ابوالوليد المسلم |
01-07-2022 11:37 PM |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif
تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(159)
الحلقة (173)
صــ 478إلى صــ 483
1762 - حدثني به يونس بن عبد الأعلى قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( ننسها ) ، نمحها .
وقرأ ذلك آخرون : ( أو ننسأها ) بفتح النون وهمزة بعد السين ، بمعنى نؤخرها ، من قولك : "نسأت هذا الأمر أنسؤه نسأ ونساء" ، إذا أخرته ، وهو من قولهم : "بعته [ ص: 477 ] بنساء ، يعني بتأخير ، ومن ذلك قول طرفة بن العبد :
لعمرك إن الموت ما أنسأ الفتى لكالطول المرخى وثنياه باليد
يعني بقوله : "أنسأ" ، أخر .
وممن قرأ ذلك جماعة من الصحابة والتابعين ، وقرأه جماعة من قراء الكوفيين والبصريين ، وتأوله كذلك جماعة من أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
1763 - حدثنا أبو كريب ويعقوب بن إبراهيم قالا : حدثنا هشيم قال : أخبرنا عبد الملك ، عن عطاء في قوله : ( ما ننسخ من آية أو ننسأها ) ، قال : نؤخرها .
1764 - حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى قال ، سمعت ابن أبي نجيح يقول في قول الله : ( أو ننسأها ) ، قال : نرجئها .
1765 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( أو ننسأها ) ، نرجئها ونؤخرها .
1766 - حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري قال : حدثنا فضيل ، عن عطية : ( أو ننسأها ) ، قال : نؤخرها فلا ننسخها .
1767 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال ، أخبرني عبد الله بن كثير ، عن عبيد الأزدي ، عن عبيد بن عمير ( أو ننسأها ) ، إرجاؤها وتأخيرها .
هكذا حدثنا القاسم ، عن عبد الله بن كثير ، "عن عبيد الأزدي " ، وإنما هو عن " علي الأزدي " .
1768 - حدثني أحمد بن يوسف قال : حدثنا القاسم بن سلام قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن عبد الله بن كثير ، عن علي الأزدي ، عن عبيد [ ص: 478 ] بن عمير أنه قرأها : ( ننسأها ) .
قال أبو جعفر : فتأويل من قرأ ذلك كذلك : ما نبدل من آية أنزلناها إليك يا محمد ، فنبطل حكمها ونثبت خطها ، أو نؤخرها فنرجئها ونقرها فلا نغيرها ولا نبطل حكمها ، نأت بخير منها أو مثلها .
وقد قرأ بعضهم ذلك : ( ما ننسخ من آية أو تنسها ) . وتأويل هذه القراءة نظير تأويل قراءة من قرأ : ( أو ننسها ) ، إلا أن معنى ( أو تنسها ) ، أنت يا محمد .
وقد قرأ بعضهم : ( ما ننسخ من آية ) ، بضم النون وكسر السين ، بمعنى : ما ننسخك يا محمد نحن من آية - من "أنسختك فأنا أنسخك" . وذلك خطأ من القراءة عندنا ، لخروجه عما جاءت به الحجة من القرأة بالنقل المستفيض . وكذلك قراءة من قرأ ( تنسها ) أو ( تنسها ) لشذوذها وخروجها عن القراءة التي جاءت بها الحجة من قراء الأمة .
وأولى القراءات في قوله : ( أو ننسها ) بالصواب ، من قرأ : ( أو ننسها ) بمعنى : نتركها؛ لأن الله - جل ثناؤه - أخبر نبيه - صلى الله عليه وسلم - أنه مهما بدل حكما أو غيره ، أو لم يبدله ولم يغيره ، فهو آتيه بخير منه أو بمثله؛ فالذي هو أولى بالآية ، إذ كان ذلك معناها ، أن يكون - إذ قدم الخبر [ ص: 479 ] عما هو صانع إذا هو غير وبدل حكم آية أن يعقب ذلك بالخبر عما هو صانع ، إذا هو لم يبدل ذلك ولم يغير ، فالخبر الذي يجب أن يكون عقيب قوله : ( ما ننسخ من آية ) . قوله : أو نترك نسخها ، إذ كان ذلك المعروف الجاري في كلام الناس ، مع أن ذلك إذا قرئ كذلك بالمعنى الذي وصفت ، فهو يشتمل على معنى"الإنساء" الذي هو بمعنى الترك ، ومعنى "النساء" الذي هو بمعنى التأخير؛ إذ كان كل متروك فمؤخر على حال ما هو متروك .
وقد أنكر قوم قراءة من قرأ : ( أو تنسها ) ، إذا عني به النسيان ، وقالوا : غير جائز أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم نسي من القرآن شيئا مما لم ينسخ ، إلا أن يكون نسي منه شيئا ، ثم ذكره . قالوا : وبعد ، فإنه لو نسي منه شيئا لم يكن الذين قرأوه وحفظوه من أصحابه ، بجائز على جميعهم أن ينسوه . قالوا : وفي قول الله جل ثناؤه : ( ولإن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ) [ الإسراء : 86 ] ، ما ينبئ عن أن الله تعالى ذكره لم ينس نبيه شيئا مما آتاه من العلم .
قال أبو جعفر : وهذا قول يشهد على بطوله وفساده ، الأخبار المتظاهرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بنحو الذي قلنا .
1769 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : حدثنا أنس بن مالك : أن أولئك السبعين من الأنصار الذين قتلوا ببئر معونة ، قرأنا بهم وفيهم كتابا : "بلغوا عنا قومنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا" ، ثم إن ذلك رفع . [ ص: 480 ]
1770 - والذي ذكرنا عن أبي موسى الأشعري أنهم كانوا يقرأون : "لو أن لابن آدم واديين من مال لابتغى لهما ثالثا ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب" . ثم رفع .
وما أشبه ذلك من الأخبار التي يطول بإحصائها الكتاب .
وغير مستحيل في فطرة ذي عقل صحيح ، ولا بحجة خبر أن ينسي الله نبيه صلى الله عليه وسلم بعض ما قد كان أنزله إليه ، فإذ كان ذلك غير مستحيل من أحد هذين الوجهين ، فغير جائز لقائل أن يقول : ذلك غير جائز .
وأما قوله : ( ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ) ، فإنه - جل ثناؤه - لم يخبر أنه لا يذهب بشيء منه ، وإنما أخبر أنه لو شاء لذهب بجميعه ، فلم يذهب به والحمد لله ، بل إنما ذهب بما لا حاجة بهم إليه منه ، وذلك أن ما نسخ منه فلا حاجة بالعباد إليه . وقد قال الله تعالى ذكره : ( سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله ) [ الأعلى : 6 - 7 ] ، فأخبر أنه ينسي نبيه منه ما شاء ، فالذي ذهب منه الذي استثناه الله .
فأما نحن ، فإنما اخترنا ما اخترنا من التأويل طلب اتساق الكلام على نظام في المعنى ، لا إنكار أن يكون الله تعالى ذكره قد كان أنسى نبيه بعض ما نسخ من وحيه إليه وتنزيله .
[ ص: 481 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( نأت بخير منها أو مثلها )
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : ( نأت بخير منها أو مثلها ) . فقال بعضهم بما : -
1771 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( نأت بخير منها أو مثلها ) ، يقول : خير لكم في المنفعة ، وأرفق بكم .
وقال آخرون بما :
1772 - حدثني به الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : ( نأت بخير منها أو مثلها ) ، يقول : آية فيها تخفيف ، فيها رحمة ، فيها أمر ، فيها نهي .
وقال آخرون : نأت بخير من التي نسخناها ، أو بخير من التي تركناها فلم ننسخها .
ذكر من قال ذلك :
1773 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ( نأت بخير منها ) ، يقول : نأت بخير من التي نسخناها ، أو مثلها ، أو مثل التي تركناها .
"فالهاء والألف" اللتان في قوله : ( منها ) - عائدتان على هذه المقالة - على الآية في قوله : ( ما ننسخ من آية ) . و"الهاء والألف" اللتان في قوله : ( أو مثلها ) ، عائدتان على"الهاء والألف" اللتين في قوله : ( أو ننسها ) .
وقال آخرون بما : -
1774 - حدثني به المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن [ ص: 482 ] ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : كان عبيد بن عمير يقول : ( ننسها ) : نرفعها من عندكم ، نأت بمثلها أو خير منها .
1775 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : ( أو ننسها ) ، نرفعها ، نأت بخير منها أو بمثلها .
1776 - وحدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا بكر بن شوذب ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن أصحاب ابن مسعود مثله .
والصواب من القول في معنى ذلك عندنا : ما نبدل من حكم آية فنغيره ، أو نترك تبديله فنقره بحاله ، نأت بخير منها لكم - من حكم الآية التي نسخنا فغيرنا حكمها - إما في العاجل لخفته عليكم ، من أجل أنه وضع فرض كان عليكم ، فأسقط ثقله عنكم ، وذلك كالذي كان على المؤمنين من فرض قيام الليل ، ثم نسخ ذلك فوضع عنهم ، فكان ذلك خيرا لهم في عاجلهم ، لسقوط عبء ذلك وثقل حمله عنهم ، وإما في الآجل لعظم ثوابه ، من أجل مشقة حمله ، وثقل عبئه على الأبدان ، كالذي كان عليهم من صيام أيام معدودات في السنة ، فنسخ وفرض عليهم مكانه صوم شهر كامل في كل حول ، فكان فرض صوم شهر كامل كل سنة أثقل على الأبدان من صيام أيام معدودات غير أن ذلك ، وإن كان كذلك ، فالثواب عليه أجزل ، والأجر عليه أكثر؛ لفضل مشقته على مكلفيه من صوم أيام معدودات ، فذلك وإن كان على الأبدان أشق ، فهو خير من الأول في الآجل لفضل ثوابه وعظم أجره ، الذي لم يكن مثله لصوم الأيام المعدودات ، فذلك معنى قوله : ( نأت بخير منها ) ؛ لأنه إما بخير منها في العاجل لخفته على من كلفه ، أو في الآجل لعظم ثوابه وكثرة أجره .
أو يكون مثلها في المشقة على البدن واستواء الأجر والثواب عليه ، نظير نسخ الله تعالى ذكره فرض الصلاة شطر بيت المقدس ، إلى فرضها شطر المسجد الحرام . [ ص: 483 ] فالتوجه شطر بيت المقدس ، وإن خالف التوجه شطر المسجد ، فكلفة التوجه - شطر أيهما توجه شطره - واحدة؛ لأن الذي على المتوجه شطر بيت المقدس من مئونة توجهه شطره ، نظير الذي على بدنه مؤنة توجهه شطر الكعبة ، سواء ، فذلك هو معنى "المثل" الذي قال جل ثناؤه : ( أو مثلها ) .
وإنما عنى جل ثناؤه بقوله : ( ما ننسخ من آية أو ننسها ) : ما ننسخ من حكم آية أو ننسه ، غير أن المخاطبين بالآية لما كان مفهوما عندهم معناها ، اكتفي بدلالة ذكر "الآية" من ذكر "حكمها" ، وذلك نظير سائر ما ذكرنا من نظائره فيما مضى من كتابنا هذا ، كقوله : ( وأشربوا في قلوبهم العجل ) [ البقرة : 93 ] ، بمعنى حب العجل ، ونحو ذلك .
فتأويل الآية إذا : ما نغير من حكم آية فنبدله ، أو نتركه فلا نبدله ، نأت بخير لكم - أيها المؤمنون - حكما منها ، أو مثل حكمها في الخفة والثقل والأجر والثواب .
فإن قال قائل : فإنا قد علمنا أن العجل لا يشرب في القلوب ، وأنه لا يلتبس على من سمع قوله : ( وأشربوا في قلوبهم العجل ) ، أن معناه : وأشربوا في قلوبهم حب العجل ، فما الذي يدل على أن قوله : ( ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها ) - لذلك نظير؟
قيل : الذي دل على أن ذلك كذلك قوله : ( نأت بخير منها أو مثلها ) ، وغير جائز أن يكون من القرآن شيء خير من شيء؛ لأن جميعه كلام الله ، ولا يجوز في صفات الله تعالى ذكره أن يقال : بعضها أفضل من بعض ، وبعضها خير من بعض .
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif
|