم إنه فشا الإسلام فيها، ودخل فيه رجال من أشرافهم ومَنَعتهم. (11) فلما رأوا ذلك، استرخوْا استرخاءة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه. (12) وكانت الفتنة الأولى هي أخرجت من خرج من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قِبَل أرض الحبشة، مخافتَها، وفرارًا مما كانوا فيه من الفتن والزلزال. فلما استُرْخي عنهم، ودخل في الإسلام من دخل منهم، تُحُدِّث باسترخائهم عنهم. (13) فبلغ ذلك من كان بأرض الحبشة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه قد استُرْخِيَ عمن كان منهم بمكة، وأنهم لا يفتنون. فرجعوا إلى مكة، وكادوا يأمنون بها، (14) وجعلوا يزدادون، ويكثرون. وأنه أسلم من الأنصار بالمدينة ناس كثير، وفشا بالمدينة الإسلام، وطفق أهل المدينة يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة. فلما رأت ذلك قريش ذلك، تذامرَتْ على أن يفتنوهم ويشتدّوا عليهم، (15) فأخذوهم، وحرصوا على أن يفتنوهم، فأصابهم جَهْدٌ شديد. وكانت الفتنة الآخرة. فكانت ثنتين: فتنة أخرجت من خرج منهم إلى أرض الحبشة، حين أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بها، وأذن لهم في الخروج إليها= وفتنة لما رجعوا ورأوا من يأتيهم من أهل المدينة. ثم إنه جاء رسولَ الله صلى الله عليه وسلم من المدينة سبعون نقيبًا، (16) رؤوس الذين أسلموا، فوافوه بالحج، فبايعوه بالعقبة، وأعطوه عهودهم على أنّا منك وأنت منا، (17) وعلى أن من جاء من أصحابك أو جئتنا، فإنا نمنعك مما نمنع منه أنفسنا. فاشتدت عليهم قريش عند ذلك. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يخرجوا إلى المدينة، وهي الفتنة الآخرة التي أخرج فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، وخرج هو، وهي التي أنزل الله فيها: "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله" . (18)
16084 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن عروة بن الزبير: أنه كتب إلى الوليد: "أما بعد، فإنك كتبتَ إليّ تسألني عن مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة، وعندي،"
(1)
في المطبوعة: "وكانوا يسمعون" ، غير ما في المخطوطة، وهو مطابق للتاريخ.

(2)
في المطبوعة: "أنكر ذلك عليه ناس" ، زاد "عليه" ، وفي التاريخ: "أنكروا ذلك عليه" ، ليس فيه "ناس" .

(3)
في المطبوعة: "فانعطف عنه" ، غير ما في المخطوطة عبثًا، وهو مطابق لما في التاريخ و "انصفق عنه الناس" ، رجعوا وانصرفوا. و "انصفقوا عليه" : أطبقوا واجتمعوا، أصله من "الصفقة" ، وهو الاجتماع على الشيء. وإنما غير المعنى استعمال الحرف، في الأول "عنه" ، وفي الأخرى "عليه" . وهذا من محاسن العربية.

(4)
في المخطوطة: "شدودة الزلزال" ، وهو سهو من الناسخ.

(5)
في المخطوطة: "لا يظلم بأرضه" ، وصححها لناشر وتصحيحه مطابق لما في التاريخ.

(6)
الزيادة بين القوسين من تاريخ الطبري.

(7)
قوله: "ومساكن لتجارهم" ، ليست في التاريخ، وفي المطبوعة: "لتجارتهم" ، وهو خطأ، صوابه من المخطوطة، وابن كثير.

(8)
في المطبوعة: "رتاعًا من الرزق" ، خالف المخطوطة، لأنها غير منقوطة، وهي مطابقة لما في التاريخ. و "الرفاغ" مصدر "رفغ" (بفتح فضم) ، وهو قياس العربية، والذي في المعاجم "رفاغة" . يقال: "إنه لفي رفاغة من العيش" ، و "رفاغية" (على وزن: ثمانية) : سعة من العيش وطيب وخصب. و "عيش رافغ" .

(9)
في المطبوعة والمخطوطة: "وخافوا عليهم الفتن" ، والجيد ما أثبته من التاريخ.

(10)
في التاريخ: "فمكث بذلك سنوات" ، وهي أجود.

(11)
إلى هذا الموضع، انتهي ما رواه أبو جعفر في تاريخه 2: 220، 221، إلا أنه لم يذكر في ختام الجملة "ومنعتهم" .

وقوله: "ومنعتهم" (بفتحات) ، جمع "مانع" ، مثل "كافر" و "كفرة" ، وهم الذين يمنعون من يرديهم بسوء.
وانظر تخريج الخبر في آخر هذا الأثر.
(12)
"الاسترخاء" ، السعة والسهولة. "استرخوا عنهم" ، أرخوا عنهم شدة العذاب والفتنة.

(13)
في المطبوعة: "تحدث بهذا الاسترخاء عنهم" ، وفي المخطوطة هكذا: "تحددوا استرخائهم عنهم" ، وأثبت الصواب من تفسير ابن كثير.

(14)
من أول قوله: "فلما رأوا ذلك استرخوا ..." ، إلى هذا الموضع، لم يذكره أبو جعفر في تاريخه، ثم يروي ما بعده، كما سأبينه بعد في التعليق.

(15)
في المطبوعة والمخطوطة: "توامرت على أن يفتنوهم" ، وأثبت ما في التاريخ. أما ابن كثير في تفسيره فنقل: "توامروا على أن يفتنوهم" . وفي المطبوعة وحدها: "ويشدوا عليهم" ، وأثبت ما في التاريخ وابن كثير.

و "تذامر القوم" ، حرض بعضهم بعضًا وحثه على قتال أو غيره. و "ذمر حزبه تذميرًا" ، شجعه وحثه، مع لوم واستبطاء.


https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif


ابوالوليد المسلم 17-07-2025 04:49 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنفال
الحلقة (738)
صــ 541 إلى صــ 550





(16)
في المطبوعة: "سبعون نفسًا" ، وفي المخطوطة؛ "سبعين نفسًا" ، غير منقوطة، والصواب ما أثبته من تاريخ الطبري، وتفسير ابن كثير.

(17)
في المطبوعة والمخطوطة: "وأعطوه على أنا منك.." ، سقط من الكلام "عهودهم" ، أثبتها من التاريخ، وفي تفسير ابن كثير "وأعطوه عهودهم ومواثيقهم" .

(18)
الأثر: 16083 - "أبان العطار" ، هو "أبان بن يزيد العطار" ، وقد سلف شرح هذا الإسناد: 15719، 15821، وغيرهما إسناد صحيح.

وكتاب عروة إلى عبد الملك بن مروان قد رواه أبو جعفر مفرقًا في تفسيره، وفي تاريخه، فما رواه في تفسيره آنفًا رقم: 15719، 15821 أما في تاريخه، فقد رواه مفرقًا في مواضع، هذه هي 2: 220، 221، 240، 241، 245، 267 - 269 \ ثم 3: 117، 125، 132، وعسى أن أستطيع أن ألم شتات هذا الكتاب من التفسير والتاريخ، حتى أخرج منه كتاب عروة إلى عبد الملك كاملا، فهو من أوائل الكتب التي كتبت عن سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا الخبر نفسه، مفرق في موضعين من التاريخ 2: 220، 221 كما أشرت إليه في ص: 443 تعليق: 1 \ ثم 2: 240، 241.
ونقله ابن كثير عن هذا الموضع من التفسير في تفسيره 4: 61، 62.
ثم انظر التعليق على الأثر التالي.
بحمد الله، من ذلك علم بكل ما كتبتَ تسألني عنه، وسأخبرك إن شاء الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم ذكر نحوه. (1)
16085- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا قيس، عن الأعمش، عن مجاهد: "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة" ، قال: "يَسَاف" و "نائلة" ، صنمان كانا يعبدان. (2)
* * *
وأما قوله: "فإن انتهوا" ، فإن معناه: فإن انتهوا عن الفتنة، وهي الشرك بالله، وصارُوا إلى الدين الحق معكم (3) = "فإن الله بما يعملون بصير" ، يقول: فإن الله لا يخفى عليه ما يعملون من ترك الكفر والدخول في دين الإسلام، (4) لأنه يبصركم ويبصر أعمالكم، (5) والأشياء كلها متجلية له، لا تغيب عنه، ولا
(1)
الأثر: 16084 - "عبد الرحمن بن أبي الزناد" ، هو "عبد الرحمن بن عبد الله ابن ذكوان" ، مضى برقم: 1695، 9225، وقال أخي السيد أحمد أنه ثقة، تكلم فيه بعض الأئمة. ثم قال: وقد وثقه الترمذي وصحح عدة من أحاديثه، بل قال في السنن 3: 59: "هو ثقة حافظ" .

وممن ضعف "عبد الرحمن بن أبي الزناد" ابن معين قال: "ليس ممن يحتج به أصحاب الحديث،ليس بشيء" . وقال أحمد: "مضطرب الحديث" ، وقال ابن المديني "كان عند أصحابنا ضعيفًا" ، وقال ابن المديني: "ما حدث به بالمدينة فهو صحيح، وما حدث ببغداد أفسده البغداديون" . وقال ابن سعد: "كان كثير الحديث، وكان يضعف لروايته عن أبيه" .
وأبوه "عبد الله بن ذكوان" ، أبو الزناد، ثقة، روى له الجماعة.
وقد روى "عبد الرحمن بن أبي الزناد" ، أن الذي كتب إليه عروة، هو "الوليد بن عبد الملك ابن مروان" ، والإسناد السالف أصح واوثق، أنه كتب إلى "عبد الملك بن مروان" ، فأنا أخشى أن يكون هذا الخبر مما اضطربت فيه رواية "ابن أبي الزناد" ، عن أبيه.
(2)
"إساف" (بكسر اللف وفتحها) و "يساف" (بكسر الياء وفتحها) ، واحد. وقد مضى ذلك في الخبر: 10433، والتعليق عليه 9: 208، تعليق: 1.

وكان في المخطوطة هنا: "ساف ونافلة" ، وهو خطأ محض.
(3)
انظر تفسير "الانتهاء" فيما سلف ص: 536، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(4)
انظر تفسير "بصير" فيما سلف من فهارس اللغة (بصر) .

(5)
في المطبوعة: "يبصركم" ، والصواب من المخطوطة.

يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين.
* * *
وقد قال بعضهم: معنى ذلك، فإن انتهوا عن القتال.
* * *
قال أبو جعفر: والذي قلنا في ذلك أولى بالصواب، لأن المشركين وإن انتهوا عن القتال، فإنه كان فرضًا على المؤمنين قتالهم حتى يسلموا.
القول في تأويل قوله: {وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وإن أدبر هؤلاء المشركون عما دعوتموهم إليه، أيها المؤمنون من الإيمان بالله ورسوله، وترك قتالكم على كفرهم، فأبوا إلا الإصرار على الكفر وقتالكم، فقاتلوهم، وأيقنوا أنّ الله معينكم عليهم وناصركم (1) = "نعم المولى" ، هو لكم، يقول: نعم المعين لكم ولأوليائه (2) = "ونعم النصير" ، وهو الناصر. (3)
* * *
16086 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: "وإن تولوا" ، عن أمرك إلى ما هم عليه من كفرهم، فإن الله هو مولاكم الذي أعزكم
(1)
انظر تفسير "التولي" فيما سلف (9: 141) تعليق: ... ، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "المولى" فيما سلف من فهارس اللغة (ولي) .

(3)
انظر تفسير "النصير" فيما سلف 10: 481، تعليق: 5، والمراجع هناك.

ونصركم عليهم يوم بدر، في كثرة عددهم وقلة عددكم= "نعم المولى ونعم النصير" . (1)
* * *
(1)
الأثر: 18086 - سيرة ابن هشام 2: 327، مع اختلاف يسير في سياقه، وهو تابع الأثريين السالفين: 16074، 16081، وانظر التعليق على هذا الأثر الأخير، وما استظهرته هناك.

القول في تأويل قوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ}
قال أبو جعفر: وهذا تعليم من الله عز وجل المؤمنين قَسْمَ غنائمهم إذا غنموها.
يقول تعالى ذكره: واعلموا، أيها المؤمنون، أن ما غنمتم من غنيمة.
* * *
واختلف أهل العلم في معنى "الغنيمة" و "الفيء" .
فقال بعضهم: فيهما معنيان، كل واحد منهما غير صاحبه.
* ذكر من قال ذلك:
16087 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حميد بن عبد الرحمن، عن الحسن بن صالح قال: سألت عطاء بن السائب عن هذه الآية: "واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه" ، وهذه الآية: (( مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ )) [سورة الحشر: 7] ، قال قلت: ما "الفيء" ، وما "الغنيمة" ؟ قال: إذا ظهر المسلمون على المشركين وعلى أرضهم، وأخذوهم عنوةً، فما أخذوا من مال ظهروا عليه فهو "غنيمة" ، وأما الأرض فهو في سوادنا هذا "فيء" . (1)
* * *
وقال آخرون: "الغنيمة" ، ما أخذ عنوة، و "الفيء" ، ما كان عن صلح.
* ذكر من قال ذلك:
16088 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان الثوري قال:
(1)
في المطبوعة: "فهي في سوادنا" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو مستقيم.

"الغنيمة" ، ما أصاب المسلمون عنوة بقتال، فيه الخمس، وأربعة أخماسه لمن شهدها. و "الفيء" ، ما صولحوا عليه بغير قتال، وليس فيه خمس، هو لمن سمَّى الله.
* * *
وقال آخرون: "الغنيمة" و "الفيء" ، بمعنى واحد. وقالوا: هذه الآية التي في "الأنفال" ، ناسخة قوله: (( مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ )) الآية، [سورة الحشر: 7] .
* ذكر من قال ذلك:
16089 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة في قوله: (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) ، قال: كان الفيء في هؤلاء، ثم نسخ ذلك في "سورة الأنفال" ، فقال: "واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل" ، فنسخت هذه ما كان قبلها في "سورة الأنفال" ، (1) وجعل الخمس لمن كان له الفيء في "سورة الحشر" ، وسائر ذلك لمن قاتل عليه. (2)
* * *
وقد بينا فيما مضى "الغنيمة" ، وأنها المال يوصل إليه من مال من خوّل الله مالَه أهلَ دينه، بغلبة عليه وقهرٍ بقتال. (3)
* * *
فأما "الفيء" ، فإنه ما أفاء الله على المسلمين من أموال أهل الشرك، وهو
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: "ما كان قبلها في سورة الحشر" ، وسيأتي على الصواب كما أثبته في تفسير "سورة الحشر" 28: 25 (بولاق) ، ويعني بذلك أنها نسخت قوله في أول سورة الأنفال: "يسألونك عن الأنفال" .

(2)
الأثر: 16089 - سيأتي هذا الخبر مطولا في تفسير "سورة الحشر" 28: 25، 26 (بولاق) .

(3)
انظر تفسير "الغنيمة" فيما سلف في تفسير "النفل" ص: 361 - 385.

ما ردّه عليهم منها بصلح، من غير إيجاف خيل ولا ركاب. وقد يجوز أن يسمى ما ردّته عليهم منها سيوفهم ورماحهم وغير ذلك من سلاحهم "فيئًا" ، لأن "الفيء" ، إنما هو مصدر من قول القائل: "فاء الشيء يفيء فيئًا" ، إذا رجع= و "أفاءه الله" ، إذا ردّه. (1)
غير أن الذي ردّ حكم الله فيه من الفيء بحكمه في "سورة الحشر" ، (2) إنما هو ما وصفت صفته من الفيء، دون ما أوجف عليه منه بالخيل والركاب، لعلل قد بينتها في كتاب: (كتاب لطيف القول، في أحكام شرائع الدين) ، وسنبينه أيضًا في تفسير "سورة الحشر" ، إذا انتهينا إليه إن شاء الله تعالى. (3)
* * *
وأما قول من قال: الآية التي في "سورة الأنفال" ، ناسخةٌ الآيةَ التي في "سورة الحشر" ، فلا معنى له، إذ كان لا معنى في إحدى الآيتين ينفي حكم الأخرى. وقد بينا معنى "النسخ" ، وهو نفي حكم قد ثبت بحكمٍ خلافه، في غير موضع، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (4)
* * *
وأما قوله: "من شيء" ، فإنه مرادٌ به: كل ما وقع عليه اسم "شيء" ، مما خوّله الله المؤمنين من أموال من غلبوا على ماله من المشركين، مما وقع فيه القَسْم، حتى الخيط والمِخْيط، (5) كما:-
16090 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا
(1)
انظر تفسير "فاء" فيما سلف 4: 465، 466.

(2)
في المطبوعة: "... الذي ورد حكم الله فيه من الفيء يحكيه في سورة الحشر" ، غير ما في المخطوطة، فأفسد الكلام إفسادًا تامًا.

(3)
انظر ما سيأتي 28: 24 - 27 (بولاق) .

(4)
انظر مقالته في "النسخ" في فهارس النحو والعربية وغيرهما، وفي مواضع فيها مراجع ذلك كله في كتابه هذا.

(5)
"المخيط" ، الإبرة، وهو ما خيط به.

سفيان، عن ليث، عن مجاهد قوله: "واعلموا أنما غنمتم من شيء" ، قال: المخيط من "الشيء" .
16091- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد بمثله.
16092- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو نعيم الفضل قال، حدثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد، مثله.
* * *
القول في تأويل قوله: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم قوله: "فأن لله خمسه" ، مفتاحُ كلامٍ، (1) ولله الدنيا والآخرة وما فيهما، وإنما معنى الكلام: فإن للرسول خمسه.
* ذكر من قال ذلك:
16093 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن قيس بن مسلم قال: سألت الحسن عن قول الله: "واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول" ، قال: هذا مفتاح كلامٍ، لله الدنيا والآخرة.
16094- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن قيس بن مسلم قال: سألت الحسن بن محمد عن قوله: "واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه" ، قال: هذا مفتاح كلامٍ، لله الدنيا والآخرة. (2)
(1)
يعني أنه افتتاح بذكر الله تعالى ذكره، وانظر ما سلف 6: 272، تعليق: 5.

(2)
الأثران: 16093، 16094 - "الحسن بن محمد" ، هو "الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب" ، وهو "الحسن بن محمد بن الحنيفة" ، وهو الذي يروي عنه "قيس بن مسلم" ، لا يعني "الحسن البصري" .

وهذا الخبر رواه أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الأموال: 14، 326، 330، رقم: 39، 836، 846 وسيأتي مطولا برقم: 16121.
16095- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أحمد بن يونس قال، حدثنا أبو شهاب، عن ورقاء، عن نهشل، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث سرية فغنموا، خمَّس الغنيمة، فضرب ذلك الخمس في خمسة. ثم قرأ: "واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول" . قال: وقوله: "فأن لله خمسه" ، مفتاح كلام، لله ما في السموات وما في الأرض، فجعل الله سهم الله وسهم الرسول واحدًا. (1)
16096- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم: "فأن لله خمسه" ، قال: لله كل شيء.
16097 - حدثنا المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم في قوله: "واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه" ، قال: لله كل شيء، وخُمس لله ورسوله، ويقسم ما سوى ذلك على أربعة أسهم.
16098 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: كانت الغنيمة تقسم خمسة أخماس، فأربعة أخماس لمن قاتل
(1)
الأثر: 16095 - "أحمد بن يونس" ، هو "أحمد بن عبد الله بن يونس التميمي" ، مضى برقم: 2144، 2362، 5080.

و "أبو شهاب" ، هو "عبد ربه بن نافع الكناني" ، الحناط، ثقة، مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 3 \ 1 \ 42.
و "ورقاء" ، هو "ورقاء بن عمرو اليشكري" ، مضى برقم: 6534.
و "نهشل" ، هو "نهشل بن سعيد بن وردان النيسابوري" ، ليس بثقة، وقال أبو حاتم: "ليس بقوي، متروك الحديث، ضعيف الحديث" ، وقال ابن حبان: "يروي عن الثقات ما ليس من أحاديثهم، لا يحل كتب حديثه إلا على التعجب" .
وقال البخاري: "أحاديثه مناكير، قال إسحاق بن إبراهيم: ككان نهشل كذابًا" . مترجم في التهذيب، والكبير 4 \ 2 \ 115، وابن أبي حاتم 4 \ 1 \ 496، وميزان الاعتدال 3: 243.
وانظر الخبر رقم: 16120.
وكان في المطبوعة: "فجعل سهم الله" ، غير ما في المخطوطة وحذف، فأثبت ما في المخطوطة.
عليها، ويقسم الخمس الباقي على خمسة أخماس، فخمس لله والرسول.
16099 - حدثنا عمران بن موسى قال، حدثنا عبد الوارث قال، حدثنا أبان، عن الحسن قال: أوصى أبو بكر رحمه الله بالخمس من ماله، وقال: ألا أرضى من مالي بما رضي الله لنفسه.
16100 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن فضيل، عن عبد الملك، عن عطاء: "واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول" ، قال: خمس الله وخمس رسوله واحد. كان النبي صلى الله عليه وسلم يحمل منه ويضع فيه ما شاء. (1)
16101- حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج قال، حدثنا أبو عوانة، عن المغيرة، عن أصحابه، عن إبراهيم: "واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه" ، قال: كل شيء لله، الخمس للرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: فإن لبيت الله خمسه وللرسول.
* ذكر من قال ذلك:
16102 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع بن الجراح، عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية الرياحي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يؤتَى بالغنيمة، فيقسمها على خمسة، تكون أربعة أخماس لمن شهدها، ثم يأخذ الخمس فيضرب بيده فيه، فيأخذ منه الذي قبض كفه، فيجعله للكعبة، وهو سهم الله. ثم يقسم ما بقي على خمسة أسهم، فيكون سهم
(1)
في المطبوعة: "ويصنع فيه" ، وأثبت ما في المخطوطة. وقد قرأت في كتاب الأموال لأبي عبيد القاسم بن سلام، في خبر آخر: "يحمل منه ويعطي، ويضعه حيث شاء، ويصنع به ما شاء" ص 14، 326، رقم: 40، 837.

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif


ابوالوليد المسلم 17-07-2025 04:52 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنفال
الحلقة (739)
صــ 551 إلى صــ 560





للرسول، وسهم لذي القربى، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لابن السبيل.
16103- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية: "واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه" ، إلى آخر الآية، قال: فكان يُجَاء بالغنيمة فتوضع، فيقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة أسهم، فيجعل أربعة بين الناس، ويأخذ سهمًا، ثم يضرب بيده في جميع ذلك السهم، فما قَبَضَ عليه من شيء جعله للكعبة، فهو الذي سُمِّي لله، ويقول: "لا تجعلوا لله نصيبًا، فإن لله الدنيا والآخرة، ثم يقسم بقيته على خمسة أسهم: سهم للنبي صلى الله عليه وسلم، وسهم لذوي القربى، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لابن السبيل. (1) "
* * *
وقال آخرون: ما سُمِّي لرسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك، فإنما هو مرادٌ به قرابته، وليس لله ولا لرسوله منه شيء.
* ذكر من قال ذلك:
16104 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثنا معاوية، عن علي، عن ابن عباس قال: كانت الغنيمة تقسم على خمسة أخماس، فأربعة منها لمن قاتل عليها، وخمس واحد يقسم على أربعة: فربع لله والرسول ولذي القربى = يعني قرابة النبي صلى الله عليه وسلم = فما كان لله والرسول فهو لقرابة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم من الخمس شيئًا. والربع الثاني لليتامى، والربع الثالث للمساكين، والربع الرابع لابن السبيل. (2)
* * *
(1)
الأثران: 16102، 16013 - رواه أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الأموال، من طريق حجاج، عن أبي جعفر الرازي، بمثل لفظ الأول. كتاب الأموال: 14، 325، رقم 400، 835.

(2)
الأثر: 16104 - رواه أبو عبيد القاسم بن سلام، بهذا الإسناد نفسه، وبلفظه، في كتاب الأموال ص: 13، 325، رقم: 37، 834، وفي آخره تفسير "ابن السبيل" ، قال: "وهو الضعيف الفقير الذي ينزل بالمسلمين" .

وانظر ما سيأتي رقم: 16124، 16129.
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قولُ من قال: قوله: "فأن لله خمسه" ، "افتتاح كلام" ، وذلك لإجماع الحجة على أنّ الخمس غير جائز قسمه على ستة أسهم، ولو كان لله فيه سهم، كما قال أبو العالية، لوجب أن يكون خمس الغنيمة مقسومًا على ستة أسهم. وإنما اختلف أهل العلم في قسمه على خمسة فما دونها، فأما على أكثر من ذلك، فما لا نعلم قائلا قاله غير الذي ذكرنا من الخبر عن أبي العالية. وفي إجماع من ذكرت، الدلالةُ الواضحةُ على صحة ما اخترنا.
* * *
فأما من قال: "سهم الرسول لذوي القربى" ، فقد أوجب للرسول سهمًا، وإن كان صلى الله عليه وسلم صرفه إلى ذوي قرابته، فلم يخرج من أن يكون القسم كان على خمسة أسهم، وقد:-
16105 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه" ، الآية، قال: كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا غنم غنيمة جعلت أخماسًا، فكان خمس لله ولرسوله، ويقسم المسلمون ما بقي. وكان الخمس الذي جُعل لله ولرسوله، لرسوله ولذوي القربى واليتامى وللمساكين وابن السبيل (1) فكان هذا الخمس خمسة أخماس: خمس لله ورسوله، وخمس لذوي القربى. وخمس لليتامى، وخمس للمساكين. وخمس لابن السبيل.
(1)
في المخطوطة خطأ، أسقط "لرسوله" الثانية، والكلام يقتضيها كما في المطبوعة، وعلى هامش المخطوطة حرف "أ" عليها ثلاث نقط، دلالة على موضع السقط.

16106 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن موسى بن أبي عائشة قال: سألت يحيى بن الجزار عن سهم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: هو خُمْس الخمس. (1)
16107- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن عيينة، وجرير عن موسى بن أبي عائشة، عن يحيى بن الجزار، مثله.
16108 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان، عن موسى بن أبي عائشة، عن يحيى بن الجزار، مثله.
16109 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: "فأن لله خمسه" ، قال: أربعة أخماس لمن حضر البأس، والخمس الباقي لله والرسول، خمسه يضعه حيث رأى، وخمسه لذوي القربى، وخمسه لليتامى، وخمسة للمساكين، ولابن السبيل خمسه.
* * *
وأما قوله: "ولذي القربى" ، فإن أهل التأويل اختلفوا فيهم.
فقال بعضهم: هم قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني هاشم.
* ذكر من قال ذلك:
16110 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثني أبي، عن شريك، عن خصيف، عن مجاهد قال: كان آل محمد صلى الله عليه وسلم لا تحلّ لهم الصدقة، فجعل لهم خمس الخمس.
16111- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا شريك، عن خصيف، عن مجاهد قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم وأهلُ
(1)
الأثر: 16106 - "موسى بن أبي عائشة المخزومي" ، روى له الجماعة، مضى برقم: 11408.

و "يحيى بن الجزار العرفي" ، ثقة، مضى برقم: 5425.
وكان في المخطوطة: "يحيى الجزار" ، والصواب ما في المطبوعة، ولكنه يأتي في الذي يليه في المخطوطة على الصواب.
ورواه أبو عبيد في الأموال ص: 13، رقم: 34، 35، وص: 324، رقم: 831، 832.
بيته لا يأكلون الصدقة، فجعل لهم خمس الخمس.
16112 - حدثنا أحمد قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا عبد السلام، عن خصيف، عن مجاهد قال: قد علم الله أنّ في بني هاشم الفقراء، فجعل لهم الخمس مكانَ الصدقة.
16113 - حدثني محمد بن عمارة قال، حدثنا إسماعيل بن أبان قال، حدثنا الصباح بن يحيى المزني، عن السدي، عن أبي الديلم قال، قال علي بن الحسين، رحمة الله عليه، لرجل من أهل الشأم: أما قرأت في "الأنفال" : "واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول" الآية؟ قال: نعم! قال: فإنكم لأنتم هم؟ قال: نعم! (1)
16114 - حدثنا الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا إسرائيل، عن خصيف، عن مجاهد قال: هؤلاء قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين لا تحل لهم الصدقة.
16115 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا أبو معاوية، عن حجاج، عن عطاء، عن ابن عباس: أن نَجْدة كتب إليه يسأله عن ذوي القربى، فكتب إليه كتابًا: "نزعم أنا نحن هم، فأبى ذلك علينا قومنا" . (2)
(1)
الأثر: 16113 - "إسماعيل بن أبان الوراق الأزدي" ، ثقة، صدوق في الرواية، قال البزار: "إنما كان عيبه شدة تشيعه، لا أنه غير عليه في السماع" ، وإما "إسماعيل بن أبان الغنوي" ، فهو كذاب، ومضى إسماعيل الوراق برقم: 14550.

وأمَّا "صباح بن يحيى المزني" ، فهو شيعي أيضُا، متروك، بل متهم، هكذا قال الحافظ ابن حجر والذهبي. وذكره البخاري، فقال: "فيه نظر" ، وقال أبو حاتم: "شيخ" . مترجم في لسان الميزان 3: 160، والكبير 2 \ 2 \ 315، وابن أبي حاتم 2 \ 1 \ 442، وميزان الاعتدال 1: 462.
وأمَّا "أبو الديلم" ، فلم أعرف من يكون، وهكذا أثبته من المخطوطة، وهو في لمطبوعة: "عن ابن الديلمي" ، يعني "عبد الله بن فيروز الديلمي" ، التابعي الثقة، ولا أظن أنه يروي عن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.
وهذا إسناد هالك كما ترى.
(2)
الأثر: 16115 - "نجدة ابن عويمر الحروري" ، من رؤوس الخوارج.

وكتاب ابن عباس إلى نجدة، رواه أبو عبيدة في كتاب الأموال من طرق ص: 332 - 335، رقم: 850 - 852، وانظر ما سيأتي رقم: 16117.
16116- ... قال: حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: "فأن لله خمسه" ، قال: أربعة أخماس لمن حضر البأس، والخمس الباقي لله، وللرسول، خمسه يضعه حيث رأى، وخمسٌ لذوي القربى، وخمس لليتامى، وخمس للمساكين، ولابن السبيل خمسه.
* * *
وقال آخرون: بل هم قريش كلها.
* ذكر من قال ذلك:
16117 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرني عبد الله بن نافع، عن أبي معشر، عن سعيد المقبري قال: كتب نجدة إلى ابن عباس يسأله عن ذي القربى قال: فكتب إليه ابن عباس: "قد كنا نقول: إنّا هم، فأبى ذلك علينا قومنا، وقالوا: قريش كلها ذوو قربى" . (1)
* * *
وقال آخرون: سهم ذي القربى كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم صار من بعده لوليّ الأمر من بعده.
* ذكر من قال ذلك:
16118- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: أنه سئل عن سهم ذي القربى فقال: كان طُعْمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان حيًّا، (2) فلما توفي جُعل لوليّ الأمر من بعده.
* * *
وقال آخرون: بل سهم ذي القربى كان لبني هاشم وبني المطلب خاصةً.
(1)
الأثر: 11617 - انظر التعليق السالف، من طريق أبي معشر، رواه أبو عبيد رقم: 850، مطولا، بنحوه.

(2)
"الطعمة" (بضم الطاء) : الرزق والمأكلة، يعني به الفيء.

وممن قال ذلك الشافعي، وكانت علته في ذلك ما:
16119 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا يونس بن بكير قال، حدثنا محمد بن إسحاق قال، حدثني الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن جبير بن مطعم قال: لما قَسَمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم ذي القربى من خيبر على بني هاشم وبني المطلب، مشيت أنا وعثمان بن عفان رحمة الله عليه، فقلنا: يا رسول الله، هؤلاء إخوتك بنو هاشم، لا ننكر فضلهم، لمكانك الذي جعلك الله به منهم، أرأيت إخواننا بني المطلب، أعطيتهم وتركتنا، وإنما نحن وهم منك بمنزلة واحدة؟ فقال: إنهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام، إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد! ثم شبَّك رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه إحداهما بالأخرى. (1)
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي، قولُ من قال: "سهم ذي القربى، كان لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني هاشم وحلفائهم من بني المطلب" ، لأنّ حليف القوم منهم، ولصحة الخبر الذي ذكرناه بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
* * *
واختلف أهل العلم في حكم هذين السهمين= أعني سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسهم ذي القربى= بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال بعضهم: يُصرفان في معونة الإسلام وأهله.
* ذكر من قال ذلك:
16120 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أحمد بن يونس قال، حدثنا أبو شهاب، عن ورقاء، عن نهشل، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: جُعل
(1)
الأثر: 16119 - رواه الشافعي في الأم من طرق، منها طريق محمد بن إسحاق، انظر الأم: 4: 71، ورواه أبو داود في سننه 3: 201، رقم: 2980، وأبو عبيد القاسم ابن سلام في الأموال: 331، رقم: 842.

سهم الله وسهم الرسول واحدًا، ولذي القربى، فجعل هذان السهمان في الخيل والسلاح. وجعل سهم اليتامى والمساكين وابن السبيل، لا يُعْطَى غيرَهم. (1)
16121- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن قيس بن مسلم قال: سألت الحسن عن قول الله: "واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى" ، قال: هذا مفتاح كلامٍ، لله الدنيا والآخرة. ثم اختلف الناس في هذين السهمين بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال قائلون: سهم النبي صلى الله عليه وسلم، لقرابة النبي صلى الله عليه وسلم = وقال قائلون: سهم القرابة لقرابة الخليفة= واجتمع رأيهم أن يجعلوا هذين السهمين في الخيل والعدّة في سبيل الله، فكانا على ذلك في خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
16122 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان، عن قيس بن مسلم قال: سألت الحسن بن محمد، فذكر نحوه. (2)
16123 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمر بن عبيد، عن الأعمش، عن إبراهيم قال: كان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما يجعلان سهم النبي صلى الله عليه وسلم في الكُرَاع والسلاح. (3) فقلت لإبراهيم: ما كان علي رضي الله عنه يقول فيه؟ قال: كان عليٌّ أشدَّهم فيه.
16124 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: "واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين" الآية، قال ابن عباس: فكانت
(1)
الأثر: 16120 - هذا مطول الأثر السالف ومختصره رقم: 16095، وقد شرحت إسناده هناك.

(2)
الأثران: 16121، 16122 - "الحسن بن محمد بن الحنفية" ، وقد سلف شرح إسناد هذا الخبر، كما سلف مختصرًا برقم: 16093، 16094.

(3)
"الكراع" (بضم الكاف) . اسم يجمع الخيل والسلاح.

الغنيمة تقسم على خمسة أخماس: أربعة بين من قاتل عليها، وخمس واحد يقسم على أربعة: لله وللرسول ولذي القربى= يعني: قرابة النبي صلى الله عليه وسلم = فما كان لله وللرسول فهو لقرابة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم من الخمس شيئًا. فلما قبض الله رسوله صلى الله عليه وسلم ردّ أبو بكر رضي الله عنه نصيبَ القرابة في المسلمين، فجعل يحمل به في سبيل الله، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا نورث، ما تركنا صدقا. (1)
16125- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: أنه سئل عن سهم ذي القربى فقال: كان طعمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما تُوُفي، حمل عليه أبو بكر وعمر في سبيل الله، صدقةً على رسول الله صلى الله عليه وسلم. (2)
* * *
وقال آخرون: سهم ذوي القربى من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مع سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى ولي أمر المسلمين.
* ذكر من قال ذلك:
16126 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا عمرو بن ثابت، عن عمران بن ظبيان، عن حُكَيم بن سعد، عن علي رضي الله عنه قال: يعطى كل إنسان نصيبه من الخمس، ويلي الإمام سهم الله ورسوله. (3)
(1)
الأثر: 16124 - مضى قبل صدره برقم: 16104، ومضى تخريجه هناك، وانظر أيضًا من تمامه رقم: 16129.

(2)
الأثر: 16125 - انظر ما سلف رقم: 16118، وما سيأتي 16127.

(3)
الأثر: 16126 - "عمران بن ظبيان الحنفي" ، فيه نظر، كان يميل إلى التشيع، وضعفه العقيلي، وابن عدي، مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 3 \ 1 \ 300، مضى برقم: 12100.

و "حكيم بن سعد الحنفي" ، "أبو تحيى" ، محله الصدق. مترجم في التهذيب، والكبير 2 \ 1 \ 87، وابن أبي حاتم 1 \ 2 \ 286.
و "حكيم" ، بضم الحاء، مصغرًا. و "تحيي" بكسر التاء.
16127 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: أنه سئل عن سهم ذوي القربى فقال: كان طعمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان حيًّا، فلما توفي جعل لولي الأمر من بعده. (1)
* * *
وقال آخرون: سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مردود في الخمس، والخمس مقسوم على ثلاثة أسهم: على اليتامى، والمساكين، وابن السبيل. وذلك قول جماعة من أهل العراق.
وقال آخرون: الخمس كله لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
* ذكر من قال ذلك:
16128 - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا عبد الغفار قال، حدثنا المنهال بن عمرو قال: سألت عبد الله بن محمد بن علي، وعلي بن الحسين عن الخمس فقالا هو لنا. فقلت لعلي: إن الله يقول: "واليتامى والمساكين وابن السبيل" ، فقالا يتامانَا ومساكيننا.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا، أن سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مردودٌ في الخمس، والخمس مقسوم على أربعة أسهم، على ما روي عن ابن عباس: للقرابة سهم، ولليتامى سهم، وللمساكين سهم، ولابن السبيل سهم، لأن الله أوجبَ الخمس لأقوام موصوفين بصفات، كما أوجب الأربعة الأخماس الآخرين. وقد أجمعوا أنّ حق الأربعة الأخماس لن يستحقه غيرهم، فكذلك حق أهل الخمس لن يستحقه غيرهم. فغير جائز أن يخرج عنهم إلى غيرهم، كما غير جائز أن تخرج بعض السهمان التي جعلها الله لمن سماه في كتابه بفقد بعض من يستحقه، إلى غير أهل السهمان الأخَر.
* * *
(1)
الأثر: 16127 - مضى بلفظه، برقم: 16118، وانظر ما سلف: 16125.

وأما "اليتامى" ، فهم أطفال المسلمين الذين قد هلك آباؤهم. (1)
و "المساكين" ، هم أهل الفاقة والحاجة من المسلمين. (2)
و "ابن السبيل" ، المجتاز سفرًا قد انقُطِع به، (3) كما:-
16129 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قال: الخمس الرابع لابن السبيل، وهو الضيف الفقير الذي ينزل بالمسلمين. (4)
* * *
القول في تأويل قوله: {إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنزلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: أيقنوا أيها المؤمنون، أنما غنمتم من شيء فمقسوم القسم الذي بينته، وصدِّقوا به إن كنتم أقررتم بوحدانية الله وبما أنزل الله على عبده محمد صلى الله عليه وسلم يوم فَرَق بين الحق والباطل ببدر، (5) فأبان فَلَج المؤمنين وظهورَهم على عدوهم، وذلك "يوم التقى الجمعان" ، جمعُ المؤمنين وجمعُ المشركين، والله على إهلاك أهل الكفر وإذلالهم بأيدي المؤمنين، وعلى غير ذلك مما يشاء = "قدير" ، لا يمتنع عليه شيء أراده. (6)
* * *
(1)
انظر تفسير "اليتامى" فيما سلف 7: 541، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "المساكين" فيما سلف 10: 544، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(3)
انظر تفسير "ابن السبيل" فيما سلف 8: 346، 347، تعليق: 1، والمراجع هناك.

وقوله: "انقطع به" بالبناء للمجهول، وهو إذا عجز عن سفره من نفقة ذهبت، أو عطبت راحلته، أو فنى زاده.
(4)
الأثر: 16129 - انظر ما سلف رقم: 16104، 16124، والتعليق عليهما.

(5)
انظر تفسير "الفرقان" فيما سلف ص: 487، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(6)
انظر تفسير "قدير" فيما سلف من فهارس اللغة (قدر) .



https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif


ابوالوليد المسلم 17-07-2025 04:56 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنفال
الحلقة (740)
صــ 561 إلى صــ 570





وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16130 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: "يوم الفرقان" ، يعني: ب "الفرقان" ، يوم بدر، فرَق الله فيه بين الحق والباطل.
16131 - حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. (1)
16132 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني الليث قال، حدثني عقيل، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير= وإسحاق قال، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن عروة بن الزبير= يزيد أحدهما على صاحبه= في قوله: "يوم الفرقان" ، يوم فرق الله بين الحق والباطل، وهو يوم بدر، وهو أوّل مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان رأسَ المشركين عُتبةُ بن ربيعة، فالتقوا يوم الجمعة لتسع عشرة ليلة مضت من شهر رمضان، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثمئة وبضعة عشر رجلا والمشركون ما بين الألف والتسعمئة. فهزم الله يومئذ المشركين، وقتل منهم زيادة على سبعين، وأسر منهم مثل ذلك.
16132م - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن مقسم: "يوم الفرقان" ، قال: يوم بدر، فرق الله بين الحق والباطل.
16133- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن عثمان الجزري، عن مقسم في قوله: "يوم الفرقان" ، قال: يوم
(1)
الأثر: 16131 - انظر هذا الخبر بنصه فيما سلف رقم: 125.

بدر، فرق الله بين الحق والباطل. (1)
16134 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "يوم الفرقان يوم التقى الجمعان" يوم بدر، و "بدر" ، بين المدينة ومكة.
16135 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثني يحيى بن يعقوب أبو طالب، عن أبي عون محمد بن عبيد الله الثقفي، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عبد الله بن حبيب قال: قال الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: كانت ليلة "الفرقان يوم التقى الجمعان" ، لسبع عشرة من شهر رمضان. (2)
16136 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: "يوم التقى الجمعان" ، قال ابن جريج، قال ابن كثير: يوم بدر.
16137 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: "وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان" ، أي: يوم فرقت بين الحق والباطل بقدرتي، (3) يوم التقى الجمعان منكم ومنهم. (4)
(1)
(1) الأثر: 16133 "عثمان الجزري" ، مضى برقم: 15968، وأنه غير "عثمان ابن عمرو بن ساج" . وأحاديثه مناكير.

(2)
الأثر: 16135 - "يحيى بن يعقوب بن مدرك الأنصاري" ، أبو طالب القاص، مترجم في الكبير 4 \ 2 \ 312، وابن أبي حاتم 4 \ 2 \ 198، ولسان الميزان 6: 282، وميزان الاعتدال 3: 306، قال البخاري: "منكر الحديث" ، وقال أبو حاتم: "محله الصدق، لم يرو شيئا منكرًا، وهو ثقة في الحديث، أدخله البخاري في كتاب الضعفاء" ، قال ابن أبي حاتم: "فسمعت أبي يقول: يحول من هناك" .

و "أبو عون" ، "محمد بن عبيد الله الثقفي" ، مضى مرارًا آخرها رقم: 15925، وكان في المطبوعة: "عن ابن عون، عن محمد بن عبد الله الثقفي" ، فأفسد الإسناد كل الإفساد، وكان في المخطوطة: "عن ابن عون، محمد بن عبيد الله الثقفي" ، وهو خطأ هين، صوابه ما أثبت.
(3)
في المطبوعة: "أي: يوم فرق بين الحق والباطل ببدر، أي: يوم التقى الجمعان" ، لعب بما في المخطوطة لعبًا، فأساء وجانب الأمانة. ولم يكن في المخطوطة من خطأ إلا أنه كتب "فرق" مكان "فرقت" . والذي أثبته نص المخطوطة، وسيرة ابن هشام.

(4)
الأثر: 16137 - سيرة ابن هشام 2: 328، وهو تابع الأثر السالف رقم: 16086.

16138 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان" ، وذاكم يوم بدر، يوم فرق الله بين الحق والباطل.
* * *
القول في تأويل قوله: {إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: أيقنوا، أيها المؤمنون، واعلموا أن قسم الغنيمة على ما بيَّنه لكم ربكم، إن كنتم آمنتم بالله وما أنزل على عبده يوم بدر، إذ فرق بين الحق والباطل من نصر رسوله= "إذ أنتم" ، حينئذ، "بالعدوة الدنيا" ، يقول: بشفير الوادي الأدنى إلى المدينة (1) = "وهم بالعدوة القصوى" ، يقول: وعدوكم من المشركين نزولٌ بشَفير الوادي الأقصى إلى مكة= "والركب أسفل منكم" ، يقول: والعير فيه أبو سفيان وأصحابه في موضع أسفل منكم إلى ساحل البحر.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16139 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: "إذ أنتم بالعدوة الدنيا" ، قال: شفير الوادي الأدنى، وهم بشفير الوادي الأقصى= "والركب أسفل منكم" ، قال: أبو سفيان وأصحابه، أسفلَ منهم.
(1)
"شفير الوادي" : ناحية من أعلاه، وهو حده وحرفه.

16140- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى" ، وهما شفير الوادي. كان نبيُّ الله بأعلى الوادي، والمشركون أسفلَه = "والركب أسفل منكم" ، يعني: أبا سفيان، [انحدر بالعير على حوزته] ، (1) حتى قدم بها مكة.
16141 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: "إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى" ، من الوادي إلى مكة= "والركب أسفل منكم" ، أي: عير أبي سفيان التي خرجتم لتأخذوها وخرجوا ليمنعوها، عن غير ميعاد منكم ولا منهم. (2)
16142 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: "والركب أسفل منكم" ، قال: أبو سفيان وأصحابه، مقبلون من الشأم تجارًا، لم يشعروا بأصحاب بدر، ولم يشعر محمد صلى الله عليه وسلم بكفار قريش، ولا كفار قريش بمحمد وأصحابه، حتى التقى على ماء بدر من يسقي لهم كلهم. (3) فاقتتلوا، (4) فغلبهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فأسروهم.
16143- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه.
16144- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
(1)
هكذا كتب هذه الجملة بين القوسين ناشر المطبوعة، ولا أدري ما هو. والذي في المخطوطة: "انخدم بالعير على حورمة" هكذا، ولم أستطع أن أجد لقراءتها وجهًا اطمئن غليه، ولم أجد الخبر في مكان آخر.

(2)
الأثر: 16141 - سيرة ابن هشام 2: 328، وهو تابع الأثر السالف رقم: 16137.

(3)
(3) في المطبوعة: "حتى التقيا" ، وأثبت ما في المخطوطة.

(4)
"فاقتتلوا" ، مكررة في المخطوطة مرتين، وأنا في ريب من هذه الجملة كلها.

16145 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: ذكر منازل القوم والعير فقال: "إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى" ، والركب: هو أبو سفيان (1) = "أسفل منكم" ، على شاطئ البحر.
* * *
واختلفت القرأة في قراءة قوله: "إذ أنتم بالعدوة" .
فقرأ ذلك عامة قرأة المدنيين والكوفيين: (بِالعُدْوَةِ) ، بضم العين.
* * *
وقرأه بعض المكيين والبصريين: (بِالعِدْوَةِ) ، بكسر العين.
* * *
قال أبو جعفر: وهما لغتان مشهورتان بمعنى واحد، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيبٌ، يُنْشَد بيت الراعي:
وَعَيْنَانِ حُمْرٌ مَآقِيهِمَا كَمَا نَظَرَ العِدْوَةَ الجُؤْذَرُ (2)
بكسر العين من "العدوة" ، وكذلك ينشد بيت أوس بن حجر:
وَفَارِس لَوْ تَحُلُّ الخَيْلُ عِدْوَتَهُ وَلَّوْا سِرَاعًا، وَمَا هَمُّوا بِإقْبَالِ (3)
* * *
القول في تأويل قوله: {وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولا}
قال أبو جعفر: يعنى تعالى ذكره: ولو كان اجتماعكم في الموضع الذي اجتمعتم فيه، أنتم أيها المؤمنون وعدوكم من المشركين، عن ميعاد منكم ومنهم، = "لاختلفتم في الميعاد" ، لكثرة عدد عدوكم، وقلة عددكم، ولكن الله جمعكم
(1)
في المطبوعة: "أبو سفيان وعيره" ، زاد ما ليس في المخطوطة.

(2)
لم أجد البيت في مكان آخر، وللراعي أبيات كثيرة مفرقة على هذا الوزن، كأنه منها.

(3)
من قصيدته في رثاء فضالة بن كلدة الأسدي، والبيت في منتهى الطلب، وليس في ديوانه، يقول قبله: أمْ مَلِعَادِيَةٍ تردِي مُلَمْلَمَةٍ ... كأنَّهَا عَارِضٌ في هَضْبِ أوْعالِ

لَهَا لَمَّا رأوك عَلَى نَهْدٍ مَرَاكِلُهُ ... يَسْعَى بِبزِّ كَمِيٍّ غَيْرِ مِعْزَالِ
وَفَارِسٍ لا يَحُلُّ القَوْمُ عُدْوَتَهُ ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وهذه أجود من روايته "لو تحل" ، فالنفي هنا حق الكلام.
على غير ميعاد بينكم وبينهم (1) = "ليقضي الله أمرًا كان مفعولا" ، وذلك القضاء من الله، (2) كان نصره أولياءه من المؤمنين بالله ورسوله، وهلاك أعدائه وأعدائهم ببدر بالقتل والأسر، كما:-
16146 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: "ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد" ، ولو كان ذلك عن ميعاد منكم ومنهم، ثم بلغكم كثرة عددهم وقلة عددكم، ما لقيتموهم= "ولكن ليقضي الله أمرًا كان مفعولا" ، أي: ليقضي الله ما أراد بقدرته، من إعزاز الإسلام وأهله، وإذلال الشرك وأهله، عن غير مَلأ منكم، (3) ففعل ما أراد من ذلك بلطفه. (4)
16147 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد:،أخبرني يونس بن شهاب قال، أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك: أن عبد الله بن كعب قال: سمعت كعب بن مالك يقول في غزوة بدر: إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون يريدون عِيَر قريش،
(1)
انظر تفسير "الميعاد" فيما سلف 6: 222

(2)
انظر تفسير "القضاء" فيما سلف 11: 267، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(3)
في المطبوعة: "عن غير بلاء" ، وفي سيرة ابن هشام، في أصل المطبوعة مثله، وهو كلام فاسد جدًا. وفي مخطوطة الطبري، ومخطوطات ابن هشام ومطبوعة أوربا،: "عن غير ملأ" ، كما أثبتها.

يقال: "ما كان هذا الأمر عن ملأ منا" ، أي: عن تشاور واجتماع. وفي حديث عمر حين طعن: "أكان هذا عن ملأ منكم؟" ، أي: عن مشاورة من أشرافكم وجماعتكم.
ثم غير ناشر المطبوعة الكلمة التي بعدها، كتب "فعل" ، مكان "ففعل" . وكل هذا عبث وذهاب ورع.
(4)
الأثر: 16146 - سيرة ابن هشام 2: 328، وهو تابع الأثر السالف رقم: 16141.

حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد. (1)
16148 - حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن ابن عون، عن عمير بن إسحاق قال: أقبل أبو سفيان في الركب من الشام، وخرج أبو جهل ليمنعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فالتقوا ببدر، ولا يشعر هؤلاء بهؤلاء، ولا هؤلاء بهؤلاء، حتى التقت السُّقَاة. قال: ونَهَدَ الناسُ بعضهم لبعض. (2)
* * *
(1)
الأثر: 16147 - "" عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري "، ثقة، روى عن أبيه. وروى عنه الزهري. كان أعلم قومه وأوعاهم. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 2 \ 2 \ 249."

و "عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري" ، ثقة، كان قائد أبيه حين عمى، روى عن أبيه. روى. روى عنه ابنه عبد الرحمن، وروى عنه الزهري. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 2 \ 2 \ 142.
وكان في المخطوطة: "إنما يخرج رسول الله" ، وهو جيد عربي. ولكنه في المراجع "إنما خرج" ، فأثبته كما في المطبوعة.
وهذا الخبر جزء من خبر كعب بن مالك، الطويل في امر غزوة تبوك، وما كان من تخلفه حتى تاب الله عليه.
ورواه أحمد في مسنده 3: 456، 457، 459 \ 6: 387.
ورواه البخاري في صحيحه (الفتح 8: 86) .
ورواه مسلم في صحيحه من هذه الطريق 17: 87.
(2)
الأثر: 16148 - "ابن عون" ، هو "عبد الله بن عون المزني" ، مضى مرارًا.

و "عمير بن إسحاق القرشي" ، لم يرو عنه غير ابن عون، متكلم فيه. مضى برقم: 7776.
وكان في المطبوعة: "عمر بن إسحاق" ، لم يحسن قراءة المخطوطة.
وقوله: "نهد الناس بعضهم لبعض" ، نهضوا إلى القتال. يقال: "نهد القوم إلى عدوهم، ولعدوهم" ، أي: صمدوا له وشرعوا في قتاله. و "نهدوا يسألونه" ، أي: شرعوا ونهضوا.
وكأن ناشر المطبوعة لم يفهمها أو لم يحسن قراءتها، فكتب مكان "نهد" : "نظر الناس ..." ، وهذا من طول عبثه بهذا النص الجليل، حتى ألف العبث واستمر عليه واستمرأه.
القول في تأويل قوله: {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولكن الله جمعهم هنالك، ليقضي أمرًا كان مفعولا= "ليهلك من هلك عن بينة" .
* * *
وهذه اللام في قوله: "ليهلك" مكررة على "اللام" في قوله: "ليقضي" ، كأنه قال: ولكن ليهلك من هلك عن بينة، جَمَعكم.
* * *
ويعني بقوله: "ليهلك من هلك عن بينة" ، ليموت من مات من خلقه، (1) عن حجة لله قد أثبتت له وقطعت عذره، وعبرة قد عاينها ورآها (2) = "ويحيا من حي عن بينة" ، يقول: وليعيش من عاش منهم عن حجة لله قد أُثبتت له وظهرت لعينه فعلمها، جمعنا بينكم وبين عدوكم هنالك.
* * *
وقال ابن إسحاق في ذلك بما:-
16149 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: "ليهلك من هلك عن بينة" ، [أي ليكفر من كفر بعد الحجة] ، (3) لما رأى من الآية والعبرة، (4) ويؤمن من آمن على مثل ذلك. (5)
* * *
(1)
انظر تفسير "هلك" فيما سلف ص: 149، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "بينة" فيما سلف من فهارس اللغة (بين) .

(3)
هذه الزيادة بين القوسين لا بد منها، أضفتها من سيرة ابن هشام.

(4)
في المطبوعة: "من الآيات والعبر" ، وفي المخطوطة: "من الآيات والعبرة" ، وأثبت الصواب من سيرة ابن هشام.

(5)
الأثر: 16149 - سيرة ابن هشام 2: 328، وهو تابع الأثر السالف رقم: 16146.

وأما قوله: "وإن الله لسميع عليم" ، فإن معناه: "وإن الله" ، أيها المؤمنون، = "لسميع" ، لقولكم وقول غيركم، حين يُري الله نبيه في منامه ويريكم، عدوكم في أعينكم قليلا وهم كثير، ويراكم عدوكم في أعينهم قليلا= "عليم" ، بما تضمره نفوسكم، وتنطوي عليه قلوبكم، حينئذ وفي كل حال. (1)
يقول جل ثناؤه لهم ولعباده: فاتقوا ربكم، (2) أيها الناس، في منطقكم: أن تنطقوا بغير حق، وفي قلوبكم: أن تعتقدوا فيها غيرَ الرُّشد، فإن الله لا يخفى عليه خافية من ظاهر أو باطن.
* * *
القول في تأويل قوله: {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (43) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وإن الله، يا محمد، سميع لما يقول أصحابك، عليم بما يضمرونه، إذ يريك الله عدوك وعدوهم "في منامك قليلا" ، يقول: يريكهم في نومك قليلا فتخبرهم بذلك، حتى قويت قلوبهم، واجترأوا على حرب عدوهم= ولو أراك ربك عدوك وعدوهم كثيرًا، لفشل أصحابك، فجبنوا وخاموا، (3) ولم يقدروا على حرب القوم، (4) ولتنازعوا في ذلك، (5) ولكن الله
(1)
انظر تفسير "سميع" و "عليم" فيما سلف من فهارس اللغة (سمع) ، (علم) .

(2)
في المطبوعة والمخطوطة: "واتقوا" بالواو، و "والفاء" ، هنا حق الكلام.

(3)
في المطبوعة: "فجبنوا وخافوا" ، غير ما في المخطوطة. يقال: "خام في القتال" ، إذا جبن، فنكل ونكص وتراجع.

(4)
انظر تفسير "فشل" فيما سلف 7: 168، 289.

(5)
انظر تفسير "التنازع" فيما سلف 7: 289 \ 8: 504.

سلمهم من ذلك بما أراك في منامك من الرؤيا، إنه عليم بما تُجنُّه الصدور، (1) لا يخفى عليه شيء مما تضمره القلوب. (2)
* * *
وقد زعم بعضهم أن معنى قوله: "إذ يريكهم الله في منامك قليلا" ، أي: في عينك التي تنام بها= فصيّر "المنام" ، هو العين، كأنه أراد: إذ يريكهم الله في عينك قليلا. (3)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16150 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "إذ يريكهم الله في منامك قليلا" ، قال: أراه الله إياهم في منامه قليلا فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك، فكان تثبيتًا لهم.
16151- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه.
16152-....وقال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
16153 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: "إذ يريكهم الله في منامك قليلا" ، الآية، فكان أول ما أراه من ذلك نعمةً من نعمه عليهم، شجعهم بها على عدوهم، وكفَّ بها ما تُخُوِّف عليهم من
(1)
في المطبوعة: "بما تخفيه الصدور" ، غير ما في المخطوطة بلا طائل، وهما بمعنى.

(2)
انظر تفسير "ذات الصدور" فيما سلف 7: 155، 325 \ 10: 94.

(3)
هو أبو عبيدة في مجاز القرآن 1: 247.

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif




ابوالوليد المسلم 17-07-2025 04:59 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنفال
الحلقة (741)
صــ 571 إلى صــ 580






ضعفهم، (1) لعلمه بما فيهم. (2)
* * *
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: "ولكن الله سلم" .
فقال بعضهم: معناه: ولكن الله سلم للمؤمنين أمرهم، حتى أظهرهم على عدوهم.
* ذكر من قال ذلك:
16154 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "ولكن الله سلم" ، يقول: سلم الله لهم أمرهم حتى أظهرهم على عدوهم.
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولكن الله سلم أمره فيهم.
* ذكر من قال ذلك:
16155 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور قال، حدثنا معمر، عن قتادة: "ولكن الله سلم" ، قال: سلم أمره فيهم.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بالصواب عندي ما قاله ابن عباس، وهو أن الله سلم القومَ = بما أرى نبيه صلى الله عليه وسلم في منامه = من الفشل
(1)
في المطبوعة: و "كفاهم بها ما تخوف ..." ، وفي المخطوطة: "وكعها عنهم ما تخوف" ، وصل الكلام، وأثبت نص ابن هشام. وضبطه الخشني بالبناء للمجهول.

وفي السيرة، بعد تمام الكلام،: "قال ابن هشام: (تخوف) ، مبدلة من كلمة ذكرها ابن إسحاق، ولم أذكرها" . فجاء أبو ذر الخشني في تعليقه على السيرة فقال: "يقال الكلمة: (تخوف) ، بفتح التاء والخاء والواو، وقيل: كانت (تخوفت) وأصلح ذلك ابن هشام، لشناعة اللفظ في حق الله عز وجل" .
وهذا لا يقال، لأن ابن هشام يصرح بأنه نسيها ولم يذكرها، فأبدل منها غيرها، فهو لم يغير ذلك إلا علة النسيان.
(2)
الأثر: 16153 - سيرة ابن هشام 2: 328، وهو تابع الأثر السالف رقم: 16149.

والتنازع، حتى قويت قلوبهم، واجترأوا على حرب عدوهم. وذلك أن قوله: "ولكن الله سلم" عَقِيب قوله: "ولو أراكهم كثيرًا لفشلتم ولتنازعتم في الأمر" ، فالذي هو أولى بالخبر عنه، أنه سلمهم منه جل ثناؤه، ما كان مخوفًا منه لو لم يُرِ نبيه صلى الله عليه وسلم من قلة القوم في منامه.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ (44) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: "وإن الله لسميع عليم" = إذ يري الله نبيه في منامه المشركين قليلا وإذ يريهم الله المؤمنين إذ لقوهم في أعينهم قليلا وهم كثير عددهم، ويقلل المؤمنين في أعينهم، ليتركوا الاستعداد لهم، فتهون على المؤمنين شوكتهم، كما:-
16156 - حدثني ابن بزيع البغدادي قال، حدثنا إسحاق بن منصور، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله قال: لقد قلِّلوا في أعيننا يوم بدر، حتى قلت لرجل إلى جنبي: تراهم سبعين؟ قال: أراهم مئة قال: فأسرنا رجلا منهم فقلنا: كم هم؟ قال: ألفًا. (1)
16157- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا إسرائيل، عن أبى إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله بنحوه.
(1)
الأثر: 16156 - "ابن بزيع البغدادي" ، هو "محمد بن عبد الله بن بزيع البغدادي" ، من شيوخ مسلم، مضى برقم: 2451، 3130، 10239.

وكان في المطبوعة: "كنا ألفًا" ، زاد "كنا" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب محض.
16158 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: "وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا" ، قال ابن مسعود: قللوا في أعيننا، حتى قلت لرجل: أتُرَاهم يكونون مئة؟
16159 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: قال ناس من المشركين: إن العيرَ قد انصرفت فارجعوا. فقال أبو جهل: الآن إذ برز لكم محمد وأصحابه! فلا ترجعوا حتى تستأصلوهم. وقال: يا قوم لا تقتلوهم بالسلاح، ولكن خذوهم أخذًا، فاربطوهم بالحبال! = يقوله من القدرة في نفسه.
* * *
وقوله: "ليقضي الله أمرًا كان مفعولا" ، يقول جل ثناؤه: قلّلتكم أيها المؤمنون، في أعين المشركين، وأريتكموهم في أعينكم قليلا حتى يقضي الله بينكم ما قضى من قتال بعضكم بعضًا، وإظهاركم، أيها المؤمنون، على أعدائكم من المشركين والظفر بهم، لتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى. وذلك أمرٌ كان الله فاعلَه وبالغًا فيه أمرَه، كما:-
16160 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: "ليقضي الله أمرا كان مفعولا" ، أي: ليؤلف بينهم على الحرب، للنقمة ممن أراد الانتقام منه، والإنعام على من أراد إتمام النعمة عليه من أهل ولايته. (1)
* * *
= "وإلى الله ترجع الأمور" ، يقول جل ثناؤه: مصير الأمور كلها إليه في الآخرة، فيجازي أهلها على قدر استحقاقهم المحسنَ بإحسانه، والمسيءَ بإساءته.
* * *
(1)
الأثر: 16160 - سيرة ابن هشام 2: 328، وهو تابع الأثر السالف رقم: 16153.

القول في تأويل قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) }
قال أبو جعفر: وهذا تعريفٌ من الله جل ثناؤه أهل الإيمان به، السيرةَ في حرب أعدائه من أهل الكفر به، والأفعالَ التي يُرْجَى لهم باستعمالها عند لقائهم النصرة عليهم والظفر بهم. ثم يقول لهم جل ثناؤه: "يا أيها الذين آمنوا" ، صدقوا الله ورسوله = إذا لقيتم جماعة من أهل الكفر بالله للحرب والقتال، (1) فاثبتوا لقتالهم، ولا تنهزموا عنهم ولا تولوهم الأدبار هاربين، إلا متحرفًا لقتال أو متحيزًا إلى فئة منكم= "واذكروا الله كثيرًا" ، يقول: وادعوا الله بالنصر عليهم والظفر بهم، وأشعروا قلوبكم وألسنتكم ذكره= "لعلكم تفلحون" ، يقول: كيما تنجحوا فتظفروا بعدوكم، ويرزقكم الله النصرَ والظفر عليهم، (2) كما:-
16161 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون" ، افترضَ الله ذكره عند أشغل ما تكونون، عند الضِّراب بالسيوف.
16162 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة عن ابن إسحاق: "يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة" ، يقاتلونكم في سبيل الله= "فاثبتوا واذكروا الله كثيرًا" ، اذكروا الله الذي بذلتم له أنفسكم والوفاء بما أعطيتموه من بيعتكم= "لعلكم تفلحون" . (3)
* * *
(1)
انظر تفسير "فئة" فيما سلف ص: 455، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "الفلاح" فيما سلف ص: 169، تعليق 2، والمراجع هناك.

(3)
الأثر: 16162 - سيرة ابن هشام 2: 329، وهو تابع الأثر السالف رقم: 1616.

القول في تأويل قوله: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمؤمنين به: أطيعوا، أيها المؤمنون، ربَّكم ورسوله فيما أمركم به ونهاكم عنه، ولا تخالفوهما في شيء = "ولا تنازعوا فتفشلوا" ، يقول: ولا تختلفوا فتفرقوا وتختلف قلوبكم (1) = "فتفشلوا" ، يقول: فتضعفوا وتجبنوا، (2) = "وتذهب ريحكم" .
* * *
وهذا مثلٌ. يقال للرجل إذا كان مقبلا ما يحبه ويُسَرّ به (3) "الريح مقبلةٌ عليه" ، يعني بذلك: ما يحبه، ومن ذلك قول عبيد بن الأبرص:
كَمَا حَمَيْنَاكَ يَوْمَ النَّعْفِ مِنْ شَطَبٍ وَالفَضْلُ لِلقَوْمِ مِنْ رِيحٍ وَمِنْ عَدَدِ (4)
(1)
انظر تفسير "التنازع" فيما سلف ص: 569، تعليق: 5، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "الفشل" ص: 569، تعليق: 4، والمراجع هناك.

(3)
في المطبوعة: "مقبلا عليه ما يحبه" ، زاد "عليه" ، وليست في المخطوطة.

(4)
ديوانه: 49، من أبيات قبله، يقول: دَعَا مَعَاشِرَ فَاسْتَكَّتْ مَسَامِعُهُمْ ... يَا لَهْفَ نَفْسِي لَوْ تَدْعُو بَني أَسَدٍ

لا يَدَّعُونَ إذَا خَامَ الكُمَاةُ ولا ... إذَا السُّيُوفُ بِأَيْدِي القَوْمِ كالْوَقْدِ
لَوْ هُمْ حُمَاتُكَ بالمحْمَى حَمَوْكَ وَلَمْ ... تُتْرَكْ لِيَوْمٍ أقَامَ النَّاسَ في كَبَدِ
كَمَا حَمَيْنَاكَ. . . . . . . . . . ... . . . . . . . . . . . . . . .. . . . .
والبيت الثاني من هذه الأبيات جاء في مخطوطة الديوان: "لا يدَّعوا إذا حام الكماة ولا إذا.." ، فصححه الناشر المستشرق "تدعوا إذن حامي الكماة لا كسلا" ، فجاء بالغثاثة كلها في شطر واحد. فيصحح كما أثبته. ويعني بقوله: "لا يدعون إذا خام الكماة" ، أي: لا يتنادون بترك الفرار، و "خام" نكص، كما قال الآخر: تَنَادَوْا: يَا آلَ عَمْروٍ لا تَفِرُّوا! ... فَقُلْنَا: لا فِرَارَ ولا صُدُودَا
و "النعف" ، ما انحدر من حزونة الجبل. و "شطب" جبل في ديار بني أسد.
يعني: من البأس والكثرة. (1)
* * *
وإنما يراد به في هذا الموضع: وتذهب قوتكم وبأسكم، فتضعفوا ويدخلكم الوهن والخلل.
* * *
= "واصبروا" ، يقول: اصبروا مع نبيّ الله صلى الله عليه وسلم عند لقاء عدوكم، ولا تنهزموا عنه وتتركوه = "إن الله مع الصابرين" ، يقول: اصبروا فإني معكم. (2)
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16163- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: "وتذهب ريحكم" ، قال: نصركم. قال: وذهبت ريحُ أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، (3) حين نازعوه يوم أحد.
16164- حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "وتذهب ريحكم" ، فذكر نحوه.
16165- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، نحوه= إلا أنه قال: ريح أصحاب محمد حين تركوه يوم أحد.
16166 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم" ، قال:
(1)
في المخطوطة: "من الناس" ، والصواب ما في المطبوعة.

(2)
انظر تفسير "مع" فيما سلف ص: 455، تعليق: 4، المراجع هناك.

(3)
في المطبوعة: "أصحاب رسول الله" ، وأثبت ما في المخطوطة.

حَدُّكم وجِدُّكم. (1)
16167 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "وتذهب ريحكم" ، قال: ريح الحرب.
16168 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "وتذهب ريحكم" ، قال: "الريح" ، النصر، لم يكن نصر قط إلا بريح يبعثها الله تضرب وجوه العدو، فإذا كان ذلك لم يكن لهم قِوَام.
16169 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: "ولا تنازعوا فتفشلوا" ، أي: لا تختلفوا فيتفرق أمركم= "وتذهب ريحكم" ، فيذهب حَدُّكم (2) = "واصبروا إن الله مع الصابرين" ، أي: إني معكم إذا فعلتم ذلك. (3)
16170 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، في قوله: "ولا تنازعوا فتفشلوا" ، قال: الفشل، الضعف عن جهاد عدوه والانكسار لهم، فذلك "الفشل" .
(1)
في المطبوعة: "حربكم وجدكم" ، وهي في المخطوطة توشك أن تقرأ كما قرأها، ولكن الكتابة تدل على أنه أراد "حدكم" ، و "الحد" بأس الرجل ونفاذه في نجدته. يقال: "فلان ذو حد" ، أي بأس ونجدة. ولو قرئت: "وحدتكم" ، كان صوابًا، "الحد" ، و "الحدة" (بكسر الحاء) ، واحد. وانظر التعليق التالي.

(2)
في المطبوعة: "جدكم" ، بالجيم، والصواب ما في سيرة ابن هشام، وفيها "حدتكم" ، وفي مخطوطاتها "حدكم" ، وهما بمعنى، كما أسلفت في التعليق قبله.

(3)
الأثر: 16169 - سيرة ابن هشام 2: 329، وهو تابع الأثر السالف رقم: 16162.

* * *
القول في تأويل قوله: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47) }
قال أبو جعفر: وهذا تقدُّمٌ من الله جل ثناؤه إلى المؤمنين به وبرسوله، أن لا يعملوا عملا إلا لله خاصة، وطلب ما عنده، لا رئاء الناس، كما فعل القوم من المشركين في مسيرهم إلى بدر طلبَ رئاء الناس. وذلك أنهم أخبروا بفَوْت العِير رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، (1) وقيل لهم: "انصرفوا فقد سلمت العير التي جئتم لنصرتها!" ، فأبوا وقالوا: "نأتي بدرًا فنشرب بها الخمر، وتعزف علينا القِيان، وتتحدث بنا العرب فيها" ، (2) فَسُقوا مكان الخمر كؤوس المنايا، كما-
16171 - حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد قال، حدثني أبي قال، حدثنا أبان قال، حدثنا هشام بن عروة، عن عروة قال: كانت قريش قبل أن يلقاهم النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر، قد جاءهم راكب من أبي سفيان والركب الذين معه: إنا قد أجزنا القوم، وأن ارجعوا. (3) فجاء الركب الذين بعثهم أبو سفيان الذين يأمرون قريشًا بالرجعة بالجُحفة، فقالوا: "والله لا نرجع حتى ننزل بدرًا، فنقيم فيه ثلاث ليالٍ، ويرانا من غَشِينا من أهل الحجاز، فإنه لن يرانا أحد من العرب وما جمعنا فيقاتلنا" . وهم الذين قال الله: "الذين خرجوا من ديارهم بطرًا ورئاء الناس" ، والتقوا هم والنبيّ صلى الله عليه وسلم، ففتح الله على رسوله، وأخزى أئمة الكفر،
(1)
في المخطوطة: "بقرب العير" ، والصواب ما في المطبوعة.

(2)
في المطبوعة: "وتتحدث بنا العرب لمكاننا فيها" ، زاد ما ليس في المخطوطة.

(3)
في المطبوعة: "فارجعوا" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو مطابق لما في التاريخ.

وشفى صدور المؤمنين منهم. (1)
16172 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثني ابن إسحاق = في حديث ذكره = قال، حدثني محمد بن مسلم، وعاصم بن عمر، (2) وعبد الله بن أبي بكر، ويزيد بن رومان، عن عروة بن الزبير وغيره من علمائنا، عن ابن عباس قال: لما رأى أبو سفيان أنه أحرز عِيره، أرسل إلى قريش: إنكم إنما خرجتم لتمنعوا عيركم ورجالكم وأموالكم، فقد نجاها الله، فارجعوا! فقال أبو جهل بن هشام: والله لا نرجع حتى نرد بدرًا = وكان "بدر" موسمًا من مواسم العرب، يجتمع لهم بها سوق كل عام = فنقيم عليه ثلاثًا، وننحر الجُزُر، ونطعم الطعام، ونسقي الخمور، وتعزف علينا القيان، وتسمع بنا العرب، فلا يزالون يهابوننا أبدًا، فامضوا. (3)
16173 - قال ابن حميد حدثنا سلمة قال، قال ابن إسحاق: "ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرًا ورئاء الناس" ، أي: لا تكونوا كأبي جهل وأصحابه الذين قالوا: "لا نرجع حتى نأتي بدرًا، وننحر الجزر، ونسقي بها الخمر، وتعزف علينا القيان، وتسمع بنا العرب، فلا يزالون يهابوننا" ، أي: لا يكونن أمركم رياءً ولا سمعة، ولا التماس ما عند الناسَ، وأخلصوا لله النية والحِسْبة في نصر دينكم، وموازرة نبيكم، أي: لا تعملوا إلا لله، ولا تطلبوا غيره. (4)
16174 - حدثني محمد بن عمارة الأسدي قال، حدثنا عبيد الله بن موسى قال، أخبرنا إسرائيل= وحدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال،
(1)
الأثر: 16171 - هذا من كتاب عروة بن الزبير إلى عبد الملك بن مروان، الذي خرجته آنفًا من تاريخ الطبري مجموعًا برقم: 16083. وهذا القسم في تاريخ الطبري 2: 269.

(2)
في المطبوعة والمخطوطة: "عاصم بن عمرو" ، وهو خطأ، إنما هو "عاصم بن عمر بن قتادة) ، سلف مرارًا، وانظر سيرة ابن هشام 2: 257."

(3)
الأثر: 16172 - سيرة ابن هشام 2: 270، وتاريخ الطبري 2: 276، من أثر طويل.

(4)
الأثر: 16173 - سيرة ابن هشام 2: 329، وهو تابع الأثر السالف رقم: 16169. وفي لفظه اختلاف يسير.

حدثنا إسرائيل= عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "الذين خرجوا من ديارهم بطرًا ورئاء الناس" ، قال: أصحاب بدر.
16175- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: "بطرًا ورئاء الناس" ، قال: أبو جهل وأصحابه يوم بدر.
16176- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد مثله= قال ابن جريج، وقال عبد الله بن كثير: هم مشركو قريش، وذلك خروجهم إلى بدر.
16177 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: "ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرًا ورئاء الناس" ، يعني: المشركين الذي قاتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر.
16178 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: "خرجوا من ديارهم بطرًا ورئاء الناس" ، قال: هم قريش وأبو جهل وأصحابه، الذين خرجوا يوم بدر.
16179 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرًا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط" ، قال: كان مشركو قريش الذين قاتلوا نبي الله يوم بدر، خرجوا ولهم بَغْي وفخر. وقد قيل لهم يومئذ: "ارجعوا، فقد انطلقت عيركم، وقد ظفرتم" . قالوا: "لا والله، حتى يتحدث أهل الحجاز بمسيرنا وعددنا!" . قال: وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال يومئذ: "اللهم إنّ قريشًا أقبلت بفخرها وخيلائها لتحادَّك ورسولك" !
16180 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال،
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif




ابوالوليد المسلم 17-07-2025 05:06 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 





حدثنا أسباط، عن السدي قال: ذكر المشركين وما يُطعِمُون على المياه فقال: "ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله" .
16181 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: "الذين خرجوا من ديارهم بطرًا" ، قال: هم المشركون، خرجوا إلى بدر أشرًا وبطرًا.
16182 - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو معشر، عن محمد بن كعب القرظي قال: لما خرجت قريش من مكة إلى بدر، خرجوا بالقيان والدفوف، فأنزل الله: "ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرًا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط" .
* * *
قال أبو جعفر: فتأويل الكلام إذًا: ولا تكونوا، أيها المؤمنون بالله ورسوله، في العمل بالرياء والسمعة، وترك إخلاص العمل لله، واحتساب الأجر فيه، كالجيش من أهل الكفر بالله ورسوله الذين خرجوا من منازلهم بطرًا ومراءاة الناس بزّيهم وأموالهم وكثرة عددهم وشدة بطانتهم (1) = "ويصدون عن سبيل الله" ، يقول: ويمنعون الناس من دين الله والدخول في الإسلام، بقتالهم إياهم، وتعذيبهم من قدروا عليه من أهل الإيمان بالله (2) = "والله بما يعملون" ، من الرياء والصدِّ عن سبيل الله، وغير ذلك من أفعالهم= "محيط" ، يقول: عالم بجميع ذلك، لا يخفى عليه منه شيء، وذلك أن الأشياء كلها له متجلّية، لا يعزب عنه منها شيء، فهو لهم بها معاقب، وعليها معذِّب. (3)
(1)
انظر تفسير "الرئاء" فيما سلف 5: 521، 522 8: 356 / 9: 331.

(2)
انظر تفسير "الصد" فيما سلف ص: 529، تعليق 2، والمراجع هناك.

وتفسير "سبيل الله" فيما سلف من فهارس اللغة (سبل) .
(3)
انظر تفسير "محيط" فيما سلف 9: 252، تعليق: 3، والمراجع هناك.

القول في تأويل قوله: {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (48) }
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: (وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم) ، وحين زين لهم الشيطان أعمالهم، وكان تزيينه ذلك لهم، (1) كما:-
16183- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قال: جاء إبليس يوم بدر في جُنْد من الشياطين، معه رايته، في صورة رجل من بني مُدلج، والشيطان في صورة سراقة بن مالك بن جعشم، (2) فقال الشيطان للمشركين: (لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم) . فلما اصطف الناس، أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبضةً من التراب فرمى بها في وجوه المشركين، فولَّوا مدبرين. وأقبل جبريل إلى إبليس، فلما رآه، وكانت يده في يد رجل من المشركين، انتزع. إبليس يده فولَّى مدبرًا هو وشيعته، فقال الرجل: يا سراقة، تزعم أنك لنا جار؟ قال: (إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب) ، وذلك حين رأى الملائكة.
(1)
انظر تفسير "زين" فيما سلف 12: 136، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(2)
في المطبوعة، حذف قوله: "والشيطان" ، وساق الكلام سياقًا واحدًا.

16184- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا، أحمد بن المفضل قال: حدثنا أسباط، عن السدي قال: أتى المشركين إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم الكنانيّ الشاعر، ثم المدلجي، فجاء على فرس، فقال للمشركين: (لا غالب لكم اليوم من الناس) ! فقالوا: ومن أنت؟ قال: أنا جاركم سراقة، وهؤلاء كنانة قد أتوكم!
16185- حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة قال، قال ابن إسحاق، حدثني يزيد بن رومان، عن عروة بن الزبير قال: لما أجمعت قريش المسير، ذكرت الذي بينها وبين بني بكر =يعني من الحرب= فكاد ذلك أن يثنيهم، (1) فتبدّى لهم إبليس في صورة سراقة [بن مالك] بن جعشم المدلجيّ، وكان من أشراف بني كنانة، فقال: "أنا جار لكم من أن تأتيكم كنانة [من خلفكم بشيء] تكرهونه" ! فخرجوا سراعا. (2)
16186- حدثنا ابن حميد قال: حدثنا سلمة قال، قال ابن إسحاق في قوله: (وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم) ، فذكر استدراج إبليس إياهم، وتشبهه بسراقة بن مالك بن جعشم لهم، (3) حين ذكروا ما بينهم وبين بني بكر بن عبد مناة بن كنانة في الحرب التي كانت بينهم، (4) يقول الله: (فلما تراءت الفئتان) ، ونظر عدوّ الله إلى جنود الله من الملائكة قد أيَّد الله بهم رسوله والمؤمنين على عدوهم = (نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون) ، وصدق عدوّ الله، إنه رأى ما لا يرون= وقال: (إني أخاف الله والله شديد العقاب) ، فأوردهم ثم أسلمهم.
(1)
في المطبوعة: "أن يثبطهم" ، غير ما في المخطوطة، وهو مطابق لما في السيرة.

(2)
الأثر: 16185 - سيرة ابن هشام 2: 263، والزيادة بين الأقواس منها.

(3)
في المطبوعة، حذف "لهم" ، وهي ثابتة في المخطوطة وسيرة ابن هشام.

(4)
في المطبوعة: "من الحرب" ، غير ما في المخطوطة، وهو مطابق لما في سيرة ابن هشام. والناشر كما تعلم وترى، كثير العبث بكلام أهل العلم.

قال: فذكر لي أنهم كانوا يرونه في كل منزل في صورة سراقة بن مالك بن جعشم لا ينكرونه. حتى إذا كان يوم بدر والتقى الجمعان، كان الذي رآه حين نكص: "الحارث بن هشام" أو: "عمير بن وهب الجمحي" ، فذُكر أحدهما، فقال: أينَ، أيْ سُرَاقَ! (1) ومثَل عدوُّ الله فذهب. (2) "
16187- حدثنا بشر بن معاذ قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم) ، إلى قوله: (شديد العقاب) ، قال: ذُكر لنا أنه رأى جبريل تنزل معه الملائكة، فزعم عدو الله أنه لا يَدَيْ له بالملائكة، وقال: (إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله) ، وكذب والله عدو الله، ما به مخافة الله، ولكن علم أن لا قوة له ولا منعة له، وتلك عادة عدو الله لمن أطاعه واستقاد له، (3) حتى إذا التقى الحق والباطل أسلمهم شر مُسْلَم، (4) وتبرأ منهم عند ذلك.
16188- حدثني القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: (وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم) الآية، قال: لما كان يوم بدر، سار إبليس برايته وجنوده مع المشركين، وألقى في قلوب المشركين: أنّ أحدًا لن يغلبكم، وإني جار لكم! فلما التقوا، ونظر الشيطان إلى أمداد الملائكة، نكص على عقبيه =قال: رجع مدبرًا= وقال: (إني أرى ما لا ترون) ، الآية.
16189- حدثنا أحمد بن الفرج قال، حدثنا عبد الملك بن عبد العزيز
(1)
هذه الجملة والتي تليها غيرها الناشر كل التغير، فكتب: "فقال: أين سراقة! أسلمنا عدو الله وذهب" . والذي في المخطوطة مطابق لما في سيرة ابن هشام ". وقوله:" مثل "، أي: انتصب ونهض."

(2)
الأثر: 16186 - سيرة ابن هشام 2: 318، 319، وأخر صدر الخبر فجعله في آخره. وهذا الخبر لم يروه ابن هشام في سياق تفسير هذه الآيات في سيرته 2: 329، تابعًا للأثر السالف رقم: 16173، بل ذكر الآية ثم قال: "وقد مضى تفسير هذه الآية" .

(3)
في المطبوعة: "واستعاذ به" ، غير ما في المخطوطة بسوء أمانته ورأيه. و "استقاد له" ، انقاد له وأطاعه.

(4)
"مسلم" (بضم فسكون ففتح) مصدر ميمي، بمعنى "الإسلام" .

بن الماجشون قال، حدثنا مالك، عن إبراهيم بن أبي عبلة، عن طلحة بن عبيد الله بن كريز: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما رؤي إبليس يومًا هو فيه أصغرُ، ولا أحقرُ، ولا أدحرُ، ولا أغيظُ من يوم عرفة، وذلك مما يرى من تنزيل الرحمة والعفو عن الذنوب، إلا ما رأى يوم بدر! قالوا: يا رسول الله، وما رأى يوم بدر؟ قال: "أما إنه رأى جبريل يَزَعُ الملائكة. (1) "
16190- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال: حدثنا سليمان بن المغيرة، عن حميد بن هلال، عن الحسن في قوله: (إني أرى ما لا ترون) قال: رأى جبريل معتجرًا ببُرْدٍ، (2) يمشي بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، وفي يده اللجام، ما رَكبَ.
16191- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا هاشم بن القاسم قال، حدثنا سليمان بن المغيرة، عن حميد بن هلال قال: قال الحسن، وتلا هذه الآية: (وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم) الآية، قال: سار إبليس مع المشركين ببدر برايته وجنوده، وألقى في قلوب المشركين أن أحدًا لن يغلبكم وأنتم تقاتلون على دين
(1)
الأثر: 16189 - رواه مالك في الموطأ: 422، بنحو هذا اللفظ، وانظر التقصي لابن عبد البر: 12، 13.

"أحمد بن الفرج بن سليمان الحمصي" ، شيخ الطبري، مضى برقم: 6899، 15377. و "عبد الملك بن عبد العزيز بن الماجشون التيمي" ، فقيه المدينة ومفتيها في زمانه، وهو فقيه ابن فقيه، وهو ضعيف الحديث. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 2 \ 2 \ 358.
و "إبراهيم بن أبي عبلة الرملي" ، مضى برقم: 11014.
و "طلحة بن عبيد الله بن كريز بن جابر الكعبي" ، كان قليل الحديث، مضى برقم: 15585.
هذا خبر مرسل.
وقوله: "يزع الملائكة" ، أي: يرتبهم ويسويهم، ويصفهم للحرب، فكأنه يكفهم عن التفرق والانتشار، و "الوازع" ، هو المقدم على الجيش، الموكل بالصفوف وتدبير أمرهم، وترتيبهم في قتال العدو. من قولهم: "وزعه" ، أي: كفه وحبسه عن فعل أو غيره.
(2)
"الاعتجار" ، هو لف العمامة على استدارة الرأس، من غير إدارة تحت الحنك. وإدارتها تحت الحنك هو "التلحي" (بتشديد الحاء) .

آبائكم، (1) ولن تغلبوا كثرةً! فلما التقوا نكص على عقبيه =يقول: رجع مدبرًا= وقال: (إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون) ، يعني الملائكة.
16192- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو معشر، عن محمد بن كعب قال: لما أجمعت قريش على السير قالوا: إنما نتخوف من بني بكر! فقال لهم إبليس، في صورة سراقة بن مالك بن جعشم: أنا جار لكم من بني بكر، ولا غالب لكم اليوم من الناس.
* * *
قال أبو جعفر: فتأويل الكلام: (وإن الله لسميع عليم) ، في هذه الأحوال =وحين زين لهم الشيطان خروجهم إليكم، أيها المؤمنون، لحربكم وقتالكم وحسَّن ذلك لهم وحثهم عليكم، وقال لهم: لا غالب لكم اليوم من بني آدم، فاطمئنوا وأبشروا = (وإني جار لكم) ، من كنانة أن تأتيكم من ورائكم فمعيذكم، (2) أجيركم وأمنعكم منهم، فلا تخافوهم، واجعلوا حدَّكم وبأسكم على محمد وأصحابه (3) = (فلما تراءت الفئتان) ، يقول: فلما تزاحفت جنود الله من المؤمنين وجنود الشيطان من المشركين، ونظر بعضهم إلى بعض= (نكص على عقبيه) ، يقول: رجع القهقري على قفاه هاربًا. (4)
* * *
يقال منه: "نكص ينكُص وينكِص نكوصًا" ، ومنه قول زهير:
هُمْ يَضْرِبُونَ حَبِيكَ البَيْضِ إِذْ لَحِقُوا لا يَنْكُصُون، إِذَا مَا اسْتُلْحِمُوا وَحَمُوا (5)
(1)
في المطبوعة: "لن يغلبكم" ، وأثبت ما في المخطوطة.

(2)
في المطبوعة: "فيغيركم" ، ومثلها في المخطوطة غير منقوطة، وهذا صواب قراءتها بعد إصلاح فسادها.

(3)
في المطبوعة: "جدكم" بالجيم، وانظر ما سلف ج 13 ص: 577، تعليق: 1.

(4)
انظر تفسير "العقب" فيما سلف 3: 163 \ 11: 450.

(5)
ديوانه: 159، من قصيدته في هرم بن سنان، وهي من جياد شعره. و "حبيك البيض" ، طرائق حديده. و "البيض" جمع "بيضة" ، هي الخوذة من سلاح المحارب، على شكل بيضة النعام، يلبسها الفارس على رأسه لتقيه ضرب السيوف والرماح. و "استلحم الرجل" (بالبناء للمجهول) : إذا نشب في ملحمة القتال، فلم يجد مخلصًا. وقوله: "وحموا" ، من قولهم: "حمى من الشيء حمية ومحمية" ، إذا فارت نفسه وغلت، وأنف أن يقبل ما يراد به من ضيم، ومنه: "أنف حمى" .

وقال للمشركين: (إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون) ، يعني أنه يرى الملائكة الذين بعثهم الله مددًا للمؤمنين، والمشركون لا يرونهم (1) = إني أخاف عقاب الله، وكذب عدوُّ الله= (والله شديد العقاب) . (2)
القول في تأويل قوله: {إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (وإن الله لسميع عليم) ، في هذه الأحوال = (وإذ يقول المنافقون) ، وكرّ بقوله: (إذ يقول المنافقون) ، على قوله: (إذ يريكهم الله في منامك قليلا) = (والذين في قلوبهم مرض) ، يعني: شك في الإسلام، لم يصحَّ يقينهم، ولم تُشرح بالإيمان صدورهم (3) = (غر هؤلاء دينهم) ، يقول: غر هؤلاء الذين يقاتلون المشركين من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم من أنفسهم، دينُهم (4) = وذلك الإسلام.
* * *
وذُكر أن الذين قالوا هذا القول، كانوا نفرًا ممن كان قد تكلم بالإسلام من مشركي قريش، ولم يستحكم الإسلام في قلوبهم.
(1)
انظر تفسير "بريء" فيما سلف من فهارس اللغة (برأ) .

(2)
انظر تفسير "شديد العقاب" فيما سلف من فهارس اللغة (عقب) .

(3)
انظر تفسير "مرض" فيما سلف 1: 278 - 281 \ 10: 404.

(4)
انظر تفسير "الغرور" فيما سلف 12: 475، تعليق: 1، والمراجع هناك.

* ذكر من قال ذلك:
16193- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا داود، عن عامر في هذه الآية: (إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم) ، قال: كان ناسٌ من أهل مكة تكلموا بالإسلام، فخرجوا مع المشركين يوم بدر، فلما رأوا قلة المسلمين قالوا: (غر هؤلاء دينهم) .
16194- حدثني إسحاق بن شاهين قال، حدثنا خالد، عن داود، عن عامر، مثله. (1)
16195- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا يحيى بن زكريا، عن ابن جريج، عن مجاهد في قوله: (إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غرّ هؤلاء دينهم) ، قال: فئة من قريش: أبو قيس بن الوليد بن المغيرة، (2) وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة، والحارث بن زمعة بن الأسود بن المطلب، وعلي بن أمية بن خلف، والعاصي بن منبّه بن الحجاج; خرجوا مع قريش من مكة وهم على الارتياب، فحبسهم ارتيابهم. فلما رأوا قلة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: (غرّ هؤلاء دينهم) ، حتى قدموا على ما قدموا عليه، مع قلة عددهم وكثرة عدوهم، فشرَّد بهم من خلفهم. (3)
16196- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن
(1)
الأثر: 16194 - "إسحاق بن شاهين الواسطي" ، شيخ الطبري مضى برقم: 7211، 9788. وكان في المخطوطة "أبو إسحاق بن شاهين" ، وهو خطأ، صوابه ما في المطبوعة. وكنيته "أبو بشر" .

(2)
مكان "أبو قيس بن" ، بياض في المخطوطة، وفوق البياض حرف (ط) دلالة على الخطأ، وبعدها "الوليد بن المغيرة" ، فكتب ناشر المطبوعة: "قيس بن الوليد بن المغيرة" ، وأخطأ، إنما هو "أبو قيس بن الوليد" ، وهو الذي شهد بدرًا، وقتله حمزة بن عبد المطلب. فأثبته. والظاهر أن البياض لا يراد به إلا هذا الذي أثبته، لا زيادة عليه.

(3)
في المطبوعة، حذف "فشرد بهم من خلفهم" ، وهي ثابتة في المخطوطة.

معمر، عن الحسن: (إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم) ، قال: هم قوم لم يشهدوا القتال يوم بدر، فسموا "منافقين" =قال معمر: وقال بعضهم: قوم كانوا أقرُّوا بالإسلام وهم بمكة، فخرجوا مع المشركين يوم بدر، فلما رأوا قلة المسلمين قالوا: (غر هؤلاء دينهم) .
16197- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض) إلى قوله: (فإن الله عزيز حكيم) ، قال: رأوا عصابة من المؤمنين تشرّدت لأمر الله. (1) وذكر لنا أن أبا جهل عدو الله لما أشرف على محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه قال: "والله لا يُعبد الله بعد اليوم!" ، قسوة وعُتُوًّا.
16198- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج في قوله: (إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض) ، قال: ناس كانوا من المنافقين بمكة، قالوه يوم بدر، وهم يومئذ ثلاث مئة وبضعة عشر رجلا.
16199- ... قال حدثني حجاج، عن ابن جريج في قوله: (إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض) ، قال: لما دنا القوم بعضهم من بعض، فقلَّل الله المسلمين في أعين المشركين، وقلَّل المشركين في أعين المسلمين، فقال المشركون: (غر هؤلاء دينهم) ، وإنما قالوا ذلك من قلتهم في أعينهم، وظنوا أنهم سيهزمونهم لا يشكون في ذلك، فقال الله: (ومن يتوكل على الله فإنّ الله عزيز حكيم) .
* * *
وأما قوله: (ومن يتوكل على الله) ، فإن معناه: ومن يسلم أمره إلى الله،
(1)
في المطبوعة: "تشددت" ، وفي المخطوطة: "تسردت" ، وكأن صواب قراءتها ما أثبت، "تشرد في الأرض" هرب ونفر، وكأنه يعني هجرتهم إلى الله ورسوله. هكذا اجتهدت، والله أعلم.

ويثق به، ويرض بقضائه، فإن الله حافظه وناصره (1) =لأنه "عزيز" ، لا يغلبه شيء، ولا يقهره أحد، فجارُه منيع، ومن يتوكل عليه مكفيٌّ. (2)
وهذا أمرٌ من الله جل ثناؤه المؤمنين به من أصحاب رسول الله وغيرهم، أن يفوِّضوا أمرهم إليه، ويسلموا لقضائه، كيما يكفيهم أعداءهم، ولا يستذلهم من ناوأهم، لأنه "عزيز" غير مغلوب، فجاره غير مقهور = "حكيم" ، يقول: هو فيما يدبر من أمر خلقه حكيم، لا يدخل تدبيره خلل. (3)
القول في تأويل قوله: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (50) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ولو تعاين، يا محمد، حين يتوفى الملائكةُ أرواحَ الكفار، فتنزعها من أجسادهم، تضرب الوجوه منهم والأستاه، ويقولون لهم: ذوقوا عذاب النار التي تحرقكم يوم ورودكم جهنم. (4)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
(1)
انظر تفسير "التوكل" فيما سلف 13: 385، تعليق: 3، والمراجع هناك.

(2)
في المطبوعة: ". . . عليه يكفه" ، غير ما في المخطوطة، وهو محض الصواب.

(3)
انظر تفسير "عزيز" ، و "حكيم" فيما سلف من فهارس اللغة (عزز) ، (حكم) .

(4)
انظر تفسير "التوفي" فيما سلف 13: 35، تعليق 5، والمراجع هناك.

وتفسير "الأدبار" فيما سلف 13: 435، تعليق 2، والمراجع هناك.
وتفسير "الذوق" فيما سلف 13: 528، تعليق 2، والمراجع هناك.
وتفسير "الحريق" فيما سلف 7: 446، 447.
16200- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم) ، قال: يوم بدر.
16201- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن سليم، عن إسماعيل بن كثير، عن مجاهد: (يضربون وجوههم وأدبارهم) ، قال: وأستاههم، ولكن الله كريم يَكْنِي. (1)
16202- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، حدثنا سفيان، عن أبي هاشم، عن مجاهد، في قوله: (يضربون وجوههم وأدبارهم) ، قال: وأستاههم، ولكنه كريم يَكْنِي. (2)
16203- حدثني محمد بن المثنى قال، حدثنا وهب بن جرير قال، أخبرنا شعبة، عن يعلى بن مسلم، عن سعيد بن جبير في قوله: (يضربون وجوههم وأدبارهم) ، قال: إن الله كنى، ولو شاء لقال: "أستاههم" ، وإنما عنى ب "أدبارهم" ، أستاههم.
16204- حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قال: أستاههم، يوم بدر =قال ابن جريج، قال ابن عباس: إذا أقبل المشركون بوجوههم إلى المسلمين، ضربوا وجوههم بالسيوف. وإذا ولّوا، أدركتهم الملائكة فضربوا أدبارهم.
16205- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا عباد بن راشد، عن الحسن قال: قال رجل: يا رسول الله، إني رأيت بظهر
(1)
الأثر: 16201 - "يحيى بن سليم الطائفي" ، ثقة، مضى برقم: 4894، 9788، وكان في المطبوعة: "يحيى بن أسلم" ، وهو خطأ محض، والمخطوطة مضطربة الكتابة. و "إسماعيل بن كثير الحجازي" ، ثقة، مضى برقم: 8929.

(2)
في المطبوعة: "ولكن الله" ، وأثبت ما في المخطوطة.

أبي جهل مثل الشراك! (1) قال: ما ذاك؟ قال: ضربُ الملائكة.
16206- حدثنا محمد قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا إسرائيل، عن منصور، عن مجاهد: أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إني حملت على رجل من المشركين فذهبت لأضربه، (2) فنَدرَ رأسُه؟ (3) فقال: سبقك إليه الملك.
16207- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال: حدثني حرملة: أنه سمع عمر مولى غفرة يقول: إذا سمعت الله يقول: (يضربون وجوههم وأدبارهم) ، فإنما يريد: أستاههم. (4)
* * *
قال أبو جعفر: وفي الكلام محذوف، استغني بدلالة الظاهر عليه من ذكره، وهو قوله: "ويقولون" ، (ذوقوا عذاب الحريق) ، حذفت "يقولون" ، كما حذفت من قوله: (وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا) [سورة السجدة: 21] ، بمعنى: يقولون: ربنا أبصرنا. (5)
* * *
القول في تأويل قوله: {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ (51) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل الملائكة لهؤلاء المشركين الذين قتلوا ببدر، أنهم يقولون لهم وهم يضربون وجوههم وأدبارهم: "ذوقوا عذاب"
(1)
"الشراك" ، سير النعل الذي يكون على ظهرها.

(2)
انظر ما أسلفت في تفسير "ذهب يفعل" ، فيما سلف 11: 128، تعليق: 1، ثم 11: 250، 251، وص 250 تعليق: 1.

(3)
"ندر الشيء" سقط. يقال: "ضرب يده بالسيف فأندرها" ، أي قطعها فسقطت.

(4)
الأثر: 16207 - "حرملة بن عمران التجيبي" ، ثقة، مضى برقم: 6890، 13240. و "عمر، مولى غفرة" ، هو "عمر بن عبد الله المدني" ، أبو حفص، ليس به بأس، كان صاحب مرسلات ورقائق. مترجم في التهذيب وابن أبي حاتم 3 \ 1 \ 119.

(5)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 413.

الله الذي يحرقكم "، هذا العذاب لكم = (بما قدمت أيديكم) ، أي: بما كسبت أيديكم من الآثام والأوزار، واجترحتم من معاصي الله أيام حياتكم، (1) فذوقوا اليوم العذابَ، وفي معادكم عذابَ الحريق; وذلك لكم بأن الله (ليس بظلام للعبيد) ، لا يعاقب أحدًا من خلقه إلا بجرم اجترمه، ولا يعذبه إلا بمعصيته إياه، لأن الظلم لا يجوز أن يكون منه."
وفي فتح "أن" من قوله: (وأن الله) ، وجهان من الإعراب:
أحدهما: النصبُ، وهو للعطف على "ما" التي في قوله: (بما قدمت) ، بمعنى: (ذلك بما قدمت أيديكم) ، وبأن الله ليس بظلام للعبيد، في قول بعضهم، والخفض، في قول بعضٍ.
والآخر: الرفع، على (ذلك بما قدمت) ، وذلك أن الله. (2)
* * *
القول في تأويل قوله: {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (52) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فِعْلُ هؤلاء المشركون من قريش الذين قتلوا ببدر، كعادة قوم فرعون وصنيعهم وفعلهم وفعل من كذّب بحجج الله ورسله من الأمم الخالية قبلهم، (3) ففعلنا بهم كفعلنا بأولئك.
(1)
انظر تفسير "قدمت أيديكم" فيما سلف 2: 368 \ 7: 447 \ 8: 514 \ 10: 497.

(2)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 413.

(3)
انظر تفسير "آل" فيما سلف 2: 37 \ 6: 326.

وقد بينا فيما مضى أن "الدأب" ، هو الشأن والعادة، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (1)
* * *
16208- حدثني الحارث قال، حدثني عبد العزيز قال، حدثنا شيبان، عن جابر، عن عامر ومجاهد وعطاء: (كدأب آل فرعون) كفعل آل فرعون، كسُنَنِ آل فرعون.
* * *
وقوله: (فأخذهم الله بذننوبهم) ، يقول: فعاقبهم الله بتكذيبهم حججه ورسله، ومعصيتهم ربهم، كما عاقب أشكالهم والأمم الذين قبلهم = (إن الله قوي) ، لا يغلبه غالب، ولا يرد قضاءه رادٌّ، يُنْفِذ أمره، ويُمضي قضاءه في خلقه =شديد عقابه لمن كفر بآياته وجحد حُججه.
* * *
(1)
انظر تفسير "الدأب" فيما سلف 6: 223 - 225.



https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif




ابوالوليد المسلم 17-07-2025 05:12 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنفال
الحلقة (743)
صــ 19 إلى صــ 30





القول في تأويل قوله: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (53) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وأخذنا هؤلاء الذين كفروا بآياتنا من مشركي قريش ببدر بذنوبهم، (1) وفعلنا ذلك بهم، بأنهم غيَّروا ما أنعم الله عليهم به من ابتعاثه رسولَه منهم وبين أظهرهم، بإخراجهم إياه من بينهم، وتكذيبهم له، وحربهم إياه، فغيرنا نعمتنا عليهم بإهلاكنا إياهم، كفعلنا ذلك في الماضين قبلهم ممن طغى علينا وعصى أمرنا.
* * *
(1)
انظر تفسير "الأخذ" فيما سلف من فهارس اللغة (أخذ) .

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16209- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (ذلك بأن الله لم يك مغيرًا نعمةً أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) ، يقول: "نعمة الله" ، محمد صلى الله عليه وسلم، أنعم به على قريش، وكفروا، فنقله إلى الأنصار.
* * *
وقوله: (وأن الله سميع عليم) ، يقول: لا يخفى عليه شيء من كلام خلقه، يسمع كلام كلّ ناطق منهم بخير نطق أو بشرٍّ = (عليم) ، بما تضمره صدورهم، وهو مجازيهم ومثيبهم على ما يقولون ويعملون، إن خيرًا فخيرًا، وإن شرًّا فشرًّا. (1)
* * *
القول في تأويل قوله: {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ (54) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: غير هؤلاء المشركون بالله، المقتولون ببدر، نعمةَ ربهم التي أنعم بها عليهم، بابتعاثه محمدًا منهم وبين أظهرهم، داعيًا لهم إلى الهدى، بتكذيبهم إياه، وحربهم له = (كدأب آل فرعون) ، كسنة آل فرعون وعادتهم وفعلهم بموسى نبي الله، (2) في تكذيبهم إياه، وقصدهم لحربه، (3) وعادة
(1)
انظر تفسير "سميع" و "عليم" فيما سلف من فهارس اللغة (سمع) ، (علم) .

(2)
انظر تفسير "الدأب" فيما سلف ص: 19، تعليق: 1، والمراجع هناك.

وتفسير "آل" فيما سلف ص: 18، تعليق 3، والمراجع هناك.
(3)
في المطبوعة: "وتصديهم لحربه" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب محض.

من قبلهم من الأمم المكذبة رسلَها وصنيعهم = (فأهلكناهم بذنوبهم) ، بعضًا بالرجفة، وبعضًا بالخسف، وبعضا بالريح = (وأغرقنا آل فرعون) ، في اليم = (وكل كانوا ظالمين) ، يقول: كل هؤلاء الأمم التي أهلكناها كانوا فاعلين ما لم يكن لهم فعله، من تكذيبهم رسلَ الله والجحود لآياته، فكذلك أهلكنا هؤلاء الذين أهلكناهم ببدر، إذ غيروا نعمة الله عندهم، بالقتل بالسيف، وأذللنا بعضهم بالإسار والسِّبَاء.
* * *
القول في تأويل قوله: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (55) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن شر ما دبّ على الأرض عند الله، (1) الذين كفروا بربهم، فجحدوا وحدانيته، وعبدوا غيره = (فهم لا يؤمنون) ، يقول: فهم لا يصدِّقون رسلَ الله، ولا يقرُّون بوحيه وتنزيله.
* * *
القول في تأويل قوله: {الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ (56) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (إن شر الدواب عند الله الذين كفروا) ، (الذين عاهدت منهم) ، يا محمد، يقول: أخذت عهودهم ومواثيقهم أن لا يحاربوك، (2) ولا يظاهروا عليك محاربًا لك، كقريظة ونظرائهم ممن كان بينك وبينهم عهد
(1)
انظر تفسير "الداية" فيما سلف 3: 274، 275 \ 11: 344 \ 13: 459.

(2)
انظر تفسير "العهد" فيما سلف 13: 72، تعليق: 2، والمراجع هناك.

وعقد = (ثم ينقضون) ، عهودهم ومواثيقهم كلما عاهدوك وواثقوك، (1) حاربوك وظاهروا عليك، (2) وهم لا يتقون الله، ولا يخافون في فعلهم ذلك أن يوقع بهم وقعة تجتاحهم وتهلكهم، كالذي:-
16210- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم) ، قال: قريظة مالأوا على محمد يوم الخندق أعداءه.
16211- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، نحوه.
* * *
القول في تأويل قوله: {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (57) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فإما تلقيَنَّ في الحرب هؤلاء الذين عاهدتهم فنقضوا عهدك مرة بعد مرة من قريظة، فتأسرهم، (3) = (فشرد بهم من خلفهم) ، يقول: فافعل بهم فعلا يكون مشرِّدًا مَن خلفهم من نظرائهم، ممن بينك وبينه عهد وعقد.
* * *
و "التشريد" ، التطريد والتبديد والتفريق.
* * *
وإنما أمِرَ بذلك نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم أن يفعل بالناقض العهد بينه
(1)
في المطبوعة: "كلما عاهدوا دافعوك وحاربوك" ، وفي المخطوطة: "كلما عاهدوا دافعوك وحاربوك" ، وكأن الصواب ما أثبت.

(2)
انظر تفسير "النقض" فيما سلف 9: 363 \ 10: 125.

(3)
انظر تفسير "ثقف" فيما سلف 3: 564 \ 7: 110.

وبينهم إذا قدر عليهم فعلا يكون إخافةً لمن وراءهم، ممن كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينه عهد، حتى لا يجترئوا على مثل الذي اجترأ عليه هؤلاء الذين وصف الله صفتهم في هذه الآية من نقض العهد.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16212- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي، عن ابن عباس قوله: (فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم) ، يعني: نكّل بهم من بعدهم.
16213- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (فشرد بهم من خلفهم) ، يقول: نكل بهم من وراءهم.
16214- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم) ، يقول: عظْ بهم من سواهم من الناس.
16215- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال: حدثنا أسباط، عن السدي: (فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم) ، يقول: نكل بهم من خلفهم، مَنْ بعدهم من العدوّ، لعلهم يحذرون أن ينكُثوا فتصنع بهم مثل ذلك.
16216- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن أيوب، عن سعيد بن جبير: (فشرد بهم من خلفهم) ، قال: أنذر بهم من خلفهم.
16217- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج،
عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس قال: نكل بهم من خلفهم، مَنْ بعدهم =قال ابن جريج، قال عبد الله بن كثير: نكل بهم مَنْ وراءهم.
16218- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون) ، أي: نكل بهم من وراءهم لعلهم يعقلون. (1)
16219- حُدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك بن مزاحم يقول في قوله: (فشرد بهم من خلفهم) ، يقول: نكل بهم من بعدهم.
16220- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قول الله: (فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم) ، قال: أخفهم بما تصنع بهؤلاء. وقرأ: (وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ) (2) [الأنفال: 60]
* * *
وأما قوله: (لعلهم يذكرون) ، فإن معناه: كي يتعظوا بما فعلت بهؤلاء الذين وصفت صفتهم، (3) فيحذروا نقضَ العهد الذي بينك وبينهم خوفَ أن ينزل بهم منك ما نزل بهؤلاء إذا هم نقضوه.
* * *
(1)
الأثر: 16218 - سيرة ابن هشام 2: 329، وهو تابع الأثر السالف رقم: 16173، ثم هو في الحقيقة تابع الأثر السالف رقم: 16186، سيرة ابن هشام 2: 318، 319.

(2)
الأثر: 16220 - انظر الأثر التالي رقم: 16242، والتعليق عليه.

(3)
انظر تفسير "التذكر" فيما سلف من فهارس اللغة (ذكر) .

القول في تأويل قوله: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (58) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (وإما تخافن) ، يا محمد، من عدو لك بينك وبينه عهد وعقد، أن ينكث عهد. وينقض عقده، ويغدر بك =وذلك هو "الخيانة" والغدر (1) = (فانبذ إليهم على سواء) ، يقول: فناجزهم بالحرب، وأعلمهم قبل حربك إياهم أنك قد فسخت العهد بينك وبينهم، بما كان منهم من ظهور أمار الغدر والخيانة منهم، (2) حتى تصير أنتَ وهم على سواء في العلم بأنك لهم محارب، فيأخذوا للحرب آلتها، وتبرأ من الغدر = (إن الله لا يحب الخائنين) ، الغادرين بمن كان منه في أمان وعهد بينه وبينه أن يغدر به فيحاربه، قبل إعلامه إياه أنه له حرب، وأنه قد فاسخه العقد.
* * *
فإن قال قائل: وكيف يجوز نقضُ العهد بخوف الخيانة، و "الخوف" ظنٌّ = لا يقين؟ (3)
قيل: إن الأمر بخلاف ما إليه ذهبت، وإنما معناه: إذا ظهرت أمارُ الخيانة من عدوك، (4) وخفت وقوعهم بك، فألق إليهم مقاليد السَّلم وآذنهم بالحرب. (5) وذلك كالذي كان من بني قريظة إذ أجابوا أبا سفيان ومن معه من
(1)
انظر تفسير "الخيانة" فيما سلف 13: 480، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "النبذ" فيما سلف 2: 401، 402 \ 7: 459. وفي المطبوعة: "آثار الغدر" ، وأثبت ما في المخطوطة، و "الأمار" و "الأمارة" ، العلامة، ويقال: "أمار" جمع "أمارة" .

(3)
انظر تفسير "الخوف" فيما سلف 11: 373، تعليق: 5، والمراجع هناك.

(4)
في المطبوعة: "آثار الخيانة" ، وأثبت ما في المخطوطة، وانظر التعليق السالف رقم: 2.

(5)
في المخطوطة: "وأد" ، وبعدها بياض، صوابه ما في المطبوعة.

المشركين إلى مظاهرتهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحاربتهم معهم، (1) بعد العهد الذي كانوا عاهدوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم على المسالمة، ولن يقاتلوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم. (2) فكانت إجابتهم إياه إلى ذلك، موجبًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم خوف الغدر به وبأصحابه منهم. فكذلك حكم كل قوم أهل موادعةٍ للمؤمنين، ظهر لإمام المسلمين منهم من دلائل الغدر مثل الذي ظهرَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من قريظة منها، فحقٌّ على إمام المسلمين أن ينبذ إليهم على سواء، ويؤذنهم بالحرب.
* * *
ومعنى قوله: (على سواء) ، أي: حتى يستوي علمك وعلمهم بأن كل فريق منكم حرب لصاحبه لا سِلْم. (3)
* * *
وقيل: نزلت الآية في قريظة.
* ذكر من قال ذلك:
16221- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (فانبذ إليهم على سواء) ، قال: قريظة.
* * *
وقد كان بعضهم يقول: "السواء" ، في هذا الموضع، المَهَل. (4)
* ذكر من قال ذلك:
16222- حدثني علي بن سهل قال، حدثنا الوليد بن مسلم قال: إنه مما تبين لنا أن قوله: (فانبذ إليهم على سواء) ، أنه: على مهل =كما حدثنا بكير، عن مقاتل بن حيان في قول الله: (بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ
(1)
في المطبوعة: "ومحاربتهم معه" ، وأثبت ما في المخطوطة.

(2)
في المخطوطة: "ولم يقاتلوا" ، وما في المطبوعة شبيه بالصواب.

(3)
انظر تفسير "السواء" فيما سلف 10: 488، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(4)
في المطبوعة: "وقد قال بعضهم" ، غير الجملة كلها بلا شيء.

مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الأرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) ، [التوبة: 1-2]
* * *
وأما أهل العلم بكلام العرب، فإنهم في معناه مختلفون.
فكان بعضهم يقول: معناه: فانبذ إليهم على عدل =يعني: حتى يعتدل علمك وعلمهم بما عليه بعضكما لبعض من المحاربة، واستشهدوا لقولهم ذلك بقول الراجز: (1)
وَاضْرِبْ وُجُوهَ الغُدُرِ الأعْدَاءِ حَتَّى يُجِيبُوكَ إلَى السَّوَاءِ (2)
يعني: إلى العدل.
* * *
وكان آخرون يقولون: معناه: الوسَط، من قول حسان:
يَا وَيْحَ أَنْصَارِ الرَّسُولِ ورَهْطِهِ بَعْدَ الُمغيَّبِ فِي سَوَاءِ المُلْحَدِ (3)
بمعنى: في وسط اللَّحْد.
* * *
وكذلك هذه المعاني متقاربة، لأن "العدل" ، وسط لا يعلو فوق الحق ولا يقصّر عنه، وكذلك "الوسط" عدل، واستواء علم الفريقين فيما عليه بعضهم لبعض بعد المهادنة، (4) عدل من الفعل ووسط. وأما الذي قاله الوليد بن مسلم من أن معناه: "المهل" ، فما لا أعلم له وجهًا في كلام العرب.
* * *
(1)
لم أعرف قائله.

(2)
كان في المطبوعة: "الغدر للأعداء" . وهو خطأ، صوابه من المخطوطة و "الغدر" (بضمتين) ، جمع "غدور" ، مثل "صبور" ، وهو الغادر المستمرئ للغدر.

(3)
سلف البيت وتخريجه وشرحه فيما مضى 2: 496، تعليق 2.

(4)
في المطبوعة: "واستواء الفريقين" ، وفي المخطوطة "واستواء على الفريقين" . وصواب قراءتها ما أثبت، وهو حق المعنى.

القول في تأويل قوله: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ (59) }
قال أبو جعفر: اختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأ ذلك عامة قرأة الحجاز والعراق: "وَلا تحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ" بكسر الألف من "إنهم" ، وبالتاء في "تحسبن" =بمعنى: ولا تحسبن، يا محمد، الذين كفروا سبقونا ففاتونا بأنفسهم. ثم ابتدئ الخبر عن قدرة الله عليهم فقيل: إن هؤلاء الكفرة لا يعجزون ربهم، إذا طلبهم وأراد تعذيبهم وإهلاكهم، بأنفسهم فيفوتوه بها.
* * *
وقرأ ذلك بعض قرأة المدينة والكوفة: (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) ، بالياء في "يحسبن" ، وكسر الألف من (إِنَّهُمْ) .
* * *
وهي قراءة غير حميدة، لمعنيين، (1) أحدهما خروجها من قراءة القرأة وشذوذها عنها =والآخر: بعدها من فصيح كلام العرب. وذلك أن "يحسب" يطلب في كلام العرب منصوبًا وخبره، كقوله: "عبد الله يحسب أخاك قائمًا" و "يقوم" و "قام" . فقارئ هذه القراءة أصحب "يحسب" خبرًا لغير مخبر عنه مذكور. وإنما كان مراده، ظنّي: (2) ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزوننا =فلم يفكر في صواب مخرج الكلام وسُقمه، واستعمل في قراءته ذلك كذلك، ما ظهر له من مفهوم الكلام. وأحسب أن الذي دعاه إلى ذلك، الاعتبارُ بقراءة عبد الله. وذلك أنه فيما ذكر في مصحف عبد الله: "وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا"
(1)
هذه القراءة التي ردها أبو جعفر، هي قراءتنا اليوم.

(2)
في المطبوعة: "وإنما كان مراد بطي ولا يحسبن" ، فأتى بعجب لا معنى له. وقول الطبري: "ظني" ، يقول كما نقول اليوم: "فيما أظن" .

أَنَّهُمْ سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ "، وهذا فصيح صحيح، إذا أدخلت" أنهم "في الكلام، لأن" يحسبن "عاملة في" أنهم "، وإذا لم يكن في الكلام" أنهم "كانت خالية من اسم تعمل فيه."
وللذي قرأ من ذلك من القرأة وجهان في كلام العرب، وإن كانا بعيدين من فصيح كلامهم:
أحدهما: أن يكون أريد به: ولا يحسبن الذين كفروا أن سبقوا، أو: أنهم سبقوا =ثم حذف "أن" و "أنهم" ، كما قال جل ثناؤه: (وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا) ، [الروم: 24] . بمعنى: أن يريكم، وقد ينشد في نحو ذلك بيت لذي الرمة:
أَظُنّ ابْنُ طُرْثُوثٍ عُتَيْبَةُ ذَاهِبًا بِعَادِيَّتِي تَكْذَابُهُ وَجَعَائِلُهْ (1)
(1)
ديوانه 473، من قصيدة ذكر فيها "المهاجر بن عبد الله الكلابي" والي اليمامة، وكان للمهاجر عريف من السعاة بالبادية يقال له: "رومي" ، فاختلف ذو الرمة، وعتيبة بن طرثوث في بئر عادية، فخاصم ذو الرمة إلى رومي، فقضى رومي لابن طرثوث قبل فصل الخصومة، وكتب له بذلك سجلا، فقال ذو الرمة من قصيدته تلك، برواية ديوانه: أقُولُ لِنَفْسِي، لا أُعَاتِبُ غَيْرَهَا ... وَذُو اللُّبِّ مَهْمَا كَانَ، لِلنَّفْسِ قائِلُهْ

لَعَلَّ ابْنَ طُرْثُوثٍ عَتَيْبَةُ ذَاهِبٌ ... بِعَادِيَّتِي تَكْذَابُهُ وَجَعَائِلُهْ
بِقَاعٍ، مَنَعْنَاهُ ثَمَانينَ حِجَّةً ... وَبِضْعًا، لَنَا أَحْرَاجُه وَمَسَايِلُهْ
ثم ذكر المهاجر بالذكر الجميل، ثم قال: يَعِزُّ، ابْنَ عَبْدِ اللهِ، مَنْ أَنْتَ نَاصِرٌ ... وَلا يَنْصُرُ الرَّحْمَنُ مَنْ أنْتَ خَاذِلُهْ
إذَا خَافَ قَلْبِي جَوْرَ سَاعٍ وَظُلْمَهُ ... ذَكَرْتُكَ أُخْرَى فَاطْمَأَنَّتْ بَلابِلُهْ
تَرَى اللهَ لا تَخْفَى عَلَيْهِ سَرِيرَةٌ ... لِعَبْدٍ، ولا أَسْبَابُ أَمْرٍ يُحَاوِلهْ
لَقَدْ خَطَّ رُومِيٌّ، وَلا زَعَمَاتِهِ، ... لِعُتْبَةَ خَطًّا لَمْ تُطَبَّقْ مَفَاصِلُهْ
بِغَيْرِ كتابٍ وَاضِحٍ مِنْ مُهَاجِرٍ ... وَلا مُقْعَدٍ مِنِّي بخَصْمٍ أُجَادِلهْ
هذه قصة حية. وكان في المطبوعة: "عيينة" ، والصواب من الديوان، ومما يدل عليه الشعر السالف إذ سماه "عتبة" ، ثم صغره. و "العادية" ، البئر القديمة، كأنها من زمن "عاد" . و "التكذاب" ، مصدر مثل "الكذب" . و "الجعائل" ، الرشي، تجعل للعامل المرتشي.
بمعنى: أظن ابن طرثوث أن يذهب بعاديتي تكذابه وجعائله؟ وكذلك قراءة من قرأ ذلك بالياء، يوجه "سبقوا" إلى "سابقين" على هذا المعنى. (1)
والوجه الثاني على أنه أراد إضمار منصوب بـ "يحسب" ، كأنه قال: ولا يحسب الذين كفروا أنهم سبقوا =ثم حذف "أنهم" وأضمر. (2)
وقد وجه بعضهم معنى قوله: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ) ، [سورة آل عمران: 175] : إنما ذلكم الشيطان يخوف المؤمن من أوليائه، وأن ذكر المؤمن مضمر في قوله: "يخوف" ، إذ كان الشيطان عنده لا يخوف أولياءه. (3)
* * *
وقرأ ذلك بعض أهل الشأم: "وَلا تحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا" بالتاء من "تحسبن" = (سَبَقُوا أَنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ) ، بفتح الألف من "أنهم" ، بمعنى: ولا تحسبن الذين كفروا أنهم لا يعجزون.
* * *
قال أبو جعفر: ولا وجه لهذه القراءة يُعقل، إلا أن يكون أراد القارئ بـ "لا" التي في "يعجزون" ، "لا" التي تدخل في الكلام حشوًا وصلة، (4) فيكون معنى الكلام حينئذ: ولا تحسبن الذين كفروا سبقوا أنهم يعجزون =ولا وجه لتوجيه حرف في كتاب الله إلى التطويل، (5) بغير حجة يجب التسليم لها، وله في الصحة مخرج.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندي، قراءة من قرأ:
(1)
انظر هذا في معاني القرآن للفراء 1: 414 - 416.

(2)
كان في المطبوعة: "ثم حذف الهمز وأضمر" ، وهو كلام لا تفلته الخساسة. وصواب قراءة المخطوطة: "أنهم" كما أثبتها، وهو واضح جدًا.

(3)
انظر ما سلف 7: 417، تفسير هذه الآية.

(4)
"الصلة" ، الزيادة، كما سلف مرارًا، انظر فهارس المصطلحات فيما سلف.

(5)
"التطويل" ، الزيادة أيضًا. انظر ما سلف 1: 118، 224، 405، 406، 440، 441، وهو هناك "التطول" .

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif




ابوالوليد المسلم 17-07-2025 05:16 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنفال
الحلقة (744)
صــ 31 إلى صــ 40





(لا تَحْسَبَنَّ) ، بالتاء (الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ) ، بكسر الألف من "إنهم" ، (لا يُعْجِزُونَ) ، بمعنى: ولا تحسبن أنت، يا محمد، الذين جحدوا حجج الله وكذبوا بها، سبقونا بأنفسهم ففاتونا، إنهم لا يعجزوننا =أي: يفوتوننا بأنفسهم، ولا يقدرون على الهرب منا، (1) كما:-
16223- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون) ، يقول: لا يفوتون.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ (60) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (وأعدوا) ، لهؤلاء الذين كفروا بربهم، الذين بينكم وبينهم عهد، إذا خفتم خيانتهم وغدرهم، أيها المؤمنون بالله ورسوله = (ما استطعتم من قوة) ، يقول: ما أطقتم أن تعدّوه لهم من الآلات التي تكون قوة لكم عليهم، (2) من السلاح والخيل= (ترهبون به عدو الله وعدوكم) ، يقول: تخيفون بإعدادكم ذلك عدوَّ الله وعدوكم من المشركين.
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16224- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، سمعت أسامة بن زيد، عن صالح بن كيسان، عن رجل من جهينة، يرفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) ، ألا إنَّ الرمي هو القوة، ألا إنّ الرمي هو القوة. (3)
(1)
انظر تفسير "أعجز" فيما سلف 12: 128.

(2)
انظر تفسير "الاستطاعة" ، فيما سلف 4: 315 \ 9: 284.

(3)
الأثر: 16224 - "ابن إدريس" ، وهو "عبد الله بن إدريس الأودي" الإمام، مضى مرارًا. وكان في المطبوعة والمخطوطة: "أبو إدريس" وهو خطأ صرف.

و "أسامة بن زيد الليثي" ، ثقة، مضى برقم: 2867، 3354.
و "صالح بن كيسان المدني" ، روى له الجماعة، مضى برقم: 1020، 5321.
وسيأتي هذا الخبر من طرق أخرى رقم: 16226 - 16228، وسأذكرها عند كل واحد منها، وانظر تخريج الخبر التالي.
16225- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا سعيد بن شرحبيل قال، حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، وعبد الكريم بن الحارث، عن أبي علي الهمداني: أنه سمع عقبة بن عامر على المنبر يقول: قال الله: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل) ، ألا وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر: قال الله: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) ، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ثلاثا. (1)
(1)
الأثر: 16225 - "سعيد بن شرحبيل الكندي" ، روى عنه البخاري، وروى له النسائي وابن ماجه بالواسطة. ثقة. مترجم في التهذيب، والكبير 2 \ 1 \ 442، وابن أبي حاتم 2 \ 1 \ 33.

و "ابن لهيعة" ، مضى مرارًا، ومضى الكلام في أمر توثيقه.
و "يزيد بن أبي حبيب الأزدي المصري" ، ثقة، روى له الجماعة، مضى مرارًا آخرها: 11871.
و "عبد الكريم بن الحارث بن يزيد الحضرمي المصري" ، ثقة، مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 3 \ 1 \ 60.
و "أبو علي الهمداني" ، هو "ثمامة بن شفي الهمداني" المصري، ثقة، مترجم في التهذيب، والكبير 1 \ 2 \ 177، وابن أبي حاتم 1 \ 1 \ 466.
وهذا إسناد فيه ضعف لمن ضعف ابن لهيعة، والطبري نفسه سيقول في ص: 37، تعليق: 2، أنه سند فيه وهاء "."
بيد أن هذا الخبر روي من طرق صحيحة جدا:
رواه مسلم في صحيحه 13: 64، من طريق هارون بن معروف، عن ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن أبي علي ثمامة بن شفي، بمثله.
ورواه أبو داود في سننه 3: 20، رقم: 2514، من طريق سعيد بن منصور، عن ابن وهب، بمثله.
ورواه ابن ماجه في سننه: 940 رقم: 2813، من طريق يونس بن عبد الأعلى، عن ابن وهب بمثله.
ورواه الحاكم في المستدرك 2: 328، من طريق سعيد بن ابي أيوب، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن عقبة، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. ولك يخرجه البخاري، لأن صالح بن كيسان أوقفه" ووافقه الذهبي.
16226- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا محبوب، وجعفر بن عون، ووكيع، وأبو أسامة، وأبو نعيم=، عن أسامة بن زيد، عن صالح بن كيسان، عن رجل، عن عقبة بن عامر الجهني قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل) ، فقال: "ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة، الرمي" ثلاث مرات. (1)
16227- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن أسامة بن زيد، عن صالح بن كيسان، عن رجل، عن عقبة بن عامر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية على المنبر، فذكر نحوه. (2)
16228- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا أسامة بن زيد، عن صالح بن كيسان، عن عقبة بن عامر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، نحوه. (3)
16229- حدثنا أحمد بن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا موسى بن عبيدة، عن أخيه، محمد بن عبيدة، عن أخيه عبد الله بن عبيدة، عن عقبة بن عامر، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) ، "ألا إن القوة الرمي. (4) "
(1)
الأثر: 16226 - "محبوب" ، هو "محبوب بن محرز القواريري" ، وثقه ابن حبان، وضعفه الدارقطني. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 4 \ 1 \ 388.

و "جعفر بن عون المخزومي" ، ثقة، أخرج له الجماعة، مضى برقم: 9506.
وهذا الخبر رواه الترمذي من طريق وكيع عن أسامة بن زيد، ثم قال: "وقد روى بعضهم هذا الحديث عن أسامة بن زيد، عن صالح بن كيسان، عن عقبة بن عامر، وحديث وكيع أصح، وصالح بن كيسان لم يدرك عقبة بن عامر، وأدرك ابن عمر" . وانظر الخبر رقم: 16228.
(2)
الأثر: 16227 - هو مكرر الأثر السالف، وانظر تخريجه، رواه من هذه الطريق، الترمذي في سننه، كما سلف.

(3)
الأثر: 16228 - هذا هو الحديث الذي أشار إليه الترمذي، وقال فيه: "صالح بن كيسان، لم يدرك عقبة بن عامر" . انظر ما سلف: 16226.

(4)
الأثر: 16229 - "موسى بن عبيدة بن نشيط الربذي" ، ضعيف بمرة، لا تحل الرواية عنه. سلف مرارًا، آخرها رقم: 11811، 14045، روى عن أخويه "عبد الله" و "محمد" وأخوه "محمد بن عبيدة بن نشيط الربذي" ، لم أجد له ترجمة، وهو مذكور في ترجمة أخيه "موسى" ، وترجمة أخيه "عبد الله" ، وأنه روى عنه. وكان أكبر من أخيه موسى بثمانين سنة. وأخوه "عبد الله بن عبيدة بن نشيط الربذي" ، روى عن جماعة من الصحابة، وثقه بعضهم، وضعفه آخرون، وقال أحمد: "موسى بن عبيدة وأخوه، لا يشتغل بهما" . مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 2 \ 2 \ 101.

16230- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن شعبة بن دينار، عن عكرمة في قوله: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) ، قال: الحصون = (ومن رباط الخيل) ، قال: الإناث. (1)
16231- حدثنا علي بن سهل قال، حدثنا ضمرة بن ربيعة، عن رجاء بن أبي سلمة قال: لقي رجل مجاهدًا بمكة، ومع مجاهد جُوَالَق،، (2) قال: فقال مجاهد: هذا من القوة! =ومجاهد يتجهز للغزو.
16232- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) ، من سلاح.
* * *
وأما قوله: (ترهبون به عدو الله وعدوكم) =
= فقال ابن وكيع:
16233- حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن عثمان بن المغيرة الثقفي، عن مجاهد، عن ابن عباس: (ترهبون به عدو الله وعدوكم) ، قال: تخزون به عدو الله وعدوكم.
16234- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا إسرائيل، عن عثمان، عن مجاهد، عن ابن عباس، مثله.
16235- حدثني الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا إسرائيل، عن خصيف، عن عكرمة وسعيد بن جبير، عن ابن عباس: (ترهبون به عدو الله
(1)
الأثر: 16230 - "شعبة بن دينار الكوفي" ، روى عن مكرمة، وأبي بردة بن أبي موسى الأشعري، ثقة. مترجم في التهذيب، والكبير 2 \ 2 \ 245، وابن أبي حاتم 2 \ 1 \ 368.

(2)
"الجوالق" (بضم الجيم، وفتح اللام أو كسرها) ، وعاء من الأوعية، هو الذي نسميه اليوم في مصر محرفا "الشوال" .

وعدوكم) ، قال: تخزون به عدو الله وعدوكم. وكذا كان يقرؤها: (تُخْزُونَ) . (1)
16237- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا إسرائيل، عن عثمان بن المغيرة، وخصيف، عن مجاهد، عن ابن عباس: (ترهبون به) ، تخزون به. (2)
16238- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا إسرائيل، عن خصيف، عن عكرمة، عن ابن عباس، مثله.
* * *
يقال منه: "أرهبت العدو، ورهَّبته، فأنا أرهبه وأرهِّبه، إرهابًا وترهيبًا، وهو الرَّهَب والرُّهْب" ، ومنه قول طفيل الغنوي:
وَيْلُ أُمِّ حَيٍّ دَفَعْتُمْ فِي نُحُورِهِمُ بَنِي كِلابٍ غَدَاة الرُّعْبِ والرَّهَبِ (3)
* * *
القول في تأويل قوله: {وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ}
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في هؤلاء "الآخرين" ، من هم، وما هم؟
فقال بعضهم: هم بنو قريظة.
*ذكر من قال ذلك:
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: "وكذا كان يقرؤها: ترهبون" ، والصواب الذي لا شك فيه هنا، هو "تخزون" ، كما أثبتها، وقد ذكر قراءة ابن عباس هذه، ابن خالويه في القراءات الشاذة: 50 (وفي المطبوعة خطأ، كتب: يجرون به عدو الله، والصواب ما أثبت) ، وقال أبو حيان في تفسيره 4: 512: "وقرأ ابن عباس، وعكرمة، ومجاهد:" تخزون به "، مكان: ترهبون به = وذكرها الطبري على وجه التفسير لا على وجه القراءة، وهو الذي ينبغي، لأنه مخالف لسواد المصحف" .

قلت: وقد رأيت بعد أن الطبري ذكرها أيضًا على جهة القراءة، ولا يستقيم نصه إلا بما أثبت.
(2)
سقط من الترقيم: 16236، سهوًا.

(3)
ديوانه: 56، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 249 يمدح بها بني جعفر بن كلاب، من أبيات ثلاثة، مفردة.

16239- حدثت عن عمار بن الحسن قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وآخرين من دونهم) ، يعني: من بني قريظة.
16240- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وآخرين من دونهم) ، قال: قريظة.
* * *
وقال آخرون: من فارس.
* ذكر من قال ذلك:
16241- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم) ، هؤلاء أهل فارس.
* * *
وقال آخرون: هم كل عدو للمسلمين، غير الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يشرِّد بهم من خلفهم. قالوا: وهم المنافقون.
* ذكر من قال ذلك:
16242- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قول الله: (فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم) ، قال: أخفهم بهم، لما تصنع بهؤلاء. وقرأ: (وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم) . (1)
16243- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، في قوله: (وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم) ، قال: هؤلاء المنافقون، لا تعلمونهم لأنهم معكم، يقولون: لا إله إلا الله، ويغزون معكم.
* * *
(1)
الأثر: 16242 - هذا مكرر الأثر السالف رقم 16220، ولا أدري فيم جاء به هنا مفردًا، وأما الأثر الذي عناه، فهو الذي يليه، والظاهر أنه خطأ من الطبري نفسه في النقل. ولفظ هذا الخبر، يخالف لفظ الخبر السالف قليلا.

وقال آخرون: هم قوم من الجنّ.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله أمر المؤمنين بإعداد الجهاد وآلة الحرب وما يتقوّون به على جهاد عدوه وعدوهم من المشركين، من السلاح والرمي وغير ذلك، ورباط الخيل =ولا وجه لأن يقال: عني بـ "القوة" ، معنى دون معنى من معاني "القوة" ، وقد عمَّ الله الأمر بها.
فإن قال قائل: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بيَّن أن ذلك مرادٌ به الخصوص بقوله: "ألا إن القوة الرمي" ؟ (1)
قيل له: إن الخبر، وإن كان قد جاء بذلك، فليس في الخبر ما يدلّ على أنه مرادٌ بها الرمي خاصة، دون سائر معاني القوة عليهم، فإن الرمي أحد معاني القوة، لأنه إنما قيل في الخبر: "ألا إن القوة الرمي" ، ولم يقل: "دون غيرها" ، ومن "القوة" أيضًا السيف والرمح والحربة، وكل ما كان معونة على قتال المشركين، كمعونة الرمي أو أبلغ من الرمي فيهم وفي النكاية منهم. هذا مع وهاء سند الخبر بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. (2)
* * *
وأما قوله: (وآخرين من دونهم لا تعلمونهم) ، فإن قول من قال: عنى به الجن، أقربُ وأشبهُ بالصواب، لأنه جل ثناؤه قد أدخل بقوله: (ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم) ، الأمرَ بارتباط الخيل لإرهاب كل عدوٍّ لله وللمؤمنين يعلمونهم، ولا شك أن المؤمنين كانوا عالمين بعداوة قريظة وفارس لهم، لعلمهم بأنهم مشركون، وأنهم لهم حرب. ولا معنى لأن يقال: وهم يعلمونهم لهم
(1)
انظر الآثار السالفة رقم: 16224 - 16229.

(2)
هذه مرة أخرى تختلف فيها كتابة المخطوطة، فههنا: "وهاء" ، كما أثبتها، وكان في المطبوعة: "وهي" ، وانظر ما كتبته ما سلف 9: 531، تعليق: 2.

ثم انظر ما قلته في تخريج الخبر السالف رقم: 16225، وما ذكرته من الطريق الصحيحة في رواية هذا الخبر.
أعداءً: (وآخرين من دونهم لا تعلمونهم) ، ولكن معنى ذلك إن شاء الله: ترهبون بارتباطكم، أيها المؤمنون، الخيلَ عدوَّ الله وأعداءكم من بني آدم الذين قد علمتم عداوتهم لكم، لكفرهم بالله ورسوله، وترهبون بذلك جنسًا آخر من غير بني آدم، لا تعلمون أماكنهم وأحوالهم، الله يعلمهم دونكم، لأن بني آدم لا يرونهم. وقيل: إن صهيل الخيل يرهب الجن، وأن الجن لا تقرب دارًا فيها فرس. (1)
* * *
فإن قال قائل: فإن المؤمنين كانوا لا يعلمون ما عليه المنافقون، فما تنكر أن يكون عُنِي بذلك المنافقون؟
قيل: فإن المنافقين لم يكن تروعهم خيل المسلمين ولا سلاحهم، وإنما كان يَرُوعهم أن يظهر المسلمون على سرائرهم التي كانوا يستسرُّون من الكفر، وإنما أمر المؤمنون بإعداد القوة لإرهاب العدو، فأما من لم يرهبه ذلك، فغير داخل في معنى من أمر بإعداد ذلك له المؤمنون. وقيل: "لا تعلمونهم" ، فاكتفي لـ "العلم" ، بمنصوب واحد في هذا الموضع، لأنه أريد: لا تعرفونهم، كما قال الشاعر: (2)
(1)
ذكر ابن كثير في تفسيره خبرين، أحدهما رواه ابن أبي حاتم، عن زيد بن عبد الله بن عريب، عن أبيه عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هم الجن، في هذه الآية ثم قال رواه الطبراني، وزاد: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يخبل بيت فيه عتيق الخيل" ، (انظر الإصابة: ترجمة عريب) ، ثم قال ابن كثير: "هذا الحديث منكر، لا يصح إسناده ولا متنه" . وانظر القرطبي 8: 38.

وهذا الذي قاله الطبري، رده العلماء من قوله، وحق لهم. وقد رجح ابن كثير وأبو حبان (4: 513) ، أن المعنى بذلك هم المنافقون، وهو القول الذي رده أبو جعفر فيما يلي، ورد أبي جعفر رد محكم.
فإن كان لنا أن نختار، فإني أختار أن يكون عني بذلك، من خفي على المؤمنين أمره من أهل الشرك، كنصارى الشأم وغيرهم، ممن لم ينظر المؤمنون عدواتهم بعد، وهي آتية سوف يرونها عيانًا بعد قليل. وفي الكلام فضل بحث ليس هذا مكانه، والآية عامة لا أدري كيف يخصصها أبو جعفر، بخبر لا حجة فيه.
(2)
هو النمر بن تولب العكلي.

فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُنِي وَوَهْبًا وَأَنَّا سَوْفَ يَلْقَاهُ كِلانا (1)
* * *
القول في تأويل قوله: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (60) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وما أنفقتم، أيها المؤمنون، من نفقة في شراء آلة حرب من سلاح أو حراب أو كُرَاع أو غير ذلك من النفقات، (2) في جهاد أعداء الله من المشركين يخلفه الله عليكم في الدنيا، ويدَّخر لكم أجوركم على ذلك عنده، حتى يوفِّيكموها يوم القيامة (3) (وأنتم لا تظلمون) ، يقول: يفعل ذلك بكم ربكم، فلا يضيع أجوركم عليه.
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
(1)
الاقتضاب: 303، المفصل الزمخشري: 88. وكان النمر بن تولب، نازع رجلا يقال له "وهب" ، من قومه، في بئر تدعى "الدحول" (بالحاء المهملة) ، في أرض عكل، نميرة الماء، يقول فيها من هذه الأبيات: ولكنَّ الدَّحُولَ إذَا أتَاهَا ... عِجَافُ المَالِ تتْرُكُهُ سِمَانَا

وكان النمر سقاه منها، فلم يشكر له، وخان الأمانة ونازعه فيها فقال: يُريدُ خِيَانَتِي وَهْبٌ، وأَرْجُو ... مِنَ اللهِ البراءَةَ وَالأمَانَا
فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُنِي وَوَهْبًا ... وَيَعْلَمُ أَنْ سَيَلقَاهُ كِلانَا
وَإنَّ بَنِي رَبِيعَةَ بَعْدَ وَهْبٍ ... كَرَاعِي البَيْتِ يَحْفَظُهُ فخانَا
وكان البيت في المطبوعة والمخطوطة: فإن اللهَ يعلمني ... وأَنا سوف يلقاهُ كلانا
(2)
انظر تفسير "النفقة" فيما سلف من فهارس اللغة (نفق) .

(3)
انظر تفسير "وفي" فيما سلف 12: 224، تعليق: 3، والمراجع هناك.

16244- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، (وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون) ، أي لا يضيع لكم عند الله أجرُه في الآخرة، وعاجل خَلَفه في الدنيا. (1)
* * *
القول في تأويل قوله: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وإما تخافنّ من قوم خيانة وغدرًا، فانبذ إليهم على سواء وآذنهم بالحرب = (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها) ، وإن مالوا إلى مسالمتك ومتاركتك الحربَ، إما بالدخول في الإسلام، وإما بإعطاء الجزية، وإما بموادعة، ونحو ذلك من أسباب السلم والصلح (2) = (فاجنح لها) ، يقول: فمل إليها، وابذل لهم ما مالوا إليه من ذلك وسألوكه.
* * *
يقال منه: "جنح الرجل إلى كذا يجنح إليه جنوحًا" ، وهي لتميم وقيس، فيما ذكر عنها، تقول: "يجنُح" ، بضم النون، وآخرون: يقولون: "يَجْنِح" بكسر النون، وذلك إذا مال، ومنه قول نابغة بني ذبيان:
جَوَانِحَ قَدْ أَيْقَنَّ أَنَّ قَبِيلَهُ إذَا مَا التَقَى الجمْعانِ أَوَّلُ غَالِبِ (3)
جوانح: موائل.
* * *
(1)
الأثر: 16244 - سيرة ابن هشام 2: 329، 330، وهو تابع الأثر السالف رقم: 16218.

(2)
انظر تفسير "السلم" فيما سلف 4: 251 - 255.

(3)
ديوانه: 43، من شعره المشهور في عمرو بن الحارث الأعرج، حين هرب إلى الشأم، من النعمان بن المنذر في خبر المتجردة، وقبله، ذكر فيها غارة جيشه، والنسور التي تتبع الجيش: إذَا مَا غَزَوْا بِالجَيْشِ، حَلَّقَ فَوْقَهُمْ ... عَصَائِبُ طَيْرٍ تَهْتَدِي بِعَصَائِبِ

يُصَاحبْنَهُمْ حَتَّى يُغِرْنَ مُغَارَهم ... مِنَ الضَّارِيَاتِ بالدِّمَاءِ الدَّوَارِبِ
تَرَاهُنَّ خَلْفَ القومِ خُزْرًا عُيُونهَا ... جُلُوسَ الشُّيُوخِ فِي ثِيَابِ المَرَانِبِ
جَوانِحَ قَدْ أيْقَنَّ. . . . . . . ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وهذا من جيد الشعر وخالصه.

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif




ابوالوليد المسلم 17-07-2025 05:19 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنفال
الحلقة (745)
صــ 41 إلى صــ 50





وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16245- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (وإن جنحوا للسلم) قال: للصلح، ونسخها قوله: (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) [سورة التوبة: 5]
16246- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وإن جنحوا للسلم) ، إلى الصلح= (فاجنح لها) ، قال: وكانت هذه قبل "براءة" ، وكان نبي الله صلى الله عليه وسلم يوادع القوم إلى أجل، فإما أن يسلموا، وإما أن يقاتلهم، ثم نسخ ذلك بعد في "براءة" فقال: (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) ، وقال: (قاتلوا المشركين كافة) ، [سورة التوبة: 36] ، ونبذ إلى كل ذي عهد عهده، وأمره بقتالهم حتى يقولوا "لا إله إلا الله" ويسلموا، وأن لا يقبلَ منهم إلا ذلك. وكلُّ عهد كان في هذه السورة وفي غيرها، وكل صلح يصالح به المسلمون المشركين يتوادعون به، فإن "براءة" جاءت بنسخ ذلك، فأمر بقتالهم على كل حال حتى يقولوا: "لا إله إلا الله" .
16247- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح، عن الحسين، عن يزيد، عن عكرمة والحسن البصري قالا (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها) ، نسختها الآية التي في "براءة" قوله: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ) ، إلى قوله: (وَهُمْ صَاغِرُونَ) [سورة التوبة: 29]
16248- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها) ، يقول: وإن أرادوا الصلح فأرده.
16249- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها) ، أي: إن دعوك إلى السلم =إلى الإسلام= فصالحهم عليه. (1)
16250- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها) ، قال: فصالحهم. قال: وهذا قد نسخه الجهاد.
* * *
قال أبو جعفر: فأما ما قاله قتادة ومن قال مثل قوله، من أن هذه الآية منسوخة، فقولٌ لا دلالة عليه من كتاب ولا سنة ولا فطرة عقل.
وقد دللنا في غير موضع من كتابنا هذا وغيره على أن الناسخ لا يكون إلا ما نفى حكم المنسوخ من كل وجه. فأما ما كان بخلاف ذلك، فغير كائنٍ ناسخا. (2)
وقول الله في براءة: (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) ، غير نافٍ حكمُه حكمَ قوله. (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها) ، لأن قوله: (وإن جنحوا للسلم) ، إنما عني به بنو قريظة، وكانوا يهودًا أهلَ كتاب، وقد أذن الله جل ثناؤه للمؤمنين بصلح أهل الكتاب ومتاركتهم الحربَ على أخذ الجزية منهم.
وأما قوله: (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) فإنما عُني به مشركو العرب من عبدة الأوثان، الذين لا يجوز قبول الجزية منهم. فليس في إحدى
(1)
الأثر: 16249 - سيرة ابن هشام 2: 330، وهو تابع الأثر السالف رقم: 16244، وفي السيرة: "إلى السلم على الإسلام" .

(2)
انظر مقالته في "النسخ" فيما سلف 11: 209، وما بعده وما قبله في فهارس الكتاب، وفي فهارس العربية والنحو وغيرها.

الآيتين نفي حكم الأخرى، بل كل واحدة منهما محكمة فيما أنزلت فيه.
16251- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وإن جنحوا للسلم) ، قال: قريظة.
* * *
وأما قوله: (وتوكل على الله) ، يقول: فوِّض إلى الله، يا محمد، أمرك، واستكفِه، واثقًا به أنه يكفيك (1) كالذي:-
16252- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (وتوكل على الله) ، إن الله كافيك. (2)
* * *
وقوله: (إنه هو السميع العليم) ، يعني بذلك: إن الله الذي تتوكل عليه، "سميع" ، لما تقول أنت ومن تسالمه وتتاركه الحربَ من أعداء الله وأعدائك عند عقد السلم بينك وبينه، وما يشترط كل فريق منكم على صاحبه من الشروط (3) = "العليم" ، بما يضمره كل فريق منكم للفريق الآخر من الوفاء بما عاقده عليه، ومن المضمر ذلك منكم في قلبه، والمنطوي على خلافه لصاحبه. (4)
* * *
(1)
انظر تفسير "التوكل" فيما سلف ص: 15 تعليق: 1، والمراجع هناك.

(2)
الأثر: 16252 - سيرة ابن هشام 2: 330، وهو تابع الأثر السالف رقم: 16249.

(3)
في المطبوعة: "ويشرط كل فريق. . ." ، وفي المخطوطة: "ويشترط. . ." ، والصواب بينهما ما أثبت.

(4)
انظر تفسير "سميع" و "عليم" فيما سلف من فهارس اللغة (سمع) ، (علم) .

القول في تأويل قوله: {وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وإن يرد، يا محمد، هؤلاء الذين أمرتك بأن تنبذ إليهم على سواء إن خفت منهم خيانة، وبمسالمتهم إن جنحوا للسلم، خداعَك والمكرَ بك (1) = (فإن حسبك الله) ، يقول: فإن الله كافيكهم وكافيك خداعَهم إياك، (2) لأنه متكفل بإظهار دينك على الأديان، ومتضمِّنٌ أن يجعل كلمته العليا وكلمة أعدائه السفلى = (هو الذي أيدك بنصره) ، يقول: الله الذي قواك بنصره إياك على أعدائه (3) = (وبالمؤمنين) ، يعني بالأنصار.
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16253- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، (وإن يريدوا أن يخدعوك) ، قال: قريظة.
16254- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله) ، هو من وراء ذلك. (4)
16255- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (هو الذي أيدك بنصره) ، قال: بالأنصار.
(1)
انظر تفسير "الخداع" فيما سلف 1: 273 - 277، 302 \ 9: 329.

(2)
انظر تفسير "حسبك" فيما سلف 11: 137، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(3)
انظر تفسير "أيد" فيما سلف 13: 377، تعليق: 3، والمراجع هناك.

(4)
الأثر: 16254 - سيرة ابن هشام، 2: 331، وهو تابع الأثر السالف رقم: 16252.

القول في تأويل قوله: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63) }
قال أبو جعفر: يريد جل ثناؤه بقوله: (وألف بين قلوبهم) ، وجمع بين قلوب المؤمنين من الأوس والخزرج، بعد التفرق والتشتت، على دينه الحق، فصيَّرهم به جميعًا بعد أن كانوا أشتاتًا، وإخوانًا بعد أن كانوا أعداء.
وقوله: (لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم) ، يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: لو أنفقت، يا محمد، ما في الأرض جميعا من ذهب ووَرِق وعَرَض، ما جمعت أنت بين قلوبهم بحيْلك، (1) ولكن الله جمعها على الهدى فأتلفت واجتمعت، تقوية من الله لك وتأييدًا منه ومعونة على عدوك. يقول جل ثناؤه: والذي فعل ذلك وسبَّبه لك حتى صاروا لك أعوانًا وأنصارًا ويدًا واحدة على من بغاك سوءًا هو الذي إن رام عدوٌّ منك مرامًا يكفيك كيده وينصرك عليه، فثق به وامض لأمره، وتوكل عليه.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16256- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (وألف بين قلوبهم) ، قال: هؤلاء الأنصار، ألف بين قلوبهم من بعد حرب، فيما كان بينهم. (2)
(1)
"الحيل" (بفتح فسكون) ، القوة، مثل "الحول" ، يقال: "إنه لشديد الحيل" ، وفي الحديث: "اللهم ذا الحيل الشديد" . وهو لا يزال يستعمل كذلك في عامية مصر.

(2)
ما بين "من بعد حرب" و "فيما كان بينهم" ، بياض في المخطوطة، فيه معقوفة بالحمرة، لا أدري أهو بياض تركه لسقط، أم هو سهو من الناسخ ملأه بالحمرة.

16257- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن بشير بن ثابت، رجل من الأنصار: أنه قال في هذه الآية: (لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألفت بين قلوبهم) ، يعني: الأنصار (1)
16258- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (وألف بين قلوبهم) ، على الهدى الذي بعثك به إليهم = (لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم) ، بدينه الذي جمعهم عليه =يعني الأوس والخزرج. (2)
16259- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن يمان، عن إبراهيم الخوزيّ، عن الوليد بن أبي مغيث، عن مجاهد قال: إذا التقى المسلمان فتصافحا غُفِر لهما. قال قلت لمجاهد: بمصافحةٍ يغفر لهما؟ (3) فقال مجاهد: أما سمعته يقول: (لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألفت بين قلوبهم) ؟ فقال الوليد لمجاهد: أنت أعلم مني. (4)
16260- حدثنا عبد الكريم بن أبي عمير قال، حدثني الوليد، عن أبي عمرو قال، حدثني عبدة بن أبي لبابة، عن مجاهد، ولقيته وأخذ بيدي فقال: إذا تراءى المتحابَّان في الله، (5) فأخذ أحدهما بيد صاحبه وضحك إليه، تحاتّت
(1)
الأثر: 16257 - "بشير بن ثابت الأنصاري" ، مولى النعمان "بن بشير" ، ذكره ابن حبان في الثقات. روى عنه شعبة. مترجم في التهذيب، والكبير 1 \ 2 \ 97، وابن أبي حاتم 1 \ 1 \ 372.

(2)
الأثر: 16258 - سيرة ابن هشام 2: 331، وهو تابع الأثر السالف رقم: 16254.

(3)
في المخطوطة: "يغفر الله له" والذي في المطبوعة أجود.

(4)
الأثر: 16259 - "إبراهيم الخوزي" ، هو: "إبراهيم بن يزيد الخوزي الأموي" ، مولى عمر بن عبد العزيز، ضعيف، مضى برقم: 7484، وكان في المطبوعة والمخطوطة: "إبراهيم الجزري" ، وهو خطأ محض.

و "الوليد بن أبي مغيث" ، نسب إلى جده، ولم أجده منسوبًا إليه في غير هذا المكان، وإنما هو: "الوليد بن عبد الله بن أبي مغيث" ، مولى بني عبد الدار، ثقة. روى عن يوسف بن ماهك، ومحمد بن الحنفية. مترجم في التهذيب، والكبير 4 \ 2 \ 146، وابن أبي حاتم 4 \ 2 \ 9.
(5)
"تراءى الرجلان" ، رأى أحدهما الآخر.

خطاياهما كما يتحاتُّ ورق الشجر. (1) قال عبدة: فقلت له: إنّ هذا ليسير! قال: لا تقل ذلك، فإن الله يقول: (لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم) ! قال عبدة: فعرفت أنه أفقه مني. (2)
16261- حدثني محمد بن خلف قال، حدثنا عبيد الله بن موسى قال، حدثنا فضيل بن غزوان قال، أتيت أبا إسحاق فسلمت عليه فقلت (3) أتعرفني؟ فقال فضيل: نعم! لولا الحياء منك لقبَّلتك = حدثني أبو الأحوص، عن عبد الله، قال: نزلت هذه الآية في المتحابين في الله: (لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم) . (4)
16262- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، أخبرنا ابن عون،
(1)
"تحات ورق الشجر" ، تساقط من غصنه إذا ذبل، ثم انتثر.

(2)
الأثر: 16260 - "عبد الكريم بن أبي عمير" ، شيخ الطبري، سلف برقم: 7578، 11368، 12867.

و "الوليد" ، هو "الوليد بن مسلم" ، سلف مرارًا.
و "أبو عمرو" ، هو الأوزاعي الإمام.
و "عبدة بن أبي لبابة الأسدي" ، مضى برقم: 5859.
وانظر الخبر الآتي رقم: 16263.
(3)
في المستدرك: "لقيت أبا إسحاق بعد ما ذهب بصره" .

(4)
الأثر: 16261 - "أبو إسحاق" هو: السبيعي.

و "أبو الأحوص" ، هو "عوف بن مالك بن نضلة" ، تابعي ثقة، مضى مرارًا.
و "عبد الله" ، هو "عبد الله بن مسعود" .
وهذا الخبر رواه الحاكم في المستدرك 2: 329، من طريق يعلي بن عبيد، عن فضيل، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه" ، ووافقه الذهبي.
ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد 7: 27، 28، من طريق أخرى، وقال: "رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح، غير جنادة بن مسلم، وهو ثقة" .
وخرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 199، وزاد نسبته إلى ابن المبارك، وابن أبي شيبة، وابن أبي الدنيا في كتاب الإخوان، والنسائي، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ، وابن مردويه، والبيهقي في شعب الإيمان.
وسيأتي من طريق أخرى رقم: 16264.
عن عمير بن إسحاق قال: كنا نُحدَّث أن أوّل ما يرفع من الناس =أو قال: عن الناس= الألفة. (1)
16263- حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال، حدثنا أيوب بن سويد، عن الأوزاعي قال، حدثني عبدة بن أبى لبابة، عن مجاهد =ثم ذكر نحو حديث عبد الكريم، عن الوليد. (2)
16264- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، وابن نمير، وحفص بن غياث=، عن فضيل بن غزوان، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص قال: سمعت عبد الله يقول: (لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم) ، الآية، قال: هم المتحابون في الله. (3)
* * *
وقوله: (إنه عزيز حكيم) ، يقول: إن الله الذي ألف بين قلوب الأوس والخزرج بعد تشتت كلمتهما وتعاديهما، وجعلهم لك أنصارًا = (عزيز) ، لا يقهره شيء، ولا يردّ قضاءه رادٌّ، ولكنه ينفذ في خلقه حكمه. يقول: فعليه فتوكل، وبه فثق= (حكيم) ، في تدبير خلقه. (4)
* * *
القول في تأويل قوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (64) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (يا أيها النبي حسبك الله) ، وحسب من اتبعك من المؤمنين، الله. يقول لهم جل ثناؤه: ناهضوا
(1)
الأثر: 16262 - "عمير بن إسحاق" ، مضى قريبًا برقم: 16148.

(2)
الأثر: 16263 - انظر ما سلف رقم: 16260، والتعليق عليه.

(3)
الأثر: 16264 - طريق أخرى للأثر السالف رقم: 16261.

(4)
انظر تفسير "عزيز" و "حكيم" فيما سلف من فهارس اللغة (عزز) ، (حكم) .

عدوكم، فإن الله كافيكم أمرهم، ولا يهولنكم كثرة عددهم وقلة عددكم، فإن الله مؤيدكم بنصره. (1)
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16265- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا مؤمل بن إسماعيل قال، حدثنا سفيان، عن شوذب أبي معاذ، عن الشعبي في قوله: (يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين) ، قال: حسبك الله وحسب من اتبعك من المؤمنين، الله. (2)
16266- حدثني أحمد بن عثمان بن حكيم الأودي قال، حدثنا عبيد الله بن موسى قال، أخبرنا سفيان، عن شوذب، عن الشعبي في قوله: (يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين) ، قال: حسبك الله، وحسب من معك.
16267- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبيد الله، عن سفيان، عن شوذب، عن عامر، بنحوه =إلا أنه قال: حسبك الله، وحسب من شهد معك.
16268- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب، عن ابن زيد في قوله: (يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين) ، قال: يا أيها النبي حسبك الله، وحسب من اتبعك من المؤمنين، إنّ حسبك أنت وهم، الله.
* * *
فـ "منْ" قوله: (ومن اتبعك من المؤمنين) ، على هذا التأويل الذي
(1)
انظر تفسير "حسب" فيما سلف ص: 44، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(2)
الأثر: 16265 - "شوذب، أبو معاذ" ، ويقال: "أبو عثمان" ، مولى البراء بن عازب. قال سفيان، عن شوذب: "كنت تياسًا، فنهاني البراء بن عازب عن عسب الفحل" روى عنه سفيان الثوري، وشعبة. مترجم في الكبير 2 \ 2 \ 261، وابن أبي حاتم 2 \ 1 \ 377، وكان في المطبوعة: "شوذب بن معاذ" وهو خطأ، صوابه في المخطوطة.

وسيأتي في الإسنادين التاليين.
ذكرناه عن الشعبي، نصب، عطفا على معنى "الكاف" في قوله: (حسبك الله) لا على لفظه، لأنها في محل خفض في الظاهر، وفي محل نصب في المعنى، لأن معنى الكلام: يكفيك الله، ويكفي من اتبعك من المؤمنين.
* * *
وقد قال بعض أهل العربية في "من" ، أنها في موضع رفع على العطف على اسم "الله" ، كأنه قال: حسبك الله ومتبعوك إلى جهاد العدو من المؤمنين، دون القاعدين عنك منهم. واستشهد على صحة قوله ذلك بقوله: (حرض المؤمنين على القتال) . (1)
* * *
القول في تأويل قوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (65) الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال) ، حُثَّ متبعيك ومصدِّقيك على ما جئتهم به من الحق، على قتال من أدبر وتولى عن الحق من المشركين (2) = (إن يكن منكم عشرون) رجلا= (صابرون) ، عند لقاء العدو، ويحتسبون أنفسهم ويثبتون
(1)
هو الفراء في معاني القرآن 1: 417.

(2)
انظر تفسير "التحريض" فيما سلف 8: 579.

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif




ابوالوليد المسلم 17-07-2025 05:22 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنفال
الحلقة (746)
صــ 51 إلى صــ 60





لعدوهم = (يغلبوا مئتين) ، من عدوهم ويقهروهم = (وإن يكن منكم مئة) ، عند ذلك (يغلبوا) ، منهم (ألفا) = (بأنهم قوم لا يفقهون) ، يقول: من أجل أن المشركين قوم يقاتلون على غير رجاء ثواب، ولا لطلب أجر ولا احتساب، لأنهم لم يفقهوا أن الله مُوجبٌ لمن قاتل احتسابًا، وطلب موعود الله في الميعاد، ما وعد المجاهدين في سبيله، فهم لا يثبتون إذا صدقوا في اللقاء، خشية أن يُقتلوا فتذهب دنياهم. (1) ثم خفف تعالى ذكره عن المؤمنين، إذ علم ضعفهم فقال لهم: (الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا) ، يعني: أن في الواحد منهم عن لقاء العشرة من عدوهم ضعفًا = (فإن يكن منكم مئة صابرة) ، عند لقائهم للثبات لهم = (يغلبوا مئتين) منهم = (وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين) منهم = (بإذن الله) يعني: بتخلية الله إياهم لغلبتهم، ومعونته إياهم (2) = (والله مع الصابرين) ، لعدوهم وعدو الله، احتسابًا في صبره، وطلبًا لجزيل الثواب من ربه، بالعون منه له، والنصر عليه.
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16269- حدثنا محمد بن بشار قال. حدثنا محمد بن محبب قال، حدثنا سفيان، عن ليث، عن عطاء في قوله: (إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين) ، قال: كان الواحد لعشرة، ثم جعل الواحد باثنين; لا ينبغي له أن يفرَّ منهما. (3)
16270- حدثنا سعيد بن يحيى قال، حدثنا أبي قال، حدثنا ابن جريج،
(1)
انظر تفسير "فقه" فيما سلف 13: 278، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "الإذن" فيما سلف 11: 215، تعليق: 2. والمراجع هناك.

(3)
الأثر: 16269 - "محمد بن محبب بن إسحاق القرشي" ، ثقة، مضى برقم: 6320.

عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس قال: جعل على المسلمين على الرجل عشر من الكفار، فقال: (إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين) ، فخفف ذلك عنهم، فجعل على الرجل رجلان. قال ابن عباس: فما أحب أن يعلم الناس تخفيف ذلك عنهم.
16271- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال: قال محمد بن إسحاق، حدثني عبد الله بن أبي نجيح المكي، عن عطاء بن أبي رباح، عن عبد الله بن عباس، قال: لما نزلت هذه الآية، ثقلت على المسلمين، وأعظموا أن يقاتل عشرون مئتين، ومئة ألفا، فخفف الله عنهم. فنسخها بالآية الأخرى فقال: (الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مئة صابرة يغلبوا مئتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين) ، قال: وكانوا إذا كانوا على الشطر من عدوهم لم ينبغ لهم أن يفروا منهم. وإن كانوا دون ذلك، لم يجب عليهم أن يقاتلوا، وجاز لهم أن يتحوّزوا عنهم. (1)
16272- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: (إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين) ، قال: كان لكل رجل من المسلمين عشرة لا ينبغي له أن يفرّ منهم. فكانوا كذلك حتى أنزل الله: (الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مئة صابرة يغلبوا مئتين) ، فعبأ لكل رجل من المسلمين رجلين من المشركين، فنسخ الأمر الأول =وقال مرة أخرى في قوله: (إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين) ، فأمر الله الرجل من المؤمنين أن يقاتل عشرة من الكفار، فشق ذلك على المؤمنين، ورحمهم الله، فقال: (إن يكن منكم مئة صابرة يغلبوا مئتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين) ،
(1)
الأثر: 16271 - سيرة ابن هشام 2: 331، وهو تابع الأثر التالي رقم: 16285، قدم الطبري وأخر في هذا الموضع، فاختلف ترتيب نقله من تفسير ابن إسحاق في سيرته.

فأمر الله الرجلَ من المؤمنين أن يقاتل رجلين من الكفار.
16273- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال) ، إلى قوله: (بأنهم قوم لا يفقهون) ، وذلك أنه كان جعل على كل رجل من المسلمين عشرة من العدو يؤشِّبهم =يعني: يغريهم (1) = بذلك، ليوطنوا أنفسهم على الغزو، وأن الله ناصرهم على العدو، ولم يكن أمرًا عزمه الله عليهم ولا أوجبه، ولكن كان تحريضًا ووصية أمر الله بها نبيه، ثم خفف عنهم فقال: (الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا) ، فجعل على كل رجلٍ رجلين بعد ذلك، تخفيفا، ليعلم المؤمنون أن الله بهم رحيم، فتوكلوا على الله وصبروا وصدقوا، ولو كان عليهم واجبًا كفّروا إذنْ كلَّ رجل من المسلمين [نكل] عمن لقي من الكفار إذا كانوا أكثر منهم فلم يقاتلوهم. (2) فلا يغرنَّك قولُ رجالٍ! فإني قد سمعت رجالا يقولون: إنه لا يصلح لرجل من المسلمين أن يقاتل حتى يكون على كل رجل رجلان، وحتى يكون على كل رجلين أربعة، ثم بحساب ذلك، وزعموا أنهم يعصون الله إن قاتلوا حتى يبلغوا عدة ذلك، وإنه لا حرج عليهم أن لا يقاتلوا حتى يبلغوا عدَّةَ أن يكون على كل رجل رجلان، وعلى كل رجلين أربعة، وقد قال الله: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ) [سورة البقرة: 207] ، وقال الله: (فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ) [سورة النساء: 84] ، فهو التحريض الذي أنزل الله
(1)
"التأشيب" التحريش بين القوم بالشر، ومثله "التأشيب" بمعنى الإغراء بالعدو، انظر كما سلف في التعليق على رقم: 16059، ج 13: 531، تعليق رقم: 2، وكتب اللغة مقصرة في بيان معنى هذا الحرف من العربية.

(2)
في المطبوعة: "ولو كان عليهم واجبًا الغزو إذا بعد كل رجل من المسلمين عمن لقي من الكفار" ، جاء بكلام لا معنى له. وكان في المخطوطة: "ولو كان عليهم واجبًا كفروا إذا كل رجل من المسلمين عمن لقي من الكفار" ، وصواب الجملة ما أثبت، ولكن الناسخ أسقط، والله أعلم، [نكل] التي وضعها بين القوسين. و "نكل عن عدوه" ، نكص.

عليهم في "الأنفال" ، فلا تعجزنَّ، قاتلْ، قد سقطت بين ظَهْرَيْ أناس كما شاء الله أن يكونوا. (1)
16274- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح، عن الحصين، عن زيد، عن عكرمة والحسن قالا قال في "سورة الأنفال" = (إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين وإن يكن منكم مئة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون) ، ثم نسخ فقال: (الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا) ، إلى قوله: (والله مع الصابرين) .
16275- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن عكرمة، في قوله: (إن يكن منكم عشرون صابرون) ، قال: واحد من المسلمين وعشرة من المشركين. ثم خفف عنهم فجعل عليهم أن لا يفرَّ رجل من رجلين.
16276- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: (إن يكن منكم عشرون صابرون) ، إلى قوله: (وإن يكن منكم مئة) ، قال: هذا لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يوم بدر، جعل على الرجل منهم عشرة من الكفار، (2) فضجوا من ذلك، فجعل على الرجل قتال رجلين، تخفيفا من الله.
16277- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا إبراهيم بن يزيد، عن عمرو بن دينار، وأبي معبد عن ابن عباس قال: إنما أمر الرجل أن يصبر نفسه لعشرة، والعشرة لمئة إذ المسلمون قليل، فلما كثر
(1)
في المطبوعة: "فلا يعجزك قائل قد سقطت" ، وهو بلا معنى، صوابه ما في المخطوطة كما أثبته، وهو فيها غير منقوط، وهذا صواب قراءة. وقوله: "فلا تعجزن" ، يعني لا تقعد عن القتال عجزًا، ولكن قاتل، فإنك قد وقعت بين عدد من العدو، كما شاء الله أن يكون عددهم، قلوا أو كثروا.

(2)
في المطبوعة في الموضعين حذف "قتال" ، لأنها في المخطوطة: "فقال" ، وصواب قراءتها ما أثبت.

المسلمون، خفف الله عنهم. فأمر الرجل أن يصبر لرجلين، والعشرة للعشرين، والمئة للمئتين.
16278- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن ابن أبي نجيح: (إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين) ، قال: كان فرض عليهم إذا لقي عشرون مئتين أن لا يفروا، فإنهم إن لم يفروا غَلَبوا، ثم خفف الله عنهم وقال: (إن يكن منكم مئة صابرة يغلبوا مئتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين) ، فيقول: لا ينبغي أن يفر ألف من ألفين، فإنهم إن صبروا لهم غلبوهم.
16279- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا إن يكن منكم مئة صابرة يغلبوا مئتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين) ، جعل الله على كل رجل رجلين، بعد ما كان على كل رجل عشرة = وهذا الحديث عن ابن عباس.
16280- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يزيد بن هارون، عن جرير بن حازم، عن الزبير بن الخرِّيت، عن عكرمة، عن ابن عباس: كان فُرِض على المؤمنين أن يقاتل الرجل منهم عشرة من المشركين. قوله: (إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين وإن يكن منكم مئة يغلبوا ألفا) ، فشق ذلك عليهم، فأنزل الله التخفيف، فجعل على الرجل أن يقاتل الرجلين، قوله: (إن يكن منكم مئة صابرة يغلبوا مئتين) ، فخفف الله عنهم، ونُقِصوا من الصبر بقدر ذلك. (1)
16281- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين) ، يقول: يقاتلوا مئتين، فكانوا أضعف من ذلك، فنسخها الله عنهم. فخفف
(1)
في المطبوعة: "ونقصوا من الصبر" ، زاد "واوًا" ، وغير "النصر" ، فأفسد الكلام. غفر الله له.

فقال: (فإن يكن منكم مئة صابرة يغلبوا مئتين) ، فجعل أول مرة الرجل لعشرة، ثم جعل الرجل لاثنين.
16282- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: (إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين) ، قال: كان فرض عليهم إذا لقي عشرون مئتين أن لا يفروا، فإنهم إن لم يفرُّوا غَلَبوا. ثم خفف الله عنهم فقال: (إن يكن منكم مئة صابرة يغلبوا مئتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله) ، فيقول: لا ينبغي أن يفرّ ألف من ألفين، فإنهم إن صبروا لهم غلبوهم.
16283- حدثنا الحسن قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن جويبر، عن الضحاك قال: كان هذا واجبًا أن لا يفر واحد من عشرة.
16284- وبه قال: أخبرنا الثوري، عن الليث، عن عطاء، مثل ذلك.
* * *
وأما قوله: (بأنهم قوم لا يفقهون) ، فقد بينّا تأويله. (1)
* * *
وكان ابن إسحاق يقول في ذلك ما:-
16285- حدثنا به ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (بأنهم قوم لا يفقهون) ، أي لا يقاتلون على نِيَّةٍ ولا حقٍّ فيه، ولا معرفة بخير ولا شر. (2)
* * *
قال أبو جعفر: وهذه الآية =أعني قوله: (إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين) ، = وإن كان مخرجها مخرج الخبر، فإن معناها الأمر. يدلّ على
(1)
انظر ما سلف ص: 51.

(2)
الأثر: 16285 - سيرة ابن هشام 2: 331، وهو تابع الأثر السالف رقم: 16257، وقد أخره أبو جعفر عن موضعه إلى هذا الموضع، وقدم عليه الخبر رقم: 16271، وهو تال له في تفسير السورة في سيرة ابن هشام.

كان في المطبوعة. "ولا معرفة لخير" ، وأثبت ما في المخطوطة والسيرة.
ذلك قوله: (الآن خفف الله عنكم) ، فلم يكن التخفيف إلا بعد التثقيل. ولو كان ثبوت العشرة منهم للمئة من عدوهم كان غير فرض عليهم قبل التخفيف، وكان ندبًا، لم يكن للتخفيف وجه، لأن التخفيف إنما هو ترخيص في ترك الواحد من المسلمين الثبوتَ للعشرة من العدو. وإذا لم يكن التشديد قد كان له متقدِّمًا، لم يكن للترخيص وجه، إذ كان المفهوم من الترخيص إنما هو بعد التشديد. وإذ كان ذلك كذلك، فمعلوم أن حكم قوله: (الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا) ، ناسخ لحكم قوله: (إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين وإن يكن منكم مئة يغلبوا ألفا من الذين كفروا) . وقد بينا في كتابنا "البيان عن أصول الأحكام" ، (1) أن كل خبرٍ من الله وعد فيه عباده على عملٍ ثوابًا وجزاء، وعلى تركه عقابًا وعذابًا، وإن لم يكن خارجًا ظاهرُه مخرج الأمر، ففي معنى الأمر= بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
* * *
واختلفت القرأة في قراءة قوله: (وعلم أن فيكم ضعفًا) .
فقرأه بعض المدنيين وبعض البصريين: (وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضُعْفًا) ، بضم "الضاد" في جميع القرآن، وتنوين "الضعف" على المصدر من: "ضَعُف الرجل ضُعْفًا" .
* * *
وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين: (وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا) ، بفتح "الضاد" ، على المصدر أيضًا من "ضَعُف" .
* * *
وقرأه بعض المدنيين: (ضُعَفَاء) ، على تقدير "فعلاء" ، جمع "ضعيف" على "ضعفاء" ، كما يجمع "الشريك" ، "شركاء" ، و "الرحيم" ، "رحماء" .
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القراءات في ذلك بالصواب، قراءة من قرأه: (وَعَلِمَ
(1)
في المطبوعة: "كتاب لطيف البيان" ، وأثبت ما في المخطوطة، والكتاب هو هو.

أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا) ، و (ضُعْفًا) ، بفتح الضاد أو ضمها، لأنهما القراءتان المعروفتان، وهما لغتان مشهورتان في كلام العرب فصيحتان بمعنى واحد، فبأيتهما قرأ القارئ فهو مصيبٌ الصوابَ.
* * *
فأما قراءة من قرأ ذلك: "ضعفاء" ، فإنها عن قراءة القرأة شاذة، وإن كان لها في الصحة مخرج، فلا أحبُّ لقارئٍ القراءةَ بها.
* * *
القول في تأويل قوله: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ما كان لنبي أن يحتبس كافرًا قدر عليه وصار في يده من عبدة الأوثان للفداء أو للمنّ.
* * *
و "الأسر" في كلام العرب: الحبس، يقال منه: "مأسورٌ" ، يراد به: محبوس. ومسموع منهم: "أبَاله الله أسْرًا" . (1)
* * *
وإنما قال الله جل ثناؤه [ذلك] لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، يعرِّفه أن قتل المشركين الذين أسرهم صلى الله عليه وسلم يوم بدر ثم فادى بهم، كان أولى بالصواب من أخذ الفدية منهم وإطلاقهم.
* * *
(1)
انظر تفسير "الأسير" فيما سلف 2: 311، 312.

وأما قوله: "أباله الله أسرا" ، فإن "الأسر" "بضم الألف وسكون السين" ، وهو احتباس البول، يقال: "أخذه الأسر" . وهذه الجملة كانت في المخطوطة: "أبي الله أسرًا" ، وفي لسان العرب، كما في المطبوعة "أناله بالنون" ، وفي أساس البلاغة: "وفي أدعيتهم: أبي لك الله أسرا" .
والذي في المخطوطة وأساس البلاغة يرجح صواب ما قرأته بالباء.
وقوله: (حتى يثخن في الأرض) ، يقول: حتى يبالغ في قتل المشركين فيها، ويقهرهم غلبة وقسرًا.
* * *
يقال منه: "أثخن فلان في هذا الأمر" ، إذا بالغ فيه. وحكي: "أثخنته معرفةً" ، بمعنى: قتلته معرفةً.
* * *
= (تريدون) ، يقول للمؤمنين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تريدون) ، أيها المؤمنون، (عرض الدنيا) ، بأسركم المشركين =وهو ما عَرَض للمرء منها من مال ومتاع. (1) يقول: تريدون بأخذكم الفداء من المشركين متاع الدنيا وطُعْمها = (والله يريد الآخرة) ، يقول: والله يريد لكم زينة الآخرة وما أعدّ للمؤمنين وأهل ولايته في جناته، بقتلكم إياهم وإثخانكم في الأرض. يقول لهم: فاطلبوا ما يريد الله لكم وله اعملوا، (2) لا ما تدعوكم إليه أهواء أنفسكم من الرغبة في الدنيا وأسبابها = (والله عزيز) ، يقول: إن أنتم أردتم الآخرة، لم يغلبكم عدوّ لكم، لأن الله عزيز لا يقهر ولا يغلب = وأنه (حكيم) (3) في تدبيره أمرَ خلقه.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16286- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض) ، وذلك يوم بدر والمسلمون يومئذ قليل، فلما كثروا واشتد سلطانهم، أنزل الله تبارك وتعالى بعد هذا في الأسارى: (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً) ، [سورة محمد: 4] ، فجعل الله النبيَّ والمؤمنين في أمر الأسارى بالخيار، إن
(1)
انظر تفسير "العرض" فيما سلف 9: 71 \ 13: 211.

(2)
في المطبوعة والمخطوطة: "واطلبوا" ، والسياق للفاء لا للواو.

(3)
انظر تفسير "عزيز" و "حكيم" فيما سلف من فهارس اللغة (عزز) ، (حكم) .

شاءوا قتلوهم، وإن شاءوا استعبدوهم، وإن شاءوا فادَوْهم.
16287- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا) ، الآية، قال: أراد أصحاب نبيّ الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر الفداءَ، ففادوهم بأربعة آلاف أربعة آلاف. (1) ولعمري ما كان أثخن رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ! وكان أول قتال قاتله المشركين.
16288- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن فضيل، عن حبيب بن أبي عمرة، عن مجاهد قال: "الإثخان" ، القتل. (2)
16289- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا شريك، عن الأعمش، عن سعيد بن جبير في قوله: (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض) ، قال: إذا أسرتموهم فلا تفادوهم حتى تثخنوا فيهم القتلَ.
16290- ... قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا إسرائيل، عن خصيف، عن مجاهد: (ما كان لنبي أن يكون له أسرى) ، الآية، نزلت الرخصة بعدُ، إن شئت فمنّ، وإن شئت ففاد.
16291- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض) ، يعني: الذين أسروا ببدر.
16292- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (ما كان لنبي أن يكون له أسرى) ، من عدوه = (حتى يثخن في الأرض) ، أي:
(1)
في المطبوعة حذف "أربعة آلاف" ، الثانية، كأنها لم تعجبه، غفر الله له! ! .

(2)
الأثر: 16288 - "حبيب بن أبي عمرة" ، القصاب، أو: اللحام، "أبو عبد الله الحماني" ، ثقة قليل الحديث سلف برقم: 10224.

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif




ابوالوليد المسلم 17-07-2025 05:25 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنفال
الحلقة (747)
صــ 61 إلى صــ 70





يثخن عدوه حتى ينفيهم من الأرض = (تريدون عرض الدنيا) ، أي: المتاع والفداء بأخذ الرجال = (والله يريد الآخرة) ، بقتلهم، لظهور الدين الذي يريدون إطفاءه، الذي به تدرك الآخرة. (1)
16293- حدثني أبو السائب قال، حدثنا أبو معاوية قال، حدثنا الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، عن عبد الله قال: لما كان يوم بدر وجيء بالأسرى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تقولون في هؤلاء الأسرى؟ فقال أبو بكر: يا رسول الله، قومك وأهلك، استبقهم واستأنهم، (2) لعل الله أن يتوب عليهم. وقال عمر: يا رسول الله، كذبوك وأخرجوك، قدّمهم فاضرب أعناقهم! وقال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله، انظر واديًا كثير الحطب فأدخلهم فيه، ثم أضرمه عليهم نارا. قال: فقال له العباس: قُطِعتْ رَحِمُك! قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجبهم، ثم دخل. فقال ناس: يأخذ بقول أبي بكر. وقال ناس: يأخذ بقول عُمر. وقال ناس: يأخذ بقول عبد الله بن رواحة. ثم خرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إنّ الله ليلين قلوب رجال حتى تكون ألين من اللبن، وإن الله ليشدد قلوبَ رجال حتى تكون أشد من الحجارة! وإن مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم، قال: (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [سورة إبراهيم: 36] ، ومثلك يا أبا بكر مثل عيسى قال: (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ) ، الآية [سورة المائدة: 118] ."
(1)
الأثر: 16292 - سيرة ابن هشام 2: 332، وهو تابع الأثر السالف رقم: 16271. وفي لفظ سيرة ابن هشام بعض الاختلاف، وأشك في قوله هناك: "أي: قتلهم لظهور الدين الذي يريد إظهاره، والذي تدرك به الآخرة" .

(2)
كان في المطبوعة: "واستأن بهم" ، وهو نص الخبر في مسند أحمد وغيره، من "الأناة" . يقال: "استأنى بالشيء" ، ترفق به، وأخره وانتظر به، وتربص به. ونقل صاحب أساس البلاغة: "واستأنيت فلانًا" : لم أعجله، وأنشد لابن مقبل: وَقَوْمٌ بأَيدِيهِمْ رِمَاحُ رُدَينَةٍ ... شَوَارِعَ تَسْتأني دَمًا أو تسَلَّفُ

قال: "تنظره أو تتعجله" .
ورواية "واستأنهم" هذه هي الثابتة في تاريخ أبي جعفر، في رواية هذا الخبر.
ومثلك يا عمر مثل نوح، قال: (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا) [سورة نوح: 26] ، ومثلك كمثل موسى قال: (1) (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ) [سورة يونس: 88] . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنتم اليوم عالة، (2) فلا ينفلتّنَ أحدٌ منهم إلا بفداء أو ضرب عنق. قال عبد الله بن مسعود: إلا سهيل بن بيضاء، فإني سمعته يذكر الإسلام! فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما رأيتُني في يوم أخوفَ أن تقع عليَّ الحجارة من السماء، مني في ذلك اليوم، حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إلا سهيل بن بيضاء. قال: فأنزل الله: (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض) ، إلى آخر الثلاث الآيات. (3)
16294- حدثنا ابن بشار قال، [حدثنا عمر بن يونس اليمامي] قال، حدثنا عكرمة بن عمار قال، حدثنا أبو زميل قال، حدثني عبد الله بن عباس قال: لما أسروا الأسارى، يعني يوم بدر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين أبو بكر وعمر وعلي؟ قال: ما ترون في الأسارى؟ فقال أبو بكر: يا رسول الله، هم بنو العم والعشيرة، وأرى أن تأخذ منهم فدية تكون لنا قوة على الكفار، وعسى الله أن يهديهم للإسلام! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما ترى يا ابن الخطاب؟ فقال: لا والذي لا إله إلا هو، ما أرى الذي رأى أبو بكر، يا نبي الله، ولكن أرى أن تمكننا منهم، فتمكن عليًّا من عقيل فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من العباس فيضرب عنقه، وتمكنني من فلان - نسيبٍ لعمر - فأضرب عنقه، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها. فهويَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهوَ ما قلت. (4) قال عمر: فلما كان من الغد، جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو وأبو بكر قاعدان يبكيان، فقلت: يا رسول الله، أخبرني من أيّ شيء تبكي أنتَ وصاحبك، فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبكي للذي عرَض لأصحابي من أخذهم الفداء، ولقد عُرِض علي عذابكم أدنى من هذه الشجرة! لشجرة قريبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل: (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض) ، إلى قوله: (حلالا طيبا) ، وأحلّ الله الغنيمة لهم. (5)
* * *
(1)
في المطبوعة: "ومثلك يا بن أبي رواحة كمثل موسى" ، زاد من عنده ما ليس في المخطوطة، وهو اجتراء قبيح بلا علم، فإن الحديث ليس فيه هذه الزيادة، والقول فيه موجه إلى عمر، ولم يذكر فيه عن ابن رواحة مثل، كما في جميع المراجع، بل في بعضها: "وإن مثلك يا عمر كمثل موسى" . فهذه زيادة لا تحل لأحد.

وإنما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب مثل لعبد الله بن رواحة، والله أعلم، لما في مشورته من النكال الشديد، فإنه لا يعذب بالنار إلا رب النار سبحانه وتعالى، وأعاذنا من عذاب جهنم بفضله ورحمته ومنه على كل عاص من عباده.
(2)
"العالة" : الفقراء ذوي الفاقة، جمع "عائل" . و "عال الرجل" ، احتاج وافتقر.

(3)
الأثر: 16293 - إسناده منقطع، لأن "أبا عبيدة بن عبد الله بن مسعود" ، لم يسمع من أبيه.

وهذا الخبر رواه أحمد في مسنده من هذه الطريق نفسها رقم: 3632 - 3634،
ورواه الحاكم في المستدرك 3: 21، 22، من طريق جرير بن عبد الحميد، عن الأعمش، وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه" ، وقال الذهبي: "صحيح، سمعه جرير بن عبد الحميد" .
ورواه الطبري في تاريخه 2: 259، بلفظه وإسناده.
ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد 6: 86، 87، وفصل الكلام فيه، وقال: "رواه أحمد. . . ورواه الطبراني، وفيه أبو عبيدة، ولم يسمع من أبيه، ولكن رجاله ثقات" .
ورواه الواحدي في أسباب النزول: 178.
وأما قوله: "إلا سهيل بن بيضاء" ، فهو خطأ من بعض الرواة، وإنما هو "سهل بن بيضاء" أخو "سهيل" لأبيه وأمه، قال ابن سعد: "أسلم بمكة وكتم إسلامه، فأخرجته قريش معها في نفير بدر، فشهد بدرًا مع المشركين، فأسر يومئذ. فشهد له عبد الله بن مسعود أنه رآه يصلي بمكة، فخلى عنه. والذي روى القصة في سهيل بن بيضاء قد أخطأ، سهيل بن بيضاء أسلم قبل عبد الله بن مسعود، ولم يستخف بإسلامه، وهاجر إلى المدينة، وشهد بدرًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلمًا، لا شك فيه. فخلط من روى ذلك الحديث ما بينه وبين أخيه، لأن سهيلا أشهر من أخيه سهل، والقصة في سهل" ، ابن سعد 4 \ 1 \ 156.
(4)
هذا الخبر عن ابن عباس، عن عمر رضي الله عنه، كما سترى في التخريج.

(5)
الأثر: 16294 - "أبو زميل" ، هو "سماك بن الوليد الحنفي" ، سلف أخيرًا برقم: 15734، 1600، وسائر رجال الإسناد قد مضوا جميعًا.

وكان في المطبوعة والمخطوطة: "حدثنا ابن بشار قال حدثنا عكرمة بن عمار" ، وهو إسناد مختل، والظاهر أن الناسخ كتب "ابن بشار" في آخر الصفحة، كما هو في مخطوطتنا، ثم لما انتقل إلى أول الصفحة التالية كتب: "حدثنا عكرمة بن عمار" ، فأسقط من الإسناد ما أثبته بين القوسين، واستظهرته من رواية صدر هذا الخبر نفسه في الترمذي، في كتاب التفسير، حيث رواه مختصرًا، قال: "حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عمر بن يونس اليمامي، حدثنا عكرمة بن عمار، حدثنا أبو زميل، حدثني عبد الله بن عباس، حدثني عمر بن الخطاب" .
وقد مضى مختصرًا كما في الترمذي، برقم: 15734، وقد بينت تخريج الخبر هناك.
وهذا الخبر مطولا رواه أحمد في مسنده رقم: 208، 221، من طريق أبي نوح قراد، عن عكرمة بن عمار.
ورواه مسلم في صحيحه مطولا 12: 84 - 87، من طريق هناد بن السري، عن ابن المبارك، عن عكرمة، ثم من طريق زهير بن حرب، عن عمر بن يونس الحنفي (اليمامي) ، عن عكرمة.
ورواه أبو جعفر في التاريخ 2: 294، مطولا، من طريق أحمد بن منصور، عن عاصم بن علي، عن عكرمة.
ورواه الواحدي في أسباب النزول: 179.
وهو حديث صحيح، لا يعرف إلا من طريق عكرمة بن عمار، كما سلف.
وخرجه ابن كثير في تفسير 45: 18، 19.
القول في تأويل قوله: {لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لأهل بدر الذين غنموا وأخذوا من الأسرى الفداء: (لولا كتاب من الله سبق) ، يقول: لولا قضاء من الله سبق لكم أهل بدر في اللوح المحفوظ، بأن الله مُحِلٌّ لكم الغنيمة، وأن الله قضى فيما قضى أنه لا يُضِلّ قومًا بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون، (1) وأنه لا يعذب أحدًا شهد المشهد الذي شهدتموه ببدر مع رسولا الله صلى الله عليه وسلم ناصرًا دينَ الله = لنالكم من الله، بأخذكم الغنيمة والفداء، عذاب عظيم. (2)
* * *
(1)
انظر تفسير "كتاب" فيما سلف من فهارس اللغة (كتب) .

(2)
انظر تفسير "المس" فيما سلف 13: 333، تعليق: 2، والمراجع هناك.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16295- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا ابن أبي عدي قال، حدثنا عوف، عن الحسن في قوله: (لولا كتاب من الله سبق) الآية، قال: إن الله كان مُطْعِم هذه الأمة الغنيمةَ، وإنهم أخذوا الفداء من أسارى بدر قبل أن يؤمروا به. قال: فعاب الله ذلك عليهم، ثم أحله الله.
16296- حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع قال، حدثنا بشر بن المفضل عن عوف، عن الحسن في قول الله: (لولا كتاب من الله سبق) الآية، وذلك يوم بدر، وأخذ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم المغانمَ والأسارى قبل أن يؤمروا به، وكان الله تبارك وتعالى قد كتب في أم الكتاب: "المغانم والأسارى حلال لمحمد وأمته" ، ولم يكن أحله لأمة قبلهم، وأخذوا المغانم وأسروا الأسارى قبل أن ينزل إليهم في ذلك، قال الله: (لولا كتاب من الله سبق) ، يعني في الكتاب الأول. أن المغانم والأسارى حلال لكم = (لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم) .
16297- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (لولا كتاب من الله سبق) الآية، وكانت الغنائم قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم في الأمم، إذا أصابوا مغنمًا جعلوه للقربان، وحرم الله عليهم أن يأكلوا منه قليلا أو كثيرًا. حُرِّم ذلك على كل نبي وعلى أمته، فكانوا لا يأكلون منه، ولا يغلُّون منه، ولا يأخذون منه قليلا ولا كثيرًا إلا عذبهم الله عليه. وكان الله حرمه عليهم تحريمًا شديدًا، فلم يحله لنبيّ إلا لمحمد صلى الله عليه وسلم. وكان قد سبق من الله في قضائه أن المغنم له ولأمته حلال، فذلك قوله يوم بدر، في أخذ الفداء من الأسارى: (لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم) .
16298- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن عروة، عن
الحسن: (لولا كتاب من الله سبق) قال: إن الله كان مُعطِيَ هذه الأمة الغنيمةَ، وفعلوا الذي فعلوا قبل أن تُحَلّ الغنيمة.
16299- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر قال، قال الأعمش في قوله: (لولا كتاب من الله سبق) ، قال: سبق من الله أن أحل لهم الغنيمة.
16300- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن بشير بن ميمون قال: سمعت سعيدًا يحدث، عن أبي هريرة، قال: قرأ هذه الآية: (لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم) ، قال: يعني: لولا أنه سبق في علمي أني سأحلُّ الغنائم، لمسكم فيما أخذتم من الأسارى عذاب عظيم. (1)
16301- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا جابر بن نوح، وأبو معاوية بنحوه، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أحلت الغنائم لأحدٍ سُودِ الرؤوس من قبلكم، كانت تنزل نارٌ من السماء وتأكلها، حتى كان يوم بدر، فوقع الناس في الغنائم، فأنزل الله: (لولا كتاب من الله سبق لمسكم) ، حتى بلغ، (حلالا طيبًا) .
16302- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بنحوه = قال: فلما كان يوم بدر أسرَع الناس في الغنائم. (2)
(1)
الأثر: 16300 - "بشير بن ميمون الخراساني الواسطي" ، أبو صيفي، ضعيف، منكر الحديث، متهم بالوضع. وقال أبو حاتم: "ضعيف الحديث، وعامة روايته مناكير" . وأجمعوا على طرح حديثه، مترجم في التهذيب، والكبير 1 \ 2 \ 105، وابن أبي حاتم 1 \ 1 \ 379، وميزان الاعتدال 1: 153، 154.

و "سعيد" هو "سعيد بن أبي سعيد المقبري" .
(2)
الأثران: 16301، 16302 - حديث صحيح الإسناد، إلا ما كان من أمر "جابر بن نوح الحماني" ، ليس حديثه بشيء، ضعيف، قال يحيى بن معين: "جابر بن نوح، إمام مسجد بني حمان، ولم يكن بثقة، كان ضعيفًا" . مترجم في التهذيب، والكبير 1 \ 2 \ 210، وابن أبي حاتم 1 \ 1 \ 500، وميزان الاعتدال 1: 176، وأبو كريب رواه عن جابر، وعن أبي معاوية، فحديث أبي معاوية هو الصحيح.

وهذا الخبر رواه الترمذي في كتاب التفسير من طريق عبد بن حميد، عن معاوية بن عمرو، عن زائدة، عن الأعمش، وقال: "هذا حديث حسن صحيح" .
ورواه البيهقي في السنن 6: 290 من طريق محاضر، عن الأعمش، ومن طريق أبي معاوية، عن الأعمش.
وخرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 203، وزاد نسبته إلى النسائي، وابن أبي شيبة في المصنف، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ، وابن مردويه.
16303- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن فضيل، عن أشعث بن سوار، عن ابن سيرين، عن عبيدة، قال: أسر المسلمون من المشركين سبعين وقتلوا سبعين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اختاروا أن تأخذوا منهم الفداء فتقوَّوْا به على عدوكم، وإن قبلتموه قتل منكم سبعون = أو تقتلوهم! فقالوا: بل نأخذ الفدية منهم، وقُتل منهم سبعون، قال عبيدة، وطلبوا الخيرتين كلتيهما. (1)
16304- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن فضيل، عن أشعث، عن عبيدة قال: كان فداء أسارى بدر مئة أوقية، و "الأوقية" أربعون درهمًا، ومن الدنانير ستة دنانير. (2)
16305- حدثنا أبو كريب ويعقوب بن إبراهيم قالا حدثنا ابن علية قال، حدثنا ابن عون، عن ابن سيرين، عن عبيدة: أنه قال في أسارى بدر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن شئتم قتلتموهم، وإن شئتم فاديتموهم واستشْهِد منكم بعِدَّتهم! فقالوا: بلى، (3) نأخذ الفداء فنستمتع به، ويستشهد منا بعِدَّتهم.
(1)
"الخيرة" (بكسر الخاء وسكون الياء، أو فتح الياء) ، هو ما يختار ويصطفى من الخير.

(2)
انظر تقدير "الأوقية" فيما سلف في الأثر رقم: 16058.

(3)
انظر مجيء "بلى" في غير جحد، فيما سلف في الأثر رقم: 781 ج 1: 554 \ ثم 2: 280، 510 \ 10: 98، تعليق: 4 \ ثم 10: 253، تعليق: 3 \ ثم 12: 174، تعليق: 3.

16306- حدثني أحمد بن محمد الطوسي قال، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال، حدثنا همام بن يحيى قال، حدثنا عطاء بن السائب، عن أبي وائل، عن عبد الله بن مسعود قال: أمر عمر رحمه الله عنه بقتل الأسارى، فأنزل الله: (لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذت عذاب عظيم) . (1)
16307- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (لولا كتاب من الله سبق) ، قال: كان المغنم محرَّمًا على كل نبي وأمته، وكانوا إذا غنموا يجعلون المغنم لله قربانًا تأكله النار. وكان سبق في قضاء الله وعلمه أن يحلّ المغنم لهذه الأمة، يأكلون في بطونهم.
16308- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن عطاء في قول الله: (لولا كتاب من الله سبق لمسكم) ، قال: كان في علم الله أن تحلّ لهم الغنائم، فقال: (لولا كتاب من الله سبق) ، بأنه أحل لكم الغنائم = (لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم) .
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: لولا كتاب من الله سبق لأهل بدر، أن لا يعذبهم، لمسهم عذاب عظيم.
* ذكر من قال ذلك:
16309- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري، عن شريك، عن سالم، عن سعيد: (لولا كتاب من الله سبق) ، قال: لأهل بدر، من السعادة.
16310- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن
(1)
الأثر: 16306 - "همام بن يحيى بن دينار الأزدي" ، ثقة، مضى برقم: 10190، 11725.

وهذا خبر صحيح إسناده.
أبي نجيح، عن مجاهد: (لولا كتاب من الله سبق) ، لأهل بدر مَشْهدَهم.
16311- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الحسن: (لولا كتاب من الله سبق) ، قال: سبق من الله خيرٌ لأهل بدر.
16312- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم) ، كان سبق لهم من الله خير، وأحلّ لهم الغنائم.
16313- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا عبد الوارث بن سعيد، عن عمرو بن عبيد، عن الحسن: (لولا كتاب من الله سبق) ، قال: (سبق) ، أن لا يعذب أحدًا من أهل بدر.
16314- حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (لولا كتاب من الله سبق) ، لأهل بدر، ومشهدَهم إياه.
16315- حدثني يونس قال، أخبرني ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم) ، لمسكم فيما أخذتم من الغنائم يوم بدر قبل أن أحلها لكم. فقال: سبق من الله العفو عنهم والرحمة لهم، سبق أنه لا يعذب المؤمنين، لأنه لا يعذب رَسوله ومن آمن به وهاجر معه ونصره.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: (لولا كتاب من الله سبق) ، أن لا يؤاخذ أحدًا بفعل أتاه على جهالة = (لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم) .
* ذكر من قال ذلك:
16316- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن
ابن جريج، عن مجاهد قوله: (لولا كتاب من الله سبق) ، لأهل بدر ومشهدَهم إياه، قال: كتاب سبق لقوله: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ) [سورة التوبة: 115] ، سبق ذلك، وسبق أن لا يؤاخذ قومًا فعلوا شيئًا بجهالة = (لمسكم فيما أخذتم) ، قال ابن جريج، قال ابن عباس: (فيما أخذتم) ، مما أسرتم. ثم قال بعد: (فكلوا مما غنمتم) .
16317- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: عاتبه في الأسارى وأخذ الغنائم، ولم يكن أحد قبله من الأنبياء يأكل مغنمًا من عدوٍّ له. (1)
16318- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن محمد قال، حدثني أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نُصِرت بالرعب، وجُعِلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، وأعطيت جوامع الكلم، وأحلّت لي المغانم، ولم تحلّ لنبيٍّ كان قبلي، وأعطيت الشفاعة، خمسٌ لم يُؤْتَهُنَّ نبيٌّ كان قبلي = قال محمد (2) فقال: (ما كان لنبي) ، أي: قبلك = (أن يكون له أسرى) إلى قوله: (لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم) ، أي: من الأسارى والمغانم = (عذاب عظيم) ، أي: لولا أنه سبق مني أن لا أعذب إلا بعد النهي، ولم أكن نهيتكم، لعذبتكم فيما صنعتم. ثم أحلها له ولهم رحمةً ونعمةً وعائدةً من الرحمن الرحيم. (3)
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، ما قد بيناه قبلُ. وذلك أن قوله: (لولا كتاب من الله سبق) ، خبر عامٌّ غير محصور على معنى دون
(1)
الأثر: 16317 - سيرة ابن هشام 2: 331، وهو سابق الأثر السالف رقم: 16292 في ترتيب السيرة.

(2)
قوله: "محمد" ، يعني محمد بن إسحاق، لا "محمد بن علي" .

(3)
الأثر: 16318 - سيرة ابن هشام 2: 332، وصدره تابع الأثر السالف رقم: 16317، وسابق للأثر رقم: 16292، ثم روى صدرًا من الأثر رقم: 16292، وأتبعه بما يليه في السيرة.

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif




ابوالوليد المسلم 17-07-2025 05:29 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنفال
الحلقة (748)
صــ 71 إلى صــ 80





معنى، وكل هذه المعاني التي ذكرتها عمن ذكرت، مما قد سبق في كتاب الله أنه لا يؤاخذ بشيء منها هذه الأمة، وذلك: ما عملوا من عمل بجهالة، وإحلال الغنيمة، والمغفرة لأهل بدر، وكل ذلك مما كتب لهم. وإذ كان ذلك كذلك، فلا وجه لأن يخصّ من ذلك معنى دون معنى، وقد عم الله الخبر بكل ذلك، بغير دلالة توجب صحة القول بخصوصه.
16319- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: لم يكن من المؤمنين أحد ممن نُصِر إلا أحبَّ الغنائم، إلا عمر بن الخطاب، جعل لا يلقى أسيرًا إلا ضرب عنقه، وقال: يا رسول الله، ما لنا وللغنائم، نحن قوم نجاهد في دين الله حتى يُعبد الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو عذبنا في هذا الأمر يا عمر ما نجا غيرك! قال الله: لا تعودوا تستحلون قبل أن أحلّ لكم."
16320- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، قال ابن إسحاق: لما نزلت: (لولا كتاب من الله سبق) ، الآية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو نزل عذابٌ من السماء لم ينج منه إلا سعد بن معاذ، لقوله: يا نبي الله، كان الإثخان في القتل أحبّ إلي من استبقاء الرجال. (1) "
* * *
القول في تأويل قوله: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (69) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمؤمنين من أهل بدر: (فكلوا) ، أيها المؤمنون = (مما غنمتم) ، من أموال المشركين = (حلالا) ، بإحلاله لكم = (طيبا واتقوا الله) ، يقول: وخافوا الله أن تعودوا، أن تفعلوا في دينكم شيئا بعد هذه
(1)
الأثر: 16320 - لم أجد هذا الخبر في سيرة ابن هشام، فيما أقدر.





من قبل أن يُعْهَد فيه إليكم، كما فعلتم في أخذ الفداء وأكل الغنيمة، وأخذتموهما من قبل أن يحلا لكم = (إن الله غفور رحيم) . (1)
* * *
وهذا من المؤخر الذي معناه التقديم، وتأويل الكلام: (فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا) ، (إن الله غفور رحيم) ، (واتقوا الله) .
* * *
ويعني بقوله: (إن الله غفور) ، لذنوب أهل الإيمان من عباده = (رحيم) ، بهم، أن يعاقبهم بعد توبتهم منها.
* * *
(1)
انظر تفسير ألفاظ الآية فيما سلف من فهارس اللغة.

القول في تأويل قوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الأسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (70) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: يا أيها النبي، قل لمن في يديك وفي يدي أصحابك من أسرى المشركين الذين أخذ منهم من الفداء ما أخذ: (إن يعلم الله في قلوبكم خيرا) ، يقول: إن يعلم الله في قلوبكم إسلامًا = (يؤتكم خيرًا مما أخذ منكم) ، من الفداء = (ويغفر لكم) ، يقول: ويصفح لكم عن عقوبة جُرْمكم الذي اجترمتموه بقتالكم نبي الله وأصحابه وكفركم بالله = (والله غفور) ، لذنوب عباده إذا تابوا = (رحيم) ، بهم، أن يعاقبهم عليها بعد التوبة. (1)
* * *
(1)
انظر تفسير ألفاظ هذه الآية فيما سلف من فهارس اللغة.

وذكر أن العباس بن عبد المطلب كان يقول: فيّ نزلت هذه الآية.
* ذكر من قال ذلك:
16321- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن إدريس، عن ابن إسحاق، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: قال العباس: فيّ نزلت: (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض) ، فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم بإسلامي، وسألته أن يحاسبني بالعشرين الأوقية التي أخذ مني فأبى، فأبدلني الله بها عشرين عبدًا، كلهم تاجر، مالي في يديه. (1)
* * *
وقد:-
16322- حدثنا بهذا الحديث ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، قال محمد، حدثني الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، عن جابر بن عبد الله بن رئاب قال: كان العباس بن عبد المطلب يقول: فيّ والله نزلت، حين ذكرتُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم إسلامي = ثم ذكر نحو حديث ابن وكيع. (2)
16323- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (قل لمن في أيديكم من الأسرى) الآية، قال: ذكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم لما قدم عليه مالُ البحرين ثمانون ألفًا، وقد توضأ لصلاة الظهر،
(1)
الأثر: 16321 - في المطبوعة: "أبي إسحاق" ، والصواب من المخطوطة، وانظر التعليق التالي.

(2)
الأثر: 16322 - هذا الخبر والذي قبله، ذكرهما الهيثمي في مجمع الزوائد 7: 8، مطولا، وقال: "رواه الطبراني في الأوسط والكبير باختصار، ورجال الأوسط رجال الصحيح، غير ابن إسحاق، وقد صرح بالسماع" .

وظاهر أنه يعني إسنادًا غير هذين الإسنادين، فإن الأول لم يصرح فيه السماع، والثاني فيه "الكلبي" .
وذكره الواحدي في أسباب النزول، عن الكلبي، مطولا: 180، 181.
وكان في المطبوعة والمخطوطة: "جابر بن عبد الله بن رباب" ، وهو خطأ، صوابه ما أثبت.
فما أعطى يومئذ شاكيًا ولا حرم سائلا وما صلى يومئذ حتى فرّقه، وأمر العباس أن يأخذ منه ويحتثي، فأخذ. قال: وكان العباس يقول: هذا خير مما أخذ منا، وأرجو المغفرة.
16324- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: (يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى) الآية، وكان العباس أسر يوم بدر، فافتدى نفسه بأربعين أوقية من ذهب، فقال العباس حين نزلت هذه الآية: لقد أعطاني الله خَصلتين، ما أحب أن لي بهما الدنيا: أني أسرت يوم بدر ففديت نفسي بأربعين أوقية، فآتاني أربعين عبدًا، وأنا أرجو المغفرة التي وعدنا الله.
16325- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى) إلى قوله: (والله غفور رحيم) ، يعني بذلك: من أسر يوم بدر. يقول: إن عملتم بطاعتي ونصحتم لرسولي، آتيتكم خيرًا مما أخذ منكم، وغفرت لكم.
16326- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني. عن ابن عباس: (يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى) ، عباس وأصحابه، قال: قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: آمنا بما جئت به، ونشهد إنك لرسول الله، لننصحن لك على قومنا. فنزل: (إن يعلم الله في قلوبكم خيرًا يؤتكم خيرًا مما أخذ منكم) ، إيمانًا وتصديقًا، يخلف لكم خيرًا مما أصيب منكم = (ويغفر لكم) ، الشرك الذي كنتم عليه. قال: فكان العباس يقول: ما أحب أن هذه الآية لم تنزل فينا، وأن لي الدنيا، لقد قال: (يؤتكم خيرًا مما أخذ منكم) فقد أعطاني خيرًا مما أخذ مني مئة ضعف، وقال: (ويغفر لكم) ، وأرجو أن يكون قد غُفِر لي.
16327- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى) الآية، يعني العباسَ وأصحابه، أسروا يوم بدر. يقول الله: إن عملتم بطاعتي ونصحتم لي ولرسولي، أعطيتكم خيرًا مما أخذ منكم وغفرت لكم. وكان العباس بن عبد المطلب يقول: لقد أعطانا الله خصلتين، ما شيء هو أفضل منهما: عشرين عبدًا. وأما الثانية: فنحن في موعود الصادق ننتظر المغفرة من الله سبحانه.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (71) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه: وإن يرد هؤلاء الأسارى الذين في أيديكم = (خيانتك) ، أي الغدر بك والمكرَ والخداع، بإظهارهم لك بالقول خلافَ ما في نفوسهم (1) = (فقد خانوا الله من قبل) ، يقول: فقد خالفوا أمر الله من قبل وقعة بدر، وأمكن منهم ببدر المؤمنين (2) = (والله عليم) ، بما يقولون بألسنتهم ويضمرونه في نفوسهم = (حكيم) ، في تدبيرهم وتدبير أمور خلقه سواهم. (3)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16328- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج، عن
(1)
انظر تفسير "الخيانة" فيما سلف ص: 25، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "أمكن" فيما سلف 11: 263 \ 12: 315.

(3)
انظر تفسير "عليم" و "حكيم" فيما سلف من فهارس اللغة (علم) ، (حكم) .

ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس: (وإن يريدوا خيانتك) ، يعني: العباس وأصحابه في قولهم: آمنا بما جئت به، ونشهد أنك رسول الله، لننصحن لك على قومنا "، يقول: إن كان قولهم خيانة = (فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم) ، يقول: قد كفروا وقاتلوك، فأمكنك الله منهم."
16329- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (وإن يريدوا خيانتك) الآية، قال: ذكر لنا أن رجلا كتب لنبي الله صلى الله عليه وسلم، ثم عمد فنافق، فلحق بالمشركين بمكة، ثم قال: "ما كان محمد يكتب إلا ما شئت!" فلما سمع ذلك رجل من الأنصار، نذر لئن أمكنه الله منه ليضربنه بالسيف. فلما كان يوم الفتح، أمَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلا عبد الله بن سعد بن أبي سرح، ومِقْيَس بن صُبابة، (1) وابن خطل، وامرأة كانت تدعو على النبيّ صلى الله عليه وسلم كل صباح. فجاء عثمان بابن أبي سرح، وكان رضيعه = أو: أخاه من الرضاعة = فقال: يا رسول الله، هذا فلان أقبل تائبًا نادمًا! فأعرض نبي الله صلى الله عليه وسلم. فلما سمع به الأنصاريّ أقبل متقلدًا سيفه، فأطاف به، (2) وجعل ينظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجاء أن يومئ إليه. ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدّم يده فبايعه، فقال: أما والله لقد تلوَّمتك فيه لتوفي نذرك! (3) فقال: يا نبيّ الله إنيّ هِبْتك، فلولا أوْمضت إليّ! (4) فقال: إنه لا ينبغي لنبيٍّ أن يومض. (5)
16330- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال،
(1)
في المطبوعة: "بن ضبابة" ، وهو خطأ محض.

(2)
يقال: "طاف بالقوم، وأطاف بهم" ، إذا استدار، وجاء من نواحيهم وهو يحوم حولهم.

(3)
"تلوم في الأمر" و "تلوم به" ، انتظر وتلبث وتأنى، وتعدية مثل هذا الفعل من صريح العربية.

(4)
"أومض إليه" ، أشار إشارة خفية، من "إيماض البرق" ، إذا لمع لمعًا خفيًا، ثم يخفى.

(5)
الأثر: 16329 - انظر مسند أحمد 3: 151، حديث أنس، بغير هذا اللفظ.

حدثنا أسباط، عن السدي: (وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم) ، يقول: قد كفروا بالله ونقضوا عهده، فأمكن منهم ببدر.
* * *
القول في تأويل قوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن الذين صدقوا الله ورسوله = "وهاجروا" ، يعني: هجروا قومهم وعشيرتهم ودورهم، يعني: تركوهم وخرجوا عنهم، وهجرهم قومهم وعشيرتهم (1) = (وجاهدوا في سبيل الله) ، يقول: بالغوا في إتعاب نفوسهم وإنصَابها في حرب أعداء الله من الكفار (2) = (في سبيل الله) ، يقول: في دين الله الذي جعله طريقا إلى رحمته والنجاة من عذابه (3) = (والذين آووا ونصروا) ، يقول: والذين آووا رسول الله والمهاجرين معه، يعني: أنهم جعلوا لهم مأوًى يأوون إليه، وهو المثوى والمسكن، يقول: أسكنوهم، وجعلوا لهم من منازلهم مساكنَ إذ أخرجهم قومهم من منازلهم (4) = (ونصروا) ، يقول: ونصروهم على أعدائهم وأعداء الله من المشركين = (أولئك بعضهم أولياء بعض) ، يقول: هاتان الفرقتان، يعني المهاجرين والأنصار، بعضهم أنصار بعض، وأعوان على من سواهم من
(1)
انظر تفسير "المهاجرة" فيما سلف 4: 317، 318 \ 7: 490 \ 9: 100، 122.

(2)
انظر تفسير "المجاهدة" فيما سلف 4: 318 \ 10: 292، 423.

(3)
انظر تفسير "سبيل الله" فيما سلف من فهارس اللغة (سبل) .

(4)
انظر تفسير "آوى" ، و "المأوى" فيما سلف 13: 477، تعليق: 2، والمراجع هناك.

المشركين، وأيديهم واحدة على من كفر بالله، وبعضهم إخوان لبعض دون أقربائهم الكفار. (1)
* * *
وقد قيل: إنما عنى بذلك أن بعضهم أولى بميراث بعض، وأن الله ورَّث بعضهم من بعض بالهجرة والنصرة، دون القرابة والأرحام، وأن الله نسخ ذلك بعدُ بقوله: (وَأُولُو الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ) ، [سورة الأنفال: 75 \ وسورة الأحزاب: 6] .
* ذكر من قال ذلك:
16331- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: (إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض) ، يعني: في الميراث، جعل الميراث للمهاجرين والأنصار دون ذوي الأرحام، قال الله: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا) ، يقول: ما لكم من ميراثهم من شيء، وكانوا يعملون بذلك حتى أنزل الله هذه الآية: (وَأُولُو الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ) [سورة الأنفال: 75 \ وسورة الأحزاب: 6] ، في الميراث، فنسخت التي قلبها، وصار الميراث لذوي الأرحام.
16332- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله) ، يقول: لا هجرة بعد الفتح، إنما هو الشهادة بعد ذلك = (والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض) ، إلى قوله: (حتى يهاجروا) . وذلك أن المؤمنين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثلاث منازل: منهم المؤمن المهاجر المباين لقومه في الهجرة، خرج إلى
(1)
انظر تفسير "الولي" فيما سلف من فهارس اللغة (ولي) .

قوم مؤمنين في ديارهم وعَقارهم وأموالهم = و (آووا ونصروا) ، (1) وأعلنوا ما أعلن أهل الهجرة، وشهروا السيوف على من كذّب وجحد، فهذان مؤمنان، جعل الله بعضهم أولياء بعض، فكانوا يتوارثون بينهم، إذا توفي المؤمن المهاجر ورثه الأنصاري بالولاية في الدين. وكان الذي آمن ولم يهاجر لا يرث من أجل أنه لم يهاجر ولم ينصر. فبرَّأ الله المؤمنين المهاجرين من ميراثهم، وهي الولاية التي قال الله: (ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا) . وكان حقا على المؤمنين الذين آووا ونصروا إذا استنصروهم في الدين أن ينصروهم إن قاتلوا، إلا أن يستنصروا على قوم بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم ميثاق، فلا نصر لهم عليهم، إلا على العدوِّ الذين لا ميثاق لهم. ثم أنزل الله بعد ذلك أن ألحقْ كل ذي رحم برحمه من المؤمنين الذين هاجروا والذين آمنوا ولم يهاجروا. فجعل لكل إنسان من المؤمنين نصيبًا مفروضًا بقوله: (وَأُولُو الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [سورة الأنفال: 75] ، وبقوله: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) [سورة التوبة: 71] .
16333- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: الثلاث الآيات خواتيم الأنفال، فيهن ذكر ما كان والىَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مهاجري المسلمين وبين الأنصار في الميراث. ثم نسخ ذلك آخرها: (وَأُولُو الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) .
16334- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عبد الله بن كثير قوله: (إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا) ، إلى قوله: (بما تعملون بصير) ، قال: بلغنا أنها كانت في الميراث، لا يتوارث المؤمنون الذين هاجروا، والمؤمنون الذين لم يهاجروا. قال: ثم نزل بعد: (وَأُولُو
(1)
في المطبوعة: "وفي قوله: آووا ونصروا" . زاد ما ليس في المطبوعة.

الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ، فتوارثوا ولم يهاجروا = قال ابن جريج، قال مجاهد: خواتيم "الأنفال" الثلاث الآيات، فيهن ذكر ما كان واليَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين المسلمين وبين الأنصار في الميراث، ثم نسخ ذلك آخرها: (وَأُولُو الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ) .
16335- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا) ، إلى قوله: (ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا) ، قال: لبث المسلمون زمانا يتوارثون بالهجرة، والأعرابي المسلم لا يرث من المهاجر شيئًا، فنسخ ذلك بعد ذلك، فألحق الله (1) (وَأُولُو الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا) ، [سورة الأحزاب: 6] ، أي: من أهل الشرك، فأجيزت الوصية، (2) ولا ميراث لهم، وصارت المواريث بالملل، والمسلمون يرث بعضهم بعضًا من المهاجرين والمؤمنين، ولا يرث أهل ملتين.
16336- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح، عن الحسن، عن يزيد، عن عكرمة والحسن قالا (إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله) ، إلى قوله: (ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا) ، كان الأعرابي لا يرث المهاجر، ولا يرثه المهاجر، فنسخها فقال: (وَأُولُو الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) .
16337- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال،
(1)
في المطبوعة: "قول الله" ، مكان "فألحق الله" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو الصواب.

(2)
في المخطوطة: "حرت الوصية" ، هكذا غير منقوط، وكأن الصواب ما في المطبوعة.

ولو قرئت: "خيرت الوصية" (بالبناء للمجهول) ، لكان وجها.


https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif


ابوالوليد المسلم 17-07-2025 05:33 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنفال
الحلقة (749)
صــ 81 إلى صــ 90





حدثنا أسباط، عن السدي: (إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعهم أولياء بعض) ، في الميراث = (والذين آمنوا ولم يهاجروا) ، وهؤلاء الأعراب = (ما لكم من ولايتهم من شيء) ، في الميراث = (وإن استنصروكم في الدين) يقول: بأنهم مسلمون = (فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والذين كفروا بعضهم أولياء بعض) ، في الميراث = (والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم) ، ثم نسختها الفرائض والمواريث، = "وأولوا الأرحام" . الذين توارثوا على الهجرة = (بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) ، فتوارث الأعرابُ والمهاجرون. (1)
* * *
القول في تأويل قوله: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنْ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}
قال أبو جعفر: يعني بقوله تعالى ذكره: (والذين آمنوا) . الذين صدقوا بالله ورسوله = (ولم يهاجروا) . قومهم الكفار، ولم يفارقوا دارَ الكفر إلى دار الإسلام = (ما لكم) ، أيها المؤمنون بالله ورسوله. المهاجرون قومَهم المشركين وأرضَ الحرب (2) = (من ولايتهم) ، يعني: من نصرتهم وميراثهم.
* * *
(1)
كانت هذه الجملة في المطبوعة: "فأولئك منكم، والذين توارثوا على الهجرة في كتاب الله، ثم نسختها الفرائض والمواريث، فتوارث الأعراب والمهاجرون" قدم وأخر فيما كان في المخطوطة، وهو: "فأولئك منكم، ثم نسختها الفرائض والمواريث" الذي توارثوا على الهجرة في كتاب الله، فتوارث الأعراب والمهاجرون. واستظهرت الصواب.

(2)
انظر تفسير "الهجرة" فيما سلف ص 77، تعليق:، والمراجع هناك.

وقد ذكرت قول بعض من قال: "معنى الولاية، ههنا الميراث" ، وسأذكر إن شاء الله من حضرني ذكره بعدُ.
* * *
= (من شيء حتى يهاجروا) ، قومَهم ودورَهم من دار الحرب إلى دار الإسلام = (وإن استنصروكم في الدين) ، يقول: إن استنصركم هؤلاء الذين آمنوا ولم يهاجروا = (في الدين) ، يعني: بأنهم من أهل دينكم على أعدائكم وأعدائهم من المشركين، "فعليكم" ، أيها المؤمنون من المهاجرين والأنصار، (النصر) = (إلا) أن يستنصروكم = (على قوم بينكم وبينهم ميثاق) ، يعني: عهد قد وثَّق به بعضكم على بعض أن لا يحاربه (1) = (والله بما تعملون بصير) ، يقول: والله بما تعملون فيما أمركم ونهاكم من ولاية بعضكم بعضًا، أيها المهاجرون والأنصار، وترك ولاية من آمن ولم يهاجر ونصرتكم إياهم عند استنصاركم في الدين، وغير ذلك من فرائض الله التي فرضها عليكم = (بصير) ، يراه ويبصره، فلا يخفى عليه من ذلك ولا من غيره شيء. (2)
16338- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا) ، قال: كان المسلمون يتوارثون بالهجرة، وآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينهم، فكانوا يتوارثون بالإسلام والهجرة. وكان الرجل يسلم ولا يهاجر، لا يرث أخاه، فنسخ ذلك قوله: (وَأُولُو الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ) [سورة الأحزاب: 6] .
16339- حدثنا محمد قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ على رجل دخل في الإسلام فقال:
(1)
انظر تفسير "الميثاق" فيما سلف 13، 315، تعليق: والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "بصير" فيما سلف من فهارس اللغة (بصر) .

تقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتحج البيت، وتصوم رمضان، وأنك لا ترى نار مشرك إلا وأنت حرب. (1)
16340- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: (وإن استنصروكم في الدين) ، يعني: إن استنصركم الأعراب المسلمون، أيها المهاجرون والأنصار، على عدوهم، فعليكم أن تنصروهم، إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق.
16341- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: ترك النبي صلى الله عليه وسلم الناسَ يوم تُوفي على أربع منازل: مؤمن مهاجر، والأنصار، وأعرابي مؤمن لم يهاجر; إن استنصره النبي صلى الله عليه وسلم نصره، وإن تركه فهو إذْنُه، (2) وإن استنصر النبي صلى الله عليه وسلم في الدين كان حقًّا عليه أن ينصره، فذلك قوله: (وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر) = والرابعة: التابعون بإحسان.
16342- حدثت عن الحسين بن الفرج قال: سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (إن الذين آمنوا وهاجروا) ، إلى آخر السورة، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وترك الناس على أربع منازل (3) مؤمن مهاجر. ومسلم أعرابي، والذين آووا ونصروا، والتابعون بإحسان.
* * *
(1)
يعني بذلك: أن يبعد منزله عن منزل المشرك "حتى لا يرى ناره" نهى منه صلى الله عليه وسلم عن جوار لمشرك.

(2)
في المطبوعة: "فهو إذن له" ثبت ما في المخطوطة.

(3)
في المطبوعة: "قال رسول الله" وذلك أن كاتب المخطوطة وصل لام "قال" بألف "إن" ، ووصل ألف "إن" بنونها.

القول في تأويل قوله: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ (73) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (والذين كفروا) ، بالله ورسوله = (بعضهم أولياء بعض) ، يقول: بعضهم أعوان بعض وأنصاره، وأحق به من المؤمنين بالله ورسوله. (1)
* * *
وقد ذكرنا قول من قال: "عنى بذلك أن بعضهم أحق بميراث بعض من قرابتهم من المؤمنين" ، (2) وسنذكر بقية من حضرنا ذكره.
16343- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن السدي، عن أبي مالك قال، قال رجل: نورّث أرحامنا من المشركين! فنزلت: (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض) ، الآية.
16344- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) ، نزلت في مواريث مشركي أهل العهد.
16345- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا) ، إلى قوله: (وفساد كبير) ، قال: كان المؤمن المهاجر والمؤمن الذي ليس بمهاجر، لا يتوارثان وإن كانا أخوين مؤمنين. قال: وذلك لأن هذا الدين كان بهذا البلد
(1)
انظر تفسير "ولي" فيما سلف من فهارس اللغة (ولي)

(2)
في المطبوعة: "عنى بيان أن بعضهم" ، وهو سياق فاسد. وفي المخطوطة: "عنى بيان بعضهم" ، غير منقوط، مضطرب أيضا فاسد. والصواب ما أثبت.

قليلا حتى كان يوم الفتح، فلما كان يوم الفتح، وانقطعت الهجرة توارثوا حيثما كانوا بالأرحام. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا هجرة بعد الفتح" ، وقرأ: (وَأُولُو الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ) .
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: إن الكفار بعضهم أنصار بعض = وإنه لا يكون مؤمنًا من كان مقيمًا بدار الحرب لم يهاجر. (1)
* ذكر من قال ذلك:
16346- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض) ، قال: كان ينزل الرجل بين المسلمين والمشركين، فيقول: إن ظهر هؤلاء كنت معهم، وإن ظهر هؤلاء كنت معهم! فأبى الله عليهم ذلك، وأنزل الله في ذلك، فلا تراءى نار مسلم ونار مشرك، (2) إلا صاحب جزية مُقِرّ بالخراج.
16347- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: حض الله المؤمنين على التواصل، فجعل المهاجرين والأنصار أهل ولاية في الدين دون سواهم، وجعل الكفار بعضهم أولياء بعض. (3)
* * *
وأما قوله: (إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) ، فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله.
فقال بعضهم: معناه: إلا تفعلوا، أيها المؤمنون، ما أمرتم به من موارثة المهاجرين منكم بعضهم من بعض بالهجرة، والأنصار بالإيمان، دون أقربائهم من أعراب المسلمين ودون الكفار = (تكن فتنة) ، يقول: يحدث بلاء في الأرض
(1)
في المطبوعة: "ولم" بزيادة الواو.

(2)
قوله: "لا تراءى نار مسلم ومشرك" ، أسند الترائي إلى النار، كناية عن الجوار، وانظر التعليق السالف ص: 83، رقم: 1.

(3)
الأثر: 16347 - سيرة ابن هشام 2: 332، وهو تابع الأثر السالف رقم: 16318.

بسبب ذلك (1) = (وفساد كبير) ، يعني: ومعاصٍ لله. (2)
* ذكر من قال ذلك:
16348- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) ، إلا تفعلوا هذا، تتركوهم يتوارثون كما كانوا يتوارثون = (تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) . قال: ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الإيمان إلا بالهجرة، ولا يجعلونهم منهم إلا بالهجرة. (3)
16349- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض) ، يعني في الميراث = (إلا تفعلوه) ، يقول: إلا تأخذوا في الميراث بما أمرتكم به = (تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) ،
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: إلا تَناصروا، أيها المؤمنون، في الدين، تكن فتنة في الأرض وفساد كبير.
* ذكر من قال ذلك:
16350- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: جعل المهاجرين والأنصار أهلَ ولاية في الدين دون من سواهم، وجعل الكفار بعضهم أولياء بعض، ثم قال: (إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) ، إلا يوالِ المؤمن المؤمن من دون الكافر، وإن كان ذا رحم به = (تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) ، أي: شبهة في الحق والباطل، وظهور الفساد في الأرض، بتولّي
(1)
انظر تفسير "الفتنة" فيما سلف 13: 537، تعليق: 3، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "الفساد" فيما سلف 13: 36، تعليق: 3، والمراجع هناك.

(3)
في المخطوطة: "ولا يجعلونهم مقيم" ، والصواب ما في المطبوعة.

المؤمن الكافرَ دون المؤمن. (1) ثم رد المواريث إلى الأرحام. (2)
16351- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج قوله: (إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) ، قال: إلا تعاونوا وتناصروا في الدين = (تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) .
* * *
قال أبو جعفر: وأولى التأويلين بتأويل قوله: (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض) ، قول من قال: معناه: أن بعضهم أنصار بعض دون المؤمنين، وأنه دلالة على تحريم الله على المؤمن المقامَ في دار الحرب وترك الهجرة، لأن المعروف في كلام العرب من معنى "الوليّ" ، أنه النصير والمعين، أو: ابن العم والنسيب. (3) فأما الوارث فغير معروف ذلك من معانيه، إلا بمعنى أنه يليه في القيام بإرثه من بعده. وذلك معنى بعيد، وإن كان قد يحتمله الكلام. وتوجيه معنى كلام الله إلى الأظهر الأشهر، أولى من توجيهه إلى خلاف ذلك.
وإذ كان ذلك كذلك، فبيِّنٌ أن أولى التأويلين بقوله: (إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) ، تأويلُ من قال: إلا تفعلوا ما أمرتكم به من التعاون والنصرة على الدين، تكن فتنة في الأرض = إذْ كان مبتدأ الآية من قوله: (إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله) . بالحث على الموالاة على الدين والتناصر جاء، فكذلك (4) الواجب أن يكون خاتمتها به.
* * *
(1)
كان في المطبوعة بعد قوله "فساد كبير" ما نصه: "إن يتول المؤمن الكافر دون المؤمن، ثم رد المواريث إلى الأرحام" ، ومثلها في المخطوطة إلا أنه كتب "إن يتولى" . وهو كلام مضطرب، سببه أن "المؤمن" ذكر في الكلام مرات، فأسقط ما بين "المؤمن" في قوله "إلا يوال المؤمن المؤمن" ، إلى قوله بعد: "بتولي المؤمن الكافر" ، فاضطراب الكلام، وسقته على الصواب من سيرة ابن هشام.

(2)
الأثر: 16350 - سيرة ابن هشام 2: 332، 333، وهو تابع الأثر السالف رقم: 16347، وفيه جزء منه.

(3)
انظر تفسير "الولي" فيما سلف من فهارس اللغة (ولي) .

(4)
في المطبوعة والمخطوطة "وكذلك" بالواو، والفاء حق السياق.

القول في تأويل قوله: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا) ، آوَوْا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمهاجرين معه ونصروهم، ونصروا دين الله، أولئك هم أهل الإيمان بالله ورسوله حقًّا، لا من آمن ولم يهاجر دارَ الشرك، وأقام بين أظهر أهل الشرك، ولم يغزُ مع المسلمين عدوهم (1) = (لهم مغفرة) ، يقول: لهم ستر من الله على ذنوبهم، بعفوه لهم عنها (2) = (ورزق كريم) ، يقول: لهم في الجنة مطعم ومشرب هنيٌّ كريم، (3) لا يتغير في أجوافهم فيصير نجْوًا، (4) ولكنه يصير رشحًا كرشح المسك (5)
* * *
وهذه الآية تنبئ عن صحة ما قلنا: أن معنى قول الله: (بعضهم أولياء بعض) في هذه الآية، وقوله: (ما لكم من ولايتهم من شيء) ، إنما هو النصرة والمعونة، دون الميراث. لأنه جل ثناؤه عقّب ذلك بالثناء على المهاجرين والأنصار والخبر عما لهم عنده، دون من لم يهاجر بقوله: (والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا
(1)
انظر تفسير "هاجر" و "جاهد" ، و "آوى" فيما سلف قريبا ص 77، تعليق: 1 - 4، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "المغفرة" فيما سلف من فهارس اللغة "غفر" .

(3)
انظر تفسير "رزق كريم" فيما سلف وكان في المطبوعة هنا "طعم ومشرب" ، والصواب من المخطوطة.

(4)
"النجو" ، ما يخرج من البطن.

(5)
روى مسلم وأبو داود من حديث جابر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ أهْلَ الجَنَّةِ يَأكُلُونَ فِيهَا ويَشْرَبُونَ، وَلا يَتْفُلُونَ وَلا يَبُولُونَ وَلا يَتَغَوَّطُونَ وَلا يَمْتَخِطُونَ. قِيلَ: فَمَا بَالُ الطَّعَامِ؟ قال: جُشاء ورَشْحٌ كَرَشْحِ المِسْك، يُلهمون التسبيح والتحميد كما تُلهمُونَ النَّفَس"

(صحيح مسلم 17: 173) .
في سبيل الله والذين آووا ونصروا) ، الآية، ولو كان مرادًا بالآيات قبل ذلك، الدلالةُ على حكم ميراثهم، لم يكن عَقِيبَ ذلك إلا الحثّ على إمضاء الميراث على ما أمر. (1) وفي صحة ذلك كذلك، الدليلُ الواضح على أن لا ناسخ في هذه الآيات لشيء، ولا منسوخ.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: "والذين آمنوا" ، بالله ورسوله، من بعد تبياني ما بيَّنت من ولاية المهاجرين والأنصار بعضهم بعضًا، وانقطاع ولايتهم ممن آمن ولم يهاجر حتى يهاجر = (وهاجروا) ، دارَ الكفر إلى دار الإسلام = (وجاهدوا معكم) ، أيها المؤمنون = (فأولئك منكم) ، في الولاية، يجب عليكم لهم من الحق والنصرة في الدين والموارثة، مثل الذي يجب لكم عليهم، ولبعضكم على بعض، (2) كما:-
16352- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ثم ردّ المواريث إلى الأرحام ممن أسلم بعد الولاية من المهاجرين والأنصار دونهم، إلى الأرحام التي بينهم، (3) فقال: (والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) ، أي: بالميراث (4) = (إن الله بكل شيء عليم) . (5)
* * *
(1)
في المطبوعة: "إلا الحث على مضى" ، وفي المخطوطة: "على أمضى" ، وصواب قراءتها ما أثبت.

(2)
انظر تفسير "هاجر" ، و "جاهد" فيما سلف ص: 88، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(3)
في المطبوعة والمخطوطة: "ثم المواريث إلى الأرحام التي بينهم" ، أسقط من الكلام تمام الكلام الذي أثبته من سيرة ابن هشام، وسبب ذلك كما فعل في رقم: 16350، هو ذكر "الأرحام" مرتين، فاختلط عليه بصره فنقل ما نقل.

(4)
في المطبوعة: "أي: في الميراث" ، وهو خطأ، صوابه في المخطوطة والسيرة.

(5)
الأثر: 16352 - سيرة ابن هشام 2: 333، وهو تابع الأثر السالف رقم: 16350.

القول في تأويل قوله: {وَأُولُو الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: والمتناسبون بالأرحام = (بعضهم أولى ببعض) ، في الميراث، إذا كانوا ممن قسم الله له منه نصيبًا وحظًّا، من الحليف والولي = (في كتاب الله) ، يقول: في حكم الله الذي كتبه في اللوح المحفوظ والسابق من القضاء (1) = (إن الله بكل شيء عليم) ، يقول: إن الله عالم بما يصلح عباده، في توريثه بعضهم من بعض في القرابة والنسب، دون الحلف بالعقد، وبغير ذلك من الأمور كلها، لا يخفى عليه شيء منها. (2)
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16353- حدثنا أحمد بن المقدام قال، حدثنا المعتمر بن سليمان قال، حدثنا أبي، قال، حدثنا قتادة أنه قال: كان لا يرث الأعرابيُّ المهاجرَ، حتى أنزل الله: (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) .
16354- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا معاذ بن معاذ قال، حدثنا ابن عون، عن عيسى بن الحارث: أن أخاه شريح بن الحارث كانت له سُرِّيَّة، فولدت منه جارية، فلما شبت الجارية زُوِّجت، فولدت غلامًا، ثم ماتت السرِّية، واختصم شريح بن الحارث والغلام إلى شريح القاضي في ميراثها، فجعل شريح بن الحارث يقول: ليس له ميراث في كتاب الله! قال: فقضى شريح بالميراث للغلام. قال: (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) ، فركب ميسرة بن يزيد إلى ابن الزبير، فأخبره بقضاء شريح وقوله، فكتب ابن
(1)
انظر تفسير "كتاب" فيما سلف ص: 64، تعليق 1، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "عليم" فيما سلف من فهارس اللغة (علم) .

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif




ابوالوليد المسلم 17-07-2025 05:51 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ براءة
الحلقة (750)
صــ 91 إلى صــ 100




الزبير إلى شريح: "إن ميسرة أخبرني أنك قضيت بكذا وكذا" ، وقلت: (وأولوا الأرحام بعضهم أؤلى ببعض في كتاب الله) ، وإنه ليس كذلك، إنما نزلت هذه الآية: أنّ الرجل كان يعاقد الرجل يقول: "ترثني وأرثك" ، فنزلت: (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) . فجاء بالكتاب إلى شريح، فقال شريح: أعتقها حيتان بطنها! (1) وأبى أن يرجع عن قضائه. (2)
16355- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن ابن عون قال، حدثني عيسى بن الحارث قال: كانت لشريح بن الحارث سُرِّية، فذكر نحوه = إلا إنه قال في حديثه: كان الرجل يعاقد الرجل يقول: "ترثني وأرثك" ، فلما نزلت تُرِك ذلك. (3)
آخر تفسير "سورة الأنفال"
والحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وآله.
(1)
في المطبوعة: "جنين" ، غير ما في المخطوطة. وفي أخبار القضاة لوكيع "جنان بطنها" ، والذي هنا، وفي أخبار القضاة، مشكل، فأثبته حتى أعرف صوابه، أو يعرفه غيري.

(2)
الأثر: 16354، 16355 - رواه وكيع في أخبار القضاة 2: 320، 321، من طريق عمرو بن بشر، عن حسن بن عيسى، عن عبد الله، عن ابن عون، بنحوه.

(3)
الأثر: 16354، 16355 - رواه وكيع في أخبار القضاة 2: 320، 321، من طريق عمرو بن بشر، عن حسن بن عيسى، عن عبد الله، عن ابن عون، بنحوه.





(القول في تفسير السورة التي يذكر فيها التوبة)
* * *
القول في تأويل قوله: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (1) فَسِيحُوا فِي الأرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ (2) }
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: (براءة من الله ورسوله) ، هذه براءة من الله ورسوله.
فـ "براءة" ، مرفوعة بمحذوف، وهو "هذه" ، كما قوله: (سُورَةٌ أَنزلْنَاهَا) ، [سورة النور: 1] ، مرفوعة بمحذوف هو "هذه" . ولو قال قائل: "براءة" مرفوعة بالعائد من ذكرها في قوله: (إلى الذين عاهدتم) ، وجعلها كالمعرفة ترفع ما بعدها، إذ كانت قد صارت بصلتها وهي قوله: (من الله ورسوله) ، كالمعرفة، وصار معنى الكلام: البراءة من الله ورسوله، إلى الذين عاهدتم من المشركين (1) = كان مذهبًا غير مدفوعة صحته، وإن كان القول الأول أعجبَ إليّ، لأن من شأن العرب أن يضمروا لكلِّ معاين نكرةً كان أو معرفةً ذلك المعاين، "هذا" و "هذه" ، فيقولون عند معاينتهم الشيء الحسنَ: "حسن والله" ، والقبيحَ: "قبيح والله" ، يريدون: هذا حسن والله، وهذا قبيح والله، فلذلك اخترت القول الأول.
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: "براءة" مكان "البراءة" ، والسياق يقتضي ما أثبت إن شاء الله.

وقال: (براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم) ، والمعنى: إلى الذين عاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من المشركين، لأن العهود بين المسلمين والمشركين عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يكن يتولى عقدها إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من يعقدها بأمره، ولكنه خاطب المؤمنين بذلك لعلمهم بمعناه، وأن عقودَ النبي صلى الله عليه وسلم على أمته كانت عقودهم، لأنهم كانوا لكل أفعاله فيهم راضين، ولعقوده عليهم مسلِّمين، فصار عقده عليهم كعقودهم على أنفسهم، فلذلك قال: (إلى الذين عاهدتم من المشركين) ، لما كان من عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده.
* * *
وقد اختلف أهل التأويل فيمن بَرِئَ الله ورسوله إليه من العهد الذي كان بينه وبين رسول الله من المشركين، فأذن له في السياحة في الأرض أربعة أشهر.
فقال بعضهم: هم صنفان من المشركين: أحدهما كانت مدة العهد بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أقلَّ من أربعة أشهر، وأمْهِل بالسياحة أربعة أشهر = والآخر منهما: كانت مدة عهده بغير أجل محدود، فقُصِر به على أربعة أشهر ليرتاد لنفسه، ثم هو حرب بعد ذلك لله ولرسوله وللمؤمنين، يقتل حيثما أدرك ويؤسَرُ، إلا أن يتوب.
* ذكر من قال ذلك:
16356- حدثنا ابن حميد قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق رضى الله عنه أميرًا على الحاجّ من سنة تسع، ليقيم للناس حجهم، والناسُ من أهل الشرك على منازلهم من حجهم. فخرج أبو بكر ومن معه من المسلمين، ونزلت "سورة براءة" في نقض ما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المشركين من العهد الذي كانوا عليه فيما بينه وبينهم: أن لا يُصَدَّ عن البيت أحد جاءه، وأن لا يُخَاف أحد في الشهر الحرام. وكان ذلك عهدًا عامًّا بينه وبين الناس من أهل الشرك. وكانت بين
ذلك عهود بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قبائل من العرب خصائصَ إلى أجل مسمًّى، (1) فنزلت فيه وفيمن تخلف عنه من المنافقين في تبوك، وفي قول من قال منهم، فكشف الله فيها سرائر أقوام كانوا يستخفون بغير ما يظهرون، منهم من سُمِّي لنا، ومنهم من لم يُسَمَّ لنا، فقال: (براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين) ، أي: لأهل العهد العام من أهل الشرك من العرب = (فسيحوا في الأرض أربعة أشهر) ، إلى قوله: (أن الله بريء من المشركين ورسوله) ، أي: بعد هذه الحجة. (2)
* * *
وقال آخرون: بل كان إمهالُ الله عز وجل بسياحة أربعة أشهر، مَنْ كان من المشركين بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد، فأما من لم يكن له من رسول الله عهد، فإنما كان أجله خمسين ليلة، وذلك عشرون من ذي الحجة والمحرم كله. قالوا: وإنما كان ذلك كذلك، لأن أجَل الذين لا عهد لهم كان إلى انسلاخ الأشهر الحرم، كما قال الله: (فَإِذَا انْسَلَخَ الأشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) ، الآية [سورة التوبة: 5] . قالوا: والنداء ببراءة، كان يوم الحج الأكبر، وذلك يوم النحر في قول قوم، وفي قول آخرين يوم عرفة، وذلك خمسون يوما. قالوا: وأما تأجيل الأشهر الأربعة، فإنما كان لأهل العهد بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم من يوم نزلت "براءة" . قالوا: ونزلت في أول شوّال، فكان انقضاء مدة أجلهم، انسلاخ الأشهر الحرم. وقد كان بعض من يقول هذه المقالة يقول: ابتداء التأجيل كان للفريقين واحدًا = أعني الذي له العهد، والذي لا عهد له = غير أن أجل الذي كان له عهد كان أربعة أشهر، والذي لا عهد له انسلاخ الأشهر الحرم، وذلك انقضاء المحرم.
* ذكر من قال ذلك:
(1)
"خصائص" يعني لأنها لهم خاصة دون غيرهم.

(2)
الأثر: 16356 - سيرة ابن هشام 4: 188.

16357- حدثنا المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس في قوله: (براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهر) ، قال: حدّ الله للذين عاهدوا رسوله أربعة أشهر، يسيحون فيها حيثما شاؤوا، وحدّ أجل من ليس له عهد، انسلاخَ الأشهر الحرم من يوم النحر إلى انسلاخ المحرم، فذلك خمسون ليلة. فإذا انسلخ الأشهر الحرم، أمره بأن يضع السيف فيمن عاهد.
16358- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: لما نزلت (براءة من الله) ، إلى: (وأن الله مخزي الكافرين) ، يقول: براءة من المشركين الذين كان لهم عهد يوم نزلت "براءة" ، فجعل مدة من كان له عهد قبل أن تنزل "براءة" ، أربعة أشهر، وأمرهم أن يسيحوا في الأرض أربعة أشهر. وجعل مدة المشركين الذين لم يكن لهم عهد قبل أن تنزل "براءة" ، انسلاخ الأشهر الحرم، وانسلاخ الأشهر الحرم من يوم أذن ببراءة إلى انسلاخ المحرّم، وهي خمسون ليلة: عشرون من ذي الحجة، وثلاثون من المحرم = (فإذا انسلخ الأشهر الحرم) إلى قوله: (واقعدوا لهم كل مرصد) ، يقول: لم يبق لأحد من المشركين عهد ولا ذمة منذ نزلت "براءة" وانسلخ الأشهر الحرم، ومدة من كان له عهد من المشركين قبل أن تنزل "براءة" ، أربعة أشهر من يوم أذّن ببراءة، إلى عشر من أول ربيع الآخر، فذلك أربعة أشهر.
16359- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين) . قبل أن تنزل "براءة" ، عاهد ناسًا من المشركين من أهل مكة وغيرهم، فنزلت: براءة من الله إلى كل أحد ممن كان عاهدك من المشركين، فإني أنقض العهد الذي بينك وبينهم، فأؤجلهم أربعة أشهر يسيحون
حيث شاؤوا من الأرض آمنين. وأجَّل من لم يكن بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد انسلاخَ الأشهر الحرم، من يوم أذِّن ببراءة، وأذن بها يوم النحر، فكان عشرين من ذي الحجة والمحرم ثلاثين، فذلك خمسون ليلة. فأمر الله نبيه إذا انسلخ المحرم أن يضع السيف فيمن لم يكن بينه وبين نبي الله صلى الله عليه وسلم عهد، يقتلهم حتى يدخلوا في الإسلام. وأمر بمن كان له عهد إذا انسلخ أربعةٌ من يوم النحر، أن يضع فيهم السيف أيضًا، يقتلهم حتى يدخلوا في الإسلام. فكانت مدة من لا عهد بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسين ليلة من يوم النحر، ومدة من كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد، أربعة أشهر: من يوم النحر، إلى عشر يخلُون من شهر ربيع الآخر.
16360- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (براءة من الله ورسوله) ، إلى قوله: (وبشر الذين كفروا بعذاب أليم) ، قال: ذكر لنا أن عليًّا نادى بالأذان، وأُمِّر على الحاجّ أبو بكر رحمة الله عليهما. وكان العامَ الذي حج فيه المسلمون والمشركون، ولم يحج المشركون بعد ذلك العام = قوله: (الذين عاهدتم من المشركين) ، إلى قوله: (إلى مدتهم) ، قال: هم مشركو قريش، الذين عاهدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم زمنَ الحديبية، وكان بقي من مدتهم أربعة أشهر بعد يوم النحر، وأمر الله نبيه أن يوفِّي بعهدهم إلى مدتهم، ومن لا عهد له انسلاخَ المحرّم، ونبذ إلى كل ذي عهد عهده، وأمر بقتالهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ولا يقبل منهم إلا ذلك.
* * *
وقال آخرون: كان ابتداء تأخير المشركين أربعة أشهر وانقضاء ذلك لجميعهم، وقتًا واحدًا. قالوا: وكان ابتداؤه يوم الحج الأكبر، وانقضاؤه انقضاء عشر من ربيع الآخر.
* ذكر من قال ذلك:
16361- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين) ،
قال: لما نزلت هذه الآية. برئ من عهد كل مشرك، ولم يعاهد بعدها إلا من كان عاهد، وأجرى لكلّ مدتهم = (فسيحوا في الأرض أربعة أشهر) ، لمن دخل عهده فيها، من عشر ذي الحجة والمحرم، وصفر، وشهر ربيع الأول، وعشر من ربيع الآخر.
16362- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو معشر قال، حدثنا محمد بن كعب القرظي وغيره قالوا: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر أميرًا على الموسم سنة تسع، وبعث عليّ بن أبي طالب، رضي الله عنهما، بثلاثين أو أربعين آية من "براءة" ، فقرأها على الناس، يؤجِّل المشركين أربعة أشهر يسيحون في الأرض، فقرأ عليهم "براءة" يوم عرفة، أجَّل المشركين عشرين من ذي الحجة، والمحرم، وصفر، وشهر ربيع الأول، وعشرًا من ربيع الآخر، وقرأها عليهم في منازلهم، وقال: لا يحجنّ بعد عامنا هذا مشرك، ولا يطوفنّ بالبيت عُريان.
16363- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (فسيحوا في الأرض أربعة أشهر) ، عشرون من ذي الحجة، والمحرم، وصفر، وربيع الأول، وعشر من ربيع الآخر. كان ذلك عهدَهم الذي بينهم.
16364- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (براءة من الله ورسوله) ، إلى أهل العهد: خزاعة، ومُدْلج، ومن كان له عهد منهم أو غيرهم. (1) أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك حين فرغ، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجَّ، ثم قال: إنه يحضر المشركون فيطوفون عُرَاةً، فلا أحب أن أحج حتى لا يكون ذلك. فأرسل أبا بكر وعليًّا رحمة الله عليهما فطافا بالناس بذي المجاز، وبأمكنتهم التي كانوا يتبايعون بها، وبالمواسم كلها، فآذنوا أصحابَ العهد بأن يأمنوا أربعة أشهر، فهي الأشهر المتواليات: عشرون من آخر ذي الحجة إلى عشر يخلون
(1)
في المخطوطة: "ومن كان له أو غيرهم" ، والذي في المطبوعة: "ومن كان له عهد من غيرهم" ، وصححتها كما ترى.




https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif


ابوالوليد المسلم 17-07-2025 10:07 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ براءة
الحلقة (751)
صــ 101 إلى صــ 110





من شهر ربيع الآخر، ثم لا عهد لهم. وآذن الناس كلها بالقتال إلا أن يؤمنوا.
16365- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله: (براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين) ، قال: أهل العهد: مدلج، والعرب الذين عاهدهم، ومن كان له عهد. قال: أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك حين فرغ منها وأراد الحج، ثم قال: إنه يحضر البيت مشركون يطوفون عراة فلا أحب أن أحج حتى لا يكون ذلك. فأرسل أبا بكر وعليًّا رحمة الله عليهما، فطافا بالناس بذي المجاز، وبأمكنتهم التي كانوا يتبايعون بها، وبالموسم كله، وآذنوا أصحابَ العهد بأن يأمنوا أربعة أشهر، فهي الأشهر الحرم المنسلخات المتواليات: عشرون من آخر ذي الحجة إلى عشر يخلون من شهر ربيع الآخر، ثم لا عهد لهم. وآذن الناس كلهم بالقتال إلا أن يؤمنوا. فآمن الناس أجمعون حينئذ، ولم يَسِحْ أحد. وقال: حين رجع من الطائف، مضى من فوره ذلك، فغزا تبوك، بعد إذ جاء إلى المدينة.
* * *
وقال آخرون ممن قال: "ابتداء الأجل لجميع المشركين وانقضاؤه كان واحدًا" . كان ابتداؤه يوم نزلت "براءة" ، وانقضاء الأشهر الحرم، وذلك انقضاء المحرم.
* ذكر من قال ذلك:
16366- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري: (فسيحوا في الأرض أربعة أشهر) ، قال: نزلت في شوال، فهذه الأربعة الأشهر: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم.
* * *
وقال آخرون: إنما كان تأجيلُ الله الأشهرَ الأربعة المشركين في السياحة، لمن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد مدته أقل من أربعة أشهر. أما من كان له عهد مدته أكثر من أربعة أشهر، فإنه أمر صلى الله عليه وسلم أن يُتمّ له عهده إلى مدته.
* ذكر من قال ذلك:
16367- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر قال: قال الكلبي: إنما كان الأربعة الأشهر لمن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد دون الأربعة الأشهر، فأتم له الأربعة. ومن كان له عهد أكثر من أربعة أشهر، فهو الذي أمر أن يتم له عهده، وقال: (فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ) ، [سورة التوبة: 4] .
* * *
قال أبو جعفر رحمه الله: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قولُ من قال: الأجلُ الذي جعله الله لأهل العهد من المشركين، وأذن لهم بالسياحة فيه بقوله: (فسيحوا في الأرض أربعة أشهر) ، إنما هو لأهل العهد الذين ظاهروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونقضوا عهدهم قبل انقضاء مدته. فأما الذين لم ينقضوا عهدهم ولم يظاهروا عليه، فإن الله جل ثناؤه أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بإتمام العهد بينه وبينهم إلى مدته بقوله: (إِلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) ، [سورة التوبة: 4]
فإن ظنّ ظانٌّ أن قول الله تعالى ذكره: (فَإِذَا انْسَلَخَ الأشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) ، [سورة التوبة: 5] ، يدلُّ على خلاف ما قلنا في ذلك، إذ كان ذلك ينبئ على أن الفرض على المؤمنين كان بعد انقضاء الأشهر الحرم، (1) قتْلَ كل مشرك، فإن الأمر في ذلك بخلاف ما ظن، وذلك أن الآية التي تتلو ذلك تبين عن صحة ما قلنا، (2) وفسادِ ما ظنه من ظنّ أن انسلاخ الأشهر
(1)
في المطبوعة: "ينبئ عن أن. . ." ، وقد سلف مرارا أن استعمل أبو جعفر "على" مع "ينبئ" ، فأثبتها كما في المخطوطة، وهي جائزة لتضمنها معنى "يدل" .

(2)
في المطبوعة: "تنبئ عن صحة" ، وأثبت ما في المخطوطة.

الحرم كان يبيح قتل كل مشرك، كان له عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو لم يكن له منه عهد، وذلك قوله: (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) ، [سورة التوبة: 7] ، فهؤلاء مشركون، وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بالاستقامة لهم في عهدهم، ما استقاموا لهم بترك نقض صلحهم، وترك مظاهرة عدوهم عليهم.
وبعدُ، ففي الأخبار المتظاهرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه حين بعث عليًّا رحمة الله عليه ببراءة إلى أهل العهود بينه وبينهم، أمره فيما أمره أن ينادي به فيهم: "ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فعهده إلى مدته" ، أوضحُ الدليل على صحة ما قلنا. وذلك أن الله لم يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بنقض عهد قوم كان عاهدهم إلى أجل فاستقاموا على عهدهم بترك نقضه، وأنه إنما أجل أربعة أشهر من كان قد نقض عهده قبل التأجيل، أو من كان له عهد إلى أجل غير محدود. فأما من كان أجل عهده محدودًا، ولم يجعل بنقضه على نفسه سبيلا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بإتمام عهده إلى غاية أجله مأمورًا. وبذلك بعث مناديه ينادي به في أهل الموسم من العرب.
16368- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا قيس، عن مغيرة، عن الشعبي قال، حدثني محرّر بن أبي هريرة، عن أبي هريرة قال: كنت مع علي رحمة الله عليه، حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم ينادي. فكان إذا صَحِل صوته ناديتُ، (1) قلت: بأي شيء كنتم تنادون؟ قال: بأربع: لا يطُفْ بالكعبة عُريان، ومن كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عهدٌ
(1)
"صحل صوته" ، هو البحح. وله معنى آخر شبيه به في حديث أم معبد، في صفة رسول الله، بأبي هو وأمي، صلى الله عليه وسلم قالت: "وفي صوته صحل" ، (بفتحتين) ، وهو مثل البحة في الصوت. فلا يكون حادا رفيعا.

فعهده إلى مدته، ولا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، ولا يحج بعد عامنا هذا مشرك. (1)
16369- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا عفان قال، حدثنا قيس بن الربيع قال، حدثنا الشيباني، عن الشعبي قال: أخبرنا المحرّر بن أبي هريرة، عن أبيه قال: كنت مع علي رضي الله عنه، فذكر نحوه = إلا أنه قال: ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهدٌ فعهده إلى أجله. (2)
* * *
قال أبو جعفر: وقد حدث بهذا الحديث شعبة، فخالف قيسًا في الأجل.
16370- فحدثني يعقوب بن إبراهيم ومحمد بن المثنى قالا حدثنا عثمان بن عمر قال، حدثنا شعبة، عن المغيرة، عن الشعبي، عن المحرّر بن أبي هريرة، عن أبيه قال: كنت مع علي حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم ببراءة إلى أهل مكة، فكنت أنادي حتى صَحِل صوتي. فقلت: بأي شيء كنت تنادي؟ قال: أمرنا أن ننادي: أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن، ومن كان بينه وبين رسول
(1)
الأثر: 16368 - رواه أبو جعفر بثلاثة أسانيد، وسيأتي تخريجه فيما بعد. "قيس" ، هو: "قيس بن الربيع الأسدي" ، لينه أحمد وغيره، وقد سلف مرارا آخرها رقم: 12802. و "مغيرة" هو: "مغيرة بن مقسم الضبي" ، ثقة، روى له الجماعة. سلف مرارا، آخرها رقم: 11340. و "محرر بن أبي هريرة" ، تابعي ثقة، قليل الحديث، سلف برقم: 2863. وهذا خبر ضعيف إسناده، لضعف "قيس بن الربيع" .

(2)
الأثر: 16369 - هذا الإسناد الثاني من حديث المحرر بن أبي هريرة. "عفان" ، هو: "عفان بن مسلم بن عبد الله الصفار" ، روى له الجماعة، كان يروي عن قيس بن الربيع، ويقع فيه. مضت ترجمته برقم: 5392. و "الشيباني" هو "أبو إسحاق الشيباني" ، "سليمان بن أبي سليمان" ، الإمام، مضى مرارا، من آخرها رقم: 12489. وعلة إسناده ضعف "قيس بن الربيع" . ولكن رواه الحاكم في المستدرك 2: 331 من طريق شعبة، عن سليمان الشيباني، وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ، ووافقه الذهبي. انظر التعليق التالي.

الله صلى الله عليه وسلم عهد فأجله إلى أربعة أشهر، فإذا حلّ الأجل فإن الله بريء من المشركين ورسوله، ولا يطُفْ بالبيت عريان، ولا يحج بعد العام مشرك. (1)
* * *
قال أبو جعفر: وأخشى أن يكون هذا الخبر وهمًا من ناقله في الأجل، لأن الأخبار متظاهرة في الأجل بخلافه، مع خلاف قيس شعبة في نفس هذا الحديث على ما بينته.
16371- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن أبي إسحاق، عن الحارث الأعور، عن علي رحمة الله عليه قال: أمرت بأربع: أمرت أن لا يقرب البيت بعد هذا العام مشرك، ولا يطف رجل بالبيت عريانًا، ولا يدخل الجنة إلا كل نفس مسلمة، وأن يتمّ إلى كل ذي عهد عهده. (2)
(1)
الأثر: 16370 - هذا هو الإسناد الثالث: "عثمان بن عمر بن فارس العبدي" ، ثقة روى له الجماعة، مضى مرارا. منها رقم: 5458، وغيره. وهذا الخبر من طريق شعبة، عن المغيرة، رواه أحمد في مسنده رقم: 7964، ورواه النسائي في سننه 5: 234. ورواه الحاكم في المستدرك 2: 331 من طريق أخرى، عن النضر بن شميل، عن شعبة، عن سليمان الشيباني وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه" ، ووافقه الذهبي. انظر التعليق السالف. واستوفى الكلام فيه ابن كثير في تفسيره 4: 111، وفي التاريخ 5: 38، وقال في التاريخ: "وهذا إسناد جيد، ولكن فيه نكارة من جهة قول الراوي: إن من كان له عهد فأجله إلى أربعة أشهر. وقد ذهب إلى هذا ذاهبون، ولكن الصحيح: أن من كان له عهد فأجله إلى أمده بالغا ما بلغ، ولو زاد على أربعة أشهر. ومن ليس له أمد بالكلية، فله تأجيل أربعة أشهر. بقى قسم ثالث، وهو: من له أمد يتناهى إلى أقل من أربعة أشهر من يوم التأجيل، وهذا يحتمل أن يلتحق بالأول، فيكون أجله إلى مدته وإن قل. ويحتمل أن يقال إنه يؤجل إلى أربعة أشهر، لأنه أولى ممن ليس له عهد بالكلية" . وانظر شرح الخبر في مسند أحمد.

(2)
الأثر: 16371 - "الحارث الأعور" ، هو "الحارث بن عبد الله الهمداني" ، ضعيف جدا، سلف مرارا، انظر رقم: 174. فإسناده ضعيف. وسيأتي بإسناد آخر رقم: 16374.

16372- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن زيد بن يثيع قال: نزلت "براءة" ، فبعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر، ثم أرسل عليًّا فأخذها منه. فلما رجع أبو بكر قال: هل نزل فيَّ شيء؟ قال: لا ولكني أمرت أن أبلغها أنا أو رجل من أهل بيتي. فانطلق إلى مكة، (1) فقام فيهم بأربع: أن لا يدخل مكة مشرك بعد عامه هذا، ولا يطف بالكعبة عريان، ولا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، ومن كان بينه وبين رسول الله عهدٌ فعهده إلى مدته. (2)
16373- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن زكريا، عن أبي إسحاق، عن زيد بن يثيع، عن علي قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم حين أنزلت: "براءة" بأربع: أن لا يطف بالبيت عريان، ولا يقرب المسجد الحرام مشرك بعد عامهم هذا، ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فهو إلى مدته، ولا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة. (3)
16374- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن عبد الأعلى، عن معمر،
(1)
قوله: "فانطلق" ، يعني عليا رحمه الله.

(2)
الأثران: 16372، 16373 - حديث زيد بن يثيع، سيرويه من ثلاث طرق، هذا، والذي يليه، ثم رقم: 16379. و "زيد بن يثيع" ، أو "أثيع" بالتصغير فيهما، تابعي ثقة قليل الحديث، مضى برقم: 15737. وهذا الخبر رواه أحمد في مسنده رقم: 594، من طريق سفيان، عن أبي إسحاق السبيعي، وإسناده صحيح. ورواه الترمذي في كتاب الحج، باب ما جاء في كراهية الطواف عريانا، وقال: "وفي الباب عن أبي هريرة، قال أبو عيسى: حديث على حسن" . ويعني بحديث أبي هريرة ما سلف رقم: 16368 - 16370. ثم رواه أيضا في كتاب التفسير وقال: "هذا حديث حسن صحيح" . وروى أحمد في مسند أبي بكر رقم: 4، نحو هذا الحديث مطولا، من حديث زيد بن يثيع، عن أبي بكر.

(3)
الأثران: 16372، 16373 - حديث زيد بن يثيع، سيرويه من ثلاث طرق، هذا، والذي يليه، ثم رقم: 16379. و "زيد بن يثيع" ، أو "أثيع" بالتصغير فيهما، تابعي ثقة قليل الحديث، مضى برقم: 15737. وهذا الخبر رواه أحمد في مسنده رقم: 594، من طريق سفيان، عن أبي إسحاق السبيعي، وإسناده صحيح. ورواه الترمذي في كتاب الحج، باب ما جاء في كراهية الطواف عريانا، وقال: "وفي الباب عن أبي هريرة، قال أبو عيسى: حديث على حسن" . ويعني بحديث أبي هريرة ما سلف رقم: 16368 - 16370. ثم رواه أيضا في كتاب التفسير وقال: "هذا حديث حسن صحيح" . وروى أحمد في مسند أبي بكر رقم: 4، نحو هذا الحديث مطولا، من حديث زيد بن يثيع، عن أبي بكر.

عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي رحمة الله عليه، قال: بعثت إلى أهل مكة بأربع، ثم ذكر الحديث. (1)
16375- حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري قال، حدثنا حسين بن محمد قال، حدثنا سليمان بن قرم، عن الأعمش، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر ببراءة، ثم أتبعه عليًّا، فأخذها منه، فقال أبو بكر: يا رسول الله حدث فيّ شيء؟ قال: "لا أنت صاحبي في الغار وعلى الحوض، ولا يؤدِّي عني إلا أنا أو عليّ! وكان الذي بعث به عليًّا أربعا: لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، ولا يحجّ بعد العام مشرك، ولا يطف بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فهو إلى مُدَّته. (2) "
16376- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن ابن أبي خالد، عن عامر قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم عليًّا رحمة الله عليه، فنادى: ألا لا يحجنَّ بعد العام مشرك، ولا يطف بالبيت عريان، ولا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فأجله إلى مدته، والله بريء من المشركين ورسوله.
16377- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثنا محمد بن إسحاق، عن حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف، عن أبي جعفر محمد بن علي بن حسين
(1)
الأثر: 16374 - انظر التعليق على الأثر رقم: 16371.

(2)
الأثر: 16375 - "حسين بن محمد المروزي" ، روى له الجماعة، مضى مرارا، آخرها رقم: 15338. و "سليمان بن قرم بن معاذ التيمي" ، ثقة، غمزوه بالغلو في التشيع. مضى برقم: 9163. و "الحكم" هو "الحكم بن عتيبة" ، مضى مرارا. وهذا الخبر رواه الترمذي في كتاب التفسير، من طريق أخرى، من طريق عباد بن العوام، عن سفيان بن الحسين، عن الحكم بن عتيبة، بنحوه، وقال: "هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، من حديث ابن عباس" .

بن علي قال: لما نزلت براءة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان بعث أبا بكر الصديق رحمة الله عليه ليقيم الحج للناس; قيل له: يا رسول الله، لو بعثت إلى أبي بكر! فقال: لا يؤدِّي عني إلا رجل من أهل بيتي! ثم دعا علي بن أبي طالب رحمة الله عليه، فقال: اخرج بهذه القصة من صدر "براءة" ، وأذِّن في الناس يوم النحر إذا اجتمعوا بمنًى: أنه لا يدخل الجنة كافر، ولا يحج بعد العام مشرك، ولا يطف بالبيت عريان، ومن كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فهو إلى مدته. فخرج علي بن أبي طالب رحمة الله عليه على ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء، حتى أدرك أبا بكر الصديق بالطريق. فلما رآه أبو بكر قال: أميرٌ أو مأمور؟ قال: مأمور، ثم مضيا رحمة الله عليهما، فأقام أبو بكر للناس الحج، والعرب إذ ذاك في تلك السنة على منازلهم من الحجّ التي كانوا عليها في الجاهلية. حتى إذا كان يوم النحر، قام علي بن أبي طالب رحمة الله عليه، فأذن في الناس بالذي أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا أيها الناس، لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، ولا يحج بعد العام مشرك، ولا يطف بالبيت عريان، ومن كان له عهد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو له إلى مدته. فلم يحجّ بعد ذلك العام مشرك، ولم يطف بالبيت عريان. ثم قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان هذا من "براءة" ، فيمن كان من أهل الشرك من أهل العهد العامّ، وأهل المدة إلى الأجل المسمى. (1)
16378- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: لما نزلت هذه الآيات إلى رأس أربعين آية، بعث بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر وأمَّره على الحج. فلما سار فبلغ
(1)
الأثر: 16377 - سيرة ابن هشام 4: 190، 191. "حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف الأنصاري" ، ثقة، تكلموا فيه، حتى قال ابن سعد: "كان قليل الحديث، ولا يحتجون بحديثه" ، مضى برقم: 11741.

الشجرة من ذي الحليفة، أتبعه بعليّ فأخذها منه. فرجع أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، أنزل في شأني شيء؟ قال: لا ولكن لا يبلِّغ عني غيري، أو رجل مني، أما ترضى يا أبا بكر أنك كنت معي في الغار، وأنك صاحبي على الحوض؟ قال: بلى، يا رسول الله! فسار أبو بكر على الحاجّ، وعلي يؤذن ببراءة، فقام يوم الأضحى فقال: لا يقربنَّ المسجد الحرام مشرك بعد عامه هذا، ولا يطوفنّ بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فله عهده إلى مدته، وإن هذه أيام أكل وشرب، وإن الله لا يدخل الجنة إلا من كان مسلما. فقالوا: نحن نبرأ من عهدك وعهد ابن عمك إلا من الطعن والضرب! فرجع المشركون، فلام بعضهم بعضًا وقالوا: ما تصنعون، وقد أسلمت قريش؟ فأسلموا.
16379- حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر، عن أبي إسحاق، عن زيد بن يثيع، عن علي قال: أمرت بأربع: أن لا يقربَ البيتَ بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ولا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، وأن يتم إلى كل ذي عهد عهده = قال معمر: وقاله قتادة. (1)
* * *
قال أبو جعفر: فقد أنبأت هذه الأخبار ونظائرها عن صحة ما قلنا، وأن أجل الأشهر الأربعة إنما كان لمن وصفنا. فأما من كان عهده إلى مدة معلومة، فلم يجعل لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين لنَقْضِه ومظاهرة أعدائهم عليهم سبيلا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وَفَى له بعهده إلى مدته، عن أمر الله إياه بذلك. وعلى ذلك دلّ ظاهرُ التنزيل، وتظاهرت به الأخبار عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
وأما الأشهر الأربعة، فإنها كانت أجلَ من ذكرنا. وكان ابتداؤها يوم
(1)
الأثر: 16379 - انظر التعليق على الأثرين رقم: 16372، 16373.

الحج الأكبر، وانقضاؤها انقضاء عشر من ربيع الآخر، فذلك أربعة أشهر متتابعة، جُعِل لأهل العهد الذين وصفنا أمرهم، فيها، السياحةُ في الأرض، يذهبون حيث شاؤوا، لا يعرض لهم فيها من المسلمين أحدٌ بحرب ولا قتل ولا سلب.
* * *
فإن قال قائل: فإذا كان الأمر في ذلك كما وصفت، فما وجه قوله: (فَإِذَا انْسَلَخَ الأشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) ، [سورة التوبة: 5] . وقد علمت أن انسلاخها انسلاخ المحرّم، وقد زعمت أن تأجيل القوم من الله ومن رسوله كان أربعة أشهر، وإنما بين يوم الحجّ الأكبر وانسلاخ الأشهر الحرم خمسون يومًا أكثرُه، فأين الخمسون يومًا من الأشهر الأربعة؟
قيل: إن انسلاخَ الأشهر الحرم، إنما كان أجل من لا عهد له من المشركين من رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأشهر الأربعة لمن له عهد، إما إلى أجل غير محدود، وإما إلى أجل محدود قد نقضه، فصار بنقضه إياه بمعنى من خِيف خيانته، فاستحقّ النبذ إليه على سواء، غير أنه جُعل له الاستعداد لنفسه والارتياد لها من الأجل الأربعة الأشهر. ألا ترى الله يقول لأصحاب الأشهر الأربعة، ويصفهم بأنهم أهل عهد: (براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزي الله) ، ووصف المجعول لهم انسلاخ الأشهر الحرم أجلا بأنهم أهل شرك لا أهل عهد فقال: (وأذانٌ من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله) الآية = (إلا الذين عاهدتم من المشركين) الآية؟ ثم قال: (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) ، فأمر بقتل المشركين الذين لا عهد لهم بعد انسلاخ الأشهر الحرم، وبإتمام عهد الذين لهم عهد. إذا لم يكونوا نقضوا عهدهم بالمظاهرة على المؤمنين، وإدخال النقص فيه عليهم.
فإن قال قائل: وما الدليل على أن ابتداء التأجيل كان يوم الحج الأكبر،

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif


ابوالوليد المسلم 17-07-2025 10:09 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ براءة
الحلقة (752)
صــ 111 إلى صــ 120





دون أن يكون كان من شوال على ما قاله قائلو ذلك؟
قيل له: إن قائلي ذلك زعموا أن التأجيل كان من وقت نزول "براءة" ، وذلك غير جائز أن يكون صحيحًا، لأن المجعول له أجلُ السياحة إلى وقت محدود. إذا لم يعلم ما جُعل له، ولا سيما مع عهد له قد تقدم قبل ذلك بخلافه، فكمن لم يجعل له ذلك، لأنه إذا لم يعلم ما له في الأجل الذي جُعل له وما عليه بعد انقضائه، فهو كهيئته قبل الذي جُعل له من الأجل. ومعلوم أن القوم لم يعلموا بما جُعل لهم من ذلك، إلا حين نودي فيهم بالموسم. وإذا كان ذلك كذلك. صحَّ أن ابتداءه ما قلنا، وانقضاءه كان ما وصفنا.
وأما قوله: (فسيحوا في الأرض أربعة أشهر) ، فإنه يعني: فسيروا فيها مقبلين ومدبرين، آمنين غير خائفين من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتباعه.
* * *
يقال منه: "ساح فلان في الأرض يسيح، سياحة. وسُيُوحًا. وسَيَحانًا."
* * *
وأما قوله: (واعلموا أنكم غير معجزي الله) ، فإنه يقول لأهل العهد من الذين كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهدٌ قبل نزول هذه الآية: اعلموا، أيها المشركون، أنكم إن سحتم في الأرض، واخترتم ذلك مع كفركم بالله. على الإقرار بتوحيد وتصديق رسوله = (غير معجزي الله) ، يقول: غير مُفِيتيه بأنفسكم، لأنكم حيث ذهبتم وأين كنتم من الأرض، ففي قبضته وسلطانه، لا يمنعكم منه وزيرٌ، ولا يحول بينكم وبينه إذا أرادكم بعذاب معقلٌ ولا موئل. (1) إلا الإيمان به وبرسوله. والتوبة من معصيته. يقول: فبادروا عقوبته بتوبة، ودعوا السياحة التي لا تنفعكم.
(1)
انظر تفسير "الإعجاز" فيما سلف 12: 128 / 13: 31.

وأما قوله: (وأن الله مخزي الكافرين) ، يقول: واعلموا أن الله مُذلُّ الكافرين، ومُورثهم العارَ في الدنيا، والنارَ في الآخرة. (1)
* * *
القول في تأويل قوله: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ}
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وإعلامٌ من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر.
* * *
وقد بينا معنى "الأذان" ، فيما مضى من كتابنا هذا بشواهده. (2)
* * *
وكان سليمان بن موسى يقول في ذلك ما:-
16380- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج قال: زعم سليمان بن موسى الشاميّ أن قوله: (وأذان من الله ورسوله) ، قال: "الأذان" ، القصص، فاتحة "براءة" حتى تختم: (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) ، [سورة التوبة: 28] فذلك ثمان وعشرون آية. (3)
16381- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: (وأذان من الله ورسوله) ، قال: إعلام من الله ورسوله.
* * *
ورفع قوله: (وأذان من الله) ، عطفًا على قوله: (براءة من الله) ، كأنه قال: هذه براءة من الله ورسوله، وأذانٌ من الله.
* * *
(1)
انظر تفسير "الخزي" فيما سلف 10: 318، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "الأذان" فيما سلف. . . تعليق:. . . والمراجع هناك.

(3)
الأثر: 16380 - "سليمان بن موسى الأموي الدمشقي" ، الأشدق، فقيه أهل الشأم في زمانه. مضى برقم: 15654، 15655.

وأما قوله: (يوم الحج الأكبر) ، فإنه فيه اختلافًا بين أهل العلم.
فقال بعضهم: هو يوم عرفة.
* ذكر من قال ذلك:
16382- حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال، أخبرنا أبو زرعة وهب الله بن راشد قال، أخبرنا حيوة بن شريح قال، أخبرنا أبو صخر: أنه سمع أبا معاوية البجليّ من أهل الكوفة يقول: سمعت أبا الصهباء البكري وهو يقول: سألت علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن "يوم الحج الأكبر" فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر بن أبي قحافة رضي الله عنه يقيم للناس الحج، وبعثني معه بأربعين آية من براءة، حتى أتى عرفة فخطب الناس يوم عرفة، فلما قضى خطبته التفت إليّ، فقال: قم، يا علي وأدِّ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم! فقمت فقرأت عليهم أربعين آية من "براءة" ، ثم صدرنا، (1) حتى أتينا مِنًى، فرميت الجمرة ونحرتُ البدنة، ثم حلقت رأسي، وعلمت أن أهل الجمع لم يكونوا حضروا خطبة أبي بكر يوم عرفة، فطفقت أتتبع بها الفساطيط أقرؤها عليهم. (2) فمن ثَمَّ إخال حسبتم أنه يوم النحر، ألا وهو يوم عرفة. (3)
(1)
"صدر عن الماء والبلاد" ، رجع. و "الصدر" ، (بفتحتين) ليلة رجوع الناس من عرفة إلى منى. و "صدار البيت" (بضم الصاد وتشديد الدال) : الحجاج الراجعون من حجهم.

(2)
"الفساطيط" جمع "فسطاط" ، مثل السرادق، وهو أصغر منه، يتخذه المسافرون.

(3)
الأثر: 16382 - سبق شرح هذا الإسناد برقم: 5386. "أبو زرعة" ، "وهب الله بن راشد المصري" ، مضى مرارا، آخرها برقم: 11510، ومراجعه هناك. وكان في المطبوعة هنا: "أبو زرعة وهبة الله بن راشد قالا" ، جعله رجلين! ومثله في المخطوطة مثله، إلا أنه كتب "قال" بالإفراد، قدم الكنية على الاسم. والصواب ما أثبت. و "حيوة بن شريح" ، مضى مرارا، آخرها: 11510. و "أبو صخر" ، هو "حميد بن زياد الخراط" ، قال أحمد: "ليس به بأس" ، أخرج له مسلم. مضى برقم 4325، وغيرها كثير. و "أبو معاوية البجلي" ، هو "عمار بن معاوية الدهني" ، كما صرح به الطبري في رقم: 4325، وهو ثقة. مضى في مواضع. و "أبو الصهباء البكري" ، سلف بيانه برقم: 5386. وهو إسناد صحيح.

16383- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن أبي إسحاق قال: سألت أبا جُحَيفة عن "يوم الحج الأكبر" فقال: يوم عرفة. فقلت: أمن عندك، أو من أصحاب محمد؟ قال: كلُّ ذلك. (1)
16384- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن جريج، عن عطاء قال: الحج الأكبر، يوم عرفة.
16385- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن عمر بن الوليد الشنّيّ، عن شهاب بن عبّاد العَصَريّ، عن أبيه قال: قال عمر رحمه الله: يوم الحج الأكبر، يوم عرفة = فذكرته لسعيد بن المسيب فقال: أخبرك عن ابن عمر: أن عمر قال: الحج الأكبر يومُ عرفة.
16386- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا عمر بن الوليد الشني قال، حدثنا شهاب بن عباد العصري، عن أبيه قال: سمعت عمر بن الخطاب رحمة الله عليه يقول: هذا يوم عرفة، يوم الحج الأكبر فلا يصومَنَّه أحد. قال: فحججت بعد أبي فأتيت المدينة، فسألت عن أفضل أهلها، فقالوا: سعيد بن المسيب، فأتيته فقلت: إني سألت عن أفضل أهل المدينة فقالوا: سعيد بن المسيب، فأخبرني عن صوم يوم عرفة؟ فقال: أخبرك عمن هو أفضل مني مئة ضعف، (2) عمر، أو: ابن عمر، كان ينهى عن صومه ويقول: هو يوم الحج الأكبر. (3)
(1)
الأثر: 16383 - "أبو جحيفة السوائي" ، هو "وهب بن عبد الله" ويقال له "وهب الخير" ، مات رسول الله قبل أن يبلغ الحلم. ثقة، روى له الجماعة. مترجم في التهذيب، والكبير 4/2/162، وابن أبي حاتم 4/2/22.

(2)
في المخطوطة: "أفضل مني أضعافا" ، وفي المخطوطة "أفضل مني ضعف" ، والصواب من تفسير ابن كثير 4: 113.

(3)
الأثران: 16385، 16386 - "عمر بن الوليد الشني" ، "أبو سلمة العبدي" ، ثقة، مضى برقم 435، 11185. "شهاب بن عباد العصري العبدي" ، روى عن أبيه، وهو غير "شهاب بن عباد العبدي" ، شيخ البخاري ومسلم. ذكره ابن حبان في الثقات. مترجم في التهذيب، والكبير 2 / 2 / 235، وابن أبي حاتم 2 / 1 / 361، ولم يذكر فيه جرحا. وذكر في التهذيب في ترجمته: "قال الدارقطني: صدوق زائغ" ، وظني أنه أخطأ، ذاك "شهاب بن عباد" آخر، ذكره الذهبي في ميزان الاعتدال 1: 451. وأبوه "عباد العصري" ، روى عن عمر، مترجم في ابن أبي حاتم 3 / 1 / 88.

16387- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا عبد الصمد بن حبيب، عن معقل بن داود قال: سمعت ابن الزبير يقول: يوم عرفة هذا، يوم الحج الأكبر، فلا يصمه أحد. (1)
16388- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا غالب بن عبيد الله قال: سألت عطاء عن يوم الحج الأكبر فقال: يوم عرفة، فأفِضْ منها قبل طلوع الفجر. (2)
16389- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن بكر، عن ابن جريج قال: أخبرني محمد بن قيس بن مخرمة قال: خطب النبي صلى الله عليه وسلم عشية عرفة ثم قال: "أما بعد" = "وكان لا يخطب إلا قال: أما بعد =" فإن هذا يوم الحج الأكبر ". (3) "
16390- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا عبد الوهاب، عن مجاهد قال: يوم الحج الأكبر، يوم عرفة.
(1)
الأثر: 16387 - "عبد الصمد بن حبيب الأزدي العوذي" ، ضعفه البخاري وأحمد. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 3 / 1 / 51. و "معقل بن داود" ، لم أجد له ترجمة، وفي ترجمة "عبد الصمد بن حبيب" أنه روى عن "معقل القسملي" ، ولكني لم أجد لهذا "القسملي" ، "الأزدي" ، ذكرا في شيء من مراجعي.

(2)
الأثر: 16388 - "غالب بن عبيد الله العقيلي الجزري" ، منكر الحديث، مضى برقم: 12214.

(3)
الأثر: 16389 - "محمد بن بكر العثماني البرساني" ، ثقة، مضى مرارا. و "محمد بن قيس بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف" ، تابعي ثقة، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، مضى برقم: 10520.

16391- حدثني الحارث قال، حدثنا القاسم قال، حدثنا إسحاق بن سليمان، عن سلمة بن بُخْت، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: يوم الحج الأكبر، يوم عرفة. (1)
16392- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، أخبرني طاوس، عن أبيه قال: قلنا: ما الحج الأكبر؟ قال: يوم عرفة.
16393- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال: أخبرنا ابن جريج، عن محمد بن قيس بن مخرمة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب يوم عرفة فقال: هذا يوم الحج الأكبر.
* * *
وقال آخرون: هو يوم النحر.
* ذكر من قال ذلك:
16394- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي قال: يوم الحج الأكبر، يوم النحر.
16395- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا مصعب بن سلام، عن الأجلح، عن أبي إسحاق، عن الحارث قال: سمعت عليًّا يقول: يوم الحج الأكبر، يوم النحر.
16396- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام قال، حدثنا عنبسة، عن أبي إسحاق، عن الحارث قال: سألت عليًّا عن الحج الأكبر فقال: هو يوم النحر.
16397- حدثنا ابن أبي الشوارب قال، حدثنا عبد الواحد قال، حدثنا سليمان
(1)
الأثر: 16391 - "إسحاق بن سليمان الرازي" ، سلف مرارا. و "سلمة بن بخت" مدني، مولى قريش، قال أحمد: "لا بأس به" ، ووثقه ابن معين. مترجم في الكبير 2 / 2 / 83، وابن أبي حاتم 2 / 1 / 156. وكان في المطبوعة: "سلمة بن محب" ، وهو خطأ محض، وهي في المخطوطة، غير منقوطة.

الشيباني قال: سألت عبد الله بن أبي أوفى عن الحج الأكبر، قال: فقال: يوم النحر. (1)
16398- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن عيّاش العامري، عن عبد الله بن أبي أوفى قال: يوم الحج الأكبر، يوم النحر. (2)
16399- قال، حدثنا سفيان، عن عبد الملك بن عمير، عن عبد الله بن أبي أوفى قال: يوم الحج الأكبر، يوم النحر.
16400- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن عبد الملك قال: دخلت أنا وأبو سلمة على عبد الله بن أبي أوفى، قال: فسألته عن يوم الحج الأكبر، فقال: يوم النحر، يوم يُهَرَاقُ فيه الدم.
16401- حدثنا عبد الحميد بن بيان قال، أخبرنا إسحاق، عن سفيان، عن عبد الملك بن عمير، عن عبد الله قال: يوم الحج الأكبر، يوم النحر.
16402- حدثنا أبو كريب وأبو السائب قالا حدثنا ابن إدريس، عن الشيباني قال: سألت ابن أبي أوفى عن يوم الحج الأكبر قال: هو يوم النحر.
16403- حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال: أخبرنا الشيباني، عن عبد الله بن أبي أوفى قال: يوم الحج الأكبر، يوم النحر.
16404- قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا عبد الملك بن عمير قال، سَمعت عبد الله بن أبي أوفى، وسُئل عن قوله: (يوم الحج الأكبر) ، قال: هو اليوم الذي يُرَاق فيه الدم، ويُحلق فيه الشعر.
(1)
الأثر: 16396 - "الحارث" ، في هذا الإسناد وما قبله، هو "الحارث الأعور" وقد مضى بيان ضعفه مرارا.

(2)
الأثر: 16398 - "عياش العامري" ، هو "عياش بن عمرو العامري" ، ثقة، مترجم في التهذيب، والكبير 4 / 1 / 48، وابن أبي حاتم 3 / 2 / 6. و "عبد الله بن أبي أوفى الأسلمي" ، صحابي شهد بيعة الرضوان. مضى برقم: 7758.

16405- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا أبو داود قال، حدثنا شعبة، عن الحكم قال: سمعت يحيى بن الجزار يحدّث، عن علي: أنه خرج يوم النحر على بغلة بيضاء يريد الجبّانة، فجاءه رجل فأخذ بلجام بغلته، فسأله عن الحج الأكبر، فقال: هو يومك هذا، خَلِّ سبيلها. (1)
16406- حدثنا عبد الحميد بن بيان قال، حدثنا إسحاق، عن مالك بن مغول، وشُتَير، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي قال: يوم الحج الأكبر، يوم النحر.
16407- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن عيينة، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي قال: سئل عن يوم الحج الأكبر قال: هو يوم النحر.
16408- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن شعبة، عن الحكم، عن يحيى بن الجزار، عن علي: أنه لقيه رجل يوم النحر فأخذ بلجامه، فسأله عن يوم الحج الأكبر، قال: هو هذا اليوم. (2)
16409- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن قيس، عن عبد الملك بن عمير، وعياش العامري، عن عبد الله بن أبي أوفى قال: هو اليوم الذي تُهَراق فيه الدماء. (3)
16410- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن عيينة، عن عبد الملك بن عمير، عن ابن أبي أوفى قال: الحج الأكبر، يوم تُهَرَاق فيه الدماء، ويحلق فيه الشعر، ويَحِلّ فيه الحرام.
16411- حدثني عيسى بن عثمان بن عيسى الرملي قال، حدثنا يحيى بن
(1)
الأثر: 16405 - "يحيى بن الجزار" ، ثقة، كان، كان يغلو في التشيع، لم يسمع من علي إلا ثلاثة أحاديث، هذا أحدها، والحديث الآخر، مضى برقم: 5425، 16106. وانظر الأثر التالي رقم: 16408.

(2)
الأثر: 16408 - هو مكرر الأثر. رقم: 16405، مختصرا.

(3)
الأثر: 16409 - انظر التعليق على رقم: 16398.

عيسى، عن الأعمش، عن عبد الله بن سنان قال: خطبنا المغيرة بن شعبة يوم الأضحى علي بعير فقال: هذا يوم الأضحى، وهذا يوم النحر، وهذا يوم الحج الأكبر.
16412- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن الأعمش، عن عبد الله بن سنان قال: خطبنا المغيرة بن شعبة يوم الأضحى على بعير وقال: هذا يوم الأضحى، وهذا يوم النحر، وهذا يوم الحج الأكبر.
16413- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن الأعمش، عن عبد الله بن سنان قال: خطبنا المغيرة بن شعبة، فذكر نحوه. (1)
16414- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن سعيد، عن حماد بن سلمة، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: الحج الأكبر، يوم النحر.
16415- حدثنا ابن أبي الشوارب قال، حدثنا عبد الواحد قال، حدثنا سليمان الشيباني قال، سمعت سعيد بن جبير يقول: الحج الأكبر، يوم النحر.
16416- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي جحيفة قال: الحج الأكبر، يوم النحر. (2)
16417- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن أبي بشر، قال: اختصم علي بن عبد الله بن عباس ورجل من آل شيبة في "يوم الحج الأكبر" ، قال علي: هو يوم النحر. وقال الذي من آل شيبة:
(1)
الآثار: 16411 - 16413 "عبد الله بن سنان الأسدي" ، "أبو سنان" ، روى عن علي، وابن مسعود، وضرار بن الأزور، والمغيرة بن شعبة. روى عنه الأعمش، وأبو حصين. وهو ثقة له أحاديث. توفي أيام الحجاج، قبل يوم الجماجم. مترجم في ابن سعد 6: 123، وابن أبي حاتم 2 / 2 / 68، وتعجيل المنفعة ص: 224. وكان في المطبوعة: "عبد الله بن يسار" ، في المواضع كلها، خطأ محض، وهو في المخطوطة "سنان" غير منقوط كله.

(2)
الأثر: 16416 - "أبو جحيفة" ، "وهب بن عبد الله" ، سلف برقم: 16383.

هو يوم عرفة. فأرسل إلى سعيد بن جبير فسألوه، فقال: هو يوم النحر، ألا ترى أن من فاته يوم عرفة لم يفته الحج، فإذا فاته يوم النحر فقد فاته الحج؟
16418- حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا يونس، عن سعيد بن جبير أنه قال: الحج الأكبر، يوم النحر. قال فقلت له: إن عبد الله بن شيبة، ومحمد بن علي بن عبد الله بن عباس اختلفا في ذلك، فقال محمد بن علي: هو يوم النحر. وقال عبد الله: هو يوم عرفة. فقال سعيد بن جبير: أرأيت لو أن رجلا فاته يوم عرفة، أكان يفوته الحج؟ وإذا فاته يوم النحر فاته الحج!
16419- حدثنا أبو كريب وأبو السائب قالا حدثنا ابن إدريس، عن الشيباني، عن سعيد بن جبير قال: الحج الأكبر، يوم النحر.
16420- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه قال، حدثني رجل، عن أبيه، عن قيس بن عبادة قال: ذو الحجة العاشر النحرُ، وهو يوم الحج الأكبر.
16421- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن شداد قال: يوم الحج الأكبر، يوم النحر. والحج الأصغر، العمرة.
16422- حدثنا عبد الحميد بن بيان قال، أخبرنا إسحاق، عن شريك، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن شداد بن الهاد قال: الحج الأكبر، يوم النحر.
16423- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا المحاربي، عن مسلم الحجبي قال: سألت نافع بن جبير بن مطعم عن يوم الحج الأكبر، قال: يوم النحر.
16424- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عنبسة، عن المغيرة، عن إبراهيم قال: كان يقال: الحج الأكبر، يوم النحر.
16425- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن عامر قال: يوم الحج الأكبر، يوم يُهَراق فيه الدم، ويحلّ فيه الحرام.
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif




ابوالوليد المسلم 17-07-2025 10:12 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ براءة
الحلقة (753)
صــ 121 إلى صــ 130





16426- حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم أنه قال: يوم الحج الأكبر، يوم النحر، الذي يحلّ فيه كل حرام.
16427- قال حدثنا هشيم، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، عن علي، قال: يوم الحج الأكبر، يوم النحر.
16428- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن ابن عون قال: سألت محمدًا عن يوم الحجّ الأكبر فقال: كان يومًا وافق فيه حج رسول الله صلى الله عليه وسلم وحج أهل الوَبر.
16429- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا الحكم بن بشير قال، حدثنا عمر بن ذر قال: سألت مجاهدًا عن يوم الحج الأكبر فقال: هو يوم النحر.
16430- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا إسرائيل، عن أبى إسحاق، عن مجاهد: يوم الحج الأكبر، يوم النحر.
16431- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا إسرائيل، عن ثور، عن مجاهد: يوم الحج الأكبر، يوم النحر.
16432- حدثنا أحمد قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا إسرائيل، عن جابر، عن عامر قال: يوم الحجّ الأكبر، يوم النحر = وقال عكرمة: يوم الحج الأكبر: يوم النحر، يوم تهراق فيه الدماء، ويحلّ فيه الحرام = قال وقال مجاهد: يوم يجمع فيه الحج كله، وهو يوم الحج الأكبر.
16433- قال حدثنا إسرائيل، عن عبد الأعلى، عن محمد بن علي: يوم الحج الأكبر، يوم النحر.
16434- قال، حدثنا إسرائيل، عن عبد الأعلى، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، مثله.
16435- قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا حماد بن سلمة،
عن سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس، مثله.
16436- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن أبي إسحاق قال، قال علي: الحج الأكبر، يوم النحر = قال: وقال الزهري: يوم النحر، يوم الحج الأكبر.
16437- حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب قال، حدثنا عمي عبد الله بن وهب قال، أخبرني يونس، وعمرو، عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر في الحجة التي أمَّره رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها قبل حجة الوداع، في رَهْط يؤذِّنون في الناس يوم النحر: ألا لا يحجّ بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان = قال الزهري: فكان حميد يقول: يوم النحر، يوم الحح الأكبر. (1)
16438- حدثنا الحسن بن يحيى قال، حدثنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الشعبي، عن أبي إسحاق قال: سألت عبد الله بن شداد عن الحج الأكبر، والحج الأصغر، فقال: الحج الأكبر يوم النحر، والحج الأصغر العمرة.
16439- قال أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن أبي إسحاق قال، سألت عبد الله بن شداد، فذكر نحوه.
16440- قال أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن عيينة، عن عبد الملك بن عمير قال: سمعت عبد الله بن أبي أوفى يقول: يوم الحج الأكبر، يوم يوضع فيه الشعر، ويُهَراق فيه الدم، ويحلّ فيه الحرام. (2)
(1)
الأثر: 16437 - "يونس" ، هو "يونس بن يزيد الأيلي" ثقة، سلف مرارا. و "عمرو" ، هو "عمرو بن الحارث بن يعقوب الأنصاري" ، ثقة مضى مرارا. و "حميد بن عبد الرحمن بن عوف الزهري" ، الثقة، مضى مرارا. وهذا الخبر رواه البخاري في صحيحه (الفتح 3: 387 / 8: 238 - 241) من طرق، واستوفى الكلام عليه الحافظ بن حجر هناك. وبمثله في السنن لأبي داود 2: 264، رقم: 1946.

(2)
الأثر: 16440 - انظر ما سلف رقم: 16399.

16441- قال، حدثنا الثوري، عن أبي إسحاق، عن علي قال: الحج الأكبر، يوم النحر.
16442- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا قيس، عن عياش العامري، عن عبد الله بن أبي أوفى: أنه سئل عن يوم الحج الأكبر فقال: سبحان الله، هو يوم تهراق فيه الدماء، ويحل فيه الحرام، ويوضع فيه الشعر، وهو يوم النحر. (1)
16443- قال، حدثنا إسرائيل، عن أبي حصين، عن عبد الله بن سنان، قال: خطبنا المغيرة بن شعبة على ناقة له فقال: هذا يوم النحر، وهذا يوم الحج الأكبر. (2)
16444- قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا حسن بن صالح، عن مغيرة، عن إبراهيم قال، يوم الحج الأكبر، يوم النحر.
16445- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز، عن إبراهيم بن طهمان، عن مغيرة، عن إبراهيم: يوم الحج الأكبر، يوم النحر، يحلّ فيه الحرام.
16446- حدثني أحمد بن المقدام قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا ابن عون، عن محمد بن سيرين، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه قال: لما كان ذلك اليوم، قعد على بعير له، (3) وأخذ إنسان بخطامه = أو: زمامه = فقال: أي يوم هذا؟ قال: فسكتنا حتى ظننا أنه سيسمِّيه غير اسمه فقال: أليس يوم الحج؟. (4)
(1)
الأثر: 16442 - انظر ما سلف رقم: 16398.

(2)
الأثر: 16443 - انظر ما سلف رقم: 16411 - 16413.، وكان في المطبوعة هنا أيضا: "عبد الله بن يسار" ، والصواب "ابن سنان" ، كما في المخطوطة أيضا.

(3)
زاد في المطبوعة هنا فكتب: "قعد على بعير له النبي" .

(4)
الأثر: 16446 - رواه البخاري في صحيحه (الفتح 3: 459) من طريق أبي عامر العقدي، عن قرة بن خالد، عن محمد بن سيرين، مطولا وفيه: "أليس يوم النحر" .

16447- حدثنا سهل بن محمد السجستاني قال، حدثنا أبو جابر الحرمي قال، حدثنا هشام بن الغاز الجرشي، عن نافع، عن ابن عمر قال: وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر عند الجمرات في حجة الوداع فقال: هذا يوم الحج الأكبر. (1)
(1)
الأثر: 16447 - "سهل بن محمد بن عثمان السجستاني" ، هو "أبو حاتم" ، النحوي، المقرئ، البصري المشهور. ذكره ابن حبان في الثقات. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 2 / 1 / 204. وكان في المطبوعة والمخطوطة، وتفسير ابن كثير "سهل بن محمد الحساني" . وكان الصواب هو ما أثبته لما سترى بعد. و "أبو جابر الحرمي" ، هو "محمد بن عبد الملك الأزدي البصري" نزيل مكة، مشهور بكنيته. روى عنه "أبو حاتم السجستاني" ، فمن أجل ذلك صححت الاسم السالف "سهل بن محمد السجستاني" . ونسبته "الحرمي" ، كانت في المخطوطة "الحربي" ، تشبه أن تكون "باءا" أو "تاء" أو "ثاء" ، أو "ميما" ، فرجحت أنها "ميم" لأنه نزيل مكة، نسبة إلى "الحرم" . وكانت في المطبوعة: "الحرثي" ، وفي تفسير ابن كثير "الحربي" ولم يوجد شيء من ذلك في ترجمته. و "أبو جابر" ، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال أبو حاتم: "أدركته، مات قبلنا بيسير، وليس بقوي" . وهو مترجم في التهذيب، والكبير 1 / 1 / 165، ولم يذكر فيه جرحا، وابن أبي حاتم 4 / 1 / 5، وميزان الاعتدال 3: 95. و "هشام بن الغاز بن ربيعة الجرشي" ، ثقة صالح الحديث. مترجم في التهذيب، والكبير 4 / 2 / 199، وابن أبي حاتم 4 / 2 / 67. وهذا الخبر، خرجه ابن كثير في تفسيره 4: 114، وقال: "هكذا رواه ابن أبي حاتم وابن مردويه" من حديث أبي جابر - واسمه: محمد بن عبد الملك - به. ورواه ابن مردويه أيضا من حديث الوليد بن مسلم، عن هشام بن الغاز. ثم رواه من حديث سعيد بن عبد العزيز، عن نافع، به ". وفاته أن البخاري أخرجه في صحيحه تعليقا (الفتح 3: 459) ، مطولا، وأخرجه أبو داود في سننه 2: 264 رقم: 1945، من طريق مؤمل بن الفضل، عن الوليد بن مسلم، عن هشام بن الغاز" ، بمثله مطولا. وأخرجه ابن ماجه في سننه: 1016 رقم 3058، من طريق هشام بن عمار، عن صدقة بن خالد، عن هشام بن الغاز، بمثله مطولا. وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 5: 139. وقال الحافظ ابن حجر (الفتح 3: 459، 460) : "وأخرجه الطبراني عن أحمد بن المعلي، والإسماعيلي عن جعفر الفريابي، كلاهما عن هشام بن عمار = وعن جعفر الفريابي، عن دحيم، عن الوليد بن مسلم، عن هشام بن الغاز، ومن هذا الوجه أخرجه أبو داود" . أما الحاكم، فقد أخرجه في المستدرك 2: 331 من طريق سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي، عن الوليد بن مسلم، عن هشام بن الغاز، ثم قال: "وهذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذه السياقة. وأكثر هذا المتن مخرج في الصحيحين إلا قوله: إن يوم الحج الأكبر، يوم النحر سنة. فإن الأقاويل فيه عن الصحابة والتابعين رضى الله عنهم، على خلاف بينهم فيه، فمنهم من قال: يوم عرفة، ومنهم من قال: يوم النحر" ، ووافقه الذهبي على صحته.

16448- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن مرة الهمداني، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقة حمراء مخضرمة، (1) فقال: أتدرون أيَّ يوم يومكم؟ قالوا: يوم النحر! قال: صدقتم، يوم الحج الأكبر. (2)
16449- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا يحيى بن سعيد قال، حدثنا شعبة قال، أخبرني عمرو بن مرة قال، حدثنا مرة قال، حدثنا رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر نحوه.
16450- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، عن أبيه، عن قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليًّا بأربع كلمات حين حج أبو بكر بالناس، فنادى ببراءة: إنه يوم الحج الأكبر، ألا إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، ألا ولا يطوف بالبيت عريان، ألا ولا يحج بعد العام مشرك، ألا ومن كان بينه وبين محمد عهدٌ فأجله إلى مدته، والله بريء
(1)
"المخضرمة" ، المقطوع طرف أذنها، وكان أهل الجاهلية يخضرمون نعمهم، فلما جاء الإسلام، أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يخضرموا من غير الموضع الذي يخضرم منه أهل الجاهلية، فكانت خضرمة أهل الإسلام بائنة من خضرمة أهل الجاهلية.

(2)
الأثر: 16448 - "رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم" ، ربما كان: "عبد الله بن مسعود" ، فقد روى الخبر مطولا ابن ماجه في السنن: 1016، رقم: 3057، من طريق إسماعيل بن توبة، عن زافر بن سليمان، عن أبي سنان، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن مسعود ". وسيأتي برقم: 16454، من حديث شعبة، عن عمرو بن مرة، عن رجل من أصحاب رسول الله" ، كمثل ما في رواية ابن ماجه، ليس فيه "مرة الطيب" .

من المشركين ورسوله. (1)
16451- حدثني يعقوب قال، حدثني هشيم، عن حجاج بن أرطأة، عن عطاء قال: يوم الحج الأكبر، يوم النحر.
16452- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (يوم الحج الأكبر) ، قال: يوم النحر، يوم يحلّ فيه المحرم، وينحر فيه البُدْن. وكان ابن عمر يقول: هو يوم النحر. وكان أبي يقوله. وكان ابن عباس يقول: هو يوم عرفة. ولم أسمع أحدًا يقول إنه يوم عرفة إلا ابن عباس. قال ابن زيد: والحج يفوت بفوت يوم النحر، ولا يفوت بفوت يوم عرفة، إن فاته اليوم لم يفته الليل، يقف ما بينه وبين طلوع الفجر.
16453- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: يوم الأضحى، يوم الحج الأكبر.
16454- حدثنا سفيان قال، حدثنا أبي، عن شعبة، عن عمرو بن مرة، قال، حدثني رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في غرفتي هذه، حسبته قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر على ناقة حمراء مُخَضرَمة فقال: أتدرون أي يوم هذا؟ هذا يوم النحر، وهذا يوم الحج الأكبر. (2)
* * *
وقال آخرون: معنى قوله: (يوم الحج الأكبر) ، حين الحجّ الأكبر ووقته. قال: وذلك أيام الحج كلها، لا يوم بعينه.
(1)
الأثر: 16450 - "إسماعيل بن أبي خالد الأحمسي" ، مضى مرارا. و "أبوه" : "أبو خالد الأحمسي البجلي" ، مترجم في التهذيب، روى عن أبي هريرة، وجابر بن سمرة. ذكره ابن حبان في الثقات. وقد حذفت المطبوعة ما أثبت، وهو "عن. . ." ، وبعدها بياض، سقط من المخطوطة اسم الصحابي الذي روى عنه أبو خالد هذا الخبر. ولم أجد الخبر في مكان آخر.

(2)
الأثر: 16454 - انظر التعليق على رقم: 16448.

* ذكر من قال ذلك:
16455- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (يوم الحج الأكبر) ، حين الحجّ، أيامه كلها.
16456- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا ابن عيينة، عن ابن جريج، عن مجاهد قال: الحج الأكبر، أيام منى كلها، ومجامع المشركين حين كانوا بذي المجاز وعكاظ ومَجَنَّة، حين نودي فيهم: أن لا يجتمع المسلمون والمشركون بعد عامهم هذا، وأن لا يطوف بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهدٌ فعهده إلى مدته.
16457- حدثني الحارث قال، حدثنا أبو عبيد قال، كان سفيان يقول: "يوم الحج" ، و "يوم الجمل" ، و "يوم صفين" ، أي: أيامه كلها.
16458- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد في قوله: (يوم الحج الأكبر) ، قال: حين الحجّ، أي: أيامه كلها.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصحة، قولُ من قال: "يوم الحج الأكبر، يوم النحر" ، لتظاهر الأخبار عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عليًّا نادى بما أرسله به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرسالة إلى المشركين، وتلا عليهم "براءة" ، يوم النحر. هذا، مع الأخبار التي ذكرناها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال يوم النحر: أتدرون أيّ يوم هذا؟ هذا يوم الحج الأكبر.
وبعدُ، فإن "اليوم" إنما يضاف إلى المعنى الذي يكون فيه، كقول الناس: "يوم عرفة" ، وذلك يوم وقوف الناس بعرفة = و "يوم الأضحى" ، وذلك يوم
يضحون فيه = "ويوم الفطر" ، وذلك يوم يفطرون فيه. وكذلك "يوم الحج" ، يوم يحجون فيه، وإنما يحج الناس ويقضون مناسكهم يوم النحر، لأن في ليلة نهار يوم النحر الوقوفُ بعرفة غير فائت إلى طلوع الفجر، (1) وفي صبيحتها يعمل أعمال الحج. فأما يوم عرفة، فإنه وإن كان الوقوف بعرفة، فغير فائت الوقوف به إلى طلوع الفجر من ليلة النحر، والحج كله يوم النحر.
* * *
وأما ما قال مجاهد: من أن "يوم الحج" ، إنما هو أيامه كلها، فإن ذلك وإن كان جائزًا في كلام العرب، فليس بالأشهر الأعرف في كلام العرب من معانيه، بل أغلبُ على معنى "اليوم" عندهم أنه من غروب الشمس إلى مثله من الغد. وإنما محمل تأويل كتاب الله على الأشهر الأعرف من كلام من نزل الكتابُ بلسانه.
* * *
واختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله قيل لهذا اليوم: "يوم الحج الأكبر" .
فقال بعضهم: سمي بذلك، لأن ذلك كان في سنة اجتمع فيها حجّ المسلمين والمشركين.
* ذكر من قال ذلك:
16459- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الحسن قال: إنما سمي "الحج الأكبر" ، من أجل أنه حج أبو بكر الحجة التي حجها، واجتمع فيها المسلمون والمشركون، فلذلك سمي "الحج الأكبر" ، ووافق أيضًا عيدَ اليهود والنصارى.
16460- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا
(1)
في المطبوعة: "الوقوف بعرفة كان إلى طلوع الفجر" ، غير ما في المخطوطة، وهو الصواب المحض.

حماد بن سلمة، عن علي بن زيد بن جدعان، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل قال: يوم الحج الأكبر، كانت حجة الوداع، اجتمع فيه حج المسلمين والنصارى واليهود، ولم يجتمع قبله ولا بعده.
16461- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا أبو سفيان، عن معمر، عن الحسن قال: قوله: (يوم الحج الأكبر) ، قال: إنما سمي "الحج الأكبر" ، لأنه يوم حج فيه أبو بكر، ونُبذت فيه العهود.
* * *
وقال آخرون: "الحج الأكبر" ، القِرآنُ، و "الحج الأصغر" ، الإفراد.
* ذكر من قال ذلك:
16462- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا أبو بكر النهشلي، عن حماد، عن مجاهد قال: كان يقول: "الحج الأكبر" و "الحج الأصغر" ، فالحج الأكبر، القِرآن = و "الحج الأصغر" ، إفراد الحج.
* * *
وقال آخرون: "الحج الأكبر" ، الحج = و "الحج الأصغر" ، العمرة.
* ذكر من قال ذلك:
16463- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن بكر، عن ابن جريج، عن عطاء، قال: "الحج الأكبر" ، الحج، و "الحج الأصغر" ، العمرة.
16464- قال، حدثنا عبد الأعلى، عن داود، عن عامر قال: قلت له: هذا الحج الأكبر، فما "الحج الأصغر" ، قال: العمرة.
16465- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي قال: كان يقال: "الحج الأصغر" ، العمرة في رمضان.
16466- قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد قال: كان يقال: "الحج الأصغر" ، العمرة.
16467- قال، حدثنا عبد الرحمن، عن سفيان، عن أبي أسماء، عن عبد الله بن شداد قال: "يوم الحج الأكبر" ، يوم النحر، و "الحج الأصغر" ، العمرة.
16468- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري: أن أهل الجاهلية كانوا يسمون "الحج الأصغر" ، العمرة.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بالصواب في ذلك عندي، قول من قال: "الحج الأكبر، الحج" ، لأنه أكبر من العمرة بزيادة عمله على عملها، فقيل له: "الأكبر" ، لذلك. وأما "الأصغر" فالعمرة، لأن عملها أقل من عمل الحج، فلذلك قيل لها: "الأصغر" ، لنقصان عملها عن عمله.
* * *
وأما قوله: (أن الله بريء من المشركين ورسوله) ، فإن معناه: أن الله بريء من عهد المشركين ورسوله، بعد هذه الحجة.
* * *
قال أبو جعفر: ومعنى الكلام: وإعلام من الله ورسوله إلى الناس في يوم الحج الأكبر: أن الله ورسوله من عهد المشركين بريئان، كما:-
16469- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (أن الله بريء من المشركين ورسوله) ، أي: بعد الحجة. (1)
* * *
(1)
الأثر: 16469 - سيرة ابن هشام 4: 188، وهو تابع الأثر السالف رقم: 16356.



https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif


ابوالوليد المسلم 17-07-2025 10:15 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ براءة
الحلقة (754)
صــ 131 إلى صــ 140





القول في تأويل قوله: {فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (فإن تبتم) ، من كفركم، أيها المشركون، ورجعتم إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له = دون الآلهة والأنداد (1) = فالرجوع إلى ذلك (خير لكم) ، من الإقامة على الشرك في الدنيا والآخرة = (وإن توليتم) ، يقول: وإن أدبرتم عن الإيمان بالله وأبيتم إلا الإقامة على شرككم = (فاعلموا أنكم غير معجزي الله) ، يقول: فأيقنوا أنكم لا تُفِيتون الله بأنفسكم من أن يحلّ بكم عذابه الأليم وعقابه الشديد، على إقامتكم على الكفر، (2) كما فعل بمن قبلكم من أهل الشرك من إنزال نقمه به، (3) وإحلاله العذاب عاجلا بساحته = (وبشر الذين كفروا) ، يقول: واعلم، يا محمد، الذين جحدوا نبوتك وخالفوا أمر ربهم (4) = (بعذاب) ، موجع يحلُّ بهم. (5)
16470- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج قوله: (فإن تبتم) ، قال: آمنتم.
* * *
(1)
انظر تفسير "التوبة" فيما سلف من فهارس اللغة (توب) .

(2)
انظر تفسير "الإعجاز" فيما سلف ص 111، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(3)
في المطبوعة: "كما فعل بذويكم من أهل الشرك" ، وفي المخطوطة: "كما فعل برونكم" ، ولا أدري ما هو، فآثرت أن أجعلها "بمن قبلكم" لتستقيم الضمائر بعد ذلك.

(4)
انظر تفسير "بشر" فيما سلف 13: 418، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(5)
انظر تفسير "أليم" فيما سلف من فهارس اللغة (ألم) .


القول في تأويل قوله: {إِلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله) ،، إلا من عَهْدِ الذين عاهدتم من المشركين، أيها المؤمنون (1) = (ثم لم ينقصوكم شيئا) ، من عهدكم الذي عاهدتموهم = (ولم يظاهروا عليكم أحدًا) ، من عدوكم، فيعينوهم بأنفسهم وأبدانهم، ولا بسلاح ولا خيل ولا رجال (2) = (فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم) ، يقول: فَفُوا لهم بعهدهم الذي عاهدتموهم عليه، (3) ولا تنصبوا لهم حربًا إلى انقضاء أجل عهدهم الذي بينكم وبينهم = (إن الله يحب المتقين) ، يقول: إن الله يحب من اتقاه بطاعته، بأداء فرائضه واجتناب معاصيه. (4)
16471- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم) ، يقول: إلى أجلهم.
16472- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (إلا الذين عاهدتم من المشركين) ،: أي العهد الخاص إلى الأجل المسمى = (ثم لم ينقصوكم شيئا) ، الآية. (5)
(1)
انظر تفسير "المعاهدة" فيما سلف ص: 21، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "المظاهرة" فيما سلف 2: 304.

(3)
انظر تفسير "الإتمام" فيما سلف 13: 87، تعليق 1، والمراجع هناك.

(4)
انظر تفسير "التقوى" فيما سلف من فهارس اللغة (وقى) .

(5)
الأثر: 16472 - سيرة ابن هشام 2: 188، وهو تابع الأثر السالف رقم: 16469.

16473- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا) ، الآية، قال: هم مشركو قريش، الذين عاهدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية، وكان بقي من مدتهم أربعة أشهر بعد يوم النحر. فأمر الله نبيه أن يوفي لهم بعهدهم إلى مدتهم، ومن لا عهد له إلى انسلاخ المحرم، ونبذ إلى كل ذي عهد عهده، وأمره بقتالهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وأن لا يقبل منهم إلا ذلك.
16474- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: مدة من كان له عهد من المشركين قبل أن تنزل "براءة" أربعة أشهر، من يوم أذن ببراءة إلى عشر من شهر ربيع الآخر، وذلك أربعة أشهر. فإن نقضَ المشركون عهدهم، وظاهروا عدوًّا فلا عهد لهم. وإن وفوْا بعهدهم الذي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يظاهروا عليه عدوًّا، فقد أمر أن يؤدِّي إليهم عهدهم ويفي به.
* * *
القول في تأويل قوله: {فَإِذَا انْسَلَخَ الأشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) }
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (فإذا انسلخ الأشهر الحرم) ، فإذا انقضى ومضى وخرج.
* * *
يقال منه: سلخنا شهر كذا نسلَخه سَلْخًا وسُلُوخًا، بمعنى: خرجنا منه. ومنه قولهم: "شاة مسلوخة" ، بمعنى: المنزوعة من جلدها، المخرجة منه. (1)
* * *
ويعني بـ "الأشهر الحرم" ، ذا القعدة، وذا الحجة، والمحرم. (2)
وإنما أريد في هذا الموضع انسلاخ المحرم وحده، لأن الأذان كان ببراءة يوم الحج الأكبر. فمعلوم أنهم لم يكونوا أجَّلوا الأشهرَ الحرم كلَّها = وقد دللنا على صحة ذلك فيما مضى = ولكنه لما كان متصلا بالشهرين الآخرين قبله الحرامين، وكان هو لهما ثالثًا، وهي كلها متصل بعضها ببعض، قيل: "فإذا انسلخ الأشهر الحرم" ، ومعنى الكلام: فإذا انقضت الأشهر الحرم الثلاثة عن الذين لا عهد لهم، أو عن الذين كان لهم عهد فنقضوا عهدهم بمظاهرتهم الأعداءَ على رسول الله وعلى أصحابه، أو كان عهدهم إلى أجل غيره معلوم.
* * *
= (فاقتلوا المشركين) ، يقول: فاقتلوهم = (حيث وجدتموهم) ، يقول: حيث لقيتموهم من الأرض، في الحرم، وغير الحرم في الأشهر الحرم وغير الأشهر الحرم = (وخذوهم) يقول: وأسروهم = (واحصروهم) ، يقول: وامنعوهم من التصرف في بلاد الإسلام ودخول مكة = (واقعدوا لهم كل مرصد) ، يقول: واقعدوا لهم بالطلب لقتلهم أو أسرهم = "كل مرصد" ، يعني: كل طريق ومرقَب.
* * *
وهو "مفعل" ، من قول القائل: "رصدت فلانًا أرصُده رَصْدًا" ، بمعنى: رقبته.
* * *
(فإن تابوا) ، يقول: فإن رجعوا عما نهاهم عليه من الشرك بالله وجحود نبوة نبيه محمد
(1)
انظر تفسير "الانسلاخ" فيما سلف 13: 260.

(2)
انظر تفسير "الأشهر الحرم" فيما سلف 3: 575 - 579 / 9: 456، 466 / 11: 91، 94.

صلى الله عليه وسلم، (1) إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له دون الآلهة والأنداد، والإقرار بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم = (وأقاموا الصلاة) ، يقول: وأدّوا ما فرض الله عليهم من الصلاة بحدودها = وأعطوا الزكاة التي أوجبها الله عليهم في أموالهم أهلها (2) = (فخلوا سبيلهم) ، يقول: فدعوهم يتصرفون في أمصاركم، ويدخلون البيت الحرام = (إن الله غفور رحيم) ، لمن تاب من عباده = فأناب إلى طاعته، بعد الذي كان عليه من معصيته، ساتر على ذنبه، رحيم به، أن يعاقبه على ذنوبه السالفة قبل توبته، بعد التوبة. (3)
* * *
وقد ذكرنا اختلاف المختلفين في الذين أجِّلوا إلى انسلاخ الأشهر الحرم.
* * *
وبنحو ما قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16475- حدثنا عبد الأعلى بن واصل الأسدي قال، حدثنا عبيد الله بن موسى قال، أخبرنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع، عن أنس قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من فارق الدنيا على الإخلاص لله وحده، وعبادته لا يشرك له شيئًا، فارقها والله عنه راضٍ = قال: وقال أنس: هو دين الله الذي جاءت به الرسل وبلغوه عن ربهم، قبل هَرْج الأحاديث، (4) واختلاف الأهواء. وتصديق ذلك في كتاب الله في آخر ما أنزل الله، قال الله: (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم) ، قال: توبتهم، خلع الأوثان، وعبادة ربهم، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، ثم قال في آية أخرى: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ
(1)
انظر تفسير "التوبة" فيما سلف من فهارس اللغة (تاب) .

(2)
انظر تفسير "إقامة الصلاة" ، و "إيتاء الزكاة" فيما سلف منم فهارس اللغة (قوم) ، (أتى) .

(3)
انظر تفسير "غفور" و "رحيم" فيما سلف من فهارس اللغة (غفر) ، (رحم) .

(4)
"هرج الأحاديث" ، الإكثار فيها، واختلاف المختلفين، واختلاط أصواتهم.

وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) ، [سورة التوبة: 11] . (1)
16476- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) ، حتى ختم آخر الآية. وكان قتادة يقول: خلوا سبيل من أمركم الله أن تخلوا سبيله، فإنما الناس ثلاثة: رَهْط مسلم عليه الزكاة، ومشرك عليه الجزية، وصاحب حرب يأمن بتجارته في المسلمين إذا أعطى عُشُور ماله.
16477- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (فإذا انسلخ الأشهر الحرم) ، وهي الأربعة التي عددت لك = يعني: عشرين من ذي الحجة، والمحرم، وصفر، وربيعًا الأول، وعشرًا من شهر ربيع الآخر.
* * *
وقال قائلو هذه المقالة: قيل لهذه: "الأشهر الحرم" ، لأن الله عز وجل حرّم على المؤمنين فيها دماءَ المشركين، والعَرْضَ لهم إلا بسبيلِ خيرٍ. (2)
* ذكر من قال ذلك:
(1)
الأثر: 16475 - "عبد الأعلى بن واصل بن عبد الأعلى بن هلال الأسدي" ، شيخ الطبري، ثقة، مضى برقم: 11125.

و "عبيد الله بن موسى بن أبي المختار العبسي" ، روى له الجماعة، سلف مرارا، آخرها: 13177. وسائر رجال السند، ثقات، مضوا جميعا، إلا أبا جعفر الرازي، فقد تكلموا فيه، وهو ثقة إن شاء الله
وهذا الخبر رواه ابن ماجه في سننه: 27، رقم: 70، من طريقتين: من طريق نصر بن علي الجهضمي، عن أبي أحمد، عن أبي جعفر الرازي، ثم من طريق أبي حاتم، عن عبيد الله بن موسى العبسي، عن أبي جعفر، بمثله.
ورواه الحاكم في المستدرك 2: 331، 332 عن طريق إسحاق بن سليمان الرازي، عن أبي جعفر الرازي، ولم يقل فيه: "قال أنس: وهو دين الله. . .، بل ساقه مدرجا في الحديث، ثم قال:" وهذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه "، وافقه الذهبي، إلا أنه استدرك عليه فقال:" صدر الخبر مرفوع، وسائره مدرج فيما أرى "، وصدق الذهبي."
(2)
في المطبوعة والمخطوطة: "والعرض لهم" ، وهو بمعنى "التعرض" .

16478- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن إبراهيم بن أبي بكر: أنه أخبره عن مجاهد وعمرو بن شعيب في قوله: (فإذا انسلخ الأشهر الحرم) ، أنها الأربعة التي قال الله: (فسيحوا في الأرض) ، قال: هي "الحُرم" ، من أجل أنهم أومنوا فيها حتى يسيحوها. (1)
16479- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهر) ، قال: ضُرِب لهم أجلُ أربعة أشهر، وتبرأ من كل مشرك. ثم أمر إذا انسلخت تلك الأشهر الحرم = (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد) ، لا تتركوهم يضربون في البلاد، ولا يخرجوا لتجارة، (2) ضَيِّقوا عليهم بعدها. ثم أمر بالعفو (3) (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم) ،.
16480- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (فإذا انسلخ الأشهر الحرم) ، يعني: الأربعة التي ضربَ الله لهم أجلا = لأهل العهد العامّ من المشركين = (فاقتلوهم حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد) ، الآية. (4)
* * *
(1)
الأثر: 16478 - "إبراهيم بن أبي بكر الأخنسي" ، ثقة، مضى برقم: 10758.

(2)
في المطبوعة: "ولا يخرجون للتجارة" ، وأثبت ما في المخطوطة.

(3)
في المخطوطة: "بعد ما أمر بالعفو" ، وفي المطبوعة: "بعدها أمر بالعفو" ، وصواب السياق يقتضي ما أثبت، وزيادة "ثم" .

(4)
الأثر: 16480 - سيرة ابن هشام 3: 189، وهو تابع الأثر السالف رقم: 16472، قوله: "لأهل العهد العام من المشركين" ، من كلام أبي جعفر، استظهارا مما سلف قبله في السيرة، وفي رقم: 16356.

القول في تأويل قوله: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (6) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه: وإن استأمنك، يا محمد، من المشركين، الذين أمرتك بقتالهم وقتلهم بعد انسلاخ الأشهر الحرم، أحدٌ ليسمع كلام الله منك = وهو القرآن الذي أنزله الله عليه = (فأجره) ، يقول: فأمّنه حتى يسمع كلام الله وتتلوه عليه = (ثم أبلغه مأمنه) ، يقول: ثم رُدَّه بعد سماعه كلام الله إن هو أبَي أن يسلم، ولم يتعظ لما تلوته عليه من كلام الله فيؤمن = "إلى مأمنه" ، يقول: إلى حيث يأمن منك وممن في طاعتك، حتى يلحق بداره وقومه من المشركين (1) = (ذلك بأنهم قوم لا يعلمون) ، يقول: تفعل ذلك بهم، من إعطائك إياهم الأمان ليسمعوا القرآن، وردِّك إياهم إذا أبوا الإسلام إلى مأمنهم، من أجل أنهم قوم جهلة لا يفقهون عن الله حجة، ولا يعلمون ما لهم بالإيمان بالله لو آمنوا، وما عليهم من الوِزْر والإثم بتركهم الإيمان بالله.
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16481- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (وإن أحد من المشركين استجارك) ، أي: من هؤلاء الذين أمرتك بقتالهم، (فأجره) . (2)
(1)
انظر تفسير "الأمن" فيما سلف 13: 420، تعليق 1، والمراجع هناك.

(2)
الأثر: 16481 - سيرة ابن هشام 4: 189، وهو تابع الأثر السالف رقم: 16480.

16482- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (فأجره حتى يسمع كلام الله) ، أما "كلام الله" ، فالقرآن.
16483- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره) ، قال: إنسان يأتيك فيسمع ما تقول، ويسمع ما أنزل عليك، فهو آمنٌ حتى يأتيك فيسمع كلام الله، وحتى يبلغ مأمنه، حيث جاءه. (1)
16484- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، بنحوه.
16485- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد قال: خرج رسوله الله صلى الله عليه وسلم غازيًا، فلقي العدوَّ، وأخرج المسلمون رجلا من المشركين وأشرعوا فيه الأسنّة، فقال الرجل: ارفعوا عني سلاحكم، وأسمعوني كلام الله! فقالوا: تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، وتخلع الأنداد، وتتبرأ من اللات والعزى! فقال: فإنّي أشهدكم أني قد فعلت.
16486- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (ثم أبلغه مأمنه) ، قال: إن لم يوافقه ما تتلو عليه وتحدثه، (2) فأبلغه. قال: وليس هذا بمنسوخ.
* * *
واختلفت في حكم هذه الآية، وهل هو منسوخ أو هو غير منسوخ؟
فقال بعضهم: هو غير منسوخ. وقد ذكرنا قول من قال ذلك.
* * *
وقال آخرون: هو منسوخ.
(1)
في المطبوعة: "حيث جاء" ، والصواب من المخطوطة.

(2)
في المخطوطة والمطبوعة: "ما تقول عليه وتحدثه" ، وفي المخطوطة فوق "تقول" حرف (ط) دلالة على الخطأ، والصواب ما أثبت.

* ذكر من قال ذلك:
16487- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان، عن جويبر، عن الضحاك: (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) ، نسختها: (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً) ،. [سورة محمد: 4]
16488- قال، حدثنا سفيان، عن السدي، مثله.
* * *
وقال آخرون: بل نسخ قوله: (فاقتلوا المشركين) ، قوله: (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ) .
* ذكر من قال ذلك:
16489- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبدة بن سليمان، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة: (حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ) ، [سورة محمد: 4] نسخها قوله: (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) ،
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي، قولُ من قال: "ليس ذلك بمنسوخ" . وقد دللنا على أن معنى "النسخ" ، هو نفي حكم قد كان ثبت بحكم آخر غيره. (1) ولم تصحّ حجةٌ بوجوب حكم الله في المشركين بالقتل بكل حال، ثم نسخه بترك قتلهم على أخذ الفداء، ولا على وجه المنّ عليهم. فإذ كان ذلك كذلك، وكان الفداء والمنّ والقتل لم يزل من حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم من أول حرب حاربهم، (2) وذلك من يوم بدر = كان معلومًا أن معنى الآية: فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم، وخذوهم للقتل أو المنِّ أو الفداء، واحصروهم. وإذا كان ذلك معناه، صحّ ما قلنا في ذلك دون غيره.
* * *
(1)
انظر ما قاله أبو جعفر في "النسخ" مرارا في فهارس الكتاب.

(2)
في المطبوعة: "فكان الفداء" ، وهو خطأ، لم يحسن قراءة المخطوطة.



https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif


ابوالوليد المسلم 17-07-2025 10:18 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ براءة
الحلقة (755)
صــ 141 إلى صــ 150





القول في تأويل قوله: {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: أنّى يكون أيها المؤمنون بالله ورسوله، وبأيِّ معنى، يكون للمشركين بربهم عهدٌ وذمة عند الله وعند رسوله، يوفّى لهم به، ويتركوا من أجله آمنين يتصرفون في البلاد؟ (1) وإنما معناه: لا عهد لهم، وأن الواجب على المؤمنين قتلهم حيث وجدوهم، إلا الذين أعطوا العهد عند المسجد الحرام منهم، فإن الله جل ثناؤه أمرَ المؤمنين بالوفاء لهم بعهدهم، والاستقامة لهم عليه، ما داموا عليه للمؤمنين مستقيمين.
* * *
واختلف أهل التأويل في الذين عنوا بقوله: (إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام) .
فقال بعضهم: هم قوم من جذيمة بن الدُّئِل.
* ذكر من قال ذلك:
16490- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم) ، هم بنو جذيمة بن الدُّئِل. (2)
(1)
انظر تفسير "العهد" و "المعاهدة" فيما سلف ص: 132، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(2)
هكذا جاء هنا "بنو جذيمة بن الدئل" ، وفي رقم: 16491: "جذيمة بكر كنانة" . ولا أعلم في "الدئل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة" ، "جذيمة" فإن "جذيمة كنانة" إنما هم: "بنو جذيمة بن عامر بن عبد مناة بن كنانة" ، أبناء عمومة "الدئل" ، و "بكر بن عبد مناة" .

وبنو جذيمة بن عامر بن عبد مناة، هم أهل الغميصاء، الذين أوقع بهم خالد بن الوليد بعد الفتح، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا رضي الله عنه ليتلافى خطأ خالد بن الوليد، فودي لهم الدماء وما أصيب من الأموال، حتى إنه إنه ليدي لهم ميلغة الكلب.
(انظر سيرة ابن هشام 4: 70 - 73) .
16491- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن محمد بن عباد بن جعفر قوله: (إلا الذين عاهدتم من المشركين) ، قال: هم جذيمة بكر كنانة. (1)
16492- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (كيف يكون للمشركين) ، الذين كانوا هم وأنتم على العهد العام، (2) بأن لا تخيفوهم ولا يخيفوكم في الحرمة ولا في الشهر الحرام (3) = (عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام) ، وهي قبائل بني بكر الذين كانوا دخلوا في عهد قريش وعقدهم يوم الحديبية، إلى المدة التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش، فلم يكن نَقَضَها إلا هذا الحيُّ من قريش، وبنو الدُّئِل من بكر. فأمر بإتمام العهد لمن لم يكن نقض عهده من بني بكر إلى مدته = (فما استقاموا لكم) ، الآية. (4)
* * *
وقال آخرون: هم قريش.
(1)
الأثر: 16491 - راجع التعليق السالف. وكان في المطبوعة: "بكر، من كنانة" ، وأثبت ما في المخطوطة.

(2)
في المطبوعة والمخطوطة: "كانوا وأنتم" ، واثبتت ما في سيرة ابن هشام.

(3)
في المطبوعة: "بأن لا تمنعوهم ولا يمنعوكم من الحرم" ، غير ما في المخطوطة، لأنه لم يحسن قراءتها. والصواب ما في المخطوطة، مطابقا لما في السيرة.

وقوله: "في الحرمة" ، يعني في مكة البلد الحرام، وسائر مناسك الحج، وهي بضم الحاء وسكون الراء. وهي من "الحرمة" ، وهو ما لا يحل انتهاكه. وقد قصرت كتب اللغة في إثبات لفظ "الحرمة" بهذا المعنى الذي فسرته، وهو كثير في أخبارهم بالمعنى الذي ذكرت، فأثبته هناك. ومن أجل هذا ظن الناشر أنه حين كتب "من الحرم" ، أن "الحرمة" لا تأتي بمعنى "الحرم" .
(4)
الأثر: 16492 - سيرة ابن هشام 4: 189، وهو تابع الأثر السالف رقم: 16481.


* ذكر من قال ذلك:
16493- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس قوله: (إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام) ، هم قريش.
16494- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: (إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام) ، يعني: أهل مكة.
16495- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام) ، يقول: هم قوم كان بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم مدة، ولا ينبغي لمشرك أن يدخل المسجد الحرام ولا يعطي المسلمَ الجزيةَ. (فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم) ، يعني: أهل العهد من المشركين.
16496- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم) ، قال: هؤلاء قريش. وقد نسخ هذا الأشهر التي ضربت لهم، وغدروا بهم فلم يستقيموا، كما قال الله. فضرب لهم بعد الفتح أربعة أشهر، يختارون من أمرهم: إما أن يسلموا، وإما أن يلحقوا بأيِّ بلاد شاؤوا. قال: فأسلموا قبل الأربعة الأشهر، وقبل قَتْلٍ. (1)
16497- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم) ، قال: هو يوم الحديبية، (2) قال: فلم يستقيموا، نقضوا عهدهم،
(1)
في المطبوعة والمخطوطة: "وقبل وقبل" ، ولا معنى له، ولكنه في المخطوطة غير منقوط والصواب إن شاء الله ما أثبت.

(2)
كان في المطبوعة: "هم قوم جذيمة" ، وهذا كلام فاسد كل الفساد. وفي المخطوطة:

"هم يوم الحديبية" ، وصواب قراءته ما أثبت. وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كتب الهدنة بينه وبين قريش عام الحديبية، تواثبت بنو بكر بن عبد مناة فقالت: "نحن في عقد قريش وعهدهم" ، وتواثبت خزاعة فقالت: "نحن في عقد محمد وعهده" (سيرة ابن هشام 3: 332) . ثم كان بعد ذلك بمدة أن تظاهرت بنو بكر وقريش على خزاعة، وهم حلف رسول الله، فكان ذلك أحد الأسباب الموجبة المسير إلى مكة وفتحها. وهذا ما دل عليه سائر الخبر.
أي أعانوا بني بكرٍ حِلْفِ قريش، على خزاعة حِلْفِ النبي صلى الله عليه وسلم. (1)
* * *
وقال آخرون: هم قوم من خزاعة.
* ذكر من قال ذلك:
16498- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا ابن عيينة، عن ابن جريج، عن مجاهد: (إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام) ، قال: أهل العهد من خزاعة.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بالصواب عندي، قولُ من قال: هم بعضُ بني بكر من كنانة، ممن كان أقام على عهده، ولم يكن دخل في نقض ما كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش يوم الحديبية من العهد مع قريش، حين نقضوه بمعونتهم حلفاءَهم من بني الدُّئِل، على حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم من خزاعة.
* * *
وإنما قلتُ: هذا القول أولى الأقوال في ذلك بالصواب، لأن الله أمر نبيه والمؤمنين بإتمام العهد لمن كانوا عاهدوه عند المسجد الحرام، ما استقاموا على عهدهم. وقد بينَّا أن هذه الآيات إنما نادى بها عليّ في سنة تسع من الهجرة، وذلك بعد فتح مكة بسنة، فلم يكن بمكة من قريش ولا خزاعة كافرٌ يومئذ بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهدٌ، فيؤمر بالوفاء له بعهده ما استقام على عهده، لأنّ من كان منهم من ساكني مكة، كان قد نقض العهد وحورب قبل نزول هذه الآيات.
* * *
(1)
هو "حلفه" ، أي: حليفة، وهو الذي بينه وبينه عهد.

وأما قوله: (إن الله يحب المتقين) ، فإن معناه: إن الله يحب من اتقى الله وراقبه في أداء فرائضه، والوفاء بعهده لمن عاهده، واجتناب معاصيه، وترك الغدر بعهوده لمن عاهده.
* * *
القول في تأويل قوله: {كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلا وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8) }
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: كيف يكون لهؤلاء المشركين الذين نقضوا عهدهم أو لمن لا عهد له منهم منكم، أيها المؤمنون، عهد وذمة، وهم = (إن يظهروا عليكم) ، يغلبوكم = (لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة) .
* * *
واكتفى بـ "كيف" دليلا على معنى الكلام، لتقدم ما يراد من المعني بها قبلها. وكذلك تفعل العرب، إذا أعادت الحرف بعد مضيّ معناه، استجازوا حذف الفعل، كما قال الشاعر: (1)
وَخَبَّرْتُمَانِي أَنَّمَا الْمَوْتُ فِي الْقُرَى ... فَكَيْفَ وَهَذِي هَضْبَةٌ وَكَثِيبُ (2)
فحذف الفعل بعد "كيف" ، لتقدم ما يراد بعدها قبلها. ومعنى الكلام: فكيف يكون الموت في القرى، وهذي هضبة وكثيب، لا ينجو فيهما منه أحد.
* * *
(1)
هو كعب بن سعد الغنوي.

(2)
الأصمعيات: 99، طبقات فحول الشعراء: 176، أمالي القالي: 151، جمهرة أشعار العرب: 135، ومعاني القرآن للفراء: 1: 424 وغيرها كثير. وهي من أشهر المرائي وأنبلها. وكان لكعب بن سعد أخ يقال له "أبو المغوار" ، فأخذ المدينة وباء، فنصحوه بأن يفر بأخيه من الأرض الوبيئة، لينجو من طوارق الموت، فلما خرج به إلى البادية هلك أخوه، فتفجع عليه تفجع العربي النبيل.

واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: (لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة) .
فقال بعضهم، معناه: لا يرقبوا الله فيكم ولا عهدًا.
* ذكر من قال ذلك:
16499- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (لا يرقبون في مؤمن إلا) ، [سورة التوبة: 10] ، قال: الله.
16500- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن سليمان، عن أبي مجلز في قوله: (لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلا وَلا ذِمَّةً) ، قال: مثل قوله: "جبرائيل" ، "ميكائيل" ، "إسرافيل" ، كأنه يقول: يضيف "جَبْر" و "ميكا" و "إسراف" ، إلى "إيل" ، (1) يقول: عبد الله = (لا يرقبون في مؤمن إلا) ، كأنه يقول: لا يرقبون الله.
16501- حدثني محمد بن عبد الأعلى قال، حدثني محمد بن ثور، عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (إلا ولا ذمة) ، لا يرقبون الله ولا غيره.
* * *
وقال آخرون: "الإلّ" ، القرابة.
* ذكر من قال ذلك:
16502- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: (لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلا وَلا ذِمَّةً) ، يقول: قرابةً ولا عهدًا. وقوله: (وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة) ، قال: "الإل" ، يعني: القرابة، و "الذمة" ، العهد.
16503- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي
(1)
في المخطوطة: "كأنه يقول: يضاف جبر" ، وفي المخطوطة: "كأنه يقول جبر يضف جبر. . ." . وفي المخطوطة أيضا "سراف" بغير ألف.

قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة) ، "الإلّ" ، القرابة، و "الذمة" ، العهد، يعني أهل العهد من المشركين، يقول: ذمتهم.
16504- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو معاوية وعبدة، عن جويبر، عن الضحاك، "الإل" ، القرابة. (1)
16505- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا محمد بن عبد الله، عن سلمة بن كهيل، عن عكرمة، عن ابن عباس: (لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلا وَلا ذِمَّةً) ، قال: "الإلّ" ، القرابة، و "الذمة" ، العهد.
16506- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، أخبرنا عبيد بن سليمان، قال سمعت، الضحاك يقول في قوله: (لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلا وَلا ذِمَّةً) ، "الإل" ، القرابة، و "الذمة" ، الميثاق.
16507- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (كيف وإن يظهروا عليكم) ، المشركون = (لا يرقبوا فيكم) ، عهدًا ولا قرابة ولا ميثاقًا.
* * *
وقال آخرون: معناه: الحلف.
* ذكر من قال ذلك:
16508- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة) ، قال: "الإل" ، الحلف، و "الذمة" ، العهد.
* * *
وقال آخرون: "الإلّ" ، هو العهد، ولكنه كرِّر لما اختلف اللفظان، وإن كان معناهما واحدًا.
(1)
الأثر: 16504 - في المطبوعة: "عن حوشب، عن الضحاك" ، غير ما في المخطوطة، وهو الصواب وهذا إسناد مضى مثله مرارا.

* ذكر من قال ذلك:
16509- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (إلا) ، قال: عهدًا.
16510- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة) ، قال: لا يرقبوا فيكم عهدًا ولا ذمة. قال: إحداهما من صاحبتها كهيئة "غفور" ، "رحيم" ، قال: فالكلمة واحدة، وهي تفترق. قال: والعهد هو "الذمة" .
16511- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن أبيه، عن خصيف، عن مجاهد (ولا ذمة) ، قال: العهد.
16512- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا قيس، عن خصيف، عن مجاهد: (ولا ذمة) ، قال: "الذمة" ، العهد.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر عن هؤلاء المشركين الذين أمر نبيَّه والمؤمنين بقتلهم بعد انسلاخ الأشهر الحرم، وحصرهم والقعود لهم على كل مرصد: أنهم لو ظهروا على المؤمنين لم يرقبوا فيهم "إلا" .
و "الإلّ" : اسم يشتمل على معان ثلاثة: وهي العهد، والعقد، والحلف، والقرابة، وهو أيضا بمعنى "الله" . فإذْ كانت الكلمة تشمل هذه المعاني الثلاثة، ولم يكن الله خصّ من ذلك معنى دون معنى، فالصواب أن يُعَمّ ذلك كما عمّ بها جل ثناؤه معانيها الثلاثة، فيقال: لا يرقبون في مؤمنٍ اللهَ، ولا قرابةً، ولا عهدًا، ولا ميثاقًا.
ومن الدلالة على أنه يكون بمعنى "القرابة" قول ابن مقبل:
أَفْسَدَ النَّاسَ خُلُوفٌ خَلَفُوا ... قَطَعُوا الإلَّ وَأَعْرَاقَ الرَّحِمْ (1)
(1)
من أبيات مفرقة، لم أجدها مجموعة في مكان، وهذا بيت لم أجده أيضا في مكان آخر.

و "خلوف" جمع "خلف" (بفتح فسكون) ، وهو بقية السوء والأشرار تخلف من سبقها. وفي المخطوطة: "أخلفوا" بالألف، والصواب ما في المطبوعة. و "الأعراق" جمع "عرق" وعرق كل شيء: أصله الذي منه ثبت. ويقال منه: "تداركه أعراق خير، وأعراق شر" .
بمعنى: قطعوا القرابة، وقول حسان بن ثابت:
لَعَمْرُكَ إِنَّ إِلَّكَ مِنْ قُرَيْشٍ ... كَإلِّ السَّقْبِ مِنْ رَأْلِ النَّعامِ (1)
وأما معناه إذا كان بمعنى "العهد" ، فقول القائل: (2)
وَجَدْنَاهُمُ كَاذِبًا إلُّهُمْ ... وَذُو الإلِّ وَالْعَهْدِ لا يَكْذِبُ
* * *
وقد زعم بعض من ينسب إلى معرفة كلام العرب من البصريين: أن "الإلّ" ، و "العهد" ، و "الميثاق" ، و "اليمين" واحد = وأن "الذمة" في هذا الموضع، التذمم ممن لا عهد له، والجمع: "ذِمَم" . (3)
* * *
وكان ابن إسحاق يقول: عنى بهذه الآية أهل العهد العام.
16513- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (كيف وإن يظهروا عليكم) ، أي: المشركون الذين لا عهد لهم إلى مدة من أهل العهد
(1)
ديوانه: 407، واللسان (ألل) ، من أبيات هجا بها أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم، ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم، وأخوه من الرضاعة، وكان ممن يشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان أبو سفيان ممن يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم، ويهجوه، ويؤذي المسلمين، فانبرى له حسان فأخذ منه كل ما أخذ. ثم أسلم في فتح مكة، وشهد حنينا، وثبت فيمن ثبت مع نبي الله، وظل آخذا بلجام بغلة رسول الله يكفها ورسول الله يركضها إلى الكفار. ثم ظل أبو سفيان بعد ذلك لا يرفع رأسه إلى رسول الله حياء منه.

ولكن كان من هجاء حسان له، بعد البيت: فَإنَّكَ إِن تَمُتَّ إلى قُرَيْشٍ ... كَذَاتِ البَوِّ جائِلَةَ المَرَامِ
وَأَنْتَ مُنَوَّطٌ بِهِمُ هَجِينٌ ... كما نِيطَ السَّرَائِحُ بالخِدَامِ
فَلا تَفْخَر بِقَوْمٍ لَسْتَ مِنْهُمْ ... ولا تَكُ كاللِّئَامِ بَنِي هِشامِ
"السقب" ، ولد الناقة ساعة يولد. و "الرأل" ، ولد النعام. يقول: ما قرابتك في قريش، إلا كقرابة الفصيل، من ولد النعام! .
(2)
لم أعرف قائله.

(3)
هو أبو عبيدة في مجاز القرآن 1: 253.

العام = (لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة) . (1)
* * *
فأما قوله: (يرضونكم بأفواههم) ، فإنه يقول: يعطونكم بألسنتهم من القول، خلاف ما يضمرونه لكم في نفوسهم من العداوة والبغضاء (2) = (وتأبى قلوبهم) ، أي: تأبَى عليهم قلوبهم أن يذعنوا لكم، بتصديق ما يبدونه لكم بألسنتهم. يحذِّر جل ثناؤه أمرَهم المؤمنين، ويشحذهم على قتلهم واجتياحهم حيث وجدوا من أرض الله، وأن لا يقصِّروا في مكروههم بكل ما قدروا عليه = (وأكثرهم فاسقون) ، يقول: وأكثرهم مخالفون عهدَكم، ناقضون له، كافرون بربهم، خارجون عن طاعته. (3)
* * *
القول في تأويل قوله: {اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (9) }
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: ابتاع هؤلاء المشركون الذين أمركم الله، أيها المؤمنون، بقتلهم حيث وجدتموهم، بتركهم اتباعَ ما احتج الله به عليهم من حججه، يسيرًا من العوض قليلا من عرض الدنيا. (4)
* * *
وذلك أنهم، فيما ذُكر عنهم، كانوا نقضوا العهد الذي كان بينهم وبين رسول
(1)
الأثر: 16513 - سيرة ابن هشام 4: 189، وهو تابع الأثر السالف رقم: 16492.

(2)
انظر تفسير "بدت البغضاء من أفواههم" 7: 145 - 147 / و "يقولون بأفواههم" 7: 378 / و "قالوا آمنا بأفواههم" ، 10: 301 - 308.

(3)
انظر تفسير "الفسق" فيما سلف من فهارس اللغة (فسق) .

(4)
انظر تفسير "اشترى" فيما سلف 10: 344، تعليق: 2، والمراجع هناك.

= وتفسير "الآيات" فيما سلف من فهارس اللغة "(أيي) ."
= وتفسير "الثمن القليل" فيما سلف 10: 344، تعليق: 2، والمراجع هناك.
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif




ابوالوليد المسلم 17-07-2025 10:22 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ براءة
الحلقة (756)
صــ 151 إلى صــ 160





الله صلى الله عليه وسلم بأكلةٍ أطعمهموها أبو سفيان بن حرب.
16514- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (اشتروا بآيات الله ثمنًا قليلا) ، قال: أبو سفيان بن حرب أطعم حلفاءه، وترك حلفاء محمد صلى الله عليه وسلم.
16515- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
* * *
وأما قوله: (فصدوا عن سبيله) ، فإن معناه: فمنعوا الناس من الدخول في الإسلام، وحاولوا ردَّ المسلمين عن دينهم (1) = (إنهم ساء ما كانوا يعلمون) ، يقول جل ثناؤه: إن هؤلاء المشركين الذين وصفت صفاتهم، ساء عملهم الذي كانوا يعملون، من اشترائهم الكفرَ بالإيمان، والضلالة بالهدى، وصدهم عن سبيل الله من آمن بالله ورسوله، أو من أراد أن يؤمن. (2)
* * *
القول في تأويل قوله: {لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلا وَلا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: لا يتقي هؤلاء المشركون الذين أمرتكم، أيها المؤمنون، بقتلهم حيث وجدتموهم، في قتل مؤمن لو قدورا عليه = (إلا ولا ذمة) ، يقول: فلا تبقوا عليهم، أيها المؤمنون، كما لا يبقون عليكم لو ظهروا عليكم (3) = (وأولئك هم المعتدون) ، يقول: المتجاوزون فيكم إلى ما ليس لهم بالظلم والاعتداء. (4)
* * *
(1)
انظر تفسير "الصد" فيما سلف 13: 581، تعليق: 2، والمراجع هناك.

= وتفسير "سبيل الله" في سلف من فهارس اللغة (سبل) .
(2)
انظر تفسير "ساء" فيما سلف 13: 275، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(3)
انظر تفسير "الإل" و "الذمة" فيما سلف قريبا ص: 145 - 149.

(4)
انظر تفسير "الاعتداء" فيما سلف 13: 182، تعليق: 2، والمراجع هناك.

القول في تأويل قوله: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11) }
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: فإن رجع هؤلاء المشركون الذين أمرتكم، أيها المؤمنون، بقتلهم عن كفرهم وشركهم بالله، إلى الإيمان به وبرسوله، وأنابوا إلى طاعته = (وأقاموا الصلاة) ، المكتوبة، فأدّوها بحدودها = (وآتوا الزكاة) ، المفروضة أهلَها (1) = (فإخوانكم في الدين) ، يقول: فهم إخوانكم في الدين الذي أمركم الله به، وهو الإسلام = (ونفصل الآيات) ، يقول: ونبين حجج الله وأدلته على خلقه (2) = (لقوم يعلمون) ، ما بُيِّن لهم، فنشرحها لهم مفصلة، دون الجهال الذين لا يعقلون عن الله بيانه ومحكم آياته.
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16516- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين) ، يقول: إن تركوا اللات والعزّى، وشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله = (فإخوانكم في الدين ونفصل الآيات لقوم يعلمون) .
16517- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حفص بن غياث، عن ليث،
(1)
انظر تفسير "التوبة" و "إقامة الصلاة" و "إيتاء الزكاة" في فهارس اللغة (توب) ، (قوم) ، (أتى) .

(2)
انظر تفسير "التفصيل" فيما سلف 13: 252، تعليق: 1، والمراجع هناك.

= وتفسير "الآيات" فيما سلف من فهارس اللغة (أيى) .
عن رجل، عن ابن عباس: (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة) ، قال: حرَّمت هذه الآية دماءَ أهل القِبْلة.
16518- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد: افترضت الصلاة والزكاة جميعًا لم يفرَّق بينهما. وقرأ: (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين) ، وأبى أن يقبل الصلاة إلا بالزكاة. وقال: رحم الله أبا بكر، ما كان أفقهه.
16519- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله قال: أمرتم بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، ومن لم يزك فلا صلاة له.
* * *
وقيل: (فإخوانكم) ، فرفع بضمير: "فهم إخوانكم" ، إذ كان قد جرى ذكرهم قبل، كما قال: (فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) ، [سورة الأحزاب: 5] ، فهم إخوانكم في الدين. (1)
* * *
القول في تأويل قوله: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فإن نقض هؤلاء المشركون الذين عاهدتموهم من قريش، عهودَهم من بعد ما عاقدوكم أن لا يقاتلوكم ولا يظاهروا عليكم أحدًا من أعدائكم (2) = (وطعنوا في دينكم) ، يقول: وقدَحوا في دينكم الإسلام،
(1)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 425.

(2)
انظر تفسير "نكث" فيما سلف 13: 73.

فثلبوه وعابوه (1) = (فقاتلوا أئمة الكفر) ، يقول: فقاتلوا رؤساء الكفر بالله (2) = (إنهم لا أيمان لهم) ، يقول: إن رؤساء الكفر لا عهد لهم (3) = (لعلهم ينتهون) ، لكي ينتهوا عن الطعن في دينكم والمظاهرة عليكم. (4)
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل، على اختلاف بينهم في المعنيِّين بأئمة الكفر.
فقال بعضهم: هم أبو جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وأبو سفيان بن حرب ونظراؤهم. وكان حذيفة يقول: لم يأت أهلها بعدُ.
* ذكر من قال: هم من سمَّيتُ:
16520- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم) ، إلى: (لعلهم ينتهون) ، يعني أهل العهد من المشركين، سماهم "أئمة الكفر" ، وهم كذلك. يقول الله لنبيه: وإن نكثوا العهد الذي بينك وبينهم، فقاتلهم، أئمةُ الكفر لا أيمان لهم (5) = (لعلهم ينتهون) .
16521- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم) ، إلى: (ينتهون) ، فكان من أئمة الكفر: أبو جهل بن هشام، وأمية بن خلف، وعتبة بن ربيعة، وأبو سفيان، وسهيل بن عمرو، وهم الذين همُّوا بإخراجه.
16522- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر،
(1)
في المطبوعة: "فثلموه" ، والصواب من المخطوطة.

(2)
انظر تفسير "الإمام" فيما سلف 3: 18.

(3)
انظر تفسير "اليمين" فيما سلف 8: 272، 273، 281.

(4)
انظر تفسير "الانتهاء" فيما سلف 13: 543، تعليق: 3، والمراجع هناك.

(5)
أثبتت ما في المخطوطة، وهو صواب محض، وصححها في المطبوعة هكذا، كما ظن: "فقاتل أئمة الكفر لأنهم لا أيمان له" فزاد وغير! ! .

عن قتادة: (أئمة الكفر) ، أبو سفيان، وأبو جهل، وأمية بن خلف، وسهيل بن عمرو، وعتبة بن ربيعة.
16523- حدثنا ابن وكيع وابن بشار = قال، ابن وكيع، حدثنا غندر = وقال ابن بشار، حدثنا محمد بن جعفر=، عن شعبة، عن أبي بشر، عن مجاهد: (فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم) ، قال: أبو سفيان منهم.
16524- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (وإن نكثوا أيمانهم) ، إلى: (ينتهون) ، هؤلاء قريش. يقول: إن نكثوا عهدهم الذي عاهدوا على الإسلام، وطعنوا فيه، فقاتلهم. (1)
16525- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (فقاتلوا أئمة الكفر) ، يعني رؤوسَ المشركين، أهلَ مكة.
16526- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: (فقاتلوا أئمة الكفر) ، أبو سفيان بن حرب، وأمية بن خلف، وعتبة بن ربيعة، وأبو جهل بن هشام، وسهيل بن عمرو، وهم الذين نكثوا عهد الله، وهمُّوا بإخراج الرسول. وليس والله كما تأوَّله أهل الشبهات والبدع والفِرَى على الله وعلى كتابه. (2)
* * *
* ذكر الرواية عن حذيفة بالذي ذكرنا عنه:
16527- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن زيد بن وهب، عن حذيفة: (فقاتلوا أئمة الكفر) ، قال: ما قوتل أهلُ هذه الآية بعدُ. (3)
(1)
في المطبوعة: "فقاتلوهم" ، وأثبت ما في المخطوطة.

(2)
"الفرى" (بكسر ففتح) جمع "فرية" ، وهي الكذب. ويعني بذلك الخوارج، فهم يستدلون بهذه الآية على قتال من خالفهم من أهل القبلة، ويستحلون بها دماءهم وأموالهم.

(3)
الأثر: 16527 - "زيد بن وهب الهمداني الجهني" ، تابعي مخضرم، سمع عمر، وعبد الله، وحذيفة، وأبا الدرداء. روى له الجماعة. مضى برقم: 4222.

وهذا الخبر رواه البخاري مطولا (الفتح 8: 243) ، بغير هذا اللفظ، من طريق محمد بن المثني، عن يحيى بن سعيد، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن زيد بن وهب قال، كنا عند حذيفة. . . ""
وانظر الآثر التالي، والذي بعده.
16528- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أحمد قال، حدثنا حبيب بن حسان، عن زيد بن وهب قال: كنت عند حذيفة، فقرأ هذه الآية: (فقاتلوا أئمة الكفر) ، فقال: ما قوتل أهل هذه الآية بعدُ. (1)
16529- حدثني أبو السائب قال، حدثنا الأعمش، عن زيد بن وهب قال: قرأ حذيفة: (فقاتلوا أئمة الكفر) ، قال: ما قوتل أهل هذه الآية بعدُ. (2)
16530- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، وإسرائيل، عن أبي إسحاق، عن صلة بن زفر: (إنهم لا أيمان لهم) ، لا عهد لهم. (3)
16531- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله: (وإن نكثوا أيمانهم) ، قال: عهدهم.
16532- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (وإن نكثوا أيمانهم) ، عهدهم الذي عاهدوا على الإسلام.
16533- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن صلة، عن عمار بن ياسر، في قوله: (لا أيمان لهم) ، قال: لا عهد لهم. (4)
(1)
الأثر 16528 - مكرر الأثر السالف، وانظر تخريجه هناك. و "حبيب بن حسان" ، هو "حبيب بن أبي الأشرس" ، وهو "حبيب بن أبي هلال" ، منكر الحديث، متروك قال ابن حبان: "منكر الحديث جدا، وكان قد عشق نصرانية، فقيل إنه تنصر وتزوج بها. فأما اختلافه إلى البيعة من أجلها فصحيح" . وقال يحيى بن معين: "كانت له جاريتان نصرانيتان، فكان يذهب معهما إلى البيعة" .

مترجم في الكبير 1 / 2 / 311، وميزان الاعتدال 1: 209، 211، ولسان الميزان 2: 167، 170.
(2)
الأثر: 16529 - مكرر الأثرين السالفين.

(3)
الأثر: 16530 - "صلة ابن زفر العبسي" تابعي ثقة. روى له الجماعة، مترجم في التهذيب، والكبير 2 / 2 / 322، وابن أبي حاتم 2 / 1 / 446.

وانظر رقم: 16533، مرفوعا إلى عمار بن ياسر. ورقم: 16534 مرفوعا إلى حذيفة.
(4)
الأثر: 16533 - مكرر الأثر رقم 16530، مرفوعا إلى عمار بن ياسر.

و "صلة" ، هو "صلة بن زفر العبسي" كما سلف.
16534- حدثني محمد بن عبيد المحاربي قال، حدثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن صلة بن زفر، عن حذيفة في قوله: (فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم) ، قال: لا عهد لهم. (1)
* * *
وأما "النكث" فإن أصله النقض، يقال منه: "نكث فلان قُوَى حبله" ، إذا نقضها. (2)
* * *
و "الأيمان" : جمع "اليمين" . (3)
* * *
واختلفت القرأة في قراءة قوله: (إنهم لا أيمان لهم) .
فقرأه قرأة الحجاز والعراق وغيرهم: (إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ) ، بفتح الألف من "أيمان" بمعنى: لا عهود لهم، على ما قد ذكرنا من قول أهل التأويل فيه.
* * *
وذكر عن الحسن البصري أنه كان يقرأ ذلك: (إِنَّهُمْ لا إِيمَانَ لَهُمْ) ، بكسر الألف، بمعنى: لا إسلام لهم.
* * *
وقد يتوجَّه لقراءته كذلك وجهٌ غير هذا. وذلك أن يكون أراد بقراءته ذلك كذلك: أنهم لا أمان لهم = أي: لا تؤمنوهم، ولكن اقتلوهم حيث وجدتموهم = كأنه أراد المصدر من قول القائل: "آمنته فأنا أومنه إيمانًا" . (4)
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك، الذي لا أستجيز القراءة بغيره، قراءة من قرأ بفتح "الألف" دون كسرها، لإجماع الحجة من القرأة على
(1)
الأثر: 16534 - مكرر الأثرين السالفين مرفوعا إلى حذيفة.

(2)
انظر تفسير "النكث" فيما سلف ص: 153، وتعليق: 2 والمراجع هناك.

(3)
انظر تفسير "اليمين" فيما سلف ص: 154، تعليق: 3، والمراجع هناك.

(4)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 425.

القراءة به، ورفض خلافه، ولإجماع أهل التأويل على ما ذكرت من أن تأويله: لا عهد لهم = و "الأيمان" التي هي بمعنى العهد، لا تكون إلا بفتح "الألف" ، لأنها جمع "يمين" كانت على عقدٍ كان بين المتوادعين.
* * *
القول في تأويل قوله: {أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (13) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمؤمنين بالله ورسوله، حاضًّا لهم على جهاد أعدائهم من المشركين: (ألا تقاتلون) ، أيها المؤمنون، هؤلاء المشركين الذين نقضوا العهد الذي بينكم وبينهم، وطعنوا في دينكم، وظاهروا عليكم أعداءكم، (1) = (وهموا بإخراج الرسول) ، من بين أظهرهم فاخرجوه (2) = (وهم بدءوكم أول مرة) ، بالقتال، يعني فعلهم ذلك يوم بدر، وقيل: قتالهم حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم من خزاعة = (أتخشونهم) ، يقول: أتخافونهم على أنفسكم فتتركوا قتالهم خوفًا على أنفسكم منهم (3) = (فالله أحق أن تخشوه) ، يقول: فالله أولى بكم أن تخافوا عقوبته بترككم جهادهم، وتحذروا سخطه عليكم، من هؤلاء المشركين الذين لا يملكون لكم ضرًّا ولا نفعًا إلا بإذن الله = (إن كنتم مؤمنين) ، يقول: إن كنتم مقرِّين أن خشية الله لكم أولى من خشية هؤلاء المشركين على أنفسكم.
* * *
(1)
انظر تفسير "النكث" ، ص: 157، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "الهم" فيما سلف 9: 199 / 10: 100.

(3)
انظر تفسير "الخشية" فيما سلف 10، 344، تعليق: 1، والمراجع هناك.

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16535- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله: (ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم) ، من بعد عهدهم = (وهموا بإخراج الرسول) ، يقول: هموا بإخراجه فأخرجوه = (وهم بدأوكم أول مرة) ، بالقتال.
16536- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وهم بدأوكم أول مرة) ، قال: قتال قريش حلفاءَ محمد صلى الله عليه وسلم.
16537- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، بنحوه.
16538- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
16539- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: أمر الله رسوله بجهاد أهل الشرك ممن نقض من أهل العهد الخاص، (1) ومن كان من أهل العهد العامّ، بعد الأربعة الأشهر التي ضرب لهم أجلا إلا أن يعدُوَ فيها عادٍ منهم، فيقتل بعدائه، (2) ثم قال: (ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول) ، إلى قوله: (والله خبير بما تعملون) . (3)
* * *
(1)
في المطبوعة والمخطوطة أسقط "الخاص" وأثبتها من ابن هشام.

(2)
في المطبوعة: "إلا أن يعودوا فيها على دينهم فيقبل بعد ثم قال" ، وهو كلام لا معنى له البتة وفي المخطوطة: "إلا أن يعودوا فيها على دينهم فيقتل بعدائه، فقال" ، وقد دخلها تحريف شديد، فقوله: "يعودوا" ، هو تحريف: "يعدو" و "على دينهم" ، صوابها "عاد منهم" ، فأساء كتابتها، والصواب من سيرة ابن هشام.

(3)
الأثر: 16539 - سيرة ابن هشام 4: 191، وهو تابع الأثر السالف قديما رقم: 16377.

القول في تأويل قوله: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قاتلوا، أيها المؤمنون بالله ورسوله، هؤلاء المشركين الذين نكثوا أيمانهم، ونقضوا عهودهم بينكم وبينهم، وأخرجوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين أظهرهم = (يعذبهم الله بأيديكم) ، يقول: يقتلهم الله بأيديكم = (ويخزهم) ، يقول: ويذلهم بالأسر والقهر (1) = (وينصركم عليهم) ، فيعطيكم الظفر عليهم والغلبة = (ويشف صدور قوم مؤمنين) ، يقول: ويبرئ داء صدور قوم مؤمنين بالله ورسوله، بقتل هؤلاء المشركين بأيديكم، وإذلالكم وقهركم إياهم. وذلك الداء، هو ما كان في قلوبهم عليهم من الموْجِدة بما كانوا ينالونهم به من الأذى والمكروه.
* * *
وقيل: إن الله عنى بقوله: (ويشف صدور قوم مؤمنين) ،: صدورَ خزاعة حلفاءِ رسول الله صلى الله عليه وسلم. وذلك أن قريشًا نقضوا العهد بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعونتهم بكرًا عليهم.
* ذكر من قال ذلك:
16540- حدثنا محمد بن المثنى وابن وكيع قالا حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن الحكم، عن مجاهد في هذه الآية: (ويشف صدور قوم مؤمنين) ، قال: خزاعة.
16541- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن محمد العنقزي، عن أسباط، عن السدي: (ويشف صدور قوم مؤمنين) ، قال: خزاعة، يشف صدورهم من بني بكر.
(1)
انظر تفسير "الإخزاء" فيما سلف ص: 112، تعليق: 1، والمراجع هناك.



https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif


ابوالوليد المسلم 17-07-2025 10:26 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ براءة
الحلقة (757)
صــ 161 إلى صــ 170






16542- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد قال، حدثنا أسباط، عن السدي، مثله.
16543- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (ويشف صدور قوم مؤمنين) ، خزاعة حلفاء محمد صلى الله عليه وسلم.
16544- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبد الله بن رجاء، عن ابن جريج، عن عبد الله بن كثير، عن مجاهد: (ويشف صدور قوم مؤمنين) ، قال: حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم من خزاعة.
16545- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
* * *
القول في تأويل قوله: {وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (15) }
قال أبو جعفر: يقول الله تعالى ذكره: ويذهب وَجْدَ قلوب هؤلاء القوم المؤمنين من خزاعة، (1) على هؤلاء القوم الذين نكثوا أيمانهم من المشركين، وغمَّها وكربَها بما فيها من الوجد عليهم، بمعونتهم بكرًا عليهم، (2) كما:-
16546- حدثني ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن محمد العنقزي، عن أسباط، عن السدي: (ويذهب غيظ قلوبهم) ، حين قتلهم بنو بكر، وأعانتهم قريش.
(1)
انظر تفسير "الإذهاب" فيما سلف 12: 126 تعليق: 3، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "الغيظ" فيما سلف 7: 215.

16547- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي، مثله = إلا أنه قال: وأعانتهم عليهم قريش. (1)
* * *
وأما قوله: (ويتوب الله على من يشاء) ، فإنه خبر مبتدأ، ولذلك رفع، وجُزِم الأحرفُ الثلاثة قبل ذلك على وجه المجازاة، كأنه قال: قاتلوهم، فإنكم إن تقاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم، ويخزهم، وينصركم عليهم = ثم ابتدأ فقال: (ويتوب الله على من يشاء) ، لأن القتال غير موجب لهم التوبةَ من الله، وهو موجبٌ لهم العذابَ من الله، والخزيَ، وشفاءَ صدور المؤمنين، وذهابَ غيظ قلوبهم، فجزم ذلك شرطًا وجزاءً على القتال، ولم يكن موجبًا القتالُ التوبةَ، فابتُدِئ الخبرُ به ورُفع. (2)
* * *
ومعنى الكلام: ويمنّ الله على من يشاء من عباده الكافرين، فيقبل به إلى التوبة بتوفيقه إياه = (والله عليم) ، بسرائر عباده، ومَنْ هو للتوبة أهلٌ فيتوب عليه، ومَنْ منهم غير أهل لها فيخذله = (حكيم) ، في تصريف عباده من حال كفر إلى حال إيمان بتوفيقه من وفَّقه لذلك (3) = ومن حال إيمان إلى كفر، بخذلانه من خذل منهم عن طاعته وتوحيده، (4) وغير ذلك من أمرهم. (5)
* * *
(1)
في المطبوعة: "وأعانهم" ، وفي المخطوطة: "وأعلسهم، وصواب قراءتها ما أثبت."

(2)
في المطبوعة: "فابتدأ الحكم به" ، والصواب ما أثبت من المخطوطة.

(3)
في المطبوعة: "بتوفيق" ، وأثبت ما في المخطوطة.

(4)
السياق: "في تصريف عباده من حال كفر. . . ومن حال إيمان" .

(5)
انظر تفسير "تاب" ، و "عليم" ، و "حكيم" فيما سلف من فهارس اللغة (توب) ، (علم) ، (حكم) .

القول في تأويل قوله: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (16) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمؤمنين الذين أمرهم بقتال هؤلاء المشركين، الذين نقضوا عهدهم الذي بينهم وبينه بقوله: (قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم) ، الآية، حاضًّا على جهادهم: (أم حسبتم) ، أيها المؤمنون (1) = أن يترككم الله بغير محنة يمتحنكم بها، وبغير اختبار يختبركم به، فيعرف الصادقَ منكم في دينه من الكاذب فيه = (ولما يعلم الله الذين جاهدوا) ، يقول: أحسبتم أن تتركوا بغير اختبار يعرف به أهل ولايته المجاهدين منكم في سبيله، من المضيِّعين أمرَ الله في ذلك المفرِّطين (2) = (ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله) ، يقول: ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم، والذين لم يتخذوا من دون الله ولا من دون رسوله ولا من دون المؤمنين = (وليجة) .
* * *
= هو الشيء يدخل في آخر غيره، يقالُ منه: "ولج فلان في كذا يلجِه، فهو وليجة" . (3)
* * *
وإنما عنى بها في هذا الموضع: البطانة من المشركين. نهى الله المؤمنين أن يتخذوا من عدوهم من المشركين أولياء، يفشون إليهم أسرارهم = (والله خبير بما تعملون) ، يقول: والله ذو خبرة بما تعملون، (4) من اتخاذكم من دون الله
(1)
انظر تفسير "حسب" فيما سلف 12: 388، تعليق 3: والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "الجهاد" فيما سلف ص: 77، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(3)
في المخطوطة: "ولج في فلان كذا" ، والذي في المطبوعة أجود.

(4)
انظر تفسير "خبير" فيما سلف من فهارس اللغة (خبر) .

ودون رسوله والمؤمنين به أولياءَ وبطانةً، بعد ما قد نهاكم عنه، لا يخفى ذلك عليه، ولا غيره من أعمالكم، والله مجازيكم على ذلك، إن خيرًا فخيرًا، وإن شرًّا فشرًّا.
* * *
وبنحو الذي قلت في معنى "الوليجة" ، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16548- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (ولا المؤمنين وليجة) ، يتولّجها من الولاية للمشركين.
16549- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن أبي جعفر، عن الربيع: (وليجة) ، قال: دَخَلا.
16550- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، في قوله: (أم حسبتم أن تتركوا) ، إلى قوله: (وليجة) ، قال: أبي أن يدعهم دون التمحيص. وقرأ: ( "أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ" ، وقرأ: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ) ، [سورة آل عمران: 142] ، (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم) ، الآيات كلها، (1) [سورة البقرة 214] أخبرهم أن لا يتركهم حتى يمحِّصهم ويختبرهم. وقرأ: (الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) ، لا يختبرون (وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) ، [سورة العنكبوت: 1 - 3] ، أبى الله إلا أن يمَحِّص.
16551- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الحسن: (وليجة) ، قال: هو الكفر والنفاق = أو قال أحدَهما.
* * *
(1)
صدر هذه الآية، لم يكن في المخطوطة ولا المطبوعة، كان بدؤها "ولم يأتكم. . ." .

وقيل: (أم حسبتم) ، ولم يقل: "أحسبتم" ، لأنه من الاستفهام المعترض في وسط الكلام، فأدخلت فيه "أم" ليفرَّق بينه وبين الاستفهام المبتدأ. وقد بينت نظائر ذلك في غير موضع من الكتاب. (1)
* * *
القول في تأويل قوله: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ما ينبغي للمشركين أن يعمروا مساجد الله وهم شاهدون على أنفسهم بالكفر. يقول: إن المساجد إنما تعمر لعبادة الله فيها، لا للكفر به، فمن كان بالله كافرًا، فليس من شأنه أن يعمُرَ مساجد الله.
* * *
وأما شهادتهم على أنفسهم بالكفر، فإنها كما:-
16552- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله: (ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر) ، يقول: ما ينبغي لهم أن يعمروها. وأما (شاهدين على أنفسهم بالكفر) ، فإن النصراني يسأل: ما أنت؟ فيقول: نصراني = واليهودي، فيقول: يهودي = والصابئ، فيقول: صابئ = والمشرك يقول إذا سألته: ما دينك؟ فيقول: مشرك! لم يكن ليقوله أحدٌ إلا العرب.
16553- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو العنقزي، عن أسباط، عن
(1)
انظر ما سلف في تفسير "أم" 2: 492 - 494 / 3: 97 / 4: 287، 288، ثم انظر معاني القرآن للفراء 1: 426.

السدي: (ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله) ، قال: يقول: ما كان ينبغي لهم أن يعمروها.
16554- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو، عن أسباط، عن السدي: (شاهدين على أنفسهم بالكفر) ، قال: النصراني يقال له: ما أنت؟ فيقول: نصراني = واليهودي يقال له: ما أنت؟ فيقول: يهودي = والصابئ يقال له: ما أنت؟ فيقول: صابئ.
* * *
وقوله: (أولئك حبطت أعمالهم) ، يقول: بطلت وذهبت أجورها، لأنها لم تكن لله بل كانت للشيطان (1) = (وفي النار هم خالدون) ، يقول: ماكثون فيها أبدًا، لا أحياءً ولا أمواتًا. (2)
* * *
واختلفت القرأة في قراءة قوله: (ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله) ، فقرأ ذلك عامة قرأة أهل المدينة والكوفة: (مساجد الله) ، على الجماع. (3)
* * *
وقرأ ذلك بعض المكيين والبصريين: (مَسْجِدَ اللهِ) ، على التوحيد، بمعنى المسجد الحرام.
* * *
قال أبو جعفر: وهم جميعًا مجمعون على قراءة قوله: (4) (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ) ، على الجماع، لأنه إذا قرئ كذلك، احتمل معنى الواحد والجماع، لأن العرب
(1)
انظر تفسير "حبط" فيما سلف 113: 116، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "الخلود" فيما سلف من فهارس اللغة (خلد) .

(3)
في المطبوعة: "على الجمع" ، وأثبت ما في المخطوطة، في هذا الموضوع ما يليه جميعا.

(4)
يعني أبو جعفر أن جميع القرأة مجمعون على قراءة الآية التالية: "إنما يعمر مساجد الله" ، على الجماع، بلا خلاف بينهم في ذلك ولذلك زدت تمام الآية، وكان في المطبوعة والمخطوطة: "مساجد الله" ، دون: "إنما يعمر" .

قد تذهب بالواحد إلى الجماع، وبالجماع إلى الواحد، كقولهم: "عليه ثوب أخلاق" . (1)
* * *
القول في تأويل قوله: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (إنما يعمر مساجد الله) ، المصدِّق بوحدانية الله، المخلص له العبادة = (واليوم الآخر) ، يقول: الذي يصدق ببعث الله الموتى أحياءً من قبورهم يوم القيامة (2) = (وأقام الصلاة) ، المكتوبة، بحدودها = وأدَّى الزكاة الواجبة عليه في ماله إلى من أوجبها الله له (3) = (ولم يخش إلا الله) ، يقول: ولم يرهب عقوبة شيء على معصيته إياه، سوى الله (4) = (فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين) ، يقول: فخليق بأولئك الذين هذه صفتهم، أن يكونوا عند الله ممن قد هداه الله للحق وإصابة الصواب. (5)
16555- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثنا معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر) ، يقول: من وحَّد الله، وآمن باليوم الآخر. يقول: أقرّ بما أنزل
(1)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 426، 427.

(2)
انظر تفسير "اليوم الآخر" فيما سلف من فهارس اللغة (آخر) .

(3)
انظر تفسير "إقامة الصلاة" و "إيتاء الزكاة" فيما سلف من فهارس اللغة (قوم) ، (أتى) .

(4)
انظر تفسير "الخشية" فيما سلف ص: 158، تعليق: 3، والمراجع هناك.

(5)
انظر تفسير "عسى" فيما سلف 13: 45، تعليق 1، والمراجع هناك.

= وتفسير "الاهتداء" فيما سلف من فهارس اللغة (هدى) .
الله = (وأقام الصلاة) ، يعني الصلوات الخمس = (ولم يخش إلا الله) ، يقول: ثم لم يعبد إلا الله = قال: (فعسى أولئك) ، يقول: إن أولئك هم المفلحون، كقوله لنبيه: (عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا) ، [سورة الإسراء: 79] : يقول: إن ربك سيبعثك مقامًا محمودًا، وهي الشفاعة، وكل "عسى" ، في القرآن فهي واجبة.
16556- حدثنا ابن حميد قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: ثم ذكر قول قريش: إنَّا أهلُ الحرم، وسُقاة الحاج، وعُمَّار هذا البيت، ولا أحد أفضل منا! فقال: (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر) ، أي: إن عمارتكم ليست على ذلك، (إنما يعمر مساجد الله) ، أي: من عمرها بحقها = (من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله) = فأولئك عمارها = (فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين) ، و "عسى" من الله حق. (1)
* * *
القول في تأويل قوله: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19) }
قال أبو جعفر: وهذا توبيخ من الله تعالى ذكره لقوم افتخروا بالسقاية وسدانة البيت، فأعلمهم جل ثناؤه أن الفخر في الإيمان بالله واليوم الآخر والجهاد في سبيله، لا في الذي افتخروا به من السِّدانة والسقاية. (2)
* * *
(1)
الأثر: 16556 - سيرة ابن هشام 4: 192، وهو تابع الأثر السالف رقم: 16539.

(2)
انظر تفسير ألفاظ هذه الآية فيما سلف من فهارس اللغة.

وبذلك جاءت الآثار وتأويل أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16557- حدثنا أبو الوليد الدمشقي أحمد بن عبد الرحمن قال، حدثنا الوليد بن مسلم قال، حدثني معاوية بن سلام، عن جده أبي سلام الأسود، عن النعمان بن بشير الأنصاري قال: كنت عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه، فقال رجل منهم: ما أبالي أن لا أعمل عملا بعد الإسلام، إلا أن أسقي الحاج! وقال آخر: بل عمارة المسجد الحرام! وقال آخر: بل الجهاد في سبيل الله خير مما قلتم! فزجرهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم = وذلك يوم الجمعة = ولكن إذا صليتُ الجمعة دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيته فيما اختلفتم فيه. قال: ففعل، فأنزل الله تبارك وتعالى: (أجعلتم سقاية الحاج) إلى قوله: (والله لا يهدي القوم الظالمين) . (1)
16558- حدثنا المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني
(1)
الأثر: 16557 - "أحمد بن عبد الرحمن بن بكار القرشي، الدمشقي" ، "أبو الوليد" ، شيخ الطبري، مضى مرارا، آخرها رقم: 11416.

و "الوليد بن مسلم القرشي الدمشقي" ، سلف مرارا، آخرها رقم: 9071 روى له الجماعة.
و "معاوية بن سلام بن أبي سلام ممطور الحبشي" ، "أبو سلام الدمشقي" ، روى له الجماعة، روى عن جده أبي سلام. مترجم في التهذيب، والكبير 4 /1 / 335، وابن أبي حاتم 4 / 1 / 383.
و "أبو سلام الأسود" واسمه "ممطور" ، تابعي ثقة، مضى برقم: 15654، 15655.
وهذا الخبر رواه مسلم في صحيحه (13: 25، 26) ، من طريق أبي توبة، عن معاوية بن سلام، عن زيد بن سلام، أنه سمع أبا سلام قال: حدثني النعمان بن بشير، ثم رواه من طريق يحيى بن حسان، عن معاوية، عن زيد، بمثله.
وذكره ابن كثير في تفسيره 4: 131، ونسبه لأبي داود، ولم استطع أن عليه في السنن.
وزاد السيوطي في الدر المنثور 3: 218 نسبته إلى ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن حبان، والطبراني، وأبي الشيخ، وابن مردويه.
وسيأتي بإسناد آخر رقم: 16560، من طريق أخرى مرسلة.
معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر) ، قال العباس بن عبد المطلب حين أسر يوم بدر: لئن كنتم سبقتمونا بالإسلام والهجرة والجهاد، لقد كنا نعمر المسجد الحرام، ونسقي الحاج، ونفك العاني! (1) قال الله: (أجعلتم سقاية الحاج) ، إلى قوله: (الظالمين) ، يعني أن ذلك كان في الشرك، ولا أقبل ما كان في الشرك.
16559- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (أجعلتم سقاية الحاج) ، إلى قوله: (الظالمين) ، وذلك أن المشركين قالوا: عمارة بيت الله، وقيام على السقاية، خير ممن آمن وجاهد، وكانوا يفخرون بالحرم ويستكبرون، (2) من أجل أنهم أهله وعُمَّاره. فذكر الله استكبارهم وإعراضهم، فقال لأهل الحرم من المشركين: (قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ) [سورة المؤمنون: 66، 67] ، يعني أنهم يستكبرون بالحرم. وقال: (به سامرًا) ، لأنهم كانوا يسمرون، ويهجرون القرآن والنبيَّ صلى الله عليه وسلم. فخيَّر الإيمان بالله والجهاد مع نبي الله صلى الله عليه وسلم، على عمران المشركين البيتَ وقيامهم على السقاية. ولم يكن ينفعهم عند الله مع الشرك به، أن كانوا يعمرون بيته ويخدمونه. قال الله: (لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين) ، يعني: الذين زعموا أنهم أهل العمارة، فسماهم الله "ظالمين" ، بشركهم، فلم تغن عنهم العمارة شيئًا.
16560- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر عن يحيى بن أبي كثير، عن النعمان بن بشير، أن رجلا قال: ما أبالي أن لا
(1)
"العاني" ، الأسير.

(2)
في المطبوعة: "يستكبرون به" ، بزيادة "به" ، وليست في المخطوطة، وفيها "يستكثرون" وهو خطأ.



https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif


ابوالوليد المسلم 17-07-2025 10:30 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ براءة
الحلقة (758)
صــ 171 إلى صــ 180





أعمل عملا بعد الإسلام، إلا أن أسقي الحاج! وقال آخر: ما أبالي أن لا أعمل عملا بعد الإسلام، إلا أن أعمر المسجد الحرامَ! وقال آخر: الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم! فزجرهم عمر وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم = وذلك يوم الجمعة = ولكن إذا صلى الجمعة دخلنا عليه! فنزلت: (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام) ، إلى قوله: (لا يستوون عند الله) ، (1)
16561- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن عمرو، عن الحسن قال: نزلت في علي، وعباس، وعثمان، وشيبة، تكلموا في ذلك، فقال العباس: ما أراني إلا تارك سقايتنا! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أقيموا على سقايتكم، فإن لكم فيها خيرًا."
16562- ... قال: أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن عيينة، عن إسماعيل، عن الشعبي قال: نزلت في علي، والعباس، تكلما في ذلك.
16563- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرت عن أبي صخر قال: سمعت محمد بن كعب القرظي يقول: افتخر طلحة بن شيبة من بني عبد الدار، وعباس بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب، فقال طلحة، أنا صاحب البيت، معي مفتاحه، لو أشاء بِتُّ فيه! وقال عباس: أنا صاحب السقاية والقائم عليها، ولو أشاء بِتُّ في المسجد! وقال علي: ما أدري ما تقولان، لقد صليت إلى القبلة ستة أشهر قبل الناس، وأنا صاحب الجهاد! فأنزل الله: (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام) ، الآية كلها.
16564- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الحسن قال: لما نزلت (أجعلتم سقاية الحاج) ، قال العباس:
(1)
الأثر 16560 - "يحيى بن أبي كثير الطافي" ، ثقة، روى له الجماعة، روى عن زيد بن سلام بن أبي سلام، وأرسل عن أبي سلام الحبشي وغيره وهذا من مرسله عن النعمان بن بشير، أو عن أبي سلام. وقد مضى برقم: 9189، 11505 - 11507.

ما أراني إلا تارك سقايتنا! فقال النبي صلى الله عليه وسلم "أقيموا على سقايتكم فإن لكم فيها خيرًا" .
16565- حدثني محمد بن الحسن قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدى: (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله) ، قال: افتخر علي، وعباس، وشيبة بن عثمان، فقال للعباس: أنا أفضلكم، أنا أسقي حُجَّاج بيت الله! وقال شيبة: أنا أعمُر مسجد الله! وقال علي: أنا هاجرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأجاهد معه في سبيل الله! فأنزل الله: (الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله) ، إلى: (نعيم مقيم) .
16566- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (أجعلتم سقاية الحاج) ، الآية، أقبل المسلمون على العباس وأصحابه الذين أسرُوا يوم بدر يعيِّرونهم بالشرك، فقال العباس: أما والله لقد كنَّا نَعمُر المسجدَ الحرام، ونفُكُّ العاني، ونحجب البيتَ، ونسقي الحاج! فأنزل الله: (أجعلتم سقاية الحاج) ، الآية.
قال أبو جعفر: فتأويل الكلام إذًا: أجعلتم، أيها القوم، سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام، كإيمان من آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله = (لا يستوون) هؤلاء، وأولئك، ولا تعتدل أحوالهما عند الله ومنازلهما، لأن الله تعالى لا يقبل بغير الإيمان به وباليوم الآخر عملا = (والله لا يهدي القوم الظالمين) ، يقول: والله لا يوفّق لصالح الأعمال من كان به كافرًا ولتوحيده جاحدا.
* * *
ووضع الاسم موضع المصدر في قوله: (كمن آمن بالله) ، إذ كان معلومًا
معناه، كما قال الشاعر: (1)
لَعَمْرُكَ مَا الفِتْيَانُ أَنْ تَنْبُتَ اللِّحَى ... وَلَكِنَّمَا الفِتْيَانُ كُلُّ فَتًى نَدِي (2)
فجعل خبر "الفتيان" ، "أن" ، وهو كما يقال: "إنما السخاء حاتم، والشعر زهير" .
* * *
القول في تأويل قوله: {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) }
قال أبو جعفر: وهذا قضاءٌ من الله بَيْن فِرَق المفتخرين الذين افتخرَ أحدهم بالسقاية، والآخرُ بالسِّدانة، والآخر بالإيمان بالله والجهاد في سبيله. يقول تعالى ذكره: (الذين أمنوا) بالله، وصدقوا بتوحيده من المشركين = (وهاجروا) دورَ قومهم (3) = (وجاهدوا) المشركين في دين الله (4) = (بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله) ، وأرفع منزلة عنده، (5) من سُقَاة الحاج وعُمَّار المسجد الحرام، وهم بالله مشركون = (وأولئك) ، يقول: وهؤلاء الذين وصفنا صفتهم، أنهم آمنوا وهاجروا وجاهدوا = (هم الفائزون) ، بالجنة، الناجون من النار. (6)
* * *
(1)
لم أعرف قائله.

(2)
معاني القرآن للفراء 1: 427، شرح شواهد المغني: 325. و "الندي" ، السخي.

(3)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 427.

(4)
انظر تفسير "هاجر" فيما سلف ص: 81، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(5)
انظر تفسير "جاهد" فيما سلف ص: 163، تعليق: 2، والمراجع هناك.

= وتفسير "سبيل الله" فيما سلف من فهارس اللغة (سبل) .
(6)
انظر تفسير "الدرجة" فيما سلف: 13: 389، تعليق: 1، والمراجع هناك.

القول في تأويل قوله: {يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: يبشر هؤلاء الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله (1) = (ربُّهم برحمة منه) ، لهم، أنه قد رحمهم من أن يعذبهم = وبرضوان منه لهم، بأنه قد رضي عنهم بطاعتهم إياه، وأدائهم ما كلَّفهم (2) = (وجنات) ، يقول: وبساتين (3) = (لهم فيها نعيم مقيم) ، لا يزول ولا يبيد، ثابت دائمٌ أبدًا لهم. (4)
16567- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري قال، حدثنا سفيان، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة، قال الله سبحانه: أُعطيكم أفضل من هذا، فيقولون: ربَّنا، أيُّ شيء أفضل من هذا؟ قال: رِضْواني. (5)
* * *
(1)
انظر تفسير "الفوز" فيما سلف 11: 286، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "التبشير" فيما سلف ص: 131 تعليق: 4، والمراجع هناك.

(3)
انظر تفسير "الرضوان" فيما سلف 11: 245، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(4)
انظر تفسير "النعيم" فيما سلف 10: 461، 462.

= وتفسير "مقيم" فيما سلف 10: 293.
(5)
الأثر: 16567 - مضى هذا الخبر بإسناده ولفظه، وسلف تصحيحه برقم: 651 (ج 6: 262) . وكان في المطبوعة: "أبو أحمد الموسوي" ، خطأ محض، لم يحسن قراءة المخطوطة.

القول في تأويل قوله: {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره = (خالدين فيها) ، ماكثين فيها، يعنى في الجنات (1) = (أبدا) ، لا نهاية لذلك ولا حدَّ (2) = (إن الله عنده أجر عظيم) ، يقول: إن الله عنده لهؤلاء المؤمنين الذين نعتَهم جل ثناؤه النعتَ الذي ذكر في هذه الآية = (أجر) ، ثواب على طاعتهم لربّهم، وأدائهم ما كلفهم من الأعمال (3) = (عظيم) ، وذلك النعيم الذي وعدَهم أن يعطيهم في الآخرة. (4)
* * *
القول في تأويل قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله: لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم بطانة وأصدقاء تفشون إليهم أسرارَكم، وتطلعونهم على عورة الإسلام وأهله، وتؤثرون المُكْثَ بين أظهرهم على الهجرة إلى دار الإسلام (5) = (إن استحبُّوا الكفر على الإيمان) ، يقول: إن اختاروا الكفر بالله، على التصديق به والإقرار
(1)
انظر تفسير "الخلود" فيما سلف من فهارس اللغة (خلد) .

(2)
انظر تفسير "أبدًا" فيما سلف 11: 244، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(3)
انظر تفسير "الأجر" فيما سلف من فهارس اللغة (أجر) .

(4)
انظر تفسير "عظيم" فيما سلف من فهارس اللغة (عظم) .

(5)
انظر تفسير "ولي" فيما سلف من فهارس اللغة (ولي) .

بتوحيده = (ومن يتولهم منكم) ، يقول: ومن يتخذهم منكم بطانة من دون المؤمنين، ويؤثر المقَام معهم على الهجرة إلى رسول الله ودار الإسلام (1) = (فأولئك هم الظالمون) ، يقول: فالذين يفعلون ذلك منكم، هم الذين خالفوا أمرَ الله، فوضعوا الولاية في غير موضعها، وعصوا الله في أمره. (2)
* * *
وقيل: إن ذلك نزل نهيًا من الله المؤمنين عن موالاة أقربائهم الذين لم يهاجروا من أرض الشرك إلى دار الإسلام.
* ذكر من قال ذلك:
16568- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام) ، قال: أمروا بالهجرة، فقال العباس بن عبد المطلب: أنا أسقي الحاج! وقال طلحة أخو بني عبد الدار: أنا صاحب الكعبة، فلا نهاجر! فأنزلت: (لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء) ، إلى قوله: (يأتي الله بأمره) ، بالفتح، في أمره إياهم بالهجرة. هذا كله قبل فتح مكة.
* * *
(1)
انظر تفسير "التولي" فيما سلف من فهارس اللغة (ولي) .

(2)
انظر تفسير "الظلم" فيما سلف من فهارس اللغة (ظلم) .

القول في تأويل قوله: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24) }
قال أبو جعفر: يقول تبارك وتعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (قل) يا محمد، للمتخلفين عن الهجرة إلى دار الإسلام، المقيمين بدار الشرك: إن كان المقام مع آبائكم وأبنائكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم = وكانت (أموال اقترفتموها) ، يقول: اكتسبتموها (1) = (وتجارة تخشون كسادها) ، بفراقكم بلدَكم = (ومساكن ترضونها) ، فسكنتموها = (أحب إليكم) ، من الهجرة إلى الله ورسوله، من دار الشرك = ومن جهاد في سبيله، يعني: في نصرة دين الله الذي ارتضاه (2) = (فتربصوا) ، يقول: فتنظّروا (3) = (حتى يأتي الله بأمره) ، حتى يأتي الله بفتح مكة = (والله لا يهدي القوم الفاسقين) ، يقول: والله لا يوفّق للخير الخارِجين عن طاعته وفي معصيته. (4)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
(1)
انظر تفسير "الاقتراف" فيما سلف 12: 76: 173، تعليق: 1، والمراجع هناك.

(2)
انظر تفسير "الجهاد" فيما سلف من: 173، تعليق: 5، والمراجع هناك.

= وتفسير "سبيل الله" فيما سلف من فهارس اللغة (سبل) .
(3)
انظر تفسير "التربص" فيما سلف 9؛ 323: تعليق: 3، والمراجع هناك.

(4)
انظر تفسير "الهدى" فيما سلف من فهارس اللغة (هدى) .

= وتفسير "الفسق" فيما سلف من فهارس اللغة (فسق)
16569- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (حتى يأتي الله بأمره) ، بالفتح.
16570- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: (فتربصوا حتى يأتي الله بأمره) ، فتح مكة.
16571- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها) ، يقول: تخشون أن تكسد فتبيعوها = (ومساكن ترضونها) ، قال: هي القصور والمنازل.
16572- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (وأموال اقترفتموها) ، يقول: أصبتموها.
* * *
القول في تأويل قوله: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (لقد نصركم الله) ، أيها المؤمنون = في أماكن حرب توطِّنون فيها أنفسكم على لقاء عدوّكم، ومشاهد تلتقون فيها أنتم وهم كثيرة = (ويوم حنين) ، يقول: وفي يوم حنين أيضًا قد نصركم.
* * *
و (حنين) وادٍ، فيما ذكر، بين مكة والطائف. وأجرِيَ، لأنه مذكر اسم لمذكر. وقد يترك إجراؤه، ويراد به أن يجعل اسمًا للبلدة التي هو بها، (1) ومنه قول الشاعر: (2)
نَصَرُوا نَبِيَّهُمْ وَشَدُّوا أَزْرَهُ ... بِحُنَيْنَ يَوْمَ تَوَاكُلِ الأَبْطَالِ (3)
(1)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 429.

(2)
هو حسان بن ثابت.

(3)
ديوانه: 334، ومعاني القرآن للفراء 1: 429، واللسان (حنن) ، وسيأتي في التفسير 16: 111 (بولاق) ، وهو بيت مفرد.

وقوله: "تواكل الأبطال" ، من قولهم: "تواكل القوم" ، إذا اتكل بعضهم على بعض، ولم يعفه في مأزق الحرب. وفي الحديث أنه نهى عن المواكلة، وهو: أن يكل كل امرئ صاحبه إلى نفسه، فلا يعينه فيما ينويه، وهو مفض إلى الضعف والتقاطع وفساد الأمور، أعاذنا الله من كل ذلك.
16573- حدثني عبد الوارث بن عبد الصمد قال، حدثني أبي قال، حدثنا أبان العطار قال، حدثنا هشام بن عروة، عن عروة قال: "حُنَين" ، واد إلى جنب ذي المجاز. (1)
* * *
(إذ أعجبتكم كثرتكم) ، وكانوا ذلك اليوم، فيما ذكر لنا، اثنى عشر ألفًا.
* * *
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك اليوم: لن نغلب من قِلَّة.
* * *
وقيل: قال ذلك رجل من المسلمين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
* * *
وهو قول الله: (إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئًا) ، يقول: فلم تغن عنكم كثرتكم شيئا (2) = (وضاقت عليكم الأرض بما رحبت) ، يقول: وضاقت الأرض بسعتها عليكم.
* * *
و "الباء" ههنا في معنى "في" ، ومعناه: وضاقت عليكم الأرض في رحبها، وبرحبها. (3)
* * *
يقال منه: "مكان رحيب" ، أي واسع. وإنما سميت الرِّحاب "رحابًا" لسَعَتَها.
* * *
= (ثم وليتم مدبرين) ، عن عدوكم منهزمين = "مدبرين" ، يقول: وليتموهم، الأدبار، وذلك الهزيمة. يخبرهم تبارك وتعالى أن النصر بيده ومن عنده، وأنه ليس
(1)
الأثر: 16572 - هو جزء من كتاب عروة، إلى عبد الملك بن مروان، الذي خرجته فيما سلف رقم: 16083، ورواه الطبري في تاريخه، في أثناء خبر طويل 2: 125.

(2)
انظر تفسير "أغنى" فيما سلف: 13: 445، تعليق: 2، والمراجع هناك.

(3)
انظر معاني القرآن للفراء 1: 430.

بكثرة العدد وشدة البطش، وأنه ينصر القليلَ على الكثير إذا شاء، ويخلِّي الكثيرَ والقليلَ، فَيهْزِم الكثيرُ. (1)
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16574- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين) ، حتى بلغ: (وذلك جزاء الكافرين) ، قال: "حنين" ، ماء بين مكة والطائف، قاتل عليها نبيُّ الله هوازن وثقيفَ، وعلى هوازن: مالك بن عوف أخو بني نصر، وعلى ثقيف: عبد يا ليل بن عمرو الثقفيّ. قال: وذُكر لنا أنه خرج يومئذ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنا عشر ألفًا: عشرة آلافٍ من المهاجرين والأنصار، وألفان من الطُّلقَاء، وذكر لنا أنَّ رجلا قال يومئذٍ: "لن نغلب اليوم بكَثْرة" ! قال: وذكر لنا أن الطُّلقَاء انجفَلوا يومئذ بالناس، (2) وجلَوْا عن نبي الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل عن بغلته الشهباء. وذكر لنا أن نبيَّ الله قال: "أي رب، آتني ما وعدتني" ! قال: والعباسُ آخذ بلجام بغلةِ رسول الله، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ناد يا معشر الأنصار، ويا معشر المهاجرين!" ، فجعل ينادي الأنصار فَخِذًا فخِذًا، ثم قال: "نادِ بأصحاب سورة البقرة!" . (3) قال: فجاء الناس عُنُقًا واحدًا. (4) فالتفت نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم، وإذا عصابة من الأنصار، فقال: هل معكم غيركم؟ فقالوا: يا نبي الله، والله لو عمدت إلى بَرْك الغِمادِ من ذي يَمَنٍ
(1)
في المطبوعة: "ويخلي القليل فيهزم الكثير" ؛ حذف بسوء رأيه فأفسد الكلام. وإنما أراد أن الله يخلي بين الكثير والقليل فلا ينصر القليل، فيهزم الكثير القليل، على ما جرت به العادة من غلبة الكثير على القليل.

(2)
"انجفل القوم عن رئيسهم" ، ذعروا، فانقلعوا من حوله، ففروا مسرعين.

(3)
في المطبوعة: "ثم نادى بأصحاب سورة البقرة" ، غير ما في المخطوطة عبثا.

(4)
قوله: "عنقا واحدا" ، أي: جملة واحدة. ويقال: "جاء القوم عنقا عنقا" ، أي: طائفة طائفة. ويقال: "هم عليه عنق" ، أي: هم عليه إلب واحد.



https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif


ابوالوليد المسلم 17-07-2025 10:33 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ براءة
الحلقة (759)
صــ 181 إلى صــ 190





لكنَّا مَعَك، (1) ثم أنزل الله نصره، وهزَمَ عدوّهم، وتراجع المسلمون. قال: وأخذ رسول الله كفًّا من تراب = أو: قبضةً من حَصْباء = فرمى بها وجوه الكفار، وقال: "شاهت الوجوه!" ، فانهزموا. فلما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنائم، وأتى الجعرَّانة، فقسم بها مغانم حنين، وتألَّف أناسًا من الناس، فيهم أبو سفيان بن حرب، والحارث بن هشام، وسهيل بن عمرو، والأقرع بن حابس، فقالت الأنصار: "أمن الرجل وآثر قومه" ! (2) فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في قُبَّة له من أَدَم، فقال: "يا معشر الأنصار، ما هذا الذي بلغني؟ ألم تكونوا ضُلالا فهداكم الله، وكنتم أذلَّةً فأعزكم الله، وكنتم وكنتم!" قال: فقال سعد بن عبادة رحمه الله: ائذن لي فأتكلم! قال: تكلم. قال: أما قولك: "كنتم ضلالا فهداكم الله" ، فكنا كذلك = "وكنتم أذلة فأعزكم الله" ، فقد علمت العربُ ما كان حيٌّ من أحياء العرب أمنعَ لما وراء ظهورهم منَّا! فقال عمر: يا سعد أتدري من تُكلِّم! فقال: نعم أكلّم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده، لو سلكَتِ الأنصارُ واديًا والناس واديًا لسكت وادي الأنصار، ولولا الهجرةُ لكنت امرءًا من الأنصار. وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "الأنصار كَرِشي وَعَيْبتي، فاقبلوا من مُحِسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم" . (3) ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الأنصار، أما ترضون أن ينقلب الناس بالإبل والشاء، وتنقلبون برسولِ الله إلى بيوتكم! فقالت الأنصار: رضينا عن الله ورسوله، والله ما قلنا ذلك إلا حرصا على رسول الله صلى الله عليه وسلم! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن الله ورسوله يصدِّقانكم ويعذِرَانكم ". (4) "
16575- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: ذكر لنا أن أمَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أرضعته أو ظِئْره من بني سعد بن بكر، أتته فسألته سَبَايا يوم حنين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لا أملكهم، وإنما لي منهم نصيبي، ولكن ائتيني غدًا فسلِيني والناس عندي، فإني إذا أعطيتُك نصيبي أعطاك الناس. فجاءت الغد، فبسط لها ثوبًا، فقعدت عليه، ثم سألته، فأعطاها نصيبه. فلما رأى ذلك الناس أعطوْها أنصباءهم.
16576- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (لقد نصركم الله في مواطن كثيرة) ، الآية: أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين قال: يا رسول الله، لن نغلب اليوم من قِلّة! وأعجبته كثرة الناس، وكانوا اثني عشر ألفًا. فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوُكِلوا إلى كلمة الرجل، فانهزموا عن رسول الله، غير العباس، وأبي سفيان بن الحارث، وأيمن بن أم أيمن، قتل يومئذ بين يديه. فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين الأنصار؟ أين الذين بايعوا تحت الشجرة؟ فتراجع الناس، فأنزل الله الملائكة بالنصر، فهزموا المشركين يومئذٍ، وذلك قوله: (ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودًا لم تروها) ، الآية.
16577- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري، عن كثير بن عباس بن عبد المطلب، عن أبيه قال: لما كان يوم حنين، التقى المسلمون والمشركون، فولّى المسلمون يومئذٍ. قال: فلقد رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم وما معه أحدٌ إلا أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، آخذًا بغَرْزِ النبي صلى الله عليه وسلم، لا يألو ما أسرع نحو
(1)
انظر ما سلف في تفسير "برك الغماد" رقم: 15720.

(2)
في المطبوعة: "حن الرجل إلى قومه" ، غير ما في المخطوطة بلا ورع.

(3)
"الكرش" ، وعاء الطيب، و "العيبة" وعاء من أدم يكون فيه المتاع والثياب.

يقول: الأنصار خاصتي وموضع سري، أثق بهم، وأعتمد عليهم، وهم أنفس ما أحرز.
(4)
الأثر: 16574 - رواه ابن سعد مختصرا في الطبقات 4 / 1 / 11، 12.

المشركين. (1) قال: فأتيت حتى أخذتُ بلجامه، وهو على بغلةٍ له شهباء، فقال: يا عباس. ناد أصحابَ السمرة! وكنت رجلا صَيِّتًا، (2) فأذَّنت بصوتي الأعلى: أين أصحاب السمرة! فالتفتوا كأنها الإبل إذا حُشِرت إلى أولادها، (3) يقولون: "يا لبيك، يا لبَّيك، يا لبيك" ، وأقبل المشركون. فالتقوا هم والمسلمون، وتنادت الأنصار: "يا معشر الأنصار" ، ثم قُصرت الدعوة في بني الحارث بن الخزرج، فتنادوا: "يا بني الحارث بن الخزرج" ، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته كالمتطاوِل، إلى قتالهم فقال: "هذا حين حَمِي الوَطِيس" ! (4) ثم أخذ بيده من الحصباء فرماهم بها، ثم قال: "انهزموا وربِّ الكعبة، انهزموا ورب الكعبة!" قال: فوالله ما زال أمرُهم مدبرًا، وحدُّهم كليلا حتى هزمهم الله، قال: فلكأنّي أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يركُضُ خلفهم على بَغْلَتِه. (5)
16578- حدثنا ابن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب: أنهم أصابوا يومئذٍ ستة آلاف سَبْيٍ، ثم جاء قومهم مسلمين بعد ذلك، فقالوا: يا رسول الله: أنت خيرُ الناس، وأبرُّ الناس، وقد أخذت أبناءنا ونساءنا وأموالَنا! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن عندي من ترونَ! وإن خير القولِ أصدقُه، اختاروا: إما ذَراريكم ونساءكم، وإمّا أموالكم. قالوا: ما كنا نعدِل بالأحساب شيئًا! فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن هؤلاء جاءوني مسلمين، وإنا خيَّرناهم بين الذَّراريّ والأموال، فلم يعدلوا بالأحساب شيئًا، فمن كان بيده منهم شيء فطابت نفسُه أن يردَّه فليفعل ذلك، ومن لا فليُعْطِنا، وليكن قَرْضًا علينا حتى نصيب شيئًا، فنعطيه مكانه. فقالوا: يا نبي الله، رضينا وسلَّمنا! فقال: "إني لا أدري لعلَّ منكم من لا يرضَى، فَمُروا عرفاءكم فليرفعوا ذلك إلينا. فرفعتْ إليه العُرَفاء أن قد رضوا وسلموا. (6) "
16579- حدثنا علي بن سهل قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا حماد بن سلمة قال، حدثنا يعلى بن عطاء، عن أبي همام، عن أبي عبد الرحمن = يعني الفهريّ = قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين، فلما رَكَدت الشمس، (7) لبستُ لأمَتي، (8) وركبت فرسي، حتى أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في ظِلّ شجرة، فقلت: يا رسول الله، قد حان الرَّواح، فقال: أجل! فنادى: "يا بِلال! يا بلال!" فقام بلال من تحت سمرة، فأقبل كأن ظله ظلُّ طير، فقال: لبيك وسعديك، ونفسي فداؤك، يا رسول الله! فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أسرج فرسي! فأخرج سَرْجًا دَفَّتَاه حشْوهما ليفٌ، ليس فيهما أَشَرٌ
(1)
"الغرز" ، ركاب الدابة. و "لا يألو" لا يقصر.

(2)
"الصيت" (على وزن جيد) : البعيد الصوت العاليه.

(3)
في المطبوعة: "إذا حنت إلى أولادها" ، غير ما في المخطوطة، و "الحشر" ، الجمع.

وفي المراجع الأخرى: "لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها" . والذي في طبقات ابن سعد، موافق لما في المطبوعة.
(4)
"الوطيس" : حفرة تحتفر، فتوقد فيها النار، فإذا حميت يختبز فيها ويشوى، ويقال لها "الإرة" وهذا من بليغ الكلام، ولم تسمع هذه الكلمة من أحد قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(5)
الأثر: 16577 - "كثير بن العباس بن عبد المطلب" ، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولد على عهد رسول الله، ولم يسمع منه، تابعي ثقة قليل الحديث. مترجم في التهذيب، والكبير 4 / 1 / 207، وابن أبي حاتم 3 / 2 / 153.

وهذا الخبر رواه أحمد في مسنده رقم: 1775 من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري. وفصل أخي السيد أحمد تخريجه هناك، ثم رقم: 1776.
ورواه مسلم في صحيحه 12: 113، من طريق يونس، عن الزهري. ثم رواه أيضا (12: 117) من طريق عبد الرزاق، عن معمر، ومن طريق سفيان بن عيينه عن الزهري.
ورواه الحاكم في المستدرك 3: 327، من طريق يونس، عن الزهري.
ورواه ابن سعد في الطبقات 2 / 1 / 112 = 4 / 1 / 11، الثاني طريق محمد بن عبد الله، عن عمه، عن ابن شهاب الزهري، والأول من طريق محمد بن حميد العبدي، عن معمر، عن الزهري.
ثم انظر تاريخ الطبري 3: 128، حديث ابن إسحاق، في سيرة ابن هشام 4: 87، 88.
(6)
الأثر: 16578 - رواه ابن سعد في الطبقات 2 / 1 / 112. 87، 88.

(7)
"ركدت الشمس" ، ثبتت، وذلك حين يقوم قائم الظهيرة.

(8)
"اللأمة" الدرع، وسلاح الحرب كله.

ولا بَطَرٌ (1) قال: فركب النبي صلى الله عليه وسلم، فصافَفْناهم يومَنا وليلتنا، فلما التقى الخيلان ولَّى المسلمون مدبرين، كما قال الله. فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عباد الله، يا معشر المهاجرين!" . قال: ومال النبي صلى الله عليه وسلم عن فرسه، فأخذ حَفْنَةً من تراب فرمى بها وجوههم، فولوا مدبرين = قال يعلى بن عطاء: فحدثني أبناؤهم عن آبائهم أنهم قالوا: ما بقي مِنَّا أحد إلا وقد امتلأت عيناه من ذلك التراب. (2)
16580- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق قال: سمعت البراء وسأله رجل من قيس: فَرَرتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين؟ فقال البراء: لكن رسول الله لم يفرَّ، وكانت هَوازن يومئذ رُماةً، وإنَّا لما حملنا عليهم انكشَفُوا فأكبَبْنا على الغنائم، فاستقبلونا بالسِّهام، ولقد رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته البيضاء، وإن أبا سفيان بن الحارث آخذٌ بلجامها وهو يقول:
أَنَا النَّبِيُّ لا كَذِبْ ... أَنَا ابْنُ عبدِ المُطَّلِبْ (3)
(1)
"الأشر" ، المرح والخيلاء. و "البطر" ، الطغيان في النعمة من قلة احتمالها.

(2)
الأثر: 16579 - "يعلى بن عطاء العامري الطائفي" ، ثقة مضى برقم: 2858، 11527، 11529.

و "أبو همام" هو "عبد الله بن يسار" ، روى عن عمرو بن حريث. وأبي عبد الرحمن الفهري. ثقة، مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 2 / 2 / 202.
و "أبو عبد الرحمن الفهري" ، صحابي مختلف في اسمه، مترجم في الإصابة، والتهذيب، وأسد الغابة 5: 245، 246، والاستيعاب: 676.
وهذا الخبر رواه أحمد في مسنده 5: 286 من طريق بهز عن حماد بن سلمة، ومن طريق عفان، عن حماد.
ورواه ابن سعد في الطبقات 2 / 1 / 112، 113، من طريق عفان، عن حماد بن سلمة.
ورواه أبو داود في سننه 4: 485، 486، برقم: 5233 من طريق موسى بن إسماعيل، عن حماد مختصرا.
ورواه ابن عبد البر في الاستيعاب 676، بغير إسناد.
ورواه ابن الأثير في أسد الغابة من طريق موسى بن إسماعيل، عن حماد.
وخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 6: 181، 182، وقال: "رواه البزار، والطبراني، ورجالها ثقات" .
(3)
الأثران: 16580، 16581 - خبر البراء بن عازب، رواه مسلم من طرق كثيرة في صحيحه 12: 117 - 121، ورواه من طريق شعبة، عن أبي إسحاق في 12: 121.

ورواه البخاري في صحيحه (الفتح 8: 24) من طرق.
16581- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء قال: سأله رجل: يا أبا عُمارة، وليتم يوم حنين؟ فقال البراء وأنا أسمع: أشهد أن رسول الله لم يولِّ يومئذ دُبُره، وأبو سفيان يقود بغلته. فلما غشيه المشركون نزل فجعل يقول:
أَنَا النَّبِيُّ لا كَذِبْ ... أَنَا ابْنُ عبدِ المُطَّلِبْ
فما رُؤي يومئذ أحد من الناس كان أشدَّ منه.
16582- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني جعفر بن سليمان، عن عوف الأعرابي، عن عبد الرحمن مولى أم برثن قال، حدثني رجل كان من المشركين يوم حنين قال: لما التقينا نحن وأصحابَ محمد عليه السلام، لم يقفوا لنا حَلَبَ شاةٍ أن كشفناهم، فبينا نحن نسوقهم، إذ انتهينا إلى صاحب البغلة الشهباء، فتلقانا رجالٌ بيضٌ حسانُ الوجوه، فقالوا لنا: شاهت الوجوه، ارجعوا "! فرجعنا، وركبنا القوم، فكانت إياها. (1) "
(1)
الأثر: 16582 - "عبد الرحمن، مولى أم برثن" ، هو "عبد الرحمن بن آدم، صاحب السقاية" . وكانت أم برثن تعالج الطيب، فأصابت غلاما لقطة، فربته حتى أدرك، وسمته عبد الرحمن، فكان مما يقال له "عبد الرحمن بن أم برثن" ، وإنما قيل له: "عبد الرحمن بن آدم، نسب إلى أبي البشر جميعا،" آدم "عليه السلام، لم يكن يعرف له أب، وهو ثقة، مضى برقم: 7145."

وكان في المخطوطة: "مولى برثن" ، وهو خطأ، وانظر الخبر التالي رقم: 19587 من طريق أخرى.
وقوله: "لم يقفوا لنا حلب شاة" ، يعني: إلا قدر ما تحلب شاة، كناية من قلة الزمن، كما يقال: "فواق ناقة" ، و "الفواق" ما بين الحلبتين إذا قبض الجانب على الضرع ثم أرسله.
قوله: "فكانت إياها" ، يعني، فكانت الهزيمة التي تعلم. وفي حديث معاوية بن عطاء:
"كان معاوية رضي الله عنه إذا رفع رأسه من السجدة الأخيرة كانت إياها" . قالوا: اسم "كان" ضمير "السجدة" ، و "إياها" الخبر، أي: كانت هي هي، أي: كان يرفع منها وينهض قائما إلى الركعة الأخرى من غير أن يقعد قعدة الاستراحة.
16583- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن يعقوب، عن جعفر، عن سعيد قال: أمدَّ الله نبيه صلى الله عليه وسلم يوم حنين بخمسة آلاف من الملائكة مسوِّمين. قال: ويومئذ سمَّى الله الأنصار "مؤمنين" . قال: (فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم يَروها) .
16584- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: (ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا) ، قال: كانوا اثني عشر ألفًا.
16585- حدثنا محمد بن يزيد الأدَميّ قال، حدثنا معن بن عيسى، عن سعيد بن السائب الطائفي، عن أبيه، عن يزيد بن عامر قال: لما كانت انكشافةُ المسلمين حين انكشفوا يوم حنين، ضَرَب النبي صلى الله عليه وسلم يَده إلى الأرض، فأخذ منها قبضة من تراب، فأقبل بها على المشركين وهم يتْبعون المسلمين، فحثَاها في وجوهم وقال: "ارجعوا: شاهت الوجوه!" . قال: فانصرفنا، ما يلقى أحدٌ أحدًا إلا وهو يمسَحُ القَذَى عن عينيه. (1)
(1)
الأثر: 16585 - "محمد بن يزيد الأدمي الخراز" ، شيخ الطبري، ثقة زاهد، مضى برقم: 4894.

و "معن بن عيسى الأشجعي، القزاز" ، أحد أئمة الحديث، روى له الجماعة. مترجم في التهذيب، والكبير 4 / 1 / 390، وابن أبي حاتم 4 / 1 / 277.
و "سعيد بن السائب الطائفي" ، ثقة، مضى برقم: 15402.
وأبوه "السائب بن أبي حفص الطائفي" ، ثقة، مترجم في الكبير 2 / 2 / 156، وابن أبي حاتم 3 / 1 / 245.
و "يزيد بن عامر السوائي" "أبو حاجز" صحابي، مترجم في التهذيب، والكبير 4 / 2 / 316، وابن أبي حاتم 4 / 2 / 281.
وهذا الخبر، رواه البخاري في تاريخه 4 / 2 / 316 من طريق إبراهيم بن المنذر، عن معن بن عيسى.
ورواه ابن الأثير في أسد الغابة 5: 115، 116.
وخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد (6: 182، 183) ، حديثان، كما جاء هنا في التفسير، وقال في الأول والثاني "رواه الطبراني، ورجاله ثقات" .
16586- وبه، عن يزيد بن عامر السُّوائي قال: قيل له: يا أبا حاجز، الرعب الذي ألقى الله في قلوب المشركين، ماذا وجدتم؟ قال: وكان أبو حاجز مع المشركين يوم حنين، فكان يأخذ الحصاة فيرمي بها في الطَّستِ فيطنُّ، ثم يقول: كان في أجوافِنَا مثل هذا! (1)
16587- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسن بن عرفة قال، حدثني المعتمر بن سليمان، عن عوف قال، سمعت عبد الرحمن مولى أم برثن = أو: أم برثم = قال، حدثني رجل كان في المشركين يوم حنين، قال: لما التقينا نحن وأصحابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، لم يقوموا لنا حَلَب شاة. قال: فلما كشفناهم جعلنا نسُوقهم في أدبارهم، حتى انتهينا إلى صاحب البغلة البيضاء، فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فتلقانا عندَه رجالٌ بيضٌ حسانُ الوجوه فقالوا لنا: "شاهت الوجوه، ارجعوا!" ، قال: فانهزمنا، وركِبُوا أكتافنا، فكانت إيَّاهَا. (2)
* * *
(1)
16586 - مكرر الأثر السالف، وتخريجه هناك.

(2)
الأثر: 16587 - "عبد الرحمن، مولى أم برثن، أو: أم برثم" ، بإبدال النون ميما، مضى في الأثر رقم: 16582، وكان في المطبوعة هنا: "أو: أم مريم" ، وهو خطأ محض، وتصرف في رسم المخطوطة، وهي غير منقوطة.

القول في تأويل قوله: {ثُمَّ أَنزلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (26) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ثم من بعد ما ضاقت عليكم الأرض بما رحبت، وتوليتكم الأعداءَ أدباركم، كشف الله نازل البلاء عنكم، بإنزاله السكينة = وهي الأمنة والطمأنينة = عليكم.
* * *
= وقد بينا أنها "فعيلة" ، من "السكون" ، فيما مضى من كتابنا هذا قبل، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (1)
* * *
= (وأنزل جنودًا لم تروها) ، وهي الملائكة التي ذكرتُ في الأخبار التي قد مضى ذكرها = (وعذب الذين كفروا) ، يقول: وعذب الله الذين جحدوا وحدانيّته ورسالةَ رسوله محمدٍ صلى الله عليه وسلم، بالقتل وسَبْي الأهلين والذراريّ، وسلب الأموال والذلة = (وذلك جزاء الكافرين) ، يقول: هذا الذي فعلنا بهم من القتل والسبي = (جزاء الكافرين) ، يقول: هو ثواب أهل جحود وحدانيته ورسالة رسوله. (2)
16588- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (وعذب الذين كفروا) ، يقول: قتلهم بالسيف.
16589- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو داود الحفري، عن يعقوب، عن جعفر، عن سعيد: (وعذب الذين كفروا) ، قال: بالهزيمة والقتل.
16590- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين) ، قال: من بَقي منهم.
* * *
(1)
انظر تفسير "السكينة" فيما سلف 3: 66، 70 /5: 326 - 330.

(2)
انظر تفسير "الجزاء" فيما سلف من فهارس اللغة (جزى) .

القول في تأويل قوله: {ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (27) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ثم يتفضل الله بتوفيقه للتوبة والإنابة إليه، من بعد عذابه الذي به عذَّب من هلك منهم قتلا بالسيف = (على من يشاء) ، أي يتوب الله على من يشاء من الأحياء، يُقْبِل به إلى طاعته = (والله غفور) ، لذنوب من أناب وتاب إليه منهم ومن غيرهم منها = (رحيم) ، بهم، فلا يعذبهم بعد توبتهم، ولا يؤاخذهم بها بعد إنابتهم. (1)
* * *
القول في تأويل قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله وأقرُّوا بوحدانيته: ما المشركون إلا نَجَس.
* * *
واختلف أهل التأويل في معنى "النجس" ، وما السبب الذي من أجله سمَّاهم بذلك.
فقال بعضهم: سماهم بذلك، لأنهم يجنبون فلا يغتسلون، فقال: هم نجس،
(1)
انظر تفسير "التوبة" ، و "غفور" و "رحيم" فيما سلف من فهارس اللغة (توب) ، (غفر) ، (رحم) .

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif




ابوالوليد المسلم 17-07-2025 10:36 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع عشر
تَفْسِيرِ سُّورَةِ براءة
الحلقة (760)
صــ 191 إلى صــ 200





ولا يقربوا المسجد الحرام = لأن الجنب لا ينبغي له أن يدخل المسجد.
* ذكر من قال ذلك:
16591- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، في قوله: (إنما المشركون نجس) ،: لا أعلم قتادة إلا قال: "النجس" ، الجنابة.
16592- وبه، عن معمر قال: وبلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي حذيفة، وأخذ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بيده، فقال حذيفة: يا رسول الله، إني جُنُب! فقال: إنّ المؤمن لا ينجُس.
16593- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: (يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس) ، أي: أجْنَابٌ.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: ما المشركون إلا رِجْسُ خنزير أو كلب.
وهذا قولٌ رُوِي عن ابن عباس من وجه غير حميد، فكرهنا ذكرَه.
* * *
وقوله: (فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا) ، يقول للمؤمنين: فلا تدعوهم أن يقربوا المسجد الحرام بدخولهم الحرَم. وإنما عنى بذلك منعَهم من دخول الحرم، لأنهم إذا دخلوا الحرم فقد قربوا المسجد الحرام.
* * *
وقد اختلف أهل التأويل في معنى ذلك.
فقال بعضهم فيه نحو الذي قلناه.
* ذكر من قال ذلك:
16594- حدثنا بشر، وابن المثنى قالا حدثنا أبو عاصم قال، أخبرنا ابن جريج قال: قال عطاء: الحرمُ كله قبلةٌ ومسجد. قال: (فلا يقربوا المسجد الحرام) ، لم يعن المسجدَ وحده، إنما عنى مكة والحرم. قال ذلك غير مرَّةٍ.
وذكر عن عمر بن عبد العزيز في ذلك ما:-
16595- حدثنا عبد الكريم بن أبي عمير قال، حدثني الوليد بن مسلم قال، حدثنا أبو عمرو: أن عمر بن عبد العزيز كتب: "أنِ آمنعوا اليهود والنصارى من دخول مساجد المسلمين" ، وأَتْبَعَ في نهيه قولَ الله: (إنما المشركون نجس) .
16596- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن فضيل، عن أشعث، عن الحسن: (إنما المشركون نجس) ، قال: لا تصافحوهم، فمن صافحَهم فليتوضَّأ.
* * *
وأما قوله: (بعد عامهم هذا) ، فإنه يعني: بعد العام الذي نادَى فيه علي رحمة الله عليه ببراءة، وذلك عام حجَّ بالناس أبو بكر، وهي سنة تسع من الهجرة، كما:-
16597- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا) ، وهو العام الذي حجّ فيه أبو بكر، ونادى عليّ رحمة الله عليهما بالأذان، وذلك لتسع سنين مضين من هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وحجَّ نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم من العام المقبل حجّة الوداع، لم يحجَّ قبلها ولا بعدها.
* * *
وقوله: (وإن خفتم عيلة) ، يقول للمؤمنين: وإن خفتم فاقَةً وفقرًا، بمنع المشركين من أن يقربوا المسجد الحرام = (فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء) .
* * *
يقال منه: عال يَعِيلُ عَيْلَةً وعُيُولا ومنه قول الشاعر: (1)
وَمَا يَدْرِي الفَقِيرُ مَتَى غِنَاه ... وَمَا يَدْرِي الغَنِيُّ مَتَى يَعِيلُ (2)
(1)
هو أحيحة بن الجلاح.

(2)
سلف البيت وتخريجه وشرحه، فيما سلف 7: 459، وانظر مجاز القرآن 1: 255.

وقد حكي عن بعضهم أنّ من العرب من يقولُ في الفاقة: "عال يعول" بالواو. (1)
* * *
وذكر عن عمرو بن فائد أنه كان تأوّل قوله (2) (وإن خفتم عيلة) ، بمعنى: وإذ خفتم. ويقول: كان القوم قد خافُوا، وذلك نحو قول القائل لأبيه: "إن كنت أبي فأكرمني" ، بمعنى: إذ كنت أبي.
* * *
وإنما قيل ذلك لهم، لأن المؤمنين خافوا بانقطاع المشركين عن دخول الحرم، انقطاع تجاراتهم، ودخول ضرر عليهم بانقطاع ذلك. وأمَّنهم الله من العيلة، وعوَّضهم مما كانوا يكرهون انقطاعه عنهم، ما هو خير لهم منه، وهو الجزية، فقال لهم: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ) ، إلى: (صَاغِرُون) .
* * *
وقال قوم: بإدرار المطر عليهم.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
16598- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثنى معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: (يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا) ، قال: لما نَفَى الله المشركين عن المسجد الحرام، ألقى الشيطان في قلوب المؤمنين الحَزَن، قال: من أين تأكلون، وقد نُفِيَ المشركون وانقطعت عنهم العيرُ! (3) فقال الله: (وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من
(1)
انظر تفسير "عال" فيما سلف 7: 548، 549.

(2)
"عمرو بن فائد" ، أبو علي الأسواري، وردت عنه الرواية في حروف من القرآن.

مترجم في طبقات القراء 1: 602 رقم: 2462، وابن أبي حاتم 3 / 1 / 253، ولسان الميزان 4: 372، وميزان الاعتدال، 2: 298، وهو في الحديث ليس بشيء، بل هو منكر الحديث، متروك.
(3)
في المطبوعة: "وانقطعت عنكم" وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب.

فضله إن شاء) ، فأمرهم بقتال أهل الكتاب، وأغناهم من فضله.
16599- حدثنا هناد بن السري قال، حدثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرمة في قوله: (يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا) ، قال: كان المشركون يجيئون إلى البيت، ويجيئون معهم بالطعام، وَيتَّجرون فيه. فلما نُهُوا أن يأتوا البيت، قال المسلمون: من أين لنا طعام؟ فأنزل الله: (وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء) ، فأنزل عليهم المطر، وكثر خيرهم، حتى ذهب عنهم المشركون.
16600- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حميد بن عبد الرحمن، عن علي بن صالح، عن سماك، عن عكرمة: (إنما المشركون نجس) ، الآية = ثم ذكر نحو حديث هنّاد، عن أبي الأحوص.
16601- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان، عن واقد، عن سعيد بن جبير قال: لما نزلت: (إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا) ، شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: مَنْ يأتينا بطعامنا، ومن يأتينا بالمتاع؟ فنزلت: (وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء) . (1)
16602- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن واقد مولى زيد بن خليدة، عن سعيد بن جبير، قال: كان المشركون يقدَمون عليهم بالتجارة، فنزلت هذه الآية: (إنما المشركون نجس) ، إلى قوله: (عيلة) ، قال: الفقر = (فسوف يغنيكم الله من فضله) .
16603- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن إدريس، عن أبيه، عن عطية العوفي قال: قال المسلمون: قد كنّا نصيب من تجارتهم وبِياعاتهم،
(1)
الأثران: 16601، 16602 - "واقد، ولي زيد بن خليدة" ، ثقة، سلف برقم: 11450.

فنزلت: (إنما المشركون نجس) ، إلى قوله: (من فضله) .
16604- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، سمعت أبي =أحسِبه قال: أنبأنا أبو جعفر، عن عطية، قال: لما قيل: ولا يحج بعد العام مشرك! قالوا: قد كنا نصيب من بياعاتهم في الموسم. قال: فنزلت: (يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله) ، يعني: بما فاتهم من بياعاتهم.
16605- حدثنا أبو كريب وابن وكيع، قالا حدثنا ابن يمان، عن أبي سنان، عن ثابت، عن الضحاك: (وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله) ، قال: الجزية.
16606- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن يمان وأبو معاوية، عن أبي سنان، عن ثابت، عن الضحاك، قال: أخرج المشركون من مكة، فشقَّ ذلك على المسلمين وقالوا: كنا نُصيب منهم التجارة والميرة. فأنزل الله: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر) ،
16607- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله) ، كان ناس من المسلمين يتألَّفون العير; فلما نزلت "براءة" بقتال المشركين حيثما ثقفوا، وأن يقعدُوا لهم كل مرصد، قذف الشيطان في قلوب المؤمنين: فمن أين تعيشون وقد أمرتم بقتال أهل العير؟ فعلم الله من ذلك ما علم، فقال: أطيعوني، وامضوا لأمري، وأطيعوا رسولي، فإني سوف أغنيكم من فضلي. فتوكل لهم الله بذلك.
16608- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (إنما المشركون نجس) ، إلى قوله: (فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء) ، قال: قال المؤمنون: كنا نصيب
من متاجر المشركين! فوعدهم الله أن يغنيهم من فضله، عوضًا لهم بأن لا يقربوهم المسجد الحرام. فهذه الآية مع أول "براءة" في القراءة، ومع آخرها في التأويل (1) (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر) ، إلى قوله: (عن يد وهم صاغرون) ، حين أمر محمد وأصحابه بغزْوة تبوك.
16609- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، بنحوه.
16609م- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: لما نفى الله المشركين عن المسجد الحرام، شقَّ ذلك على المسلمين، وكانوا يأتون بِبَيْعَات ينتفع بذلك المسلمون. (2) فأنزل الله تعالى ذكره: (وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله) ، فأغناهم بهذا الخراج، الجزيةَ الجاريةَ عليهم، يأخذونها شهرًا شهرًا، عامًا عامًا، فليس لأحد من المشركين أن يقرب المسجد الحرام بعد عامهم بحالٍ، إلا صاحب الجزية، أو عبد رجلٍ من المسلمين.
16610- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن جريج، قال: أخبرنا أبو الزبير: أنه سمع جابر بن عبد الله يقول في قوله: (إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا) ، إلا أن يكون عبدًا أو أحدًا من أهل الذمّة.
16611- قال أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: (فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا) ، قال: إلا صاحب جزية، أو عبد لرجلٍ من المسلمين.
16612- حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة قال، حدثنا حجاج، عن
(1)
في المطبوعة: "من أول براءة. . . ومن آخرها" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب محض.

(2)
في المطبوعة: "ببياعات" ، وأثبت ما في المخطوطة.

عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج. قال، أخبرني أبو الزبير: أنه سمع جابر بن عبد الله يقول في هذه الآية: (إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام) ، إلا أن يكون عبدًا، أو أحدًا من أهل الجزية.
16613- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: (وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله) ، قال: أغناهم الله بالجزية الجارية شهرًا فشهرًا، وعامًا فعامًا.
16614- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا عباد بن العوام، عن الحجاج، عن أبي الزبير، عن جابر: (إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا) ، قال: لا يقرب المسجد الحرام بعد عامه هذا مشركٌ ولا ذميٌّ.
16615- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة) ، وذلك أن الناس قالوا: لتقطعنَّ عنا الأسواق، ولتهلكن التجارة، وليذهبنّ ما كنا نصيب فيها من المَرافق! (1) فقال الله عز وجل: (وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله) ، من وجه غير ذلك = (إن شاء) ، إلى قوله: (وهم صاغرون) ، ففي هذا عوَض مما تخوَّفتم من قطع تلك الأسواق، فعوَّضهم الله بما قطع عنهم من أمر الشرك، ما أعطَاهم من أعْناق أهلِ الكتاب من الجزية. (2)
* * *
وأما قوله: (إن الله عليم حكيم) ، فإن معناه: (إن الله عليم) ، بما حدثتكم به أنفسكم، أيها المؤمنون، من خوف العيلة عليها بمنع المشركين من أن يقربوا
(1)
في المطبوعة: "فنزل: وإن خفتم" ، ولم تكن "فنزل" في المخطوطة، سها الكاتب وتجاوز ما كان ينقل منه، وأثبته من نص ابن إسحاق في سيرة ابن هشام.

(2)
الأثر: 16615 - سيرة ابن هشام 4: 192، 193، وهو تابع الأثر السالف رقم: 16556.

المسجد الحرام، وغير ذلك من مصالح عباده = (حكيم) ، في تدبيره إياهم، وتدبير جميع خلقه. (1)
* * *
القول في تأويل قوله: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29) }
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمؤمنين به من أصحاب رسوله صلى الله عليه وسلم: (قاتلوا) ، أيها المؤمنون، القومَ = (الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر) ، يقول: ولا يصدّقون بجنة ولا نار (2) = (ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق) ، يقول: ولا يطيعون الله طاعة الحقِّ، يعني: أنهم لا يطيعون طاعةَ أهل الإسلام (3) = (من الذين أوتوا الكتاب) ، وهم اليهود والنصارَى.
* * *
وكل مطيع ملكًا وذا سلطانٍ، فهو دائنٌ له. يقال منه: دان فلان لفلان فهو يدين له، دينًا "، قال زهير:"
لَئِنَ حَلَلْتَ بِجَوٍّ فِي بَنِي أَسَدٍ ... فِي دِينِ عَمْرٍو وَحَالَتْ بَيْنَنا فَدَكُ (4)
(1)
انظر تفسير "عليم" و "حكيم" فيما سلف من فهارس اللغة (علم) ، (حكم) .

(2)
انظر تفسير "اليوم الآخر" فيما سلف من فهارس اللغة (أخر) .

(3)
انظر تفسير "الدين" فيما سلف 1: 155 /3: 571 / 9: 522.

(4)
ديوانه: 183، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 286، من قصيدة من جيد الكلام، أنذر بها الحارث بن ورقاء الصيداوي، من بني أسد، وكان أغار على بني عبد الله بن غطفان، فغنم، واستاق إبل زهير، وراعيه يسارا: يا حَارِ، لا أُرْمَيَنْ مِنْكُمْ بِدَاهِيَةٍ ... لَمْ يَلْقَهَا سُوقَةٌ قَبْلِي ولا مَلِكُ

فَارْدُدْ يَسَارًا، وَلا تَعْنُفْ عَلَيَّ وَلا ... تَمْعَكْ بِعِرْضِكَ إِن الغَادِرَ المَعِكَ
وَلا تَكُونَنْ كَأَقْوَامٍ عَلِمْتَهُمُ ... يَلْوُونَ مَا عَنْدَهُمْ حَتَّى إذَا نَهِكُوا
طَابْتْ نُفُوسُهُمُ عَنْ حَقِّ خَصْمِهِمْ ... مَخَافَهُ الشَّرِّ، فَارْتَدُّوا لِمَا تَرَكُوا
تَعَلَّمَنْ: هَا، لَعَمْرُ اللهِ ذَا ; قَسَمًا ... فَاقْصِدْ بِذَرْعِكَ، وانْظُرْ أَيْنَ تَنْسَلِكَ
لَئِنْ حَلَلْتَ. . . . . .. . . . . . ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
لَيَأتِيَنَّكَ مِنِّي مَنْطِقٌ قَذَعٌ ... بَاقٍ، كَمَا دَنَّسَ القُبْطِيَّةَ الوَدَكُ
و "جو" اسم لمواضع كثيرة في الجزيرة، وهذا "الجو" هنا في ديار بني أسد. و "عمرو" ، هو: "عمرو بن هند بن المنذر بن ماء السماء" ، و "فدك" قرية مشهورة بالحجاز، لها ذكر في السير كثير.
وقوله: (من الذين أوتوا الكتاب) ، يعني: الذين أعطوا كتاب الله، (1) وهم أهل التوراة والإنجيل = (حتى يعطوا الجزية) .
* * *
و "الجزية" : الفِعْلة من: "جزى فلان فلانًا ما عليه" ، إذا قضاه، "يجزيه" ، و "الجِزْية" مثل "القِعْدة" و "الجِلْسة" .
* * *
ومعنى الكلام: حتى يعطوا الخراجَ عن رقابهم، الذي يبذلونه للمسلمين دَفْعًا عنها.
* * *
وأما قوله: (عن يد) ، فإنه يعني: من يده إلى يد من يدفعه إليه.
* * *
وكذلك تقول العرب لكل معطٍ قاهرًا له، شيئًا طائعًا له أو كارهًا: "أعطاه عن يده، وعن يد" . وذلك نظير قولهم: "كلمته فمًا لفمٍ" ، و "لقيته كَفَّةً"
(1)
انظر تفسير "الإيتاء" فيما سلف من فهارس اللغة (أتى) .

لكَفَّةٍ، (1) وكذلك: "أعطيته عن يدٍ ليد" .
* * *
وأما قوله: (وهم صاغرون) ، فإن معناه: وهم أذلاء مقهورون.
* * *
يقال للذليل الحقير: "صاغر" . (2)
* * *
وذكر أن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمره بحرب الروم، فغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزولها غزوة تبوك.
* ذكر من قال ذلك:
16616- حدثني محمد بن عروة قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر ولا يحرّمون ما حرّم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) ، حين أمر محمدٌ وأصحابه بغزوة تبوك.
16617- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، نحوه.
* * *
واختلف أهل التأويل في معنى "الصغار" ، الذي عناه الله في هذا الموضع.
فقال بعضهم: أن يعطيها وهو قائمٌ، والآخذ جالسٌ.
* ذكر من قال ذلك:
16618- حدثني عبد الرحمن بن بشر النيسابوري قال، حدثنا سفيان، عن أبي سعد، عن عكرمة: (حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) ، قال:
(1)
يقال: "لقيته كفة كفة" (بفتح الكاف، ونصب التاء) ، إذا استقبلته مواجهته، كأن كل واحد منهما قد كف صاحبه عن مجاوزته إلى غيره ومنعه. وانظر تفصيل ذلك في مادته في لسان العرب (كفف) .

(2)
انظر تفسير "الصغار" فيما سلف 13: 22، تعليق: 2، والمراجع هناك.

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif



الساعة الآن : 09:33 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 1,391.05 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 1,389.29 كيلو بايت... تم توفير 1.76 كيلو بايت...بمعدل (0.13%)]