رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام الحلقة (641) صــ 141 إلى صــ 150 وقول رؤبة، [العجاج] : (1) * وَجَارَةُ البَيْتِ لَهَا حُجْرِيُّ * (2) يعني المحرّمَ، ومنه قول الآخر: (3) فَبِتُّ مُرْتَفِقًا، والعَيْنُ سَاهِرَةٌ ... كَأَنَّ نَوْمِي عَلَيَّ اللَّيْلَ مَحْجُورُ (4) أي حرام. يقال: "حِجْر" و "حُجْر" ، بكسر الحاء وضمها. * * * وبضمها كان يقرأ، فيما ذُكر، الحسنُ وقتادة. (5) 13915- حدثني عبد الوارث بن عبد الصمد قال، حدثني أبي [قال، حدثني عمي] قال، حدثني أبي، عن الحسين، عن قتادة أنه: كان يقرؤها: "وَحَرْثٌ حُجْرٌ" ، يقول: حرام، مضمومة الحاء. (6) * * * (1) هكذا نسبة هنا إلى (( رؤبة )) والصواب أنه (( العجاج )) أبوه، بلا شك في ذلك، ولذلك وضعته بين الأقواس، وكأنه سهو من الناسخ، أو من أبي جعفر. (2) ديوان العجاج: 68، واللسان (حجر) من رجز له طويل مشهور، ذكر فيه نفسه بالعفاف والصيانة فقال: إِنّي امْرُؤٌ عَنْ جَارَتِي كَفِىُّ ... عَنِ الأذَى، إنَّ الأذَى مَقْلِيُّ وَعَنْ تَبغِّي سِرِّهَا غَنِيُّ ثم قال بعد أبيات: وَجَارَةُ البَيْتِ لَهَا حُجْرِيُّ ... ومَحْرُمَاتٌ هَتْكُهَا بُجْرِيُّ وفسره صاحب اللسان فقال: (( لها خاصة )) . (3) ينسب إلى أعشى باهلة نسبه ابن بري في اللسان (رفق) ، ولم أجده في مكان آخر. (4) اللسان (رفق) . (( مرتفقًا )) ، أي: متكئًا على مرفق يده. (5) في المطبوعة والمخطوطة: (( الحسين )) ، وهو خطأ، صوابه (( الحسن )) ، وهو البصري. (6) الأثر: 13915 - هذا إسناد فيه إشكال. (( عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث سعيد بن ذكوان التميمي العنبري )) ، مضى مرارًا، وهو يروي عن أبيه: (( عبد الصمد بن عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان )) وأبوه: (( عبد الصمد ابن عبد الوارث )) ، يروي عن أبيه: (( عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان )) ، و (( عبد الوارث بن سعيد ابن ذكوان )) ، يروي عن (( حسين المعلم )) ، وهو (( حسين بن ذكوان العوذي )) ، و (( حسين المعلم )) ، يروي عن (( قتادة )) ، فالأرجح إذن أن يكون الإسناد هكذا: (( حدثني عبد الوارث بن عبد الصمد، قال حدثني أبي، قال حدثني أبي، عن الحسين، عن قتادة )) بإسقاط (( قال حدثني عمي )) ، التي وضعتها بين قوسين، وبذلك يكون الإسناد مستقيمًا، فإني لم أجد (( عبد الصمد بن عبد الوارث )) يروي عن (( عمه )) ، ولم أجد له عما يروى عنه. وأيضًا فإن قوله: (( حدثني عمي )) يقتضي أن يكون (( سعيد بن ذكوان )) جدهم، هو الراوي عن (( حسين المعلم )) ، ولم تذكر قط رواية عن (( سعيد بن ذكوان )) ، ولا له ذكر في كتب الرجال. فصح بذلك أن الصواب إسقاط ما وضعته بين القوسين، هذا وأذكر أن هذا الإسناد قد مر قبل كما أثبته، ولكني لم أستطع أن أعثر عليه بعد. والزيادة إن شاء الله خطأ من الناسخ، واختلط عليه إسناد (( محمد بن سعد عن أبه، عن عمه ... )) رقم: 305. فعجل وزاد: (( قال حدثني عمي )) . وأما القرأة من الحجاز والعراق والشام، فعلى كسرها. وهي القراءة التي لا أستجيز خلافها، لإجماع الحجة من القرأة عليها، وأنها اللغة الجُودَى من لغات العرب. (1) * * * وروي عن ابن عباس أنه كان يقرؤها: "وَحَرْثٌ حِرْجٌ" ، بالراء قبل الجيم. 13916- حدثني بذلك الحارث قال، حدثني عبد العزيز قال، حدثنا ابن عيينة، عن عمرو، عن ابن عباس: أنه كان يقرؤها كذلك. * * * وهي لغة ثالثة، معناها ومعنى "الحجر" واحد. وهذا كما قالوا: "جذب" و "جبذ" ، و "ناء" و "نأى" . ففي "الحجر" ، إذًا، لغات ثلاث: "حجر" بكسر الحاء، والجيم قبل الراء= "وحُجر" بضم الحاء، والجيم قبل الراء= و "حِرْج" ، بكسر الحاء، والراء قبل الجيم. * * * وبنحو الذي قلنا في تأويل الحجر قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: (1) (( الجودي )) ، تأنيث (( الأجود )) ، وهي قليلة الاستعمال فيما بعد طبعة أبي جعفر، كما أسلفت في التعليق على أول استعمال لها فيما مضى 6: 437، تعليق: 1، وهذه هي المرة الثانية التي استعملها فيها أبو جعفر. 13917- حدثني عمران بن موسى القزاز قال، حدثنا عبد الوارث، عن حميد، عن مجاهد وأبي عمرو: (وحرث حجر) ، يقول: حرام. 13918- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (وحرث حجر) ، فالحجر. ما حرّموا من الوصيلة، وتحريم ما حرموا. 13919- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (وحرث حجر) ، قال: حرام. 13920- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (هذه أنعام وحرث حجر) الآية، تحريمٌ كان عليهم من الشياطين في أموالهم، وتغليظ وتشديد. وكان ذلك من الشياطين، ولم يكن من الله. 13921- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: أما قوله: (وقالوا هذه أنعام وحرث حجر) ، فيقولون: حرام، أن نطعم إلا من شئنا. 13922- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (هذه أنعام وحرث حجر) ، نحتجرها على مَنْ نريد وعمن نريد، لا يطعمها إلا مَنْ نشاء، بزعمهم. قال: إنما احتجروا ذلك لآلهتهم، وقالوا: لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم) ، قالوا: نحتجرها عن النساء، ونجعلها للرجال. 13923- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (أنعام وحرث حجر) ، أما "حجر" ، يقول: محرَّم. وذلك أنهم كانوا يصنعون في الجاهلية أشياء لم يأمر الله بها، كانوا يحرّمون من أنعامهم أشياء لا يأكلونها، ويعزلون من حرثهم شيئًا معلومًا لآلهتهم، ويقولون: لا يحل لنا ما سمّينا لآلهتنا. 13924- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: (أنعام وحرث حجر) ، ما جعلوه لله ولشركائهم. 13925- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. * * * القول في تأويل قوله: {وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (138) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وحرّم هؤلاء الجهلة من المشركين ظهورَ بعض أنعامهم، فلا يركبون ظهورها، وهم ينتفعون برِسْلِها ونِتَاجها وسائر الأشياء منها غير ظهورها للركوب. (1) وحرموا من أنعامهم أنعامًا أخر، فلا يحجُّون عليها، ولا يذكرون اسم الله عليها إن ركبوها بحالٍ، ولا إن حلبوها، ولا إن حمَلوا عليها. * * * وبما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 13926- حدثنا سفيان قال، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن عاصم قال: قال لي أبو وائل: أتدري ما "أنعام لا يذكرون اسم الله عليها" ؟ قال: قلت: لا! قال: أنعام لا يحجون عليها. 13927- حدثنا محمد بن عباد بن موسى قال، حدثنا شاذان قال، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن عاصم قال: قال لي أبو وائل: أتدري ما قوله: (حرمت (1) (( الرسل )) (بكسر فسكون) : اللبن. و (( النتاج )) (بكسر النون) : ما تضع من أولادها. ظهورها وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها) ؟ قال: قلت: لا! قال: هي البحيرة، كانوا لا يحجون عليها. (1) 13928- حدثنا أحمد بن عمرو البصري قال، حدثنا محمد بن سعيد الشهيد قال، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن عاصم، عن أبي وائل: (وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها) ، قال: لا يحجون عليها. (2) 13929- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي أما: (أنعام حرمت ظهورها) ، فهي البحيرة والسائبة والحام= وأما "الأنعام التي لا يذكرون اسم الله عليها" ، قال: إذا أولدوها، (3) ولا إن نحروها. 13930- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله: (وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها) ، قال: كان من إبلهم طائفة لا يذكرون اسم الله عليها ولا في شيء من شأنها، لا إن ركبوها، ولا إن حلبوا، ولا إن حملوا، ولا إن منحوا، ولا إن عملوا شيئًا. 13931- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (وأنعام حرمت ظهورها) ، قال: لا يركبها أحد= (وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها) . * * * (1) الأثر: 13927 - (( محمد بن عباد بن موسى الختلي )) ، مضى برقم: 11318، ونقلت هناك عن ابن أبي حاتم 4 / 1 / 15، أنه روى عن هشام بن محمد الكلبي، والوليد بن صالح، وروى عنه أبو بكر بن أبي الدنيا. ثم توقفت في هذه الترجمة المختصرة التي ذكرها ابن أبي حاتم، وشككت في صحة ما فيها، فإن أبا بكر بن أبي الدنيا، إنما يروي عن أبيه (( عباد بن موسى الختلي )) . ولا أدري أروى عن ولده (( محمد بن عباد )) أم لم يرو عنه، فإنهم لم يذكروا ذلك في ترجمة أبي بكر ابن أبي الدنيا. و (( شاذان )) هو: (( الأسود بن عامر )) ، ثقة صدوق. مترجم في التهذيب. (2) الأثر: 13928 - (( أحمد بن عمرو البصري )) ، مضى ما قلت فيه برقم: 9875. و (( محمد بن سعيد الشهيد )) ، لم أعرف من هو، ولم أجد له ذكرًا. (3) لعل الصواب: (( لا إن أولدوها )) . وأما قوله: (افتراء على الله) ، فإنه يقول: فعل هؤلاء المشركون ما فعلوا من تحريمهم ما حرموا، وقالوا ما قالوا من ذلك، كذبًا على الله، وتخرّصًا الباطلَ عليه; لأنهم أضافوا ما كانوا يحرّمون من ذلك، على ما وصفه عنهم جل ثناؤه في كتابه، إلى أنّ الله هو الذي حرّمه، فنفى الله ذلك عن نفسه، وأكذبهم، وأخبر نبيه والمؤمنين أنهم كذبة فيما يدّعون. (1) * * * ثم قال عز ذكره: (سيجزيهم) ، يقول: سيثيبهم ربُّهم بما كانوا يفترونَ على الله الكذبَ ثوابَهم، ويجزيهم بذلك جزاءهم. (2) * * * القول في تأويل قوله: {وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ} قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في المعنيِّ بقوله: (ما في بطون هذ الأنعام) . فقال بعضهم: عنى بذلك اللَّبن. * ذكر من قال ذلك: 13932- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن عطية قال، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن أبي الهذيل، عن ابن عباس: (وقالوا ما في بطون هذ الأنعام خالصة لذكورنا) ، قال: اللبن. (3) (1) انظر تفسير (( الافتراء )) فيما سلف: ص: 136، تعليق: 4، والمراجع هناك. (2) انظر تفسير (( الجزاء )) فيما سلف من فهارس اللغة (جزى) . (3) الأثر: 13932 - (( عبد الله بن أبي الهذيل العنزي )) ، (( أبو المغيرة )) ، تابعي ثقة. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 2 / 2 / 196، وفيه (( العنبري )) ، ولا أدري ما الصواب منهما. 13933- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن ابن أبي الهذيل، عن ابن عباس، مثله. 13934- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (وقالوا ما في بطون هذ الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا) ، ألبان البحائر كانت للذكور دون النساء، وإن كانت ميتة اشترك فيها ذكورهم وإناثهم. 13935- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا) ، قال: ما في بطون البحائر، يعني ألبانها، كانوا يجعلونه للرجال، دون النساء. 13936- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا عيسى بن يونس، عن زكريا، عن عامر قال: "البحيرة" لا يأكل من لبنها إلا الرجال، وإن مات منها شيء أكله الرجال والنساء. 13937- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (وقالوا ما في بطون هذ الأنعام خالصة لذكورنا) الآية، فهو اللبن، كانوا يحرمونه على إناثهم، ويشربه ذكرانهم. وكانت الشاة إذا ولدت ذكرًا ذبحوه، وكان للرجال دون النساء. وإن كانت أنثى تركب لم تذبح. وإن كانت ميتة فهم فيه شركاء. فنهى الله عن ذلك. * * * وقال آخرون: بل عنى بذلك ما في بطون البحائر والسوائب من الأجنة. * ذكر من قال ذلك: 13938- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء) ، فهذه الأنعام، ما ولد منها من حيّ فهو خالص للرجال دون النساء. وأما ما ولد من ميت، فيأكله الرجال والنساء. 13939- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، عن مجاهد: (ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا) ، السائبة والبحيرة. 13940- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. * * * قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر عن هؤلاء الكفرة أنهم قالوا في أنعام بأعيانها: "ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا دون إناثنا" ، واللبن ما في بطونها، وكذلك أجنتها. ولم يخصُص الله بالخبر عنهم أنهم قالوا: بعضُ ذلك حرام عليهن دون بعض. وإذ كان ذلك كذلك، فالواجب أن يقال إنهم قالوا: ما في بطون تلك الأنعام من لبن وجنين حِلٌّ لذكورهم = خالصة دون إناثهم، وإنهم كانوا يؤثرون بذلك رجالهم، إلا أن يكون الذي في بطونها من الأجنة ميتًا، فيشترك حينئذ في أكله الرجال والنساء. * * * واختلف أهل العربية في المعنى الذي من أجله أنثت "الخالصة" . فقال بعض نحويي البصرة وبعض الكوفيين: أنثت لتحقيق "الخلوص" ، كأنه لما حقق لهم الخلوص أشبه الكثرة، فجرى مجرى "راوية" و "نسابة" . * * * وقال بعض نحويي الكوفة: أنثت لتأنيث "الأنعام" ، لأن "ما في بطونها" ، مثلها، فأنثت لتأنيثها. ومن ذكّره فلتذكير "ما" . قال: وهي في قراءة عبد الله: "خَالِصٌ" . قال: وقد تكون الخالصة في تأنيثها مصدرًا، كما تقول: "العافية" و "العاقبة" ، وهو مثل قوله: (إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ) [سورة ص: 46] . (1) * * * (1) انظر معاني القرآن للفراء 1: 358، 359. قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: أريد بذلك المبالغة في خلوص ما في بطون الأنعام التي كانوا حرَّموا ما في بطونها على أزواجهم، لذكورهم دون إناثهم، (1) كما فعل ذلك "بالراوية" و "النسابة" و "العلامة" ، إذا أريد بها المبالغة في وصف من كان ذلك من صفته، كما يقال: "فلان خالصة فلان، وخُلصانه" . (2) * * * وأما قوله: (ومحرم على أزواجنا) ، فإن أهل التأويل اختلفوا في المعنيِّ بـ "الأزواج" . فقال بعضهم: عنى بها النساء. * ذكر من قال ذلك: 13941- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: (ومحرم على أزواجنا) ، قال: النساء. * * * وقال آخرون: بل عنى بالأزواج البنات. * ذكر من قال ذلك: 13942- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: (ومحرم على أزواجنا) ، قال: "الأزواج" ، البنات. وقالوا: ليس للبنات منه شيء. * * * قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله أخبر عن هؤلاء المشركين أنهم كانوا يقولون لما في بطون هذه الأنعام= يعني أنعامهم=: "هذا محرم على أزواجنا" ، و "الأزواج" ، إنما هي نساؤهم في كلامهم، وهن لا شك بنات من هن أولاده، وحلائل من هن أزواجه. (3) وفي قول الله عز وجل: (ومحرم على أزواجنا) ، الدليلُ الواضح على أن تأنيث "الخالصة" ، كان لما وصفت من المبالغة في وصف ما في بطون الأنعام بالخلوصة للذكور، لأنه لو كان لتأنيث الأنعام لقيل: و "محرمة على أزواجنا" ، ولكن لما كان التأنيث في "الخالصة" لما ذكرت، ثم لم يقصد في "المحرم" ما قصد في "الخالصة" من المبالغة، رجع فيها إلى تذكير "ما" ، واستعمال ما هو أولى به من صفته. * * * وأما قوله: (وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء) ، فاختلفت القرأة في قراءة ذلك. فقرأه يزيد بن القعقاع، وطلحة بن مصرِّف، في آخرين: "وَإنْ تَكُنْ مَيْتَةٌ" بالتاء في "تكن" ، ورفع "ميتة" ، غير أن يزيد كان يشدّد الياء من "مَيِّتَةٌ" ويخففها طلحة. 13943- حدثني بذلك المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي حماد قال، حدثنا عيسى، عن طلحة بن مصرف. 13944- وحدثنا أحمد بن يوسف، عن القاسم، وإسماعيل بن جعفر، عن يزيد. * * * وقرأ ذلك بعض قَرَأة المدينة والكوفة والبصرة: (وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً) ، بالياء، (1) السياق: (( في خلوص ما في بطون الأنعام ... لذكورهم دون إناثهم )) . (2) انظر تفسير (( الخالصة )) فيما سلف 2: 365، 366. انظر تمام حجة أبي جعفر في ذلك فيما سيلي بعد أسطر قليلة. (3) انظر تفسير (( الزوج )) فيما سلف 1: 514 /2: 446. https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام الحلقة (642) صــ 151 إلى صــ 160 و "ميتة" ، بالنصب، وتخفيف الياء. * * * وكأنّ من قرأ: (وإن يكن) ، بالياء (ميتة) بالنصب، أراد: وإن يكن ما في بطون تلك الأنعام= فذكر "يكن" لتذكير "ما" ونصب "الميتة" ، لأنه خبر "يكن" . وأما من قرأه: "وإن تكن ميتة" ، فإنه إن شاء الله أراد: وإن تكن ما في بطونها ميتة، فأنث "تكن" لتأنيث "ميتة" . * * * وقوله: (فهم فيه شركاء) ، فإنه يعني أن الرجال وأزواجهم شركاء في أكله، لا يحرمونه على أحد منهم، كما ذكرنا عمن ذكرنا ذلك عنه قبل من أهل التأويل. * * * وكان ابن زيد يقول في ذلك ما:- 13945- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: (وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء) ، قال: تأكل النساء مع الرجال، إن كان الذي يخرج من بطونها ميتة، فهم فيه شركاء، وقالوا: إن شئنا جعلنا للبنات فيه نصيبًا، وإن شئنا لم نجعل. * * * قال أبو جعفر: وظاهر التلاوة بخلاف ما تأوَّله ابن زيد، لأن ظاهرها يدل على أنهم قالوا: "إن يكن ما في بطونها ميتة، فنحن فيه شركاء" = بغير شرط مشيئة. وقد زعم ابن زيد أنهم جعلوا ذلك إلى مشيئتهم. * * * القول في تأويل قوله: {سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (139) } قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: "سيجزي" ، أي: سيثيب ويكافئ هؤلاء المفترين عليه الكذب في تحريمهم ما لم يحرّمه الله، وتحليلهم ما لم يحلله الله، وإضافتهم كذبهم في ذلك إلى الله (1) = وقوله: (وصفهم) ، يعني بـ "وصفهم" ، الكذبَ على الله، وذلك كما قال جلَّ ثناؤه في موضع آخر من كتابه: (وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ) ، [سورة النحل: 62] . (2) * * * و "الوصف" و "الصفة" في كلام العرب واحد، وهما مصدران مثل "الوزن" و "الزنة" . * * * وبنحو الذي قلنا في معنى "الوصف" قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 13946- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: (سيجزيهم وصفهم) ، قال: قولهم الكذب في ذلك. 13947- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 13948- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير، عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية: (سيجزيهم وصفهم) قال: كذبهم. 13949- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (سيجزيهم وصفهم) ، أي كذبهم. (1) انظر تفسير "الجزاء" فيما سلف ص 146، تعليق 2، والمراجع هناك (2) انظر تفسير (( الوصف )) فيما سلف صلى الله عليه وسلم: 10، 11. وأما قوله: (إنه حكيم عليم) ، فإنه يقول جل ثناؤه: إن الله في مجازاتهم على وصفهم الكذب وقيلهم الباطل عليه= "حكيم" ، في سائر تدبيره في خلقه= "عليم" ، بما يصلحهم، وبغير ذلك من أمورهم. (1) * * * القول في تأويل قوله: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (140) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قد هلك هؤلاء المفترون على ربهم الكذبَ، (2) العادلون به الأوثانَ والأصنام، الذين زين لهم شركاؤهم قتل أولادهم، وتحريم [ما أنعمت به] عليهم من أموالهم، (3) فقتلوا طاعة لها أولادهم، وحرّموا ما أحل الله لهم وجعله لهم رزقًا من أنعامهم = "سفها" ، منهم. يقول: فعلوا ما فعلوا من ذلكَ جهالة منهم بما لهم وعليهم، ونقصَ عقول، وضعفَ أحلام منهم، وقلة فهم بعاجل ضرّه وآجل مكروهه، من عظيم عقاب الله عليه لهم (4) = (افتراء على الله) ، يقول: تكذّبًا على الله وتخرصًا عليه الباطل (5) = (قد ضلوا) ، يقول: قد تركوا محجة الحق في فعلهم ذلك، وزالوا عن سواء السبيل (6) = (وما كانوا مهتدين) ، (1) انظر تفسير (( حكيم )) و (( عليم )) فيما سلف من فهارس اللغة (حكم) و (علم) . (2) انظر تفسير (( الخسار )) فيما سلف 11: 324، تعليق: 3، والمراجع هناك. (3) في المخطوطة والمطبوعة: (( وتحريم ما حرمت عليهم من أموالهم )) ، وهو لا يطابق تفسير الآية بل يناقضه، ورجحت الصواب ما أثبت بين القوسين. (4) انظر تفسير (( السفه )) فيما سلف 1: 293 - 295 / 3: 90، 129 / 6: 57 (5) انظر تفسير (( الافتراء )) فيما سلف: ص: 146، تعليق: 1، والمراجع هناك. وكان في المطبوعة: (( تكذيبًا )) ، والصواب ما في المخطوطة. (6) انظر تفسير (( الضلال )) فيما سلف من فهارس اللغة (( ضلل )) يقول: ولم يكن فاعلو ذلك على هدًى واستقامة في أفعالهم التي كانوا يفعلون قبل ذلك، ولا كانوا مهتدين للصواب فيها، ولا موفقين له. (1) * * * ونزلت هذه الآية في الذين ذكر الله خبرهم في هذه الآيات من قوله: (وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبًا) الذين كانوا يبحرون البحائر، ويسيِّبون السوائب، ويئدون البنات، كما:- 13950- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال عكرمة، قوله: (الذين قتلوا أولادهم سفهًا بغير علم) ، قال: نزلت فيمن يئد البنات من ربيعة ومُضَر، كان الرجل يشترط على امرأته أن تستحيي جارية وتئد أخرى. فإذا كانت الجارية التي تَئِد، غدا الرجل أو راح من عند امرأته، (2) وقال لها: "أنت علي كظهر أمِّي إن رجعت إليك ولم تئديها" ، فتخُدُّ لها في الأرض خدًّا، (3) وترسل إلى نسائها فيجتمعن عندها، ثم يتداولنها، (4) حتى إذا أبصرته راجعًا دستها في حفرتها، ثم سوّت عليها التراب. 13951- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: ثم ذكر ما صنعوا في أولادهم وأموالهم فقال: (قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفهًا بغير علم وحرموا ما رزقهم الله) . 13952- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفهًا بغير علم) ، فقال: هذا صنيع أهل الجاهلية. (1) انظر تفسير (( الاهتداء )) فيما سلف من فهارس اللغة (هدي) . (2) في المطبوعة: (( فإذا كانت الجارية التي توأد غدا الرجل ... )) ، وفي المخطوطة: (( فإذا كانت الجارية التي تئيد عبد الرجل أو راح من عند امرأته )) ، والصواب ما أثبت. معنى ذلك: أنه إذا ولدت المرأة الجارية التي شرط عليها أن تئدها غدا أو راح وقال ... (3) (( خد في الأرض خدا )) : شق في الأرض شقًا. (4) هكذا في المطبوعة: (( ثم يتداولنها )) ، وهي في المخطوطة سيئة الكتابة، وممكن أن تقرأ كما هي في المطبوعة. كان أحدهم يقتل ابنته مخافة السِّباء والفاقة، ويغذو كلبه = وقوله: (وحرموا ما رزقهم الله) ، الآية، وهم أهل الجاهلية. جعلوا بحيرةً وسائبة ووصيلةً وحاميًا، تحكمًا من الشياطين في أموالهم. 13953- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، إذا سرَّك أن تعلم جهل العرب، فاقرأ ما بعد المائة من سورة الأنعام قوله: (قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفهًا يغير علم) ، الآية. * * * وكان أبو رزين يتأوّل قوله: (قد ضلوا) ، أنه معنيٌّ به: قد ضلوا قبل هؤلاء الأفعال = من قتل الأولاد، وتحريم الرزق الذي رزقهم الله = بأمور غير ذلك. 13954- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا يزيد، قال، حدثنا سعيد، عن سفيان، عن الأعمش، عن أبى رزين في قوله: (قد خسر الذين قتلوا أولادهم) ، إلى قوله: (قد ضلوا) ، قال: قد ضلوا قبل ذلك. * * * القول في تأويل قوله: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ} قال أبو جعفر: وهذا إعلام من الله تعالى ذكره ما أنعم به عليهم من فضله، وتنبيهٌ منه لهم على موضع إحسانه، وتعريفٌ منه لهم ما أحلَّ وحرَّم وقسم في أموالهم من الحقوق لمن قسم له فيها حقًّا. يقول تعالى ذكره: وربكم، أيها الناس = (أنشأ) ، أي أحدث وابتدع خلقًا، لا الآلهة والأصنام (1) = (جنات) ، يعني: بساتين (2) = (معروشات) ، وهي ما عَرَش الناس من الكروم= (وغير معروشات) ، غير مرفوعات مبنيَّات، لا ينبته الناس ولا يرفعونه، ولكن الله يرفعه وينبته وينمِّيه، (3) كما:- 13955- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (معروشات) ، يقول: مسموكات. 13956- وبه عن ابن عباس: (وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات) ، فـ "المعروشات" ، ما عرش الناس= "وغير معروشات" ، ما خرج في البر والجبال من الثمرات. 13957- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: أما "جنات" ، فالبساتين= وأما "المعروشات" ، فما عرش كهيئة الكَرْم. 13958- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس قوله: (وهو الذي أنشأ جنات معروشات) ، قال: ما يُعرَش من الكروم = (وغير معروشات) ، قال: ما لا يعرش من الكرم. * * * (1) انظر تفسير (( أنشأ )) فيما سلف ص: 128، تعليق: 2، والمراجع هناك. (2) انظر تفسير (( الجنة )) فيما سلف من فهارس اللغة (جنن) . (3) انظر تفسير (( عرش )) فيما سلف 5: 445. القول في تأويل قوله: {وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ} قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: وأنشأ النخل والزرع مختلفا أكله= يعني بـ "الأكل" ، (1) الثمر. يقول: وخلق النخل والزرع مختلفًا ما يخرج منه مما يؤكل من الثمر والحب = "والزيتون والرمان متشابهًا وغير متشابه" ، في الطعم، (2) منه الحلو، والحامض، والمزّ، (3) كما:- 13959- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: (متشابهًا وغير متشابه) ، قال: "متشابهًا" ، في المنظر= "وغير متشابه" ، في الطعم. * * * وأما قوله: (كلوا من ثمره إذا أثمر) ، فإنه يقول: كلوا من رطبه ما كان رطبًا ثمره، كما:- 13960- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو همام الأهوازي قال، حدثنا موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب في قوله: (كلوا من ثمره إذا أثمر) ، قال: من رطبه وعنبه. 13961- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا محمد بن الزبرقان قال، حدثنا موسى بن عبيدة في قوله: (كلوا من ثمره إذا أثمر) ، قال: من رطبه وعنبه. (4) * * * (1) انظر تفسير (( الأكل )) فيما سلف 5: 538. (2) انظر تفسير (( متشابه )) فيما سلف 1: 389 - 394 / 2: 210، 211 / 6: 173 / 11: 578. (3) (( المز )) (بضم الميم) : ما كان طعمه بين الحلو والحامض، يقال: (( شراب مز )) . (4) الأثران: 13960، 13961 - (( أبو همام الأهوازي )) في الأثر الأول، هو (( محمد بن الزبرقان )) ، في الأثر الثاني. ثقة. مضت ترجمته برقم: 877. القول في تأويل قوله: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك. فقال بعضهم: هذا أمر من الله بإيتاء الصدقة المفروضة من الثمر والحبِّ. * ذكر من قال ذلك: 13962- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا يونس، عن الحسن، في قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: الزكاة. 13963- حدثنا عمرو قال، حدثنا عبد الصمد قال، حدثنا يزيد بن درهم قال، سمعت أنس بن مالك يقول: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: الزكاة المفروضة. 13964- حدثنا عمرو قال، حدثنا معلى بن أسد قال، حدثنا عبد الواحد بن زياد قال، حدثنا الحجاج بن أرطاة، عن الحكم، عن مجاهد، عن ابن عباس في قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: العشر ونصف العشر. 13965- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا هانئ بن سعيد، عن حجاج، عن محمد بن عبيد الله، عن عبد الله بن شداد، عن ابن عباس: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: العشر ونصف العشر. (1) 13966- حدثنا عمرو بن علي وابن وكيع وابن بشار قالوا، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا إبراهيم بن نافع المكي، عن ابن عباس، عن أبيه، في قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: الزكاة. (2) (1) الأثر: 13965 - (( هانئ بن سعيد النخعي )) ، مضى برقم: 13159. (( حجاج )) هو (( حجاج بن أرطأة )) ، مضى مرارًا. (( محمد بن عبيد الله بن سعيد )) هو (( أبو عون الثقفي )) ، مضى برقم: 7595. (2) الأثر: 13966 - (( إبراهيم بن نافع المكي المخزومي )) ، مضى برقم: 4305. وأما (( ابن عباس، عن أبيه )) ، فلا أدري ما هو، وهو بلا شك ليس (( عبد الله بن عباس )) حبر الأمة. وأخشى أن يكون الصواب: (( عن ابن طاوس، عن أبيه )) . 13967- حدثنا عمرو قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا أبو هلال، عن حيان الأعرج، عن جابر بن زيد: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: الزكاة. (1) 13968- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، أخبرنا يونس، عن الحسن في قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: هي الصدقة = قال: ثم سئل عنها مرة أخرى فقال: هي الصدقة من الحبّ والثمار. 13969- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن بكر، عن ابن جريج قال، أخبرني أبو بكر بن عبد الله، عن عمرو بن سليمان وغيره، عن سعيد بن المسيب أنه قال: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: الصدقة المفروضة. 13970- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن في قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: هي الصدقة من الحب والثمار. 13971- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، يعني بحقه، زكاته المفروضة، يوم يُكال أو يُعلم كيله. 13972- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، (1) الأثر: 13967 - (( عبد الرحمن )) ، هو (( عبد الرحمن بن مهدي )) ، مضى مرارًا و (( أبو هلال )) هو: (( محمد بن سليم الراسبي البصري )) ، ثقة، مضى برقم: 2996، 4681. و (( حيان الأعرج )) الجوفي، البصري. ثقة من أتباع التابعين. روى عن جابر بن زيد. روى عنه قتادة، وابن جرجيج، وسعيد بن أبي عروبة، وغيرهم. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 1 / 2 / 246. وذلك أن الرجل كان إذا زرع فكان يوم حصاده، وهو أن يعلم ما كيله وحقّه، فيخرج من كل عشرة واحدًا، وما يَلْقُط الناس من سنبله. (1) 13973- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، و "حقه يوم حصاده" ، الصدقة المفروضة= ذكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم سَنَّ فيما سقت السماء أو العين السائحة، أو سقاه الطل = و "الطل" ، الندى = أو كان بَعْلا العشرَ كاملا. (2) وإن سقي برشاء: نصفَ العشر = قال قتادة: وهذا فيما يكال من الثمرة. وكان هذا إذا بلغت الثمرة خمسةُ أوسقٍ، (3) وذلك ثلثمئة صاع، فقد حق فيها الزكاة. وكانوا يستحبون أن يعطوا مما لا يكال من الثمرة على قدر ذلك. 13974- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة وطاوس: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قالا هو الزكاة. 13975- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن الحجاج، عن سالم المكي، عن محمد بن الحنفية قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: يوم كيله، يعطي العشر أو نصف العشر. (4) 13976- حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن سالم المكي، عن محمد ابن الحنفية قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: العشر، ونصف العشر. 13977- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، (1) في المطبوعة: (( وما يلتقط )) ، وأثبت ما في المخطوطة. (2) (( البعل )) ، من النبات، ما شرب بعروقه من الأرض، بغير سقي من سماء ولا غيرها. (3) (( الأوسق )) جمع (( وسق )) ، وهو ستون صاعًا، كما فسره بعد، على اختلافهم في مقدار الصاع. (4) الأثر: 13975 - (( سالم المكي )) ، هو (( سالم بن عبد الله الخياط )) ، مترجم في التهذيب، والكبير 2 / 2 / 116، وابن أبي حاتم 2 / 1 / 184. https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام الحلقة (643) صــ 161 إلى صــ 170 عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، وعن قتادة: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قالا الزكاة. 13978- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو معاوية الضرير، عن الحجاج، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: العشر ونصف العشر. 13979- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن شريك، عن الحكم بن عتيبة، عن ابن عباس، مثله. 13980- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، يعني: يوم كيله، ما كان من برّ أو تمر أو زبيب. و "حقه" ، زكاته. 13981- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (كلوا من ثمرة إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: كُلْ منه، وإذا حصدته فآت حقه، و "حقه" ، عشوره. 13982- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن يونس بن عبيد، عن الحسن أنه قال في هذه الآية: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: الزكاة إذا كِلْتَه. 13983- حدثنا عمرو قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن أبي رجاء قال: سألت الحسن عن قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: الزكاة. 13984- حدثني ابن البرقي قال، حدثنا عمرو بن أبي سلمة قال، سألت ابن زيد بن أسلم عن قول الله: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، فقلت له: هو العشور؟ قال: نعم! فقلت له: عن أبيك؟ قال: عن أبي وغيره. * * * وقال آخرون: بل ذلك حقٌّ أوجبه الله في أموال أهل الأموال، غيرُ الصدقة المفروضة. * ذكر من قال ذلك: 13985- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا محمد بن جعفر، عن أبيه: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: شيئًا سوى الحق الواجب = قال: وكان في كتابه: "عن علي بن الحسين" . 13986- حدثنا عمرو قال، حدثنا يحيى قال، حدثنا عبد الملك، عن عطاء في قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: القبضة من الطعام. 13987- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن بكر، عن ابن جريج، عن عطاء: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: من النخل والعنب والحب كله. 13988- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن بكر، عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: أرأيت ما حصدتُ من الفواكه؟ قال: ومنها أيضًا تؤتي. وقال: من كل شيء حصدتَ تؤتي منه حقه يوم حصاده، من نخل أو عنب أو حب أو فواكه أو خضر أو قصب، من كل شيء من ذلك. قلت لعطاء: أواجب على الناس ذلك كله؟ قال: نعم! ثم تلا (وآتوا حقه يوم حصاده) . قال: قلت لعطاء: (وآتوا حقه يوم حصاده) ،هل في ذلك شيء مُؤَقّت معلوم؟ قال: لا. 13989- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن عبد الملك، عن عطاء في قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: يعطي من حُضورِ يومئذ ما تيسر، (1) وليس بالزكاة. (1) في المطبوعة: (( يعطي من حصاده يومئذ )) ، وليس صوابًا، وفي المخطوطة: (( يعطي من حصول يومئذ )) ، وصواب قراءتها ما أثبت، وانظر الأثر التالي. ويعني: مَنْ حضره من الناس والمساكين. 13990- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عيسى بن يونس، عن عبد الملك، عن عطاء: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: ليس بالزكاة، ولكن يطعم من حضره ساعتئذٍ حَصِيده. (1) 13991- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن العلاء بن المسيب، عن حماد: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: كانوا يعطون رُطبًا. 13992- حدثنا ابن حميد وابن وكيع قالا حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: إذا حضرك المساكين طرحت لهم منه، وإذا أنقيته وأخذت في كيله حَثَوْت لهم منه. (2) وإذا علمتَ كيله عزلتَ زكاته. وإذا أخذت في جَدَاد النخل طَرَحت لهم من الثفاريق. (3) وإذا أخذت في كيله حثَوْت لهم منه. وإذا علمت كيله عزلت زكاته. 13993- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: سوى الفريضة. 13994- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عمرو، عن منصور، عن مجاهد: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: يلقي إلى السؤَّال عند الحصاد من السنبل، (4) فإذا طِينَ = أو طُيِّن، الشك من أبي جعفر (5) = ألقى إليهم. فإذا (1) في المطبوعة: (( حصده )) ، وأثبت ما في المخطوطة. (( الحصاد )) و (( الحصيد )) ، (( الحصد )) (بفتح الحاء والصاد) ، هو من الزرع، المحصود بعد ما يحصد. (2) (( حثا له يحثو حثوا )) أعطاه شيئًا منه ملء الكف. (3) في المطبوعة: (( جذاذ الأرض )) (بالذال) ، وهو خطأ محض. (( جداد النخل )) (بفتح الجيم، وبكسرها) : أوان صرامه، وهو قطع ثمره. و (( الثفاريق )) جمع (( ثفروق )) ، وهو قمع البسرة والتمرة التي تلزق بها. ولم يرد هذا مجاهد، بل أراد: العناقيد، يخرط ما عليها، فتبقى عليها الثمرة والثمرتان والثلاث، يخطئها المخلب الذي تخرط به، فتلقى للمساكين. فكني بالثفاريق عن القليل الباقي في عنقوده وشمراخه. (4) (( السؤال )) جمع (( سائل )) مثل (( جاهل )) و (( جهال )) . (5) في المخطوطة: (( فإذا طبن أو طبن )) ، غير منقوطة، وفي المطبوعة: (( فإذا طبن، أو طين )) الأولى لاباء، والثانية بالياء، ولا معنى لهما. وأخشى أن يكون الصواب ما أثبت، يعني به ما يكون مع البر والقمح من الطين. ولا أدري ذلك. وفوق كل ذي علم عليم. ولم أجد الخبر في مكان آخر. وانظر رقم: 14000، وقوله: (( وإذا أدخله البيدر )) ، فكأنه يعني هذا. حمله فأراد أن يجعله كُدْسًا ألقى إليهم. (1) وإذا داس أطعمَ منه، وإذا فرغ وعلم كم كيله، عزل زكاته. وقال: في النخل عند الجَدَاد يطعم من الثمرة والشماريخ. (2) فإذا كان عند كيله أطعم من التمر. فإذا فرغ عزل زكاته. 13995- حدثنا عمرو بن علي ومحمد بن بشار قالا حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: إذا حصد الزرع ألقى من السنبل، وإذا جَدَّ النخل ألقى من الشماريخ. (3) فإذا كاله زكّاه. 13996- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: عند الحصاد، وعند الدِّياس، وعند الصِّرام، يقبض لهم منه، فإذا كاله عزل زكاته. 13997- وبه، عن سفيان، عن مجاهد مثله= إلا أنه قال: سوى الزكاة. 13998- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا يحيى بن سعيد، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: شيء سوى الزكاة، في الحصاد والجَدَاد، إذا حَصَدوا وإذاحَزَرُوا. (4) 13999- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، في قول الله: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: واجب، حين يصرم. (1) (( الكدس )) (بضم فسكون) ، هو كومة البر إذا جمع. (2) في المطبوعة: (( الجذاذ )) بالذال، وانظر التعليق السالف ص: 163، تعليق: 3. (3) (( جد النخل يجده جدادًا )) ، صرمه وقطعه. وهي في المطبوعة بالذال، كما سلف في التعليق السالف. وسأصححه بعد بغير إشارة إلى الخطأ. (4) في المطبوعة: (( وإذا جذوا )) ويعني (( وإذا جدوا )) ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو صحيح المهنى. (( حزر الطعام والنخل وغيره )) : إذا قدره بالحدس، والحازر، هو الخارص أيضًا، (( خرصه )) : قدره بالحدس. 14000- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن منصور، عن مجاهد: أنه قال في هذه الآية: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: إذا حصد أطعم، وإذا أدخله البَيْدَر، (1) وإذا داسه أطعم منه. 14001- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن يمان، عن سفيان، عن أشعث، عن ابن عمر، قال: يطعم المعترَّ، (2) سوى ما يعطي من العشرو نصف العشر. 14002- وبه، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد قال: قبضة عند الحصاد، وقبضة عند الجَدَاد. 14003- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حفص، عن أشعث، عن ابن سيرين، قال: كانوا يعطون مَنْ اعترَّ بهم الشيءَ. 14004- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن يمان، عن سفيان، عن حماد، عن إبراهيم، قال: الضِّغث. (3) 14005- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا يحيى بن سعيد، عن سفيان، عن حماد، عن إبراهيم، قال: يعطي مثل الضِّغث. 14006- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا يحيى بن سعيد قال، حدثنا سفيان قال، حدثنا حماد، عن إبراهيم: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: مثل هذا من الضغث = ووضع يحيى إصبعه الإبهام على المفصل الثاني من السَّبّابة. 14007- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن حماد، عن إبراهيم، قال: نحو الضِّغث. (1) (( البيدر )) : الموضع الذي يداس فيه الطعام. (2) (( المعتر )) : الذي يطيف بك يطلب ما عندك، سألك أو سكت عن السؤال. (( عره يعره )) و (( اعتره )) و (( اعتر به )) ، أتاه يطلب معروفه. (3) (( الضغث )) (بكسر فسكون) : ملء اليد من الحشيش المختلط، وما أشبهه من البقول. 14008- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن أبي جعفر= وعن سفيان، عن حماد، عن إبراهيم، قالا يعطي ضغثًا. (1) 14009- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا كثير بن هشام قال، حدثنا جعفر بن برقان، عن يزيد بن الأصم قال، كان النخل إذا صُرِم يجيء الرجل بالعِذْق من نخله، فيعلِّقه في جانب المسجد، فيجيء المسكين فيضربُه بعصاه، فإذا تناثر أكلَ منه. فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه حَسن أو حسين، فتناول تمرةً، فانتزعها من فيه. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأكل الصَّدقة، ولا أهلُ بيته. فذلك قوله: (وآتوا حقَّه يوم حصاده) . 14010- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا خالد بن حيان، عن جعفر بن برقان، عن ميمون بن مهران، ويزيد بن الأصم قالا كان أهل المدينة إذا صرموا يجيئون بالعِذْق فيضعونه في المسجد، ثم يجيء السائل فيضربه بعصاه، فيسقط منه، وهو قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده) . 14011- حدثنا علي بن سهل قال، حدثنا زيد بن أبي الزرقاء، عن جعفر، (1) كان هذا الإسناد في المطبوعة كما هو هنا إلا أنه كتب ... (( عن أبي جعفر، عن سفيان )) بغير (( واو العطف )) . وكان فيها أيضًا (( قال )) بالإفراد وهو تغيير لما في المخطوطة. أما في المخطوطة، فكان بعد قوله فيها الإسناد السالف (( الضعث )) ، بياض أمامه حرف (ط) دلالة على أن الخطأ، ثم بعد البياض: (( قال حدثنا أبي، عن إسرائيل )) وسائر الإسناد كما كان في المطبوعة، بغير واو عطف قبل (( عن سفيان )) ، ولكن كان فيها (( قالا )) بالتثنية. وهذا إسناد مضطرب. وزيادة (( حدثنا ابن وكيع )) مكان البياض، صواب لا شك فيه، كما كان في المطبوعة، ولكن الخطأ في إسقاط الواو قبل (( عن سفيان )) . فهما إسنادان كما بينتهما. و (( إسرائيل )) هو (( إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق )) ، يروي، عن (( جابر بن يزيد بن الحارث الجعفي )) ، و (( أبو جعفر )) هو (( أبو جعفر الباقر )) فيما أرجح. أما الإسناد الثاني، فهو من حديث ابن وكيع، عن أبيه، عن سفيان ... وكأن هذا هو الصواب إن شاء الله. عن يزيد وميمون، (1) في قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قالا كان الرجل إذا جدَّ النخلَ يجيء بالعِذْق فيعلقه في جانب المسجد، فيأتيه المسكين فيضربه بعصاه، فيأكل ما يتناثر منه. 14012- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبيد الله، عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: لَقَطُ السُّنبل. (2) 14013- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن عبد الكريم الجزري، عن مجاهد قال: كانوا يعلقون العذق في المسجد عند الصِّرام، فيأكل منه الضعيف. 14014- وبه، عن معمر قال، قال مجاهد: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، يطعم الشيءَ عند صِرَامه. 14015- حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن سالم، عن سعيد بن جبير: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: الضغث، وما يقع من السنبل. 14016- وبه، عن سالم، عن سعيد: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: العلَف. 14017- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن شريك، عن سالم، عن سعيد في قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: كان هذا قبل الزكاة، للمساكين، القبضةُ والضِّغث لعلف دابته. 14018- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا محمد (1) في المطبوعة والمخطوطة: (( عن زيد )) ، والصواب أنه (( يزيد بن الأصم )) المذكور في الإسنادين السالفين. (2) (( اللقط )) (بفتح اللام والقاف) ، و (( لقاط السنبل )) (بضم اللام، وبفتحها) : هو الذي تخطئه المناجل فيلتقطه الناس، أهو نثارة السنبل. بن رفاعة، عن محمد بن كعب في قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: ما قلّ منه أو كثر. (1) 14019- حدثنا الحسن بن يحيى قالأخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: عند الزرع يعطي القبضَ، وعند الصِّرام يعطي القبض، (2) ويتركهم فيتتبعون آثار الصِّرام. * * * وقال آخرون: كان هذا شيئًا أمر الله به المؤمنين قبل أن تفرض عليهم الصدقة المؤقتة. ثم نسخته الصدقة المعلومة، فلا فرض في مال كائنًا ما كان زرعًا كان أو غرسًا، إلا الصدقة التي فرضها الله فيه. * ذكر من قال ذلك: 14020- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو معاوية، عن حجاج، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس قال: نسخها العُشْر ونصف العشر. 14021- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حفص، عن الحجاج، عن الحكم، عن ابن عباس قال: نسخها العُشْر ونصف العشر. 14022- وبه، عن حجاج، عن سالم، عن ابن الحنفية قال: نسخها العُشْر، ونصف العشر. 14023- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن شريك، عن سالم، عن سعيد بن جبير: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: هذا قبل الزكاة، فلما نزلت الزكاة نسختها، فكانوا يعطون الضِّغْث. 14024- حدثنا ابن حميد وابن وكيع قالا حدثنا جرير، عن مغيرة، (1) الأثر: 14018 - (( محمد بن رفاعة بن ثعلبة بن أبي مالك القرظي )) ، ثقة، مترجم في التهذيب، والكبير 1 / 1 / 82، وابن أبي حاتم 3 /2 / 254. (2) لعله (( يعطي القبضة )) ، فإنه هو الذي تدل عليه اللغة، ولكن هكذا جاء في الموضعين، وهو جائز على ضعف. عن شباك، عن إبراهيم: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: كانوا يفعلون ذلك، حتى سُنَّ العُشر ونصف العشر. فلما سُنّ العشر ونصف العشر، تُرك. (1) 14025- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال، حدثنا سفيان، عن مغيرة، عن شباك، عن إبراهيم: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: هي منسوخة، نسختها العُشر ونصف العشر. (2) 14026- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا يحيى، عن سفيان، عن المغيرة، عن إبراهيم: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: نسختها العشر ونصف العشر. 14027- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن يمان، عن سفيان، عن مغيرة، عن شباك، عن إبراهيم قال: نسختها العشر ونصف العشر. 14028- وبه، عن سفيان، عن يونس، عن الحسن قال: نسختها الزكاة. 14029- وبه، عن سفيان، عن السدى قال: نسختها الزكاة: (وآتوا حقه يوم حصاده) . 14030- حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا مغيرة، عن شباك، عن إبراهيم، في قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: هذه السورة مكية، نسختها العشر ونصف العشر. قلت: عمّن؟ قال: عن العلماء. 14031- وبه، عن سفيان، عن مغيرة، عن شباك، عن إبراهيم قال: نسختها العشر ونصف العشر. 14032- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، (1) الأثر: 14024 - 14025 - (( شباك الضبي )) الكوفي الأعمى. روى عن إبراهيم النخعي، والشعبي، وأبي الضحى. روى عنه مغيرة بن مقسم، وفضيل بن غزوان، ونهشل بن مجمع. قال أحمد: (( شيخ ثقة )) . مترجم في التهذيب، والكبير 2 / 2 / 270، وانظر أيضًا رقم: 14027، 14030، 14031. (2) الأثر: 14024 - 14025 - (( شباك الضبي )) الكوفي الأعمى. روى عن إبراهيم النخعي، والشعبي، وأبي الضحى. روى عنه مغيرة بن مقسم، وفضيل بن غزوان، ونهشل بن مجمع. قال أحمد: (( شيخ ثقة )) . مترجم في التهذيب، والكبير 2 / 2 / 270، وانظر أيضًا رقم: 14027، 14030، 14031. حدثنا أسباط، عن السدي: أما (وآتوا حقه يوم حصاده) ، فكانوا إذا مرّ بهم أحدٌ يوم الحصاد أو الجدَادِ، أطعموه منه، فنسخها الله عنهم بالزكاة، وكان فيما أنبتتِ الأرضُ، العشرُ ونصف العشر. 14033- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبد الأعلى، عن يونس، عن الحسن قال: كانوا يَرْضَخون لقرَابتهم من المشركين. (1) 14034- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس، عن أبيه، عن عطية: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: نسخه العشر ونصف العشر. كانوا يعطون إذا حصَدوا وإذا ذَرَّوا، فنسختها العشر ونصف العشر. * * * قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب، قولُ من قال: كان ذلك فرضًا فرضه الله على المؤمنين في طعامِهم وثمارهم التي تُخْرجها زروعهم وغرُوسهم، ثم نسخه الله بالصدقة المفروضة، والوظيفة المعلومةِ من العشر ونصف العشر. وذلك أن الجميع مجمعون لا خلاف بينهم: أنّ صدقة الحرث لا تؤخذ إلا بعد الدِّياس والتنقية والتذرية، وأن صدقة التمر لا تؤخذ إلا بعد الإجزاز. (2) فإذا كان ذلك كذلك، وكان قوله جل ثناؤه: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، ينبئ عن أنه أمرٌ من الله جل ثناؤه بإيتاء حقه يوم حصاده، وكان يوم حصاده هو يوم جَدِّه وقطعه، والحبُّ لا شك أنه في ذلك اليوم في سنبله، والتَّمر وإن كان ثمر نخل أو كَرْم غيرُ مستحكم جُفوفه ويبسه، وكانت الصدقة من الحبِّ إنما تؤخذ بعد دِياسه وتذريته وتنقيته كيلا والتمر إنما تؤخذ صدقته بعد استحكام (1) (( رضخ له من ماله رضيخة )) ، إذا أعطاه منه العطية المقاربة، القليلة. (2) في المطبوعة: (( إلا بعد الجفاف )) غير ما في المخطوطة كل التغيير، وكان فيها: (( إلا بعد الأحرار )) غير منقوطة، وهذا صواب قراءتها. يقال (( جز النخل والتمر )) و (( أجز النخل والتمر )) ، يبس تمره، وحان أن يجز، أي: أن يقطع ثمره ويصرم. https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام الحلقة (644) صــ 171 إلى صــ 180 يبسه وجفوفه كَيْلا= علم أن ما يؤخذ صدقة بعد حين حَصْده، غير الذي يجب إيتاؤه المساكين يوم حَصاده. * * * فإن قال قائل: وما تنكر أن يكون ذلك إيجابًا من الله في المال حقًّا سوى الصدقة المفروضة؟ قيل: لأنه لا يخلو أن يكون ذلك فرضًا واجبًا، أو نَفْلا. فإن يكن فرضًا واجبًا، فقد وجب أن يكون سبيلُه سبيلَ الصدقات المفروضات التي من فرَّط في أدائها إلى أهلها كان بربِّه آثمًا، ولأمره مخالفًا. (1) وفي قيام الحجة بأن لا فرض لله في المال بعد الزكاة يجبُ وجوبَ الزكاة سوى ما يجبُ من النفقة لمن يلزم المرءَ نفقته، ما ينبئ عن أنّ ذلك ليس كذلك. =أو يكون ذلك نَفْلا. فإن يكن ذلك كذلك، فقد وجب أن يكون الخيارُ في إعطاء ذلك إلى ربّ الحرث والثمر. وفي إيجاب القائلين بوجوب ذلك، ما ينبئ عن أن ذلك ليسَ كذلك. وإذا خرجت الآية من أن يكون مرادًا بها الندب، وكان غير جائز أن يكون لها مخرجٌ في وجوب الفرض بها في هذا الوقت، علم أنها منسوخة. ومما يؤيد ما قلنا في ذلك من القول دليلا على صحته، أنه جل ثناؤه أتبع قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، (ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) ، ومعلوم أنّ من حكم الله في عباده مذ فرض في أموالهم الصدقة المفروضة المؤقتة القدرِ، أنّ القائم بأخذ ذلك ساستهم ورُعاتهم. وإذا كان ذلك كذلك، فما وجه نهي ربّ المال عن الإسراف في إيتاء ذلك، والآخذ مُجْبِرٌ، وإنما يأخذ الحق الذي فرض لله فيه؟ * * * (1) انظر تفسير قوله: (( بربه آثمًا )) فيما سلف 4: 530، تعليق: 3 / 6: 92، تعليق: 2 / 11: 180، تعليق 3 / 11: 328، تعليق: 2. فإن ظن ظانّ أن ذلك إنما هو نهي من الله القيِّمَ بأخذ ذلك من الرعاة عن التعدِّي في مال رب المال، والتجاوز إلى أخذ ما لم يُبَحْ له أخذه، فإن آخر الآية وهو قوله: (ولا تسرفوا) ، معطوف على أوله، وهو قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده) . فإن كان المنهيَّ عن الإسراف القيِّمُ بقبض ذلك، فقد يجب أن يكون المأمورُ بإيتائه، (1) المنهيَّ عن الإسراف فيه، وهو السلطان. وذلك قول إن قاله قائل، كان خارجًا من قول جميع أهل التأويل، ومخالفًا المعهود من الخطاب، وكفى بذلك شاهدًا على خطئه. * * * فإن قال قائل: وما تنكر أن يكون معنى قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، وآتوا حقه يوم كيله، لا يوم قصله وقطعه، (2) ولا يوم جداده وقطافه؟ فقد علمتَ مَنْ قال ذلك من أهل التأويل؟ وذلك ما:- 14035- حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك في قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: يوم كيله. 14036- وحدثنا المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن الحجاج، عن سالم المكي، عن محمد بن الحنفية قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: يوم كيله، يعطي العشر ونصف العشر. (3) * * * = مع آخرين قد ذكرت الرواية فيما مضى عنهم بذلك؟ (4) (1) في المطبوعة: (( بإتيانه )) ، وهو خطأ محض، وهو في المخطوطة غير منقوط، وذلك بيان لقوله: (( وآتوا حقه يوم حصاده )) . (2) في المطبوعة والمخطوطة: (( يوم فصله )) بالفاء، والصواب بالقاف. (( قصل النبات يقصله قصلا، واقتصله )) ، قطعه وهو أخضر. (3) الأثر: 14036 - انظر ما سلف رقم: 13975. (4) انظر الآثار السالفة من أول تفسير الآية. قيل: لأن يوم كيله غير يوم حصاده. ولن يخلو معنى قائلي هذا القول من أحد أمرين: إما أن يكونوا وجّهوا معنى "الحصاد" ، إلى معنى "الكيل" ، فذلك ما لا يعقل في كلام العرب، لأن "الحصاد" و "الحصد" في كلامهم: الجدّ والقطع، لا الكيل = أو يكونوا وجّهوا تأويل قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، إلى: وآتوا حقه بعد يوم حصاده إذا كلتموه، فذلك خلاف ظاهر التنزيل. وذلك أن الأمر في ظاهر التنزيل بإيتاء الحقّ منه يوم حصاده، لا بعد يوم حصاده. ولا فرقَ بين قائلٍ: إنما عنى الله بقوله: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، بعد يوم حصاده= وآخرَ قال: عنى بذلك قبل يوم حصاده، لأنهما جميعًا قائلان قولا دليلُ ظاهر التنزيل بخلافه. * * * القول في تأويل قوله: {وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (141) } قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في "الإسراف" ، الذي نهى الله عنه بهذه الآية، ومن المنهيّ عنه. فقال بعضهم: المنهيّ عنه: ربّ النخل والزرع والثمر= و "السرف" الذي نهى الله عنه في هذه الآية، مجاوزة القدر في العطِيّة إلى ما يجحف برب المال. (1) * ذكر من قال ذلك: 14037- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا المعتمر بن سليمان قال، حدثنا عاصم، عن أبي العالية في قوله: (وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا) ، الآية، قال: (1) انظر تفسير (( الإسراف )) فيما سلف 7: 272، 579 /10، 579 / 10: 242. كانوا يعطون شيئًا سوى الزكاة، ثم تسارفوا، (1) فأنزل الله: (ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) . 14038- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا معتمر بن سليمان، عن عاصم الأحول، عن أبي العالية: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: كانوا يعطون يوم الحصاد شيئًا سوى الزكاة، ثم تبارَوْا فيه، أسرفوا، (2) فقال الله: (ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) . 14039- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا معتمر بن سليمان، عن عاصم الأحول، عن أبي العالية: (وآتوا حقه يوم حصاده) ، قال: كانوا يعطون يوم الحصاد شيئًا، ثم تسارفوا، فقال الله: (ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) . 14040- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: نزلت في ثابت بن قيس بن شماس، جَدَّ نخلا فقال: لا يأتين اليوم أحدٌ إلا أطعمته! فأطعم، حتى أمسى وليست له ثمرة، فقال الله: (ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) . 14041- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن بكر، عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: (ولا تسرفوا) ، يقول: لا تسرفوا فيما يؤتى يوم الحصاد، أم في كل شيء؟ قال: بلى! في كل شيء، ينهى عن السرف. (3) قال: ثم عاودته بعد حين، فقلت: ما قوله: (ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) ؟ قال: ينهى عن السرف في كل شيء. ثم تلا (لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا) ، [سورة الفرقان: 67] . 14042- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا يزيد بن هارون قال، أخبرنا (1) (( تسارفوا )) ، أي بالغوا في الإسراف وتباروا فيه، وهذا من اشتقاق اللغة الذي لا تكاد تجده في المعاجم، فقيده في مكانه. (2) في المطبوعة: (( وأسرفوا )) بواو العطف، وأثبت ما في المخطوطة، هو صواب جيد. (3) (( بلى )) انظر استعمال (( بلى )) في غير حجد سبقها، فيما سلف 10: 253، تعليق: 3، والمراجع هناك. سفيان بن حسين، عن أبي بشر قال: أطاف الناس بإياس بن معاوية بالكوفة، فسألوه: ما السَّرَف؟ فقال: ما دون أمرِ الله فهو سَرَف. (1) 14043- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (ولا تسرفوا) ، لا تعطوا أموالكم فتغدوا فقراء. * * * وقال آخرون: "الإسراف" الذي نهى الله عنه في هذا الموضع: منع الصدقة والحقّ الذي أمر الله ربَّ المال بإيتائه أهلَه بقوله: (وآتوا حقه يوم حصاده) . * ذكر من قال ذلك: 14044- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن بكر، عن ابن جريج قال، أخبرني أبو بكر بن عبد الله، عن عمرو بن سليم وغيره، عن سعيد بن المسيب في قوله: (ولا تسرفوا) ، قال: لا تمنعوا الصدقة فتعصوا. (2) 14045- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا محمد بن الزبرقان قال، حدثنا موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب: (ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) ، والسرف، أن لا يعطي في حق. (3) * * * (1) في المطبوعة: (( ما تجاوز أمر الله فهو سرف )) ، وهو مخالف لما في المخطوطة، وكان فيها: (( ما وزه أمر الله فهو سرف )) ، والهاء مشبوكة في الزاي، وفوق الكلمة حرف (ط) دلالة على الخطأ والشك. والذي روى عن إياس بن معاوية هذا اللفظ أنه قال: (( الإسراف ما قصر به عن حق الله )) (اللسان: سرف) ، فصح عندي أن (( ما وزه )) هي (( ما دون أمر الله )) ، ليطابق ما نقل عن إياس اللفظ الآخر. وإن كان أبو حيان في تفسيره 4: 238، قد كتب: (( كل ما جاوزت فيه أمر الله فهو سرف )) ، وكذلك القرطبي في تفسيره 7: 110. وروى هذا كما أثبته أو بمعناه، عن معاوية رضي الله عنه. (2) الأثر: 14044 - (( أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبي سبرة القرشي العامري )) القاضي الفقيه، وهو متروك، قال أحمد: (( كان يضع الحديث ويكذب )) . قال له ابن جريج: (( اكتب لي أحاديث من أحاديثك )) فكتب له. قال الواقدي: (( فرأيت ابن جريج قد أدخل منها في كتبه. وكان كثير الحديث، وليس بحجة )) . مترجم في التهذيب، وميزان الاعتدال 3: 348. و (( عمرو بن سليم بن خلدة الأنصاري الزرقي )) ، تابعي ثقة، كان قليل الحديث. مترجم في التهذيب. (3) الأثر: 14045 - (( موسى بن عبيدة بن نشيط الربذي )) ، ضعيف لا يكتب حديثه. مضى مرارًا كثيرة آخرها: 11134. وكان في الإسناد هنا: (( محمد بن عبيدة )) ، في المخطوطة والمطبوعة، وهو خطأ لا شك فيه، فإن الذي يروي عنه (( محمد بن الزبرقان )) ، ويروي هو عن (( محمد بن كعب القرظي )) ، وهو (( موسى بن عبيدة )) ، وهو الصواب المحض - وقد مر مرارًا كتابة الناسخ (( محمد )) مكان (( موسى )) في غير هذا من الأسماء. وقال آخرون: إنما خوطب بهذا السلطان. نُهِى أن يأخذ من ربّ المال فوق الذي ألزم الله ماله. * ذكر من قال ذلك. 14046- حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب، قال ابن زيد في قوله: (ولا تسرفوا) ، قال: قال للسلطان: "لا تسرفوا" ، لا تأخذوا بغير حق، فكانت هذه الآية بين السلطان وبين الناس= يعني قوله: (كلوا من ثمره إذا أثمر) ، الآية. * * * قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله تعالى ذكره نهى بقوله: (ولا تسرفوا) ، عن جميع معاني "الإسراف" ، ولم يخصص منها معنًى دون معنى. وإذ كان ذلك كذلك، وكان "الإسراف" في كلام العرب: الإخطاء بإصابة الحق في العطية، إما بتجاوز حدّه في الزيادة، وإما بتقصير عن حدّه الواجب (1) = كان معلومًا أن المفرِّق مالَه مباراةً، والباذلَهُ للناس حتى أجحفت به عطيته، مسرفٌ بتجاوزه حدَّ الله إلى ما [ليس له] . (2) وكذلك المقصِّر في بذله فيما ألزمه الله بذله فيه، وذلك كمنعه ما ألزمه إيتاءه منه أهلَ سُهْمَان الصدقة إذا وجبت فيه، أو منعه من ألزمه الله نفقته من أهله وعياله ما ألزمه منها. وكذلك السلطان في أخذه من رعيته ما لم يأذن الله بأخذه. كل هؤلاء فيما فعلوا من ذلك مسرفون، داخلون (1) انظر تفسير (( الإسراف )) فيما سلف 7: 272، 579 / 10: 242 (2) في المطبوعة: (( بتجاوزه حد الله إلى ما كيفته له )) ، ومثلها في المخطوطة، غير المنقوطة، ولا معنى لهما، فطرحت هذه العبارة، وكتبت ما بين القوسين ما يستقيم به الكلام بعض الاستقامة. في معنى مَنْ أتى ما نهى الله عنه من الإسراف بقوله: (ولا تسرفوا) ، في عطيتكم من أموالكم ما يجحف بكم= إذ كان ما قبله من الكلام أمرًا من الله بإيتاء الواجب فيه أهله يوم حصاده. فإنّ الآية قد كانت تنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب خاصّ من الأمور، والحكم بها على العامّ، بل عامّة آي القرآن كذلك. فكذلك قوله: (ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) . ومن الدليل على صحة ما قلنا من معنى "الإسراف" أنه على ما قلنا، قول الشاعر: (1) أَعْطَوا هُنَيْدَةَ يَحْدُوهَا ثَمَانِيَةٌ ... مَا فِي عَطَائِهِمُ مَنٌّ وَلا سَرَفُ (2) يعني بـ "السرف" : الخطأ في العطيّة. (3) (1) هو جرير. (2) مضى البيت الأول وتخريجه وشرحه فيما سلف 7: 579. (3) عند هذا الموضع، انتهى الجزء التاسع من مخطوطتنا، وفيها ما نصه: (( نجز الجزء التاسع بحمد الله وعونه، وحسن توفيقه ومنّة. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلّم تسليمًا. يتلوه في العاشر إن شاء الله: القول في تأويل قوله: "وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا" وكان الفراغ من كتابته في جمادى الأول سنة خمس عشرة وسبعمئة، أحسن الله تقضِّيها وخاتمتها في خير وعافية. والله المعين على تكملة جميع الكتاب إن شاء الله تعالى. غفر الله لمؤلفه، ولصاحبه، ولكاتبه، ولمن نظر فيه ودعا لهم بالمغفرة ورضا الله والجنة، ولجميع المسلمين. الحمد لله ربِّ العالمين )) ثم يتلوه في أول الجزء العاشر: (( بسم الله الرحمن الرحيم ربِّ يَسِّرْ )) القول في تأويل قوله: {وَمِنَ الأنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وأنشأ من الأنعام حمولة وفرشًا، مع ما أنشأ من الجنات المعروشات وغير المعروشات. * * * و "الحمولة" ، ما حمل عليه من الإبل وغيرها. و "الفرش" ، صغار الإبل التي لم تدرك أن يُحْمَل عليها. * * * واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك. فقال بعضهم: "الحمولة" ، ما حمل عليه من كبار الإبل ومسانّها= و "الفرش" ، صغارها التي لا يحمل عليها لصغرها. * ذكر من قال ذلك: 14047- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله في قوله: (حمولة وفرشًا) ، قال: "الحمولة" ، الكبار من الإبل= "وفرشًا" ، الصغار من الإبل. 14048-. . . . وقال، حدثنا أبي، عن أبي بكر الهذلي، عن عكرمة، عن ابن عباس: "الحمولة" ، هي الكبار، و "الفرش" ، الصغار من الإبل. 14049- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد قال: "الحمولة" ، ما حمل من الإبل، و "الفرش" ، ما لم يحمل. 14050- وبه عن إسرائيل، عن خصيف، عن مجاهد: "الحمولة" ، ما حمل من الإبل، و "الفرش" ، ما لم يحمل. 14051- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (وفرشًا) ، قال: صغار الإبل. 14052- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله في قوله: (حمولة وفرشًا) ، قال: "الحمولة" ، الكبار، و "الفرش" ، الصغار. 14053- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن ابن مسعود في قوله: (حمولة وفرشًا) ، "الحمولة" ، ما حمل من الإبل، و "الفرش" ، هنّ الصغار. 14054- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص عن عبد الله: أنه قال في هذه الآية: (حمولة وفرشًا) ، قال: "الحمولة" ، ما حمل عليه من الإبل، و "الفرش" ، الصغار = قال ابن المثنى، قال محمد، قال شعبة: إنما كان حدثني سفيان، عن أبي إسحاق. 14055- حدثنا ابن عبد الأعلى قال، حدثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه قال، قال الحسن: "الحمولة" ، من الإبل والبقر. * * * وقال بعضهم: "الحمولة" ، من الإبل، وما لم يكن من "الحمولة" ، فهو "الفرش" . 14056- حدثنا ابن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، عن الحسن: (حمولة وفرشًا) ، قال: "الحمولة" ، ما حمل عليه، و "الفرش" ، حواشيها، يعني صغارها. 14057- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (ومن الأنعام حمولة وفرشًا) ، فـ "الحمولة" ، ما حمل من الإبل، و "الفرش" ، صغار الإبل، الفصيل وما دون ذلك مما لا يحمل. * * * ويقال: "الحمولة" ، من البقر والإبل = و "الفرش" ، الغنم. * * * وقال آخرون: "الحمولة" ، ما حمل عليه من الإبل والخيل والبغال وغير ذلك، و "الفرش" ، الغنم. * ذكر من قال ذلك: 14058- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (ومن الأنعام حمولة وفرشًا) ، فأما "الحمولة" ، فالإبل والخيل والبغال والحمير، وكل شيء يحمل عليه، وأما "الفرش" ، فالغنم. 14059- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبيد الله، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس: "الحمولة" ، من الإبل والبقر= و "فرشًا" . المعز والضأن. 14060- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (ومن الأنعام حمولة وفرشًا) ، قال: أما "الحمولة" ، فالإبل والبقر. قال: وأما "الفرش" ، فالغنم. 14061- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، كان غير الحسن يقول: "الحمولة" ، الإبل والبقر، و "الفرش" ، الغنم. 14062- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام الحلقة (645) صــ 181 إلى صــ 190 حدثنا أسباط، عن السدي: (ومن الأنعام حمولة وفرشًا) ، أما "الحمولة" ، فالإبل. وأما "الفرش" ، فالفُصْلان والعَجَاجيل والغنم. (1) وما حمل عليه فهو "حمولة" . 14063- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (حمولة وفرشًا) ، "الحمولة" ، الإبل، و "الفرش" ، الغنم. 14064- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن أبي بكر الهذلي، عن الحسن: (وفرشًا) ، قال: "الفرش" ، الغنم. 14065- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (حمولة وفرشًا) قال: "الحمولة" ، ما تركبون، و "الفرش" ، ما تأكلون وتحلبون، شاة لا تحمل، تأكلون لحمها، وتتخذون من أصوافها لحافًا وفرشًا. * * * قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن "الحمولة" ، هي ما حمل من الأنعام، لأن ذلك من صفتها إذا حملت، لا أنه اسم لها، كالإبل والخيل والبغال، فإذا كانت إنما سميت "حمولة" لأنها تحمل، فالواجب أن يكون كل ما حَمَل على ظهره من الأنعام فحمولة. وهي جمع لا واحد لها من لفظها، كالرَّكوبة، و "الجزورة" . وكذلك "الفرش" ، إنما هو صفة لما لطف فقرب من الأرض جسمه، ويقال له: "الفرش" . وأحسبها سميت بذلك تمثيلا لها في استواء أسنانها ولطفها بالفَرْش من الأرض، وهي الأرض المستوية التي يتوطَّؤُها الناس. فأما "الحمولة" ، بضم "الحاء" ، فإنها الأحمال، وهي "الحمول" أيضًا بضم الحاء. * * * (1) (( العجاجيل )) جمع (( عجول )) (بكسر العين، وتشديد الجيم وفتحها، وسكون الواو) وهو (( العجل )) ولد البقر. القول في تأويل قوله: {كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (142) } قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: كلوا مما رزقكم الله، أيها المؤمنون، فأحلّ لكم ثمرات حروثكم وغروسكم، ولحوم أنعامكم، إذ حرّم بعض ذلك على أنفسهم المشركون بالله، فجعلوا لله ما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبًا وللشيطان مثله، فقالوا: "هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا" = (ولا تتبعوا خطوات الشيطان) ، كما اتبعها باحرُو البحيرة، ومسيِّبو السوائب، فتحرموا على أنفسكم من طيب رزق الله الذي رزقكم ما حرموه، فتطيعوا بذلك الشيطان، وتعصوا به الرحمن، كما:- 14066- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (ولا تتبعوا خطوات الشيطان) ، لا تتبعوا طاعته، هي ذنوب لكم، وهي طاعة للخبيث. * * * = إن الشيطان لكم عدو يبغي هلاككم وصدكم عن سبيل ربكم= (مبين) ، قد أبان لكم عدواته، (1) بمناصبته أباكم بالعداوة، حتى أخرجه من الجنة بكيده، وخدَعه حسدًا منه له، (2) وبغيًا عليه. (3) * * * (1) في المطبوعة والمخطوطة: (( أبان لكم عدوانه )) ، وصوابها ما أثبت. (2) في المطبوعة: (( وحسدًا منه )) بالواو، والصواب ما في المخطوطة. (3) انظر تفسير (( خطوات الشيطان )) فيما سلف 2: 300 - 302 / 4: 258. القول في تأويل قوله: {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (143) } قال أبو جعفر: وهذا تقريعٌ من الله جل ثناؤه العادلين به الأوثان من عبدة الأصنام، الذين بحروا البحائر، وسيَّبوا السوائب، ووصلوا الوصائل= وتعليم منه نبيَّه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به، الحجةَ عليهم في تحريمهم ما حرموا من ذلك. فقال للمؤمنين به وبرسوله: وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات، ومن الأنعام أنشأ حمولة وفرشًا. ثم بين جل ثناؤه "الحمولة" و "الفرش" ، فقال: (ثمانية أزواج) . * * * وإنما نصب "الثمانية" ، لأنها ترجمة عن "الحمولة" و "الفرش" ، وبدل منها. كأن معنى الكلام: ومن الأنعام أنشأ ثمانية أزواج= فلما قدّم قبل "الثمانية" "الحمولة" و "الفرش" بيّن ذلك بعد فقال: (ثمانية أزواج) ، على ذلك المعنى. * * * (من الضأن اثنين ومن المعز اثنين) ، فذلك أربعة، لأن كل واحد من الأنثيين من الضأن زوج، فالأنثى منه زوج الذكر، والذكر منه زوج الأنثى، وكذلك ذلك من المعز ومن سائر الحيوان. فلذلك قال جل ثناؤه: (ثمانية أزواج) ، كما قال: (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ) ، [سورة الذاريات: 49] ، لأن الذَّكر زوج الأنثى، والأنثى زوج الذكر، فهما وإن كانا اثنين فيهما زوجان، كما قال جل ثناؤه: (وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا) ، [سورة الأعراف: 189] ، وكما قال: (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ) ، [سورة الأحزاب: 37] ، وكما:- 14067- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو معاوية، عن جويبر، عن الضحاك: (من الضان اثنين) ، ذكر وأنثى، (ومن البقر اثنين) ، ذكر وأنثى= (ومن الإبل اثنين) ، ذكر وأنثى. * * * ويقال للاثنين: "هما زوج" ، (1) كما قال لبيد: مِنْ كُلِّ مَحْفُوفٍ يُظِلُّ عِصِيَّهُ ... زَوْجٌ عَلَيْهِ كِلَّةٌ وَقِرَامُهَا (2) * * * ثم قال لهم: كلوا مما رزقكم الله من هذه الثمار واللحوم، واركبوا هذه الحمولة، أيها المؤمنون، فلا تتبعوا خطوات الشيطان في تحريم ما حرم هؤلاء الجهلة بغير أمري إياهم بذلك. = قل، يا محمد، لهؤلاء الذين حرّموا ما حرموا من الحرث والأنعام اتباعًا للشيطان، من عبدة الأوثان والأصنام الذين زعموا أن الله حرم عليهم ما هم محرمون من ذلك=: آلذكرين حرم ربكم، أيها الكذبة على الله، من الضأن والمعز؟ فإنهم إن ادعوا ذلك وأقرّوا به، كذبوا أنفسهم وأبانوا جهلهم. لأنهم إذا قالوا: "يحرم الذكرين من ذلك" ، أوجبوا تحريم كل ذكرين من ولد الضأن والمعز، وهم يستمتعون بلحوم الذكران منها وظهورها. وفي ذلك فساد دعواهم وتكذيب قولهم = (أم الأنثيين) ، فإنهم إن قالوا: "حرم ربنا الأنثيين" ، أوجبوا تحريم لحوم كل أنثى من ولد الضأن والمعز على أنفسهم وظهورها. وفي ذلك أيضًا تكذيب لهم، ودحض دعواهم أنّ ربهم حرم ذلك عليهم، إذ كانوا يستمتعون بلحوم بعض ذلك وظهوره = (أم ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين) ، يقول: أم حرم ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين، يعني أرحام أنثى الضأن وأنثى المعز، (1) انظر تفسير (( الزوج )) فيما سلف 1: 514 / 2: 446 / 7: 515 / 12: 150. (2) من قصيدته العجيبة المعلقة، وهذا البي في أوائل الشعر، يصف هوادج ظعن الحي. و (( المحفوف )) ، يعني الهودج، حف بالثياب والأنماط. و (( العصى )) ، خشب الهودج، تظلله وتستره الثياب والأنماط. و (( الكلة )) الستر الرقيق. و (( الرقام )) ستر فيه رقم ونقوش وتماثيل. فلذلك قال: "أرحام الأنثيين" ، وفي ذلك أيضًا لو أقرُّوا به فقالوا: "حرم علينا ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين" ، بُطولُ قولهم وبيان كذبهم، لأنهم كانوا يقرّون بإقرارهم بذلك أنّ الله حرّم عليهم ذكور الضأن والمعز وإناثها، أن يأكلوا لحومها أو يركبوا ظهورها، وقد كانوا يستمتعون ببعض ذكورها وإناثها. * * * و "ما" التي في قوله: (أم ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين) ، نصب عطفًا بها على "الأنثيين" . (1) * * * = (نبئوني بعلم) ، يقول: قل لهم: خبروني بعلم ذلك على صحته: أيَّ ذلك حرم ربكم عليكم، وكيف حرم؟ (2) = (إن كنتم صادقين) ، فيما تنحلونه ربكم من دعواكم، وتضيفونه إليه من تحريمكم. * * * وإنما هذا إعلامٌ من الله جل ثناؤه نبيَّه أنّ كل ما قاله هؤلاء المشركون في ذلك وأضافوه إلى الله، فهو كذب على الله، وأنه لم يحرم شيئًا من ذلك، وأنهم إنما اتّبعوا في ذلك خطوات الشيطان، وخالفوا أمره. * * * وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 14068- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين) الآية، إن كل هذا لم أحرم منه قليلا ولا كثيرًا، ذكرًا ولا أنثى. 14069- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (من الضأن اثنين ومن المعز اثنين) ، قال: سلهم: (آلذكرين (1) انظر معاني القرآن للفراء 1: 360. (2) انظر تفسير (( النبأ )) ، فيما سلف من فهارس اللغة (نبأ) . حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين) ، أي: لم أحرم من هذا شيئًا = (بعلم إن كنتم صادقين) ، فذكر من الإبل والبقر نحو ذلك. 14070- حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (ثمانية أزواج) ، في شأن ما نهى الله عنه من البحيرة. 14071- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله: (ثمانية أزواج) ، قال: هذا في شأن ما نهى الله عنه من البحائر والسُّيَّب = قال ابن جريج يقول: من أين حرمت هذا؟ من قبل الذكرين أم من قبل الأنثيين، أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين؟ وإنها لا تشتمل إلا على ذكر أو أنثى، فمن أين جاء التحريم؟ فأجابوا هم: وجدنا آباءنا كذلك يفعلون. 14072- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين، ومن البقر اثنين ومن الإبل اثنين، يقول: أنزلت لكم ثمانية أزواج من هذا الذي عددت، ذكر وأنثى، فالذكرين حرمت عليكم أم الأنثيين، أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين؟ يقول: أي: ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين، ما تشتمل إلا على ذكر أو أنثى، فما حرمت عليكم ذكرًا ولا أنثى من الثمانية. إنما ذكر هذا من أجل ما حرَّموا من الأنعام. 14073- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن: (أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين) ، قال: ما حملت الرَّحم. 14074- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (قل آلذكرين حرم أم الأنثيين) ، قال: هذا لقولهم: (ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا) . قال: وقال ابن زيد في قوله: (ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين) ، قال: "الأنعام" ، هي الإبل والبقر والضأن والمعز، هذه "الأنعام" التي قال الله: "ثمانية أزواج" . قال: وقال في قوله: (هذه أنعام وحرث حجر) ، نحتجرها على من نريد، وعمن نريد. وقوله: (وأنعام حرمت ظهورها) ، قال: لا يركبها أحد= (وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها) ، فقال: (آلذكرين حرم أم الأنثيين) ، أيّ هذين حرم على هؤلاء؟ أي: أن تكون لهؤلاء حِلا وعلى هؤلاء حرامًا. 14075- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين قل آلذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين) ، يعني: هل تشتمل الرحم إلا على ذكر أو أنثى؟ فهل يحرمون بعضًا ويحلون بعضًا؟ . 14076- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين) ، فهذه أربعة أزواج= (ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين قل آلذكرين حرم أم الأنثيين) ، يقول: لم أحرم شيئًا من ذلك = (نبئوني بعلم إن كنتم صادقين) ، يقول: كله حلال. * * * و "الضأن" جمع لا واحد له من لفظه، وقد يجمع "الضأن" ، "الضَّئين والضِّئين" ، مثل "الشَّعير" و "الشِّعير" ، كما يجمع "العبد" على "عَبيد، وعِبيد" . (1) وأما الواحد من ذكوره فـ "ضائن" ، والأنثى "ضائنة" ، وجمع "الضائنة" "ضوائن" . (1) كل ذلك بفتح الضاد، والشين، والعين = ثم بكسر الضاد، والشين، والعين. وقد نصوا على ذلك في (( الضئين )) و (( الشعير )) ، ولم أوفق إلى العثور على ذلك في (( العبيد )) ، وهو موجود إن شاء الله فيما أذكر. وقالوا: إن كسر (( الضاد )) لغة تميمية. وكذلك "المعز" ، جمع على غير واحد، وكذلك "المعزى" ، وأما "الماعز" ، فجمعه "مواعز" . * * * القول في تأويل قوله: {وَمِنَ الإبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144) } قال أبو جعفر: وتأويل قوله: (ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين قل آلذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين) ، نحو تأويل قوله: (من الضأن اثنين ومن المعز اثنين) ، وهذه أربعة أزواج، على نحو ما بيّنا من الأزواج الأربعة قبلُ من الضأن والمعز، فذلك ثمانية أزواج، كما وصف جل ثناؤه. * * * وأما قوله: (أم كنتم شهداء إذ وصّاكم الله بهذا فمن أظلم ممن افترى على الله كذبًا ليضل الناس بغير علم) ، فإنه أمرٌ من الله جل ثناؤه نبيَّه صلى الله عليه وسلم أن يقول لهؤلاء الجهلة من المشركين الذين قص قصصهم في هذه الآيات التي مضَت. يقول له عز ذكره: قل لهم، يا محمد، أيَّ هذه سألتكم عن تحريمه حرم ربكم عليكم من هذه الأزواج الثمانية؟ فإن أجابوك عن شيء مما سألتهم عنه من ذلك، فقل لهم: أخبرًا قلتم: "إن الله حرم هذا عليكم" ، أخبركم به رسول عن ربكم، أم شهدتم ربكم فرأيتموه فوصَّاكم بهذا الذي تقولون وتزوّرون على الله؟ (1) فإن هذا الذي تقولون من إخباركم عن الله أنه حرام بما تزعمون على ما تزعمون، (1) في المطبوعة: (( وتردون على الله )) ، وفي المخطوطة: (( وتررون )) ، وصواب قراءتها ما أثبت. لا يعلم إلا بوحي من عنده مع رسول يرسله إلى خلقه، أو بسماع منه، فبأي هذين الوجهين علمتم أنّ الله حرم ذلك كذلك، برسول أرسله إليكم، فأنبئوني بعلم إن كنتم صادقين؟ أم شهدتم ربكم فأوصَاكم بذلك، وقال لكم: "حرمت ذلك عليكم" ، فسمعتم تحريمه منه، وعهدَه إليكم بذلك؟ (1) فإنه لم يكن واحدٌ من هذين الأمرين. يقول جل ثناؤه: (فمن أظلم ممن افترى على الله كذبًا) ، يقول: فمن أشد ظلمًا لنفسه، وأبعد عن الحق ممن تخرَّص على الله قيلَ الكذب، وأضاف إليه تحريم ما لم يحرّم، وتحليل ما لم يحلل (2) = (ليضل الناس بغير علم) ، يقول: ليصدّهم عن سبيله (3) = (إن الله لا يهدي القوم الظالمين) ، يقول: لا يوفّق الله للرشد من افترى على الله وقال عليه الزُّور والكذب، وأضاف إليه تحريم ما لم يحرّم، كفرًا بالله، وجحودًا لنبوة نبيِّه محمد صلى الله عليه وسلم، (4) كالذي:- 14077- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (أم كنتم شهداء إذ وصاكم الله بهذا) ، الذي تقولون. 14078- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: كانوا يقولون = يعني الذين كانوا يتّخذون البحائر والسوائب =: إن الله أمر بهذا. فقال الله: (فمن أظلم ممن افترى على الله كذبًا ليضل الناس بغير علم) . * * * (1) انظر تفسير (( شهداء )) فيما سلف من فهارس اللغة (شهد) = وتفسير (( وصى )) فيما سلف 9: 295، تعليق: 2، والمراجع هناك. (2) انظر تفسير (( الافتراء )) فيما سلف ص: 153، تعليق: 5، والمراجع هناك. (3) انظر تفسير (( الضلال )) فيما سلف من فهارس اللغة (ضلل) . (4) انظر تفسير (( الهدى )) فيما سلف من فهارس اللغة (هدى) . = وتفسير (( الظلم )) فيما سلف منها (ظلم) . القول في تأويل قوله: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، لهؤلاء الذين جعلوا لله ممّا ذَرأ من الحرث والأنعام نصيبًا، ولشركائهم من الآلهة والأنداد مثله = والقائلين هذه أنعام وحرث حجرٌ لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم= والمحرّمين من أنعام أُخَر ظهورَها= والتاركين ذكر اسم الله على أُخَر منها= والمحرِّمين بعض ما في بطون بعض أنعامهم على إناثهم وأزواجهم، ومحلِّيه لذكورهم، المحرّمين ما رزقهم الله افتراءً على الله، وإضافةً منهم ما يحرمون من ذلك إلى أنَّ الله هو الذي حرّمه عليهم=: أجاءكم من الله رسولٌ بتحريمه ذلك عليكم، فأنبئونا به، أم وصَّاكم الله بتحريمه مشاهدةً منكم له، فسمعتم منه تحريمه ذلك عليكم فحرمتموه؟ فإنكم كذبة إن ادعيتم ذلك، ولا يمكنكم دعواه، لأنكم إذا ادّعيتموه علم الناس كذبكم= فإني لا أجد فيما أوحي إليّ من كتابه وآي تنزيله، (1) شيئًا محرَّمًا على آكل يأكله مما تذكرون أنه حرمه من هذه الأنعام التي تصفون تحريمَ ما حَرّم عليكم منها بزعمكم (2) = "إلا أن يكون ميتة" ، قد ماتت بغير تذكية = "أو دمًا مسفوحًا" ، وهو المُنْصَبّ = أو إلا أن يكون لحم خنزير = (فإنه رجس أو فسقًا) ، يقول: أو إلا أن يكون فسقًا، يعني بذلك: أو إلا أن يكون مذبوحًا ذبحه ذابحٌ من المشركين من عبدة الأوثان لصنمه وآلهته، فذكر (1) انظر تفسير (( الوحي) فيما سلف من فهارس اللغة (وحي) . (2) انظر تفسير (( طعم )) فيما سلف 5: 342 / 10: 576. https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام الحلقة (646) صــ 191 إلى صــ 200 عليه اسم وثنه، فإن ذلك الذبح فسقٌ نهى الله عنه وحرّمه، ونهى من آمن به عن أكل ما ذبح كذلك، لأنه ميتة. * * * وهذا إعلام من الله جل ثناؤه للمشركين الذين جادلوا نبيَّ الله وأصحابه في تحريم الميتة بما جادَلوهم به، أن الذي جادلوهم فيه من ذلك هو الحرام الذي حرّمه الله، وأن الذي زعموا أنّ الله حرمه حلالٌ قد أحلَّه الله، وأنهم كذبة في إضافتهم تحريمه إلى الله. * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 14079- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه في قوله: (قل لا أجد فيما أوحي إليَّ محرمًا) قال: كان أهل الجاهلية يحرِّمون أشياء ويحلِّون أشياء، فقال: قل لا أجد مما كنتم تحرمون وتستحلُّون إلا هذا: (إلا أن يكون ميتة أو دمًا مسفوحًا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقًا أهل لغير الله به) . 14080- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه في قوله: (قل لا أجد فيما أوحي إليّ محرَّمًا) الآية، قال: كان أهل الجاهلية يستحلّون أشياء ويحرّمون أشياء، فقال الله لنبيه: قل لا أجد فيما أوحي إليّ محرمًا مما كنتم تستحلون إلا هذا = وكانت أشياء يحرِّمونها، فهي حرام الآن. 14081- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن ابن طاوس، عن أبيه: (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرمًا على طاعم يطعمه) ، قال: ما يؤكل. قلت: في الجاهلية؟ قال: نعم! وكذلك كان يقول: (إلا أن يكون ميتةً أو دمًا مسفوحًا) = قال ابن جريج: وأخبرني إبراهيم بن أبي بكر، عن مجاهد: (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرمًا) ، قال: مما كان في الجاهلية يأكلون، لا أجد محرمًا من ذلك على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتةً أو دمًا مسفوحًا. * * * وأما قوله: (أو دمًا مسفوحًا) ، فإن معناه: أو دمًا مُسَالا مُهَرَاقًا. يقال منه: "سفحت دمه" ، إذا أرقته، أسفحه سَفْحًا، فهو دم مسفوح "، كما قال طرفة بن العبد:" إِنِّي وَجدِّكَ مَا هَجَوْتُكَ وَالْ ... أَنْصَابِ يَسْفَحُ فَوْقَهُنَّ دَمُ (1) وكما قال عَبِيد بن الأبرص: إذَا مَا عَادَهُ مِنْهَا نِسَاءٌ ... سَفَحْنَ الدَّمْعَ مِنْ بَعْدِ الرَّنِينِ (2) (1) ديوان الستة الجاهليين: 347، من ثلاثة أبيات يعتذر بها إلى عمرو بن هند، حين بلغه أنه هجاه، فتوعده، يقول بعده: وَلَقَدْ هَمَمْتُ بِذَاكَ، إِذْ حُبِسَتْ ... وَأُمِرَّ دُونَ عَبِيدةَ الوَذَمُ أَخْشَى عِقَابَكَ إِنْ قَدَرْتَ، وَلَمْ ... أَغْدِرْ فَيُؤْثَرَ بَيْنَنَا الكلِمُ (2) ديوانه: 45، وكان في المطبوعة والمخطوطة: (( منا نساء )) ، وهو خطأ لا شك فيه، صوابه ما في الديوان، وهو من قصيدته التي لام فيها امرأته لما أعرضت عنه لما كبر وشاب، ومطت له حاجبيها استهزاء به، فذكرها به، فذكرها بما كان من ماضيه في اللهو والصبا والحرب، فكان مما ذكرها به من ذلك شأنه في الحرب، فقال: وَأَسْمَرَ قد نَصَبْتُ لِذي سَناءِ ... يَرَى مِنّي مُخَالَطَةَ اليَقِينِ يُحَاوِلُ أَنْ يَقُومَ، وقَدْ مَضَتْهُ ... مغابنةٌ بِذِي خُرْصٍ قَتِينِ إذَا مَا عَادَهُ مِنْهَا نِسَاءٌ ... سَفَحْنَ الدَّمْعَ من بعد الرَّنِينِ (( أسمر )) يعني رمحًا، طعن به فارسًا ذا سناء وشرف، فخالطه به مخالطة اليقين. فلما طعنه حاول أن يقوم، وقد (( مضته )) ، أي: نفذت فيه طعنة (( مغابنة )) ، تخيط لحمه وتغبنه كما يغبن الثوب، برمح (( ذي خرص )) أي سنان، (( قتين )) ، أي: محدد الرأس. فإذا عاده النساء من هذه الطعنة، صحن صياح الحزن، وذلك هو (( الرنين )) ، من هول ما رأين من أثر الطعنة، ثم سفحن الدمع لما يئسن ومن شفائه. يعني: صببن، وأسلنَ الدمع. * * * وفي اشتراطه جل ثناؤه في الدم عند إعلامه عبادَه تحريمه إياه، المسفوحَ منه دون غيره، الدليلُ الواضح أنَّ ما لم يكن منه مسفوحًا، فحلال غير نجس. (1) وذلك كالذي:- 14082- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن عيينة، عن عمرو، عن عكرمة: (أو دما مسفوحًا) ، قال: لولا هذه الآية لتتبَّع المسلمون من العروق ما تتبعتِ اليهود. 14083- حدثنا الحسن بن يحيى قالأخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة بنحوه = إلا أنه قال: لا تَّبَع المسلمون. 14084- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، بنحوه. 14085- حدثنا أبو كريب قال، أخبرنا وكيع، عن عمران بن حدير، عن أبي مجلز، في القِدْر يعلوها الحمرة من الدم. قال: إنما حرم الله الدمَ المسفوحَ. 14086- حدثنا المثنى قال، حدثنا الحجاج بن المنهال قال، حدثنا حماد، عن عمران بن حدير، عن أبي مجلز قال: سألته عن الدم وما يتلطَّخ بالمذْبح من الرأس، وعن القدر يرى فيها الحُمرة؟ قال: إنما نهى الله عن الدم المسفوح. 14087- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (أو دمًا مسفوحًا) ، قال: حُرِّم الدم ما كان مسفوحًا; وأما لحم خالطه دم، فلا بأس به. (1) السياق: (( وفي اشتراطه ... المسفوح منه ... الدليل الواضح )) . 14088- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (قل لا أجد فيما أوحي إليّ محرمًا على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتةً أو دمًا مسفوحًا) ، يعني: مُهَراقًا. 14089- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، أخبرني ابن دينار، عن عكرمة: (أو دمًا مسفوحًا) ، قال: لولا هذه الآية لتتبع المسلمون عروق اللحم كما تتبعها اليهود. 14090- حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج بن المنهال قال، حدثنا حماد، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد، عن عائشة: أنها كانت لا ترى بلحوم السباع بأسًا، والحمرةِ والدم يكونان على القدر بأسًا، وقرأت هذه الآية: (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرمًا على طاعم يطعمه) ... الآية. (1) 14091- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن يحيى بن سعيد، قال حدثني القاسم بن محمد، عن عائشة قالت، وذكرت هذه الآية: (أو دمًا مسفوحًا) ، قلت: وإن البرمة ليرى في مائها [من] الصفرة. (2) * * * وقد بينا معنى "الرجس" ، فيما مضى من كتابنا هذا، وأنه النجس والنتن، وما يُعْصى الله به، بشواهده، فأغنى عن إعادته في هذا الموضع. (3) (1) الأثر: 14090 - قال ابن كثير في تفسيره 3: 415، وذكر هذا الأثر، (( صحيح غريب )) . (2) الأثر: 14091 - هذا أثر مبتور لا شك في ذلك، يبينه الذي قبله، فهو إسناد آخر له. وكان في المطبوعة: (( ليرى في مائها الصفرة )) ، حذف (( ما )) التي قبل (( في مائها )) ، وهي ثابتة في المخطوطة، وزدت ما بين القوسين، لتستقيم العبارة. ولم أجد الخبر في مكان آخر بلفظه هذا. (3) انظر تفسير (( الرجس )) فيما سلف 10: 564، 565 / 12: 110 - 112. وكذلك القول في معنى "الفسق" = وفي قوله: (أهل لغير الله به) ، قد مضى ذلك كله بشواهده الكافية من وفِّق لفهمه، عن تكراره وإعادته. (1) * * * قال أبو جعفر: واختلفت القرأة في قراءة قوله: (إلا أنْ يكون ميتة) . فقرأ ذلك بعض قرأة أهل المدينة والكوفة والبصرة: (إِلا أَنْ يَكُونَ) ، بالياء (مَيْتَةً) مخففة الياء منصوبة، = على أن في "يكون" مجهولا و "الميتة" فعل له، (2) فنصبت على أنها فعل "يكون" ، وذكروا "يكون" ، لتذكير المضمر في "يكون" . * * * وقرأ ذلك بعض قرأة أهل مكة والكوفة: "إلا أَنْ تَكُونَ" ، بالتاء "مَيْتَةً" ، بتخفيف الياء من "الميتة" ونصبها = وكأن معنى نصبهم "الميتة" معنى الأولين، وأنثوا "تكون" لتأنيث الميتة، كما يقال: "إنها قائمة جَارِيتُك" ، و "إنه قائم جاريتك" ، فيذكر المجهول مرة ويؤنث أخرى، لتأنيث الاسم الذي بعده. * * * وقرأ ذلك بعض المدنيين: "إلا أَنْ تَكُونَ مَيِّتَةٌ" ، بالتاء في "تكون" ، وتشديد الياء من "ميتة" ورفعها= فجعل "الميتة" اسم "تكون" ، وأنث "تكون" لتأنيث "الميتة" ، وجعل "تكون" مكتفية بالاسم دون الفعل، لأن قوله: "إلا أن تكون ميتة" استثناء، والعرب تكتفي في الاستثناء بالأسماء عن الأفعال، فيقولون: "قام الناس إلا أن يكون أخاك" ، و "إلا أن يكون أخوك" ، فلا تأتي لـ "يكون" ، بفعل، وتجعلها مستغنية بالاسم، كما يقال: "قام القوم إلا أخاك" (1) انظر تفسير (( الفسق )) فيما سلف ص: 76، تعليق: 2، والمراجع هناك. = وتفسير (( أهل لغير الله به )) فيما سلف 3: 319 - 321 / 9: 493. (2) (( الفعل )) هنا، خبر المبتدأ، وهو اصطلاح قديم كما ترى، وتفسيره أن خبر المبتدأ كأنه فعل له. تقول: (( محمد قائم )) ، تفسيره أن محمدا فعل القيام، وهو اصطلاح كوفي. و "إلا أخوك" ، (1) فلا يفتقد الاسم الذي بعد حرف الاستثناء فعلا. (2) * * * قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندي: (إِلا أَنْ يَكُونَ) بـ "الياء" (مَيْتَةً) ، بتخفيف الياء ونصب "الميتة" ، لأن الذي في "يكون" من المكنى من ذكر المذكر (3) = وإنما هو: قل لا أجد فيما أوحي إليّ محرمًا على طاعم يطعمه إلا أن يكون ذلك ميتةً أو دمًا مسفوحًا. * * * فأما قراءة "ميتة" بالرفع، فإنه، وإن كان في العربية غير خطأ، فإنه في القراءة في هذا الموضع غيرُ صواب. لأن الله يقول: (أو دمًا مسفوحًا) ، فلا خلاف بين الجميع في قراءة "الدم" بالنصب، وكذلك هو في مصاحف المسلمين، وهو عطف على "الميتة" . فإذ كان ذلك كذلك، فمعلوم أن "الميتة" لو كانت مرفوعة، لكان "الدم" ، وقوله "أو فسقًا" ، مرفوعين، ولكنها منصوبة، فيعطف بهما عليها بالنصب. * * * (1) انظر معاني القرآن 1: 360 - 363، وقد استوفى هذا الباب هناك. (2) في المطبوعة والمخطوطة: (( فلا يعتد الاسم الذي بعد حرف الاستثناء نفلا )) و (( نفلا )) في المخطوطة غير منقوطة، وهذه عبارة لا معنى لها، صوابها إن شاء الله ما أثبت. (( افتقد الشيء )) تطلبه وقوله: (( فعلا )) هو (( خبر المبتدأ )) ، كما فسرته في التعليق السالف صلى الله عليه وسلم: 195، تعليق 2، واستظهرت صواب قراءتها كذلك من كلام الفراء إذ يقول في معاني القرآن 1: 361: (( ومن رفع (الميتة) جعل (يكون) فعلا لها، اكتفى بيكون بلا فعل. وكذلك (يكون) في كل الاستثناء لا تحتاج إلى فعل ... )) فقوله: (( لا تحتاج إلى فعل )) ، هو معنى ما أثبته (( لا يفتقد الاسم الذي بعد حرف الاستثناء فعلا )) . (3) انظر تفسير (( الميتة )) فيما سلف، وتخفيف يائها وتشديدها فيما سلف 3: 318، 319 / 6: 310 / 9: 492. القول في تأويل قوله: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145) } قال أبو جعفر: وقد ذكرنا اختلاف أهل التأويل في تأويل قوله: (فمن اضطر غير باغ ولا عاد) ، والصواب من القول فيه عندنا فيما مضى من كتابنا هذا، في "سورة" البقرة بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع (1) = وأن معناه: فمن اضطر إلى أكلِ ما حرَّم الله من أكل الميتة والدم المسفوح أو لحم الخنزير، أو ما أهل لغير الله به، غير باغ في أكله إيّاه تلذذًا، لا لضرورة حالة من الجوع، ولا عادٍ في أكله بتجاوزه ما حدَّه الله وأباحه له من أكله، وذلك أن يأكل منه ما يدفع عنه الخوف على نفسه بترك أكله من الهلاك، لم يتجاوز ذلك إلى أكثر منه، فلا حرج عليه في أكله ما أكل من ذلك = (فإنّ الله غفور) ، فيما فعل من ذلك، فساتر عليه بتركه عقوبته عليه، ولو شاء عاقبه عليه = (رحيم) ، بإباحته إياه أكل ذلك عند حاجته إليه، ولو شاء حرَّمه عليه ومنعه منه. * * * (1) انظر تفسير ذلك فيما سلف 3: 321 - 327، وتفسير ألفاظ الآية فيما سلف من فهارس اللغة. القول في تأويل قوله: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وحرّمنا على اليهود (1) = "كل ذي ظفر" ، وهو من البهائم والطير ما لم يكن مشقُوق الأصابع، كالإبل والنَّعام والإوز والبط. * * * وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 14092- حدثني المثنى، وعلي بن داود قالا حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر) ، وهو البعير والنعامة. 14093- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر) ، قال: البعير والنعامة ونحو ذلك من الدوابّ. 4094- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن شريك، عن عطاء، عن سعيد: (وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر) ، قال: هو الذي ليس بمنفرج الأصابع. 14095- حدثني علي بن الحسين الأزدي قال، حدثنا يحيى بن يمان، عن شريك، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير في قوله: (وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر) ، قال: كل شيء متفرق الأصابع، ومنه الديك. (2) (1) انظر تفسير (( هاد )) فيما سلف 10: 476، تعليق: 1 والمراجع هناك. (2) قوله: (( كل شيء متفرق الأصابع، ومنه الديك )) ، هكذا هو في المخطوطة، والذي تبادر إلى ذهن من نشر التفسير قبل، أن صوابه (( غير متفرق الأصابع )) ، ليطابق ما قبله وما بعده. ولكني وجدت ابن كثير في تفسيره 3: 417، يقول: (( وفي رواية عنه: (( كل متفرق الأصابع، ومنه الديك )) ، فلذلك رجحت صواب ما في المخطوطة والمطبوعة. 14096- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: (كل ذي ظفر) ، النعامة والبعير. 14097- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، مثله. 14098- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر) ، فكان يقال: البعير والنعامة وأشباهه من الطير والحيتان. 14098- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور قال، حدثنا معمر، عن قتادة: (كل ذي ظفر) ، قال: الإبل والنعام، ظفر يد البعير ورجله، والنعام أيضًا كذلك، وحرم عليهم أيضًا من الطير البط وشبهه، وكل شيء ليس بمشقوق الأصابع. 14099- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "أما كل ذي ظفر" ، فالإبل والنعام. 14100- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا شيخ، عن مجاهد في قوله: (وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر) ، قال: النعامة والبعير، شقًّا شقًّا، قال قلت: "ما شقًّا شقًّا" ؟ قال: كل ما لم تفرج قوائمه لم يأكله اليهود، البعيرُ والنعامة. والدجاج والعصافير تأكلها اليهود، لأنها قد فُرِجت. 14101- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: (كل ذي ظفر) ، قال: النعامة والبعير، شقًّا شقًّا. قلت للقاسم بن أبي بزة وحدثنيه: ما "شقًّا شقًّا" ؟ قال: كل شيء لم يفرج من قوائم البهائم. قال: وما انفرج أكلته اليهود. قال: انفرجت قوائم الدجاج والعصافير، فيهود تأكلها. قال: ولم تنفرج قائمة البعير، خفّه، ولا خف النعامة، ولا قائمة الوَزِّينة، (1) فلا تأكل اليهود الإبل ولا النعام ولا الوزِّين، ولا كل شيء لم تنفرج قائمته، وكذلك لا تأكل حمار وحش. * * * وكان ابن زيد يقول في ذلك بما:- 14102- حدثني به يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر) ، الإبل قطْ. (2) * * * قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بالصواب، القول الذي ذكرنا عن ابن عباس ومن قال بمثل مقالته؛ لأن الله جل ثناؤه أخبر أنه حرم على اليهود كل ذي ظفر، فغير جائز إخراج شيء من عموم هذا الخبر إلا ما أجمع أهل العلم أنه خارج منه. وإذا كان ذلك كذلك، وكان النعام وكل ما لم يكن من البهائم والطير مما له ظفر غير منفرج الأصابع داخلا في ظاهر التنزيل، وجب أن يحكم له بأنه داخل في الخبر، إذ لم يأت بأن بعض ذلك غير داخلٍ في الآية، خبرٌ عن الله ولا عن رسوله، وكانت الأمة أكثرها مجمع على أنه فيه داخل. * * * (1) (( الوزينة )) (بفتح الواو، وتشديد الزاي مكسورة) ، هي الإوزة، وجمعها (( الوزين )) ، مثلها في الوزن بغير هاء. (2) في المطبوعة: (( فقط )) ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو محض صواب. يقال: (( ماله إلى عشرة قط )) (بفتح وسكون الطاء) و (( قط )) (بتشديد الطاء وكسرها) ، بمعنى: أي، ولا يزيد على ذلك، بمعنى (( حسب )) . |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام الحلقة (647) صــ 201 إلى صــ 210 القول في تأويل قوله: {وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا} قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في "الشحوم" التي أخبر الله تعالى ذكره: أنه حرمها على اليهود من البقر والغنم. فقال بعضهم: هي شحوم الثُّروب خاصة. (1) * ذكر من قال ذلك: 14103- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما) ، الثروب. ذكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: قاتل الله اليهود، حرم الله عليهم الثروب ثم أكلوا أثمانها! (2) * * * وقال آخرون: بل ذلك كان كل شحم لم يكن مختلطًا بعظم ولا على عظم. * ذكر من قال ذلك: 14104- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج قوله: (حرمنا عليهم شحومهما) ، قال: إنما حرم عليهم الثرب، وكل شحم كان كذلك ليس في عظم. * * * وقال آخرون: بل ذلك شحم الثرب والكُلَى. * ذكر من قال ذلك: 14105- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، (1) (( الثروب )) جمع (( ثرب )) (بفتح فسكون) ، وهو شحم رقيق يغشى الكرش والأمعاء. (2) الأثر: 14103 - الخبر الذي رواه قتادة مرسلا، رواه البخاري بإسناده مرفوعًا (الفتح 4: 344، 345) . بنحوه، ورواه الجماعة. انظر التعليق التالي. حدثنا أسباط، عن السدي قوله: (حرمنا عليهم شحومهما) ، قال: الثرب وشحم الكليتين. وكانت اليهود تقول: إنما حرَّمه إسرائيل، فنحن نحرّمه. 14106- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (حرمنا عليهم شحومهما) ، قال: إنما حرم عليهم الثروب والكليتين = هكذا هو في كتابي عن يونس، وأنا أحسب أنه: "الكُلَى" . * * * قال أبو جعفر: والصواب في ذلك من القول أن يقال: إن الله أخبر أنه كان حرم على اليهود من البقر والغنم شحومهما، إلا ما استثناه منها مما حملت ظهورهما أو الحَوَايا أو ما اختلط بعظم. فكل شحم سوى ما استثناه الله في كتابه من البقر والغنم، فإنه كان محرمًا عليهم. وبنحو ذلك من القول تظاهرت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك قوله: "قاتل الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم فجملوها ثم باعوها وأكلوا أثمانها" . (1) * * * وأما قوله: (إلا ما حملت ظهورهما) ، فإنه يعني: إلا شحوم الجَنْب وما علق بالظهر، فإنها لم تحرَّم عليهم. * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 14107- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: (إلا ما حملت ظهورهما) ، يعني: ما علق بالظهر من الشحوم. 14108- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، (1) رواه الجماعة، انظر (الفتح 4: 344، 345) ز و (( جمل الشحم )) : أذابه واستخرج ودكه. و (( الجميل )) الشحم المذاب. حدثنا أسباط، عن السدي: أمّا "ما حملت ظهورهما" ، فالألْيات. 14108م - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن إسماعيل، عن أبي صالح قال: الألية، مما حملت ظهورهما. * * * القول في تأويل قوله: {أَوِ الْحَوَايَا} قال أبو جعفر: و "الحوايا" جمع، واحدها "حاوِياء" ، و "حاوية" ، و "حَوِيَّة" ، وهي ما تحوَّى من البطن فاجتمع واستدار، وهي بنات اللبن، وهي "المباعر" ، وتسمى "المرابض" ، وفيها الأمعاء. (1) * * * ومعنى الكلام: ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما، إلا ما حملت ظهورهما، أو ما حملت الحوايا = فـ "الحوايا" ، رفع، عطفًا على "الظهور" ، و "ما" التي بعد "إلا" ، نصبٌ على الاستثناء من "الشحوم" . (2) * * * وبمثل ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 14109- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: (أو الحوايا) ، وهي المبعر. 14110- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (أو الحوايا) ، قال: المبعر. (1) (( الربض )) (بفتحتين) و (( المربض )) (بفتح الميم، وفتح الباء أو كسرها) ، و (( الربيض )) مجتمع الحوايا، أو ما تحوى من مصارين البطن. و (( بنات اللبن )) : ما صغر من الأمعاء. وانظر الأثر التالي رقم: 14121. (2) انظر معاني القرآن للفراء 1: 363. 14111- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "الحوايا" ، المبعر والمرْبَض. 14112- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (أو الحوايا) ، قال: المبعر. 14113- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن يمان، عن سفيان، عن عطاء، عن سعيد بن جبير: (أو الحوايا) ، قال: المباعر. 14114- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن شريك، عن عطاء، عن سعيد بن جبير: (أو الحوايا) ، قال: المباعر. 14115- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (أو الحوايا) ، قال: المبعر. 14116- حدثنا ابن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (أو الحوايا) ، قال: المبعر. 14117- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة والمحاربي، عن جويبر، عن الضحاك قال: المبعر. 14118- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (أو الحوايا) ، يعني: البطون غير الثروب. 14119- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (أو الحوايا) ، هو المبعر. 14120- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (أو الحوايا) ، قال: المباعر. * * * وقال ابن زيد في ذلك ما:- 14121- حدثني به يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (أو الحوايا) ، قال: "الحوايا" ، المرابض التي تكون فيها الأمعاء، تكون وسطها، وهي "بنات اللبن" ، وهي في كلام العرب تدعى "المرابض" . * * * القول في تأويل قوله: {أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ومن البقر والغنم حرمنا على الذين هادوا شحومهما، سوى ما حملت ظهورهما، أو ما حملت حواياهما، فإنا أحللنا ذلك لهم، وإلا ما اختلط بعظم، فهو لهم أيضًا حلال. * * * فردّ قوله: (أو ما اختلط بعظم) ، على قوله: (إلا ما حملت ظهورهما) فـ "ما" التي في قوله: (أو ما اختلط بعظم) ، في موضع نصب عطفًا على "ما" التي في قوله: (إلا ما حملت ظهورهما) . (1) * * * وعنى بقوله: (أو ما اختلط بعظم) ، شحم الألية والجنب، وما أشبه ذلك، كما:- 14122- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: (أو ما اختلط بعظم) ، قال: شحم الألية بالعُصْعُص، (2) فهو حلال. وكل شيء في القوائم والجنب والرأس والعين قد اختلط بعظم، فهو حلال. 14123- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (أو ما اختلط بعظم) ، مما كان من شحم على عظم. * * * (1) انظر معاني القرآن 1: 363. (2) (( العصعص )) ، وهو عظم عجب الذنب. القول في تأويل قوله: {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (146) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فهذا الذي حرمنا على الذين هادوا من الأنعام والطير، ذوات الأظافير غير المنفرجة، ومن البقر والغنم، ما حرمنا عليهم من شحومهما، الذي ذكرنا في هذه الآية، حرمناه عليهم عقوبة منّا لهم، وثوابًا على أعمالهم السيئة، وبغيهم على ربهم، (1) كما:- 14124- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون) ، إنما حرم ذلك عليهم عقوبة ببغيهم. 14125- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (ذلك جزيناهم ببنيهم) ، فعلنا ذلك بهم ببغيهم. * * * وقوله: (وإنا لصادقون) ، يقول: وإنا لصادقون في خبرنا هذا عن هؤلاء اليهود عما حرمنا عليهم من الشحوم ولحوم الأنعام والطير التي ذكرنا أنّا حرمنا عليهم، وفي غير ذلك من أخبارنا، وهم الكاذبون في زعمهم أن ذلك إنما حرمه إسرائيل على نفسه، وأنهم إنما حرموه لتحريم إسرائيل إياه على نفسه. * * * (1) انظر تفسير (( جزى )) فيما سلف من فهارس اللغة (جزى) . = وتفسير (( البغي )) فيما سلف 2: 342 / 4: 281 / 6: 276. القول في تأويل قوله: {فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (147) } قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فإن كذبك، يا محمد، (1) هؤلاء اليهود فيما أخبرناك أنا حرمنا عليهم وحللنا لهم، كما بينا في هذه (1) في المطبوعة: (( كذبوك )) والصواب من المخطوطة. الآية= "فقل ربكم ذو رحمة" ، بنا، وبمن كان به مؤمنًا من عباده، ويغيرهم من خلقه= "واسعة" ، تسع جميع خلقه، (1) المحسنَ والمسيء، لا يعاجل من كفر به بالعقوبة، ولا من عصاه بالنِّقمة، ولا يدع كرامة من آمن به وأطاعه، ولا يحرمه ثواب عمله، رحمة منه بكلا الفريقين، ولكن بأسه= وذلك سطوته وعذابه (2) = لا يردّه إذا أحله عند غضبه على المجرمين بهم عنهم شيء = و "المجرمون" هم الذين أجرَموا فاكتسبوا الذنوب واجترحوا السيئات. (3) * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 14126- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (فإن كذبوك) ، اليهود. 14127- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (فإن كذبوك) ، اليهود= (فقل ربكم ذو رحمة واسعة) . 14128- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال، كانت اليهود يقولون: إنما حرّمه إسرائيل = يعني: الثَّرْب وشحم الكليتين = فنحن نحرمه، فذلك قوله: (فإن كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة ولا يردّ بأسه عن القوم المجرمين) . * * * (1) انظر تفسير (( واسع )) فيما سلف 11: 489، تعليق: 2، والمراجع هناك. (2) انظر تفسير (( البأس )) فيما سلف 11: 357، تعليق: 1، والمراجع هناك. (3) انظر تفسير (( المجرم )) فيما سلف ص: 93. القول في تأويل قوله: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا} قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: (سيقول الذين أشركوا) ، وهم العادلون بالله الأوثان والأصنام من مشركي قريش= (لو شاء الله ما أشركنا) ، يقول: قالوا احتجازًا من الإذعان للحق بالباطل من الحجة، لما تبين لهم الحق، وعلموا باطل ما كانوا عليه مقيمين من شركهم، وتحريمهم ما كانوا يحرّمون من الحروث والأنعام، على ما قد بيَّن تعالى ذكره في الآيات الماضية قبل ذلك: (وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبًا) ، وما بعد ذلك: لو أراد الله منا الإيمان به، وإفراده بالعبادة دون الأوثان والآلهة، وتحليل ما حرم من البحائر والسوائب وغير ذلك من أموالنا، ما جعلنا لله شريكًا، ولا جعل ذلك له آباؤنا من قبلنا، ولا حرمنا ما نحرمه من هذه الأشياء التي نحن على تحريمها مقيمون، لأنه قادر على أن يحول بيننا وبين ذلك، حتى لا يكون لنا إلى فعل شيء من ذلك سبيل: إما بأن يضطرنا إلى الإيمان وترك الشرك به، وإلى القول بتحليل ما حرمنا= وأما بأن يلطف بنا بتوفيقه، فنصير إلى الإقرار بوحدانيته، وترك عبادة ما دونه من الأنداد والأصنام، وإلى تحليل ما حرمنا، ولكنه رضي منا ما نحن عليه من عبادة الأوثان والأصنام، واتخاذ الشريك له في العبادة والأنداد، وأراد ما نحرّم من الحروث والأنعام، فلم يَحُلْ بيننا وبين ما نحن عليه من ذلك. قال الله مكذبًا لهم في قيلهم: "إن الله رضي منا ما نحن عليه من الشرك، وتحريم ما نحرّم" = ورادًّا عليهم باطلَ ما احتجوا به من حجتهم في ذلك= (كذلك كذب الذين من قبلهم) ، يقول: كما كذب هؤلاء المشركون، يا محمد، ما جئتهم به من الحق والبيان، كذب من قبلهم من فسقة الأمم الذين طَغَوا على ربهم ما جاءتهم به أنبياؤهم من آيات الله وواضح حججه، وردُّوا عليهم نصائحهم = (حتى ذاقوا بأسنا) ، يقول: حتى أسخطونا فغضبنا عليهم، فأحللنا بهم بأسنا فذاقوه، فعطبوا بذوقهم إياه، فخابوا وخسروا الدنيا والآخرة. (1) يقول: وهؤلاء الآخرون مسلوك بهم سبيلهم، إن هم لم ينيبوا فيؤمنوا ويصدقوا بما جئتهم به من عند ربهم. * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 14129- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا) ، وقال: (كذلك كذب الذين من قبلهم) ، ثم قال: (ولو شاء الله ما أشركوا) ، فإنهم قالوا: "عبادتنا الآلهة تقرّبنا إلى الله زلفى" ، فأخبرهم الله أنها لا تقربهم، وقوله: (ولو شاء الله ما أشركوا) ، يقول الله سبحانه: لو شئت لجمعتهم على الهدى أجمعين. 14130- حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (ولا حرمنا من شيء) ، قال: قول قريش= يعني: إن الله حرم هذه البحيرة والسائبة. 14131- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (ولا حرمنا من شيء) ، قولُ قريش بغير يقين: إن الله حرّم هذه البحيرة والسائبة. * * * (1) انظر تفسير (( ذاق )) فيما سلف: 11: 420، تعليق: 1، والمراجع هناك. فإن قال قائل: وما برهانك على أن الله تعالى إنما كذب من قيل هؤلاء المشركين قولهم: "رضي الله منا عبادة الأوثان، وارأد منا تحريم ما حرمنا من الحروث والأنعام" ، دون أن يكون تكذيبه إياهم كان على قولهم: (لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء) ، وعلى وصفهم إياه بأنه قد شاء شركهم وشرك آبائهم، وتحريمهم ما كانوا يحرمون؟ قيل له: الدلالة على ذلك قوله: (كذلك كذب الذين من قبلهم) ، فأخبر جل ثناؤه عنهم أنهم سلكوا في تكذيبهم نبيهم محمدًا صلى الله عليه وسلم فيما آتاهم به من عند الله = من النهي عن عبادة شيء غير الله تعالى ذكره، وتحريم غير ما حرّم الله في كتابه وعلى لسان رسوله = مسلكَ أسلافهم من الأمم الخالية المكذبة اللهَ ورسولَه. والتكذيبُ منهم إنما كان لمكذَّب، ولو كان ذلك خبرًا من الله عن كذبهم في قيلهم: (لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا) ، لقال: "كذلك كذَبَ الذين من قبلهم" ، بتخفيف "الذال" ، وكان ينسبهم في قيلهم ذلك إلى الكذب على الله، لا إلى التكذيب = مع علل كثيرة يطول بذكرها الكتاب، وفيما ذكرنا كفاية لمن وُفِّق لفهمه. * * * القول في تأويل قوله: {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلا تَخْرُصُونَ (148) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، لهؤلاء العادلين بربهم الأوثان والأصنام، المحرِّمين ما هم له محرِّمون من الحُروث والأنعام، القائلين: (لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء) ، ولكنه رضي منا ما نحن عليه من الشرك وتحريم ما نحرم: "هل عندكم" ، https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام الحلقة (648) صــ 211 إلى صــ 220 = بدعواكم ما تدعون على الله من رضاه بإشراككم في عبادته ما تشركون، وتحريمكم من أموالكم ما تحرمون = علمُ يقينٍ من خبر مَنْ يقطع خبره العذر، أو حجة توجب لنا اليقين، من العلم = "فتخرجوه لنا" ، يقول: فتظهروا ذلك لنا وتبينوه، كما بينا لكم مواضع خطأ قولكم وفعلكم، وتناقض ذلك واستحالته في المعقول والمسموع (1) = (إن تتبعون إلا الظن) ، يقولُ له: قل لهم: إن تقولون ما تقولون، أيها المشركون، وتعبدون من الأوثان والأصنام ما تعبدون، وتحرمون من الحروث والأنعام ما تحرّمون، إلا ظنًّا وحسبانًا أنه حق، وأنكم على حق، وهو باطلٌ، وأنتم على باطل = (وإن أنتم إلا تخرصون) ، يقول: "وإن أنتم" ، وما أنتم في ذلك كله = "إلا تخرصون" ، يقول: إلا تتقوّلون الباطل على الله، ظنًّا بغير يقين علم ولا برهان واضح. (2) * * * القول في تأويل قوله: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (149) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، لهؤلاء العادلين بربهم الأوثان والأصنام، القائلين على ربهم الكذبَ، في تحريمهم ما حرموا من الحروث والأنعام، إن عجزوا عن إقامة الحجة عند قيلك لهم: "هل عندكم من علم بما تدعون على ربكم فتخرجوه لنا" ، وعن إخراج علم ذلك لك وإظهاره، وهم لا شك عن ذلك عَجَزَة، وعن إظهاره مقصرون، لأنه باطل لا حقيقة له = (فلله) ، الذي حرم عليكم أن تشركوا به شيئًا، وأن تتبعوا (1) انظر تفسير (( الإخراج )) فيما سلف 2: 228. (2) انظر تفسير (( التخرص )) فيما سلف ص 65. خطوات الشيطان في أموالكم من الحروث والأنعام = (الحجة البالغة) ، دونكم أيها المشركون. ويعني بـ "البالغة" ، أنها تبلغ مراده في ثبوتها على مَنْ احتج بها عليه من خلقه، وقَطْعِ عُذْرِه إذا انتهت إليه فيما جُعِلت حجة فيه. * * * = (فلو شاء لهداكم أجمعين) ، يقول: فلو شاء ربكم لوفَّقكم أجمعين للإجماع على إفراده بالعبادة، والبراءة من الأنداد والآلهة، والدينونة بتحريم ما حرم الله وتحليل ما حلله الله، وترك اتباع خطوات الشيطان، وغير ذلك من طاعاته، ولكنه لم يشأ ذلك، فخالف بين خلقه فيما شاء منهم، فمنهم كافر ومنهم مؤمن. * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 14132- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس قال، لا حجة لأحد عصَى الله، ولكن لله الحجة البالغة على عباده. وقال: (فلو شاء لهداكم أجمعين) ، قال: (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) [سورة الأنبياء: 23] . * * * القول في تأويل قوله: {قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (150) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، لهؤلاء المفترين على ربهم من عبدة الأوثان، الزاعمين أنّ الله حرم عليهم ما هم محرموه من حروثهم وأنعامهم = (هلم شهداءكم) ، يقول: هاتوا شهداءكم الذين يشهدون على الله أنه حرم عليكم ما تزعمون أنه حرمه عليكم. (1) * * * وأهل العالية من تهامة توحِّد "هلم" في الواحد والاثنين والجميع، وتذكر في المؤنث والمذكر، فتقول للواحد: "هلم يا فلان" ، وللاثنين والجميع كذلك، وللأنثى مثله، ومنه قول الأعشى: وَكَانَ دَعَا قَوْمَهُ دَعْوَةً ... هَلُمَّ إلَى أَمْرِكُمْ قَدْ صُرِمْ (2) ينشد: "هلم" ، و "هلموا" . وأما أهل السافلة من نجد، فإنهم يوحِّدون للواحد، ويثنُّون للاثنين، ويجمعون للجميع. فيقال للواحد من الرجال: "هلم" وللواحدة من النساء: "هلمي" ، وللاثنين: "هلما" ، وللجماعة من الرجال: "هلموا" ، وللنساء: "هَلْمُمْنَ" . (3) * * * قال الله لنبيه: (فإن شهدوا) ، يقول: يا محمد، فإن جاءوك بشهداء يشهدون أن الله حَرَّم ما يزعمون أن الله حرمه عليهم = (فلا تشهد معهم) ، فإنهم كذبة (1) انظر تفسير (( الشهداء )) فيما سلف من فهارس اللغة (( شهد )) . (2) ديوانه 34، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 208، من قصيدة طويلة مضت منها أبيات في مواضع متفرقة، وهذا البيت داخل في قصة (( الحضر )) ، وما أصاب أهله، تركت نقل أبياتها لطولها. (3) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 208، فهذا نص كلامه. وشهود زور في شهادتهم بما شهدوا به من ذلك على الله. وخاطب بذلك جل ثناؤه نبيه صلى الله عليه وسلم، والمراد به أصحابه والمؤمنون به = (ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا) ، يقول: ولا تتابعهم على ما هم عليه من التكذيب بوحي الله وتنزيله، في تحريم ما حرم، وتحليل ما أحل لهم، ولكن اتبع ما أوحي إليك من كتاب ربك الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه = (والذين لا يؤمنون بالآخرة) ، يقول: ولا تتبع أهواء الذين لا يؤمنون بالآخرة، فتكذب بما هم به مكذبون من إحياء الله خلقه بعد مماتهم، ونشره إياهم بعد فنائهم = (وهم بربهم يعدلون) ، يقول: وهم مع تكذيبهم بالبعث بعد الممات، وجحودهم قيام الساعة، بالله يعدلون الأوثانَ والأصنامَ، فيجعلونها له عِدْلا ويتخذونها له ندًّا يعبدونها من دونه. (1) * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 14133- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله: (هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا) ، يقول: قل أروني الذين يشهدون أن الله حرم هذا مما حرمت العرب، وقالوا: أمرنا الله به. قال الله لرسوله: (فإن شهدوا فلا تشهد معهم) . 14134- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله: (هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا) ، قال: البحائر والسُّيَّب. * * * (1) انظر تفسير (( العدل )) فيما سلف 11: 251 - 254. القول في تأويل قوله: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، لهؤلاء العادلين بربهم الأوثان والأصنام، الزاعمين أن الله حرم عليهم ما هم محرِّموه من حروثهم وأنعامهم، على ما ذكرت لك في تنزيلي عليك =: تعالوا، أيها القوم، (1) أقرأ عليكم ما حرم ربكم حقًا يقينًا، (2) لا الباطل تخرُّصًا، تخرُّصَكم على الله الكذبَ والفريةَ ظنًّا، (3) ولكن وحيًا من الله أوحاه إليّ، وتنزيلا أنزله عليّ: أن لا تشركوا بالله شيئًا من خلقه، ولا تعدلوا به الأوثان والأصنام، ولا تعبدوا شيئًا سواه = (وبالوالدين إحسانًا) ، يقول: وأوصى بالوالدين إحسانًا = وحذف "أوصى" و "أمر" ، لدلالة الكلام عليه ومعرفة السامع بمعناه. (4) وقد بينا ذلك بشواهده فيما مضى من الكتاب. (5) * * * وأما "أن" في قوله: (أن لا تشركوا به شيئًا) ، فرفعٌ، لأن معنى الكلام: قل تعالوا أتلُ ما حرّم ربكم عليكم، هو أن لا تشركوا به شيئًا. وإذا كان ذلك معناه، كان في قوله: (تشركوا) ، وجهان: = الجزم بالنهي، وتوجيهه "لا" إلى معنى النهي. = والنصب، على توجيه الكلام إلى الخبر، ونصب "تشركوا" ، بـ "أن لا" ، (1) انظر تفسير (( تعالوا )) فيما سلف 11: 137، تعليق: 1، والمراجع هناك. (2) انظر تفسير (( تلا )) فيما سلف 10: 201، تعليق: 3، والمراجع هناك. (3) في المطبوعة: (( كخرصكم على الله )) ، وأثبت ما في المخطوطة. (4) انظر تفسير (( الإحسان )) فيما سلف 2: 292 / 8: 334، 514 / 9: 283 / 10: 512، 576. (5) انظر ما سلف 2: 290 - 292 / 8: 334. كما يقال: "أمرتك أن لا تقوم" . وإن شئت جعلت "أن" في موضع نصبٍ، ردًّا على "ما" وبيانًا عنها، ويكون في قوله: (تشركوا) ، أيضًا من وجهي الإعراب، نحو ما كان فيه منه. و "أن" في موضع رفع. ويكون تأويل الكلام حينئذ: قل: تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم، أتلُ أن لا تشركوا به شيئًا. * * * فإن قال قائل: وكيف يجوز أن يكون قوله (تشركوا) نصبًا بـ "أن لا" ، أم كيف يجوز توجيه قوله: "أن لا تشركوا به" ، على معنى الخبر، وقد عطف عليه بقوله: (ولا تقتلوا أولادكم من إملاق) ، وما بعد ذلك من جزم النهي؟ قيل: جاز ذلك، كما قال تعالى ذكره: (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ) ، فجعل "أن أكون" خبرًا، و "أنْ" اسمًا، ثم عطف عليه "ولا تكونن من المشركين" ، [سورة الأنعام: 14] ، (1) وكما قال الشاعر: (2) حَجَّ وَأوْصَى بِسُلَيْمَى الأعْبُدَا ... أَنْ لا تَرَى وَلا تُكَلِّمْ أَحَدَا وَلا يَزَلْ شَرَابُهَا مُبَرَّدَا (3) فجعل قوله: "أن لا ترى" خبرًا، ثم عطف بالنهي فقال: "ولا تكلم" ، "ولا يزل" . * * * (1) قوله: (( ولا تكونن من المشركين )) ، ساقط في المطبوعة والمخطوطة، واستظهرت زيادته من معاني القرآن للفراء 1: 364، وهي زيادة يفسد الكلام بإسقاطها. (2) لم أعرف قائله. (3) معاني القرآن للفراء 1: 364، وليس فيه البيت الثالث، وفيه مكانه: * وَلا تَمْشِ بِفَضَاءٍ بَعَدَا * القول في تأويل قوله: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: (ولا تقتلوا أولادكم من إملاق) ، ولا تئدوا أولادكم فتقتلوهم من خشية الفقر على أنفسكم بنفقاتهم، فإن الله هو رازقكم وإياهم، ليس عليكم رزقهم، فتخافوا بحياتهم على أنفسكم العجزَ عن أرزاقهم وأقواتهم. * * * و "الإملاق" ، مصدر من قول القائل: "أملقت من الزاد، فأنا أملق إملاقًا" ، وذلك إذا فني زاده، وذهب ماله، وأفلس. * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 14135- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: (ولا تقتلوا أولادكم من إملاق) ، الإملاق الفقر، قتلوا أولادهم خشية الفقر. 14136- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة في قوله: (ولا تقتلوا أولادكم من إملاق) ، أي خشية الفاقة. 14137- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (ولا تقتلوا أولادكم من إملاق) ، قال: "الإملاق" ، الفقر. 14138- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج قوله: (من إملاق) ، قال: شياطينهم، يأمرونهم أن يئِدوا أولادهم خيفة العَيْلة. 14139- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، حدثنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك في قوله: (من إملاق) ، يعني: من خشية فقر. * * * القول في تأويل قوله: {وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولا تقربوا الظاهرَ من الأشياء المحرّمة عليكم، (1) التي هي علانية بينكم لا تناكرون ركوبها، والباطنَ منها الذي تأتونه سرًّا في خفاء لا تجاهرون به، فإن كل ذلك حرام. (2) * * * وقد قيل: إنما قيل: لا تقربوا ما ظهر من الفواحش وما بطن، لأنهم كانوا يستقبحون من معاني الزنى بعضًا [دون بعض] . وليس ما قالوا من ذلك بمدفوع، غير أن دليل الظاهر من التنزيل على النهي عن ظاهر كل فاحشة وباطنها، ولا خبر يقطع العذرَ، بأنه عنى به بعض دون جميع. وغير جائز إحالة ظاهر كتاب الله إلى باطن، إلا بحجة يجب التسليم لها. * * * * ذكر من قال ما ذكرنا من قول من قال: الآية خاصُّ المعنى: 14140- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، (1) انظر تفسير (( الفواحش )) فيما سلف 8: 203، تعليق: 2، والمراجع هناك. (2) انظر تفسير (( ظهر )) ، و (( بطن )) فيما سلف ص 72 - 75، ثم انظر الأثر رقم: 9075. حدثنا أسباط، عن السدي: (ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن) ، أما "ما ظهر منها" ، فزواني الحوانيت، وأما "ما بطن" ، فما خَفِي. (1) 14141- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، حدثنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك قوله: (ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن) ، كان أهل الجاهلية يستسرُّون بالزنى، ويرون ذلك حلالا ما كان سرًّا. فحرّم الله السر منه والعلانية = (ما ظهر منها) ، يعني: العلانية = (وما بطن) ، يعني: السر. (2) 14142- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن) ، قال: كانوا في الجاهلية لا يرون بالزنى بأسًا في السر، ويستقبحونه في العلانية، فحرَّم الله الزنى في السرّ والعلانية. * * * وقال آخرون في ذلك بمثل الذي قلنا فيه. * ذكر من قال ذلك: 14143- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن) ، سرَّها وعلانيتها. 14144- حدثني محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، نحوه. * * * وقال آخرون: "ما ظهر" ، نكاح الأمهات وحلائل الآباء = "وما بطن" ، الزنى. * ذكر من قال ذلك: (1) (( زواني الحوانيت )) ، كانت البغايا تتخذ حانوتًا عليه راية، إعلامًا بأنها بغى. وانظر الأثر السالف رقم: 13801. (2) الأثر: 14141 - مضى هذا الخبر برقم: 13802. 14145- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن أبيه، عن خصيف، عن مجاهد: (ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن) ، قال: "ما ظهر" ، جمعٌ بين الأختين، وتزويج الرجل امرأة أبيه من بعده = "وما بطن" ، الزنى. (1) * * * وقال آخرون في ذلك بما:- 14146- حدثني إسحاق بن زياد العطار النصري قال، حدثنا محمد بن إسحاق البلخي قال، حدثنا تميم بن شاكر الباهلي، عن عيسى بن أبي حفصة قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن) ، قال: "ما ظهر" ، الخمر = "وما بطن" ، الزنى. (2) * * * القول في تأويل قوله: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئًا) ، (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق) ، يعني بالنفس التي حرم الله قتلها، نفسَ مؤمن أو مُعاهد = وقوله: (إلا بالحق) ، يعني بما أباح قتلها به: من أن تقتل نفسًا فتقتل قَوَدًا بها، أو تزني وهي محصنة فترجم، (1) الأثر: 14145 - مضى برقم: 13803. (2) الأثر: 14146 - (( إسحاق بن زياد العطار النصري )) ، لم أجد له ترجمة، وفي المطبوعة (( البصري )) ، وأثبت ما في المخطوطة. و (( محمد بن إسحاق البلخي الجوهري )) ، لم أجد له غير ترجمة في ابن أبي حاتم 3 / 2 / 195، قال: (( روى عن مطرف بن مازن، وأبي أمية بن يعلي، وقيراط الحجام، ومحمد بن حرب الأبرش، وعيسى بن يونس. كتب عنه أبي بالري )) . وأما (( تميم بن شاكر الباهلي )) و (( عيسى بن أبي حفصة )) ، فلم أعثر لهما على ترجمة ولا ذكر. https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام الحلقة (649) صــ 221 إلى صــ 230 أو ترتدَّ عن دينها الحقِّ فتقتل. فذلك "الحق" الذي أباح الله جل ثناؤه قتل النفس التي حرم على المؤمنين قتلها به = (ذلكم) ، يعني هذه الأمور التي عهد إلينا فيها ربُّنا أن لا نأتيه وأن لا ندعه، هي الأمور التي وصَّانا والكافرين بها أن نعمل جميعًا به = (لعلكم تعقلون) ، يقول: وصاكم بذلك لتعقلوا ما وصاكم به ربكم. (1) * * * (1) انظر تفسير (( وصى )) فيما سلف ص: 189، تعليق: 1، والمراجع هناك. القول في تأويل قوله: {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) ، ولا تقربوا ماله إلا بما فيه صلاحه وتثميره، كما:- 14147- حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن ليث، عن مجاهد: (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) ، قال: التجارة فيه. 14148- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) ، فليثمر مالَه. 14149- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا فضيل بن مرزوق العنزي، عن سليط بن بلال، عن الضحاك بن مزاحم في قوله: (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) ، قال: يبتغي له فيه، ولا يأخذ من ربحه شيئًا. (1) (1) الأثر: 14149 - (( فضيل بن مرزوق العنزي )) ، الرقاشي، الأغر. مضى برقم: 5437. و (( سليط بن بلال )) ، لا أدري من هو، ولم أجد له ترجمة. 14150- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) ، قال: "التي هي أحسن" ، أن يأكل بالمعروف إن افتقر، وإن استغنى فلا يأكل. قال الله: (وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) ، [سورة النساء: 6] . قال: وسئل عن الكسوة، فقال: لم يذكر الله الكسوة، إنما ذكر الأكل. * * * وأما قوله: (حتى يبلغ أشده) ، فإن "الأشُدّ" جمع "شَدٍّ" ، كما "الأضُرّ" جمع "ضر" ، وكما "الأشُرّ" جمع "شر" ، (1) و "الشد" القوة، وهو استحكام قوة شبابه وسنه، كما "شَدُّ النهار" ارتفاعه وامتداده. يقال: "أتيته شدَّ النهار ومدَّ النهار" ، وذلك حين امتداده وارتفاعه; وكان المفضل فيما بلغني ينشد بيت عنترة: عَهْدِي بِهِ شَدَّ النَّهَارِ كَأَنَّمَا ... خُضِبَ اللَّبَانُ وَرَأْسُهُ بِالْعِظْلِمِ (2) ومنه قول الآخر: (3) تُطِيفُ بِهِ شَدَّ النَّهَارِ ظَعِينَةٌ ... طَوِيلَةُ أَنْقَاءِ اليَدَيْنِ سَحُوقُ (4) (1) هكذا جاء في المخطوطة والمطبوعة: (( الأضر )) و (( الأشر )) ، ولم أجد لشيء من ذلك أصلا في كتب العربية، وهذان اللفظان محرفان فيما أرجح، ولكني تركتهما على حالهما، حتى أقف على الصواب في قراءتهما إن شاء الله. ولكنهم مثلوا له بقولهم (( قد )) و (( أقد )) وهو قريب التحريف في الأولى، ولكن الثانية مبهمة. (2) من معلقته المشهورة، وهذا البيت من أبيات وصف فيها بطلا مثله، يقول قبله: لَمَّا رَآنِي قَدْ قَصَدْتُ أُرِيدُهُ ... أَبْدَى نَوَاجِذَهُ لِغَيْرِ تَبَسُّمِ فَطَعَنْتُهُ بِالرُّمْحِ ثُمَّ عَلَوْتُهُ ... بِمُهَنَّدٍ صَافِي الحَدِيدَةِ مِخْذَمِ و (( اللبان )) الصدر. و (( العظلم )) ، صبغ أحمر. يصفه قتيلا سال دمه، فخصب رأسه وأطرافه، لا حراك به. (3) لم أعرف قائله. (4) (( الظعينة )) ، يعني زوجته. (( الأنقاء )) جمع (( نقو )) (بكسر فسكون) ، وهو كل عظم فيه مخ، كعظام اليدين والساقين، وامرأة (( سحوق )) : طويلة كأنها نخلة مستوية قد انجرد عنها كربها. وكان بعض البصريين يزعم أن "الأشد" مثل "الآنُك" . (1) * * * فأما أهل التأويل، فإنهم مختلفون في الحين الذي إذا بلغه الإنسان قيل: "بلغ أشدّه" . فقال بعضهم: يقال ذلك له إذا بلغ الحُلُم. * ذكر من قال ذلك: 14151- حدثني أحمد بن عبد الرحمن قال، حدثنا عمي قال، أخبرني يحيى بن أيوب، عن عمرو بن الحارث، عن ربيعة في قوله: (حتى يبلغ أشده) ، قال: الحلم. 14152- حدثني أحمد بن عبد الرحمن قال، حدثنا عمي قال، حدثني عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، مثله = قال ابن وهب: وقال لي مالك مثله. (2) 14153- حدثت عن الحماني قال، حدثنا هشيم، عن مجاهد، عن عامر: (حتى يبلغ أشده) ، قال: "الأشد" ، الحلم، حيث تكتب له الحسنات، وتكتب عليه السيئات. * * * وقال آخرون: إنما يقال ذلك له، إذا بلغ ثلاثين سنة. * ذكر من قال ذلك: 14154- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (حتى يبلغ أشده) ، قال: أما "أشده" ، فثلاثون (1) (( آنك )) (بالمد وضم النون) هو. الرصاص القلعي، وهو القزدير. ويعني أنه مفرد لا جمع. (2) الأثران: 14151، 14152 - (( أحمد بن عبد الرحمن بن وهب المصري )) ، مضى برقم: 2747، 6613، 10330، وهو ابن أخي (( عبد الله بن وهب )) و (( عمه )) ، هو: (( عبد الله بن وهب )) . سنة، ثم جاء بعدها: (حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ) . [سورة النساء: 6] . * * * وفي الكلام محذوف، ترك ذكره اكتفاءً بدلالة ما ظهر عما حذف. وذلك أن معنى الكلام: "ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده" ، فإذا بلغ أشده فآنستم منه رشدًا، فادفعوا إليه ماله = لأنه جل ثناؤه لم ينه أن يُقرب مال اليتيم في حال يُتمه إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده، ليحِلَّ لوليّه بعد بلوغه أشده أن يقربه بالتي هي أسوأ، (1) ولكنه نهاهم أن يقرَبوه حياطةً منه له، وحفظًا عليه، (2) ليسلموه إليه إذا بلغ أشده. * * * القول في تأويل قوله: {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: "قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئًا" = وأن أوفوا الكيل والميزان. يقول: لا تبخسوا الناس الكيلَ إذا كلتموهم، والوزنَ إذا وزنتموهم، ولكن أوفوهم حقوقهم. وإيفاؤهم ذلك، إعطاؤهم حقوقهم تامة (3) = "بالقسط" ، يعني بالعدل، كما:- 14155- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (بالقسط) ، بالعدل. * * * وقد بينا معنى: "القسط" بشواهده فيما مضى، وكرهنا إعادته. (4) * * * (1) في المطبوعة: (( ويحل )) بالواو، والذي في المخطوطة حق السياق. (2) في المطبوعة: (( أن يقربوا )) ، والصواب ما في المخطوطة. (3) انظر تفسير (( الإيفاء )) فيما سلف 9: 426، تعليق: 1، والمراجع هناك. (4) انظر تفسير (( القسط )) فيما سلف 10: 334، تعليق: 4، والمراجع هناك. وأما قوله: (لا نكلف نفسًا إلا وسعها) ، فإنه يقول: لا نكلف نفسًا، من إيفاء الكيل والوزن، إلا ما يسعها فيحلّ لها ولا تحرَجُ فيه. (1) وذلك أن الله جل ثناؤه، علم من عباده أن كثيرًا منهم تَضيق نفسه عن أن تطيب لغيره بما لا يجبُ عليها له، فأمر المعطي بإيفاء رب الحق حقَّه الذي هو له، ولم يكلِّفه الزيادة، لما في الزيادة عليه من ضيق نفسه بها. وأمر الذي له الحق، بأخذ حقه، ولم يكلفه الرضا بأقل منه، لما في النقصان عنه من ضيق نفسه. فلم يكلف نفسًا منهما إلا ما لا حرج فيه ولا ضيق، فلذلك قال: (لا نكلف نفسًا إلا وسعها) . وقد استقصينا بيان ذلك بشواهده في موضع غير هذا الموضع، بما أغنى عن إعادته. (2) * * * القول في تأويل قوله: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) } قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: (وإذا قلتم فاعدلوا) ، وإذا حكمتم بين الناس فتكلمتم فقولوا الحق بينهم، واعدلوا وأنصفوا ولا تجوروا، (3) ولو كان الذي يتوجه الحق عليه والحكم، ذا قرابة لكم، ولا تحملنكم قرابة قريب أو صداقة صديق حكمتم بينه وبين غيره، أن تقولوا غير الحق فيما احتكم إليكم فيه = (وبعهد الله أوفوا) ، يقول: وبوصية الله التي أوصاكم بها فأوفوا. وإيفاء ذلك: أن (1) انظر تفسير (( التكليف )) فيما سلف 5: 45 / 6: 129، 130 / 8: 579. = وتفسير (( الوسع )) فيما سلف 5: 45 /6: 129، 130. (2) انظر ما سلف 5: 45، 46 / 6: 129، 130. (3) انظر تفسير (( العدل )) فيما سلف من فهارس اللغة (عدل) . يطيعوه فيما أمرهم به ونهاهم، وأن يعملوا بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك هو الوفاء بعهد الله. (1) وأما قوله: (ذلكم وصاكم به) ، يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل للعادلين بالله الأوثان والأصنام من قومك: هذه الأمور التي ذكرت لكم في هاتين الآيتين، هي الأشياء التي عهد إلينا ربنا، ووصاكم بها ربكم، وأمركم بالعمل بها = لا بالبحائر، والسوائب، والوصائل، والحام، وقتل الأولاد، ووأد البنات، واتباع خطوات الشيطان (2) = (لعلكم تذكرون) ، يقول: أمركم بهذه الأمور التي أمركم بها في هاتين الآيتين، ووصاكم بها وعهد إليكم فيها، لتتذكروا عواقبَ أمركم، وخطأ ما أنتم عليه مقيمون، فتنزجروا عنها، وترتدعوا وتُنيبوا إلى طاعة ربكم. * * * وكان ابن عباس يقول: هذه الآيات، هنَّ الآيات المحكمات. 14156- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن علي بن صالح، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن قيس، عن ابن عباس قال: هن الآيات المحكمات، قوله: (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئًا) . (3) (1) انظر تفسير (( العهد )) فيما سلف من فهارس اللغة (عهد) . = وتفسير (( الإيفاء )) فيما سلف ص: 224، تعليق: 3، والمراجع هناك. (2) انظر تفسير (( وصى )) فيما ص: 221، تعليق: 1، والمراجع هناك. (3) الأثر: 14156 - (( على بن صالح بن صالح بن حي الهمداني )) ثقة، مضى برقم: 178، 11975. وفي المخطوطة والمطبوعة: (( علي بن أبي صالح )) ، وهو خطأ لا شك فيه، والزيادة سهو من الناسخ، وإنما هو (( علي بن صالح )) ، فهو الذي يروي عن إسحاق السبيعي، ويروي عنه وكيع، وكما في المستدرك، كما سيأتي في التخريج. و (( أبو إسحاق )) هو السبيعي. و (( عبد الله بن قيس )) ، راوى هذا الخبر، خص براوية هذا الخبر عن ابن عباس، ورواية أبي إسحاق السبيعي عنه. مترجم في التهذيب (5: 365) ، وابن أبي حاتم 2 / 2 / 138. وهذا الخبر رواه الحاكم في المستدرك 2: 288، وقال: (( صحيح )) ، ووافقه الذهبي. وقد أشرت إلى ذلك في تخريج الخبر رقم: 6573، فراجعه. ورواه الحاكم أيضًا في المستدرك 2: 317، بإسناد آخر من طريق إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن خليفة، عن ابن عباس، وقال: (( هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه )) ، ووافقه الذهبي. و (( عبد الله بن خليفة الهمداني )) ، مضى برقم: 5796. 14157- حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا حدثنا وهب بن جرير قال، حدثنا أبي قال، سمعت يحيى بن أيوب يحدّث، عن يزيد بن أبى حبيب، عن مرثد بن عبد الله، عن عبيد الله بن عديّ بن الخيار قال، سمع كعب الأحبار رجلا يقرأ: (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم) ، فقال: والذي نفس كعب بيده، إنّ هذا لأوَّل شيء في التوراة: "بسم الله الرحمن الرحيم" ، قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ". (1) " 14158- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن أبيه، عن سعيد بن مسروق، عن رجل، عن الربيع بن خثيم أنه قال لرجل: هل لك في صحيفة عليها خاتم محمد؟ ثم قرأ هؤلاء الآيات: (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئًا) . 14159- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا إسحاق الرازي، عن أبي سنان، عن عمرو بن مرة قال: قال الربيع: ألا أقرأ عليكم صحيفة من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ = لم يقل: "خاتمها" = فقرأ هذه الآيات: (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم) . (1) الأثر: 14157 - (( وهب بن جرير بن حازم الأزدي )) ، الحافظ الثقة. وأبو (( جرير بن حازم الأزدي )) ، ثقة، روى له الجماعة. و (( يحيى بن أيوب الغافقي )) ، ثقة، مضى برقم: 3877، 4330. و (( يزيد بن أبي حبيب المصري )) ، مضى مرارًا، آخرها: 11871. و (( مرثد بن عبد الله اليزني )) ، الفقيه المصري، مضى برقم: 2839، 2840، 10890. و (( عبيد الله بن عدي بن الخيار النوفلي القرشي )) ثقة، قليل الحديث، من فقهاء قريش وعلمائهم، أدرك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرين. مترجم في التهذيب. وهذا خبر إسناده صحيح إلى كعب الأحبار. 14160- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة قال: جاء إليه نفر فقالوا: قد جالست أصحابَ محمد، فحدثنا عن الوَحي. فقرأ عليهم هذه الآيات من "الأنعام" : (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئًا) ، قالوا: ليس عن هذا نسألك! قال: فما عندنا وحيٌ غيره. 14161- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: هؤلاء الآيات التي أوصى بها من محكم القرآن. 14162- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (وإذا قلتم فاعدلوا) ، قال: قولوا الحق. * * * القول في تأويل قوله: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وهذا الذي وصاكم به ربكم، أيها الناس، في هاتين الآيتين من قوله: (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم) ، وأمركم بالوفاء به، هو "صراطه" = يعني: طريقه ودينه الذي ارتضاه لعباده = (مستقيمًا) ، يعني: قويمًا لا اعوجاج به عن الحق (1) = (فاتبعوه) ، يقول: فاعملوا به، واجعلوه لأنفسكم منهاجًا تسلكونه، فاتبعوه (2) = (ولا تتبعوا السبل) ، يقول: ولا تسلكوا طريقًا سواه، ولا تركبوا منهجًا غيره، ولا تبغوا دينًا خلافه (3) ، من (1) انظر تفسير (( الصراط المستقيم )) فيما سلف ص: 113، تعليق: 1، والمراجع هناك. (2) انظر تفسير (( الاتباع )) فيما سلف من فهارس اللغة (تبع) . (3) في المخطوطة: (( دينا خلاه )) ، وعلى (( خلاه )) ، حرف (ط) دلالة على الخطأ أو الشك، والذي في المخطوطة مستقيم جيد. اليهودية والنصرانية والمجوسية وعبادة الأوثان، وغير ذلك من الملل، فإنها بدع وضلالات = (فتفرق بكم عن سبيله) ، يقول: فيشتّت بكم، إن اتبعتم السبل المحدثة التي ليست لله بسبل ولا طرق ولا أديان، اتباعُكم إياها = "عن سبيله" ، يعني: عن طريقه ودينه الذي شرعه لكم وارتضاه، وهو الإسلام الذي وصّى به الأنبياء، وأمر به الأمم قبلكم (1) = (ذلكم وصاكم به) ، يقول تعالى ذكره: هذا الذي وصاكم به ربكم من قوله لكم: "إن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل" ، وصاكم به "لعلكم تتقون" ، يقول: لتتقوا الله في أنفسكم فلا تهلكوها، وتحذروا ربكم فيها فلا تسخطوه عليها، فيحل بكم نقمته وعذابه. (2) * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 14163- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) ، قال: البدع والشبهات. 14164- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 14165- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (ولا تتبعوا السبل) ، البدع والشبهات. 14166- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثنا معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (فاتبعوه ولا تتبعوا السبل (1) انظر تفسير (( السبيل )) فيما سلف من فهارس اللغة (سبل) . (2) انظر تفسير (( الوصية )) و (( الاتقاء )) فيما سلف من فهارس اللغة (وصى) و (وقي) . فتفرق بكم عن سبيله) ، وقوله: (وَأَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) [سورة الشورى: 13] ، ونحو هذا في القرآن. قال: أمر الله المؤمنين بالجماعة، ونهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبرهم أنه إنما هلك مَنْ كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله. 14167- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) ، يقول: لا تتبعوا الضلالات. 14168- حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا حماد، عن عاصم، عن أبي وائل، عن عبد الله قال: خطَّ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا خطًّا فقال: هذا سبيل الله. ثم خط عن يمين ذلك الخطّ وعن شماله خطوطًا فقال: هذه سُبُل، على كل سبيل منها شيطانٌ يدعو إليها. ثم قرأ هذه الآية: (وأن هذا صراطي مستقيمًا فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) . (1) 14169- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (وأن هذا صراطي مستقيمًا فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) ، قال: "سبيله" ، الإسلام، و "صراطه" ، الإسلام. نهاهم أن يتبعوا السبل سواه = (فتفرق بكم عن سبيله) ، عن الإسلام. 14170- حدثني محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن أبان: أن رجلا قال لابن مسعود: ما الصراط المستقيم؟ قال: تركنا محمد صلى الله عليه وسلم في أدناه، وطرفُه في الجنة، وعن يمينه جوادُّ، وعن يساره جَوَادُّ، وثمَّ رجال يدعون من مرّ بهم. فمن أخذ في تلك الجوادِّ انتهت به (1) الأثر: 14168 - صحيح الإسناد، رواه أحمد في المسند رقم: 4142، 4437، بنحوه. وقد فصل ابن كثير في تفسيره شرح هذا الإسناد، وما فيه من اختلاف الرواية 3: 427 - 429. وسيأتي برقم: 14170، موقوفًا على ابن مسعود. https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام الحلقة (650) صــ 231 إلى صــ 240 إلى النار، ومن أخذ على الصراط انتهى به إلى الجنة. ثم قرأ ابن مسعود: (وأن هذا صراطي مستقيمًا) ، الآية. * * * قال أبو جعفر: واختلفت القرأة في قراءة قوله: (وأن هذا صراطي مستقيمًا) . فقرأ ذلك عامة قرأة المدينة والبصرة وبعض الكوفيين: (وَأَنَّ) بفتح "الألف" من "أن" ، وتشديد "النون" ، ردًّا على قوله: (أن لا تشركوا به شيئًا) ، بمعنى: "قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئًا" ، "وأن هذا صراطي مستقيمًا" . * * * وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين: "وَإِنَّ" بكسر "الألف" من "أن" ، وتشديد "النون" منها، على الابتداء وانقطاعها عن الأول، إذ كان الكلام قد انتهى بالخبر عن الوصية التي أوصى الله بها عباده دونه، عندهم. (1) * * * قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي، أنهما قراءتان مستفيضتان في قرأة الأمصار وعوامّ المسلمين، (2) صحيح معنياهما، فبأيِّ القراءتين قرأ القارئ فهو مصيبٌ الحقَّ في قراءته. وذلك أن الله تعالى ذكره قد أمر باتباع سبيله، كما أمر عباده الأنبياء. (3) وإن أدخل ذلك مُدْخِلٌ فيما أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول للمشركين: (تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم) ، وما أمركم به، ففتح على ذلك "أن" ، (1) يعني بقوله: (( دونه عندهم )) ، دون النبي صلى الله عليه وسلم، عند من قرأ ذلك كذلك، كما سيظهر ذلك من الآتي بعد، انظر التعليق رقم: 3. (2) (( عوام المسلمين )) يعني: عامة المسلمين، لا يعني (( العوام )) كما استعملت بمعنى: الذين لم يتعلموا العلم. (3) في المطبوعة: (( عباده بالأشياء )) ، وهو كلام ساقط، لم يحسن قراءة المخطوطة فغير وزاد. وفي المخطوطة: (( عباده الأساء )) ، والصواب قراءتها ما أثبت. ويعني أن هذا خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء. فمصيب = وإن كسرها، إذ كانت "التلاوة" قولا وإن كان بغير لفظ "القول" لبعدها من قوله: "أتل" ، وهو يريد إعمال ذلك فيه، فمصيبٌ = وإن كسرها بمعنى ابتداء وانقطاع عن الأول و "التلاوة" ، وأن ما أُمِر النبي صلى الله عليه وسلم بتلاوته على من أُمِر بتلاوة ذلك عليهم قد انتهى دون ذلك، فمصيب. * * * وقد قرأ ذلك عبد الله بن أبي إسحاق البصري: "وَأنْ" بفتح الألف من "أن" وتخفيف النون منها، بمعنى: "قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئًا" ، "وأنْ هذا صراطي" ، فخففها، إذ كانت "أن" في قوله: (أن لا تشركوا به شيئًا) ، مخففة، وكانت "أن" في قوله: (وأن هذا صراطي) ، معطوفة عليها، فجعلها نظيرةَ ما عطفت عليه. وذلك وإن كان مذهبًا، فلا أحب القراءة به، لشذوذها عن قراءة قرأة الأمصار، وخلاف ما هم عليه في أمصارهم. * * * القول في تأويل قوله: {ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلا لِكُلِّ شَيْءٍ} قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (ثم آتينا موسى الكتاب) ، ثم قل بعد ذلك يا محمد: آتى ربك موسى الكتابَ = فترك ذكر "قل" ، إذ كان قد تقدم في أول القصّة ما يدلّ على أنه مرادٌ فيها، وذلك قوله: (1) (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم) ، فقصَّ ما حرم عليهم وأحلّ، ثم قال: ثم قل: "آتينا موسى" ، فحذف "قل" لدلالة قوله: "قل" عليه، وأنه مراد في الكلام. (1) في المطبوعة والمخطوطة: (( ذلك قوله )) بغير واو، والسياق يقتضي إثباتها. وإنما قلنا: ذلك مرادٌ في الكلام، لأن محمدًا صلى الله عليه وسلم لا شك أنه بُعث بعد موسى بدهر طويل، وأنه إنما أمر بتلاوة هذه الآيات على مَنْ أمر بتلاوتها عليه بعد مبعثه. ومعلوم أن موسى أوتي الكتاب من قبل أمر الله محمدًا بتلاوة هذه الآيات على مَنْ أمر بتلاوتها عليه. و "ثم" في كلام العرب حرف يدلّ على أن ما بعده من الكلام والخبر، بعد الذي قبلها. * * * ثم اختلف أهل التأويل في معنى قوله: (تمامًا على الذي أحسن) ، فقال بعضهم: معناه: تمامًا على المحسنين. * ذكر من قال ذلك: 14171- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (تمامًا على الذي أحسن) ، قال: على المؤمنين. 14172- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (تمامًا على الذي أحسن) ، المؤمنين والمحسنين. * * * = وكأنّ مجاهدًا وجّه تأويل الكلام ومعناه إلى أن الله جل ثناؤه أخبر عن موسى أنه آتاه الكتاب فضيلة على ما آتى المحسنين من عباده. * * * فإن قال قائل: فكيف جاز أن يقال: (على الذي أحسن) ، فيوحِّد "الذي" ، والتأويل على الذين أحسنوا؟ قيل: إن العرب تفعل ذلك خاصة في "الذي" وفي "الألف واللام" ، إذا أرادت به الكل والجميع، كما قال جل ثناؤه: (وَالْعَصْرِ إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ) ، [سورة العصر: 1،2] ، وكما قالوا: "كثر الدِّرهم فيه في أيدي الناس" . (1) (1) في المطبوعة: (( أكثر الذي هم في أيدي الناس )) ، وهو كلام غث لا معنى له، زاد (( فيه )) على ما كان في المخطوطة. وكان فيها: (( أكثر الدرهم في أيدي الناس )) ، وصواب قراءتها ما أثبت، أو: (( ما أكثر الدرهم في أيدي الناس )) . وقد سلف هذا البحث فيما مضى، وفيه نحو هذا الشاهد 4: 263، 270 / 6: 125. وقد ذكر عن عبد الله بن مسعود: أنه كان يقرأ ذلك: "تمامًا عَلَى الَّذِينَ أَحْسَنُوا" ، وذلك من قراءته كذلك، يؤيد قول مجاهد. وإذا كان المعنى كذلك، كان قوله: "أحسن" ، فعلا ماضيًا، فيكون نصبه لذلك. * * * وقد يجوز أن يكون "أحسن" في موضع خفض، غير أنه نصب إذ كان "أفعل" ، و "أفعل" ، لا يجري في كلامها. (1) فإن قيل: فبأيِّ شيء خفض؟ قيل: ردًّا على "الذي" ، إذ لم يظهر له ما يرفعه = فيكون تأويل الكلام حينئذ: ثم آتينا موسى الكتاب تمامًا على الذي هو أحسن، ثم حذف "هو" ، وجاور "أحسن" "الذي" ، فعرِّب بتعريبه، (2) إذ كان كالمعرفة من أجل أن "الألف واللام" لا يدخلانه، "والذي" مثله، كما تقول العرب: "مررت بالذي خيرٍ منك، وشرٍّ منك" ، (3) كما قال الراجز: (4) إِنَّ الزُّبَيْرِيَّ الَّذِي مِثْلَ الحَلَمْ ... مَسَّى بِأَسْلابِكُمُ أَهْلَ الْعَلَمْ (5) (1) الإجراء: الصرف. (2) في المطبوعة: (( فعرف بتعريفه )) ، وهو كلام لا معنى له، لم يحسن قراءة المخطوطة، إذ كانت غير منقوطة، وهذا صواب قراءتها. و (( التعريب )) ، هو (( الإعراب )) . (3) انظر معاني القرآن للفراء 1: 365، وفيها خطأ ظاهر، لأنه كتب هناك: (( مررت بالذي هو خير منك، وشر منك )) ، فزادوا (( هو )) ، والصواب حذفها، فلتصحح هناك. (4) لم أعرفه. (5) معاني القرآن للفراء 1: 365، وروايته كما في مطبوعة المعاني: مَشَّى بِأَسْلابِكَ فِي أَهْلِ الَعَلَمْ كأنه يعني أنه سلبه ثيابه ولبسهما، وهو يمشي بها في الناس. (( ومشى )) بتشديد الشين. يقال: (( مشى )) و (( تمشي )) و (( مشى )) بمعنى واحد. وأما رواية أبي جعفر، فهي بالسين لا بالشين، لا شك في ذلك، كأنه يقول: صبحه بالغارة، ثم أمسى بما سلبه عند (( أهل العلم )) ، وهو موضع. و (( العلم )) ، الجبل. و (( الحلم )) (بفتحتين) : القراد الصغير، يصف هذا الزبيرى الذي سلبه ثيابه وأمواله، بأنه قميء قصير. فأتبع "مثل" "الذي" ، في الإعراب. ومن قال ذلك، لم يقل: مررت "بالذي عالمٍ" ، لأن "عالمًا" نكرة، "والذي" معرفة، ولا تتبع نكرة معرفة. (1) * * * وقال آخرون: معنى ذلك: تمامًا على الذي أحسن "، موسى، فيما امتحنه الله به في الدنيا من أمره ونهيه." * ذكر من قال ذلك: 14173- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: (ثم آتينا موسى الكتاب تمامًا على الذين أحسن) ، فيما أعطاه الله. 14174- حدثني محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (ثم آتينا موسى الكتاب تمامًا على الذي أحسن) ، قال: من أحسن في الدنيا، تمم الله له ذلك في الآخرة. 14175- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد عن قتادة قوله: (ثم آتينا موسى الكتاب تمامًا على الذي أحسن) ، يقول: من أحسن في الدنيا، تمت عليه كرامة الله في الآخرة. * * * وعلى هذا التأويل الذي تأوّله الربيع، يكون "أحسن" ، نصبًا، لأنه فعل ماض، و "الذي" بمعنى "ما" = وكأنّ الكلام حينئذ: ثم آتينا موسى الكتاب تمامًا على ما أحسن موسى = أي: آتيناه الكتاب لأتمم له كرامتي في الآخرة، تمامًا على إحسانه في الدنيا في عبادة الله والقيام بما كلفه به من طاعته. * * * (1) انظر معاني القرآن للفراء 1: 365. وقال آخرون في ذلك: معناه: ثم آتينا موسى الكتاب تمامًا على إحسان الله إلى أنبيائه وأياديه عندهم. * ذكر من قال ذلك: 14176- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (ثم آتينا موسى الكتاب تمامًا على الذي أحسن) ، قال: تمامًا من الله وإحسانه الذي أحسن إليهم وهداهم للإسلام، وآتاهم ذلك الكتاب تمامًا، لنعمته عليه وإحسانه. * * * "وأحسن" على هذا التأويل أيضًا، في موضع نصب، على أنه فعل ماض، "والذي" على هذا القول والقول الذي قاله الربيع، بمعنى: "ما" . * * * وذكر عن يحيى بن يعمر أنه كان يقرأ ذلك: "تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنُ" رفعًا= بتأويل: على الذي هو أحسن. 14177- حدثني بذلك أحمد بن يوسف قال، حدثنا القاسم بن سلام قال، حدثنا الحجاج، عن هارون، عن أبي عمرو بن العلاء، عن يحيى بن يعمر. * * * قال أبو جعفر: وهذه قراءة لا أستجيز القراءة بها، وإن كان لها في العربية وجه صحيح، لخلافها ما عليه الحجة مجمعة من قرأة الأمصار. * * * قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب، قول من قال: معناه: ثم آتينا موسى الكتاب تمامًا لنعمنا عنده، على الذي أحسن موسى في قيامه بأمرنا ونهينا = لأن ذلك أظهرُ معانيه في الكلام، وأن إيتاء موسى كتابه نعمةٌ من الله عليه ومنة عظيمة. فأخبر جل ثناؤه أنه أنعم بذلك عليه لما سلف له من صالح عمل وحُسن طاعة. * * * ولو كان التأويل على ما قاله ابن زيد، كان الكلام: ثم آتينا موسى الكتاب تمامًا على الذي أحسنّا = أو: ثم آتى الله موسى الكتاب تمامًا على الذي أحسن. وفي وصفه جل ثناؤه نفسه بإيتائه الكتاب، ثم صرفه الخبر بقوله: "أحسن" ، إلى غير المخبر عن نفسه بقرب ما بين الخبرين = الدليلُ الواضح على أن القول غير القول الذي قاله ابن زيد. * * * وأما ما ذكر عن مجاهد من توجيهه "الذي" إلى معنى الجميع، فلا دليل في الكلام يدل على صحة ما قال من ذلك. بل ظاهر الكلام بالذي اخترنا من القول أشبه. وإذا تنوزع في تأويل الكلام، كان أولى معانيه به أغلبُه على الظاهر، إلا أن يكون من العقل أو الخبر دليلٌ واضح على أنه معنيٌّ به غير ذلك. * * * وأما قوله: (وتفصيلا لكل شيء) ، فإنه يعني: وتبيينًا لكل شيء من أمر الدين الذي أمروا به. (1) * * * = فتأويل الكلام إذًا: ثم آتينا موسى التوراة تمامًا لنعمنا عنده وأيادينا قِبَله، تتم به كرامتنا عليه على إحسانه وطاعته ربَّه وقيامه بما كلّفه من شرائع دينه، وتبيينًا لكل ما بقومه وأتباعه إليه الحاجة من أمر دينهم، (2) كما:- 14178- حدثني بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (وتفصيلا لكل شيء) ، فيه حلاله وحرامه. * * * (1) انظر تفسير (( التفصيل )) فيما سلف 113، تعليق: 2، والمراجع هناك. (2) في المطبوعة: (( ما لقومه )) باللام، لم يحسن قراءة المخطوطة. القول في تأويل قوله: {وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (154) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: آتينا موسى الكتاب تمامًا وتفصيلا لكل شيء = (وهدى) ، يعني بقوله "وهدى" ، تقويمًا لهم على الطريق المستقيم، وبيانًا لهم سُبُل الرشاد لئلا يضلوا = (ورحمة) ، يقول: ورحمة منا بهم ورأفة، لننجيهم من الضلالة وَعمى الحيرة. (1) وأما قوله: (لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون) ، فإنه يعني: إيتائي موسى الكتاب تمامًا لكرامة الله موسى، على إحسان موسى، وتفصيلا لشرائع دينه، وهدًى لمن اتبعه، ورحمة لمن كان منهم ضالا لينجيه الله به من الضلالة، وليؤمن بلقاء ربه إذا سمع مواعظ الله التي وعظ بها خلقه فيه، فيرتدع عما هو عليه مقيمٌ من الكفر به، وبلقائه بعد مماته، فيطيع ربه، ويصدِّق بما جاءه به نبيه موسى صلى الله عليه وسلم. * * * القول في تأويل قوله: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155) } قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (وهذا كتاب أنزلناه مبارك) ، وهذا القرآن الذي أنزلناه إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم = "كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه" ، (2) يقول: فاجعلوه إمامًا تتّبعونه وتعملون بما فيه، أيها الناس (3) = (واتقوا) ، (1) انظر تفسير (( الهدى )) و (( الرحمة )) فيما سلف من فهارس اللغة (هدى) و (رحم) . (2) انظر تفسير (( مبارك )) فيما سلف 7: 25 /11: 530. (3) انظر تفسير (( الاتباع )) فيما سلف من فهارس اللغة (تبع) . يقول: واحذروا الله في أنفسكم، أن تضيعوا العمل بما فيه، وتتعدّوا حدودَه، وتستحلُّوا محارمه. (1) كما:- 14179- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وهذا كتاب أنزلناه مبارك) ، وهو القرآن الذي أنزله الله على محمد عليه الصلاة والسلام = (فاتبعوه) ، يقول: فاتبعوا حلاله، وحرّموا حرامه. * * * وقوله: (لعلكم ترحمون) ، يقول: لترحموا، فتنجوا من عذاب الله، وأليم عقابه. * * * القول في تأويل قوله: {أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنزلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ (156) } قال أبو جعفر: اختلف أهل العربية في العامل في "أن" التي في قوله: (أن تقولوا) وفي معنى هذا الكلام. فقال بعض نحويي البصرة: معنى ذلك: "ثم آتينا موسى الكتاب تمامًا على الذي أحسن" ، (2) كراهيةَ أن تقولوا: "إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا" . * * * وقال بعض نحويي الكوفة: بل ذلك في موضع نصب بفعل مضمر. قال: ومعنى الكلام: فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون = اتقوا أن تقولوا. قال: ومثله يقول الله (1) انظر تفسير (( التقوى )) فيما سلف من فهارس اللغة (وقى) . (2) أرجح أن صواب العبارة: (( معنى ذلك: وهذا كتاب أنزلناه مبارك، كراهية أن تقولوا ... )) فإنه هو القول الذي اختاره أبو جعفر بعد. ولعله سهو منه أو من الناسخ. (أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) ، [سورة الحجرات: 2] . * * * وقال آخرون منهم: هو في موضع نصب. قال: ونصبه من مكانين: أحدهما: أنزلناه لئلا يقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا (1) = والآخر من قوله: (اتقوا) . قال: ولا يصلح في موضع "أن" كقوله: (يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) [سورة النساء: 176] . (2) * * * قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب، قول من قال: نصب "أن" لتعلقها: بالإنزال، لأن معنى الكلام: وهذا كتاب أنزلناه مبارك لئلا تقولوا: "إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا" . * * * فأما الطائفتان اللتان ذكرهما الله، وأخبر أنه إنما أنزل كتابه على نبيه محمد لئلا يقول المشركون: "لم ينزل علينا كتاب فنتبعه، ولم نؤمر ولم نُنْه، فليس علينا حجة فيما نأتي ونَذَر، إذ لم يأت من الله كتاب ولا رسول" ، (3) وإنما الحجة على الطائفتين اللتين أنزل عليهما الكتاب من قبلنا = فإنهما اليهود والنصارى، (4) وكذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 14180- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا) ، وهم اليهود والنصارى. (1) في المطبوعة والمخطوطة: (( إنما أنزل الكتاب على )) وقطع، وزدت بقية الآية. (2) انظر معاني القرآن للفراء 1: 36. (3) في المطبوعة: (( لم يأت )) ، وفي المخطوطة مثلها، وضرب عليها، ووضع حرف (ط) دلالة على الخطأ أو الشك، ورأين قراءتها، فهذا حق السياق. (4) انظر تفسير (( الطائفة )) فيما سلف 6: 500، 506 / 9: 141. |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام الحلقة (651) صــ 241 إلى صــ 250 14181- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا) ، اليهود والنصارى يُخاف أن تقوله قريش. 14182- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج عن مجاهد: (أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا) ، قال: اليهود والنصارى. قال: أن تقول قريش. 14183- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا) ، وهم اليهود والنصارى. 14184- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا) ، أما الطائفتان: فاليهود والنصارى. * * * وأما (وإن كنا عن دِرَاستهم لغافلين) ، فإنه يعني: أن تقولوا: وقد كنا عن تلاوة الطائفتين الكتابَ الذي أنزلتُ عليهم (1) = "غافلين" ، لا ندري ما هي، (2) ولا نعلم ما يقرؤون وما يقولون، وما أنزل إليهم في كتابهم، لأنهم كانوا أهله دوننا، ولم نعن به ولم نؤمر بما فيه، ولا هو بلساننا، فيتخذوا ذلك حجة. فقطع الله بإنزاله القرآنَ على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم حجتهم تلك. (3) * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 14185- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني (1) انظر تفسير (( الدراسة )) فيما سلف 6: 546 / 12: 25 - 31. (2) في المخطوطة: (( ما هم )) ، ويؤيد ما في المطبوعة، ما سيأتي بعد في رقم: 14188. (3) انظر تفسير (( الغفلة )) فيما سلف من فهارس اللغة (( غفل )) . معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: (وإن كنا عن دراستهم لغافلين) ، يقول: وإن كنا عن تلاوتهم لغافلين. 14186- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (وإن كنا عن دراستهم لغافلين) ، أي: عن قراءتهم. 14187- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (وإن كنا عن دراستهم لغافلين) ، قال: "الدراسة" ، القراءة والعلم. وقرأ: (وَدَرَسُوا مَا فِيهِ) ، [سورة الأعراف: 169] . قال: علموا ما فيه، لم يأتوه بجهالة. 14188- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (وإن كنا عن دراستهم لغافلين) ، يقول: وإن كنا عن قراءتهم لغافلين، لا نعلم ما هي. * * * القول في تأويل قوله: {أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنزلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: "وهذا كتاب أنزلناه مبارك" ، لئلا يقول المشركون من عبدة الأوثان من قريش: "إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا" ، أو: لئلا يقولوا: لو أنّا أنزل علينا الكتاب كما أنزل على هاتين الطائفتين من قبلنا، فأمرنا فيه ونُهِينا، وبُيِّن لنا فيه خطأ ما نحن فيه من صوابه = (لكنا أهدى منهم) ، أي: لكنا أشدَّ استقامة على طريق الحق، واتباعًا للكتاب، وأحسن عملا بما فيه، من الطائفتين اللتين أنزل عليهما الكتاب من قبلنا. (1) يقول الله: (فقد جاءكم بينة من ربكم) ، يقول: فقد جاءكم كتابٌ بلسانكم عربيٌ مبين، حجة عليكم واضحة بيّنة من ربكم (2) = (وهدى) ، يقول: وبيان للحق، وفُرْقانٌ بين الصواب والخطأ =، (ورحمة) لمن عمل به واتّبعه، كما:- 14189- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم فقد جاءكم بينة من ربكم) ، يقول: قد جاءكم بينة، لسانٌ عربي مبين، حين لم تعرفوا دراسة الطائفتين، وحين قلتم: لو جاءنا كتاب لكنا أهدى منهم. 14190- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم) ، فهذا قول كفار العرب = (فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة) . * * * القول في تأويل قوله: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ (157) } قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: فمن أخطأ فعلا وأشدّ عدوانًا منكم، أيها المشركون، المكذبون بحجج الله وأدلته = وهي آياته (3) = (وصدف عنها) ، يقول: وأعرض عنها بعد ما أتته، فلم يؤمن بها، ولم يصدِّق بحقيقتها. (1) انظر تفسير (( الهدى )) فيما سلف من فهارس اللغة (هدى) . (2) انظر تفسير (( البينة )) فيما سلف من فهارس اللغة (بين) . (3) انظر تفسير (( الظلم )) فيما سلف من فهارس اللغة (ظلم) = وتفسير (( الآية )) فيما سلف من فهارس اللغة (أيي) . وأخرج جل ثناؤه الخبر بقوله: (فمن أظلم ممن كذب بآيات الله) ، مخرج الخبر عن الغائب، والمعنيّ به المخاطبون به من مشركي قريش. * * * وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله: (وصدف عنها) ، قال أهل التأويل. (1) * ذكر من قال ذلك: 14191- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (وصدف عنها) ، يقول: أعرض عنها. 14192- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (يصدفون عن آياتنا) ، يعرضون عنها، و "الصدف" ، الإعراض. 14193- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (وصدف عنها) ، أعرض عنها، (سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون) ، أي: يعرضون. 14194- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (وصدف عنها) ، فصدَّ عنها. * * * وقوله: (سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب) ، يقول: سيثيب الله الذين يعرضون عن آياته وحججه ولا يتدبرونها، (2) ولا يتعرفون حقيقتها فيؤمنوا بما دلتهم عليه من توحيد الله، وحقيقة نبوة نبيه، (3) وصدق ما جاءهم به من عند (1) انظر تفسير (( صدف )) فيما سلف 11: 366. (2) انظر تفسير (( الجزاء )) فيما سلف من فهارس اللغة (جزى) . (3) في المطبوعة: (( وحقية نبوة نبيه )) ، فعل بها ما فعل بأخواتها من قبل. انظر ما سلف 11: 475 تعليق: 3، والمراجع هناك. و (( حقيقة )) مصدر بمعنى (( حق )) . ربهم = (سوء العذاب) ، يقول: شديد العقاب، وذلك عذاب النار التي أعدَّها الله لكفرة خلقه به = (بما كانوا يصدفون) ، يقول: يفعل الله ذلك بهم جزاء بما كانوا يعرضون عن آياته في الدنيا، فلا يقبلون ما جاءهم به نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم. * * * القول في تأويل قوله: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: هل ينتظر هؤلاء العادلون بربهم الأوثان والأصنام (1) إلا أن تأتيهم الملائكة "، بالموت فتقبض أرواحهم = أو أن يأتيهم ربك، يا محمد، بين خلقه في موقف القيامة =" أو يأتي بعض آيات ربك "، يقول: أو أن يأتيهم بعضُ آيات ربك. وذلك فيما قال أهل التأويل: طلوعُ الشمس من مغربها." * ذكر من قال من أهل التأويل ذلك: 14195- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: {إلا أن تأتيهم الملائكة} ، يقول: عند الموت حين توفَّاهم = "أو يأتي ربك" ، ذلك (1) انظر تفسير (نظر فيما سلف 1: 467 - 469/8: 437، 438) يوم القيامة = "أو يأتي بعض آيات ربك" ، طلوع الشمس من مغربها. 14196- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: {إلا أن تأتيهم الملائكة} ، بالموت = "أو يأتي ربك" ، يوم القيامة = "أو يأتي بعض آيات ربك" ، قال: آية موجبة، طلوع الشمس من مغربها، أو ما شاء الله. 14197- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: "هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة" ، يقول: بالموت = "أو يأتي ربك" ، وذلك يوم القيامة = "أو يأتي بعض آيات ربك" . 14198- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي، "هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة" ، عند الموت = "أو يأتي ربك" = "أو يأتي بعض آيات ربك" ، يقول: طلوع الشمس من مغربها. 14199- حدثنا ابن وكيع وابن حميد قالا حدثنا جرير، عن منصور، عن أبي الضحى، عن مسروق قال، قال عبد الله في قوله: "هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك" ، قال: يصبحون والشمس والقمر من هاهنا من قبل المغرب، كالبعيرين القَرينين = زاد ابن حميد في حديثه: "فذلك حين لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قَبْل أو كسبت في إيمانها خيرًا" ، وقال: "كالبعيرين المقترنين" . . (1) 14200- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: "هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة" ، تقبض الأنفس بالموت = "أو يأتي ربك" ، يوم القيامة = "أو يأتي بعض آيات ربك" . (1) = "الأثر: 14199 - خبر عبد الله بن مسعود، لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة، وهذا إسناد صحيح. وخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 7: 22 وقال: (( رواه الطبراني من طريقين، إحداهما هذه، وفيها عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم، وهو ضعيف. والأخرى مختصرة، ورجالها ثقات )) ، قلت: كأنه يعني هذه الطريق، أو غيرها من الطرق الآتية بعد." وخرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 57، ونسبة إلى سعيد بن منصور، والفريابي، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ، والطبراني. وأغفل ما أخرجه ابن جرير. ثم انظر خبر ابن مسعود من طرق كثيرة أخرى من رقم: 14227 - 14236. القول في تأويل قوله: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: "يوم يأتي بعض آيات ربك" ، لا ينفع من كان قبل ذلك مشركًا بالله، أن يؤمن بعد مجيء تلك الآية. * * * وقيل: إن تلك الآية التي أخبر الله جل ثناؤه أن الكافر لا ينفعه إيمانه عند مجيئها: طلوعُ الشمس من مغربها. * ذكر من قال ذلك، وما ذكر فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: 14201- حدثني عيسى بن عثمان الرملي قال، حدثنا يحيى بن عيسى، عن ابن أبي ليلى، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسًا إيمانها" ، قال: طلوع الشمس من مغربها. (1) (1) الأثران: 14201، 14202 - حديث الخدري، مروي من طريقين، هذا والذي يليه. (( عيسى بن عثمان بن عيسى الرملي )) ، شيخ الطبري، صالح الحديث، مضى برقم: 300. و (( يحيى بن عيسى التميمي )) ، عم (( عيسى بن عثمان )) ، وهو ثقة. مضى برقم: 300، 6317، 9035. و (( ابن أ [ي ليلى )) ، هو (( محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى )) ، كان فقيهًا صدوقًا، غير أنه كان سيئ الحفظ مضطرب الحديث. تركه أحمد. مضى برقم: 32، 33، 631، 3914، 5434. و (( عطية )) ، هو (( عطية بن سعد بن جنادة العوفي )) ، مضى تضعيفه في رقم: 305. وكان لعطية عن سعيد الخدري أحاديث عدة، قال ابن حبان: سمع من أبي سعيد (( الخدري )) ، أحاديث، فلما مات، جعل يجالس الكلبي ... فإذا قال الكلبي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا ... فيحفظه، وكناه أبا سعيد، ويروي عنه. فإن قيل له من حدثك بهذا فيقول: (( حدثني أبو سعيد )) ، فيتوهمون أنه يريد أبا سعيد الخدري، وإنما أراد الكلبي. قال: لا يحل كتب حديثه إلا على التعجب. وهذا الخبر رواه أحمد في مسنده 3: 31، بالإسناد الثاني، ورواه به أيضًا الترمذي في كتاب التفسير وقال: (( هذا حديث غريب. ورواه بعضهم ولم يرفعه )) . وهو خبر ضعيف الإسناد. 14202- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن ابن أبي ليلى، عن عطية، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثله. 14203- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن فضيل، وجرير عن عمارة، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها. قال: فإذا رآها الناس آمن من عليها، فتلك، "حين لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا" .' (1) 14204- حدثنا عبد الحميد بن بيان السكري وإسحاق بن شاهين قالا (1) الأثر: 14203 - خبر أبي هريرة، رواه أبو جعفر من طرق. الأولى: من طريق: عمارة، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة، برقم 14203، 14209. الثانية: من طريق العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، برقم: 14210، 14236. الثالثة: من طريق: ابن عون، عن أبي سيرين، عن أبي هريرة برقم: 14211. الرابعة: من طريق: أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة: 14220. الخامسة: من طريق جعفر بن ربيعة، عن عبد الرحمن بن هرمز، عن ابي هريرة برقم: 14219. السادسة: من طريق ابن جريج، عن صالح مولى التوأمة، عن أبي هريرة برقم: 14225. السابعة: من طريق أبي حازم، عن ابي هريرة، رقم 14247، وهو بغير هذا اللفظ. ولتفرق هذه الآثار، سأجمع كل متشابهين في التخريج في مكان واحد. فهذا الأثر رقم: 14203، 14209 رواه البخاري من هذه الطريق نفسها (الفتح 8: 223 / 11: 304) ، ورواه مسلم في صحيحه 2: 194، ورواه أحمد رقم: 7161، وأبو دادود في سننه 4: 163، وابن ماجه ص: 1352، وذكره ابن كثير في تفسيره 3: 433، وخرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 57، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وعبد الرزاق، والنسائي، وابن المنذر، وأبي الشيخ، وابن مردويه، والبيهقي في البعث، والطبراني أبي عدي. و (( عمارة )) هو (( عمارة بن القعقاع بن شبرمة الضبي )) ، روى له الجماعة، ثقة. مترجم في التهذيب. و (( أبو زرعة بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي )) ، مضى برقم: 4841، 8155، 9161. وهذا حديث صحيح الإسناد. أخبرنا خالد بن عبد الله الطحان، عن يونس، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، يومًا: أتدرون أين تذهب هذه الشمس؟ قالوا: الله ورسوله أعلم! قال: إنها تذهب إلى مستقرِّها تحت العرش، فتخرُّ ساجدة، فلا تزال كذلك حتى يقال لها: "ارتفعي من حيث شئت" ، فتصبح طالعة من مطلعها. ثم تجري إلى أن تنتهي إلى مستقرٍّ لها تحت العرش، فتخرّ ساجدة، فلا تزال كذلك حتى يقال لها: "ارتفعي من حيث شئت" ، فتصبح طالعةً من مطلعها. ثم تجري لا ينكر الناسُ منها شيئًا، حتى تنتهي فتخرّ ساجدة في مستقر لها تحت العرش، فيصبح الناسُ لا ينكرون منها شيئًا، فيقال لها: "اطلعي من مغربك" فتصبح طالعة من مغربها. قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: أتدرون أيّ يوم ذلك؟ قالوا: الله ورسوله أعلم! قال: ذاك يومَ "لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا" . (1) 14205- حدثنا مؤمل بن هشام ويعقوب بن إبراهيم قالا حدثنا ابن علية، (1) الأثر: 14204، 14205 - حديث أبي ذر الغفاري، رواه من طرق مطولا ومختصرًا، هذان، ثم من رقم 14221 - 14223، وسأذكرها مفرقة. (( عبد الحميد بن بيان السكري، القناد )) ، شيخ الطبري، مضى مرارًا، آخرها 10154، وكان في المطبوعة هنا (( اليشكري )) ، وهو خطأ، صوابه ما في المخطوطة. و (( إسحاق بن شاهين الواسطي )) ، شيخ الطبري، مضى برقم: 7211، 9788. و (( خالد بن عبد الله الطحان )) ، مضى مرارًا، آخرها رقم: 11504. و (( يونس )) ، هو (( يونس بن عبيد بن دينار العبدي )) ، مضى أيضًا بأرقام آخرها: 10574. و (( إبراهيم التيمي )) ، هو (( إبراهيم بن يزيد بن شريك التيمي )) تابعي، ثقة. مضى بأرقام آخرها: 10284. وأبو (( يزيد بن شريك التيمي )) ، تابعي ثقة، مضى برقم: 2998. وهو خبر صحيح الإسناد. رواه البخاري (الفتح 6: 214 / 8: 416) ، ورواه مسلم 2: 195، 196، والطيالسي: 62، والترمذي في التفسير، وفي الفتن. وذكره ابن كثير في تفسيره 3: 4334، وخرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 57، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وأبي داود، والنسائي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ، وابن مردويه، والبيهقي. وقد استوفى شرحه في الفتح (8: 416) . عن يونس، عن إبراهيم بن يزيد التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، نحوه. (1) 14206- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن عاصم، عن زر، عن صفوان بن عسّال قال، حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّ من قِبَل مغرب الشمس بابًا مفتوحًا للتوبة حتى تطلع الشمس من نحوه. فإذا طلعت الشمس من نحوه، لم ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا. . (2) 14207- حدثنا المفضل بن إسحاق قال، حدثنا أشعث بن عبد الرحمن بن زبيد الإياميّ، عن أبيه، عن زبيد، عن زر بن حبيش، عن صفوان بن عسال المرادي قال: ذكرت التوبة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: للتوبة بابٌ بالمغرب مسيرة سبعين عامًا = أو: أربعين عامًا = فلا يزال كذلك حتى يأتي بعض آيات ربك. . (3) (1) الأثر: 14205 - إسناده صحيح، مكرر الذي قبله (2) الأثر: 14206 - حديث (صفوان بن عسال المرادي ) ) صاحب رسول الله، رواه أبو جعفر من طريقين: الأول: من طريق عاصم بن أبي النجود (عاصم ابن بهدلة) ، عن زر، عن صفوان، رقم 14206، 14208، 142016 - 14218، 14242. الثاني: من طريق زبيد الإيامي، عن زر، عن صفوان رقم: 14207. والخبر، رواه أحمد في المسند 4: 240، والطاليسي: 160، وابن ماجه ص: 1353، والترمذي، والنسائي. وذكره ابن كثير في تفسيره 3: 435، والسيوطي في الدر المنثور 3: 59، وزاد نسبته إلى سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، والطبراني، وابن المنذر، وأبي الشيخ، والبيهقي، وابن مردويه. وقال ابن كثير: (( صححه النسائي )) . ورواه البخاري في التاريخ الكبير 2 / 2 / 305، من طريق عبد الرحمن بن مرزوق، عن زر حبيش، عن صفوان بن عسال، ثم قال: (( لا يعف سماع عبد الرحمن، من زر )) (3) الأثر: 14207 - (( المفضل بن إسحاق )) ، شيخ الطبري، لم أجد له ترجمة. (( أشعث بن عبد الرحمن بن زبيد الإيامي )) ، ويقال:، (( اليامي )) أيضًا. ذكره ابن حبان في الثقات، وأخرج له ابن خزيمة في صحيحه، وقال أبو حاتم: (( محله صدق )) ، أما النسائي فقال: (( ليس بثقة، ولا يكتب حديثه )) قال ابن عدي: (( أفرط النسائي في أمره، وقد تبحرت حديثه، فلم أر له حديثًا منكرًا )) . وكان في المطبوعة (( اليامى )) ، وأثبت ما في المخطوطة. وأبوه: (( عبد الرحمن بن زبيد الإيامي )) ، روى عنه يحيى بن عقبة بن أبي العيزار. قال البخاري: (( منكر الحديث )) وقيل: (( النكارة هي من يحيى )) ، نقل عن البخاري أيضًا. قال الحافظ في لسان الميزان: (( وهذا إنما قاله البخاري الراوي عنه. وأما (( عبد الرحمن )) ، فذكره ابن حبان في الثقات. وأما أبوه (( زبيد بن الحارث الإيامي )) ، فهو ثقة، مضى برقم: 180، 2521، 5420. و (( زر بن حبيش )) ، مضى مرارًا. ولم أجد من الخبر من هذه الطريق، في شيء مما بين يدي من الكتب. https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام الحلقة (652) صــ 251 إلى صــ 260 14208- حدثني محمد بن عمارة قال، حدثنا سهل بن عامر قال، حدثنا مالك، عن عاصم بن أبي النجود، عن زر بن حبيش، عن صفوان بن عسال أنه قال: إن بالمغرب بابًا مفتوحًا للتوبة مسيرة سبعين عامًا، فإذا طلعت الشمس من مغربها، لم ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا. (1) 14209- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن فضيل، عن عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها. فإذا طلعت ورآها الناس، آمن مَنْ عليها، فذلك حين "لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل" . (2) 14210- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا خالد بن مخلد قال، حدثنا محمد بن جعفر، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى تطلعَ الشمس من مغربها، فيومئذ يؤمن (1) الأثر: 14208 - (( محمد بن عمارة الأسدي )) ، شيخ الطبري، مضى مرارًا. (( سهل بن عامرالبجلي )) ، ضعيف جدًا، منكر الحديث. مضى برقم: 1971، 5431، 6313. و (( مالك )) هو (( مالك بن مغول بن عاصم البجلي )) ، ثقة، مضى برقم: 5431، 10872. وهذا خبر ضعيف الإسناد، لضعف (( سهل بن عامر البجلي )) . (2) الأثر: 14209 - مكرر الذي سلف برقم: 14203. الناس كلهم أجمعون، وذلك حين "لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا" . (1) 14211- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن أبي عون، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة قال، التوبة مقبولة، ما لم تطلع الشمس من مغربها. (2) 14212- حدثنا أحمد بن الحسن الترمذي قال، حدثنا سليمان بن عبد الرحمن قال، حدثنا ابن عياش قال، حدثنا ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد، عن مالك بن يخامر، عن معاوية بن أبي سفيان وعبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن عمرو بن العاص، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: لا تزل التوبة مقبولة حتى تطلع الشمس من مغربها. فإذا طلعت طُبِع على كل قلب بما فيه، وكُفي الناسُ العمل. (3) 14213- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو أسامة وجعفر بن عون، بنحوه. (1) الأثر: 14210 - هذه هي الطريق الثانية لأثر أبي هريرة، كما سلف في صدر التعليق على رقم: 14203. (( خالد بن مخلد القطواني )) ، ثقة من شيوخ البخاري، مضى برقم: 2606، 4577، 8166، 8397. و (( محمد بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري )) ، ثقة معروف، مضى برقم: 2606، 8397. و (( العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب، مولى الحرقة )) ، تابعي ثقة، مضى برقم: 221. وأبوه (( عبد الرحمن بن يعقوب، مولى الحرقة )) ، تابعي ثقة، مترجم في التهذيب. وهذا الخبر رواه مسلم في صحيحه 2: 194، من طريق يحيى بن أيوب، وقتيبة بن سعيد، وعلي بن حجر، عن إسماعيل بن جعفر (أخو محمد بن جعفر رواى هذا الخبر) ، عن العلاء بن عبد الرحمن. وهو حديث صحيح الإسناد. (2) الأثر: 14211 - هذه هي الطريق الثالثة من طرق حديث أبي هريرة، كما سلف في رقم: 14203. (( ابن عون )) ، هو (( عبد الله بن عون المزني )) الفقيه، مضى مرارًا، آخرها رقم: 10559. وكان في المطبوعة: (( عن أبي عون )) ، وهو خطأ، صوابه من المخطوطة. وهذا إسناد صحيح أيضًا، لم أجد في غير التفسير. (3) الأثر: 14212 - (( أحمد بن الحسن بن جنيدب الترمذي )) ، الحافظ، شيخ الطبري، مضى برقم: 7489. و (( سليمان بن عبد الرحمن بن عيسى التميمي الدمشقي )) ، قال ابن معين: (( ثقة، إذا روى عن المعروفين )) ، وقال ابن حبان: (( يعتبر حديثه إذا روى عن الثقات المشاهير، فأما إذا روى عن المجاهيل، ففيها منكر )) . مترجم في التهذيب. و (( ابن عياش )) ، هو (( إسماعيل بن عياش بن مسلم العنسي )) ، ثقة، متكلم فيه، مضى برقم: 5445، 8164، 10375، 10730، 11108. و (( ضمضم بن زرعة بن ثوب الحميري )) ، ثقة، وضعفه بعضهم مضى برقم: 5445. و (( شريج بن عبيد بن شريح الحضرمي )) ، تابعي ثقة، مضى برقم: 5445، 12194. و (( مالك بن يخامر السكسكى )) ، تابعي. مترجم في التهذيب. وهذا خبر صحيح الإسناد، مختصر رواه أحمد في مسنده رقم: 1671، من طريق الحكم ابن نافع: (( عن إسماعيل بن عياش، عن ضمضم بن زرعة، يرده إلى مالك بن يخامر، عن ابن السعدي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تنقطع الهجرة ما دام العدو يقاتل. فقال معاوية، وعبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن عمرو بن العاص: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الهجرة خصلتان: إحداهما أن تهجر السيئات، والأخرى أن تهاجر إلى الله ورسوله، ولا تنقطع الهجرة ما تقبلت التوبة، ولا تزال التوبة ... )) إلى آخر الخبر. وهو في حديث معاوية من المسند 5: 270 من غير هذه الطريق، بغير هذا اللفظ. وخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 5: 250، وانظر تخريج أخي السيد أحمد في المسند: 1671. وسيأتي أخي السيد أحمد في المسند: 1671. 14214- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن أبي حيان التيمي، عن أبي زرعة قال، جلس ثلاثة من المسلمين إلى مروان بن الحكم بالمدينة، فسمعوه وهو يحدث عن الآيات: أن أولها خروجا الدجالُ، فانصرف القوم إلى عبد الله بن عمرو، فحدثوه بذلك، فقال: لم يقل مروان شيئًا! قد حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك شيئًا لم أنسَه، لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن أوّل الآيات خروجًا طلوع الشمس من مغربها، أو خروج الدابة على الناس ضُحًى، أيَّتهما ما كانت قبل صاحبتها، (1) فالأخرى على أثرها قريبًا. ثم قال عبد الله بن عمرو، وكان يقرأ الكتب: أظن أولهما خروجًا طلوع الشمس من مغربها، وذلك أنها كلما غربت أتت تحت العرش فسجدت واستأذنت في الرجوع، فيؤذن لها في الرجوع، حتى إذا بدا لله أن تطلع من مغربها، فعلت (1) في المطبوعة: (( أيتها كانت )) بغير (( ما )) ، وهي ثابتة في المخطوطة، ومسند أحمد. كما كانت تفعل، أتت تحت العرش فسجدت واستأذنت في الرجوع، فلم يردَّ عليها شيئًا، (1) فتفعل ذلك ثلاث مرات، لا يردّ عليها بشيء. حتى إذا ذهب من الليل ما شاء الله أن يذهب، وعرفت أن لو أذن لها لم تدرك المشرق، قالت: "ما أبعدَ المشرق! ربِّ، منْ لي بالناس" ! حتى إذا صار الأفق كأنه طَوْق، استأذنت في الرجوع، فقيل لها: "أطلعي من مكانك" ، فتطلع من مغربها. ثم قرأ: "يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسًا إيمانها" ، إلى آخر الآية. (2) 14215- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو ربيعة فهد قال، حدثنا حماد، عن يحيى بن سعيد أبي حيان، عن الشعبي، أن ثلاثة نفر دخلوا على مروان بن الحكم، فذكر نحوه، عن عبد الله بن عمرو. (3) (1) في المخطوطة: (( وذلك دانها كلما غربت أتت تحت العرش فسجدت واستأذنت في الرجوع، فلم يرد عليها شيئًا )) ، أسقط ما بين الكلام، وأثبته ناشر المطبوعة الأولى من الدر المنثور فيما أرجح، ومثله في مسند أحمد. وكان في المخطوطة: (( وذلك دانها )) غير منقوطة، صواب قراءتها ما في المطبوعة والمسند. (2) الأثر: 14214 - حديث عبد الله بن عمرو، رواه مطولا من طريقين، هذا والذي يليه، ورواهمختصرًا برقم 14226 - 14243. (( أبو حيان التمي )) هو (( يحيى بن سعيد بن حيان التيمي )) ، ثقة، مضى مرارًا آخرها رقم: 10883. و (( أبو زرعة بن عمرو بن جرير )) ، ثقة، مضى قريبًا رقم: 14203. وهذا الخبر رواه أحمد في المسند رقم: 6881، من هذه الطريق نفسها، وخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 8: 8، 9، وقال: (( في الصحيح طرف من أوله، رواه أحمد، والبزار، والطبراني، في الكبير، ورجاله رجال الصحيح )) . ورواه الحاكم في المستدرك 4: 547، 548، بنحوه، من طريق جعفر بن عون العمري، عن أبي حيان التيمى، وقال: (( هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه )) ، ووافقه الذهبي غير مصرح بالموافقة. ورةى الحاكم أيضًا في المستدرك 4: 500، 501، حديث عن عبد الله بن عمرو هذا بزيادة واختلاف، من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن إسحاق بن وهب، عن جابر الخيواني، قال: (( كنت عند عبد الله بن عمرو، فقدم عليه قهرمان من الشام، وقد بقيت ليلتان من رمضان ... )) وساق الخبر، ثم قال: (( هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه )) ، ووافقه الذهبي. وذكره ابن كثير في تفسيره 3: 436، والسيوطي في الدر المنثور 3: 57، وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة، ومسلم، وأبي داود، وابن ماجه، وابن المنذر، وابن مردويه، والبيهقي. والذي رواه مسلم، وأبو داود، وابن ماجه، هو المختصر، لا هذا المطول. (3) الأثر: 14215 - هذه طريق أخرى للخبر السالف، وهو ضعيف إسناده. (( أبو ربيعة )) ، لقبه (( فهد )) ، واسمه (( زيد بن عوف القطعي )) ، متروك، قال البخاري: (( سكتوا عنه )) ، واتهمه أبو زرعة بسرقة حديثين، كما هو مفصل في ابن أبي حاتم. مترجم في الكبير 2 / 1 / 369، وابن أبي حاتم 1 / 2 / 570، وميزان الاعتدال 1: 364، ولسان الميزان 2: 509. 14216- حدثنا الحسن بن يحيى قالأخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر قال، سمعت عاصم بن أبي النجود، يحدث عن زر بن حبيش، عن صفوان بن عسال، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن بالمغرب بابًا مفتوحًا للتوبة مسيرة سبعين عامًا، لا يغلق حتى تطلع الشمس من نحوه. (1) 14217- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو خالد، عن حجاج، عن عاصم، عن زر بن حبيش، عن صفوان بن عسال قال: إذا طلعت الشمس من مغربها، فيومئذ لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل. (2) 14218- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو ربيعة فهد قال، حدثنا عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش قال: غَدَوْتُ إلى صفوان بن عسال فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن باب التوبة مفتوح من قبل المغرب، عرضه مسيرة سبعين عامًا، فلا يزال مفتوحًا حتى تطلع من قبله الشمس. ثم قرأ: "هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك" ، إلى: "خيرًا" . (3) 14219- حدثني الربيع بن سليمان قال، حدثنا شعيب بن الليث قال، (1) الأثر: 14216، 14217 - طريقان من طرق حديث صفوان، السالف تخريجه رقم: 14206 - 14208. ورواه أحمد في المسند 4: 240، 241، في حديث طويل. (2) الأثر: 14216، 14217 - طريقان من طرق حديث صفوان، السالف تخريجه رقم: 14206 - 14208. ورواه أحمد في المسند 4: 240، 241، في حديث طويل. (3) الأثر: 14218 - طريق من طرق حديث صفوان السالف تخريجه رقم: 14206 - 14208، ولكن هذا الإسناد ضعيف، لضعف (( أبي ربيعة، فهد )) ، وقد مضى في رقم: 14215. حدثنا الليث، عن جعفر بن ربيعة، عن عبد الرحمن بن هرمز: أنه قال: قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من المغرب. قال: فإذا طلعت الشمس من المغرب آمن الناس كلهم، وذلك حين "لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا" . (1) 14220- حدثنا الحسن بن يحيى قالأخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها قُبِل منه. (2) 14221- حدثني المثنى قال، حدثنا فهد قال، حدثنا حماد، عن يونس بن عبيد، عن إبراهيم بن يزيد التيمي، عن أبي ذر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الشمس إذا غربت أتت تحت العرش فسجدت، فيقال لها: "أطلعي من حيث غربت" ، ثم قرأ هذه الآية: (هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة) ، إلى آخر الآية (3) . (1) الأثر: 14219 - هذه هي الطريق الخامسة لحديث أبي هريرة المذكورة في رقم: 14203. (( شعيب بن الليث بن سعد المصري )) ، ثقة معروف، مضى برقم: 3034، 5314. و (( الليث بن سعد المصري )) ، الإمام المشهور، مضى مرارًا. و (( جعفر بن ربيعة بن شرحبيل بن حسنة الكندي )) المصري، ثقة، مضى برقم 5005، 6897. و (( عبد الرحمن بن هرمز )) الأعرج، مضى مرارًا. وهذا الخبر رواه البخاري (الفتح 11: 303 /13: 72) ، من طريق أبي اليمان، عن شعيب، عن عبد الرحمن، عن أبي هريرة. (2) الأثر: 14220 - هذه هي الطريق الرابعة لخبر أبي هريرة، المذكور في رقم: 14203. رواه أحمد في المسند برقم 7697، ورواه مسلم في صحيحه من هذه الطريق، وخرجه أخي السيد أحمد هناك. (3) الأثر: 14221 - هذه إحدى الطرق الخمس، لحديث أبي ذر التي ذكرتها في تخريج الخبر رقم: 14204.وفي إسناد هذا الخبر انقطاع، فإن إبراهيم التيمي لم يرو عن أبي ذر. قال أحمد: "لم يلق أبا ذر" ، ولعل هذا المنقطع هو سبب قول مسلم في رواية هذا الحديث 2: 195: "يونس، عن إبراهيم بن يزيد التيمي، سمعه فيما أعلم، عن أبيه عن أبي ذر" . فهذا إسناد ضعيف لانقطاعه. وهو أيضا إسناد ضعيف؛ لضعف "فهد" وهو "أبو ربيعة" ، "زيد بن عوف" مضت ترجمته في رقم 14215، 14218، وكان في المخطوطة: "يوسف بن عبيد" والصواب ما في المطبوعة. 14222- حدثني المثنى قال، حدثنا يزيد بن هارون، عن سفيان بن حسين، عن الحكم، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر قال: كنت رِدْفَ النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم على حمارٍ، فنظر إلى الشمس حين غربت فقال: إنها تغرب في عين حامية، (1) تنطلق حتى تخرّ لربها ساجدة تحت العرش، حتى يأذن لها، فإذا أراد أن يطلعها من مغربها حبسها، فتقول: يا ربِّ، إن مسيري بعيد! فيقول لها: اطلعي من حيث غربت! فذلك حين "لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل" . (2) 14223- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبدة، عن موسى بن المسيب، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر قال: نظر النبي صلى الله عليه وسلم يومًا إلى الشمس فقال: يوشك أن تجيء حتى تقف بين يدي الله، فيقول: "ارجعي من حيث جئت" ! فعند ذلك: "لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا" . (3) (1) في المطبوعة: (( في عين حمئة )) ، وأثبت ما في المخطوطة. و (( الحمئة )) : ذات الحمأة، وهي الطين الأسود المنتن. و (( الحامية )) الحارة، وآية سورة الكهف 86: (( حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة )) ، قرئت أيضًا (( حامية )) ، قال أبو جعفر في تفسيره 16: 10 (بولاق) : أنهما: (( قراءتان مستفيضتان في قرأة الأمصار، ولكل واحدة منهما وجه صحيح، ومعنى مفهوم )) . (2) الأثر: 14222 - هذه إحدى الطرق الخمس المذكورة في رقم: 14204. (( سفيان بن حسين الواسطي )) ، ثقة، تكلموا في حديثه عن الزهري. مضى مرارًا، آخرها رقم: 11285. و (( الحكم )) ، هو (( الحكم بن عتيبة الكندي )) ، ثقة، مضى مرارًا، آخرها رقم: 11085. (3) الأثر: 14223 - هذه آخر طرق حديث أبي ذر المذكورة في رقم: 14204. (( عبدة )) ، هو (( عبدة بن سليمان الكلابي )) ، ثقة من شيوخ أحمد. مضى مرارًا، آخرها: 8315. و (( موسى بن المسيب الثقفي )) ويقال: (( موسى بن السائب )) ، لم يذكر البخاري فيه جرحًا، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال أحمد: (( ما أعلم إلا خيرًا )) ، وضعفه الأزدي. مترجم في التهذيب، والكبير 4 / 1 / 294، وابن أبي حاتم 4 / 1 / 161. 14224- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا) ، فهو أنه لا ينفع مشركًا إيمانه عند الآيات، وينفع أهل الإيمان عند الآيات إن كانوا اكتسبوا خيرًا قبل ذلك. قال ابن عباس: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عشيةً من العشيّات فقال لهم: يا عباد الله، توبوا إلى الله، فإنكم توشكون أن تروا الشمس من قِبَل المغرب، فإذا فعلت ذلك، حُبِست التوبة، وطُوِي العمل، وخُتم الإيمان. (1) فقال الناس: هل لذلك من آية يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن آية تلكم الليلة، أن تطول كقدر ثلاث ليال، فيستيقظ الذين يخشون رَبهم، فيصلُّون له، ثم يقضون صلاتهم والليل مكانه لم ينقض، ثم يأتون مضاجعهم فينامون. حتى إذا استيقظوا والليل مكانه، فإذا رأوا ذلك خافوا أن يكون بين يدي أمرٍ عظيم. (2) فإذا أصبحوا وطال عليهم طلوع الشمس، فبينا هم ينتظرونها إذ طلعت عليهم من قبل المغرب، فإذا فعلت ذلك لم ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل. (3) 14225- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن صالح مولى التوأمة، عن أبي هريرة، أنه سمعه يقول: قال (1) في المخطوطة: (( وطوى العمل، وختم العمل )) ، وصححه الناشر الأول من الدر المنثور. (2) في المطبوعة، والدر المنثور: (( خافوا أن يكون ذلك بين يدي أمر عظيم )) ، وما في المخطوطة مستقيم. (3) الأثر: 14224 - (( محمد بن سعد العوفي )) ، وسلسة إسناده، شرحها أخي السيد أحمد في التعليق على الأثر رقم: 305، وكل رواته ضعفاء. رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا كلهم أجمعون، فيومئذ "لا ينفع نفسًا إيمانها" ، الآية. (1) 14226- وبه قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج، أخبرني ابن أبي عتيق، أنه سمع عبيد بن عمير يتلو: (يوم يأتي بعض آياته ربك لا ينفع نفسًا إيمانها) ، قال، يقول: [كنّا] نُحدَّث، والله أعلم، أنها الشمس تطلع من مغربها = قال ابن جريج، وأخبرني عمرو بن دينار: أنه سمع عبيد بن عمير يقول ذلك = قال ابن جريج، وأخبرني عبد الله بن أبي مليكة: أنه سمع عبد الله بن عمرو يقول: إن الآية التي لا ينفع نفسًا إيمانها، إذا طلعت الشمس من مغربها. = قال ابن جريج: وقال مجاهد ذلك أيضًا. (2) 14227- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن شعبة، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن ابن مسعود: (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسًا إيمانها) ، قال: طلوع الشمس من مغربها. (3) (1) الأثر: 14225 - هذه هي الطريق السادسة من طرق حديث أبي هريرة، التي ذكرتها في صدر التعليق على رقم: 14203. (( صالح مولى التوأمة )) هو (( صالح بن نبهان )) . مضى برقم: 1020، 3959، ثقة، ولكنهم تكلموا فيه من قبل خرف أصابه فاختلط، فقال أحمد: (( من سمع منه قديمًا فذاك )) ، وابن جريج أحد القدماء الذين رووا عنه، فحديثه هذا لا بأس به. ولم أجد الخبر في مكان آخر. (2) الأثر: 14226 - هذه طريق أخرى لخبر عبد الله بن عمرو بن العاص، مختصر الخبر السالف رقم: 14212، وهو من طريق ابن جريج، عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، عن عبد الله بن عمرو، وهو إسناد صحيح. (3) الأثر: 14227، 14228 - خبر عبد الله بن مسعود، رواه الطبري آنفًا من طريق رقم: 14199، ثم رواه هنا من طرق، من رقم 14227 - 14234، 14239، وهذا بيان طرقه. الأولى: من طريق أبي الضحى، عن مسروق، عن ابن مسعود، برقم: 14199، ثم 14230، 14232، 14233. الثانية: من طريق قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن ابن مسعود، برقم: 14227، 14228، 14231. الثالثة: من طريق ابن سيرين، عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود، عن ابن مسعود، برقم: 14229. الرابعة: من طريق أشعث بن أبي الشعثاء، عن أبي الشعثاء، عن أبي مسعود، برقم: 14234، 14239. وهذا الخبر من الطريق الثانية. (( زرارة أوفى الحرشي )) القاضي، ثقة، روى له أصحاب الكتب الستة. ولكنه لم يسمع من ابن مسعود، كما قال أبو داود الطيالسي، فهذا إسناد ضعيف لانقطاعه. وانظر تخريج الأثر السالف رقم: 14199. 14228- حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى قالا حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة قال، سمعت قتادة يحدث عن زرارة بن أوفى، عن عبد الله بن مسعود في هذه الآية: (يوم يأتي بعض آيات ربك) ، قال: طلوع الشمس من مغربها. 14229- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا ابن أبي عدي وعبد الوهاب، عن عوف، عن ابن سيرين قال، حدثني أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود قال: كان عبد الله بن مسعود يقول: ما ذكر من الآيات فقد مضَين غير أربع: طلوع الشمس من مغربها، ودابة الأرض، والدجال، وخروج يأجوج ومأجوج، والآية التي تختم بها الأعمال: طلوع الشمس من مغربها. ألم تر أن الله قال: (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا) ، قال: فهي طلوع الشمس من مغربها. (1) (1) الأثر: 14229 - هذه هي الطريق الثالثة لخبر ابن مسعود، كما ذكرت في التعليق على الأثرين السالفين. و (( عبد الوهاب )) هو (( عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي )) ، ثقة، مضى مرارًا، آخرها: 10729. و (( عوف )) هو (( عوف بن أبي جميلة العبدي )) ، (( عوف الأعرابي )) ، مضى مرارًا، آخرها رقم: 5473 - 5477. وكان في المطبوعة والمخطوطة: (( عبد الوهاب بن عوف، عن ابن سيرين )) ، وهو لا يصح، خطأ محض، وسيتبين ذلك فيما بعد. (( ابن سيرين )) هو (( أنس بن سيرين الأنصاري )) ، كما يتبين من إسناد الحاكم في المستدرك، ولكن ابن كثير في تفسيره صرح بأنه (( عن محمد بن سيرين )) ، وكلاهما روى عنه عوف الأعرابي، والأرجح أن هذا الحديث من حديث (( محمد بن سيرين )) . و (( أنس بن سيرين الأنصاري )) ، كان ثقة قليل الحديث، وهو أخو (( محمد بن سيرين )) ، وأنس دون أخيه محمد، روى له الجماعة. مترجم في التهذيب، والكبير 2 / 2 / 33، وابن أبي حاتم 1 / 1 / 287 و (( أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود )) ، مضى مرارًا، آخرها رقم: 10355، وقد سلف مرارًا أنه لم يدرك أن يروي عن أبيه بن مسعود. فهذا إسناد منقطع. وهذا الخبر رواه الحاكم في المستدرك 4: 545، من طريق سفيان، عن عوف، عن أنس ابن سيرين، عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود، عن عبد الله بن مسعود. قال الحاكم: (( هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه )) وقال الذهبي: (( صحيح )) . ولكن علته انقطاعه كما ثبت. وذكره ابن كثير في تفسيره 3: 437، وخرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 59، وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد. وابن مردويه. https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام الحلقة (653) صــ 261 إلى صــ 270 14230- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن سليمان، عن أبي الضحى، عن مسروق قال: قال عبد الله: (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسًا إيمانها) ، قال: طلوع الشمس من مغربها مع القمر، كأنهما بعيران مقرونان. (1) 14231-. . . . قال شعبة: وحدثنا قتادة، عن زرارة، عن عبد الله بن مسعود: (يوم يأتي بعض آيات ربك) ، قال: طلوع الشمس من مغربها. (2) 14232- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عبد الله بن مسعود: (يوم يأتي بعض آيات ربك) ، قال: طلوع الشمس من مغربها مع القمر، كالبعيرين المقترنين. (3) 14233- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن منصور والأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق عن عبد الله: (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسًا إيمانها) ، قال: طلوع الشمس من مغربها مع القمر، كالبعيرين القرينين. (4) (1) الأثر: 14230 - هذه رواية الطريق الأولى لحديث ابن مسعود التي سلف بيانها في تخريج الخبر رقم: 14227، وسلف تخريجها في رقم: 14199. (2) الأثر: 14231 - هذه رواية الطريق الثانية لحديث ابن مسعود، وسلف تخريجه وبيان انقطاع إسناده فيها سلف رقم 14227. (3) الأثر: 14232، 14233 - هاتان روايتان من الطريق الأولى لحديث ابن مسعود كما بينته في رقم 14227، وهو صحيح الإسناد كما سلف في رقم: 14199. (4) 14232، 14233 - هاتان روايتان من الطريق الأولى لحديث ابن مسعود كما بينته في رقم 14227، وهو صحيح الإسناد كما سلف في رقم: 14199. 14234-. . . وقال، حدثنا أبي، عن إسرائيل وأبيه، عن أشعث بن أبي الشعثاء، عن أبيه، عن عبد الله قال: التوبة مبسوطةٌ ما لم تطلع الشمس من مغربها. (1) 14235- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قال: ذكر لنا أن ابن أمِّ عبد كان يقول: لا يزال باب التوبة مفتوحًا حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا رأى الناس ذلك آمنوا، وذلك حين "لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا" . (2) 14236- حدثنا بشر قال، حدثنا عبد الله بن جعفر قال، حدثنا العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها. فإذا طلعت آمن الناس كلهم، فيومئذ "لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا" . (3) 14237- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عبيد بن عمير: (يوم يأتي بعض آيات ربك) ، قال: طلوع الشمس من مغربها. (1) الأثر: 14234 - هذه الطريق الرابعة لحديث ابن مسعود، وسيأتي أيضًا برقم: 14239. (( أشعث بن أبي الشعثاء )) ، هو (( أشعث بن أسود المحاربي )) ، ثقة مضى برقم: 10331، 10333. وأبوه: (( سليم بن أسود حنظلة المحاربي )) ، (( أبو الشعثاء )) ، ثقة، روى له الجماعة، مترجم في التهذيب وهذا إسناد صحيح، لم أجده في شيء مما بين يدي من الكتب. (2) الأثر: 14235 - (( ابن أم عبد )) هو (( عبد الله بن مسعود )) . وهذا خبر لم يذكر قتادة إسناده إلى ابن مسعود، وقد مر خبر قتادة عن زرارة بن أوفى عن ابن مسعود، بغير هذا للفظ برقم: 14227، 14228، 14231 مختصرًا. (3) الأثر: 14236 - هذه رواية خبر أبي هريرة، من الطريق الثانية التي ذكرتها في تخريج الأثر رقم 14203. وقد سلف تخريج هذه الطريق في التعليق على الأثر رقم: 14210. 14238-. . . وقال، حدثنا أبي، عن الحسن بن عقبة، أبي كيران، عن الضحاك: (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسًا إيمانها) ، قال: طلوع الشمس من مغربها. (1) 14239- حدثنا الحسن بن يحيى قالأخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا إسرائيل قال، أخبرني أشعث بن أبي الشعثاء، عن أبيه، عن ابن مسعود في قوله: (لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل) ، قال: لا تزال التوبة مبسوطة ما لم تطلع الشمس من مغربها. (2) 14240- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (يوم يأتي بعض آيات ربك) ، قال: طلوع الشمس من مغربها. 14241- حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني أبو صخر، عن القرظي: أنه كان يقول في هذه الآية: (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل) ، يقول: إذا جاءت الآيات لم ينفع نفسًا إيمانها. يقول: طلوع الشمس من مغربها. (3) 14242- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا سفيان الثوري، عن عاصم بن أبي النجود، عن زر بن حبيش، عن صفوان بن عسال: (يوم يأتي بعض آيات ربك) ، قال: طلوع الشمس من مغربها. (4) (1) الأثر: 14238 - (( الحسن بن عقية المرادي )) (( أبو كيران )) (بالياء) ، ثقة روى عن عبد خير، والشعبي، والضحاك. روى عنه وكيع، وعبيد الله بن موسى، وأبو نعيم. مترجم في الكبير 1 / 2 / 299، وابن أبي حاتم 1 / 2 / 28، وكان في المطبوعة: (( أبي كبران )) بالباء، ومعها علامة شك. (2) الأثر: 14238 - هذه رواية الطريق الرابعة لحديث ابن مسعود، كما فصلتها في رقم: 14227. وسلف شرح هذا الإسناد برقم: 14234. (3) 14241 - (( أبو صخر )) ، هو (( حميد بن زياد الخراط )) ، ونزل مصر. مضى برقم: 4325، 5386، 8391. و (( القرظي )) ، هو (( محمد بن كعب القرظي )) ، مضى مرارًا، ومنها في مثل هذا الإسناد رقم: 8391. (4) الأثر: 14242 - هذه رواية حديث صفوان بن عسال، من الطريق الأولى، كما فسرتها في التعليق على رقم: 14206، وسلف الكلام فيه هناك. 14243- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن وهب بن جابر، عن عبد الله بن عمرو: (يوم يأتي بعض آيات ربك) ، قال: طلوع الشمس من مغربها. (1) * * * وقال آخرون: بل ذلك بعض الآيات الثلاثة: الدابة، ويأجوج ومأجوج، وطلوع الشمس من مغربها. * ذكر من قال ذلك: 14244- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جعفر بن عون، عن المسعودي، عن القاسم قال، قال عبد الله: التوبة معروضة على ابن آدم إن قبلها، ما لم تخرج إحدى ثلاث: ما لم تطلع الشمس من مغربها، أو الدابة، أو فتح يأجوج ومأجوج. (2) 14245- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، حدثنا المسعودي، عن القاسم بن عبد الرحمن قال، قال عبد الله: التوبة معروضة على ابن آدم إن قبلها، ما لم تخرج إحدى ثلاث: الدابة، وطلوع الشمس من مغربها، وخروج يأجوج ومأجوج. (1) الأثر: 14243 - (( أبو إسحاق الهمداني )) ، هو: (( أبو إسحاق السبيعي )) ، مضى مرارًا. و (( وهب بن جابر الخيواني الهمداني )) ، روى عن عبد الله بن عمرو بن العاص، لقيه ببيت المقدس. روى عنه (( أبو إسحاق الهمداني )) وحده. تابعي ثقة. روى عن عبد الله بن عمرو بن العاص قصة يأجوج ومأجوج، و (( كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يقوت )) ، ولم يرو غير ذين. مترجم في التهذيب، والكبير 4 / 2 / 163، 164، وابن أبي حاتم 4 / 2 / 23. وهذا الخبران المذكوران في ترجمته، رواهما أبو داود الطيالسي في مسنده ص 301 رقم: 2281، 2282. (2) الأثران: 14244، 14245 - (( جعفر بن عون جعفر بن عمرو بن حريث المخزومي )) ، (( أبو عون )) ثقة، مضى برقم: 9506. و (( المسعودي )) هو: (( عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود )) ، مضى مرارًا برقم: 2156، 2937، 5563. و (( القاسم )) ، هو (( القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود )) ، روى عن أبيه وجده عبد الله بن مسعود، مرسلا. ثقة قليل الحديث. مضى برقم: 9519. وذكر أخي السيد أحمد في التعليق على الأثر: 9515، أن (( المسعودي، عن القاسم )) هو (( معن بن عبد الرحمن )) ، وأن القاسم فيما استظهر، هو أخوه: (( القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود )) ، والصواب أن (( المسعودي )) الراوي عن (( القاسم بن عبد الرحمن )) ، هو (( عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة )) . كما أسلفت. وإسناد هذا الخبر، ضعيف لانقطاعه. وخرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 59، ونسبة إلى عبد بن حميد، والطبراني. 14246- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، عن عامر، عن عائشة قالت: إذا خرج أول الآيات، طُرِحت الأقلام، وحُبِست الحفظة، وشهدت الأجساد على الأعمال. (1) 14247- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن فضيل، عن أبيه، عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاث إذا خرجت "لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا" : طلوع الشمس من مغربها، والدجال، ودابة الأرض. (2) 14248- حدثنا بشر بن معاذ قال: حدثنا معاوية بن عبد الكريم قال: حدثنا الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بادروا بالأعمال ستًّا: طلوعَ الشمس من مغربها، والدجال، والدخَان، ودابة الأرض، وخُوَيِّصة أحدكم، وأمرَ العامة. (1) الأثر: 14246 - (( منصور )) هو: (( المنصور بن المعتمر )) . و (( عامر )) هو الشعبي. وهذا الخبر رواه ابن كثير في تفسيره 3: 437، وإسناده صحيح. ولم أجده في شيء من الكتب التي بين يدي. (2) الأثر: 14247 - هذه هي الطريق السابعة من طرق خبر أبي هريرة التي ذكرتها في التعليق على الأثر: 14203. (( محمد بن فضيل بن غزوان الضبي )) . روى له الجماعة، مضى مرارًا، آخرها رقم: 8395. وأبوه: (( فضيل بن غزوان الضبي )) ثقة، روى له الجماعة. و (( أبو حازم )) هو الأشجعي، واسمه (( سلمان )) . ثقة، روى له الجماعة. وهذا إسناد صحيح. رواه مسلم في صحيحه 2: 195، والترمذي في التفسير، وخرجه ابن كثير في تفسيره 3: 434، وقال: (( رواه أحمد عن وكيع، عن فضيل بن غزوان )) ، وذكر سائر طرقه. وخرجه السيوطي، في الدر المنثور 3: 57، وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن مردوبه، والبيهقي. 14249- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قال: ذكر أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول، فذكر نحوه. (1) * * * قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصواب في ذلك، ما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ذلك حين تطلع الشمس من مغربها" . * * * وأما قوله: (أو كسبت في إيمانها خيرًا) ، فإنه يعني: أو عملت في تصديقها بالله خيرًا، (2) من عمل صالح يصدِّق قِيلَه ويُحققه، من قبل طلوع الشمس من مغربها. لا ينفع كافرًا لم يكن آمن بالله قبل طلوعها كذلك، (3) إيمانه بالله إن آمن وصدق بالله ورسله، لأنها حالة لا تمتنع نفسٌ من الإقرار بالله، لعظيم الهول الوارد عليهم من أمر الله، فحكم إيمانهم، كحكم إيمانهم عند قيام الساعة، وتلك حال لا يمتنع الخلق من الإقرار بوحدانية الله، لمعاينتهم من أهوال ذلك اليوم ما ترتفع معه حاجتهم إلى الفكر والاستدلال والبحث والاعتبار، ولا ينفع مَنْ كان بالله وبرسله مصدِّقًا، ولفرائض الله مضيعًا، غير مكتسب بجوارحه لله طاعة، إذا (1) الأثران: 14248، 14249 - (( معاوية بن عبد الكريم الثقفي )) ، (( الضال )) ، لأنه ضل في طريق مكة. روى عن الحسن. ثقة أحمد وغيره، وتكلموا فيه. وأخشى أن يكون سقط من الإسناد رجل بينه وبين (( بشر بن معاذ )) . وأما الإسناد الثاني ففيه (( بشر )) = يعني (( بشر بن معاذ )) = عن (( يزيد )) ، يعني (( يزيد بن زريع )) عن (( سعيد )) = يعني (( سعيد بن أبي عروبة )) . ولكن روى هذا الأثر بهذا اللفظ مسلم في صحيحه 17: 87 مرفوعًا، من طريق أمية بن بسطام العيشي، عن يزيد بن زريع، عن شعبة، عن قتادة، عن الحسن، عن زياد بن رياح، عن أبي هريرة. (2) انظر تفسير (( كسب )) فيما سلف ص: 120، تعليق: 1، والمراجع هناك. (3) في المطبوعة: (( لا ينفع كافرًا )) بغير واو، والسياق يقتضي إثباتها. هي طلعت من مغربها = أعمالُه إن عمل، وكسبُه إن اكتسب، لتفريطه الذي سلف قبل طلوعها في ذلك، كما:- 14250- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا) ، يقول: كسبت في تصديقها خيرًا، عملا صالحًا، فهؤلاء أهل القبلة. وإن كانت مصدقة ولم تعمل قبل ذلك خيرًا، فعملت بعد أن رأت الآية، لم يقبل منها. وإن عملت قبل الآية خيرًا، ثم عملت بعد الآية خيرًا، قُبل منها. 14251- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسًا إيمانها) ، قال: مَنْ أدركه بعضُ الآيات وهو على عمل صالح مع إيمانه، قَبِلَ الله منه العمل بعدَ نزول الآية، كما قَبِلَ منه قبل ذلك. * * * القول في تأويل قوله: {قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (158) } قال أبو جعفر: يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، لهؤلاء العادلين بربهم الأوثان والأصنام: انتظروا أن تأتيكم الملائكة بالموت فتقبض أرواحكم، أو أن يأتي ربكم لفصل القضاء بيننا وبينكم في موقف القيامة، أو أن يأتيكم طلوع الشمس من مغربها، فتطوى صحف الأعمال، ولا ينفعكم إيمانكم حينئذ إن آمنتم، حتى تعلموا حينئذ المحقَّ منا من المبطل، والمسيءَ من المحسن، والصادقَ من الكاذب، وتتبينوا عند ذلك بمن يحيق عذاب الله وأليم نكاله، ومَنْ الناجي منا ومنكم ومَنْ الهالك - إنا منتظرو ذلك، ليجزل الله لنا ثوابه على طاعتنا إياه، وإخلاصنا العبادة له، وإفرادناه بالربوبية دون ما سواه، ويفصل بيننا وبينكم بالحق، وهو خير الفاصلين. القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (159) } قال أبو جعفر: اختلف القرأة في قراءة قوله: (فرقوا) . فروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ما: 14252- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن دينار، أن عليًّا رضي الله عنه قرأ: "إنَّ الَّذِينَ فَارَقُوا دِينَهُمْ" . 14253- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير قال، قال حمزة الزيات: قرأها علي رضي الله عنه: "فَارَقُوا دِينَهُمْ" . 14254-. . . وقال، حدثنا الحسن بن علي، عن سفيان، عن قتادة: "فَارَقُوا دِينَهُمْ" . * * * وكأن عليًّا ذهب بقوله: "فارقوا دينهم" ، خرجوا فارتدوا عنه، من "المفارقة" . * * * وقرأ ذلك عبد الله بن مسعود، كما:- 14255- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن رافع، عن زهير قال، حدثنا أبو إسحاق أن عبد الله كان يقرؤها: (فَرَّقوا دِينَهُمْ) . * * * وعلى هذه القراءة = أعني قراءة عبد الله = قرأة المدينة والبصرة وعامة قرأة الكوفيين. وكأنّ عبد الله تأوّل بقراءته ذلك كذلك: أن دين الله واحد، وهو دين إبراهيم الحنيفية المسلمة، ففرّق ذلك اليهود والنصارى، فتهوّد قومٌ وتنصَّر آخرون، فجعلوه شيعًا متفرقة. * * * قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إنهما قراءتان معروفتان، قد قرأت بكل واحدة منهما أئمة من القرأة، وهما متفقتا المعنى غير مختلفتيه. وذلك أن كل ضالّ فلدينه مفارق، وقد فرَّق الأحزابُ دينَ الله الذي ارتضاه لعباده، فتهود بعض وتنصر آخرون، وتمجس بعض. وذلك هو "التفريق" بعينه، ومصير أهله شيعًا متفرقين غير مجتمعين، فهم لدين الله الحقِّ مفارقون، وله مفرِّقون. (1) فبأيِّ ذلك قرأ القارئ فهو للحق مصيب، غير أني أختار القراءة بالذي عليه عُظْم القرأة، وذلك تشديد "الراء" من "فرقوا" . * * * ثم اختلف أهل التأويل في المعنيين بقوله: (إن الذين فرّقوا دينهم) . فقال بعضهم: عنى بذلك اليهود والنصارى. * ذكر من قال ذلك: 14256- حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (وكانوا شيعًا) ، قال: يهود. 14257- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه. 14258- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (فرقوا دينهم) ، قال: هم اليهود والنصارى. 14259- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (إن الذين فرقوادينهم وكانوا شيعًا) ، من اليهود والنصارى. 14260- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا لست منهم في شيء) ، هؤلاء اليهود والنصارى. وأما قوله: (فارقوا دينهم) ، فيقول: تركوا دينهم وكانوا شيعًا. (2) 14261- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي (1) انظر تفسير (( الشيع )) فيما سلف 11: 419. (2) في المطبوعة والمخطوطة: (( فرقوا )) في الموضعين، والتفسير في الأثر، يوجب أن تكون (( فارقوا )) كما أثبتها. قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا) ، وذلك أن اليهود والنصارى اختلفوا قبل أن يبعث محمد، فتفرقوا. فلما بعث محمد أنزل الله: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا لست منهم في شيء) . 14262- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا) ، يعني اليهود والنصارى. 14263- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حسين بن علي، عن شيبان، عن قتادة: "فارقوا دينهم" ، قال: هم اليهود والنصارى. * * * وقال آخرون: عنى بذلك أهلَ البدع من هذه الأمة، الذين اتبعوا متشابه القرآن دون محكمه. * ذكر من قال ذلك: 14264- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن ليث، عن طاوس، عن أبي هريرة قال: (إن الذين فرقوا دينهم) ، قال: نزلت هذه الآية في هذه الأمة. (1) 14265- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن ليث، عن طاوس، عن أبي هريرة: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا) ، قال: هم أهل الصلاة. (2) 14266- حدثني سعيد بن عمرو السكوني قال، حدثنا بقية بن الوليد قال: كتب إليّ عباد بن كثير قال، حدثني ليث، عن طاوس، عن أبي هريرة (1) الأثران: 14264، 14265 - إسنادهما صحيح إلى أبي هريرة، موقوفًا، وانظر التعليق على الأثر التالي. (2) كان في المطبوعة: (( هم أهل الضلالة )) ، كما سيأتي في الأثر التالي، غير أن المخطوطة واضحة هنا (( أهل الصلاة )) ، فأثبتها كما هي، لأنها صحيحة المعنى، أي أنها نزلت في المؤمنين من أهل القبلة. https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام الحلقة (654) صــ 271 إلى صــ 280 قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، في هذه الآية: "(إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا لست منهم في شيء) ، وليسوا منك، هم أهل البدع، وأهل الشبهات، وأهل الضلالة من هذه الأمة. (1) " * * * قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم أنه بريء ممن فارق دينه الحق وفرقه، وكانوا فرقًا فيه وأحزابًا شيعًا، وأنه ليس منهم. ولا هم منه، لأن دينه الذي بعثه الله به هو الإسلام، دين إبراهيم الحنيفية، كما قال له ربه وأمره أن يقول: (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [سورة الأنعام: 161] . فكان من فارق دينه الذي بعث به صلى الله عليه وسلم من مشرك ووثنيّ يهودي ونصرانيّ ومتحنِّف، مبتدع قد ابتدع في الدين ما ضلّ به عن الصراط المستقيم والدين القيم ملة إبراهيم المسلم، فهو بريء من محمد صلى الله عليه وسلم، ومحمد منه بريء، وهو داخل في عموم قوله: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا لست منهم في شيء) . * * * (1) الأثر: 14266 - (( سعيد بن عمرو السكوني )) شيخ الطبري، مضى برقم: 5563، 6521. و (( بقية بن الوليد الحمصي )) ، ثقة، نعوا عليه بالتدليس، مضى برقم: 152، 5563، 6521، 6899، 9224. و (( عباد بن كثير الرملي الفلسطيني )) ، ضعيف الحديث. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 3 / 1 / 85. وهذا الخبر مرفوعًا لا يصح، وهو ضعيف الإسناد. قال ابن كثير في تفسيره 3: 438: (( لكن هذا إسناد لا يصح، فإن عباد بن كثير متروك الحديث. ولم يختلق هذا الحديث، ولكنه وهم في رفعه، فإنه رواه سفيان الثوري عن ليث = وهو ابن أبي سليم = عن طاوس، عن ابي هريرة في هذه الآية أنه قال: نزلت في هذه الأمة )) . ولكن خرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 7: 22، 23، ثم قال: (( رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله رجال الصحيح، غير معلل بن نفيل، وهو ثقة )) . وهكذا في مجمع الزوائد (( معلل بن نفيل )) ، وهو محرف بلا شك. وأما قوله: (لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله) ، فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله. فقال بعضهم: نزلت هذه الآية على نبيّ الله بالأمر بترك قتال المشركين قبل وُجوب فرض قتالهم، ثم نسخها الأمر بقتالهم في "سورة براءة" ، وذلك قوله: (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) . [سورة التوبة: 5] . * ذكر من قال ذلك: 14267- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله: (لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله) ، لم يؤمر بقتالهم، ثم نسخت، فأمر بقتالهم في "سورة براءة" . * * * وقال آخرون: بل نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم إعلامًا من الله له أنَّ من أمته من يُحْدث بعده في دينه. وليست بمنسوخة، لأنها خبرٌ لا أمر، والنسخ إنما يكون في الأمر والنهي. * ذكر من قال ذلك: 14268- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، أخبرنا مالك بن مغول، عن علي بن الأقمر، عن أبي الأحوص، أنه تلا هذه الآية: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا لست منهم في شيء) ، ثم يقول: بريء نبيكم صلى الله عليه وسلم منهم. (1) 14269- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي وابن إدريس وأبو أسامة ويحيى بن آدم، عن مالك بن مغول، بنحوه. 14270- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا شجاع أبو (1) الأثر: 14268 - (( مالك بن مغول البجلي) ، ثقة: مضى برقم: 5431، 10872 و (( علي بن الأقمر الهمداني )) ، روى له الجماعة، مضى برقم 11941. وهو إسناد صحيح. بدر، عن عمرو بن قيس الملائي قال، قالت أم سلمة: ليتّق امرؤ أن لا يكون من رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء! ثم قرأت: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا لست منهم في شيء) = قال عمرو بن قيس: قالها مُرَّة الطيِّب، وتلا هذه الآية. (1) * * * قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن قوله: (لست منهم في شيء) ، إعلام من الله نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم أنه من مبتدعة أمته الملحدة في دينه بريء، ومن الأحزاب من مشركي قومه، ومن اليهود والنصارى. وليس في إعلامه ذلك ما يوجب أن يكون نهاه عن قتالهم، لأنه غير محال أن في الكلام: "لست من دين اليهود والنصارى في شيء فقاتلهم. فإن أمرهم إلى الله في أن يتفضل على من شاء منهم فيتوب عليه، ويهلك من أراد إهلاكه منهم كافرًا فيقبض روحه، أو يقتله بيدك على كفره، ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون عند مقدَمهم عليه" . وإذ كان غير مستحيل اجتماع الأمر بقتالهم، وقوله: (لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله) ، ولم يكن في الآية دليلٌ واضح على أنها منسوخة، ولا ورد بأنها منسوخة عن الرسول خبرٌ = كان غير جائز أن يُقْضَى عليها بأنها منسوخة، حتى تقوم حجةٌ موجبةٌ صحةَ القول بذلك، لما قد بينا من أن المنسوخ هو ما لم يجز اجتماعه وناسخه في حال واحدة، في كتابنا كتاب: "اللطيف عن أصول الأحكام" . (2) * * * (1) الأثر: 14270 - (( شجاع، أبو بدر )) ، هو (( شجاع بن الوليد بن قيس السكوبي )) ثقة صدوق. روى عنه أحمد. مترجم في التهذيب. (( عمرو بن قيس الملائي )) . ثقة مضى مرارًا آخرها: 9646. وهذا إسناد منقطع، (( عمرو بن قيس )) لم يدرك أم سلمة. أما خبر (( مرة الطيب )) فهو (( مرة بن سراحيل الهمداني )) ، مضى مرارًا. آخرها: 7539 وروايته هذه أيضًا منقطعة. لأنه لم يدرك. وخرج السيوطي في الدر المنثور 3: 63، خبر أم سلمة. ونسبة إلى ابن منيع في مسنده وأبي الشيخ، وخرج خبر مرة الطيب، ونسبه إلى ابن أبي حاتم. (2) انظر ما سلف في (( الناسخ والمنسوخ )) 10: 333 تعليق: 1 والمراجع هناك واسم كتاب أبي جعفر هو ما أثبت، ما ورد في 5: 414، وكان هنا في المخطوطة والمطبوعة (( اللطيف عن أصول الأحكام )) ، وهو لا يستقيم. وأما قوله: (إنما أمرهم إلى الله) ، فإنه يقول: أنا الذي إليَّ أمر هؤلاء المشركين الذين فارقوا دينهم وكانوا شيعًا، والمبتدعة من أمتك الذين ضلوا عن سبيلك، دونك ودون كل أحد. إما بالعقوبة إن أقاموا على ضلالتهم وفُرْقتهم دينهم فأهلكهم بها، وإما بالعفو عنهم بالتوبة عليهم والتفضل مني عليهم = (ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون) ، (1) يقول: ثم أخبرهم في الآخرة عند ورودهم عليَّ يوم القيامة بما كانوا يفعلون، فأجازي كلا منهم بما كانوا في الدنيا يفعلون، المحسنَ منهم بالإحسان، والمسيء بالإساءة. ثم أخبر جل ثناؤه ما مبلغ جزائه من جازى منهم بالإحسان أو بالإساءة فقال: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون) . * * * القول في تأويل قوله: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (160) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: من وافَى ربَّه يوم القيامة في موقف الحساب، من هؤلاء الذين فارقوا دينهم وكانوا شيعًا، بالتوبة والإيمان والإقلاع عما هو عليه مقيم من ضلالته، وذلك هو الحسنة التي ذكرها الله فقال: من جاء بها فله عشر أمثالها. (2) ويعني بقوله: (فله عشر أمثالها) ، فله عشر حسنات أمثال حسنته التي (1) انظر تفسير (( النبأ )) فيما سلف ص: 37، تعليق: 4، والمراجع هناك. (2) انظر تفسير (( الحسنة )) فيما سلف 4: 203 - 206 / 8: 555 - 556، وفهارس اللغة (حسن) . جاء بها = (ومن جاء بالسيئة) ، يقول: ومن وافى يوم القيامة منهم بفراق الدِّين الحقّ والكفر بالله، فلا يجزى إلا ما ساءه من الجزاء، كما وافى الله به من عمله السيئ (1) = (وهم لا يظلمون) ، يقول: ولا يظلم الله الفريقين، لا فريق الإحسان، ولا فريق الإساءة، بأن يجازي المحسن بالإساءة والمسيء بالإحسان، ولكنه يجازي كلا الفريقين من الجزاء ما هو له، لأنه جل ثناؤه حكيمٌ لا يضع شيئًا إلا في موضعه الذي يستحق أن يضعه فيه، ولا يجازي أحدًا إلا بما يستحقّ من الجزاء. * * * وقد دللنا فيما مضى على أن معنى "الظلم" ، وضع الشيء في غير موضعه، بشواهده المغنية عن إعادتها في هذا الموضع. (2) * * * قال أبو جعفر: فإن قال قائل: فإن كان الأمر كما ذكرت، من أن معنى "الحسنة" في هذا الموضع: الإيمان بالله، والإقرار بوحدانيته، والتصديق برسوله = "والسيئة" فيه: الشرك به، والتكذيب لرسوله = أفللإيمان أمثال فيجازى بها المؤمن؟ (3) وإن كان له مثل، فكيف يجازى به، و "الإيمان" ، إنما هو عندك قول وعمل، والجزاء من الله لعباده عليه الكرامة في الآخرة، والإنعام عليه بما أعدّ لأهل كرامته من النعيم في دار الخلود، وذلك أعيان ترى وتعاين وتحسّ ويلتذّ بها، لا قول يسمع، ولا كسبُ جوارح؟ قيل: إن معنى ذلك غير الذي ذهبتَ إليه، وإنما معناه: من جاء بالحسنة فوافَى الله بها له مطيعًا، فإن له من الثواب ثواب عشر حسنات أمثالها. فإن قال: قلت فهل لقول "لا إله إلا الله" من الحسنات مثل؟ (1) انظر تفسير (( السيئة )) فيما سلف من فهارس اللغة (سوأ) . (2) انظر تفسير (( الظلم )) فيما سلف من فهارس اللغة (ظلم) . (3) في المطبوعة: (( فللإيمان )) بغير همزة الاستفهام، والصواب ما في المخطوطة. قيل: له مثل هو غيره، [ولكن له مثل هو قول لا إله إلا الله] ، (1) وذلك هو الذي وعد الله جل ثناؤه من أتاه به أن يجازيه عليه من الثواب بمثل عشرة أضعاف ما يستحقه قائله. وكذلك ذلك فيمن جاء بالسيئة التي هي الشرك، إلا أنه لا يجازى صاحبها عليها إلا ما يستحقه عليها من غير إضعافه عليه. * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 14271- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يعقوب القمي، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير قال: لما نزلت: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) ، قال رجل من القوم: فإنّ "لا إله إلا الله" حسنة؟ قال: نعم، أفضل الحسنات. 14272- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حفص بن غياث، عن الأعمش والحسن بن عبيد الله، عن جامع بن شداد، عن الأسود بن هلال، عن عبد الله: (من جاء بالحسنة) ، لا إله إلا الله. 14273- حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا حفص قال، حدثنا الأعمش والحسن بن عبيد الله، عن جامع بن شداد، عن الأسود بن هلال، عن عبد الله قال: (من جاء بالحسنة) ، قال: من جاء بلا إله إلا الله. قال: (ومن جاء بالسيئة) ، قال: الشرك. 14274- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن فضيل، عن الحسن بن عبيد الله، عن جامع بن شداد، عن الأسود بن هلال، عن عبد الله: (من (1) هذه العبارة التي بين القوسين، هكذا جاءت في المخطوطة، وغيرها ناشر المطبوعة الأولى فكتب: (( وليس له مثل هو قول لا إله إلا الله )) ، ولا أدري ما معنى هذا التعبير. وعبارة المخطوطة غير مفهومة، وأخشى أن يكون سقط من الكلام شيء، فأودعتها بين القوسين لكي يتوقف عندها قارئها، عسى أن يتبين له ما لم يتبين لي. جاء بالحسنة) ، قال: لا إله إلا الله. 14275- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا معاوية بن عمرو المعنَّى، عن زائدة، عن عاصم، عن شقيق: (من جاء بالحسنة) ، قال: لا إله إلا الله، كلمة الإخلاص = (ومن جاء بالسيئة) ، قال: الشرك. (1) 14276- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد= وعن عثمان بن الأسود، عن مجاهد والقاسم بن أبي بزة: (من جاء بالحسنة) ، قالوا: لا إله إلا الله، كلمة الإخلاص = (ومن جاء بالسيئة) ، قالوا: بالشرك وبالكفر. 14277- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير وابن فضيل، عن عبد الملك، عن عطاء: (من جاء بالحسنة) ، قال: لا إله إلا الله = (ومن جاء بالسيئة) ، قال: الشرك. 14278- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا جابر بن نوح قال، حدثنا موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) ، قال: لا إله إلا الله. 14279- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن أبي المحجل، عن إبراهيم: (من جاء بالحسنة) ، قال: لا إله إلا الله = (ومن جاء بالسيئة) ، قال: الشرك. (2) 14280- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري قال، حدثنا سفيان، عن أبي المحجل، عن أبي معشر، عن إبراهيم، مثله. 14281- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن أبي المحجل، عن إبراهيم، مثله. (1) الأثر: 14275 - (( معاوية بن عمرو المعنى، الأزدي )) ، ثقة مضى برقم: 4074. (2) الآثار: 14279 - 14282 - (( أبو المحجل )) ، هكذا في المطبوعة، وهو في المخطوطة غير منقوط، لم أعرف من يكون، ولم أجد له ذكرًا، ولا تبين لي وجه في تحريفه!! 14282- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن أبي المحجل، عن أبي معشر قال: كان إبراهيم يحلف بالله ما يستثني: أنّ (من جاء بالحسنة) ، لا إله إلا الله = (ومن جاء بالسيئة) ، من جاء بالشرك. 14283- حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا عبد الملك، عن عطاء، في قوله: (من جاء بالحسنة) ، قال: كلمة الإخلاص، لا إله إلا الله = (ومن جاء بالسيئة) قال: بالشرك. 14284- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي = وحدثنا المثنى بن إبراهيم قال، حدثنا أبو نعيم = جميعًا، عن سفيان، عن الأعمش، عن أبي صالح: (من جاء بالحسنة) ، قال: لا إله إلا الله = (ومن جاء بالسيئة) ، قال: الشرك. 14285- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير، عن عثمان بن الأسود، عن القاسم بن أبي بزة: (من جاء بالحسنة) ، قال: كلمة الإخلاص = (ومن جاء بالسيئة) ، قال: الكفر. 14286- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سلمة، عن الضحاك: (من جاء بالحسنة) ، قال: لا إله إلا الله. 14287- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن أشعث، عن الحسن: (من جاء بالحسنة) ، قال: لا إله إلا الله. 14288- حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن سالم، عن سعيد: (من جاء بالحسنة) ، قال: لا إله إلا الله. 14289- حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن ليث، عن مجاهد، مثله. 14290- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (من جاء بالحسنة) ، يقول: من جاء بلا إله إلا الله = (ومن جاء بالسيئة) ، قال: الشرك. 14291- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون) ، ذكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: الأعمال ستة: مُوجِبة ومُوجِبة، ومُضْعِفة ومُضْعِفة، ومِثْل ومِثْل. فأما الموجبتان: فمن لقي الله لا يشرك به شيئًا دخل الجنة، ومن لقي الله مشركًا به دخل النار. وأما المضعف والمضعف: فنفقة المؤمن في سبيل الله سبعمئة ضعف، ونفقته على أهل بيته عشر أمثالها. وأما مثل ومثل: فإذا همّ العبد بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، وإذا هم بسيئة ثم عملها كتبت عليه سيئة. 14292- حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا الأعمش، عن شمر بن عطية، عن شيخ من التيم، عن أبي ذرّ قال: قلت: يا رسول الله، علمني عملا يقرِّبني إلى الجنة ويباعدني من النار. قال: إذا عملت سيئة فاعمل حسنة، فإنها عشر أمثالها. قال: قلت: يا رسول الله، "لا إله إلا الله" من الحسنات؟ قال: هي أحسن الحسنات. (1) * * * وقال قوم: عني بهذه الآية الأعراب، فأما المهاجرون فإن حسناتهم سبعمئة ضعف أو أكثر. * ذكر من قال ذلك: 14293- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا معاذ بن هشام قال، حدثنا أبي، عن قتادة، عن أبي الصديق الناجي، عن أبي سعيد الخدري في قوله: (1) الأثر: 14292 - (( شمر بن عطية الأسدي الكاهلي )) ، ثقة، مضى برقم 11545. وهذا خبر ضعيف، لجهالة (( شيخ من التيم )) . وخرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 64، ونسبة إلى ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه. ولم ينسبه إلى الطبري. (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) ، قال: هذه للأعراب، وللمهاجرين سبعمئة. (1) 14294- حدثنا محمد أبو نشيط بن هارون الحربي قال، حدثنا يحيى بن أبي بكير قال، حدثنا فضيل بن مرزوق، عن عطية العوفي، عن عبد الله بن عمر قال: نزلت هذه الآية في الأعراب: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) ، قال: قال رجل: فما للمهاجرين؟ قال: ما هو أعظم من ذلك: (إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا) ، [سورة النساء: 40] وإذا قال الله لشيء: "عظيم" ، فهو عظيم. (2) 14295- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن بن سعد قال، حدثنا أبو جعفر، عن الربيع قال: نزلت هذه الآية: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) ، وهم يصومون ثلاثة أيام من الشهر، ويؤدّون عشر أموالهم. ثم نزلت الفرائض بعد ذلك: صوم رمضان والزكاة. * * * فإن قال قائل: وكيف قيل "عشر أمثالها" ، فأضيف "العشر" إلى "الأمثال" ، وهي "الأمثال" ؟ وهل يضاف الشيء إلى نفسه؟ (1) الأثر: 14293 - (( أبو الصديق الناجي )) هو (( بكر بن عمرو )) وقيل: (( بكر ابن قيس )) ، ثقة، روى له الجماعة. مترجم في التهذيب. وهذا إسناد صحيح. (2) الأثر: 14294 - (( محمد بن هارون الحربي )) ، (( أبو نشيط )) ، شيخ الطبري، مضى برقم: 9511، 10371، وكان في المطبوعة والمخطوطة هنا: (( محمد بن نشيط بن هارون الحربي )) ، وهو خطأ محض تبين من رواية الأثر فيما سلف. و (( يحيى بن أبي بكير الأسدي )) ، مضى مرارًا، آخرها رقم: 7544، وكان في المطبوعة والمخطوطة هنا (( يحيى بن أبي بكر )) ، وهو خطأ. وقد سلف هذا الخبر وتخريجه برقم: 9511، وأنه إسناد ضعيف من أجل (( عطية العوفي )) .ووقع في إسناد الخبر هناك خطأ: (( عن عبد الله بن عمير )) ، وهو خطأ في الطباعة صوابه (( عن عبد الله بن عمر )) ، فليصح. https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف الحلقة (655) صــ 281 إلى صــ 290 قيل: أضيفت إليها لأنه مرادٌ بها: فله عشر حسنات أمثالها، فـ "الأمثال" حلّت محل المفسّر، وأضيف "العشر" إليها، كما يقال: "عندي عشر نسوة" ، فلأنه أريد بالأمثال مقامها، فقيل: "عشر أمثالها" ، فأخرج "العشر" مخرج عدد الحسنات، (1) و "المثل" مذكر لا مؤنث، ولكنها لما وضعت موضع الحسنات، (2) وكان "المثل" يقع للمذكر والمؤنث، فجعلت خلفًا منها، فعل بها ما ذكرت. ومَنْ قال: "عندي عشر أمثالها" ، لم يقل: "عندي عشر صالحات" ، لأن "الصالحات" فعل لا يعدّ، وإنما تعدّ الأسماء. و "المثل" اسم، ولذلك جاز العدد به. * * * وقد ذكر عن الحسن البصري أنه كان يقرأ ذلك: "فَلَهُ عَشْرٌ" بالتنوين، "أَمْثَالُهَا" بالرفع. وذلك على وجه صحيح في العربية، غير أن القرأة في الأمصار على خلافها، فلا نستجيز خلافها فيما هي عليه مُجْمِعة. (3) * * * القول في تأويل قوله: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (قل) ، يا محمد، لهؤلاء العادلين بربهم الأوثان والأصنامَ = (إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم) ، يقول: قل لهم إنني أرشدني ربي إلى الطريق القويم، هو دين الله الذي (1) في المطبوعة والمخطوطة: (( عدد الآيات )) ، وبين أنه (( عدد الحسنات )) ، ولا ذكر للآيات في هذا الموضع. (2) وكان هنا أيضًا في المخطوطة والمطبوعة: (( موضع الآيات )) ، والصواب ما أثبت. (3) في المطبوعة: (( مجتمعة )) ، وأثبت ما في المخطوطة. ابتعثه به، وذلك الحنيفية المسلمة، فوفقني له (1) = (دينًا قيمًا) ، يقول: مستقيمًا = (ملة إبراهيم) ، يقول: دين إبراهيم (2) = (حنيفًا) يقول: مستقيمًا = (وما كان من المشركين) ، يقول: وما كان من المشركين بالله، يعني إبراهيم صلوات الله عليه، لأنه لم يكن ممن يعبد الأصنام. * * * واختلفت القرأة في قراءة قوله: (دينًا قيمًا) . فقرأ ذلك عامة قرأة المدينة وبعض البصريين: "دِينًا قَيِّمًا" بفتح "القاف" وتشديد "الياء" ، إلحاقًا منهم ذلك بقول الله: (ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) [سورة التوبة: 36 / سورة يوسف: 40 / سورة الروم: 30] . وبقوله: (وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) [سورة البينة: 5] . * * * وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين: (دِينًا قِيَمًا) بكسر "القاف" وفتح "الياء" وتخفيفها. وقالوا: "القيِّم" و "القِيَم" بمعنى واحد، وهم لغتان معناهما: الدين المستقيم. * * * قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان مشهورتان في قرأة الأمصار، متفقتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فهو للصواب مصيبٌ، غير أن فتح "القاف" وتشديد "الياء" أعجب إليّ، لأنه أفصح اللغتين وأشهرهما. * * * ونصب قوله: (دينًا) على المصدر من معنى قوله: (إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم) ، وذلك أن المعنى: هداني ربي إلى دين قويم، فاهتديت له "دينا قيما" = فالدين منصوب من المحذوف الذي هو "اهتديت" ، الذي ناب عنه قوله: (إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم) . * * * (1) انظر تفسير (( الهدى )) فيما سلف من فهارس اللغة (هدى) . = وتفسير (( صراط مستقيم )) فيما سلف ص: 288، تعليق 1، والمراجع هناك. (2) انظر تفسير (( الملة )) فيما سلف 2: 563 / 3: 104 / 9: 250. وقال بعض نحويي البصرة: إنما نصب ذلك، لأنه لما قال: (هداني ربي إلى صراط مستقيم) ، قد أخبر أنه عرف شيئًا، فقال: "دينًا قيمًا" ، كأنه قال: عرفت دينًا قيما ملّة إبراهيم. * * * وأما معنى الحنيف، فقد بينته في مكانه في "سورة البقرة" بشواهده، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (1) * * * القول في تأويل قوله: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (قل) ، يا محمد، لهؤلاء العادلين بربهم الأوثان والأصنام، الذين يسألونك أن تتبع أهواءهم على الباطل من عبادة الآلهة والأوثان = (إن صلاتي ونسكي) ، يقول: وذبحي (2) = (ومحياي) ، يقول: وحياتي = (ومماتي) يقول: ووفاتي = (لله رب العالمين) ، يعني: أن ذلك كله له خالصًا دون ما أشركتم به، أيها المشركون، من الأوثان = (لا شريك له) في شيء من ذلك من خلقه، ولا لشيء منهم فيه نصيب، لأنه لا ينبغي أن يكون ذلك إلا له خالصًا = (وبذلك أمرت) ، يقول: وبذلك أمرني ربي = (وأنا أول المسلمين) ، يقول: وأنا أوّل من أقرَّ وأذْعن وخضع من هذه الأمة لربه بأن ذلك كذلك. (3) * * * (1) انظر تفسير (( الحنيف )) فيما سلف 3: 104 - 108 / 6: 494 / 9: 250، 251 / 11: 487. (2) انظر تفسير (( النسك )) فيما سلف 3: 77 - 80 / 4: 86، 195. (3) انظر تفسير (( الإسلام )) فيما سلف من فهارس اللغة (سلم) . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال: "النسك" ، في هذا الموضع، الذبح. 14296- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد: (إن صلاتي ونسكي) ، قال: "النسك" ، الذبائح في الحج والعمرة. 14297- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (ونسكي) ، ذبحي في الحج والعمرة. (1) 14298- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (ونسكي) ، ذبيحتي في الحج والعمرة. 14299- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن إسماعيل، وليس بابن أبي خالد، عن سعيد بن جبير، في قوله: (صلاتي ونسكي) ، قال: ذبحي. 14300- حدثنا الحسن بن يحيى قالأخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن إسماعيل، عن سعيد بن جبير في قوله: (صلاتي ونسكي) ، قال: ذبحي. (2) 14301- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان، عن إسماعيل، عن سعيد بن جبير= قال ابن مهدي: لا أدري من "إسماعيل" هذا! = (صلاتي ونسكي) ، قال: صلاتي وذبيحتي. 14302- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرزاق قال، حدثنا الثوري، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن سعيد بن جبير، في قوله: (1) في المطبوعة: (( ذبيحتي )) ، وأثبت ما في المخطوطة. (2) في المطبوعة: (( ذبيحتي )) ، غير ما في المخطوطة. (صلاتي ونسكي) ، قال: وذبيحتي. (1) 14303- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (ونسكي) ، قال: ذبحي. 14304- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله: (ونسكي) ، قال: ذبيحتي. 14305- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك: (صلاتي ونسكي) ، قال: "الصلاة" ، الصلاة، و "النسك" ، الذبح. * * * وأما قوله: (وأنا أوّل المسلمين) ، فإن:- 14306- محمد بن عبد الأعلى حدثنا قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (وأنا أول المسلمين) ، قال: أول المسلمين من هذه الأمة. * * * القول في تأويل قوله: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (قل) ، يا محمد، لهؤلاء العادلين بربهم الأوثان، الداعيك إلى عبادة الأصنام واتباع خطوات الشيطان = (أغير الله أبغي ربًّا) ، يقول: أسوى الله أطلب سيدًا يسودني؟ (2) = (وهو (1) الآثار: 14299 - 14302 - (( إسماعيل )) ، الذي روى عنه (( سفيان الثوري )) ، وروى هو (( سعيد بن جبير )) ، والذي جاء في الخبر الأول أنه (( ليس بابن أبي خالد )) ، وفي رقم: 14302 (( إسماعيل بن أبي خالد )) مصرحًا به، والذي جهله (( ابن مهدي )) في رقم: 14301، لم أجد من أشار إليه، إلا أني وجدت في أسماء الرواة عن (( سعيد بن جبير )) : (( إسماعيل بن مسلم )) ، مولى بني مخزوم، سمع منه وكيع، وابن المبارك وعمرو العنقزي، مترجم في الكبير 1 / 1 / 372، وابن أبي حاتم 1 / 1 / 197، فلا أدري أهو هو، أم هو غيره. (2) انظر تفسير (( بغي )) فيما سلف 11: 337، تعليق: 2، والمراجع هناك. رب كل شيء) ، يقول: وهو سيد كل شيء دونه ومدبّره ومصلحه (1) = (ولا تكسب كل نفس إلا عليها) ، يقول: ولا تجترح نفس إثمًا إلا عليها، أي: لا يؤخذ بما أتت من معصية الله تبارك وتعالى، وركبت من الخطيئة، سواها، بل كل ذي إثم فهو المعاقب بإثمه والمأخوذ بذنبه (2) = (ولا تزر وازرة وزر أخرى) ، يقول: ولا تأثم نفس آثمة بإثم نفس أخرى غيرها، ولكنها تأثم بإثمها، وعليه تعاقب، دون إثم أخرى غيرها. وإنما يعني بذلك المشركين الذين أمرَ الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول هذا القول لهم. يقول: قل لهم: إنا لسنا مأخوذين بآثامكم، وعليكم عقوبة إجرامكم، ولنا جزاء أعمالنا. وهذا كما أمره الله جل ثناؤه في موضع آخر أن يقول لهم: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) [سورة الكافرون:6] ، وذلك كما:- 14307- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قال: كان في ذلك الزمان، لا مخرج للعلماء العابدين إلا إحدى خَلَّتين: إحداهما أفضل من صاحبتها. إمَّا أمرٌ ودعاء إلى الحق، أو الاعتزال = فلا تشارك أهل الباطل في عملهم، وتؤدي الفرائض فيما بينك وبين ربك، وتحبّ لله وتبغض لله، ولا تشارك أحدًا في إثم. قال: وقد أنزل في ذلك آية محكمة: (قل أغير الله أبغي ربًا وهو رب كل شيء) ، إلى قوله: (فيه تختلفون) ، وفي ذلك قال: (وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ) [سورة البينة: 4] . * * * يقال من "الوزر" "وزَر يَزِر" ، "و" وزَرَ يَوْزَر "، و" وُزِرَ يُؤزر، فهو موزور ". (3) " * * * (1) انظر تفسير (( الرب )) فيما سلف 1: 142. (2) انظر تفسير (( كسب )) فيما سلف صلى الله عليه وسلم: 266، تعليق 2، والمراجع هناك. (3) في المطبوعة: (( وزر يوزر فهو وزير، ووزر يوزر فهو موزور )) ، غير ما في المخطوطة، وحذف وزاد من عند نفسه، وعذره في ذلك سوء كتابة ناسخ المخطوطة، وصواب قراءة ما فيها ما أثبت. وهو المطابق لنص كتب اللغة. القول في تأويل قوله: {ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل لهؤلاء العادلين بربهم الأوثان: كل عامل منا ومنكم فله ثواب عمله، وعليه وزره، فاعملوا ما أنتم عاملوه - (ثم إلى ربكم) ، أيها الناس = (مرجعكم) ، يقول: ثم إليه مصيركم ومنقلبكم (1) = (فينبئكم بما كنتم فيه) ، في الدنيا، (تختلفون) من الأديان والملل، (2) إذ كان بعضكم يدين باليهودية، وبعضٌ بالنصرانية، وبعض بالمجوسية، وبعض بعبادة الأصنام وادِّعاء الشركاء مع الله والأنداد، ثم يجازي جميعَكم بما كان يعمل في الدنيا من خير أو شر، فتعلموا حينئذ من المحسنُ منَّا والمسيء. * * * القول في تأويل قوله: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وأمته: والله الذي جعلكم، أيها الناس، (خلائفَ الأرض) ، بأن أهلك مَنْ كان قبلكم من القرون والأمم الخالية، واستخلفكم، فجعلكم خلائف منهم في الأرض، (1) انظر تفسير (( المرجع )) فيما سلف ص: 37، تعليق: 3، والمراجع هناك. (2) انظر تفسير (( النبأ )) فيما سلف ص: 274، تعليق: 1، والمراجع هناك. تخلفونهم فيها، وتعمرُونها بعدَهم. * * * و "الخلائف" جمع "خليفة" ، كما "الوصائف" جمع "وصيفة" ، وهي من قول القائل: "خَلَف فلان فلانًا في داره يخلُفه خِلافة، فهو خليفة فيها" ، (1) كما قال الشماخ: تُصِيبُهُمُ وَتُخْطِئُنِي المَنَايا ... وَأَخْلُفُ فِي رُبُوعٍ عَنْ رُبُوعِ (2) وذلك كما:- 14308- حدثني الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (وهو الذي جعلكم خلائف الأرض) ، قال: أما "خلائف الأرض" ، فأهلك القرون واستخلفنا فيها بعدهم. * * * وأما قوله: (ورفع بعضكم فوق بعض درجات) ، فإنه يقول: وخالف بين أحوالكم، فجعل بعضكم فوق بعض، بأن رفع هذا على هذا، بما بسط لهذا من الرزق ففضّله بما أعطاه من المال والغِنى، على هذا الفقير فيما خوَّله من أسباب الدنيا، وهذا على هذا بما أعطاه من الأيْد والقوة على هذا الضعيف الواهن القُوى، فخالف (1) انظر تفسير (( الخليفة )) فيما سلف 1: 449 - 453. (2) ديوانه 58، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 209، واللسان (ربع) ، من قصيدته التي قالها لامرأته عائشة، وكانت تلومه على طول تعهده ماله، أولها: أَعَائِشَ، مَا لِقَوْمِكِ لا أَرَاهُمْ ... يُضِيعُونَ الهِجَانَ مَعَ المُضِيعِ يقول: لها تلوميني على إصلاح مالي، فمالي أرى قومك يقترون على أنفسهم، ولا يهلكون أموالهم في الكرم والسخاء؟ ثم يقول لها بعد أبيات: لَمَالُ الْمَرْءِ يُصْلِحُهُ فَيُغْنِي ... مَفَاقِرَهُ، أَعَفُّ مِنَ القُنُوعِ و (( القنوع )) ، السؤال. وقوله: (( وأخلف في ربوع ... )) ، (( الربوع )) جمع (( ربع وهو جماعة الناس الذين ينزلون (( ربعا )) يسكنونه، يقول: أبقي في قوم بعد قوم. وعندي أن هذا البيت قلق في قصيدة الشماخ، سقط قبله شيء من شعره. بينهم بأن رفع من درجة هذا على درجة هذا، وخفض من درجة هذا عن درجة هذا. (1) وذلك كالذي:- 14309- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (ورفع بعضكم فوق بعض درجات) ، يقول: في الرزق. * * * وأما قوله: (ليبلوكم فيما آتاكم) ، فإنه يعني: ليختبركم فيما خوَّلكم من فضله ومنحكم من رزقه، (2) فيعلم المطيع له منكم فيما أمره به ونهاه عنه، والعاصي؛ ومن المؤدِّي مما آتاه الحق الذي أمره بأدائه منه، والمفرِّط في أدائه. * * * القول في تأويل قوله: {إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (165) } قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: "إن ربك" ، يا محمد، لسريع العقاب لمن أسخطه بارتكابه معاصيه، وخلافه أمره فيما أمره به ونهاه، ولمن ابتلى منه فيما منحه من فضله وطَوْله، تولِّيًا وإدبارًا عنه، مع إنعامه عليه، وتمكينه إياه في الأرض، كما فعل بالقرون السالفة = (وإنه لغفور) ، يقول: وإنه لساتر ذنوبَ مَنْ ابتلى منه إقبالا إليه بالطاعة عند ابتلائه إياه بنعمة، واختباره إياه بأمره ونهيه، فمغطٍّ عليه فيها، وتارك فضيحته بها في موقف الحساب (1) انظر تفسير (( الدرجة )) فيما سلف ص: 25، تعليق: 3، والمراجع هناك. (2) انظر تفسير (( الابتلاء )) فيما سلف 10: 582، تعليق: 1 والمراجع هناك. = تفسير (( الإيتاء )) فيما سلف من فهارس اللغة (أتى) . = (رحيم) بتركه عقوبته على سالف ذنوبه التي سلفت بينه وبينه، إذ تاب وأناب إليه قبل لقائه ومصيره إليه. (1) * * * آخر تفسير سورة الأنعام * * * (1) انظر تفسير ألفاظ هذه الآية فيما سلف من فهارس اللغة. * * * عند هذا الموضع انتهى جزء من التقسيم القديم الذي نقلته عنه نسختنا، وفيها ما نصه: (( آخر تفسير سورة الأنعام والحمد لله كما هو أهله، وصلى الله على سيدنا محمد وآله يتلوه تفسير السورة التي يذكر فيها الأعراف )) . ثم يتلوه ما نصه: (( بسم الله الرحمن الرحيم رب يسر تفسير السورة التي يذكر فيها الأعراف )) https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف الحلقة (656) صــ 291 إلى صــ 300 تفسير سورة الأعراف تفسير السورة التي يذكر فيها الأعراف بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله جل ثناؤه وتقدَّست أسماؤه {المص (1) } قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل قول الله تعالى ذكره: (المص) . فقال بعضهم: معناه: أنا الله أفضل. * ذكر من قال ذلك: 14310- حدثنا سفيان قال، حدثنا أبي، عن شريك، عن عطاء بن السائب، عن أبي الضحى، عن ابن عباس: (المص) ، أنا الله أفضل. 14311- حدثني الحارث قال، حدثنا القاسم بن سلام قال، حدثنا عمار بن محمد، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير في قوله: (المص) ، أنا الله أفضل. * * * وقال آخرون: هو هجاء حروف اسم الله تبارك وتعالى الذي هو "المصوّر" . * ذكر من قال ذلك: 14312- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (المص) ، قال: هي هجاء "المصوّر" . * * * وقال آخرون: هي اسم من أسماء الله، أقسم ربنا به. * ذكر من قال ذلك: 14313- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (المص) ، قسم أقسمه الله، وهو من أسماء الله. * * * وقال آخرون: هو اسم من أسماء القرآن. ذكر من قال ذلك: 14314- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (المص) ، قال: اسم من أسماء القرآن. 14315- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة، مثله. * * * وقال آخرون: هي حروف هجاء مقطّعة. * * * وقال آخرون: هي من حساب الجمَّل. * * * وقال آخرون: هي حروف تحوي معاني كثيرة، دلّ الله بها خلقه على مراده من ذلك. * * * وقال آخرون: هي حروف اسم الله الأعظم. * * * وقد ذكرنا كل ذلك بالرواية فيه، وتعليل كلّ فريق قال فيه قولا. وما الصواب من القول عندنا في ذلك، بشواهده وأدلته فيما مضى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (1) * * * (1) انظر ما سلف 1: 205 - 224. وانظر أيضًا معاني القرآن للفراء 1: 368 - 370. القول في تأويل قول الله تعالى ذكره {كِتَابٌ أُنزلَ إِلَيْكَ} قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره: هذا القرآن، يا محمد، كتاب أنزله الله إليك. * * * ورفع "الكتاب" بتأويل: هذا كتابٌ. * * * القول في تأويل قوله: {فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ} قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فلا يضق صدرك، يا محمد، من الإنذار به مَنْ أرسلتك لإنذاره به، وإبلاغه مَنْ أمرتك بإبلاغه إياه، ولا تشك في أنه من عندي، واصبر للمضيّ لأمر الله واتباع طاعته فيما كلفك وحملك من عبء أثقال النبوة، (1) كما صبر أولو العزم من الرسل، فإن الله معك. * * * و "الحرج" ، هو الضيق، في كلام العرب، وقد بينا معنى ذلك بشواهده وأدلته في قوله: (ضَيِّقًا حَرَجًا) [سورة الأنعام: 125] ، بما أغنى عن إعادته. (2) * * * وقال أهل التأويل في ذلك ما:- 14316- حدثني به محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس في قوله: (فلا يكن في صدرك حرج منه) ، قال: لا تكن في شك منه. (1) في المطبوعة: (( واصبر بالمضي لأمر الله )) ، وغير ما في المخطوطة بلا طائل. (2) انظر ما سلف ص: 103 - 107. 14317- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (فلا يكن في صدرك حرج منه) ، قال: شك. 14318- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 14319- حدثنا ابن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور قال، حدثنا معمر، عن قتادة: (فلا يكن في صدرك حرج منه) ، شك منه. 14320- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، مثله. 14321- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (فلا يكن في صدرك حرج منه) ، قال: أما "الحرج" ، فشك. 14322- حدثنا الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد المدني قال، سمعت مجاهدًا في قوله: (فلا يكن في صدرك حرج منه) ، قال: شك من القرآن. * * * قال أبو جعفر: وهذا الذي ذكرته من التأويل عن أهل التأويل، هو معنى ما قلنا في "الحرج" ، لأن الشك فيه لا يكون إلا من ضيق الصدر به، وقلة الاتساع لتوجيهه وجهته التي هي وجهته الصحيحة. وإنما اخترنا العبارة عنه بمعنى "الضيق" ، لأن ذلك هو الغالب عليه من معناه في كلام العرب، كما قد بيناه قبل. * * * القول في تأويل قوله: {لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) } قال أبو جعفر: يعني بذلك تعالى ذكره: هذا كتاب أنزلناه إليك، يا محمد، لتنذر به من أمرتك بإنذاره، (وذكرى للمؤمنين) = وهو من المؤخر الذي معناه التقديم. ومعناه: "كتاب أنزل إليك لتنذر به" ، و "ذكرى للمؤمنين" ، "فلا يكن في صدرك حرج منه" . وإذا كان ذلك معناه، كان موضع قوله: (وذكرى) نصبًا، بمعنى: أنزلنا إليك هذا الكتاب لتنذر به، وتذكر به المؤمنين. * * * ولو قيل معنى ذلك: هذا كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه، أن تنذر به، وتذكّر به المؤمنين = كان قولا غير مدفوعة صحته. وإذا وُجِّه معنى الكلام إلى هذا الوجه، كان في قوله: (وذكرى) من الإعراب وجهان: أحدهما: النصب بالردّ على موضع "لتنذر به" . والآخر: الرفع، عطفًا على "الكتاب" ، كأنه قيل: "المص كتاب أنزل إليك" ، و "ذكرى للمؤمنين" . (1) * * * القول في تأويل قوله: {اتَّبِعُوا مَا أُنزلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ (3) } قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، لهؤلاء المشركين من قومك الذين يعبدون الأوثان والأصنام: اتبعوا، أيها (1) انظر معاني القرآن للفراء 1: 370. الناس، ما جاءكم من عند ربكم بالبينات والهدى، واعملوا بما أمركم به ربكم، ولا تتبعوا شيئًا من دونه = يعني: شيئًا غير ما أنزل إليكم ربكم. يقول: لا تتبعوا أمر أوليائكم الذين يأمرونكم بالشرك بالله وعبادة الأوثان، فإنهم يضلونكم ولا يهدونكم. * * * فإن قال قائل: وكيف قلت: "معنى الكلام: قل اتبعوا" ، وليس في الكلام موجودًا ذكرُ القول؟ قيل: إنه وإن لم يكن مذكورًا صريحًا، فإن في الكلام دلالة عليه، وذلك قوله: (فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به) ، ففي قوله: "لتنذر به" ، الأمر بالإنذار، وفي الأمر بالإنذار، الأمرُ بالقول، لأن الإنذار قول. فكأن معنى الكلام: أنذر القومَ وقل لهم: اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم. ولو قيل معناه: لتنذر به وتذكر به المؤمنين فتقول لهم: اتبعوا ما أنزل إليكم = كان غير مدفوع. * * * وقد كان بعض أهل العربية يقول: قوله: (اتبعوا) ، خطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم، ومعناه: كتاب أنزل إليك، فلا يكن في صدرك حرج منه، اتبع ما أنزل إليك من ربك = ويرى أن ذلك نظير قول الله: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) [سورة الطلاق: 1] ، إذ ابتدأ خطابَ النبي صلى الله عليه وسلم، ثم جعل الفعل للجميع، إذ كان أمر الله نبيه بأمرٍ، أمرًا منه لجميع أمته، كما يقال للرجل يُفْرَد بالخطاب والمراد به هو وجماعة أتباعه أو عشيرته وقبيلته: "أما تتقون الله، أما تستحيون من الله!" ، ونحو ذلك من الكلام. (1) وذلك وإن كان وجهًا غير مدفوع، فالقولُ الذي اخترناه أولى بمعنى الكلام، (1) انظر معاني القرآن للفراء 1: 371، فهذه مقالته. لدلالة الظاهر الذي وصفنا عليه. * * * وقوله: (قليلا ما تذكرون) ، يقول: قليلا ما تتعظون وتعتبرون فتراجعون الحق. (1) * * * القول في تأويل قوله: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ (4) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: حذّر هؤلاء العابدين غيري، والعادلين بي الآلهة والأوثان، سَخَطي لا أُحِلّ بهم عقوبتي فأهلكهم، (2) كما أهلكت من سلك سبيلهم من الأمم قبلهم، فكثيرًا ما أهلكت قبلهم من أهل قرى عصوني وكذَّبوا رسلي وعبدوا غيري (3) = (فجاءها بأسنا بياتًا) ، يقول: فجاءتهم عقوبتنا ونقمتنا ليلا قبل أن يصبحوا (4) = أو جاءتهم "قائلين" ، يعني: نهارًا في وقت القائلة. * * * وقيل: "وكم" لأن المراد بالكلام ما وصفت من الخبر عن كثرة ما قد أصاب الأمم السالفة من المَثُلاث، بتكذيبهم رسلَه وخلافهم عليه. وكذلك تفعل العرب إذا أرادوا الخبر عن كثرة العدد، كما قال الفرزدق: (1) انظر تفسير (( التذكر )) فيما سلف 11: 489، تعليق 3، والمراجع هناك. (2) في المطبوعة والمخطوطة: (( لأحل بهم عقوبتي )) ، والسياق يقتضي ما أثبت. (3) انظر تفسير (( كم )) فيما سلف 5: 352: = تفسير (( القرية )) فيما سلف 8: 543. = وتفسير (( الإهلاك )) فيما سلف: 11: 316، تعليق: 1، والمراجع هناك. = وتفسير (( البأس )) فيما سلف ص: 207، تعليق 2، والمراجع هناك. (4) انظر تفسير (( البيات )) فيما سلف 8: 562، 563 /9: 191، 192. كَمْ عَمةٍ لَكَ يا جَرِيرُ وَخَالَةٍ ... فَدْعَاءَ قَدْ حَلَبَتْ عَلَيَّ عِشَارِي (1) * * * فإن قال قائل: فإن الله تعالى ذكره إنما أخبر أنه "أهلك قرًى" ، فما في خبره عن إهلاكه "القرى" من الدليل على إهلاكه أهلها؟ قيل: إن "القرى" لا تسمى "قرى" ولا "القرية" "قرية" ، إلا وفيها مساكن لأهلها وسكان منهم، ففي إهلاكها إهلاك مَنْ فيها من أهلها. * * * وقد كان بعض أهل العربية يرى أن الكلام خرج مخرج الخبر عن "القرية" ، والمراد به أهلها. * * * قال أبو جعفر: والذي قلنا في ذلك أولى بالحق، لموافقته ظاهر التنزيل المتلوّ. * * * فإن قال قائل: وكيف قيل: (وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتًا أو هم قائلون) ؟ وهل هلكت قرية إلا بمجيء بأس الله وحلول نقمته وسَخَطه بها؟ فكيف قيل: "أهلكناها فجاءها" ؟ وإن كان مجيء بأس الله إياها بعد هلاكها، فما وجه مجيء ذلك قومًا قد هلكوا وبادوا، ولا يشعرون بما ينزل بهم ولا بمساكنهم؟ قيل: إن لذلك من التأويل وجهين، كلاهما صحيح واضح منهجه: أحدهما: أن يكون معناه: "وكم من قرية أهلكناها" ، بخذلاننا إياها عن اتباع ما أنزلنا إليها من البينات والهدى، واختيارها اتباع أمر أوليائها المُغْوِيتِهَا عن طاعة ربها (2) = "فجاءها بأسنا" إذ فعلت ذلك = "بياتا أو هم قائلون" ، فيكون "إهلاك الله إياها" ، خذلانه لها عن طاعته، ويكون "مجيء بأس الله إياهم" ، جزاء لمعصيتهم ربهم بخذلانه إياهم. (1) ديوانه: 451، والنقائض: 332، وقد سلف هذا البيت وشرحه في تخريج بيت آخر من القصيدة 9: 495، 496، تعليق: 1. (2) في المطبوعة: (( المغويها )) ، وأثبت ما في المخطوطة. https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف الحلقة (657) صــ 301 إلى صــ 310 والآخر منهما: أن يكون "الإهلاك" هو "البأس" بعينه، فيكون في ذكر "الإهلاك" الدلالةُ على ذكر "مجيء البأس" ، وفي ذكر "مجيء البأس" الدلالة على ذكر "الإهلاك" . وإذا كان ذلك كذلك، كان سواء عند العرب، بُدئ بالإهلاك ثم عطف عليه بالبأس، أو بدئ بالبأس ثم عطف عليه بالإهلاك. وذلك كقولهم: "زرتني فأكرمتني" ، إذ كانت "الزيارة" هي "الكرامة" ، فسواء عندهم قدم "الزيارة" وأخر "الكرامة" ، أو قدم "الكرامة" وأخر "الزيارة" فقال: "أكرمتني فزرتني" . (1) * * * وكان بعض أهل العربية يزعم أن في الكلام محذوفًا، لولا ذلك لم يكن الكلام صحيحًا = وأن معنى ذلك: وكم من قرية أهلكناها، فكان مجيء بأسنا إياها قبل إهلاكنا. (2) وهذا قول لا دلالة على صحته من ظاهر التنزيل، ولا من خبر يجب التسليم له. وإذا خلا القولُ من دلالة على صحته من بعض الوجوه التي يجبُ التسليم لها، كان بيّنًا فساده. * * * وقال آخر منهم أيضًا: معنى "الفاء" في هذا الموضع معنى "الواو" . وقال: تأويل الكلام: وكم من قرية أهلكناها، وجاءها بأسنا بياتًا. وهذا قول لا معنى له، إذ كان لـ "الفاء" عند العرب من الحكم ما ليس للواو في الكلام، فصرفها إلى الأغلب من معناها عندهم، ما وجد إلى ذلك سبيل، أولى من صرفها إلى غيره. * * * فإن قال: وكيف قيل: (فجاءها بأسنا بياتًا أو هم قائلون) ، وقد علمت أن الأغلب من شأن "أو" في الكلام، اجتلابُ الشك، وغير جائز أن يكون في خبر الله شك؟ (1) انظر معاني القرآن للفراء 1: 371. (2) هذه مقالة الفراء في معاني القرآن 1: 371، قال: (( وإن شئت كان المعنى: وكم من قرية أهلكناها، فكان مجيء البأس قبل الإهلاك، فأضمرت كان. )) . قيل: إن تأويل ذلك خلافُ ما إليه ذهبتَ. وإنما معنى الكلام: وكم من قرية أهلكناها فجاء بعضها بأسنا بياتًا، وبعضها وهم قائلون. ولو جعل مكان "أو" في هذا الموضع "الواو" ، لكان الكلام كالمحال، ولصار الأغلب من معنى الكلام: أن القرية التي أهلكها الله جاءها بأسه بياتًا وفي وقت القائلة. وذلك خبرٌ عن البأس أنه أهلك من قد هلك، وأفنى من قد فني. وذلك من الكلام خَلْفٌ. (1) ولكن الصحيح من الكلام هو ما جاء به التنزيل، إذ لم يفصل القرى التي جاءها البأس بياتًا، من القرى التي جاءها ذلك قائلةً. ولو فُصلت، لم يخبر عنها إلا بالواو. وقيل: "فجاءها بأسنا" خبرًا عن "القرية" أن البأس أتاها، وأجرى الكلام على ما ابتدئ به في أول الآية. ولو قيل: "فجاءهم بأسنا بياتًا" ، لكان صحيحًا فصيحًا، ردًّا للكلام إلى معناه، إذ كان البأس إنما قصد به سكان القرية دون بنيانها، وإن كان قد نال بنيانها ومساكنها من البأس بالخراب، نحوٌ من الذي نال سكانها. وقد رجع في قوله: (أو هم قائلون) ، إلى خصوص الخبر عن سكانها دون مساكنها، لما وصفنا من أن المقصود بالبأس كان السكان، وإن كان في هلاكهم هلاك مساكنهم وخرابها. (2) ولو قيل: "أو هي قائلة" ، كان صحيحًا، إذ كان السامعون قد فهموا المراد من الكلام. * * * فإن قال قائل: أو ليس قوله: (أو هم قائلون) ، خبرًا عن الوقت الذي أتاهم فيه بأس الله من النهار؟ قيل: بلى! (1) (( خلف )) (بفتح فسكون) . يقال: (( هذا خلف من القول )) ، أي: رديء ساقط ومنه المثل: (( سكت ألفًا، ونطق خلفًا )) . (2) انظر معاني القرآن للفراء 1: 371. فإن قال: أو ليس المواقيت في مثل هذا تكون في كلام العرب بالواو الدالِّ على الوقت؟ قيل: إن ذلك، وإن كان كذلك، فإنهم قد يحذفون من مثل هذا الموضع، استثقالا للجمع بين حرفي عطف، إذ كان "أو" عندهم من حروف العطف، (1) وكذلك "الواو" ، فيقولون: "لقيتني مملقًا أو أنا مسافر" ، بمعنى: أو وأنا مسافر، فيحذفون "الواو" وهم مريدوها في الكلام، لما وصفت. (2) * * * القول في تأويل قوله: {فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (5) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فلم يكن دعوى أهل القرية التي أهلكناها، إذ جاءهم بأسنا وسطوتُنا بياتًا أو هم قائلون، إلا اعترافهم على أنفسهم بأنهم كانوا إلى أنفسهم مسيئين، وبربهم آثمين، ولأمره ونهيه مخالفين. (3) * * * وعنى بقوله جل ثناؤه: (دعواهم) ، في هذا الموضع دعاءَهم. * * * ولـ "الدعوى" ، في كلام العرب، وجهان: أحدهما: الدعاء، والآخر: الادعاء للحق. ومن "الدعوى" التي معناها الدعاء، قول الله تبارك وتعالى: (فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ) [سورة الأنبياء: 15] ، ومنه قول الشاعر: (4) (1) في المخطوطة: (( إذ كان وعندهم من حروف العطف )) بياض، وفوق البياض (كذا) ، وفي الهامش حرف (ط) . والذي في المطبوعة شبيه بالصواب. (2) انظر معاني القرآن للفراء 1: 372. (3) انظر بيان قول (( بربهم آثمين )) فيما سلف ص: 171، تعليق: 1، والمراجع هناك. (4) كثير عزة. وَإِنْ مَذِلَتْ رِجْلِي دَعَوْتُكِ أَشْتَفِي ... بِدَعْوَاكِ مِنْ مَذْلٍ بِهَا فَيَهُونُ (1) * * * وقد بينا فيما مضى قبل أن "البأس" و "البأساء" الشدة، بشواهد ذلك الدالة على صحته، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (2) * * * وفي هذه الآية الدلالةُ الواضحة على صحة ما جاءت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله: "ما هلك قوم حتى يُعْذِروا من أنفسهم" . * * * وقد تأوّل ذلك كذلك بعضهم. 14323- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن أبي سنان، عن عبد الملك بن ميسرة الزرَّاد قال، قال عبد الله بن مسعود: قال رسول الله: ما هلك قوم حتى يُعْذِروا من أنفسهم - قال قلت لعبد الملك: كيف يكون ذلك؟ قال: فقرأ هذه الآية: (فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا) ، الآية (3) . * * * فإن قال قائل: وكيف قيل: (فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين) ؟ وكيف أمكنتهم الدعوى بذلك، وقد جاءهم بأس الله بالهلاك؟ أقالوا ذلك قبل الهلاك؟ فإن كانوا قالوه قبل الهلاك، فإنهم قالوا قبل (1) ديوانه 2: 245، في باب الزيادات، نهاية الأرب 2: 125، واللسان (مذل) . (( مذلت رجله (بفتح وسكون) ومذلا (بفتحتين) : خدرت، كانوا يزعمون أن المرء إذا خدرت رجله ثم دعا باسم مَنْ أحب، زال خدرها. (2) انظر تفسير (( البأس )) فيما سلف ص: 299، تعليق: 3، والمراجع هناك. (3) الأثر: 14323 - (( عبد الملك بن ميسرة الهلالي الزراد )) ، ثقة، روى له الجماعة، مضى برقم: 503، 504، 1326، مات في العشر الثاني من المئة الثانية. لم يدرك ابن مسعود ولا غيره من الصحابة. فإسناده منقطع. وهذا الخبر ذكره ابن كثير في تفسيره 3: 448، عن الطبري ولم يخرجه. وخرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 67، ولم ينسبه إلى غير ابن أبي حاتم. (( أعذر من نفسه )) ، إذا أمكن معاقبة بذنبه منها. يعني: أنهم لا يهلكون حتى تكثر ذنوبهم وعيوبهم، فيعذروا من أنفسهم، ويستوجبوا العقوبة، ويكون لمن يعذبهم عذر في إلحاق العذاب بهم. مجيء البأس، والله يخبر عنهم أنهم قالوه حين جاءهم، لا قبل ذلك؟ أو قالوه بعد ما جاءهم، فتلك حالة قد هلكوا فيها، فكيف يجوز وصفهم بقيل ذلك إذا عاينوا بأس الله، وحقيقة ما كانت الرسل تَعِدهم من سطوة الله؟. (1) قيل: ليس كل الأمم كان هلاكها في لحظة ليس بين أوّله وآخره مَهَلٌ، بل كان منهم من غرق بالطوفان. فكان بين أوّل ظهور السبب الذي علموا أنهم به هالكون، وبين آخره الذي عمَّ جميعهم هلاكُه، المدة التي لا خفاء بها على ذي عقل. ومنهم من مُتِّع بالحياة بعد ظهور علامة الهلاك لأعينهم أيامًا ثلاثة، كقوم صالح وأشباههم. فحينئذ لما عاينوا أوائل بأس الله الذي كانت رسل الله تتوعدهم به، وأيقنوا حقيقة نزول سطوة الله بهم، دعوا: (يا ويلنا إنا كنا ظالمين) ، فلم يك ينفعهم إيمانهم مع مجيء وعيد الله وحلول نقمته بساحتهم. فحذّر ربنا جل ثناؤه الذين أرسل إليهم نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم من سطوته وعقابه على كفرهم به وتكذيبهم رسوله، ما حلَّ بمن كان قبلهم من الأمم إذ عصوا رُسله، واتبعوا أمر كل جبار عنيد. * * * القول في تأويل قوله: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: لنسألن الأمم الذين أرسلت إليهم رسلي: ماذا عملت فيما جاءتهم به الرسل من عندي من أمري ونهيي؟ هل عملوا بما أمرتهم به، وانتهوا عما نهيتهم عنه، وأطاعوا أمري، أم عصوني فخالفوا ذلك؟ = (ولنسألن (1) في المخطوطة وصل الكلام هكذا: (( وحقيقة ما كانت الرسل تعدهم من سطوة الله وليس كل الأمم )) ، بالواو، وليس فيها (( قيل )) ، وقد أحسن الناشر الأول فيما فعل، وإن كنت أظن أن في الكلام سقطًا. المرسلين) ، يقول: ولنسألن الرسل الذين أرسلتهم إلى الأمم: هل بلغتهم رسالاتي، وأدَّت إليهم ما أمرتهم بأدائه إليهم، أم قصّروا في ذلك ففرَّطوا ولم يبلغوهم؟. * * * وكذلك كان أهل التأويل يتأولونه. * ذكر من قال ذلك: 14324- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين) ، قال: يسأل الله الناس عما أجابوا المرسلين، ويسأل المرسلين عما بلغوا. 14325- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (فلنسألن الذين أرسل إليهم) إلى قوله: (غائبين) ، قال: يوضع الكتاب يوم القيامة، فيتكلم بما كانوا يعملون. 14326- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (فلنسألنّ الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين) ، يقول فلنسألن الأمم: ما عملوا فيما جاءت به الرسل؟ ولنسألن الرسل: هل بلغوا ما أرسلوا به؟ 14327- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد المدني قال، قال مجاهد: (فلنسألن الذين أرسل إليهم) ، الأمم = ولنسألن الذين أرسلنا إليهم عما ائتمناهم عليه: هل بلغوا؟ (1) * * * (1) الأثر: 14327 - (( أبو سعد المدني )) ، مضى في الأثر رقم: 14322، ولم أعرف من هو، ولم أجد له ترجمة. القول في تأويل قوله: {فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (7) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فلنخبرن الرسل ومَنْ أرسلتهم إليه بيقين علمٍ بما عملوا في الدنيا فيما كنت أمرتهم به، وما كنت نهيتهم عنه (1) = "وما كنا غائبين" ، عنهم وعن أفعالهم التي كانوا يفعلونها. * * * فإن قال قائل: وكيف يسأل الرسلَ، والمرسل إليهم، وهو يخبر أنه يقصّ عليهم بعلم بأعمالهم وأفعالهم في ذلك؟ قيل: إن ذلك منه تعالى ذكره ليس بمسألة استرشاد، ولا مسألة تعرّف منهم ما هو به غير عالم، وإنما هو مسألة توبيخ وتقرير معناها الخبر، كما يقول الرجل للرجل: "ألم أحسن إليك فأسأت؟" ، و "ألم أصلك فقطعت؟" . فكذلك مسألة الله المرسلَ إليهم، بأن يقول لهم: "ألم يأتكم رسلي بالبينات؟ ألم أبعث إليكم النذر فتنذركم عذابي وعقابي في هذا اليوم من كفر بي وعبد غيري" ؟ كما أخبر جل ثناؤه أنه قائل لهم يومئذ: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ) ، [سورة يس: 60-61] ، ونحو ذلك من القول الذي ظاهره ظاهر مسألة، ومعناه الخبر والقصص، وهو بعدُ توبيخ وتقرير. وأما مسألة الرسل الذي هو قصص وخبر، فإن الأمم المشركة لما سئلت في القيامة قيل لها: (ألم يأتكم رُسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم) ؟ أنكر ذلك كثير منهم وقالوا: "ما جاءنا من بشير ولا نذير" . فقيل للرسل: "هل بلغتم ما أرسلتم به" ؟ أو قيل لهم: "ألم تبلغوا إلى هؤلاء ما أرسلتم به؟" ، كما جاء الخبر (1) انظر تفسير (( القصص )) فيما سلف 9: 402 /12: 120 عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما قال جل ثناؤه لأمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) ، [سورة البقرة: 143] . فكل ذلك من الله مسألة للرسل على وجه الاستشهاد لهم على من أرسلوا إليه من الأمم، وللمرسَل إليهم على وجه التقرير والتوبيخ، وكل ذلك بمعنى القصص والخبر. فأما الذي هو عن الله منفيٌّ من مسألته خلقه، فالمسألة التي هي مسألة استرشاد واستثبات فيما لا يعلمه السائل عنها ويعلمه المسؤول، ليعلم السائل علم ذلك من قِبَله، فذلك غير جائز أن يوصف الله به، لأنه العالم بالأشياء قبل كونها وفي حال كونها وبعد كونها، وهي المسألة التي نفاها جل ثناؤه عن نفسه بقوله: (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ) ، [سورة الرحمن: 39] ، وبقوله: (وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) ، [سورة القصص: 78] ، يعني: لا يسأل عن ذلك أحدًا منهم مستثبت، (1) ليعلم علم ذلك من قبل مَنْ سأل منه، لأنه العالم بذلك كله وبكل شيء غيره. * * * وقد ذكرنا ما روي في معنى ذلك من الخبر في غير هذا الموضع، فكرهنا إعادته. (2) * * * وقد روي عن ابن عباس أنه كان يقول في معنى قوله: (فلنقصن عليهم بعلم) ، أنه ينطق لهم كتاب عملهم عليهم بأعمالهم. هذا قولٌ غيرُ بعيد من الحق، غير أن الصحيح من الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه يوم القيامة ليس بينه وبينه تَرْجُمان، فيقول له: "أتذكر يوم فعلت كذا وفعلت كذا" ؟ حتى (1) في المطبوعة والمخطوطة: (لا يسأل عن ذلك أحدًا منهم علم مستثبت ) ) وهو غير مستقيم، والصواب ما أثبت. (2) انظر ما سلف 3: 145 - 154. يذكره ما فعل في الدنيا (1) = والتسليم لخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى من التسليم لغيره. * * * القول في تأويل قوله: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8) } قال أبو جعفر: "الوزن" مصدر من قول القائل: "وزنت كذا وكذا أزِنه وَزْنًا وزِنَةً" ، مثل: "وَعدته أعده وعدًا وعدة" . وهو مرفوع بـ "الحق" ، و "الحق" به. (2) * * * ومعنى الكلام: والوزن يوم نسأل الذين أرسل إليهم والمرسلين، الحق = ويعني بـ "الحق" ، العدلَ. * * * وكان مجاهد يقول: "الوزن" ، في هذا الموضع، القضاء. 14328- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "والوزن يومئذ" ، القضاء. * * * (1) هذا الخبر الذي صححه الطبري، لم أجده بتمامه، ووجدت صدره من رواية ابن خزيمة، عن أبي خالد عبد العزيز بن أبان القرشي، قال: حدثنا بشير بن المهاجر، عبد الله بن بريدة، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( ما منكم من أحد إلا سيخلو الله به يوم القيامة، ليس بينه وبينه حجاب ولا ترجمان )) (حادي الأرواح 2: 108، 109) ، وخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد: 346، بلفظ: (ليس منكم من أحد إلا سيكلمه الله عز وجل ... ) ) ، ثم قال: (( رواه البزار، وفيه عبد العزيز بن أبان، وهو متروك )) . وسيأتي في التعليق على رقم: 14333. وأما الأخبار بمعنى هذا الخبر، فقد جاءت بالأسانيد الصحاح. رواه الترمذي بهذا اللفظ في أبواب صفة القيامة، من حديث عدي بن حاتم، وقال: (( هذا حديث حسن صحيح )) . (2) انظر معاني القرآن للفراء 1: 373. وكان يقول أيضًا: معنى "الحق" ، هاهنا، العدل. * ذكر الرواية بذلك: 14329- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن مجاهد: (والوزن يومئذ الحق) ، قال: العدل. * * * وقال آخرون: معنى قوله: (والوزن يومئذ الحق) ، وزن الأعمال. * ذكر من قال ذلك: 14330- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي، قوله: (والوزن يومئذ الحق) ، توزن الأعمال. 14331- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (والوزن يومئذ الحق) ، قال: قال عبيد بن عمير: يؤتى بالرجل العظيم الطويل الأكول الشَّروب، فلا يزن جناح بَعُوضة. 14332- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (والوزن يومئذ الحق) ، قال: قال عبيد بن عمير: يؤتى بالرجل الطويل العظيم فلا يزن جناح بعوضة. 14333- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا يوسف بن صهيب، عن موسى، عن بلال بن يحيى، عن حذيفة قال: صاحب الموازين يوم القيامة جبريل عليه السلام، قال: يا جبريل، زِن بينهم! فردَّ من بعضٍ على بعض. قال: وليس ثم ذهبٌ ولا فضة. قال: فإن كان للظالم حسنات، أخذ من حسناته فترد على المظلوم، (1) وإن لم يكن له حسنات حُمِل عليه من (1) في المطبوعة أسقط من الكلام ما لا يستقيم إلا به، فرددتها إلى أصلها من المخطوطة. كان في المطبوعة: (( يا جبريل زن بينهم، فرد على المظلوم ... )) . https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف الحلقة (658) صــ 311 إلى صــ 320 سيئات صاحبه، فيرجع الرجل عليه مثل الجبال، فذلك قوله: (والوزن يومئذ الحق) . (1) * * * واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: (فمن ثقلت موازينه) . فقال بعضهم: معناه: فمن كثرت حسناته. * ذكر من قال ذلك: 14334- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن مجاهد: (فمن ثقلت موازينه) ، قال: حسناته. * * * وقال آخرون: معنى ذلك: فمن ثقلت موازينه التي توزن بها حسناته وسيئاته. قالوا: وذلك هو "الميزان" الذي يعرفه الناس، له لسان وكِفَّتان. * ذكر من قال ذلك: 14335- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج، قال لي عمرو بن دينار قوله: (والوزن يومئذ الحق) ، قال: إنا نرى ميزانًا وكفتين، سمعت عبيد بن عمير يقول: يُجْعَل الرجل العظيم الطويل في الميزان، ثم لا يقوم بجناح ذباب. * * * قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي، القول الذي ذكرناه عن عمرو بن دينار، من أن ذلك هو "الميزان" المعروف الذي يوزن به، (1) الأثر: 14333 - (( الحارث )) ، هو (( الحارث بن أبي أسامة )) ، ثقة مضى مرارًا. و (( عبد العزيز )) ، هو (( عبد العزيز بن أبان الأموي )) ، كذاب خبيث يضع الأحاديث، مضى ذكره مرارًا، رقم: 10295، 10315، 10360، 10553. (( يوسف بن صهيب الكندي )) ، ثقة. مترجم في التهذيب، والكبير 4 /2 /380، وابن أبي حاتم 4 /2 /224. و (( موسى )) كثير، ولم أستطع أن أعينه. و (( بلال بن يحي العبسي )) ، يروي عن حذيفة. ثقة، مترجم في التهذيب، والكبير 1 /2 /108، وابن أبي حاتم 1 /1 / 396. وأن الله جل ثناؤه يزن أعمال خلقه الحسنات منها والسيئات، كما قال جل ثناؤه: (فمن ثقلت موازينه) ، موازين عمله الصالح = (فأولئك هم المفلحون) ، يقول: فأولئك هم الذين ظفروا بالنجاح، وأدركوا الفوز بالطلبات، والخلود والبقاء في الجنات، (1) لتظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: "ما وُضِع في الميزان شيء أثقل من حسن الخُلق" ، (2) ونحو ذلك من الأخبار التي تحقق أن ذلك ميزانٌ يوزن به الأعمال، على ما وصفت. * * * فإن أنكر ذلك جاهل بتوجيه معنى خبر الله عن الميزان وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم عنه، وِجْهَته، وقال: أوَ بالله حاجة إلى وزن الأشياء، وهو العالم بمقدار كل شيء قبل خلقه إياه وبعده، وفي كل حال؟ = أو قال: وكيف توزن الأعمال، والأعمال ليست بأجسام توصف بالثقل والخفة، وإنما توزن الأشياء ليعرف ثقلها من خفتها، وكثرتها من قلتها، وذلك لا يجوز إلا على الأشياء التي توصف بالثقل والخفة، والكثرة والقلة؟ قيل له في قوله: "وما وجه وزن الله الأعمالَ، وهو العالم بمقاديرها قبل كونها" : وزن ذلك، نظيرُ إثباته إياه في أمِّ الكتاب واستنساخه ذلك في الكتب، من غير حاجة به إليه، ومن غير خوف من نسيانه، وهو العالم بكل ذلك في كل حال ووقت قبل كونه وبعد وجوده، بل ليكون ذلك حجة على خلقه، كما قال جل ثناؤه في تنزيله: (كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ) [سورة الجاثية: 28-29] الآية. فكذلك (1) انظر تفسير (( الفلاح )) فيما سلف ص: 130 تعليق: 2 والمراجع هناك. (2) روى الترمذي في سننه في كتاب (( البر والصلة )) باب (( ما جاء في حسن الخلق )) ، عن أبي الدرداء، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق خسن، فإن الله تعالى يبغض الفاحش البذيء )) ، ثم قال: (( وفي الباب عن عائشة، وأبي هريرة، وأنس، وأسامة بن شريك. هذا حديث حسن صحيح )) . وقال السيوطي في الدر المنثور 3: 71 (( وأخرجه أبو داود والترمذي وصححه وابن حبان واللالكائي، عن أبي الدرداء )) . وزنه تعالى أعمال خلقه بالميزان، حجة عليهم ولهم، إما بالتقصير في طاعته والتضييع، وإما بالتكميل والتتميم. (1) * * * وأمّا وجه جواز ذلك، فإنه كما: 14336- حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال، حدثنا جعفر بن عون قال، حدثنا عبد الرحمن بن زياد الإفريقي، عن عبد الله بن يزيد، عن عبد الله بن عمرو، قال: يُؤْتى بالرجل يوم القيامة إلى الميزان، فيوضع في الكِفّة، فيخرج له تسعة وتسعون سِجِلا فيها خطاياه وذنوبه. قال: ثم يخرج له كتاب مثل الأنْمُلة، فيها شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم. قال: فتوضع في الكِفّة، فترجح بخطاياه وذنوبه. (2) * * * (1) هذه إحدى حجج أبي جعفر، التي تدل على لطف نظره، ودقة حكمه، وصفاء بيانه، وقدرته على ضبط المعاني ضبطًا لا يختل. فجزاه الله عن كتابه ودينه أحسن الجزاء، يوم توفى كل نفس ما كسبت. (2) الأثر: 14336 - (( موسى بن عبد الرحمن المسروق )) شيخ أبي جعفر، مضى مرارًا، آخرها رقم: 8906. و (( جعفر بن عون بن عمرو بن حريث المخزومي )) ، ثقة، مضى برقم: 9506، 14244. و (( عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي المعافري )) ، هو (( ابن أنعم )) ، ثقة. مضى برقم: 2195، 10180، 11337. و (( عبد الله بن يزيد المعافري )) أبو عبد الرحمن الحبلي المصري، ثقة، مضى برقم: 6657، 9483، 11917. وكان في المطبوعة: (( عن عبد الله بن عمر )) ، وهو خطأ، صوابه من المخطوطة. وهذا خبر صحيح الإسناد. ورواه أحمد في مسنده بغير هذا اللفظ مطولا، في مسند عبد الله بن عمرو رقم: 6994 من طريق الليث بن سعد، عن عامر بن يحيى، عن أبي عبد الرحمن الحبلى = ثم رواه أيضًا رقم: 7066 من طريق ابن لهيعة، عن عمرو بن يحيى (عامر بن يحيى) ، عن أبي عبد الرحمن الحبلى. ورواه من الطريق الأولي عند أحمد ابن ماجه في سننه ص: 1437. ورواه الحاكم في المستدرك 1: 6 من طريق يونس بن محمد، عن الليث بن سعد، عن عامر بن يحيى، عن أبي عبد الرحمن المعافري وقال: (( هذا حديث صحيح، لم يخرج في الصحيحين، وهو صحيح على شرط مسلم )) ، ووافقه الذهبي. ثم عاد فرواه في المستدرك أيضًا 1: 529 من طريق يحيى بن عبد الله بن بكير، عن الليث، مثل إسناده وقال: (( هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه )) ووافقه الذهبي. فكذلك وزن الله أعمال خلقه، بأن يوضع العبد وكتب حسناته في كفة من كفتي الميزان، وكتب سيئاته في الكفة الأخرى، ويحدث الله تبارك وتعالى ثقلا وخفة في الكفة التي الموزون بها أولى، احتجاجًا من الله بذلك على خلقه، كفعله بكثير منهم: من استنطاق أيديهم وأرجلهم، استشهادًا بذلك عليهم، وما أشبه ذلك من حججه. ويُسأل مَن أنكر ذلك فيقال له: إن الله أخبرنا تعالى ذكره أنه يثقل موازين قوم في القيامة، ويخفف موازين آخرين، وتظاهرت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحقيق ذلك، فما الذي أوجب لك إنكار الميزان أن يكون هو الميزان الذي وصفنا صفته، الذي يتعارفه الناس؟ أحجة عقل تُبْعِد أن يُنال وجه صحته من جهة العقل؟ (1) وليس في وزن الله جل ثناؤه خلقَه وكتبَ أعمالهم لتعريفهم أثقل القسمين منها بالميزان، خروجٌ من حكمة، ولا دخول في جور في قضية، فما الذي أحال ذلك عندك من حجةِ عقلٍ أو خبر؟ (2) إذ كان لا سبيل إلى حقيقة القول بإفساد ما لا يدفعه العقل إلا من أحد الوجهين اللذين ذكرتُ، ولا سبيل إلى ذلك. وفي عدم البرهان على صحة دعواه من هذين الوجهين، وضوحُ فساد قوله، وصحة ما قاله أهل الحق في ذلك. وليس هذا الموضع من مواضع الإكثار في هذا المعنى على من أنكر الميزان الذي وصفنا صفته، إذ كان قصدُنا في هذا الكتاب: البيانَ عن تأويل القرآن دون غيره. ولولا ذلك لقرنَّا إلى ما ذكرنا نظائره، وفي الذي ذكرنا من ذلك كفاية لمن وُفِّق لفهمه إن شاء الله. (1) في المطبوعة: أحجة عقل فقد يقال وجه صحته ... وهو كلام غير مستقيم. وفي المخطوطة. (( أحجة عقل بعدان ننال وجه صحته ... )) ، وكأن الصواب ما قرأته وأثبته. (2) في المطبوعة: (( فما الذي أحال عندك من حجة أعقل أو خبر )) ، وهو فاسد، وفي المخطوطة: (( ... من حجة أو عقل أو خبر )) ، بزيادة (( أو )) ، وبحذفها يستقيم الكلام. القول في تأويل قوله: {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ (9) } قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: ومن خفت موازين أعماله الصالحة، فلم تثقل بإقراره بتوحيد الله، والإيمان به وبرسوله، واتباع أمره ونهيه، فأولئك الذين غَبَنوا أنفسهم حظوظها من جزيل ثواب الله وكرامته (1) = (بما كانوا بآياتنا يظلمون) ، يقول: بما كانوا بحجج الله وأدلته يجحدون، فلا يقرّون بصحتها، ولا يوقنون بحقيقتها، (2) كالذي:- 14337- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن مجاهد: (ومن خفت موازينه) ، قال: حسناته. * * * وقيل: "فأولئك" ، و "من" في لفظ الواحد، لأن معناه الجمع. ولو جاء موحَدًا كان صوابًا فصيحًا. (3) * * * القول في تأويل قوله: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ (10) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولقد وطَّأْنا لكم، أيها الناس، في الأرض، (4) وجعلناها لكم قرارًا تستقرُّون فيها، ومهادًا تمتهدونها، وفراشًا تفترشونها (5) = ( (1) انظر تفسير (( الخسارة )) فيما سلف ص: 153، تعليق: 2، والمراجع هناك. (2) انظر تفسير (( الظلم )) فيما سلف من فهارس اللغة (ظلم) . (3) انظر معاني القرآن للفراء 1: 373. (4) في المطبوعة: (( ولقد وطنا لكم أيها الناس )) ، والصواب من المخطوطة. (5) انظر تفسير (( مكن )) فيما سلف 11: 263. وجعلنا لكم فيها معايش) ، تعيشون بها أيام حياتكم، من مطاعم ومشارب، نعمة مني عليكم، وإحسانًا مني إليكم = (قليلا ما تشكرون) ، يقول: وأنتم قليل شكركم على هذه النعم التي أنعمتها عليكم لعبادتكم غيري، واتخاذكم إلهًا سواي. * * والمعايش: جمع "معيشة" . * * * واختلفت القرأة في قراءتها. فقرأ ذلك عامة قرأة الأمصار: (مَعَايِشَ) بغير همز. * * * وقرأه عبد الرحمن الأعرج: "مَعَائِشَ" بالهمز. * * * قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندنا: (مَعَايِشَ) بغير همز، لأنها "مفاعل" من قول القائل "عشتَ تعيش" ، فالميم فيها زائدة، والياء في الحكم متحركة، لأن واحدها "مَفْعلة" ، "مَعْيشة" ، متحركة الياء، نقلت حركة الياء منها إلى "العين" في واحدها. فلما جُمعت، رُدّت حركتها إليها لسكون ما قبلها وتحركها. وكذلك تفعل العرب بالياء والواو إذا سكن ما قبلهما وتحركتا، في نظائر ما وصفنا من الجمع الذي يأتي على مثال "مفاعل" ، وذلك مخالف لما جاء من الجمع على مثال "فعائل" التي تكون الياء فيها زائدة ليست بأصل. فإن ما جاء من الجمع على هذا المثال، فالعرب تهمزه، كقولهم: "هذه مدائن" و "صحائف" ونظائرهما، (1) لأن "مدائن" جمع "مدينة" ، و "المدينة" ، "فعيلة" من قولهم: "مدنت المدينة" ، وكذلك، "صحائف" جمع "صحيفة" ، و "الصحيفة" ، "فعيلة" من قولك: "صحفت الصحيفة" ، فالياء في واحدها زائدة ساكنة، فإذا جمعت همزت، لخلافها في الجمع الياء التي كانت في واحدها، وذلك أنها كانت (1) في المطبوعة والمخطوطة: (( ونظائر )) والسياق ما أثبت. في واحدها ساكنة، وهي في الجمع متحركة. ولو جعلت "مدينة" "مَفْعلة" من: "دان يدين" ، وجمعت على "مفاعل" ، كان الفصيح ترك الهمز فيها. وتحريك الياء. وربما همزت العرب جمع "مفعلة" في ذوات الياء والواو = وإن كان الفصيح من كلامها ترك الهمز فيها. إذا جاءت على "مفاعل" = تشبيهًا منهم جمعها بجمع "فعيلة" ، كما تشبه "مَفْعلا" "بفعيل" فتقول: "مَسِيل الماء" ، من: "سال يسيل" ، ثم تجمعها جمع "فعيل" ، فتقول: "هي أمسلة" ، في الجمع، تشبيهًا منهم لها بجمع "بعير" وهو "فعيل" ، إذ تجمعه "أبعرة" . وكذلك يجمع "المصير" وهو "مَفْعل" ، "مُصْران" تشبيهًا له بجمع: "بعير" وهو "فعيل" ، إذ تجمعه "بُعْران" ، (1) وعلى هذا همز الأعرج "معايش" . وذلك ليس بالفصيح في كلامها، وأولى ما قرئ به كتاب الله من الألسن أفصحها وأعرفها، دون أنكرها وأشذِّها. * * * القول في تأويل قوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11) } قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك. فقال بعضهم: تأويل ذلك: (ولقد خلقناكم) ، في ظهر آدم، أيها الناس = (ثم صورناكم) ، في أرحام النساء. خلقًا مخلوقًا ومثالا ممثلا في صورة آدم. * ذكر من قال ذلك: (1) انظر معاني القرآن للفراء 1: 373، 374 14338- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم) ، قوله: (خلقناكم) ، يعني آدم = وأما "صورناكم" ، فذريّته. 14339- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم) الآية، قال: أمّا "خلقناكم" ، فآدم. وأمّا "صورناكم" ، فذرية آدم من بعده. 14340- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن أبي جعفر، عن الربيع: (ولقد خلقناكم) ، يعني: آدم = (ثم صورناكم) ، يعني: في الأرحام. 14341- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن بن سعد قال، أخبرنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس في قوله: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم) ، يقول: خلقناكم خلق آدم، ثم صَوَّرناكم في بطون أمهاتكم. 14342- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم) ، يقول: خلقنا آدم، ثم صورنا الذرية في الأرحام. 14343- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم) ، قال: خلق الله آدم من طين = "ثم صورناكم" ، في بطون أمهاتكم خلقًا من بعد خلق: علقة، ثم مضغة، ثم عظامًا، ثم كسا العظام لحمًا، ثم أنشأناه خلقًا آخر. (1) 14344- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن (1) الأثر: 14343 - (( بشر بن معاذ العقدي )) ، مضى مرارًا، وهذا إسناد يدور في التفسير دورانًا، ولكنه جاء هنا في المخطوطة والمطبوعة: (( بشر بن آدم )) ، وهو خطأ. لا شك في ذلك. معمر، عن قتادة قال: خلق الله آدم، ثم صوّر ذريته من بعده. 14345- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمر بن هارون، عن نصر بن مُشارس، عن الضحاك: (خلقناكم ثم صورناكم) ، قال: ذريته. (1) 14346- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، أخبرنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك، قوله: (ولقد خلقناكم) ، يعني آدم = (ثم صورناكم) ، يعني: ذريته. * * * وقال آخرون: بل معنى ذلك: "ولقد خلقناكم" ، في أصلاب آبائكم = "ثم صورناكم" ، في بطون أمهاتكم. * ذكر من قال ذلك: 14347- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن شريك، عن سماك، عن عكرمة: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم) ، قال: خلقناكم في أصلاب الرجال، وصوّرناكم في أرحام النساء. 14348- حدثني المثنى قال، حدثنا الحمانى قال، حدثنا شريك، عن سماك، عن عكرمة، مثله. 14349- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان قال، سمعت الأعمش يقرأ: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم) ، قال: خلقناكم في أصلاب الرجال، ثم صورناكم في أرحام النساء. * * * وقال آخرون: بل معنى ذلك: (خلقناكم) ، يعني آدم = (ثم صورناكم) ، يعني = في ظهره. (1) الأثر: 14345 - (( عمر بن هارون بن يزيد البلخي )) ، متكلم فيه وجرح، مضى برقم: 12389. و (( نصر بن مشاري )) أو (( نصر بن مشيرس )) ، هو (( أبو مصلح الخراساني )) مشهور بكنيته، وكذلك مضى في الأثر رقم: 12389. وكان في المطبوعة: (( مشاوش )) ، وفي المخطوطة: (( مشاوس )) والصواب ما أثبته. * ذكر من قال ذلك: 14350- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (ولقد خلقناكم) ، قال: آدم = (ثم صورناكم) ، قال: في ظهر آدم. 14351- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم) ، في ظهر آدم. 14352- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم) ، قال: صورناكم في ظهر آدم. 14353- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد المدني قال، سمعت مجاهدًا في قوله: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم) ، قال: في ظهر آدم، لما تصيرون إليه من الثواب في الآخرة. * * * وقال آخرون: معنى ذلك: "ولقد خلقناكم" ، في بطون أمهاتكم = "ثم صورناكم" ، فيها. * ذكر من قال ذلك: 14354- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عمن ذكره قال: (خلقناكم ثم صورناكم) ، قال: خلق الله الإنسان في الرحم، ثم صوّره، فشقَّ سمعه وبصره وأصابعه. * * * قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصواب قول من قال: تأويله: (ولقد خلقناكم) ، ولقد خلقنا آدم = (ثم صورناكم) ، بتصويرنا آدم، كما قد بينا https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف الحلقة (659) صــ 321 إلى صــ 330 فيما مضى من خطاب العرب الرجلَ بالأفعال تضيفها إليه، والمعنيُّ في ذلك سلفه، (1) وكما قال جل ثناؤه لمن بين أظهر المؤمنين من اليهود على عهد رسول الله: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ) ، [سورة البقرة: 63] . وما أشبه ذلك من الخطاب الموجَّه إلى الحيّ الموجود، والمراد به السلف المعدوم، فكذلك ذلك في قوله: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم) ، معناه: ولقد خلقنا أباكم آدم ثم صوَّرناه. وإنما قلنا هذا القول أولى الأقوال في ذلك بالصواب، لأن الذي يتلو ذلك قوله: (ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم) ، ومعلوم أن الله تبارك وتعالى قد أمر الملائكة بالسجود لآدم، قبل أن يصوِّر ذريته في بطون أمهاتهم، بل قبل أن يخلُق أمهاتهم. و "ثم" في كلام العرب لا تأتي إلا بإيذان انقطاع ما بعدها عما قبلها، (2) وذلك كقول القائل: "قمت ثم قعدت" ، لا يكون "القعود" إذ عطف به بـ "ثم" على قوله: "قمت" إلا بعد القيام، (3) وكذلك ذلك في جميع الكلام. ولو كان العطف في ذلك بالواو، جاز أن يكون الذي بعدها قد كان قبل الذي قبلها، وذلك كقول القائل: "قمت وقعدت" ، فجائز أن يكون "القعود" في هذا الكلام قد كان قبل "القيام" ، لأن الواو تدخل في الكلام إذا كانت عطفًا، لتوجب للذي بعدها من المعنى ما وجب للذي قبلها، من غير دلالة منها بنفسها على أن ذلك كان في وقت واحد أو وقتين مختلفين، أو إن كانا في وقتين، أيهما (1) انظر هذا من خطاب العرب فيما سلف 2: 38، 39 ثم ص: 164، 165، ومواضع أخرى بعد ذلك في فهرس مباحث العربية والنحو وغيرها. (2) انظر القول في (( ثم )) فيما سلف ص: 233. (3) كان في هذه الجملة في المخطوطة تكرار، ووضع الناسخ في الهامش (كذا) ، والصواب ما في المطبوعة. المتقدم وأيهما المتأخر. فلما وصفنا قلنا إنّ قوله: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم) ، لا يصح تأويله إلا على ما ذكرنا. فإن ظن ظانّ أن العربَ، إذ كانت ربما نطقت بـ "ثم" في موضع "الواو" في ضرورة شعره، كما قال بعضهم: سَأَلْتُ رَبِيعَةَ: مَنْ خَيْرُهَا ... أَبًا ثُمَّ أُمًّا? فَقَالَتْ: لِمَهْ? (1) بمعنى: أبًا وأمًّا، فإن ذلك جائز أن يكون نظيره= فإن ذلك بخلاف ما ظن. وذلك أن كتاب الله جل ثناؤه نزل بأفصح لغات العرب، وغير جائز توجيه شيء منه إلى الشاذّ من لغاتها، وله في الأفصح الأشهر معنى مفهومٌ ووجه معروف. * * * وقد وجَّه بعض من ضعفت معرفته بكلام العرب ذلك إلى أنه من المؤخر الذي معناه التقديم، وزعم أن معنى ذلك: ولقد خلقناكم، ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم، ثم صورناكم. وذلك غير جائز في كلام العرب، لأنها لا تدخل "ثم" في الكلام وهي مرادٌ بها التقديم على ما قبلها من الخبر، وإن كانوا قد يقدِّمونها في الكلام، (2) إذا كان فيه دليل على أن معناها التأخير، وذلك كقولهم: "قام ثم عبد الله عمرو" ، فأما إذا قيل: "قام عبد الله ثم قعد عمرو" ، فغير جائز أن يكون قعود عمرو كان إلا بعد قيام عبد الله، إذا كان الخبر صدقًا، فقول الله تبارك وتعالى: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا) ، نظير قول القائل: "قام عبد الله ثم قعد عمرو" ، في أنه غير جائز أن يكون أمرُ الله الملائكةَ بالسجود لآدم كان إلا بعد الخلق والتصوير، لما وصفنا قبل. * * * وأما قوله للملائكة: (اسجدوا لآدم) ، فإنه يقول جل ثناؤه: فلما صوّرنا (1) لم أعرف قائله. (2) في المخطوطة: (( وإن كان يعبر فنرنها في الكلام )) ، فلم استبن لقراءتها وجهًا أرضاه، فتركت ما في المطبوعة على حاله، لأنه مستقيم المعنى إن شاء الله. آدم وجعلناه خلقًا سويًّا، ونفخنا فيه من روحنا، قلنا للملائكة: "اسجدوا لآدم" ، ابتلاء منا واختبارًا لهم بالأمر، ليعلم الطائع منهم من العاصي، = (فسجدوا) ، يقول: فسجد الملائكة، إلا إبليس فإنه لم يكن من الساجدين لآدم، حين أمره الله مع مَنْ أمرَ من سائر الملائكة غيره بالسجود. * * * وقد بينا فيما مضى، المعنى الذي من أجله امتحن جَلّ جلاله ملائكته بالسجود لآدم، وأمْرَ إبليس وقصصه، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (1) * * * (1) انظر ما سلف 1: 501 - 512. القول في تأويل قوله: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12) } قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن قيله لإبليس، إذ عصاه فلم يسجد لآدم إذ أمره بالسجود له. يقول: قال الله لإبليس: = (ما منعك) ، أيّ شيء منعك = (ألا تسجد) ، أن تدع السجود لآدم = (إذ أمرتك) ، أن تسجد = "قال أنا خير منه" ، يقول: قال إبليس: أنا خير من آدم = "خلقتني من نار وخلقته من طين" . * * * فإن قال قائل: أخبرنا عن إبليس، ألحقته الملامة على السجود، أم على ترك السجود؟ فإن تكن لحقته الملامة على ترك السجود، فكيف قيل له: (ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك) ؟ وإن كان النكير على السجود، فذلك خلافُ ما جاء به التنزيل في سائر القرآن، وخلاف ما يعرفه المسلمون! قيل: إن الملامة لم تلحق إبليس إلا على معصيته ربه بتركه السجود لآدم إذ أمره بالسجود له. غير أن في تأويل قوله: (ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك) ، بين أهل المعرفة بكلام العرب اختلافًا، أبدأ بذكر ما قالوا، ثم أذكر الذي هو أولى ذلك بالصواب. فقال بعض نحويي البصرة: معنى ذلك: ما منعك أن تسجد = و "لا" ها هنا زائدة، كما قال الشاعر: (1) أبَى جُودُهُ لا البُخْلَ، وَاسْتَعْجَلَتْ بِهِ ... نَعَمْ، مِنْ فَتًى لا يَمْنَعُ الجُوعَ قَاتِلهْ (2) وقال: فسرته العرب: "أبى جوده البخل" ، وجعلوا "لا" زائدةً حشوًا ها هنا، وصلوا بها الكلام. قال: وزعم يونس أن أبا عمرو كان يجر "البخل" ، ويجعل "لا" مضافة إليه، أراد: أبى جوده "لا" التي هي للبخل، ويجعل "لا" مضافة، لأن "لا" قد تكون للجود والبخل، لأنه لو قال له: "امنع الحق ولا تعط المسكين" فقال: "لا" كان هذا جودًا منه. * * * وقال بعض نحويي الكوفة نحو القول الذي ذكرناه عن البصريين في معناه وتأويله، غير أنه زعم أن العلة في دخول "لا" في قوله: (أن لا تسجد) ، أن في أول الكلام جحدا = يعني بذلك قوله: (لم يكن من الساجدين) ، فإن العرب ربما أعادوا في الكلام الذي فيه جحد، الجحدَ، كالاستيثاق والتوكيد له. قال: وذلك كقولهم: (3) (1) لا يعرف قائله. (2) اللسان (نعم) ، أمالي ابن الشجري 2: 228، 231، شرح شواهد المغنى 217، وكان في المخطوطة والمطبوعة: (( لا يمنع الجوع )) ، كما أثبته، وكذلك ورد عن الفارسي في اللسان. وأما في المراجع الأخرى فروايته: (( لا يمنع الجود )) . (3) لم يعرف قائله. مَا إنْ رَأَيْنَا مِثْلَهُنَّ لِمَعْشَرٍ ... سُودِ الرُّؤُوسِ، فَوَالِجٌ وَفُيُولُ (1) فأعاد على الجحد الذي هو "ما" جحدًا، وهو قوله "إن" ، فجمعهما للتوكيد. * * * وقال آخر منهم: ليست "لا" ، بحشو في هذا الموضع ولا صلة، (2) ولكن "المنع" هاهنا بمعنى "القول" ، وإنما تأويل الكلام: مَنْ قال لك لا تسجد إذ أمرتك بالسجود = ولكن دخل في الكلام "أن" ، إذ كان "المنع" بمعنى "القول" ، لا في لفظه، كما يُفعل ذلك في سائر الكلام الذي يضارع القول، وهو له في اللفظ مخالف، كقولهم: "ناديت أن لا تقم" ، و "حلفت أن لا تجلس" ، وما أشبه ذلك من الكلام. وقال: خفض "البخل" من روى: "أبى جوده لا البخل" ، (3) بمعنى: كلمة البخل، لأن "لا" هي كلمة البخل، فكأنه قال: كلمة البخل. * * * وقال بعضهم: معنى "المنع" ، الحول بين المرء وما يريده. قال: والممنوع مضطّر به إلى خلاف ما منع منه، كالممنوع من القيام وهو يريده، فهو مضطر من الفعل إلى ما كان خلافًا للقيام، إذ كان المختار للفعل هو الذي له السبيل إليه وإلى خلافه، فيوثر أحدهما على الآخر فيفعله. قال: فلما كانت صفة "المنع" ذلك، فخوطب إبليس بالمنع فقيل له: (ما منعك ألا تسجد) ، كان معناه كأنه قيل له: أيّ شيء اضطرك إلى أن لا تسجد؟ * * * قال أبو جعفر: والصواب عندي من القول في ذلك أن يقال: إن في الكلام محذوفًا قد كفى دليلُ الظاهر منه، وهو أن معناه: ما منعك من السجود (1) معاني القرآن للفراء 1: 176، 374 و (( الفوالج )) جمع (( فالج )) ، وهو جمل ذو سنامين كان يجلب من السند للفحلة. و (( الفيول) ، جمع (( فيل )) . (2) (( الصلة )) : الزيادة، كما سلف، انظر فهارس المصطلحات. (3) في المطبوعة: (( وقال بعض من روى: أبي جود لا البخل )) ، فغير ما في المخطوطة، وأفسد الكلام إفسادًا. فأحوجك أن لا تسجد = فترك ذكر "أحوجك" ، استغناء بمعرفة السامعين قوله: (إلا إبليس لم يكن من الساجدين) ، أن ذلك معنى الكلام، من ذكره. (1) ثم عمل قوله: (ما منعك) ، في "أن" ما كان عاملا فيه قبل "أحوجك" لو ظهر، إذ كان قد ناب عنه. وإنما قلنا إن هذا القول أولى بالصواب، لما قد مضى من دلالتنا قبل على أنه غير جائز أن يكون في كتاب الله شيء لا معنى له، وأن لكل كلمة معنًى صحيحًا، فتبين بذلك فسادُ قول من قال: "لا" في الكلام حشو لا معنى لها. وأما قول من قال: معنى "المنع" ههنا "القول" ، فلذلك دخلت "لا" مع "أن" = فإن "المنعَ" وإن كان قد يكون قولا وفعلا فليس المعروف في الناس استعمالُ "المنع" ، في الأمر بترك الشيء، لأن المأمور بترك الفعل إذا كان قادرًا على فعله وتركه ففعله، لا يقال: "فعله" ، وهو ممنوع من فعله، إلا على استكراه للكلام. وذلك أن المنع من الفعل حَوْلٌ بينه وبينه، فغير جائز أن يكون وهو مَحُولٌ بينه وبينه فاعلا له، لأنه إن جاز ذلك، وجب أن يكون مَحُولا بينه وبينه لا محولا وممنوعًا لا ممنوعًا. (2) وبعدُ، فإن إبليس لم يأتمر لأمر الله تعالى ذكره بالسجود لآدم كبرًا، فكيف كان يأتمر لغيره في ترك أمر الله وطاعته بترك السجود لآدم، فيجوز أن يقال له: "أي شيء قال لك: لا تسجد لآدم إذ أمرتك بالسجود له؟ ولكن معناه إن شاء الله ما قلت:" ما منعك من السجود له فأحوجك، أو: فأخرجك، أو: فاضطرك إلى أن لا تسجد له "، على ما بيَّنت." * * * وأما قوله: (أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) ، فإنه خبرٌ من الله جل ثناؤه عن جواب إبليس إياه إذ سأله: ما الذي منعه من السجود لآدم، (1) السياق: (( استغناء بمعرفة السامعين ... من ذكره )) . (2) يعني أنه يجمع الصفتين معًا (( محول بينه وبينه، وغير محول = وممنوع، وغير ممنوع )) ، وهو تناقض. فأحوجه إلى أن لا يسجد له، واضطره إلى خلافه أمرَه به، وتركه طاعته = أنّ المانعَ كان له من السجود، والداعيَ له إلى خلافه أمر ربه في ذلك: أنه أشد منه أيْدًا، (1) وأقوى منه قوة، وأفضل منه فضلا لفضل الجنس الذي منه خلق، وهو النارُ، على الذي خلق منه آدم، (2) وهو الطين. فجهل عدوّ الله وجه الحق، وأخطأ سبيل الصواب. إذ كان معلومًا أن من جوهر النار الخفة والطيش والاضطراب والارتفاع علوًّا، والذي في جوهرها من ذلك هو الذي حملَ الخبيث بعد الشقاء الذي سبق له من الله في الكتاب السابق، على الاستكبار عن السجود لآدم، والاستخفاف بأمر ربه، فأورثه العطبَ والهلاكَ. وكان معلومًا أن من جوهر الطين الرزانة والأناة والحلم والحياء والتثبُّت، وذلك الذي هو في جوهره من ذلك، (3) كان الداعي لآدم بعد السعادة التي كانت سبقت له من ربه في الكتاب السابق، إلى التوبة من خطيئته، ومسألته ربَّه العفوَ عنه والمغفرة. ولذلك كان الحسن وابن سيرين يقولان: "أول مَنْ قاسَ إبليس" ، يعنيان بذلك: القياسَ الخطأ، وهو هذا الذي ذكرنا من خطأ قوله، وبعده من إصابة الحق، في الفضل الذي خص الله به آدم على سائر خلقه: من خلقه إياه بيده، ونفخه فيه من روحه، وإسجاده له الملائكة، وتعليمه أسماء كلِّ شيء، مع سائر ما خصه به من كرامته. فضرب عن ذلك كلِّه الجاهلُ صفحًا، وقصد إلى الاحتجاج بأنه خُلق من نار وخلق آدم من طين!! (4) وهو في ذلك أيضًا له غير كفء، لو لم يكن لآدم من الله جل ذكره تكرمة شيء غيره، فكيف والذي خصّ به من كرامته يكثر تعداده، ويملّ إحصاؤه؟ 14355- حدثني عمرو بن مالك قال، حدثنا يحيى بن سليم الطائفي، عن هشام، عن ابن سيرين قال: أوّل من قاس إبليس، وما عُبِدت الشمس والقمر إلا بالمقاييس. (5) 14356- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا محمد بن كثير، عن ابن شوذب، عن مطر الورّاق، عن الحسن قوله: (خلقتني من نار وخلقته من طين) ، قال: قاس إبليس وهو أول من قاس. * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 14357- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن سعيد قال، حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك عن ابن عباس قال: لما خلق الله آدم قال للملائكة الذين كانوا مع إبليس خاصة، دون الملائكة الذين في السموات: "اسجدوا لآدم" ، فسجدوا كلهم أجمعون إلا إبليس استكبر، لما كان حدَّث نفسه، من كبره واغتراره، فقال: "لا أسجد له، وأنا خير منه، وأكبر سنًّا، وأقوى خلقًا، خلقتني من نار وخلقته من طين!" يقول: إنّ النار أقوى من الطين. 14358- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله: (خلقتني من نار) ، قال: ثم جعل ذريته من ماء. * * * (1) في المطبوعة: (( أشد منه يدا )) ، والصواب من المخطوطة، و (( الأيد )) ، القوة. (2) في المطبوعة: (( من الذي خلق منه آدم )) ، زاد (( من )) ، والمخطوطة سقط منها حرف الجر المتعلق بفضل الجنس، والصواب ما أُبت. (3) في المطبوعة: (( وذلك الذي في جوهره ... )) حذف (( هو )) ، وفي المخطوطة: (( وذلك الذي هو من جوهره من ذلك )) ، وصوابها (( في جوهره )) ، وإنما هو خطأ من الناسخ. (4) في المطبوعة: (( بأنه خلقه من نار )) ، واليد ما في المخطوطة. (5) الأثر: 14355 - (( عمرو بن مالك الراسبي الغبري )) ، أبو عثمان البصري، شيخ الطبري. قال ابن عدي: (( منكر الحديث عن الثقات، ويسرق الحديث )) ، وقال ابن أبي حاتم: (( ترك أبي التحديث عنه )) . مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 3 /1 / 259. و (( يحيى بن سليم الطائفي )) ، ثقة، روى له الجماعة، مضى برقم: 4894، 7831. قال أبو جعفر: وهذا الذي قاله عدوّ الله ليس لما سأله عنه بجواب. وذلك أن الله تعالى ذكره قال له: ما منعك من السجود؟ فلم يجب بأن الذي منعه من السجود أنه خُلِقَ من نار وخلق آدم من طين، (1) ولكنه ابتدأ خبرًا عن نفسه، فيه دليل على موضع الجواب فقال: (أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) * * * القول في تأويل قوله: {قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13) } قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: قال الله لإبليس عند ذلك: (فاهبط منها) . وقد بيَّنا معنى "الهبوط" فيما مضى قبل، بما أغنى عن إعادته. (2) * * * = (فما يكون لك أن تتكبر فيها) ، يقول تعالى ذكره: فقال الله له: "اهبط منها" ، يعني: من الجنة = "فما يكون لك" ، يقول: فليس لك أن تستكبر في الجنة عن طاعتي وأمري. * * * فإن قال قائل: هل لأحد أن يتكبر في الجنة؟ قيل: إن معنى ذلك بخلاف ما إليه ذهبتَ، وإنما معنى ذلك: فاهبط من الجنة، فإنه لا يسكن الجنة متكبر عن أمر الله، فأما غيرها، فإنه قد يسكنها المستكبر عن أمر الله، والمستكين لطاعته. * * * (1) في المطبوعة: (( أنه خلقه من نار )) ، والجيد في المخطوطة. (2) انظر تفسير (( الهبوط )) فيما سلف 1: 534، 548 /2: 132، 239. وقوله: (فاخرج إنك من الصاغرين) ، يقول: فاخرج من الجنة، إنك من الذين قد نالهم من الله الصَّغَار والذلّ والمَهانة. * * * يقال منه: "صَغِرَ يَصْغَرُ صَغَرًا وصَغارًا وصُغْرَانًا" ، وقد قيل: "صغُرَ يَصْغُرُ صَغارًا وصَغارَة" . (1) * * * وبنحو ذلك قال السدي. (2) 14359- حدثنا موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (فاخرج إنك من الصاغرين) ، و "الصغار" ، هو الذل. * * * القول في تأويل قوله: {قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (15) } قال أبو جعفر: وهذه أيضًا جَهْلة أخرى من جَهَلاته الخبيثة. سأل ربه ما قد علم أنه لا سبيل لأحد من خلق الله إليه. وذلك أنه سأل النَّظِرة إلى قيام الساعة، وذلك هو يوم يبعث فيه الخلق. ولو أعطي ما سأل من النَّظِرة، كان قد أعطي الخلودَ وبقاءً لا فناء معه، وذلك أنه لا موت بعد البعث. فقال جل ثناؤه له: (إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) [سورة الحجر: 37-38 / سورة ص: 80، 81] ، وذلك إلى اليوم الذي قد كتب الله عليه فيه الهلاك والموت والفناء، لأنه لا شيء يبقى فلا يفنى، غير ربِّنا الحيِّ الذي لا يموت. يقول الله تعالى (1) انظر تفسير (( الصغار )) فيما سلف ص: 96. (2) في المطبوعة: (( وبنحو الذي قلنا قال السدي )) ، وأثبت ما في المخطوطة. https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف الحلقة (660) صــ 331 إلى صــ 340 ذكره: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) ، [سورة آل عمران: 185 / سورة الأنبياء: 35 / سورة العنكبوت: 57] . * * * و "الإنظار" في كلام العرب، التأخير. يقال منه: "أنظرته بحقي عليه أنظره به إنظارًا. (1) " * * * فإن قال قائل: فإن الله قد قال له إذ سأله الإنظار إلى يوم يبعثون: (إنك من المنظرين) في هذا الموضع، فقد أجابه إلى ما سأل؟ قيل له: ليس الأمر كذلك، وإنما كان مجيبًا له إلى ما سأل لو كان قال له: "إنك من المنظرين إلى الوقت الذي سألت = أو: إلى يوم البعث = أو إلى يوم يبعثون" ، أو ما أشبه ذلك، مما يدل على إجابته إلى ما سأل من النظرة. وأما قوله: (إنك من المنظرين) ، فلا دليل فيه لولا الآية الأخرى التي قد بيَّن فيها مدة إنظاره إياه إليها، وذلك قوله: (فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) ، [سورة الحجر: 37، 38 / سورة ص: 80، 81] ، كم المدة التي أنظره إليها، (2) لأنه إذا أنظره يومًا واحدًا أو أقل منه أو أكثر، فقد دخل في عداد المنظرين، وتمَّ فيه وعد الله الصادق، ولكنه قد بيَّن قدر مدة ذلك بالذي ذكرناه، فعلم بذلك الوقت الذي أُنظِر إليه. * * * وبنحو ذلك كان السدي يقول. 14360- حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ. قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ. إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) [سورة الحجر: 36-38 / سورة ص: 80، 81] ، فلم ينظره إلى يوم البعث، ولكن أنظره إلى يوم الوقت المعلوم، وهو يوم ينفخ (1) انظر تفسير (( الإنظار )) فيما سلف 2: 467، 468 /3: 264 / 6: 577 /11: 267. (2) في المطبوعة: (( على المدة )) ، وأثبت ما في المخطوطة. في الصور النفخة الأولى، فصعق مَنْ في السموات ومَنْ في الأرض، فمات. (1) * * * قال أبو جعفر: فتأويل الكلام: قال إبليس لربه: "أنظرني" ، أي أخّرني وأجّلني، وأنسئْ في أجلي، ولا تمتني = "إلى يوم يبعثون" ، يقول: إلى يوم يبعث الخلق. فقال تعالى ذكره: (إنك من المنظرين) ، إلى يوم ينفخ في الصور، فيصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله. * * * فإن قال قائل: فهل أحَدٌ مُنْظرٌ إلى ذلك اليوم سوى إبليس، فيقال له: "إنك منهم" ؟ قيل: نعم، مَنْ لم يقبض الله روحه من خلقه إلى ذلك اليوم، ممن تقوم عليه الساعة، فهم من المنظرين بآجالهم إليه. ولذلك قيل لإبليس: (إنك من المنظرين) ، بمعنى: إنك ممن لا يميته الله إلا ذلك اليوم. * * * القول في تأويل قوله: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) } قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: قال إبليس لربه: (فبما أغويتني) ، يقول: فبما أضللتني، كما:- 14361- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (فبما أغويتني) ، يقول: أضللتني. 14362- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في (1) الأثر: 14360 - (( موسى بن هارون الهمداني )) ، مضى مرارًا، وكان في المخطوطة والمطبوعة: (( يونس بن هارون )) ، وهو خطأ محض، فهذا إسناد دائر في التفسير. قوله: (فبما أغويتني) ، قال: فبما أضللتني. * * * وكان بعضهم يتأول قوله: (فبما أغويتني) ، بما أهلكتني، من قولهم: "غَوِيَ الفصيل يَغوَى غَوًى" ، وذلك إذا فقد اللبن فمات، من قول الشاعر: (1) مُعَطَّفَةُ الأَثْنَاءِ لَيْسَ فَصِيلُهَا ... بِرَازِئِهَا دَرًّا وَلا مَيِّتٍ غَوَى (2) * * * وأصل الإغواء في كلام العرب: تزيين الرجل للرجل الشيء حتى يحسّنه عنده، غارًّا له. (3) وقد حكي عن بعض قبائل طيئ، أنها تقول: "أصبح فلان غاويًا" ، أي: أصبح مريضًا. (4) * * * وكان بعضهم يتأوّل ذلك أنه بمعنى القسم، كأن معناه عنده: فبإغوائك إياي، لأقعدن لهم صراطك المستقيم، كما يقال: "بالله لأفعلن كذا" . * * * وكان بعضهم يتأول ذلك بمعنى المجازاة، كأن معناه عنده: فلأنك أغويتني = أو: فبأنك أغويتني = لأقعدن لهم صراطك المستقيم. * * * (1) هو (( مدرج الريح الجرمي )) ، واسمه (( عامر بن المجنون )) كما في الشعر والشعراء: 713، وفي الوحشيات رقم: 380، والأغاني 3: 115، وجاء في المعاني الكبير: 1047 (( عامر المجنون )) ، صوابه ما أثبت. (2) المعاني الكبير: 1047، المخصص 7: 41، 180، تهذيب إصلاح المنطق 2: 54، اللسان (غوى) . يصف قوسًا. قال التبريزي في شرحه: (( أثناؤها )) ، أطرفها المتلئبة. و (( فصيلها )) ، السهم، و (( رزائها )) أي: أخذ منها شيئًا. يقول: ليس فصيل هذه القوس يشرب إذا فقد اللبن. (3) انظر تفسير (( الغي )) و (( الإغواء )) فيما سلف 5: 416. (4) هذا النص ينبغي إثباته في كتب اللغة، فلم يذكر فيها فيما علمت. قال أبو جعفر: وفي هذا بيان واضح على فساد ما يقول القدرية، (1) من أن كل من كفر أو آمن فبتفويض الله أسبابَ ذلك إليه، (2) وأن السبب الذي به يصل المؤمن إلى الإيمان، هو السبب الذي به يصل الكافر إلى الكفر. وذلك أنّ ذلك لو كان كما قالوا: لكان الخبيث قد قال بقوله: (فبما أغويتني) ، "فبما أصلحتني" ، إذ كان سبب "الإغواء" هو سبب "الإصلاح" ، وكان في إخباره عن الإغواء إخبارٌ عن الإصلاح، ولكن لما كان سبباهما مختلفين، وكان السبب الذي به غوَى وهلك من عند الله. أضاف ذلك إليه فقال: (فبما أغويتني) . * * * وكذلك قال محمد بن كعب القرظي، فيما:- 14363- حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال، حدثنا زيد بن الحباب قال، حدثنا أبو مودود، سمعت محمد بن كعب القرظي يقول: قاتل الله القدريّة، لإبليس أعلمُ بالله منهم! * * * وأما قوله: (لأقعدن لهم صراطك المستقيم) ، فإنه يقول: لأجلسن لبني آدم "صراطك المستقيم" ، يعني: طريقك القويم، وذلك دين الله الحق، وهو الإسلام وشرائعه. (3) وإنما معنى الكلام: لأصدَّن بني آدم عن عبادتك وطاعتك، ولأغوينهم كما أغويتني، ولأضلنهم كما أضللتني. وذلك كما روي عن سبرة بن أبي الفاكه:- (4) 14364- أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن الشيطان قعد لابن آدم (1) (( القدرية )) هم نفاة القدر الكافرون به، وأما المؤمنون بالقدر، وهم أهل الحق، فيقال لهم (( أهل الإثبات )) ، وانظر فهارس المصطلحات والفرق فيما سلف. (2) (( التفويض )) ، رد الأسباب إليه، وانظر بيان ذلك فيما سلف 1: 162، تعليق: 3 /11: 340، /12: 92، وهو مقالة المعتزلة وأشباههم. (3) انظر تفسير (( الصراط المستقيم )) ، فيما سلف ص: 282، تعليق: 1، والمراجع هناك. (4) في المطبوعة: (( سبرة بن الفاكه )) ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب. انظر التعليق التالي ص 335، تعليق: 2: بأطْرِقَةٍ، (1) فقعد له بطريق الإسلام فقال: أتسلم وتذرُ دينك ودين آبائك؟ فعصاه فأسلم. ثم قعد له بطريق الهجرة فقال: أتهاجر وتذر أرضك وسماءك، وإنما مثل المهاجر كالفرس في الطِّوَل؟ (2) فعصاه وهاجر. ثم قعد له بطريق الجهاد، وهو جَهْدُ النفس والمال، فقال: أتقاتل فتقتل، فتنكح المرأة، ويقسم المال؟ قال: فعصاه فجاهد. (3) * * * وروي عن عون بن عبد الله في ذلك ما:- 14365- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حَبّويه أبو يزيد، عن عبد الله بن بكير، عن محمد بن سوقة، عن عون بن عبد الله: (لأقعدن لهم صراطك المستقيم) ، قال: طريق مكة. (4) * * * (1) (( أطرقة )) جمع (( طريق )) ، مثل (( رغيف )) و (( أرغفة )) ، وهو جمعه مع تذكير (( طريق )) ، ويجمع أيضًا على (( أطرق )) (بضم الراء) ، وهو جمع (( طريق )) إذا أنثتها، نحو (( يمين )) ، و (( أيمن )) . وبهذه الأخيرة ضبط في أكثر الكتب. (2) (( الطول )) (بكسر الطاء وفتح الواو) : وهو الحبل الطويل، يشد أحد طرفيه في وتد أو في غيره، والآخر في يد الفرس، فيدور فيه ويرعى، ولا يذهب لوجهه. ويعني بذلك: أن الهجرة تحبسه عن التصرف والضرب في الأرض، والعودة إلى أرضه وسمائه، والهجرة أمرها شديد كما تعلم. (3) الأثر: 14364 - هذا خبر رواه الأئمة، ذكره أبو جعفر بغير إسناده. و (( سبرة بن أبي الفاكهة )) ، و (( سبرة بن أبي الفاكهة )) ، صحابي نزل الكوفة. مترجم في التهذيب، وأسد الغابة 2: 260، والإصابة، في اسمه والكبير للبخاري 2 /2 / 188، وابن أبي حاتم 2 /1 / 295. وهذا الخبر، رواه أحمد في مسنده مطولا 3: 483، والنسائي 6: 21، 22، والبخاري في التاريخ 2 /2 / 188، 189، وابن الأثير في أسد الغابة 2: 260، قال الحافظ ابن حجر في الإصابة في ترجمته: (( له حديث عند النسائي، بإسناد حسن، إلا أن في إسناده اختلافًا )) ، ثم قال: (( وصححه ابن حبان )) . (4) الأثر: 14365 - (( حبويه أبو يزيد )) هكذا في المخطوطة، ولكنه غير منقوط، وكان في المطبوعة: (( حيوة أبو يزيد )) ، تغير بلا دليل. و (( حبويه )) ، أبو يزيد، هو: (( إسحاق بن إسماعيل الرازي )) ، روى عن نافع بن عمر الجمحي، وعمرو بن أبي قيس، ونعيم بن ميسرة. روى عنه محمد بن سعيد الأصفهاني، وعثمان وأبو بكر ابنا شيبة، وإبراهيم بن موسى. قال يحيى بن معين: (( أرجو أن يكون صدوقًا )) . مترجم في الجرح والتعديل 1 /1 / 212، وعبد الغني بن سعيد في المؤتلف والمختلف: 43، (( حبويه )) بالباء المشددة بعد الحاء. وسيأتي أيضًا في الإسناد رقم: 14550. و (( عبد الله بن بكير الغنوي الكوفي )) ، روى عن (( محمد بن سوقة )) ، وهو ليس بقوي، وإن كان من أهل الصدق، وذكر له ابن عدي مناكير. مترجم في لسان الميزان، وابن أبي حاتم 2 /2 / 16، وميزان الاعتدال 2: 26. والذي قاله عون، وإن كان من صراط الله المستقيم، فليس هو الصراط كله. وإنما أخبر عدوّ الله أنه يقعد لهم صراط الله المستقيم، ولم يخصص منه شيئًا دون شيء. فالذي روي في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أشبهُ بظاهر التنزيل، وأولى بالتأويل، لأن الخبيث لا يألو عباد الله الصدَّ عن كل ما كان لهم قربة إلى الله. * * * وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل في معنى "المستقيم" ، في هذا الموضع. * ذكر من قال ذلك: 14366- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (صراطك المستقيم) ، قال: الحق. 14367- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 14368- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد المدني قال، سمعت مجاهدًا يقول: (لأقعدنَّ لهم صراطك المستقيم) ، قال: سبيل الحق، فلأضلنَّهم إلا قليلا. * * * قال أبو جعفر: واختلف أهل العربية في ذلك. فقال بعض نحويي البصرة: معناه: لأقعدن لهم على صراطك المستقيم، كما يقال: "توجَّه مكة" ، أي إلى مكة، وكما قال الشاعر: (1) كَأَنِّي إذْ أَسْعَى لأظْفَرَ طَائِرًا ... مَعَ النَّجْمِ مِنْ جَوِّ السَّمَاءِ يَصُوبُ (2) بمعنى: لأظفر بطائر، فألقى "الباء" ، وكما قال: (أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ) ، [سورة الأعراف: 150] ، بمعنى: أعجلتم عن أمر ربكم. * * * وقال بعض نحويي الكوفة، المعنى، والله أعلم: لأقعدن لهم على طريقهم، وفي طريقهم. قال: وإلقاء الصفة من هذا جائز، (3) كما تقول: "قعدت لك وجهَ الطريق" و "على وجه الطريق" ، لأن الطريق صفة في المعنى، (4) فاحتمل ما يحتمله "اليوم" و "الليلة" و "العام" ، (5) إذا قيل: "آتيك غدًا" ، و "آتيك في غد" . * * * قال أبو جعفر: وهذا القول هو أولى القولين في ذلك عندي بالصواب، لأن "القعود" مقتضٍ مكانًا يقعد فيه، فكما يقال: "قعدت في مكانك" ، يقال: "قعدت على صراطك" ، و "في صراطك" ، كما قال الشاعر: (6) لَدْنٌ بِهَزِّ الْكَفِّ يَعْسِلُ مَتْنُهُ ... فِيهِ، كَمَا عَسَلَ الطَّرِيقَ الثَّعْلَبُ (7) (1) لم أعرف قائله. (2) لم أجد البيت في غير هذا المكان. (3) (( الصفة )) هنا حرف الجر، انظر فهارس المصطلحات فيما سلف، ستأتي بعد قليل بمعنى (( الظرف )) . انظر التعليق التالي. (4) (( الصفة )) هنا، هي (( الظرف )) ، وكذلك يسميه الكوفيون. (5) في المطبوعة: (( يحتمل ما يحتمله )) ، وفي المخطوطة سقط، كتب: (( في المعنى ما يحتمله )) ولكني أثبت ما في معاني القرآن للفراء 1: 375، فهذا نص كلامه. (6) هو ساعدة بن جؤية الهذلي. (7) ديوان الهذليين 1: 190، سيبويه 1: 16، 109، الخزانة 1: 474، وغيرها كثير من قصيدة طويلة، وصف في آخرها رمحه، وهذا البيت في صفة رمح من الرماح الخطية. ورواية الديوان (( لذا )) ، أي تلذ الكف بهزه. و (( يعسل )) ، أي يضطرب. وقوله. (( فيه )) : أي في الهز. وقوله: (( عسل الطريق الثعلب )) ، أي: عسل في الطريق الثعلب واضطربت مشيته. شبه اهتزاز الرمح في يد الذي يهزه ليضرب به، باهتزاز الثعلب في عدوه في الطريق. فلا تكاد العرب تقول ذلك في أسماء البلدان، لا يكادون يقولون: "جلست مكة" ، و "قمت بغداد" . * * * القول في تأويل قوله: {ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17) } قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك. فقال بعضهم: معنى قوله: (لآتينهم من بين أيديهم) ، من قبل الآخرة = (ومن خلفهم) ، من قبل الدنيا = (وعن أيمانهم) ، من قِبَل الحق = (وعن شمائلهم) ، من قبل الباطل. * ذكر من قال ذلك: 14369- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: (ثم لآتينهم من بين أيديهم) ، يقول: أشككهم في آخرتهم = (ومن خلفهم) ، أرغبهم في دنياهم = (وعن أيمانهم) ، أشبِّه عليهم أمرَ دينهم = (وعن شمائلهم) ، أشَهِّي لهم المعاصي. * * * وقد روي عن ابن عباس بهذا الإسناد في تأويل ذلك خلاف هذا التأويل، وذلك ما:- 14370- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (ثم لآتينهم من بين أيديهم) ، يعني من الدنيا = (ومن خلفهم) ، من الآخرة = (وعن أيمانهم) ، من قبل حسناتهم = (وعن شمائلهم) ، من قبل سيئاتهم. * * * وتحقق هذه الرواية، الأخرى التي: 14371- حدثني بها محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم) ، قال: أما بين "أيديهم" ، فمن قبلهم، وأما "من خلفهم" ، فأمر آخرتهم، وأما "عن أيمانهم" ، فمن قبل حسناتهم، وأما "عن شمائلهم" ، فمن قبل سيئاتهم. 14372- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (ثم لآتينهم من بين أيديهم) الآية، أتاهم من بين أيديهم فأخبرهم أنه لا بعث ولا جنة ولا نار= "ومن خلفهم" ، من أمر الدنيا، فزيَّنها لهم ودعاهم إليها = "وعن أيمانهم" ، من قبل حسناتهم بطَّأهم عنها = "وعن شمائلهم" ، زين لهم السيئات والمعاصي، ودعاهم إليها، وأمرهم بها. أتاك يابن آدم من كل وجه، غير أنه لم يأتك من فوقك، لم يستطع أن يحول بينك وبين رحمة الله! * * * وقال آخرون: بل معنى قوله: (من بين أيديهم) ، من قبل دنياهم = (ومن خلفهم) ، من قبل آخرتهم. * ذكر من قال ذلك: 14373- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم في قوله: (ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم) ، قال: (من بين أيديهم) ، من قبل دنياهم = (ومن خلفهم) ، من قبل آخرتهم = (وعن أيمانهم) من قبل حسناتهم = (وعن شمائلهم) ، من قبل سيئاتهم. 14374- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، عن الحكم: (ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم) ، قال: (من بين أيديهم) ، من دنياهم = (ومن خلفهم) ، من آخرتهم = (وعن أيمانهم) ، من حسناتهم = (وعن شمائلهم) ، من قِبَل سيئاتهم. 14375- حدثنا سفيان قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن الحكم: (ثم لآتينهم من بين أيديهم) ، قال: من قبل الدنيا يزيِّنها لهم = (ومن خلفهم) من قبل الآخرة يبطّئهم عنها = (وعن أيمانهم) ، من قبل الحق يصدّهم عنه = (وعن شمائلهم) ، من قبل الباطل يرغّبهم فيه ويزينه لهم. 14376- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم) ، أما (من بين أيديهم) ، فالدنيا، أدعوهم إليها وأرغبهم فيها = (ومن خلفهم) ، فمن الآخرة أشككهم فيها وأباعدها عليهم (1) = (وعن أيمانهم) ، يعني الحق فأشككهم فيه = (وعن شمائلهم) ، يعني الباطل أخفّفه عليهم وأرغّبهم فيه. 14377- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج قوله: (من بين أيديهم) ، من دنياهم، أرغّبهم فيها = (ومن خلفهم) ، آخرتهم، أكفّرهم بها وأزهِّدهم فيها = (وعن أيمانهم) ، حسناتهم أزهدهم فيها = (وعن شمائلهم) ، مساوئ أعمالهم، أحسِّنها إليهم. * * * وقال آخرون: معنى ذلك: من حيث يبصرون ومن حيث لا يبصرون. * ذكر من قال ذلك: 14378- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قول الله: (من بين أيديهم وعن (1) في المطبوعة: (( وأبعدها )) ، وأثبت ما في المخطوطة. https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف الحلقة (661) صــ 341 إلى صــ 350 أيمانهم) ، قال: حيث يبصرون = (ومن خلفهم) = (وعن شمائلهم) ، حيث لا يبصرون. 14379- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 14380- حدثنا ابن وكيع وابن حميد قالا حدثنا جرير، عن منصور قال، تذاكرنا عند مجاهد قوله: (ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم) ، فقال مجاهد: هو كما قال، يأتيهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم = زاد ابن حميد، قال: "يأتيهم من ثَمَّ" . 14381- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد المدني قال، قال مجاهد، فذكر نحو حديث محمد بن عمرو، عن أبي عاصم. * * * قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب، قولُ من قال: معناه: ثم لآتينهم من جميع وجوه الحقّ والباطل، فأصدّهم عن الحق، وأحسِّن لهم الباطل. وذلك أن ذلك عَقِيب قوله: (لأقعدن لهم صراطك المستقيم) ، فاخبر أنه يقعد لبني آدم على الطريق الذي أمرَهم الله أن يسلكوه، وهو ما وصفنا من دين الله دينِ الحق، فيأتيهم في ذلك من كل وجوهه، من الوجه الذي أمرهم الله به، فيصدّهم عنه، وذلك "من بين أيديهم وعن أيمانهم" = ومن الوجه الذي نهاهم الله عنه، فيزيّنه لهم ويدعوهم إليه، وذلك "من خلفهم وعن شمائلهم" . * * * وقيل: ولم يقل: "من فوقهم" ، لأن رحمة الله تنزل على عباده من فوقهم. * ذكر من قال ذلك: 14382- حدثنا سعد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري قال، حدثنا حفص بن عمر قال، حدثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: (ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم) ، ولم يقل: "من فوقهم" ، لأن الرحمة تنزل من فوقهم. * * * وأما قوله: (ولا تجد أكثرهم شاكرين) . فإنه يقول: ولا تجد، ربِّ، أكثر بني آدم شاكرين لك نعمتَك التي أنعمت عليهم، كتكرمتك أباهم آدم بما أكرمته به، من إسجادك له ملائكتك، وتفضيلك إياه عليَّ = و "شكرهم إياه" ، طاعتهم له بالإقرار بتوحيده، واتّباع أمره ونهيه. * * * وكان ابن عباس يقول في ذلك بما:- 14383- حدثني به المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (ولا تجد أكثرهم شاكرين) ، يقول: موحِّدين. * * * القول في تأويل قوله: {قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا} قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن إحلاله بالخبيث عدوِّ الله ما أحلّ به من نقمته ولعنته، وطرده إياه عن جنته، إذ عصاه وخالف أمره، وراجعه من الجواب بما لم يكن له مراجعته به. يقول: قال الله له عند ذلك: (اخرج منها) ، أي من الجنة = (مذؤُومًا مدحورًا) ، يقول: مَعِيبًا. * * * و "الذأم" ، العيب. يقال منه: "ذأمَه يذأمه ذأمًا فهو مذؤوم" ، ويتركون الهمز فيقولون: ذِمْته أذيمه ذيمًا وذامًا"، و "الذأم" و"الذيم "، أبلغ في العيب من" الذمّ "، وقد أنشد بعضهم هذا البيت: (1) " (1) هو الحارث بن خالد المخزومي. صَحِبْتُكَ إذْ عَيْنِي عَلَيْهَا غِشَاوَةٌ ... فَلَمَّا انْجَلَتْ قَطَّعْتُ نَفْسِي أَذِيمُهَا (1) وأكثر الرواة على إنشاده "ألومها" . * * * وأما المدحور: فهو المُقْصَى، يقال: "دحره يدحَرُه دَحْرًا ودُحُورًا" ، إذا أقصاه وأخرجه، ومنه قولهم: "ادحَرْ عنكَ الشيطان" . (2) * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 14384- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (اخرج منها مذؤومًا مدحورًا) ، يقول: اخرج منها لعينًا منفيًّا. 14385- حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: "مذؤومًا" ممقوتًا. 14386- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبى قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (قال اخرج منها مذؤومًا) ، يقول: صغيرًا منفيًّا. 14387- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله: (اخرج منها مذؤومًا مدحورًا) ، أما "مذؤومًا" ، فمنفيًّا، وأما "مدحورا" ، فمطرودًا. 14388- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (مذؤومًا) ، قال: منفيًّا = (مدحورًا) ، قال: مطرودًا. 14389- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي (1) مضى البيت وشرحه وتخريجه، وبغير هذه الرواية فيما سلف 1: 265. (2) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 212. جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: (اخرج منها مذؤومًا) ، قال: منفيًّا. = و "المدحور" ، قال: المصغَّر. 14390- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال:، حدثنا عبد الله بن الزبير، عن ابن عيينة، عن يونس وإسرائيل، عن أبي إسحاق، عن التميمي، عن ابن عباس: (اخرج منها مذؤومًا) ، قال: منفيًّا. 14391- حدثني أبو عمرو القرقساني عثمان بن يحيى قال، حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن التميمي، سأل ابن عباس: ما (اخرج منها مذؤومًا مدحورًا) ، قال: مقيتًا. (1) 14392- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (اخرج منها مذؤومًا مدحورًا) ، فقال: ما نعرف "المذؤوم" و "المذموم" إلا واحدًا، ولكن تكون حروف منتقصة، وقد قال الشاعر لعامر: يا "عام" ، ولحارث: "يا حار" ، (2) وإنما أنزل القرآن على كلام العرب. * * * (1) الأثر: 14391 - (( أبو عمرو القرقساني )) ، (( عثمان بن يحيى )) ، شيخ الطبري، لم أجد له ترجمة فيما بين يدي من الكتب. ويزيد الأمر إشكالا أني وجدت أبا جعفر في تاريخه يذكر إسنادًا عن شيخ يقال له (( عثمان بن يحيى )) ، فيه نصه: (( حدثني عثمان بن يحيى، عن عثمان القرقساني، قال حدثنا سفيان بن عيينة )) ، فجعل بين (( عثمان بن يحيى )) و (( سفيان بن عيينة )) رجلا يقال له (( عثمان القرقساني )) ! والذي في التفسير يدل على أن الراوي عن سفيان بن عيينة هو (( عثمان بن يحيى )) نفسه. فظني أن في إسناد التاريخ خطأ، ولعل صوابه: (( حدثني عثمان بن يحيى بن عثمان القرقساني، قال حدثنا سفيان بن عيينة )) . هذا ما وجدت، فعسى أن يجتمع عندي ما أتبين به صواب ذلك أو خطأه. (2) في المطبوعة: (( ولكن يكون منتقصة، وقال العرب لعامر ... )) ، وبين الكلام بياض. وفي المخطوطة: (( ولكن تكون ف منتقصة. وقد قال الشاعر ... )) بياض بين الكلام، فغير ناشر المطبوعة ما في المخطوطة بلا أمانة. وفي المخطوطة فوق البياض (( كذا )) وفي الهامش حرف (ط) للدلالة على الخطأ. ودلتني لافاء بعد البياض أن صواب هذا الذي بيض له ناسخ المخطوطة هو (( حروف )) ، فاستقام الكلام. ومثال الترخيم في (( عامر )) قول الحطيئة لعامر بن الطفيل: يَا عَامِ، قد كُنْتَ ذَا بَاعٍ وَمَكْرُمَةٍ ... لَوْ أَنَّ مَسْعَاةَ مَنْ جَارَيْتَهُ أَمَمُ ومثال الترخيم في (( الحارث )) قول زهير: يَا حارِ، لا أُرْمَيَنْ مِنْكُمْ بِدَاهِيَةٍ ... لَم يَلْقَهَا سُوقَةٌ قَبْلِي وَلا مَلِكُ القول في تأويل قوله: {لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (18) } قال أبو جعفر: وهذا قسم من الله جل ثناؤه. أقسم أن مَنْ اتبع من بني آدم عدوَّ الله إبليس وأطاعه وصَدَّق ظنه عليه، أن يملأ من جميعهم = يعني: من كفرة بني آدم تُبّاع إبليس، ومن إبليس وذريته = جهنم. فرحم الله امرأً كذّب ظن عدوِّ الله في نفسه، وخيَّب فيها أمله وأمنيته، ولم يمكّن من طمعَ طمعٍ فيها عدوَّه، (1) واستغشَّه ولم يستنصحه، فإن الله تعالى ذكره إنما نبّه بهذه الآيات عباده على قِدَم عداوة عدوِّه وعدوهم إبليس لهم، وسالف ما سلف من حسده لأبيهم، وبغيه عليه وعليهم، وعرّفهم مواقع نعمه عليهم قديمًا في أنفسهم ووالدهم ليدّبروا آياته، وليتذكر أولو الألباب، فينزجروا عن طاعة عدوه وعدوهم إلى طاعته ويُنيبوا إليها. * * * القول في تأويل قوله: {وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) } قال أبو جعفر: يقول الله تعالى ذكره: وقال الله لآدم: (يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما) . فأسكن جل ثناؤه آدم وزوجته الجنة (1) في المطبوعة: (( ولم يكن ممن طمع فيها عدوه )) ، غير ما في المخطوطة لأنه لم يفهمه، فأساء غاية الإساءة، وافسد الكلام. بعد أن أهبط منها إبليس وأخرجه منها، وأباح لهما أن يأكلا من ثمارها من أيّ مكان شاءا منها، ونهاهما أن يقربا ثمر شجرة بعينها. * * * وقد ذكرنا اختلاف أهل التأويل في ذلك، وما نرى من القول فيه صوابًا، في غير هذا الموضع، فكرهنا إعادته. (1) * * * = (فتكونا من الظالمين) ، يقول: فتكونا ممن خالف أمر ربِّه، وفعل ما ليس له فعله. * * * القول في تأويل قوله: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا} قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (فوسوس لهما) ، فوسوس إليهما، وتلك "الوسوسة" كانت قوله لهما: (ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين) ، وإقسامه لهما على ذلك. * * * وقيل: "وسوس لهما" ، والمعنى ما ذكرت، كما قيل: "غَرِضت إليه" ، بمعنى: اشتقْتُ إليه، وإنما تعني: غَرضت من هؤلاء إليه. (2) فكذلك معنى ذلك. (1) انظر ما سلف 1: 512 - 524. (2) في المطبوعة: (( كما قيل: عرضت له، بمعنى: استبنت إليه )) ، غير ما في المخطوطة تغييرًا تامًا، فأتانا بلغو مبتذل لا معنى له. وكان في المخطوطة: (( كما قيل: عرضت إليه بمعنى: اشتقت إليه )) ، هكذا، وصواب قراءتها ما أثبت. وقوله: (( غرضت إليه )) بمعنى: اشتقت إليه، (( إنما تعني: غرضت من هؤلاء إليه )) ، هذا كأنه نص قول الأخفش في تفسير قول ابن هرمة: مَنْ ذَا رَسُولٌ ناصِحٌ فَمُبَلِّغٌ ... عَنِّي عُلَيَّةَ غَيْرَ قَوْلِ الكاذِبِ ? أَنِّي غَرِضْتُ إلَى تَنَاصُفِ وَجْهِهَا ... غَرَضَ المُحِبِّ إلى الحَبِيبِ الغائِبِ قوله: (( تناصف وجهها )) ، أي محاسن وجهها التي ينصف بعضها بعضًا في الحسن. قال الأخفش: (( تفسيره: غرضت من هؤلاء إليه، لأن العرب توصل بهذه الحروف كلها الفعل )) ويريد الأخفش أنهم يقولون: (( غرض غرضًا )) ، إذا ضجر وقلق ومل، فلما أدخل مع الفعل (( إلى )) ، صار معناه: ضجر من هذا نزاعًا واشتياقًا إلى هذا. وموضع الاستشهاد أن (( الوسوسة )) الصوت الخفي من حديث النفس، فنقل إبليس ما حاك في نفسه إليهما، فلذلك أدخل على (( الوسوسة )) (( اللام )) و (( إلى )) . ولكن أبا جعفر أدمج الكلام ههنا إدماجًا. فوسوس من نفسه إليهما الشيطان بالكذب من القيل، ليبدي لهما ما وُوري عنهما من سوءاتهما، كما قال رؤبة: * وَسْوَسَ يَدْعُو مُخْلِصًا رَبَّ الفَلَقْ * (1) * * * ومعنى الكلام: فجذب إبليس إلى آدم حوّاء، وألقى إليهما: ما نهاكما ربكما عن أكل ثمر هذه الشجرة، إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين = ليبدي لهما ما واراه الله عنهما من عوراتهما فغطاه بستره الذي ستره عليهما. * * * وكان وهب بن منبه يقول في الستر الذي كان الله سترهما به، ما:- 14393- حدثني به حوثرة بن محمد المنقري قال، حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو، عن ابن منبه، في قوله: (فبدت لهما سوءاتهما) ، قال: كان عليهما نور، لا ترى سوءاتهما. (2) * * * (1) ديوانه: 108، اللسان (وسس) ، وهذا بيت من أرجوزته التي مضت منها أبيات كثيرة. وهذا البيت من أبيات في صفة الصائد المختفي، يترقب حمر الوحش، ليصيب منها. يقول لما أحس بالصيد وأراد رميه، وسوس نفسه بالدعاء حذر بالدعاء حذر الخيبة ورجاء الإصابة. (2) الأثر: 14393 - (( حوثرة بن محمد بن قديد المنقري )) ، أبو الأزهر الوراق روى عنه ابن ماجه، وابن خزيمة، وابن صاعد، وغيرهم. ذكره ابن حبان في الثقات. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 1 /2 / 283. القول في تأويل قوله: {وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) } قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: وقال الشيطان لآدم وزوجته حواء: ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة أن تأكلا ثمرَها، إلا لئلا تكونا ملكين. * * * = وأسقطت "لا" من الكلام، لدلالة ما ظهر عليها، كما أسقطت من قوله: (يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) ، [سورة النساء: 176] . والمعنى: يبين الله لكم أن لا تضلوا. * * * وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يزعم أن معنى الكلام: ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا كراهة أن تكونا ملكين، كما يقال: "إياك أن تفعل" كراهيةَ أن تفعل. * * * = "أو تكونا من الخالدين" ، في الجنة، الماكثين فيها أبدًا، فلا تموتا. (1) * * * والقراءة على فتح "اللام" ، بمعنى: ملكين من الملائكة. * * * وروي عن ابن عباس، ما:- 14394- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي حماد قال، حدثنا عيسى الأعمى، عن السدّي قال: كان ابن عباس يقرأ: "إلا أَنْ تَكُونَا مَلِكَيْنِ" ، بكسر "اللام" . * * * وعن يحيى بن أبي كثير، ما:- (1) انظر تفسير (( الخلود )) فيما سلف من فهارس اللغة (خلد) . 14395- حدثني أحمد بن يوسف قال، حدثني القاسم بن سلام قال، حدثنا حجاج، عن هارون قال، حدثنا يعلى بن حكيم، عن يحيى بن أبي كثير أنه قرأها: "مَلِكَيْنِ" ، بكسر "اللام" . * * * وكأنَّ ابن عباس ويحيى وجَّها تأويل الكلام إلى أن الشيطان قال لهما: ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين من الملوك = وأنهما تأوّلا في ذلك قول الله في موضع آخر: (قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى) ، [سورة طه: 120] . * * * قال أبو جعفر: والقراءة التي لا أستجيز القراءة في ذلك بغيرها، القراءةُ التي عليها قرأة الأمصار وهي، فتح "اللام" من: "مَلَكَيْنِ" ، بمعنى: ملكين، من الملائكة، لما قد تقدم من بياننا في أن كل ما كان مستفيضًا في قرأة الإسلام من القراءة، فهو الصواب الذي لا يجوزُ خلافه. * * * القول في تأويل قوله: {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) } قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (وقاسمهما) ، وحلف لهما، كما قال في موضع آخر: (تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ) ، [سورة النمل: 49] ، بمعنى تحالفوا بالله، وكما قال خالد بن زهير [ابن] عمّ أبي ذويب: (1) (1) جاء في المطبوعة والمخطوطة (( خالد بن زهير عم أبي ذؤيب )) ، ولم أجد هذا القول لأحد، بل الذي قالوه أن (( خالد بن زهير الهذلي )) ، هو ابن أخت أبي ذؤيب، أو ابن أخيه، أو: ابن عم أبي ذؤيب. فالظاهر أن صواب الجملة هو ما أثبت. انظر خزانة الأدب 2: 320، 321 /3: 597، 598، 647، 648. وَقَاسَمَهَا بِاللهِ جَهْدًا لأَنْتُمُ ... ألَذُّ مِنَ السَّلْوَى إِذَا مَا نَشُورُهَا (1) بمعنى: وحالفهما بالله، وكما قال أعشى بني ثعلبة: رَضِيعَيْ لِبَانٍ، ثَدْيَ أُمٍّ تَقَاسَمَا ... بِأَسْحَمَ دَاجٍ عَوْضُ لا نَتَفَرَّقُ (2) بمعنى تحالفا. * * * (1) ديوان الهذلين 1: 158، من قصائده التي تقارضها هو وأبو ذؤيب في المرأة التي كانت ضصديقة عبد عمرو بن مالك، فكان أبو ذؤيب رسوله إليها، فلما كبر عبد عمرو احتال لها أبو ذؤيب فأخذها منه وخادنها. وغاضبها أبو ذؤيب، فكان رسوله إلى هذه المرأة ابن عمه خالد بن زهير، ففعل به ما فعل هو بعبد عمرو بن مالك، أخذ منه المرأة فخادنه، فغاضبه أبو ذؤيب وغاضبها، وقال لها حين جاءت تعتذر إليه: تُرِيدينَ كَيْمَا تَجْمَعِينِي وَخَالِدًا! ... وَهَلْ يُجْمَعُ السَّيْفَان وَيْحَكِ فِي غِمْدِ! أَخَالِدُ، مَا رَاعَيْتَ من ذِي قَرَابَةٍ ... فَتَحْفَظَنِي بِالْغَيْبِ، أوْ بَعْضَ مَا تُبْدِي دَعَاكَ إلَيْهَا مُقْلَتَاها وَجِيدُهَا ... فَمِلْتَ كَمَا مَالَ المُحِبُّ عَلَى عَمْدِ ثم قال لخالد: رَعَي خَالِدٌ سِرِّي، لَيَالِيَ نَفْسُهُ ... تَوَالَى على قَصْدِ السَّبِيلِ أُمُورُهَا فَلَمَّا تَرَامَاهُ الشَّبَابُ وَغَيُّهُ، ... وَفي النَّفْسِ مِنْهُ فِتْنَةٌ وَفُجُورُهَا لَوَى رَأْسَهُ عَنِّي، ومَالَ بِوُدِّه ... أَغَانِيجُ خَوْدٍ كَانَ قِدْمًا يَزُورُهَا فأجابه خالد من أبيات: فَلا تَجْزَعَنْ مِنْ سُنَّةٍ أَنْتَ سِرْتَها ... وَأَوَّلُ رَاضٍ سُنَّةً مَنْ يَسِيرُهَا فَإنَّ الَّتِي فِينَا زَعَمْتَ، ومِثْلُهَا ... لَفِيكَ، وَلَكِنِّي أَرَاكَ تَجُورُهَا تَنَقَّذْتَهَا مِنْ عَبْدِ عَمْرو بن مَالِكٍ ... وأَنْتَ صَفِيُّ النَّفْسِ مِنْهُ وَخِيرُها يُطِيلُ ثَوَاءً عِنْدَها لِيَرُدَّهَا ... وَهَيْهَاتَ مِنْهُ دُورُهَا وقُصُورها وَقَاسَمَهَا بالله ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . و (( السلوى )) ، العسل. (( شار العسل يشوره )) ، أخذ من موضعه في الخلية. (2) ديوانه: 150، اللسان (عوض) (سحم) من قصيدة مضت منها أبيات كثيرة. وقد ذكرت هذا البيت في شرح بيت سالف 10: 451، تعليق: 1 = و (( الأسحم )) ، الضارب إلى السواد، و (( عوض )) لما يستقبل من الزمان بمعنى: (( أبدًا )) . واختلفوا في معنى (( بأسحم داج )) ، وإقسامه به. فقالوا: أراد الليل. وقالوا: أراد سواد حلمة سدي أمه. وقيل أراد الرحم وظلمته. قيل: أراد الدم، لسواده، تغمس فيه اليد عند التحالف. https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف الحلقة (662) صــ 351 إلى صــ 360 وقوله: (إني لكما لمن الناصحين) أي: لممن ينصح لكما في مشورته لكما، وأمره إياكما بأكل ثمر الشجرة التي نهيتما عن أكل ثمرها، وفي خبري إياكما بما أخبركما به، من أنكما إن أكلتماه كنتما ملكين أو كنتما من الخالدين، كما:- 14396- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين) ، فحلف لهما بالله حتى خدعهما، وقد يُخْدع المؤمن بالله، فقال: إني خلقت قبلكما، وأنا أعلم منكما، فاتبعاني أرشدكما. وكان بعض أهل العلم يقول: "من خادَعنا بالله خُدِعْنا" . * * * القول في تأويل قوله: {فَدَلاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (فدلاهما بغرور) ، فخدعهما بغرور. * * * يقال منه: "ما زال فلان يدلّي فلانًا بغرور" ، بمعنى: ما زال يخدعه بغرور، ويكلمه بزخرف من القول باطل. (1) * * * = (فلما ذاقا الشجرة) ، يقول: فلما ذاق آدم وحواء ثمر الشجرة، يقول: طعماه (2) = (بدت لهما سوءاتهما) ، يقول: انكشفت لهما سوءاتهما، لأن الله (1) انظر تفسير (( الغرور )) فيما سلف ص: 123، تعليق: 2 والمراجع هناك. (2) انظر تفسير (( ذاق )) فيما سلف ص: 209، تعليق: 1، والمراجع. أعراهما من الكسوة التي كان كساهما قبل الذنب والخطيئة، فسلبهما ذلك بالخطيئة التي أخطآ والمعصية التي ركبا (1) = (وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة) ، يقول: أقبلا وجعلا يشدَّان عليهما من ورق الجنة، ليواريا سوءاتهما، كما:- 14397- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس: (وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة) ، قال: جعلا يأخذان من ورق الجنة، فيجعلان على سوءاتهما. 14398- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن أبي بكر، عن الحسن، عن أبي بن كعب قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان آدم كأنه نخلةٌ سَحُوق، (2) كثيرُ شعر الرأس، فلما وقع بالخطيئة بدت له عورته، وكان لا يراها، فانطلق فارًّا، فتعرضت له شجرة فحبسته بشعره، فقال لها: أرسليني! فقالت: لست بمرسلتك! فناداه ربه: يا آدم، أمنِّي تفرّ؟ قال: لا ولكني استحييتك. (3) 14399- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا سفيان بن عيينة وابن مبارك، عن الحسن، عن عمارة، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال، كانت الشجرة التي نهى الله عنها آدم وزوجته، السنبلة. فلما أكلا منها بدت لهما سوءاتهما، وكان الذي وَارى (1) انظر تفسير (( بدا )) فيما سلف 5: 582 /9: 350. = وتفسير (( السوأة )) فيما سلف 10: 229، وما سيأتي ص: 361، تعليق: 3. (2) (( نخلة سحوق )) هي الطويلة المفرطة التي تبعد ثمرها على المجتنى. (3) الأثر: 14398 - (( الحجاج )) هو: (( الحجاج بن المنهال )) ، مضى مرارًا. و (( أبو بكر )) هو (( أبو بكر الهذلي )) ، مضى برقم: 597، 8376، 13054، وهو ضعيف ليس بثقة. وهذا الخبر، ذكره، ذكره ابن كثير في تفسيره 3: 458، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن أبي بن كعب موقوفًا غير مرفوع. ثم قال ابن كثير: (( وقد رواه ابن جرير وابن مردويه، من طرق، عن الحسن عن أبي كعب مرفوعًا، والموقوف أصح إسنادًا )) . وهو كما قال. وسيأتي برقم: 14403، من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، موقوفًا. عنهما من سوءايتهما أظفارُهما، وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة، ورق التين، يلصقان بعضها إلى بعض. فانطلق آدم مولّيًا في الجنة، فأخذت برأسه شجرة من الجنة، فناداه: أي آدم أمني تفرّ؟ قال: لا ولكني استحييتك يا رب! قال: أما كان لك فيما منحتُك من الجنة وأبحتُك منها مندوحةٌ عما حرمت عليك؟ قال: بلى يا رب، ولكن وعزتك ما حسبت أن أحدًا يحلف بك كاذبًا. قال: وهو قول الله: (وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين) . قال: فبعزّتي لأهبطنك إلى الأرض، ثم لا تنال العيش إلا كدًّا. قال: فأهبط من الجنة، وكانا يأكلان فيها رغدًا، فأهبطا في غيحيىر رغد من طعام وشراب، فعُلّم صنعة الحديد، وأُمر بالحرث، فحرث وزرع ثم سقى، حتى إذا بلغ حصد، ثم داسَه، ثم ذرّاه، ثم طحنه، ثم عجنه، ثم خبزه، ثم أكله، فلم يبلعْه حتى بُلِّعَ منه ما شاء الله أن يبلعَ. (1) 14400- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (يخصفان) ، قال: يرقعان، كهيئة الثوب. 14401- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: يخصفان عليهما من الورق كهيئة الثوب. 14402- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوءاتهما) ، وكانا قبل ذلك (1) الأثر: 14399 - (( الحسن بن عمارة بن المضرب البجلي )) ، كان على قضاء بغداد في ولاية المنصور. قال أحمد: (( متروك الحديث، كان منكر الحديث، وأحاديثه موضوعة، لا يكتب حديثه )) . والقول فيه أشد من هذا. مترجم في التهذيب، والكبير 1 /2 / 300، وابن أبي حاتم 1 /2 / 27. وكان في المطبوعة: (( عن الحسن عن عمارة )) ، وهو خطأ محض، صوابه ما أثبت من المخطوطة، وابن كثير في تفسيره 3: 459. وفي المطبوعة وابن كثير: (( فلم يبلغه، حتى بلغ ... )) كل ذلك بالغين المعجمة، والذي في المخطوطة مهمل، وظني أنه الصواب المطابق للسياق. لا يريانها = (وطفقا يخصفان) ، الآية. 14403-. . . . قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال، حدثنا الحسن، عن أبي بن كعب: أن آدم عليه السلام كان رجلا طُوالا كأنه نخلة سَحُوق، كثير شعر الرأس. فلما وقع بما وقع به من الخطيئة، بدت له عورته عند ذلك، وكان لا يراها. فانطلق هاربًا في الجنة، فعلقت برأسه شجرة من شجر الجنة، فقال لها: أرسليني! قالت: إني غير مرسلتك! فناداه ربه: يا آدم، أمنّي تفرّ؟ قال: رب إني استحييتك. (1) 14404- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جعفر بن عون، عن سفيان الثوري، عن ابن أبي ليلى، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة) ، قال: ورق التين. 14405- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن شريك، عن ابن أبي ليلى، عن المنهال، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة) ، قال: ورق التين. 14406- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن حسام بن مِصَكّ، عن قتادة = وأبي بكر، عن غير قتادة = قال: كان لباس آدم في الجنة ظُفُرًا كله، فلما وقع بالذنب، كُشِط عنه وبدت سوءته = قال أبو بكر: قال غير قتادة: (فطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة) ، قال: ورق التين. (2) 14407- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا (1) الأثر: 14403 - انظر التعليق على الأثر السالف رقم: 14398، فهذا هو الخبر الموقوف، وهو أصح إسنادًا من ذاك المرفوع. (2) الأثر: 14406 - (( حسام بن مصك بن ظالم بن شيطان الأزدي )) ، ضعيف فاحش الخطأ والوهم. مضى برقم: 11720. وكان في المطبوعة: (( حسام بن معبد )) لم يحسن قراءة المخطوطة. و (( أبو بكر )) ، هو (أبو بكر الهذلي ) ) ، ضعيف أيضًا، مضى قريبًا برقم: 14398. معمر، عن قتادة، في قوله: (بدت لهما سوءاتهما) ، قال: كانا لا يريان سوءاتهما. 14408- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن الزبير، عن ابن عيينة قال، حدثنا عمرو قال، سمعت وهب بن منبه يقول: (يَنزعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا) ، [سورة الأعراف: 27] . قال: كان لباس آدم وحواء عليهما السلام نورًا على فروجهما، لا يرى هذا عورة هذه، ولا هذه عورة هذا. فلما أصابا الخطيئة بدت لهما سوءاتهما. (1) * * * القول في تأويل قوله: {وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ونادى آدمَ وحواءَ ربُّهما: ألم أنهكما عن أكل ثمرة الشجرة التي أكلتما ثمرها، وأعلمكما أن إبليس لكما عدو مبين = يقول: قد أبان عداوته لكما، بترك السجود لآدم حسدًا وبغيًا، (2) كما:- 14409- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن أبي معشر، عن محمد بن قيس قوله: (وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين) ، لم أكلتها وقد نهيتك عنها؟ قال: يا رب، أطعمتني حواء! قال لحواء: لم أطعمته؟ قالت: أمرتني الحية! قال للحية: لم أمرتها؟ قالت: أمرني إبليس! قال: ملعون مدحور! أما أنت يا حواء (1) الأثر: 14408 - قال ابن كثير في تفسيره 3: 460: (( رواه ابن جرير بسند صحيح إليه )) . (2) انظر تفسير (( مبين )) فيما سلف من فهارس اللغة (بين) . فكما دمَّيت الشجرة تَدْمَيْن كل شهر. وأما أنت يا حية، فأقطع قوائمك فتمشين على وجهك، وسيشدخُ رأسك من لقيك، اهبطوا بعضكم لبعض عدوّ. (1) 14410- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا عباد بن العوّام، عن سفيان بن حسين، عن يعلى بن مسلم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: لما أكل آدم من الشجرة قيل له: لم أكلت من الشجرة التي نهيتك عنها؟ قال: حواء أمرتني! قال: فإني قد أعقبتها أن لا تحمل إلا كَرْهًا، ولا تضع إلا كرها. قال: فرنَّت حواء عند ذلك، فقيل لها: الرنّة عليك وعلى ولدك. (2) * * * (1) الأثر: 14409 - مضى الخبر مطولا بهذا الإسناد رقم: 752، مع اختلاف يسير في لفظه. وانظر تخريجه هناك. (2) (( رنت المرأة ترن رنينًا )) : أي صوتت وصاحت من الحزن والجزع. و (( الرنة )) : الصيحة الحزينة عند البكاء. القول في تأويل قوله: {قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) } قال أبو جعفر: وهذا خبرٌ من الله جل ثناؤه عن آدم وحواء فيما أجاباه به، واعترافِهما على أنفسهما بالذنب، ومسألتهما إياه المغفرة منه والرحمة، خلاف جواب اللعين إبليس إياه. ومعنى قوله: (قالا ربنا ظلمنا أنفسنا) ، قال: آدم وحواء لربهما: يا ربنا، فعلنا بأنفسنا من الإساءة إليها بمعصيتك وخلاف أمرك، (1) وبطاعتنا عدوَّنا وعدوَّك، فيما لم يكن لنا أن نطيعه فيه، من أكل الشجرة التي نهيتنا عن أكلها = (وإن لم تغفر لنا) ، يقول: وإن أنت لم تستر علينا ذنبنا فتغطيه علينا، وتترك فضيحتنا به (1) هكذا في المخطوطة والمطبوعة، ولعل الصواب: (( فعلنا الظلم بأنفسنا )) . وانظر تفسير (( الظلم )) فيما سلف من فهارس اللغة (ظلم) . بعقوبتك إيانا عليه (1) = "وترحمنا" ، بتعطفك علينا، وتركك أخذنا به (2) = (لنكونن من الخاسرين) ، يعني: لنكونن من الهالكين. * * * وقد بيَّنا معنى "الخاسر" فيما مضى بشواهده، والرواية فيه، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (3) * * * 14411- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة قال: قال آدم عليه السلام: يا رب، أرأيتَ إن تبتُ واستغفرتك؟ قال: إذًا أدخلك الجنة. وأما إبليس فلم يسأله التوبة، وسأل النَّظِرة، فأعطى كلَّ واحد منهما ما سأل. 14412- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا) ، الآية، قال: هي الكلمات التي تلقَّاها آدم من ربه. * * * القول في تأويل قوله: {قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24) } قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن فعله بإبليس وذريته، وآدم وولده، والحية. يقول تعالى ذكره لآدم وحواء وإبليس والحية: اهبطوا من السماء إلى الأرض، بعضكم لبعض عدوّ، كما:- (1) انظر تفسير (( المغفرة )) فيما سلف من فهارس اللغة (غفر) . (2) انظر تفسير (( الرحمة )) فيما سلف من فهارس اللغة (رحم) . (3) انظر تفسير (( الخسارة )) فيما سلف ص: 315، تعليق: 1، والمراجع هناك. 14413- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن طلحة، عن أسباط، عن السدي: (اهبطوا بعضكم لبعض عدو) ، قال: فلعنَ الحية، وقطع قوائمها، وتركها تمشي على بطنها، وجعل رزقها من التراب، وأهبطوا إلى الأرض: آدم، وحواء، وإبليس، والحية. (1) 14414- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن أبي عوانة، عن إسماعيل بن سالم، عن أبي صالح: (اهبطوا بعضكم لبعض عدو) ، قال: آدم، وحواء، والحية. (2) * * * وقوله: (ولكم في الأرض مستقر) ، (3) يقول: ولكم، يا آدم وحواء، وإبليس والحية = في الأرض قرارٌ تستقرونه، وفراش تمتهدونه، (4) كما:- 14415- حدثني المثنى قال، حدثنا آدم العسقلاني قال، حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية في قوله: (ولكم في الأرض مستقر) ، قال: هو قوله: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ فِرَاشًا) ، [سورة البقرة: 22] . (5) * * * وروي عن ابن عباس في ذلك، ما:- 14416- حدثت عن عبيد الله، عن إسرائيل، عن السدي، عمن حدثه، عن ابن عباس قوله: (ولكم في الأرض مستقر) ، قال: القبور. (6) * * * (1) الأثر: 14413 - (( عمرو بن طلحة )) ، هو (( عمرو بن حماد بن طلحة القناد )) ، منسوبًا إلى جده. وقد مضى مئات من المرات في هذا الإسناد وغيره، (( عمرو بن حماد، عن أسباط )) . وقد سلف برقم: 755. (2) الأثر: 14414 - مضى برقم: 754. (3) انظر تفسير نظيرة هذه الآية فيما سلف 1: 535 - 541. (4) انظر تفسير (( مستقر )) فيما سلف 1: 539 /11: 434، 562 - 572. (5) الأثر: 14415 - مضى برقم: 765. وكان في المطبوعة والمخطوطة هنا: (( هو الذي جعل ... )) ، بزيادة (( هو )) ، وهو سبق قلم من الناسخ. (6) الأثر: 14416 - انظر ما سلف رقم: 767، بغير هذا الإسناد. قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبرَ آدم وحواءَ وإبليس والحية، إذ أهبطوا إلى الأرض: أنهم عدوٌّ بعضهم لبعض، وأن لهم فيها مستقرًّا يستقرون فيه، ولم يخصصها بأن لهم فيها مستقرًّا في حال حياتهم دون حال موتهم، بل عمَّ الخبرَ عنها بأن لهم فيها مستقرًّا، فذلك على عمومه، كما عمّ خبرُ الله، ولهم فيها مستقر في حياتهم على ظهرها، وبعد وفاتهم في بطنها، كما قال جل ثناؤه: (أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ كِفَاتًا أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا) ، [سورة المرسلات: 25-26] . * * * وأما قوله: (ومتاع إلى حين) ، فإنه يقول جل ثناؤه: "ولكم فيها متاع" ، تستمتعون به إلى انقطاع الدنيا، (1) وذلك هو الحين الذي ذكره، كما:- 14417- حدثت عن عبيد الله بن موسى قال، أخبرنا إسرائيل، عن السدي، عمن حدثه، عن ابن عباس: (ومتاع إلى حين) ، قال: إلى يوم القيامة وإلى انقطاع الدنيا. * * * و "الحين" نفسه: الوقت، غير أنه مجهول القدر (2) ، يدل على ذلك قول الشاعر: (3) وَمَا مِرَاحُكَ بَعْدَ الْحِلْمِ وَالدِّينِ ... وَقَدْ عَلاكَ مَشِيبٌ حِينَ لا حِينِ (4) أي وقت لا وقت. (1) انظر تفسير (( المتاع )) فيما سلف 1: 539 - 541 /11: 71، تعليق: 2. والمراجع هناك. (2) انظر تفسير (( الحين )) فيما سلف 1: 540، ولم يذكر هذا هناك في تفسير نظيرة هذه الآية. (3) هو جرير. (4) ديوانه: 586، وسيبويه 1: 358، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 212، والخزانة 2: 94، وغيرها. مطلع قصيدة في هجاء الفرزدق، ورواية الديوان، وسيبويه: * ما بالُ جَهْلِكَ بَعْدَ الْحِلْمِ والدِّينِ * وبعده: لِلْغَانِيَاتِ وِصَالٌ لَسْتُ قَاطِعَهُ ... عَلَى مَوَعدِهَ مِنْ خُلْفٍ وَتَلْوِينِ إِنَّي لأَرْهَبُ تَصْدِيقَ الْوُشَاةِ بِنَا ... أَوْ أَنْ يَقُولَ غَوِىٌّ للنَّوَى: بِينِي و (( المراح )) (بكسر الميم) : المرح والاختيال والتبختر، وذلك من جنون الشاباب واعتداده بنفسه. وكأن رواية الديوان هي الجودي. وأنشده سيبويه شاهدًا على إلغاء (( لا )) وإضافة (( حين )) الأولى إلى (( حين )) الثانية، قال: فإنما هو حين حين، و (( لا )) بمنزلة (( ما )) إذا ألغيت. وهذا الذي ذكر أبو جعفر هو أبي عبيدة في مجاز القرآن 1: 212، وجاء بالبيت كما رواه هنا، وان كان في مطبوعة مجاز القرآن: (( وما مزاحك )) بالزاي، وهو خطأ مطبعي فيما أظن. القول في تأويل قوله: {قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ (25) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال الله للذين أهبطهم من سمواته إلى أرضه: (فيها تحيون) ، يقول: في الأرض تحيون، يقول: تكونون فيها أيام حياتكم = (وفيها تموتون) ، يقول في الأرض تكون وفاتكم، (ومنها تخرجون) ، يقول: ومن الأرض يخرجكم ربكم ويحشركم إليه لبعث القيامة أحياء. * * * القول في تأويل قوله: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سوءاتكمْ} قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه للجهلة من العرب الذين كانوا يتعرَّون للطواف، اتباعًا منهم أمرَ الشيطان، وتركًا منهم طاعةَ الله، فعرفهم انخداعهم بغروره لهم، حتى تمكن منهم فسلبهم من ستر الله الذي أنعمَ به عليهم، حتى https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف الحلقة (663) صــ 361 إلى صــ 370 أبدى سوءاتهم وأظهرها من بعضهم لبعض، مع تفضل الله عليهم بتمكينهم مما يسترونها به، وأنهم قد سار بهم سيرته في أبويهم آدم وحواء اللذين دلاهما بغرور حتى سلبهما ستر الله الذي كان أنعم به عليهما حتى أبدى لهما سوءاتهما فعرّاهما منه: (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسًا) ، يعني بإنزاله عليهم ذلك، خلقَه لهم، ورزقه إياهم = و "اللباس" ما يلبسون من الثياب (1) = (يواري سوءاتكم) ، يقول: يستر عوراتكم عن أعينكم (2) = وكنى بـ "السوءات" ، عن العورات. * * * = واحدتها "سوءة" ، وهي "فعلة" من "السوء" ، وإنما سميت "سوءة" ، لأنه يسوء صاحبها انكشافُها من جسده، (3) كما قال الشاعر: (4) خَرَقُوا جَيْبَ فَتَاتِهِمُ ... لَمْ يُبَالُوا سَوْءَةَ الرَّجُلَهْ (5) * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 14418- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (لباسًا يواري سوءاتكم) ، قال: كان ناس من العرب يطوفون بالبيت عراةً، ولا يلبس أحدهم ثوبًا طاف فيه. 14419- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن (1) انظر تفسير (( اللباس )) فيما سلف 3: 489 - 491 /5: 480 /11: 270. (2) انظر تفسير (وارى ) ) فيما سلف 10: 229. (3) انظر تفسير (( السوءة )) فيما سلف 10: 229 / وهذا الجزء ص: 352. (4) لم أعرف قائله. (5) الكامل 1: 165، وشرح الحماسة 1: 117، واللسان (رجل) ، وغيرهما، وقبل البيت: كُلُّ جَارٍ ظَلَّ مُغْتَبِطًا ... غَيْرَ جِيرَانِي بَنِي جَبَلَهْ وروايتهم: (( لم يبالوا حرمة الرجله )) . وكنى بقوله: (( جيب فتاتهم )) ، عن عورتها وفرجها. وانث (( الرجل )) ، فجعل المرأة: (( رجلة )) . ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه. 14420- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد المدني قال، سمعت مجاهدًا يقول في قوله: (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسًا يواري سوءاتكم وريشًا) ، قال: أربع آيات نزلت في قريش. كانوا في الجاهلية لا يطوفون بالبيت إلا عراة. 14421- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن عوف قال: سمعت معبدًا الجهني يقول في قوله: (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسًا يواري سوءاتكم وريشًا) ، قال: اللباس الذي تلبسون. 14422- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسًا يواري سوءاتكم) ، قال: كانت قريش تطوف عراة، لا يلبس أحدهم ثوبًا طاف فيه. وقد كان ناس من العرب يطوفون بالبيت عراة. 14423- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر وسهل بن يوسف، عن عوف، عن معبد الجهني: (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسًا يواري سوءاتكم) ، قال: اللباس الذي يواري سوءاتكم: وهو لَبُوسكم هذه. (1) 14424- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (لباسًا يواري سوءاتكم) ، قال: هي الثياب. 14425- حدثنا الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد قال، حدثني مَنْ سمع عروة بن الزبير يقول، اللباس: الثياب. 14426- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا (1) (( اللبوس )) ، الثياب، وهو مذكر، فإن ذهبت به إلى (( الثياب )) جاز لك أن تؤنث، وكان في المطبوعة: (( هو لبوسكم هذا )) ، وأثبت ما في المخطوطة. عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (قد أنزلنا عليكم لباسًا يواري سوءاتكم) ، قال: يعني ثيابَ الرجل التي يلبسها. * * * القول في تأويل قوله: {وَرِيشًا} قال أبو جعفر: اختلفت القرأة في قراءة ذلك. فقرأته عامة قرأة الأمصار: (وَرِيشًا) ، بغير "ألف" . * * * وذكر عن زر بن حبيش والحسن البصري: أنهما كانا يقرآنه: "وَرِياشًا" . 14427- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، عن أبان العطار قال، حدثنا عاصم: أن زر بن حبيش قرأها: "وَرِياشًا" . * * * قال أبو جعفر: والصوابُ من القراءة في ذلك، قراءة من قرأ: (وَرِيشًا) بغير "ألف" ، لإجماع الحجة من القرأة عليها. وقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم خبرٌ في إسناده نظر: أنه قرأه: "وَرِياشًا" . (1) فمن قرأ ذلك: "وَرِياشًا" فإنه محتمل أن يكون أراد به جمع "الريش" ، كما تجمع "الذئب" ، "ذئابًا" ، و "البئر" "بئارًا" . ويحتمل أن يكون أراد به مصدرًا، من قول القائل: "راشه الله يَريشه رياشًا ورِيشًا" ، (2) كما يقال: "لَبِسه يلبسه لباسًا ولِبْسًا" ، وقد أنشد بعضهم: (3) (1) سيأتي هذا الخبر بإسناده رقم: 14446. (2) أراد هنا أن يجعل (( ريشا )) مصدرًا بكسر (( الراء )) ، كما هو بين في معاني القرآن للفراء 1: 375، ولذلك ضبطتها كذلك، والذي نص عليه أهل اللغة أن المصدر (ريشا ) ) بفتح فسكون. (3) هو حميد بن ثور الهلالي. فَلَما كَشَفْنَ اللِّبْسَ عَنْهُ مَسَحْنَهُ ... بِأَطْرَافِ طَفْلٍ زَانَ غَيْلا مُوَشَّمَا (1) بكسر "اللام" من "اللبس" . و "الرياش" ، في كلام العرب، الأثاث، وما ظهر من الثياب من المتاع مما يلبس أو يُحْشى من فراش أو دِثَار. و "الريش" إنما هو المتاع والأموال عندهم. وربما استعملوه في الثياب والكسوة دون سائر المال. يقولون: "أعطاه سرجًا بريشه" ، و "رحْلا بريشه" ، أي بكسوته وجهازه. ويقولون: "إنه لحسن ريش الثياب" ، وقد يستعمل "الرياش" في الخصب ورَفاهة العيش. * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال: "الرياش" ، المال: 14428- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، (1) ديوانه: 14، ومعاني القرآن للفراء 1: 375، واللسان (لبس) (طفل) ، والمخصص 4: 35، وغيرها. وهذا بيت من قصيدة له طويلة في ديوانه، أرجح أنها مختلطة الترتيب، وهذا البيت مما اختلط. فإنه في صفة الرجل، فقال فيه (كما ورد في الديوان البيت رقم: 37) ، بعد أن زينته الجواري (والشعر في الديوان كثير الخطأ، فصححته) . تَنَاهَى عَلَيْهِ الصَّانِعَاتُ، وَشَاكَلَتْ ... بِهِ الخيلَ حَتَّى هَمَّ أَنْ يَتَحَمْحَمَا ثم قال بعد رقم: 40. تَخَالُ خِلالَ الرَّقْم لَمَّا سَدَلْنَهُ ... حِصَانًا تَهَادَى سَامِيَ الطَّرْفِ مُلْجَمَا وقال قبل البيت (وهما في ترتيب الديوان: 32، 33) : فَزَيَّنَّهُ بِالعِهْنِ حَتَّى لَوَ انَّهُ ... يُقَالُ لَهُ: هَابٍ، هَلُمَّ! لأَقْدَمَا جعل الهودج قد صار كأنه فرس عليه زينته وجلاله وسرجه. وقوله: (فلما كشفن اللبس عنه ) ) ، يعني الهودج. و (( مسحنه )) يعني الجواري اللواتي صنعه وزوقنه وزينه. و (( الطفل) (بفتح فسكون) هو البنان الناعم، وأراد: مسحنه بأطراف بنان طفل، فجعل (( طفلا )) بدلا من (( البنان )) و (( الغيل )) (بفتح فسكون) الساعد الريان الممتلئ. و (( الموشم )) ، عليه الوشم، وكان زينة للجاهلية أبطلها الإسلام، ولعن الله متخذها، رجلا كان أو امرأة. عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (وريشًا) ، يقول: مالا. 14429- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وريشًا) ، قال: المال. 14430- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 14431- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "ورياشًا" ، قال: أما "رياشًا" ، فرياش المال. (1) 14432- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد المدني قال، حدثني من سمع عروة بن الزبير يقول: "الرياش" ، المال. 14433- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك قوله: "ورياشًا" ، يعني، المال. * ذكر من قال: هو اللباس ورفاهة العيش. 14434- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "ورياشًا" ، قال: "الرياش" ، اللباس والعيش والنَّعيم. 14435- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر وسهل بن يوسف، عن عوف، عن معبد الجهني: "ورياشًا" ، قال: "الرياش" ، المعاش. 14436- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية قال، أخبرنا عوف قال، قال معبد الجهني: "ورياشًا" ، قال: هو المعاش. * * * (1) حيث جاءت (( رياش )) القراءة الثانية في هذه الأخبار، فإني تاركها على ما هي عليه لا أغيرها إلى قراءتنا. وقال آخرون: "الريش" ، الجمال. * ذكر من قال ذلك: 14437- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "ورياشًا" ، قال: "الريش" ، الجمال. * * * القول في تأويل قوله: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك. فقال بعضهم: "لباس التقوى" ، هو الإيمان. * ذكر من قال ذلك: 14438- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (ولباس التقوى) ، هو الإيمان. 14439- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (ولباس التقوى) ، الإيمان. 14440- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، أخبرني حجاج، عن ابن جريج: (ولباس التقوى) ، الإيمان. * * * وقال آخرون: هو الحياء. * ذكر من قال ذلك: 14441- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر وسهل بن يوسف، عن عوف، عن معبد الجهني في قوله: (ولباس التقوى) ، الذي ذكر الله في القرآن، هو الحياء. 14442- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية قال، أخبرنا عوف قال، قال معبد الجهني، فذكر مثله. 14443- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن عوف، عن معبد، بنحوه. * * * وقال آخرون: هو العمل الصالح. * ذكر من قال ذلك: 14444- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (ولباس التقوى ذلك خير) ، قال: لباس التقوى: العمل الصالح. * * * وقال آخرون: بل ذلك هو السَّمْت الحسن. * ذكر من قال ذلك: 14445- حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة قال، حدثنا عبد الله بن داود، عن محمد بن موسى، عن. . . . بن عمرو، عن ابن عباس: (ولباس التقوى) ، قال: السمت الحسن في الوجه. (1) 14446- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق بن الحجاج قال، حدثنا إسحاق بن إسماعيل، عن سليمان بن أرقم، عن الحسن قال: رأيت عثمان بن عفان على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، عليه قميصٌ قُوهيّ محلول الزرّ، (2) وسمعته يأمر بقتل الكلاب، وينهى عن اللعب بالحمام، ثم قال: يا أيها الناس، اتقوا الله ف (1) الأثر: 14445 - في هذا الإسناد في المخطوطة: (( عن الدنا بن عمرو )) ، كلمة لم أعرف كيف تقرأ، فوضعت مكانها نقطًا، وكان في المطبوعة: (( الزباء بن عمرو )) ، لا أدري من أين جاء بهذا الاسم!! ووجدت في تفسير ابن كثير 3: 462: (( الديال بن عمرو )) ، وهذا أيضًا. لم أعرف ما يكون. (( محمد بن موسى )) ، لم أستطع أن أحدد من يكون. (2) (( القميص القوهي )) ، منسوب إلى (( قوهستان )) ، وهي أرض متصلة بنواحي هراة ونيسابور، ينسب إليها ضرب من الثياب. ي هذه السرائر، فإنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "والذي نفس محمد بيده، ما عمل أحدٌ قط سرًّا إلا ألبسه الله رداءَ علانيةٍ، (1) إن خيرًا فخيرًا، وإن شرًّا فشرًا، ثم تلا هذه الآية:" وَرِيَاشًا "= ولم يقرأها: (وَرِيشًا) = (وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ) ، قال: السمتُ الحسن. (2) " * * * وقال آخرون: هو خشية الله. * ذكر من قال ذلك: 14447- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد المدنى قال، حدثني من سمع عروة بن الزبير يقول: (لباس التقوى) ، خشية الله. * * * وقال آخرون: (لباس التقوى) ، في هذه المواضع، ستر العورة. * ذكر من قال ذلك: 14448- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (ولباس التقوى) ، يتقي الله، فيواري عورته، ذلك "لباس التقوى" . * * * (1) نص ابن كثير في تفسيره، نقلا عن هذا الموضع من الطبري: (( ما أسر أحد سريرة إلا ألبسهما الله رداءها علانية )) ، ولا أدري من أين جاء هذا الاختلاف: وفي المطبوعة: (( رداءه )) ، وأثبت ما في المخطوطة. (2) الأثر: 14446 - (( إسحاق بن الحجاج الرازي الطاحوني )) ، مضى برقم: 230، 1614، 10314. و (( إسحاق بن إسماعيل )) لعله (( إسحاق بن لإسماعيل الرازي )) ، أبو يزيد، حبويه. مترجم في ابن أبي حاتم 1 /1 / 212. و (( سليمان بن أرقم )) ، أبو معاذ. ضعف جدًا، متروك الحديث، مضى برقم: 4923. فمن أجل ضعف (( سليمان بن أرقم )) ، قال أبو جعفر فيما سلف ص: 363، تعليق: 1، أن في إسناد هذا الخبر نظرًا. وهذا الخبر رواه ابن كثير في تفسيره 3: 462، 463، وضعفه، ثم قال: (( وقد روى الأئمة، الشافعي وأحمد والبخاري في كتاب الأدب صحيحة، عن الحسن: أنه سمع أمير المؤمنين عثمان بن عفان يأمر بقتل الكلاب وذبح الحمام يوم الجمعة على المنبر )) . قلت: وخبر أحمد في المسند رقم: 521، وخبر البخاري في الأدب المفرد ص: 332، 333 برقم: 1301. واختلفت القرأة في قراءة ذلك. فقرأته عامة قرأة المكيين والكوفيين والبصريين: (وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ) ، برفع "ولباس" . * * * وقرأ ذلك عامة قرأة المدينة: "وَلِبَاسَ التَّقْوَى" ، بنصب "اللباس" ، وهي قراءة بعض قرأة الكوفيين. * * * فمن نصب: "ولباس" ، فإنه نصبه عطفًا على "الريش" ، بمعنى: قد أنزلنا عليكم لباسًا يواري سوءاتكم وريشًا، وأنزلنا لباسَ التقوى. * * * وأما الرفع، فإن أهل العربية مختلفون في المعنى الذي ارتفع به "اللباس" . فكان بعض نحويي البصرة يقول: هو مرفوع على الابتداء، وخبره في قوله: (ذلك خير) . وقد استخطأه بعض أهل العربية في ذلك وقال: هذا غلط، لأنه لم يعد على "اللباس" في الجملة عائد، فيكون "اللباس" إذا رفع على الابتداء وجعل "ذلك خير" خبرًا. * * * وقال بعض نحويي الكوفة: (ولباس) ، يرفع بقوله: ولباس التقوى خير، ويجعل "ذلك" من نعته. (1) * * * قال أبو جعفر: وهذا القول عندي أولى بالصواب في رافع "اللباس" ، لأنه لا وجه للرفع إلا أن يكون مرفوعًا بـ "خير" ، وإذا رفع بـ "خير" لم يكن في ذلك وجه إلا أن يجعل "اللباس" نعتًا، لا أنه عائد على "اللباس" من ذكره في قوله: (ذلك خير) ، فيكون خير مرفوعًا بـ "ذلك" ، و "ذلك" ، به. (1) هذا قول الفراء 1: 375 فإذ، كان ذلك كذلك، فتأويل الكلام = إذا رفع "لباس التقوى" =: ولباس التقوى ذلك الذي قد علمتموه، خير لكم يا بني آدم، من لباس الثياب التي تواري سوءاتكم، ومن الرياش التي أنزلناها إليكم، هكذا فالبَسوه. * * * وأما تأويل مَنْ قرأه نصبًا، فإنه: "يا بنى آدم قد أنزلنا عليكم لباسًا يواري سوءاتكم وريشًا ولباس التقوى" ، هذا الذي أنزلنا عليكم من اللباس الذي يواري سوءاتكم، والريش، ولباس التقوى خير لكم من التعرِّي والتجرد من الثياب في طوافكم بالبيت، فاتقوا الله والبسوا ما رزقكم الله من الرياش، ولا تطيعوا الشيطان بالتجرد والتعرِّي من الثياب، فإن ذلك سخرية منه بكم وخدعة، كما فعل بأبويكم آدم وحواء، فخدعهما حتى جرّدهما من لباس الله الذي كان ألبسهما بطاعتهما له، في أكل ما كان الله نهاهما عن أكله من ثمر الشجرة التي عصَياه بأكلها. * * * قال أبو جعفر: وهذه القراءة أولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب، أعني نصب قوله: "وَلِبَاسَ التَّقْوَى" ، لصحة معناه في التأويل على ما بيّنت، وأن الله إنما ابتدأ الخبر عن إنزاله اللباس الذي يواري سوءاتنا والرياش، توبيخًا للمشركين الذين كانوا يتجرّدون في حال طوافهم بالبيت، ويأمرهم بأخذ ثيابهم والاستتار بها في كل حال، مع الإيمان به واتباع طاعته = ويعلمهم أن كلّ ذلك خير من كلّ ما هم عليه مقيمون من كفرهم بالله، وتعرِّيهم، لا أنه أعلمهم أن بعض ما أنزل إليهم خيرٌ من بعض. وما يدل على صحة ما قلنا في ذلك، الآيات التي بعد هذه الآية، وذلك قوله: (يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزعُ عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما) وما بعد ذلك من الآيات إلى قوله: (وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) ، فإنه جل ثناؤه يأمر في كل ذلك بأخذ الزينة من الثياب، واستعمال اللباس وترك التجرّد والتعرّي، وبالإيمان به، واتباع أمره والعمل بطاعته، https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف الحلقة (664) صــ 371 إلى صــ 380 وينهى عن الشرك به واتباع أمر الشيطان، مؤكدًا في كل ذلك ما قد أجمله في قوله: (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسًا يواري سوءاتكم وريشًا ولباسَ التقوى ذلك خير) . * * * قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصحة في تأويل قوله: "ولباس التقوى" ، استشعار النفوس تقوى الله، في الانتهاء عما نهى الله عنه من معاصيه، والعمل بما أمر به من طاعته، وذلك يجمع الإيمان، والعمل الصالح، والحياء، وخشية الله، والسمتَ الحسن، لأن مَنْ اتقى الله كان به مؤمنًا، وبما أمره به عاملا ومنه خائفًا، وله مراقبًا، ومن أن يُرَى عند ما يكرهه من عباده مستحييًا. ومَنْ كان كذلك ظهرت آثار الخير فيه، فحسن سَمْته وهَدْيه، ورُئِيَتْ عليه بهجة الإيمان ونوره. وإنما قلنا: عنى بـ "لباس التقوى" ، استشعارَ النفس والقلب ذلك = لأن "اللباس" ، إنما هو ادِّراع ما يلبس، واجتياب ما يكتسى، (1) أو تغطية بدنه أو بعضه به. فكل من ادَّرع شيئًا واجتابهُ حتى يُرَى عَيْنه أو أثرُه عليه، (2) فهو له "لابس" . ولذلك جعل جل ثناؤه الرجال للنساء لباسًا، وهن لهم لباسًا، (1) في المطبوعة: (( واحتباء ما يكتسى )) ، غير ما في المخطوطة، الخطأ في نقطها، فأساء غاية الإساءة، كان في المخطوطة: (( واحنتاب )) ، وصواب قراءتها ما أثبت وانظر التعليق التالي، (( اجتاب الثوب اجتيابًا )) ، لبسه، قال لبيد: فَبِتِلْكَ إذْ رَقَصَ اللَّوَامِعُ بِالضُّحَى ... وَاجْتَابَ أَرْدِيَةَ السَّرَابِ إكَامُها أَقْضِي اللُّبَانَةَ لا أُفَرِّطُ رِيبَةً ... أَوْ أَنْ يَلُومَ بِحَاجَةٍ لَوَّامُها (2) في المطبوعة: (( فكل من اردع شيئًا واحتبى به حتى يرى هو أو أثره عليه )) ، أساء كما أساء في السالف، ولكن كان الخطأ أعذر له، لأنه فيها (( فكل من ادرع شيئًا واحبا )) هذا آخر السطر، ثم بدأ في السطر التالي (( به حتى يرى عنه أو أثره عليه )) . فجاء الناشر فجعلها (( واحتبى به )) والصواب ما أثبت، وإنما قطع الناسخ الكلمة في سطرين!! وانظر التعليق السالف. وأما قوله في المطبوعة: (( حتى يرى هو أو أثره عليه )) ، فقد غيره تغييرًا لا يجدي، وصواب قراءة المخطوطة كما أثبت. وجعل الليل لعباده لباسًا. (1) * * * * ذكر من تأول ذلك بالمعنى الذي ذكرنا من تأويله، إذا قرئ قوله: (وَلِبَاسُ التَّقْوَى) ، رفعًا. 14449- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (ولباس التقوى) ، الإيمان = (ذلك خير) ، يقول: ذلك خير من الرياش واللباس يواري سوءاتكم. 14450- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (ولباس التقوى) ، قال: لباس التقوى خير، وهو الإيمان. * * * القول في تأويل قوله: {ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ذلك الذي ذكرت لكم أنّي أنزلته إليكم، أيها الناس، من اللباس والرياش، من حجج الله وأدلته التي يعلم بها مَنْ كفر صحة توحيد الله، وخطأ ما هم عليه مقيمون من الضلالة = (لعلهم يذكرون) ، يقول جل ثناؤه: جعلت ذلك لهم دليلا على ما وصفت، ليذكروا فيعتبروا وينيبوا إلى الحق وترك الباطل، رحمة مني بعبادي. (2) * * * (1) شاهد الأول آية (( سورة البقرة )) : 187: "هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ" . وشاهد الثاني على آية (( سورة النبأ )) : 10: "وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا" . (2) انظر تفسير (( آية )) فيما سلف من فهارس اللغة (أيي) . = وتفسير (( يذكر )) فيما سلف منها (ذكر) . القول في تأويل قوله: {يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنزعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: يا بني آدم، لا يخدعنكم الشيطان فيبدي سوءاتكم للناس بطاعتكم إياه عند اختباره لكم، كما فعل بأبويكم آدم وحواء عند اختباره إياهما فأطاعاه وعصيا ربهما، فأخرجهما بما سبَّب لهما من مكره وخدعه، من الجنة، ونزع عنهما ما كان ألبسهما من اللباس، ليريهما سوءاتهما بكشف عورتهما، وإظهارها لأعينهما بعد أن كانت مستترةً. * * * وقد بينا فيما مضى أن معنى "الفتنة" ، الاختبار والابتلاء، بما أغنى عن إعادته. (1) * * * وقد اختلف أهل التأويل في صفة "اللباس" الذي أخبر الله جل ثناؤه أنه نزعه عن أبوينا، وما كان. فقال بعضهم: كان ذلك أظفارًا. * ذكر من لم يذكر قوله فيما مضى من كتابنا هذا في ذلك: 14451- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن شريك، عن عكرمة: (ينزع عنهما لباسهما) ، قال: لباس كل دابة منها، ولباس الإنسان الظُّفر، فأدركت آدم التوبة عند ظُفُره = أو قال: أظفاره. 14452- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبد الحميد الحماني، عن نضر (1) انظر تفسير (( الفتنة )) فيما سلف 11: 388، تعليق: 1، والمراجع هناك. أبي عمر، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: تركت أظفاره عليه زينة ومنافع، في قوله: (ينزع عنهما لباسهما) . (1) 14453- حدثني أحمد بن الوليد القرشي قال، حدثنا إبراهيم بن أبي الوزير قال، أخيرنا مخلد بن الحسين، عن عمرو بن مالك، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس في قوله: (ينزع عنهما لباسهما) ، قال: كان لباسهما الظفر، فلما أصابا الخطيئة نزع عنهما، وتركت الأظفار تذكرة وزينة. 14454- حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن سماك، عن عكرمة في قوله: (ينزع عنهما لباسهما) ، قال: كان لباسه الظفر، فانتهت توبته إلى أظفاره. * * * وقال آخرون: كان لباسهما نورًا. * ذكر من قال ذلك: 14455- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن عيينة، عن عمرو، عن وهب بن منبه: (ينزع عنهما لباسهما) ، النور. 14456- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن الزبير، عن ابن عيينة قال، حدثنا عمرو قال، سمعت وهب بن منبه يقول في قوله: (ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما) ، قال: كان لباس آدم وحواء نورًا على فروجهما، لا يرى هذا عورة هذه، ولا هذه عورة هذا. * * * (1) الأثر: 14452 - (( عبد الحميد الحماني )) هو (( عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني )) ، مضى برقم: 718، 7863. و (( نضر، أبو عمر )) هو (( النضر بن عبد الرحمن )) ، أبو عمر الخراز، مضى أيضًا برقم 718، 10373، وكان في المطبوعة: (( نصر بن عمر )) ، غير ما في المخطوطة، وهو فيها: (( نصر أبي عمر )) ، غير منقوطة. وقال آخرون: إنما عنى الله بقوله: (ينزع عنهما لباسهما) ، يسلبهما تقوى الله. * ذكر من قال ذلك: 14457- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا مطلب بن زياد، عن ليث، عن مجاهد: (ينزع عنهما لباسهما) ، قال: التقوى. (1) 14458- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن شريك، عن ليث، عن مجاهد: (ينزع عنهما لباسهما) ، قال: التقوى. 14459- حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن ليث، عن مجاهد، مثله. * * * قال أبو جعفر: والصواب من القول في تأويل ذلك عندي أن يقال: إن الله تعالى حذر عباده أن يفتنهم الشيطان كما فتن أبويهم آدم وحواء، وأن يجرِّدهم من لباس الله الذي أنزله إليهم، كما نزع عن أبويهم لباسهما. "اللباس" المطلق من الكلام بغير إضافة إلى شيء في متعارف الناس، وهو ما اجتابَ فيه اللابس من أنواع الكُسي، (2) أو غطى بدنه أو بعضه. وإذ كان ذلك كذلك، فالحق أن يقال: إن الذي أخبر الله عن آدم وحواء من لباسهما الذي نزعه عنهما الشيطان، هو بعض ما كانا يواريان به أبدانهما وعوْرَتهما. (1) الأثر: 14457 - (( مطلب بن زياد بن أبي زهير الثقفي )) ، قال ابن سعد: (( كان ضعيفًا في الحديث جدًا )) ، وقال ابن عدي: (( وله أحاديث حسان وغرائب، ولم أر له منكرًا، وأرجو أنه لا بأس به )) . مترجم في التهذيب، والبخاري في الكبير 4 / 2 / 8، ولم يذكر فيه جرحًا، وابن أبي حاتم 4 /1 / 360، وذكر أن أحمد ويحيى بن معين وثقا. وقال أبو حاتم: (( يكتب حديثه، ولا يحتج به )) . (2) في المطبوعة: (( هو ما اختار فيه اللابس من أنواع الكساء )) ، ولم يحسن قراءة المخطوطة، فغير كما سلف قريبًا، فرددتها إلى أصلها. وقوله: (( اجتاب فيه اللابس )) ، أدخل (( فيه )) مع (( اجتاب )) ، وهو صحيح في قياس العربية، لأنهم قالوا: (( اجتاب الثوب والظلام )) ، إذا دخل فيهما، فأعطى (( اجتاب )) معنى (( دخل )) ، فألحق بها حرف الجر، لمعنى الدخول. وقد يجوز أن يكون ذلك كان ظفرًا= ويجوز أن يكون كان ذلك نورًا = ويجوز أن يكون غير ذلك = ولا خبر عندنا بأيِّ ذلك تثبت به الحجة، فلا قول في ذلك أصوب من أن يقال كما قال جلّ ثناؤه: (ينزع عنهما لباسهما) . * * * وأضاف جل ثناؤه إلى إبليس إخراجَ آدم وحواء من الجنة، ونزعَ ما كان عليهما من اللباس عنهما، وإن كان الله جل ثناؤه هو الفاعل ذلك بهما عقوبة على معصيتهما إياه، إذ كان الذي كان منهما في ذلك عن تسْنيةِ ذلك لهما بمكره وخداعه، (1) فأضيف إليه أحيانًا بذلك المعنى، وإلى الله أحيانًا بفعله ذلك بهما. * * * القول في تأويل قوله: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (27) } قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بذلك: إن الشيطان يراكم هو= و "الهاء" في "إنه" عائدة على الشيطان = و "قبيله" ، يعني: وصنفه وجنسه الذي هو منه واحدٌ جمع جيلا (2) وهم الجن، كما:- 14460- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله: (إنه يراكم هو وقبيله) ، قال: الجن والشياطين. (1) في المطبوعة: (( عن تسبيه ذلك لهما )) ، ولا معنى له، وهو في المخطوطة غير منقوط، وهذا صواب قراءته، (( سنى له الأمر )) ، سهله ويسره وفتحه. (2) في المطبوعة: (( الذي هو منه واحد جمعه قبل )) ، غير ما في المخطوطة، وفي المخطوطة كما كتبتها، إلا انه كتب (( صلا )) و (( الجيم )) بين القاف والجيم غير المنقوطة. واستظهرت هذا من نص أبي عبيدة في مجاز القرآن 1: 213، وهو: (( أي: وجيله الذي هو منه )) ، ومن نص صاحب لسان العرب: (( ويقال لكل جمع من شيء واحد، قبيل )) . و (( الجيل )) كل صنف من الناس، أو الأمة. يقال: (( الترك جيل، والصين جيل، والعرب جيل، والروم جيل )) ، وهم كل قوم يختصون بلغة، وتنشأ من جمعهم أمة وصنف من الناس موصوف معروف. 14461- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (إنه يراكم هو وقبيله) ، قال: "قبيله" ، نسله. * * * وقوله: (من حيث لا ترونهم) ، يقول: من حيث لا ترون أنتم، أيها الناس، الشيطان وقبيله = (إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون) ، يقول: جعلنا الشياطين نُصراء الكفار الذين لا يوحِّدون الله ولا يصدقون رسله. (1) * * * القول في تأويل قوله: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (28) } قال أبو جعفر: ذكر أن معنى "الفاحشة" ، في هذا الموضع، (2) ما:- 14462- حدثني علي بن سعيد بن مسروق الكندي قال، حدثنا أبو محياة، عن منصور، عن مجاهد: (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها) ، قال: كانوا يطوفون بالبيت عراة، يقولون: "نطوف كما ولدتنا أمهاتنا" ، فتضع المرأة على قُبُلها النِّسعة أو الشيء، (3) فتقول: الْيَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أَوْ كُلُّهُ ... فَمَا بَدَا مِنْهُ فَلا أُحِلُّهُ (4) * * * (1) انظر تفسير (( ولي )) فيما سلف من فهارس اللغة (ولي) . (2) انظر تفسير (( الفاحشة )) ، و (( الفحشاء )) فيما سلف: ص: 218، تعليق: 1، والمراجع هناك. (3) (( القبل )) (بضمتين) : فرج المرأة والرجل. و (( النسعة )) : قطعة من الجلد مضفورة عريضة، تجعل على صدر البعير. (4) الأثر: 14462 - (( أبو محياة )) ، هو (( يحيى بن يعلي بن حرملة التيمي )) ، ثقة. مترجم في التهذيب، والكبير 4 /2 / 311، وابن أبي حاتم 4 / 2 / 196. ةسيأتي تخريج الخبر في تخريج الآثار: 14503 - 14506. 14463- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد في قوله: (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا) ، فاحشتهم أنهم كانوا يطوفون بالبيت عراة. 14464- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن مفضل، عن منصور، عن مجاهد، مثله. 14464- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمران بن عيينة، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير والشعبي: (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا) ، قال: كانوا يطوفون بالبيت عراة. 14465- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها) ، قال: كان قبيلة من العرب من أهل اليمن يطوفون بالبيت عراة، فإذا قيل: لم تفعلون ذلك؟ قالوا: وجدنا عليها آباءنا، والله أمرنا بها. 14466- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا إسرائيل، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (وإذا فعلوا فاحشة) ، قال: طوافهم بالبيت عراة. 14467- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد، عن مجاهد (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا) ، قال: في طواف الحُمْس في الثياب، وغيرهم عراة. (1) 14468- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله: (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا) ، (1) (( الحمس )) ، جمع (( أحمس )) هم قريش، لتشددهم في دينهم، وانظر تفسير ذلك مفصلا فيما سلف 3: 557، تعليق: 1، وانظر الأثر رقم: 3832، وأنها: (( ملة قريش )) . قال: كان نساؤهم يطفن بالبيت عراة، فتلك الفاحشة التي وجدوا عليها آباءهم: (قل إن الله لا يأمر بالفحشاء) ، الآية. * * * قال أبو جعفر: فتأويل الكلام إذًا: وإذا فعل الذين لا يؤمنون بالله، الذين جعل الله الشياطين لهم أولياء، قبيحًا من الفعل، وهو "الفاحشة" ، وذلك تعرِّيهم للطواف بالبيت وتجردهم له، فعُذِلوا على ما أتوا من قبيح فعلهم وعوتبوا عليه، قالوا: "وجدنا على مثل ما نفعل آباءنا، فنحن نفعل مثل ما كانوا يفعلون، ونقتدي بهديهم، ونستنّ بسنتهم، والله أمرنا به، فنحن نتبع أمره فيه" . يقول الله جل ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: "قل" ، يا محمد، لهم: "إن الله لا يأمر بالفحشاء" ، يقول: لا يأمر خلقه بقبائح الأفعال ومساويها = "أتقولون" ، أيها الناس، "على الله ما لا تعلمون" ، يقول: أتروون على الله أنه أمركم بالتعرِّي والتجرد من الثياب واللباس للطواف، (1) وأنتم لا تعلمون أنه أمركم بذلك؟ * * * القول في تأويل قوله: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه: (قل) ، يا محمد، لهؤلاء الذين يزعمون أن الله أمرهم بالفحشاء كذبًا على الله: ما أمر ربي بما تقولون، بل (أمر ربي بالقسط) ، يعني: بالعدل، (2) كما:- 14469- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن (1) هكذا في المطبوعة والمخطوطة: (( أتروون على الله )) ، وأنا أرجح أن الصواب (( أتزورون )) ، أي: أتقولون الزور والكذب. (2) انظر تفسير (( القسط )) فيما سلف ص: 224، تعليق: 4، والمراجع هناك. ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (قل أمر ربي بالقسط) ، بالعدل. 14470- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (قل أمر ربي بالقسط) ، والقسط: العدل. * * * وأما قوله: (وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد) ، فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله. فقال بعضهم: معناه: وجِّهوا وجوهكم حيث كنتم في الصلاة إلى الكعبة. * ذكر من قال ذلك: 14471- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد) ، إلى الكعبة حيثما صليتم، في الكنيسة وغيرها. 14472- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد) ، قال: إذا صليتم فاستقبلوا الكعبة، في كنائسكم وغيرها. 14473- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد) ، هو "المسجد" ، الكعبة. 14474- حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا خالد بن عبد الرحمن، عن عمر بن ذر، عن مجاهد في قوله: (وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد) ، قال: الكعبة، حيثما كنت. 14475- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد) ، قال: أقيموها للقبلة، هذه القبلة التي أمركم الله بها. * * * https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف الحلقة (665) صــ 381 إلى صــ 390 وقال آخرون: بل عنى بذلك: واجعلوا سجودكم لله خالصًا، دون ما سواه من الآلهة والأنداد. * ذكر من قال ذلك. 14476- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: (وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد) ، قال: في الإخلاص، أن لا تدعوا غيره، وأن تخلصوا له الدين. * * * قال أبو جعفر: وأولى هذين التأويلين بتأويل الآية، ما قاله الربيع: وهو أن القوم أُمِروا أن يتوجهوا بصلاتهم إلى ربهم، لا إلى ما سواه من الأوثان والأصنام، وأن يجعلوا دعاءهم لله خالصًا، لا مُكاءً ولا تصدية. (1) وإنما قلنا ذلك أولى التأويلين بالآية، لأن الله إنما خاطب بهذه الآية قومًا من مشركي العرب، لم يكونوا أهل كنائس وبيع، وإنما كانت الكنائس والبِيَع لأهل الكتابين. فغير معقول أن يقال لمن لا يصلي في كنيسة ولا بِيعة: "وجِّه وجهك إلى الكعبة في كنيسة أو بِيعةٍ" . * * * وأما قوله: (وادعوه مخلصين له الدين) ، فإنه يقول: واعملوا لربكم مخلصين له الدين والطاعة، لا تخلطوا ذلك بشرك، ولا تجعلوا في شيء مما تعملون له شريكًا، (2) كما:- 14477- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: (وادعوه مخلصين له الدين) ، قال: أن تخلصوا له الدين والدعوة والعمل، ثم توجِّهون إلى البيت الحرام. * * * (1) (( المكاء )) : الصفير، و (( التصدية )) : التصفيق. كانوا يطوفون بالبيت عراة يصفرون بأفواههم، ويصفقون بأيديهم. (2) انظر تفسير (( الدعاء )) ، و (( الإخلاص )) فيما سلف من فهارس اللغة (دعا) و (خلص) . القول في تأويل قوله: {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29) فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ} قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: (كما بدأكم تعودون) . فقال بعضهم: تأويله: كما بدأكم أشقياء وسُعَداء، كذلك تبعثون يوم القيامة. * ذكر من قال ذلك: 14478- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: (كما بدأكم تعودون فريقًا هدى وفريقًا حق عليهم الضلالة) ، قال: إن الله سبحانه بدأ خلق ابن آدم مؤمنًا وكافرًا، كما قال جل ثناؤه: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) ، [سورة التغابن: 2] ، ثم يعيدهم يوم القيامة كما بدأ خلقهم، مؤمنًا وكافرًا. 14479- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن منصور قال، حدثنا أصحابنا، عن ابن عباس: (كما بدأكم تعودون) ، قال: يبعث المؤمن مؤمنًا، والكافر كافرًا. 14480- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا يحيى بن الضريس، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن رجل، عن جابر قال: يبعثون على ما كانوا عليه، المؤمن على إيمانه، والمنافق على نفاقه. (1) 14481- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع، عن أبي العالية قال: عادوا إلى علمه فيهم، ألم تسمع إلى قول الله فيهم: (كما بدأكم تعودون) ؟ ألم تسمع قوله: (فريقًا هدى وفريقًا حق عليهم الضلالة) ؟. (1) الأثر: 14480 - (( يحيى بن الضريس بن يسار البجلي الرازي )) ثقة، كان صحيح الكتب، جيد الأخذ. مترجم في التهذيب، والكبير 4 /2 / 282، وابن أبي حاتم 4 / 2 / 158. 14482- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبيد الله، عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية: (كما بدأكم تعودون) ، قال: رُدُّوا إلى علمه فيهم. 14483- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو همام الأهوازي قال، حدثنا موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب في قوله: (كما بدأكم تعودون) ، قال: من ابتدأ الله خلقه على الشِّقوة صار إلى ما ابتدأ الله خلقه عليه، وإن عمل بأعمال أهل السعادة، كما أن إبليس عمل بأعمال أهل السعادة، ثم صار إلى ما ابتدئ عليه خلقه. ومن ابتدئ خلقه على السعادة، صار إلى ما ابتدئ عليه خلقه، وإن عمل بأعمال أهل الشقاء، كما أن السحرة عملت بأعمال أهل الشقاء، (1) ثم صاروا إلى ما ابتدئ عليه خلقهم. 14484- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن وِقَاء بن إياس أبي يزيد، عن مجاهد: (كما بدأكم تعودون) ، قال: يبعث المسلم مسلمًا، والكافر كافرًا. (2) 14485- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو دكين قال، حدثنا سفيان، عن أبي يزيد، عن مجاهد: (كما بدأكم تعودون) ، قال: يبعث المسلم مسلمًا، والكافر كافرًا. (3) 14486- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا محمد بن أبي الوضاح، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير: (كما بدأكم تعودون) ، قال: كما كتب عليكم تكونون. (1) يعني سحرة فرعون، الذين آمنوا بموسى عليه وعلى نبينا السلام. (2) الأثر: 14484 - (( وقاء بن إياس الأسدي الوالبي )) ، أبو يزيد، ثقة، متكلم فيه، قال يحيى بن سعيد: (( ما كان بالذي يعتمد عليه )) . مترجم في التهذيب، والكبير 4 /2 / 188، ولم يذكر فيه جرحًا، وابن أبي حاتم 4 / 2 / 49. وكان في المخطوطة: (( ورقاء بن إياس )) ، والصواب ما في المطبوعة. (3) الأثر: 14485 - (( أبو يزيد )) ، هو (( وقاء بن إياس )) ، المترجم في التعليق السالف. 14487- حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن سالم، عن سعيد، مثله. 14488- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (كما بدأكم تعودون فريقًا هدى وفريقًا حق عليهم الضلالة) ، يقول: كما بدأكم تعودون، كما خلقناكم، فريق مهتدون، وفريق ضال، كذلك تعودون وتخرجون من بطون أمهاتكم. 14489- حدثنا ابن بشار، قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا أبي سفيان، عن الأعمش، عن سفيان، عن جابر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تُبعث كل نفس على ما كانت عليه. (1) 14490- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو داود الحفري، عن شريك، عن سالم، عن سعيد بن جبير: (كما بدأكم تعودون) ، قال: كما كتب عليكم تكونون. 14491- حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا حماد بن زيد، عن ليث، عن مجاهد قال، يبعث المؤمن مؤمنًا، والكافر كافرًا. 14492- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (كما بدأكم تعودون) ، شقيًّا وسعيدًا. 14493- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك قراءة عن مجاهد، مثله. * * * (1) الأثر: 14489 - (( أبو سفيان )) ، هو (( طلحة بن نافع القرشي الواسطي )) ، ثقة، روى له الجماعة، مضى برقم: 6654، 11517، 11518. وهو الذي يروي عن جابر، والأعمش روايته. وكان في المطبوعة والمخطوطة: (( عن سفيان، عن جابر )) ، وهو خطأ لا شك فيه، صوابه منقولا عن تفسير الطبري، في تفسير ابن كثير 3: 466. وهذا خبر صحيح الإسناد. رواه مسلم في صحيحه 17: 210، من طريقين عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، ولفظه: (( يبعث كل عبد على ما مات عليه )) . رواه ابن ماجه في سننه 1414، رقم: 4230، من طريق شريك، عن الأعمش، ولفظه: (( يحشر الناس على نياتهم )) . وقال آخرون: معنى ذلك: كما خلقكم ولم تكونوا شيئًا، تعودون بعد الفناء. * ذكر من قال ذلك: 14494- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا غندر، عن عوف، عن الحسن: (كما بدأكم تعودون) ، قال: كما بدأكم ولم تكونوا شيئًا فأحياكم، كذلك يميتكم، ثم يحييكم يوم القيامة. 14495- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبد الأعلى، عن عوف، عن الحسن: (كما بدأكم تعودون) ، قال: كما بدأكم في الدنيا، كذلك تعودون يوم القيامة أحياء. 14496- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (كما بدأكم تعودون) ، قال: بدأ خلقهم ولم يكونوا شيئًا، ثم ذهبوا، ثم يعيدهم. 14497- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (كما بدأكم تعودون فريقًا هدى) ، يقول: كما خلقناكم أول مرة، كذلك تعودون. 14498- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (كما بدأكم تعودون) ، يحييكم بعد موتكم. 14499- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (كما بدأكم تعودون) ، قال: كما خلقهم أولا كذلك يعيدهم آخرًا. * * * قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب، القولُ الذي قاله من قال: معناه: كما بدأكم الله خلقًا بعد أن لم تكونوا شيئًا، تعودون بعد فنائكم خلقًا مثله، يحشركم إلى يوم القيامة = لأن الله تعالى ذكره: أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يُعْلم بما في هذه الآية قومًا مشركين أهلَ جاهلية، لا يؤمنون بالمعاد، ولا يصدِّقون بالقيامة. فأمره أن يدعوهم إلى الإقرار بأن الله باعثهم يوم القيامة، ومثيبُ مَنْ أطاعه، ومعاقبُ مَنْ عصاه. فقال له: قل لهم: أمرَ ربي بالقسط، وأن أقيموا وجوهكم عند كل مسجد، وأن ادعوه مخلصين له الدين، وأن أقرُّوا بأنْ كما بدأكم تعودون = فترك ذكر "وأن أقروا بأن" . كما ترك ذكر "أن" مع "أقيموا" ، إذ كان فيما ذكر دلالة على ما حذف منه. وإذ كان ذلك كذلك، فلا وجه لأن يؤمر بدعاء مَنْ كان جاحدًا النشورَ بعد الممات، إلى الإقرار بالصفة التي عليها ينشر مَنْ نُشِر، وإنما يؤمر بالدعاء إلى ذلك مَنْ كان بالبعث مصدّقًا، فأما مَنْ كان له جاحدًا، فإنما يدعى إلى الإقرار به، ثم يعرَّف كيف شرائط البعث. على أن في الخبر الذي رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي:- 14500- حدثناه محمد بن بشار قال، حدثنا يحيى بن سعيد قال، حدثنا سفيان قال، حدثني المغيرة بن النعمان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يُحْشر الناس عُراة غُرْلا وأوّل مَنْ يكسى إبراهيم صلى الله عليه وسلم. ثم قرأ: (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) ، [سورة الأنبياء: 104] 14501- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا إسحاق بن يوسف قال، حدثنا سفيان، عن المغيرة بن النعمان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بنحوه. 14502- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن المغيرة بن النعمان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بموعظة، فقال: يا أيها الناس، إنكم تحشرون إلى الله حُفَاة غُرْلا (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) . (1) * * * = (2) ما يبيِّن صحة القول الذي قلنا في ذلك، من أن معناه: أن الخلقَ يعودون إلى الله يوم القيامة خلقًا أحياء، كما بدأهم في الدنيا خلقًا أحياء. * * * يقال منه: "بدأ الله الخلق يبدؤهم = وأبدأَهُم يُبْدِئهم إبداءً" ، بمعنى خلقهم، لغتان فصيحتان. * * * ثم ابتدأ الخبر جل ثناؤه عما سبق من علمه في خلقه، وجرى به فيهم قضاؤه، فقال: هدى الله منهم فريقًا فوفّقهم لصالح الأعمال فهم مهتدون، وحقَّ على فريق منهم الضلالة عن الهدى والرشاد، باتخاذهم الشيطان من دون الله وليًّا. * * * وإذا كان التأويل هذا، كان "الفريق" الأول منصوبًا بإعمال "هدى" فيه، و "الفريق" ، الثاني بوقوع قوله: "حق" على عائد ذكره في "عليهم" ، كما قال جل ثناؤه: (يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) ، (3) [سورة الإنسان: 31] * * * (1) الآثار: 14500 - 14502 - (( المغيرة بن النعمان النخعي )) ، ثقة، مضى برقم: 13622. وهذا الخبر رواه البخاري من طريق شعبة، عن المغيرة في صحيحه (الفتح 8: 332 / 11: 331) مطولا، ورواه مسلم في صحيحه مطولا: 17: 193، 194 من طريق شعبة أيضًا. ورواه أحمد في المسند مطولا ومختصرًا رقم: 1950، 2027، من طريق سفيان الثوري مختصرًا، كما رواه الطبري. ثم رواه مطولا من طريق شعبة رقم: 2096، 2281، 2282. ورواه النسائي في سننه 4: 117. وسيرويه أبو جعفر بأسانيده هذه فيما يلي، في تفسير (( سورة الأنبياء )) 17: 80 (بولاق) . و (( الغرل )) جمع (( أغرل )) ، هو الأقلف الذي لم يختن. (2) هذا تمام الكلام الأول، والسياق: (( على أن في الخبر الذي روى عن رسول الله ... ما يبيّن صحة القول )) . (3) انظر معاني القرآن للفراء 1: 376. ومن وجه تأويل ذلك إلى أنه: كما بدأكم في الدنيا صنفين: كافرًا، ومؤمنًا، كذلك تعودون في الآخرة فريقين: فريقًا هدى، وفريقًا حق عليهم الضلالة = نصب "فريقًا" ، الأول بقوله: "تعودون" ، وجعل الثاني عطفًا عليه. وقد بينا الصواب عندنا من القول فيه. (1) * * * القول في تأويل قوله: {إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن الفريق الذي حق عليهم الضلالة، إنما ضلوا عن سبيل الله وجارُوا عن قصد المحجة، باتخاذهم الشياطين نُصراء من دون الله، وظُهراء، (2) جهلا منهم بخطأ ما هم عليه من ذلك، بل فعلوا ذلك وهم يظنون أنهم على هدى وحق، وأن الصواب ما أتوه وركبوا. وهذا من أبين الدلالة على خطأ قول من زعمَ أن الله لا يعذِّب أحدًا على معصية ركبها أو ضلالة اعتقدها، إلا أن يأتيها بعد علم منه بصواب وجهها، فيركبها عنادًا منه لربه فيها. لأن ذلك لو كان كذلك، لم يكن بين فريق الضلالة الذي ضلّ وهو يحسَبُ أنه هادٍ. وفريق الهدى، (3) فَرْقٌ. وقد فرَّق الله بين أسمائهما وأحكامهما في هذه الآية. * * * (1) انظر تفسير (( فريق )) فيما سلف 11: 490، تعليق: 2، والمراجع هناك. (2) انظر تفسير (( ولي )) فيما سلف من فهارس اللغة (ولي) . (3) انظر تفسير (( حسب )) فيما سلف 10: 478، تعليق: 1، والمراجع هناك. القول في تأويل قوله: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لهؤلاء الذين يتعرَّون عند طوافهم ببيته الحرام، ويبدون عوراتهم هنالك من مشركي العرب، والمحرِّمين منهم أكل ما لم يحرِّمه الله عليهم من حلال رزقه، تبرُّرًا عند نفسه لربه: (يا بني آدم خذوا زينتكم) ، من الكساء واللباس = (عند كل مسجد وكلوا) ، من طيبات ما رزقتكم، وحللته لكم = (واشربوا) ، من حلال الأشربة، ولا تحرِّموا إلا ما حَرَّمْتُ عليكم في كتابي أو على لسان رسولي محمد صلى الله عليه وسلم. * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 14503- حدثنا يحيى بن حبيب بن عربي قال، حدثنا خالد بن الحارث قال، حدثنا شعبة، عن سلمة، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: أن النساء كنّ يطفن بالبيت عراة = وقال في موضع آخر: بغير ثياب = إلا أن تجعل المرأة على فرجها خِرقة، فيما وُصِف إن شاء الله، وتقول: الْيَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أَوْ كُلُّهُ ... فَمَا بَدَا مِنْهُ فَلا أُحِلُّهُ قال: فنزلت هذه الآية: (خذوا زينتكم عند كل مسجد) . (1) (1) الأثر: 14503 - حديث شعبة، عن سلمة بن كهيل، رواه أبو جعفر من ثلاث طرق، سأخرجها في هذا الموضع. (( يحيى بن حبيب بن عربي الشيباني )) ، أبو زكرياء، ثقة، مضى برقم: 7818، مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 4 / 2 / 137. (( خالد بن الحارث بن عبيد الهجيمي )) ، ثقة ثبت إمام. مضى برقم: 7507، 7818، 9878. و (( سلمة )) ، هو (( سلمة بن كهيل )) ، مضى مرارًا. و (( مسلم البطين )) هو (( مسلم بن عمران )) ، ثقة روى له الجماعة. وهذا الخبر، رواه مسلم في صحيحه 18: 162، من طريق غندر، عن شعبة (وهو الآتي رقم: 14506) . ورواه الحاكم في المستدرك 2: 319، 320 من طريق أبي داود الطيالسي، عن شعبة، بنحوه، ولكن قال: (( نزلت هذه الآية: قل من حرم زينة الله )) ، ثم قال الحاكم: (( حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه )) ، ووافقه الذهبي. 14504- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن سلمة بن كهيل، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كانوا يطوفون عراة، الرجال بالنهار، والنساء بالليل، وكانت المرأة تقول: https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف الحلقة (666) صــ 391 إلى صــ 400 الْيَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أَوْ كُلُّهُ ... فَمَا بَدَا مِنْهُ فَلا أُحِلُّهُ فقال الله: (خذوا زينتكم) . (1) 14505- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن عيينة، عن عمرو، عن ابن عباس: (خذوا زينتكم عند كل مسجد) ، قال: الثياب. 14506- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا غندر ووهب بن جرير، عن شعبة، عن سلمة بن كهيل قال: سمعت مسلمًا البطين يحدث، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كانت المرأة تطوف بالبيت عريانة = قال غندر: وهي عريانة = قال، وهب: كانت المرأة تطوف بالبيت وقد أخرجت صدرَها وما هنالك = قال غندر: وتقول: "مَنْ يعيرني تِطْوافًا" ، (2) تجعله على فرْجها وتقول: الْيَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أَوْ كُلُّهُ ... فَمَا بَدَا مِنْهُ فَلا أُحِلُّهُ فأنزل الله (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد) . (3) 14507- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد) ، قال: كانوا يطوفون بالبيت عراة، فأمرهم الله أن يلبسوا ثيابهم ولا يتعرَّوا. 14508- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (خذوا زينتكم عند كل مسجد) الآية "قال: كان رجال يطوفون بالبيت عراة، فأمرهم الله بالزينة = و" الزينة "، اللباس، وهو ما يواري السوءة، وما سوى ذلك من جيِّد البزِّ والمتاع = فأمروا أن يأخذوا زينتهم عند كل مسجد." 14509- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا المحاربي وابن فضيل، عن عبد الملك، عن عطاء: (خذوا زينتكم) ، قال: كانوا يطوفون بالبيت عراة، فأمروا أن يلبسوا ثيابهم. 14510- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم، عن عبد الملك، عن عطاء، بنحوه. 14511- حدثني عمرو قال، حدثنا يحيى قال، حدثنا عبد الملك، عن عطاء في قوله: (خذوا زينتكم عند كل مسجد) ، البسوا ثيابكم. 14512- حدثنا يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم في قوله: (خذوا زينتكم عند كل مسجد) ، قال: كان ناس يطوفون بالبيت عراة، فنهوا عن ذلك. 14513- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم: (خذوا زينتكم عند كل مسجد) ، قال: كانوا يطوفون بالبيت عراة، فأمروا أن يلبسوا الثياب. (1) الأثر: 14504 - مكرر الأثر السالف، وهناك تخريجه. (2) (( تطواف )) (بكسر التاء) : ثوب كانوا يتخذونه للطواف، قال النووي: (( وكان أهل الجاهلية يطوفون عراة، ويرمون ثيابهم ويتركونها ملقاة على الأرض، ولا يأخذونها أبدًا، ويتركونها تداس بالأرجل حتى تبلى، ويسمى: اللقاء - حتى جاء الإسلام، فأمر الله بستر العورة فقال: خذوا زينتكم عند كل مسجد، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يطوف بالبيت عريان )) وروى (( تطواف )) (بفتح التاء) ، وفسروه بأنه (( ذا تطواف )) ، على حذف المضاف. (3) الأثر: 14506 - مكرر الأثرين السالفين: 14503، 14504، سلف تخريجه في أولهما. وهذا نص حديث مسلم. 14514- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن يمان، عن عثمان بن الأسود، عن مجاهد: (خذوا زينتكم عند كل مسجد) ، قال: ما وارى العورة ولو عبَاءة. 14515- حدثنا عمرو قال: حدثنا يحيى بن سعيد، وأبو عاصم، وعبد الله بن داود، عن عثمان بن الأسود، عن مجاهد في قوله: (خذوا زينتكم عند كل مسجد) ، قال: ما يواري عورتك، ولو عباءة. 14516- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (خذوا زينتكم عند كل مسجد) ، في قريش، لتركهم الثياب في الطواف. 14517- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه. 14518- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي قال، حدثنا سفيان، عن سالم، عن سعيد بن جبير: (خذوا زينتكم عند كل مسجد) ، قال: الثياب. 14519- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا زيد بن حباب، عن إبراهيم، عن نافع، عن ابن طاوس، عن أبيه: (خذوا زينتكم عند كل مسجد) ، قال: الشَّمْلة من الزينة. (1) 14520- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن عيينة، عن عمرو، عن طاوس: (خذوا زينتكم عند كل مسجد) ، قال: الثياب. 14521- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا سويد وأبو أسامة، عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن سعيد بن جبير قال: كانوا يطوفون بالبيت عراة، (1) (( الشملة )) (بفتح فسكون) : كساء دون قطيفة، سمي بذلك لأنه يشمل البدن. ومنه ما نهى رسول الله عنه في الصلاة، وهو (( اشتمال الصماء )) ، وهو أن يشتمل بالثوب حتى يجلل جسده كله، ولا يرفع منه جانبًا فيكون فيه فرجة تخرج منها يده. فطافت امرأة بالبيت وهي عريانة فقالت: الْيَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أَوْ كُلُّهُ ... فَمَا بَدَا مِنْهُ فَلا أُحِلُّهُ 14522- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (خذوا زينتكم عند كل مسجد) ، قال: كان حي من أهل اليمن، كان أحدهم إذا قدم حاجًّا أو معتمرًا يقول: "لا ينبغي أن أطوف في ثوب قد دَنِسْتُ فيه" ، (1) فيقول: من يعيرني مئزرًا؟ فإن قدر على ذلك، وإلا طاف عريانًا، فأنزل الله فيه ما تسمعون: (خذوا زينتكم عند كل مسجد) . 14523- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: قال الله: (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد) يقول: ما يواري العورة عند كل مسجد. 14524- حدثني محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري: أن العرب كانت تطوف بالبيت عراة، إلا الحُمْس، قريش وأحلافهم. فمن جاء من غيرهم وضع ثيابه وطاف في ثياب أحمس، فإنه لا يحل له أن يلبس ثيابه. فإن لم يجد من يعيره من الحمس، فإنه يلقي ثيابه ويطوف عريانًا. وإن طاف في ثياب نفسه، ألقاها إذا قضى طوافه، يحرِّمها، فيجعلها حرامًا عليه. فلذلك قال الله: (خذوا زينتكم عند كل مسجد) . (2) 14525- وبه عن معمر قال، قال ابن طاوس، عن أبيه: الشَّملة، من الزينة. (3) 14526- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا (1) (( الدنس )) في الثوب، لطخ الوسخ ونحوه، حتى في الأخلاق. وعنى بقوله: (( دنست فيه )) ، أي أتيت فيه ما يشين ويعيب من المعاصي. (2) انظر تفسير (( الحمس )) فيما سلف ص: 378، تعليق: 1. (3) الأثر: 14525 - انظر الأثر رقم: 14519. عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (خذوا زينتكم عند كل مسجد) ، الآية، كان ناسٌ من أهل اليمن والأعراب إذا حجوا البيت يطوفون به عُراة ليلا فأمرهم الله أن يلبسوا ثيابهم، ولا يتعرّوا في المسجد. 14527- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: (خذوا زينتكم) ، قال: زينتهم، ثيابهم التي كانوا يطرحونها عند البيت ويتعرّون. 14528- وحدثني به مرة أخرى بإسناده، عن ابن زيد في قوله: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ) ، قال: كانوا إذا جاءوا البيت فطافوا به، حرمت عليهم ثيابهم التي طافوا فيها. فإن وجدوا مَنْ يُعيرهم ثيابًا، وإلا طافوا بالبيت عراة. فقال: (من حرم زينة الله) ، قال: ثياب الله التي أخرج لعباده، الآية. * * * وكالذي قلنا أيضًا قالوا في تأويل قوله: (وكلوا واشربوا ولا تسر فوا) . * ذكر من قال ذلك: 14529- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس قال: أحل الله الأكل والشرب، ما لم يكن سَرَفًا أو مَخِيلة. (1) 14530- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس قوله: (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) ، في الطعام والشراب. 14531- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، (1) (( السرف )) (بفتحتين) : وهو الإسراف، ومجاوزة القصد. و (( المخيلة )) (بفتح الميم وكسر الخاء) : الاختيال والكبر، وحديث ابن عباس المعروف: (( كل ماشئت، والبس ما شئت، ما أخطأتك خلتان: سرف ومخيلة )) ، رواه البخاري. حدثنا أسباط، عن السدي قال: كان الذين يطوفون بالبيت عراة يحرِّمون عليهم الوَدَك ما أقاموا بالموسم، (1) فقال الله لهم: (كلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) ، يقول: لا تسرفوا في التحريم. 14532- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد قال، سمعت مجاهدًا يقول في قوله: (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا) ، قال: أمرهم أن يأكلوا ويشربوا مما رزقهم الله. 14533- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (ولا تسرفوا) ، لا تأكلوا حرامًا، ذلك الإسراف. * * * وقوله (إنه لا يحب المسرفين) ، يقول: إن الله لا يحب المتعدِّين حدَّه في حلال أو حرام، الغالين فيما أحلّ الله أو حرم، بإحلال الحرام وبتحريم الحلال، (2) ولكنه يحبّ أن يحلَّل ما أحل ويحرَّم ما حرم، وذلك العدل الذي أمر به. * * * القول في تأويل قوله: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، لهؤلاء الجهلة من العرب الذين يتعرّون عند طوافهم بالبيت، ويحرمون على أنفسهم ما أحللت لهم من طيبات الرزق: من حرَّم، أيها القوم، عليكم زينة الله التي خلقها لعباده أن تتزيَّنوا بها وتتجملوا بلباسها، والحلال من رزق الله (1) (( الودك )) : دسم اللحم ودهنه الذي يستخرج منه. و (( الموسم )) مجتمع الناس في أيام الحج. (2) انظر تفسير (( الإسراف )) فيما سلف: ص: 176، تعليق: 1، والمراجع هناك. الذي رزق خلقه لمطاعمهم ومشاربهم. (1) * * * واختلف أهل التأويل في المعنيّ: بـ "الطيبات من الرزق" ، بعد إجماعهم على أن "الزينة" ما قلنا. فقال بعضهم: "الطيبات من الرزق" في هذا الموضع، اللحم. وذلك أنهم كانوا لا يأكلونه في حال إحرامهم. * ذكر من قال ذلك منهم: 14534- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي في قوله: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق) ، وهو الودَك. (2) 14535- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق) ، الذي حرموا على أنفسهم. قال: كانوا إذا حجُّوا أو اعتمروا، حرموا الشاة عليهم وما يخرج منها. 14536- وحدثني به يونس مرة أخرى قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (قل من حرم زينة الله) إلى آخر الآية، قال: كان قوم يحرِّمون ما يخرج من الشاة، لبنها وسمنها ولحمها، فقال الله: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق) ، قال: والزينة من الثياب. 14537- حدثني المثنى قال، حدثنا حبان بن موسى قال، أخبرنا ابن المبارك، عن سفيان، عن رجل، عن الحسن قال: لما بعث محمدًا فقال: (1) انظر تفسير (( الزينة )) فيما سلف قريبًا ص: 389، وما بعدها. = وتفسير (( الطيبات )) فيما سلف من فهارس اللغة (طيب) . (2) (( الودك )) سلف تفسيره في ص: 395، تعليق: 1. "هذا نبيي، هذا خياري، استنّوا به" ، خذوا في سَنَنه وسبيله، (1) لم تغلق دونه الأبواب، ولم تُقَمْ دونه الحَجَبَة، (2) ولم يُغْدَ عليه بالجفان، ولم يُرْجع عليه بها، (3) وكان يجلس بالأرض، ويأكل طعامه بالأرض، ويلعق يده، ويلبس الغليظ، ويركب الحمار، ويُرْدِف بعده، (4) وكان يقول: "مَنْ رغب عن سنتي فليس مني" . قال الحسن: فما أكثر الراغبين عن سنته، التاركين لها! ثم إنّ عُلُوجًا فُسَّاقًا، أكلة الربا والغُلول، (5) قد سفَّههم ربي ومقتهم، زعموا أن لا بأس عليهم فيما أكلوا وشربوا، وزخرفوا هذه البيوت، يتأوّلون هذه الآية: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق) ، وإنما جعل ذلك لأولياء الشيطان، قد جعلها ملاعبَ لبطنه وفرجه (6) = من كلام لم يحفظه سفيان. (7) * * * وقال آخرون: بل عنى بذلك ما كانت الجاهلية تحرم من البحائر والسوائب. (1) في المطبوعة: (( في سنته )) ، وقراءتها في المخطوطة ما أثبت. (( السنن )) (بفتحتين) الطريقة: يقال: (( امض على سننك )) ، و (( استقام فلان على سننه )) ، أي طريقته. (2) (( الحجبة )) جمع (( حاجب )) ، وهو الذي يحول بين الناس والملك أن يدخلوا عليه. (3) في المطبوعة: (( ولم يغد عليه بالجبار )) ، علق عليها أنه في نسخة (( بالجباب )) ، وفي المخطوطة: (( بالجبان )) غير منقوطة، وهي خطأ، وصواب قراءتها ما أثبت، كما وردت على الصواب في حلية الأولياء لأبي نعيم 2: 153. و (( الجفان )) جمع (( جفنة )) ، وهي قصعة الطعام العظيمة. ونص أبي نعيم: (( أما والله ما كان يغدي عليه بالجفان ولا يراح )) ، وهو أجود. (4) في المطبوعة: (( ويردف عبده )) ، غير ما في المخطوطة، وفي أبي نعيم: (( ويردف خلفه )) ، وهو بمعنى ما رواه الطبري. أي: يردف خلفه على الدابة رديفًا. (5) في المطبوعة والمخطوطة: (( ثم علوجًا )) بإسقاط (( إن )) ، والصواب من حلية الأولياء. و (( الغلول )) : هو الخيانة في المغنم، والسرقة من الغنيمة. (6) يعني قد جعل الآية بما تأولها به، لعبًا يلعب بتأويله، ليفتح الباب لكل شهوة من شهوات بطنه وفرجه. (7) الأثر: 14537 - الذي لم يحفظه سفيان، حفظه غيره، رواه أبو نعيم في حلية الأولياء 2: 153، 154 من طريق محمد بن محمد، عن الحسن بن أحمد بن محمد، عن أبي زرعة، عن مالك بن إسماعيل، عن مسلمة بن جعفر، عن الحسن، بنحو هذا اللفظ، وهي صفة تحفظ، وموعظة تهدى إلى طغاتنا في زماننا، من الناطقين بغير معرفة ولا علم في فتوى الناس بالباطل الذي زخرفته لهم شياطينهم * ذكر من قال ذلك: 14538- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (قل من حرم زينة الله التي أكل لعباده والطيبات من الرزق) ، وهو ما حرم أهل الجاهلية عليهم من أموالهم: البحيرة، والسائبة، والوصيلة، والحام. 14539- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي، عن ابن عباس قوله: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق) ، قال: إن الجاهلية كانوا يحرمون أشياءَ أحلها الله من الثياب وغيرها، وهو قول الله: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنزلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلالا) ، [سورة يونس: 59] ، وهو هذا، فأنزل الله: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق) * * * القول في تأويل قوله: {قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} قال أبو جعفر: يقول الله تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد = لهؤلاء الذين أمرتك أن تقول لهم: (من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق) ، إذ عَيُّوا بالجواب، (1) فلم يدروا ما يجيبونك =: زينة الله التي أخرج لعباده، وطيبات رزقه، للذين صدّقوا الله ورسوله، واتبعوا ما أنزل إليك من ربك، في الدنيا، وقد شركهم في ذلك فيها من كفر بالله ورسوله وخالف (1) (( عي بالجواب )) : إذا عجز عنه، وأشكل عليه، ولم يهتد إلى صوابه. أمر ربه، وهي للذين آمنوا بالله ورسوله خالصة يوم القيامة، لا يشركهم في ذلك يومئذ أحدٌ كفر بالله ورسوله وخالف أمر ربه. (1) * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 14540- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: (قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة) ، يقول: شارك المسلمون الكفار في الطيبات، فأكلوا من طيبات طعامها، ولبسوا من خِيار ثيابها، ونكحوا من صالح نسائها، وخلصوا بها يوم القيامة. 14541- وحدثني به المثنى مرة أخرى بهذا الإسناد بعينه، عن ابن عباس فقال: (قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا) ، يعني: يشارك المسلمون المشركين في الطيبات في الحياة الدنيا، ثم يُخْلص الله الطيبات في الآخرة للذين آمنوا، وليس للمشركين فيها شيء. 14542- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: قال الله لمحمد صلى الله عليه وسلم: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة) ، يقول: قل هي في الآخرة خالصة لمن آمن بي في الدنيا، لا يشركهم فيها أحدٌ في الآخرة. (2) وذلك أن الزينة في الدنيا لكل بني آدم، فجعلها الله خالصة لأوليائه في الآخرة. 14543- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سلمة بن نبيط، عن (1) انظر تفسير (( خالصة )) فيما سلف 2: 365 /12: 148، 149. (2) أسقطت المطبوعة: (( في الآخرة )) من آخر هذه الجملة. الضحاك: (قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة) ، قال: اليهود والنصارى يشركونكم فيها في الدنيا، وهي للذين آمنوا خالصة يوم القيامة. 14544- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الحسن: (قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة) ، خالصةً للمؤمنين في الآخرة، لا يشاركهم فيها الكفار. فأما في الدنيا فقد شاركوهم. 14545- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة) ، مَنْ عمل بالإيمان في الدنيا خلصت له كرامة الله يوم القيامة، ومَنْ ترك الإيمان في الدنيا قَدِم على ربّه لا عذرَ له. 14546- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السديّ: (قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا) ، يشترك فيها معهم المشركون = (خالصة يوم القيامة) ، للذين آمنوا. 14547- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة) ، يقول: المشركون يشاركون المؤمنين في الدنيا في اللباس والطعام والشراب، ويوم القيامة يَخْلُص اللباس والطعام والشراب للمؤمنين، وليس للمشركين في شيء من ذلك نصيبٌ. 14548- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: الدنيا يصيب منها المؤمن والكافر، ويخلص خيرُ الآخرة للمؤمنين، وليس للكافر فيها نصيب. 14549- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: (قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة) ، قال: هذه يوم https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف الحلقة (667) صــ 401 إلى صــ 410 القيامة للذين آمنوا، لا يشركهم فيها أهل الكفر، ويشركونهم فيها في الدنيا. وإذا كان يوم القيامة، فليس لهم فيها قليل ولا كثير. * * * وقال سعيد بن جبير في ذلك بما:- 14550- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا إسماعيل بن أبان، وحبويه الرازي أبو يزيد، عن يعقوب القمي، عن سعيد بن جبير: (قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة) ، قال: ينتفعون بها في الدنيا، ولا يتبعهم إثمها. (1) * * * واختلفت القرأة في قراءة قوله: "خالصة" . فقرأ ذلك بعض قرأة المدينة: "خَالِصَةٌ" ، برفعها، بمعنى: قل هي خالصة للذين آمنوا. * * * وقرأه سائر قرأة الأمصار: (خَالِصَةً) ، بنصبها على الحال من "لهم" ، وقد ترك ذكرها من الكلام اكتفاءً منها بدلالة الظاهر عليها، على ما قد وصفت في تأويل الكلام أن معنى الكلام: قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا مشتركة، وهي لهم في الآخرة خالصة. ومن قال ذلك بالنصب، جعل خبر "هي" في قوله: (للذين آمنوا) (2) * * * قال أبو جعفر: وأولى القراءتين عندي بالصحة، قراءة من قرأ نصبًا، لإيثار العرب النصبَ في الفعل إذا تأخر بعد الاسم والصفة، (3) وإن كان الرفع جائزًا، غير أن ذلك أكثر في كلامهم. * * * (1) الأثر: 14550 - (( إسماعيل بن أبان الوراق الأزدي، أبو إسحاق )) ، شيعي، ثقة صدوق في الرواية. مترجم في التهذيب، والكبير 1 /1 / 347، وابن أبي حاتم 1 /1 / 160. و (( حبويه الرازي )) ، أبو يزيد، مضت ترجمته برقم: 14365. (2) انظر معاني القرآن للفراء 1: 376، 377. (3) (( الفعل )) ، يعني المصدر. و (( الاسم )) ، هو المشتق. و (( الصفة )) ، حرف الجر والظرف. انظر فهارس المصطلحات. وقد أسلف أبو جعفر في 2: 365 أن (( خالصة )) مصدر مثل (( العافية )) القول في تأويل قوله: {كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: كما بينت لكم الواجب عليكم في اللباس والزينة، والحلال من المطاعم والمشارب والحرام منها، وميزت بين ذلك لكم، أيها الناس، كذلك أبيِّن جميع أدلتي وحججي، وأعلامَ حلالي وحرامي وأحكامي، (1) لقوم يعلمون ما يُبَيَّن لهم، ويفقهون ما يُمَيَّز لهم. * * * القول في تأويل قوله: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد: قل، يا محمد، لهؤلاء المشركين الذين يتجرّدون من ثيابهم للطواف بالبيت، ويحرمون أكل طيبات ما أحل الله لهم من رزقه: أيها القوم، إن الله لم يحرم ما تحرمونه، بل أحل ذلك لعباده المؤمنين وطيَّبه لهم، وإنما حرم ربِّي القبائح من الأشياء = وهي "الفواحش" (2) = "ما ظهر منها" ، فكان علانية = "وما بطن" ، منها فكان سرًّا في خفاء. (3) * * * وقد روي عن مجاهد في ذلك ما:- 14551- حدثني الحارث قال، حدثني عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد (1) انظر تفسير (( التفصيل )) فيما سلف ص: 237، تعليق: 1، والمراجع هناك. = وتفسير (( آية )) فيما سلف من فهرس اللغة (أيي) . (2) انظر تفسير (( الفاحشة )) فيما سلف ص: 377، تعليق: 2، والمراجع هناك. (3) انظر تفسير (( ظهر )) و (( يظن )) فيما سلف ص: 218، تعليق: 2، والمراجع هناك. قال، سمعت مجاهدًا يقول في قوله: (ما ظهر منها وما بطن) ، قال: "ما ظهر منها" ، طوافُ أهل الجاهلية عراة= "وما بطن" ، الزنى. * * * وقد ذكرت اختلاف أهل التأويل في تأويل ذلك بالروايات فيما مضى، فكرهت إعادته. (1) * * * وأما "الإثم" ، فإنه المعصية = "والبغي" ، الاستطالة على الناس. (2) * * * يقول تعالى ذكره: إنما حرم ربي الفواحش مع الإثم والبغي على الناس. * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 14552- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (والإثم والبغي) ، أما "الإثم" فالمعصية = و "البغي" ، أن يبغي على الناس بغير الحق. 14553- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد قال، سمعت مجاهدًا في قوله: (ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي) ، قال: نهى عن "الإثم" ، وهي المعاصي كلها = وأخبر أن الباغيَ بَغْيُه كائنٌ على نفسه. (3) * * * (1) انظر ما سلف ص 218، تعليق: 2، والمراجع هناك. (2) انظر تفسير (( الإثم )) فيما سلف من فهارس اللغة (أثم) . = وتفسير (( البغي )) فيما سلف 2: 342 /3: 322 / 4: 281 / 6: 276. (3) في المخطوطة: (( أن اكتفى بغيه على نفسه )) ، وهو شيء لا يقرأ، والذي في المطبوعة أشبه بالصواب. القول في تأويل قوله: {وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنزلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (33) } قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: إنما حرم ربي الفواحش والشرك به، أن تعبدوا مع الله إلهًا غيره = (ما لم ينزل به سلطانًا) ، يقول: حرم ربكم عليكم أن تجعلوا معه في عبادته شِرْكًا لشيء لم يجعل لكم في إشراككم إياه في عبادته حجة ولا برهانًا، وهو "السلطان" (1) = (وأن تقولوا على الله ما لا تعملون) ، يقول: وأن تقولوا إن الله أمركم بالتعرِّي والتجرُّد للطواف بالبيت، وحرم عليكم أكل هذه الأنعام التي حرمتموها وسيَّبتموها وجعلتموها وصائل وحوامي، وغير ذلك مما لا تعلمون أن الله حرّمه، أو أمر به، أو أباحه، فتضيفوا إلى الله تحريمه وحَظْره والأمر به، فإن ذلك هو الذي حرمه الله عليكم دون ما تزعمون أن الله حرمه، أو تقولون إن الله أمركم به، جهلا منكم بحقيقة ما تقولون وتضيفونه إلى الله. * * * القول في تأويل قوله: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (34) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره تهدُّدًا للمشركين الذين أخبر جل ثناؤه عنهم أنهم كانوا إذا فعلوا فاحشة قالوا: "وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها" (2) = ووعيدًا منه لهم على كذبهم عليه، وعلى إصرارهم على الشرك به والمقام على كفرهم = ومذكرًا لهم ما أحلّ بأمثالهم من الأمم الذين كانوا قبلهم=: (ولكل أمة أجل) ، (1) انظر تفسير (( السلطان )) فيما سلف 11: 490، تعليق: 1، والمراجع هناك. (2) في المطبوعة: (( مهددًا للمشركين )) ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو ألصق بالسياق. يقول: ولكل جماعة اجتمعت على تكذيب رُسل الله، (1) وردِّ نصائحهم، والشرك بالله، مع متابعة ربهم حججه عليهم = "أجل" ، يعني: وقت لحلول العقوبات بساحتهم، ونزول المثُلات بهم على شركهم (2) = (فإذا جاء أجلهم) ، يقول: فإذا جاء الوقت الذي وقّته الله لهلاكهم، وحلول العقاب بهم = (لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) ، يقول: لا يتأخرون بالبقاء في الدنيا، ولا يُمَتَّعون بالحياة فيها عن وقت هلاكهم وحين حلول أجل فنائهم، (3) ساعة من ساعات الزمان = (ولا يستقدمون) ، يقول: ولا يتقدّمون بذلك أيضًا عن الوقت الذي جعله الله لهم وقتًا للهلاك. * * * القول في تأويل قوله: {يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (35) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره معرِّفًا خلقه ما أعدَّ لحزبه وأهل طاعته والإيمان به وبرسوله، وما أعدّ لحزب الشيطان وأوليائه والكافرين به وبرسله: (يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم) ، يقول: إن يجئكم رسلي الذين أرسلهم إليكم بدعائكم إلى طاعتي، والانتهاء إلى أمري ونهيي = "منكم" ، يعني: من أنفسكم، ومن عشائركم وقبائلكم = (يقصون عليكم آياتي) ، يقول: يتلون عليكم آيات كتابي، ويعرّفونكم أدلتي وأعلامي على صدق ما جاؤوكم به من عندي، وحقيقة (1) انظر تفسير (( الأمة )) فيما سلف ص: 37، تعليق: 2، والمراجع هناك. (2) انظر تفسير (( الأجل )) فيما سلف ص: 117، تعليق: 1 والمراجع هناك. (3) في المطبوعة: (( يتمتعون )) ، والصواب من المخطوطة. ما دعوكم إليه من توحيدي (1) = (فمن اتقى وأصلح) ، يقول: فمن آمن منكم بما أتاه به رُسلي مما قص عليه من آياتي وصدَّق، واتقى الله فخافه بالعمل بما أمره به والانتهاء عما نهاه عنه على لسان رسوله = (وأصلح) ، يقول: وأصلح أعماله التي كان لها مفسدًا قبل ذلك من معاصي الله بالتحوُّب منها (2) = (فلا خوف عليهم) ، يقول: فلا خوف عليهم يوم القيامة من عقاب الله إذا وردوا عليه = (ولا هم يحزنون) ، على ما فاتهم من دنياهم التي تركوها، وشهواتهم التي تجنَّبوها، اتباعًا منهم لنهي الله عنها، إذا عاينوا من كرامة الله ما عاينوا هنالك. (3) 14554- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا هشام أبو عبد الله قال، حدثنا هياج قال، حدثنا عبد الرحمن بن زياد، عن أبي سيّار السُّلَمي قال، إن الله جعل آدم وذريته في كفّه فقال: (يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليهم آياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) ، ثم نظر إلى الرسل فقال: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ. وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) ، [سورة المؤمنون: 51-52] ، ثم بَثَّهم. (4) * * * فإن قال قائل: ما جواب قوله: (إما يأتينكم رسل منكم) ؟ (1) انظر تفسير (( قص )) فيما سلف ص: 120، 307 = وتفسير (( آية )) فيما سلف من فهارس اللغة (أيي) . (2) (( تحوب من إثمه )) ، أي: تأثيم منه، أي: ترك الإثم وتوقاه. = وانظر تفسير (( أصلح )) فيما سلف من فهارس اللغة (صلح) . (3) انظر تفسير (( لا خوف عليهم ولا هم يحزنون )) في نظائرها فيما سلف (خوف) (حزن) من فهارس اللغة. (4) الأثر: 14554 - هذا إسناد مبهم لم أستطع تفسيره. (( أبو سيار السلمي )) لم أعرف من يكون، فمن أجل ذلك لم أستطع أن أميز من يكون: (( عبد الرحمن بن زياد )) ، ولا (( هياج )) . والأثر، ذكره السيوطي في الدر المنثور 3: 82، ولم ينسبه لغير ابن جرير. قيل: قد اختلف أهل العربية في ذلك. فقال بعضهم في ذلك: الجوابُ مضمرٌ، يدل عليه ما ظهر من الكلام، وذلك قوله: (فمن اتقى وأصلح) . وذلك لأنه حين قال: (فمن اتقى وأصلح) ، كأنه قال: فأطيعوهم. * * * وقال آخرون منهم: الجواب: "فمن اتقى" ، لأن معناه: فمن اتقى منكم وأصلح. قال: ويدل على أنّ ذلك كذلك، تبعيضه الكلام، فكان في التبعيض اكتفاء من ذكر "منكم" . * * * القول في تأويل قوله: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (36) } قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: وأما من كذّب بإيتاء رسلي التي أرسلتها إليه، وجحد توحيدي، وكفر بما جاء به رسلي، واستكبر عن تصديق حُجَجي وأدلّتي = (فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) ، يقول: هم في نار جهنم ماكثون، لا يخرجون منها أبدًا. (1) * * * (1) انظر تفسير ألفاظ هذه الآية فيما سلف من فهارس اللغة. القول في تأويل قوله: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فمن أخطأ فعلا وأجهلُ قولا وأبعد ذهابًا عن الحق والصواب (1) = (ممن افترى على الله كذبًا) ، يقول: ممن اختلق على الله زُورًا من القول، فقال إذا فعل فاحشة: إن الله أمرنا بها (2) = (أو كذب بآياته) ، يقول: أو كذب بأدلته وأعلامه الدّالة على وحدانيته ونبوّة أنبيائه، فجحد حقيقتها ودافع صحتها = (أولئك) يقول: مَنْ فعل ذلك، فافترى على الله الكذب وكذب بآياته = (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) ، يقول: يصل إليهم حظهم مما كتب الله لهم في اللوح المحفوظ. (3) * * * ثم اختلف أهل التأويل في صفة ذلك "النصيب" ، الذي لهم في "الكتاب" ، وما هو؟ فقال بعضهم: هو عذاب الله الذي أعدَّه لأهل الكفر به. * ذكر من قال ذلك. 14555- حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا مروان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح قوله: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) ، أي من العذاب. 14556- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن إسماعيل، عن أبي صالح، مثله. (1) انظر تفسير (( الظلم )) فيما سلف من فهارس اللغة. (2) انظر تفسير (( افترى )) فيما سلف ص: 189، تعليق: 2، والمراجع هناك. (3) انظر تفسير (( نال )) فيما سلف 3: 20 /6: 587. = وتفسير (( نصيب )) فيما سلف ص: 131، تعليق: 2، والمراجع هناك. 14557- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) ، يقول: ما كتب لهم من العذاب. 14558- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن كثير بن زياد، عن الحسن في قوله: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) ، قال: من العذاب. 14559- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو معاوية، عن جويبر، عن أبي سهل، عن الحسن، قال: من العذاب. 14560- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن رجل، عن الحسن، قال: من العذاب. * * * وقال آخرون: معنى ذلك: أولئك ينالهم نصيبهم مما سبق لهم من الشقاء والسعادة. * ذكر من قال ذلك: 14561- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن شريك، عن سعيد: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) ، قال: من الشِّقوة والسعادة. 14562- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) ، كشقي وسعيد. (1) 14563- حدثنا واصل بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن فضيل، عن الحسن ابن عمرو الفقيمي، عن الحكم قال: سمعت مجاهدًا يقول: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) ، قال: هو ما سبق. 14564- حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن (1) يعني كقوله في [سورة هود: 105] : "فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ" . ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) ، ما كتب لهم من الشقاوة والسعادة. 14565- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (ينالهم نصيبهم من الكتاب) ، ما كتب عليهم من الشقاوة والسعادة، كشقي وسعيد. 14566-. . . . قال، حدثنا ابن المبارك، عن شريك، عن جابر، عن مجاهد، عن ابن عباس: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) ، من الشقاوة والسعادة. 14567- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير وابن إدريس، عن الحسن بن عمرو، عن الحكم، عن مجاهد: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) ، قال: ما قد سبق من الكتاب. 14568- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حميد بن عبد الرحمن، عن فضيل بن مرزوق، عن عطية: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) ، قال: ما سبق لهم في الكتاب. 14569-. . . . قال، حدثنا سويد بن عمرو ويحيى بن آدم، عن شريك، عن سالم، عن سعيد: (أولئك ينالهم نصيبهم) ، قال: من الشقاوة والسعادة. 14570-. . . . قال: حدثنا أبو معاوية، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: ما قُضي أو قُدِّر عليهم. 14571- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: قال ابن عباس: (ينالهم نصيبهم من الكتاب) ، ينالهم الذي كتب عليهم من الأعمال. 14572- حدثنا عمرو بن عبد الحميد قال، حدثنا مروان بن معاوية، عن إسماعيل بن سميع، عن بكر الطويل، عن مجاهد في قول الله: (أولئك https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف الحلقة (668) صــ 411 إلى صــ 420 ينالهم نصيبهم من الكتاب) ، قال: قوم يعملون أعمالا لا بُدَّ لهم من أن يعملوها. (1) * * * وقال آخرون: معنى ذلك، أولئك ينالهم نصيبهم من كتابهم الذي كتب لهم أو عليهم، بأعمالهم التي عملوها في الدنيا من خير وشر. * ذكر من قال ذلك: 14573- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) ، يقول: نصيبهم من الأعمال، من عمل خيرًا جُزي به، ومن عمل شرًّا جزي به. 14574- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) قال: من أحكام الكتاب، على قدر أعمالهم. 14575- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) ، قال: ينالهم نصيبهم في الآخرة من أعمالهم التي عملوا وأسْلَفوا. 14576- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد، عن سعيد، عن قتادة قوله: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) ، أي: أعمالهم، أعمال السوء التي عملوها وأسلفوها. 14577- حدثني أحمد بن المقدام قال، حدثنا المعتمر قال، قال أبي: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) ، زعم قتادة: من أعمالهم التي عملوا. 14578- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، حدثنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك قوله: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) ، (1) الأثر: 14572 - (( إسماعيل بن سميع الحنفي )) ، مضى برقم: 4791، 4793. و (( بكر الطويل )) كأنه هو (( بكر بن يزيد الطويل الحمصي )) ، روى عن أبي هريرة الحمصي، روى عنه أبو سعيد الشج، مترجم في ابن أبي حاتم 1 / 1 / 394. يقول: ينالهم نصيبهم من العمل. يقول: إن عمل من ذلك نصيبَ خير جُزِي خيرًا، وإن عمل شرًّا جُزِي مثله. * * * وقال آخرون: معنى ذلك: ينالهم نصيبهم مما وُعِدوا في الكتاب من خير أو شر. * ذكر من قال ذلك: 14579- حدثنا علي بن سهل قال، حدثنا زيد بن أبي الزرقاء، عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد، عن ابن عباس في هذه الآية: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) ، قال: من الخير والشر. 14580-. . . قال حدثنا زيد، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد قال: ما وُعدوا. 14581- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) ، قال: ما وعدوا. 14582- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) ، قال: ما وعدوا فيه من خير أو شر. 14583-. . . . قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد، عن ليث، عن ابن عباس: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) ، قال: ما وُعِدوا مثله. 14584- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك قال: ما وُعِدوا فيه من خير أو شر. 14585- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو نعيم، قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) ، قال: ما وُعِدوا فيه. 14586- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد في قوله: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) ، قال: ما وعدوا من خير أو شر. 14587- حدثنا عمرو بن عبد الحميد قال، حدثنا مروان بن معاوية، عن الحسن بن عمرو، عن الحكم، عن مجاهد في قول الله: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) ، قال: ينالهم ما سبق لهم من الكتاب. * * * وقال آخرون: معنى ذلك: أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب الذي كتبه الله على من افترى عليه. * ذكر من قال ذلك: 14588- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) ، يقول: ينالهم ما كتب عليهم. يقول: قد كتب لمن يفتري على الله أنّ وجهه مسوَدٌّ. * * * وقال آخرون: معنى ذلك: أولئك ينالهم نصيبهم مما كتب لهم من الرزق والعمر والعمل. * ذكر من قال ذلك: 14589- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن بن سعد قال، حدثنا أبو جعفر، عن الربيع بن أنس: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) ، مما كتب لهم من الرزق. 14590-. . . . قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا محمد بن حرب، عن ابن لهيعة، عن أبي صخر، عن القرظي: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) ، قال: عمله ورزقه وعمره. 14591- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) ، قال: من الأعمال والأرزاق والأعمار، فإذا فني هذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم، وقد فرغوا من هذه الأشياء كلها. * * * قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب، قولُ من قال: معنى ذلك: أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب، مما كتب لهم من خير وشر في الدنيا، ورزق وعمل وأجل. وذلك أن الله جل ثناؤه أتبع ذلك قوله: (حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله) ، فأبان بإتباعه ذلك قولَه: (أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب) ، أن الذي ينالهم من ذلك إنما هو ما كان مقضيًّا عليهم في الدنيا أن ينالهم، لأنه قد أخبر أن ذلك ينالهم إلى وقت مجيئهم رسلَه لتقبض أرواحهم. ولو كان ذلك نصيبهم من الكتاب، أو مما قد أعدّ لهم في الآخرة، لم يكن محدودًا بأنه ينالهم إلى مجيء رسل الله لوفاتهم، لأن رسل الله لا تجيئهم للوفاة في الآخرة، وأن عذابهم في الآخرة لا آخر له ولا انقضاء، فإن الله قد قضى عليهم بالخلود فيه. فبيِّنٌ بذلك أن معناه ما اخترنا من القول فيه. * * * القول في تأويل قوله: {حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (37) } قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (حتى إذا جاءتهم رسلنا) ، إلى أن جاءتهم رسلنا. يقول جل ثناؤه: وهؤلاء الذين افتروا على الله الكذب، أو كذبوا بآيات ربهم، ينالهم حظوظهم التي كتب الله لهم، وسبق في علمه لهم من رزق وعمل وأجل وخير وشر في الدنيا، إلى أن تأتيهم رسلنا لقبض أرواحهم. فإذا جاءتهم رسلنا، يعني ملك الموت وجنده = (يتوفونهم) ، يقول: يستوفون عددهم من الدنيا إلى الآخرة (1) = (قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله) ، يقول: قالت الرسل: أين الذين كنتم تدعونهم أولياء من دون الله وتعبدونهم، لا يدفعون عنكم ما قد جاءكم من أمر الله الذي هو خالقكم وخالقهم، وما قد نزل بساحتكم من عظيم البلاء؟ وهلا يُغيثونكم من كرب ما أنتم فيه فينقذونكم منه؟ فأجابهم الأشقياء فقالوا: ضَلَّ عنا أولياؤنا الذين كنا ندعو من دون الله. يعني بقوله: (ضلوا) ، جاروا وأخذوا غير طريقنا، وتركونا عند حاجتنا إليهم فلم ينفعونا. (2) يقول الله جل ثناؤه: وشهد القوم حينئذ على أنفسهم أنهم كانوا كافرين بالله، جاحدين وحدانيته. * * * (1) انظر تفسير (( التوفي )) فيما سلف: 11: 409، تعليق: 3، والمراجع هناك. (2) انظر تفسير (( الضلال )) فيما سلف من فهارس اللغة (ضلل) . القول في تأويل قوله: {قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا} قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله جل ثناؤه عن قيله لهؤلاء المفترين عليه، المكذبين آياته يوم القيامة. يقول تعالى ذكره: قال لهم حين وردوا عليه يوم القيامة، ادخلوا، أيها المفترون على ربكم، المكذبون رسله، في جماعات من ضُرَبائكم (1) = (قد خلت من قبلكم) ، يقول: قد سلفت من قبلكم (2) = "من الجن والإنس في النار" ، ومعنى ذلك: ادخلوا في أمم هي في النار، قد خلت (1) انظر تفسير (( أمة )) فيما سلف ص: 405، تعليق: 1، والمراجع هناك. (2) انظر تفسير (( خلا )) فيما سلف 3: 100، 128 / 4: 289 / 7: 228. من قبلكم من الجن والإنس = وإنما يعني بـ "الأمم" ، الأحزابَ وأهلَ الملل الكافرة = (كلما دخلت أمة لعنت أختها) ، يقول جل ثناؤه: كلما دخلت النارَ جماعةٌ من أهل ملة = لعنت أختها، يقول: شتمت الجماعة الأخرى من أهل ملتها، تبرِّيًا منها. (1) وإنما عنى بـ "الأخت" ، الأخوة في الدين والملة، وقيل: "أختها" ، ولم يقل: "أخاها" ، لأنه عنى بها "أمة" وجماعة أخرى، كأنه قيل: كلما دخلت أمة لعنت أمة أخرى من أهل ملتها ودينها. (2) * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 14592- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (كلما دخلت أمة لعنت أختها) ، يقول: كلما دخل أهل ملة لعنوا أصحابهم على ذلك الدين، (3) يلعن المشركون المشركين، واليهودُ اليهودَ، والنصارى النصارى، والصابئون الصابئين، والمجوسُ المجوسَ، تلعن الآخرةُ الأولى. * * * القول في تأويل قوله: {حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: حتى إذا تداركت الأمم في النار جميعًا، يعني اجتمعت فيها. * * * (1) انظر تفسير (( اللعن )) فيما سلف 10: 489، تعليق: 1. (2) انظر معاني القرآن للفراء 1: 378. (3) في المطبوعة والمخطوطة: (( كلما دخلت أهل ملة )) ، والصواب ما أثبت. يقال: "قد ادَّاركوا" ، و "تداركوا" ، إذا اجتمعوا. (1) * * * يقول: اجتمع فيها الأوَّلون من أهل الملل الكافرة والآخِرون منهم. * * * القول في تأويل قوله: {قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ (38) } قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله جل ثناؤه عن محاورة الأحزاب من أهل الملل الكافرة في النار يوم القيامة. يقول الله تعالى ذكره: فإذا اجتمع أهل الملل الكافرة في النار فادّاركوا، قالت أخرى أهل كل ملة دخلت النار = الذين كانوا في الدنيا بعد أولى منهم تَقَدَّمتها وكانت لها سلفًا وإمامًا في الضلالة والكفر = لأولاها الذين كانوا قبلهم في الدنيا: ربنا هؤلاء أضلونا عن سبيلك، ودعونا إلى عبادة غيرك، وزيَّنوا لنا طاعة الشيطان، فآتهم اليوم من عذابك الضعفَ على عذابنا، كما:- 14593- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "قالت أخراهم" ، الذين كانوا في آخر الزمان = "لأولاهم" ، الذين شرعوا لهم ذلك الدين = (ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابًا ضعفًا من النار) * * * وأما قوله: (قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون) ، فإنه خبر من الله عن جوابه لهم، يقول: قال الله للذين (1) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 214، وفي نصه زيادة حسنة: (( ويقال: تدارك لي عليه شيء، أي اجتمع لي عنده شيء. وهو مدغم التاء في الدال، فثقلت الدال )) . يدعونه فيقولون: "ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابًا ضعفًا من النار" =: لكلكم، أوَّلكم وآخركم، وتابعوكم ومُتَّبَعوكم = "ضعف" ، يقول: مكرر عليه العذاب. * * * و "ضعف الشيء" ، مثله مرة. * * * وكان مجاهد يقول في ذلك ما:- 14594- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (عذابًا ضعفًا من النار قال لكل ضعف) ، مضعّف. 14595- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 14596- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال الله: (لكل ضعف) ، للأولى، وللآخرة ضعف. 14597- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان قال، حدثني غير واحد، عن السدي، عن مرة، عن عبد الله: (ضعفًا من النار) ، قال: أفاعي. 14598- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا سفيان، عن السدي، عن مرة، عن عبد الله: (فآتهم عذابًا ضعفًا من النار) ، قال: حيّات وأفاعي. * * * وقيل: إن "المضَعَّف" ، في كلام العرب، ما كان ضعفين، (1) و "المضاعف" ، ما كان أكثر من ذلك. * * * وقوله: (ولكن لا تعلمون) ، يقول: ولكنكم، يا معشر أهل النار، لا تعلمون ما قدْرُ ما أعدّ الله لكم من العذاب، فلذلك تسأل الضعفَ منه الأمةُ الكافرةُ الأخرى لأختها الأولى. * * * القول في تأويل قوله: {وَقَالَتْ أُولاهُمْ لأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (39) } قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: وقالت أولى كل أمة وملة سبقت في الدنيا، لأخراها الذين جاؤوا من بعدهم، وحَدَثوا بعد زمانهم فيها، فسلكوا سبيلهم واستنوا سنتهم: (فما كان لكم علينا من فضل) ، وقد علمتم ما حل بنا من عقوبة الله جل ثناؤه بمعصيتنا إياه وكفرنا بآياته، بعدما جاءتنا وجاءتكم بذلك الرسل والنذر، (2) فهل أنَبْتم إلى طاعة الله، (3) وارتدعتم عن غوايتكم وضلالتكم؟ فانقضت حجة القوم وخُصِموا ولم يطيقوا جوابًا بأن يقولوا: "فضِّلنا عليكم إذ اعتبرنا بكم فآمنا بالله وصدقنا رسله" ، (4) قال الله لجميعهم: فذوقوا جميعكم، أيها الكفرة، عذابَ جهنم، (5) بما كنتم في (1) في المطبوعة: (( الضعف، في كلام العرب )) ، والصواب من المخطوطة. (2) في المطبوعة: (( وكفرنا به وجاءتنا وجاءتكم بذلك الرسل )) ، وفي المخطوطة: (( وكفرنا به ما جاءتنا وجاءتكم )) ، وهو غير مستقيم، صوابه إن شاء الله ما أثبت. وهو سياق الآيات قبلها. هكذا استظهرته من تفسير الآيات السالفة. (3) في المطبوعة: (( هل انتهيتم )) ، وفي المخطوطة: (( هل أسم )) ، وهذا صواب قراءتها، وزدت الفاء في أول (( هل )) ، لاقتضاء سياق الكلام إثباتها. (4) في المطبوعة: (( إنا اعتبرنا بكم )) وفي المخطوطة: (( إذا اعتبرنا بكم )) ، والصواب ما أثبت. (5) انظر تفسير: (( ذوقوا العذاب )) فيما سلف 11: 420، تعليق: 1، والمراجع هناك. الدنيا تكسبون من الآثام والمعاصي، وتجترحون من الذنوب والإجرام. (1) * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 14599- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا المعتمر قال، سمعت عمران، عن أبي مجلز: (وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون) ، قال: يقول: فما فَضْلكم علينا، وقد بُيِّن لكم ما صنع بنا، وحُذِّرتم؟ 14600- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل، قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل) ، فقد ضللتم كما ضللنا. * * * وكان مجاهد يقول في هذا بما:- 14601- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن أبن أبي نجيح، عن مجاهد: (فما كان لكم علينا من فضل) ، قال: من التخفيف من العذاب. 14602- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (فما كان لكم علينا من فضل) ، قال: من تخفيف. * * * وهذا القول الذي ذكرناه عن مجاهد، قولٌ لا معنى له لأن قول القائلين: (1) انظر تفسير (( كسب )) فيما سلف ص: 286، تعليق: 3، والمراجع هناك. https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف الحلقة (669) صــ 421 إلى صــ 430 "فما كان لكم علينا من فضل" لمن قالوا ذلك، إنما هو توبيخ منهم على ما سلف منهم قبل تلك الحال، يدل على ذلك دخول "كان" في الكلام. ولو كان ذلك منهم توبيخًا لهم على قيلهم الذي قالوا لربهم: "آتهم عذابًا ضعفًا من النار" ، لكان التوبيخ أن يقال: "فما لكم علينا من فضل، في تخفيف العذاب عنكم، وقد نالكم من العذاب ما قد نالنا" ، ولم يقل: "فما كان لكم علينا من فضل" . * * * القول في تأويل قوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن الذين كذبوا بحججنا وأدلتنا فلم يصدقوا بها، ولم يتبعوا رسلنا (1) = (واستكبروا عنها) ، يقول: وتكبروا عن التصديق بها وأنفوا من اتباعها والانقياد لها تكبرًا (2) = "لا تفتح لهم" ، لأرواحهم إذا خرجت من أجسادهم = "أبواب السماء" ، ولا يصعد لهم في حياتهم إلى الله قول ولا عمل، لأن أعمالهم خبيثة، وإنما يُرْفع الكلم الطيبُ والعملُ الصالح، كما قال جل ثناؤه: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) [سورة فاطر: 10] . * * * ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: (لا تفتح لهم أبواب السماء) . فقال بعضهم: معناه: لا تفتح لأرواح هؤلاء الكفار أبواب السماء. * ذكر من قال ذلك: 13603- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يعلى، عن أبي سنان، عن الضحاك، عن ابن عباس: (لا تفتح لهم أبواب السماء) ، قال: عنى بها الكفار، (1) انظر تفسير (( الآية )) فيما سلف من فهارس اللغة (أيي) . (2) انظر تفسير (( الاستكبار )) فيما سلف 11: 540. أنّ السماء لا تفتح لأرواحهم، وتفتح لأرواح المؤمنين. 14604- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو معاوية، عن أبي سنان، عن الضحاك قال، قال ابن عباس: تُفتح السماء لروح المؤمن، ولا تفتح لروح الكافر. 14605- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (لا تفتح لهم أبواب السماء) ، قال: إن الكافر إذا أُخِذ روحُه، ضربته ملائكة الأرض حتى يرتفع إلى السماء، فإذا بلغ السماء الدنيا ضربته ملائكة السماء فهبط، فضربته ملائكة الأرض فارتفع، فإذا بلغ السماء الدنيا ضربته ملائكة السماء الدنيا فهبط إلى أسفل الأرضين. وإذا كان مؤمنًا نفخ روحه، (1) وفتحت له أبواب السماء، فلا يمرّ بملك إلا حيَّاه وسلم عليه، حتى ينتهي إلى الله، فيعطيه حاجته، ثم يقول الله: ردّوا روحَ عبدي فيه إلى الأرض، فإني قضيتُ من التراب خلقه، وإلى التراب يعود، ومنه يخرج. * * * وقال آخرون: معنى ذلك أنه لا يصعد لهم عمل صالح ولا دعاءٌ إلى الله. * ذكر من قال ذلك: 14606- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبيد الله، عن سفيان، عن ليث، عن عطاء، عن ابن عباس: (لا تفتح لهم أبواب السماء) ، لا يصعد لهم قولٌ ولا عمل. 14607- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء) ، يعني: لا يصعد إلى الله من عملهم شيء. 14608- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (لا تفتح لهم أبواب السماء) ، يقول: لا تفتح لخير يعملون. (1) في المطبوعة: (( وإذا كان مؤمنًا أخذ روحه )) ، وأثبت ما في المخطوطة. 14609- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد: (لا تفتح لهم أبواب السماء) ، قال: لا يصعد لهم كلامٌ ولا عمل. 14610- حدثنا مطر بن محمد الضبي قال، حدثنا عبد الله بن داود قال، حدثنا شريك، عن منصور، عن إبراهيم، في قوله: (لا تفتح لهم أبواب السماء) ، قال: لا يرتفع لهم عمل ولا دعاء. (1) 14611- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن شريك، عن سالم، عن سعيد: (لا تفتح لهم أبواب السماء) ، قال: لا يرتفع لهم عمل ولا دعاء. 14612- حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن سعيد: (لا تفتح لهم أبواب السماء) ، قال: لا يرفع لهم عملٌ صالح ولا دعاء. * * * وقال آخرون: معنى ذلك: لا تفتح أبواب السماء لأرواحهم ولا لأعمالهم. * ذكر من قال ذلك: 14613- حدثني القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: (لا تفتح لهم أبواب السماء) ، قال: لأرواحهم ولا لأعمالهم. * * * قال أبو جعفر: وإنما اخترنا في تأويل ذلك ما اخترنا من القول، لعموم خبر الله جل ثناؤه أن أبواب السماء لا تفتح لهم. ولم يخصص الخبر بأنه يفتح لهم في شيء، فذلك على ما عمّه خبر الله تعالى بأنها لا تفتح لهم في شيء، مع تأييد الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قلنا في ذلك، وذلك ما:- (1) الأثر: 14610 - (( مطر بن محمد الضبي )) ، شيخ الطبري، لم أجد له ترجمة، ومضى أيضا برقم: 12198. 14614- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن الأعمش، عن المنهال، عن زاذان، عن البراء: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر قبضَ روح الفاجر، وأنه يصعد بها إلى السماء، قال: فيصعدون بها، فلا يمرّون على ملإ من الملائكة إلا قالوا: "ما هذا الروح الخبيث" ؟ فيقولون: "فلان" ، بأقبح أسمائه التي كان يُدعى بها في الدنيا، حتى ينتهوا بها إلى السماء، فيستفتحون له فلا يفتح له. ثم قرأ رسول الله: (لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط) (1) 14615- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن عبد الرحمن، عن ابن أبي ذئب، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن سعيد بن يسار، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الميت تحضره الملائكة، فإذا (1) الأثر: 14614 - (( المنهال )) هو (( المنهال بن عمرو الأسدي )) ، ثقة، رجح أخي توثيقه في المسند رقم: 714، وفيما يلي رقم: 337، 799. و (( زاذان )) هو (( أبو عبد الله )) ، ويقال (( أبو عمر )) الكوفي الضرير. تابعي ثقة، مضى أيضًا برقم: 9508، 13017، 13018. وهذا الخبر مختصرًا رواه أحمد مطولا ومختصرًا في مسنده 4: 287، 288، من طريقتين، و 297، كلها من طريق العمش، عن المنهال. ورواه أيضًا 4: 295، 296، من طريقين. أحدهما من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن يونس بن خباب، عن المنهال، والآخر من طريق أبي الربيع، عن حماد بن زيد، عن يونس بن خباب. ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده ص: 102، مطولا من طريق أبي عوانة، عن الأعمش. ورواه أبو داود في سننه 3: 289، رقم: 3212 مختصرًا، ورواه مطولا 4: 330 رقم: 4753. ورواه الحاكم في المستدرك 1: 37 - 40، من طرق، وقال: (( هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، فقد احتجا بالمنهال بن عمرو، وزاذان بن عمرو، وزاذان أبي عمر الكندي. وفي هذا الحديث فوائد كثيرة لأهل السنة، وقمع للمبتدعة، ولم يخرجاه بطوله )) . وخرجه ابن كثير في تفسيره 3: 473، 474، وقال: (( رواه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، من طرق عن المنهال بن عمرو به )) ثم ساق حديث أحمد في المسند. وخره السيوطي في الدر المنثور 1: 83، وزاد نسبته لابن أبي شيبة وهناد بن السري، وعبد بن حميد، وابن مردويه، والبيهقي في كتاب عذاب القبر. كان الرجلَ الصالحَ قالوا: "اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب، اخرجي حميدة، وأبشري برَوْح وريحان، وربّ غير غضبان" ، قال: فيقولون ذلك حتى يُعرج بها إلى السماء، فيستفتح لها، فيقال: "من هذا" ؟ فيقولون: "فلان" . فيقال: مرحبًا بالنفس الطيبة كانت في الجسد الطيب، (1) ادخلي حميدة، وأبشري بروح وريحان، ورب غير غضبان "، فيقال لها حتى تنتهي إلى السماء التي فيها الله. وإذا كان الرجلَ السَّوْءَ قال:" اخرجي أيتها النفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث، اخرجي ذميمة، وأبشري بحميم وغسَّاق، وآخر من شكله أزواج"، فيقولون ذلك حتى تخرج، ثم يعرج بها إلى السماء فيستفتح لها، فيقال: "من هذا" ؟ فيقولون: "فلان" . فيقولون:"لا مرحبًا بالنفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث، ارجعي ذميمة، فإنه لم تفتح لك أبواب السماء "، (2) فترسل بين السماء والأرض، فتصير إلى القبر. (3) " 14616- حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال، حدثنا ابن أبي فديك قال، حدثني ابن أبي ذئب، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن سعيد بن يسار، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بنحوه. * * * (1) في المخطوطة والمطبوعة: (( بالنفس الطيبة التي كانت ... )) ، والظاهر أنها زيادة من الناسخ، فإن روايتهم جميعًا اتفقت على ما أثبت. (2) في المطبوعة: (( لا تفتح لك أبواب السماء )) ، وفي المخطوطة: (( لم تفتح )) بغير (( لك )) ، وأثبت ما في تفسير ابن كثير. وفي ابن ماجه: (( لا تفتح لك )) . (3) الأثر: 14615، 14616 - (( عبد الرحمن بن عثمان بن أمية الثقفي )) (( أبو بحر البكراوي )) ، ضعيف متكلم فيه، قال أبو حاتم: (( يكتب حديثه ولا يحتج به )) . مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 2 / 2 / 264. و (( ابن أبي ذئب )) هو (( محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب )) ، ثقة حافظ، مضى برقم: 2995. و (( محمد بن عمرو بن عطاء القرشي العامري )) ، ثقة روى له الجماعة. و (( سعيد بن يسار )) أبو الحباب المدني، تابعي ثقة لا يختلفون في توثيقه. روى له الجماعة. وهذا خبر صحيح، رواه عن ابن أبي ذئب غير (( عبد الرحمن بن عثمان )) . وسيأتي بإسناد ليس فيه ضعف، في الأثر التالي. وهذا الخبر رواه ابن ماجه ص: 1423 رقم: 4262. وذكره ابن كثير في تفسيره 3: 475، ونسبة إلى أحمد، والنسائي وخرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 83، وزاد إلى حبان، والحاكم وصححه، والبيهقي في البعث. والأثر رقم: 14616. هو إسناد صحيح للخبر السالف. (( ابن أبي فديك )) ، هو (( محمد بن إسماعيل بن مسلم بن أبي فديك )) ، ثقة، روى له الجماعة. مضى برقم: 4319، 9482، 9876. واختلفت القرأة في قراءة ذلك. فقرأته عامة قرأة الكوفة: "لا يُفَتَحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّمَاء" ، بالياء من "يفتح" ، وتخفيف "التاء" منها، بمعنى: لا يفتح لهم جميعها بمرة واحدةٍ وفتحةٍ واحدة. * * * وقرأ ذلك بعض المدنيين وبعض الكوفيين: (لا تُفَتَّحُ) ، بالتاء وتشديد التاء الثانية، بمعنى: لا يفتح لهم باب بعد باب، وشيء بعد شيء. * * * قال أبو جعفر: والصواب في ذلك عندي من القول أن يقال: إنهما قراءتان مشهورتان صحيحتا المعنى. وذلك أن أرواح الكفار لا تفتح لها ولا لأعمالهم الخبيثة أبوابُ السماء بمرة واحدة، ولا مرة بعد مرة، وباب بعد باب. فكلا المعنيين في ذلك صحيح. وكذلك "الياء" ، و "التاء" في "يفتح" ، و "تفتح" ، لأن "الياء" بناء على فعل الواحد للتوحيد، و "التاء" لأن "الأبواب" جماعة، فيخبر عنها خبر الجماعة. (1) * * * (1) انظر معاني القرآن للفراء 1: 378، 379. القول في تأويل قوله: {وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40) } قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: ولا يدخل هؤلاء الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها، الجنة التي أعدّها الله لأوليائه المؤمنين أبدًا، كما لا يلج الجمل في سمِّ الخياط أبدًا، وذلك ثقب الإبرة. * * * وكل ثقب في عين أو أنف أو غير ذلك، فإن العرب تسميه "سَمًّا" وتجمعه "سمومًا" ، و "السِّمام" ، في جمع "السَّم" القاتل، أشهر وأفصح من "السموم" . وهو في جمع "السَّم" الذي هو بمعنى الثقب أفصح. وكلاهما في العرب مستفيض. وقد يقال لواحد "السموم" التي هي الثقوب "سَمٌّ" و "سُمٌّ" بفتح السين وضمها، ومن "السَّم" الذي بمعنى الثقب قول الفرزدق: فَنَفَّسْتُ عَنْ سَمَّيْهِ حَتَّى تَنَفَّسَا ... وَقُلْتُ لَهُ: لا تَخْشَ شَيْئًا وَرَائِيا (1) يعني بسمِّيه، ثقبي أنفه. * * * (1) ديوانه: 895، النقائض: 169، واللسان (سمم) ، من أول قصيدة هاجى بها جريرًا، ونصر البعيث وهجاه معًا. وكان الذي هاج الهجاء بين جرير والفرزدق، أن البعيث المجاشعي، سرقت إبله، سرقها ناس من بني يربوع، من رهط جرير، فطلبها البعيث حتى وجدها في أيديهم، فأرسل لسانه في بني يربوع، فاعترضه جرير، فهجاه، فانبعث الشر بالبعيث، فانطلق الفرزدق بعد قليل ينصره، فقال هذه القصيدة يهجو جريرًا، وينصر البعيث ويهجوه، فيقول للبعيث: دَعَانِي ابْنُ حَمْرَاءِ العِجَانِ وَلَم يَجِدْ ... لَهُ إذْ دَعَا، مُسْتأْخِرًا عَنْ دُعَائيا فَنَفَّسْتُ عَنْ سَمَّيْهِ ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . (( نفس عنه )) ، فرج عنه كربته إذ أطبق عليه جرير، فاستنقذه من تحت وطأته. فاستطاع أن يتنفس. وقوله: (( لا تخش شيئًا ورائيا )) ، أي: لا تخش ما دمت درعًا لك وأنت من ورائي تحتمي بلساني وهجائي جريرًا. وأما قول أبي عبيدة: (( أي لا تخش شيئًا يأتيك من خلفي )) ، فليس عندي بشيء. وكان في المطبوعة: (( شيئًا وراءنا )) ، لم يحسن قراءة المخطوطة. وأما "الخياط" فإنه "المخيط" ، وهي الإبرة. قيل لها: "خِيَاط" و "مِخْيَط" ، كما قيل: "قِناع" و "مِقْنع" ، و "إزار" و "مِئْزر" ، و "قِرام" و "مِقْرَم" ، و "لحاف" و "مِلْحف" . وأما القرأة من جميع الأمصار، فإنها قرأت قوله: (فِي سَمِّ الْخِيَاطِ) ، بفتح "السين" ، وأجمعت على قراءة: "الجَمَلُ" بفتح "الجيم" ، و "الميم" وتخفيف ذلك. * * * وأما ابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير، فإنه حكي عنهم أنهم كانوا يقرؤون ذلك: "الجُمَّلُ" ، بضم "الجيم" وتشديد "الميم" ، على اختلاف في ذلك عن سعيد وابن عباس. * * * فأما الذين قرؤوه بالفتح من الحرفين والتخفيف، فإنهم وجهوا تأويله إلى "الجمل" المعروف، وكذلك فسروه. * ذكر من قال ذلك: 14617- حدثنا يحيى بن طلحة اليربوعي قال، حدثنا فضيل بن عياض، عن مغيرة، عن إبراهيم، عن عبد الله في قوله: (حتى يلج الجمل في سم الخياط) ، قال: الجمل ابن الناقة، أو: زوج الناقة. 14618- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن أبي حصين، عن إبراهيم، عن عبد الله: (حتى يلج الجمل في سم الخياط) ، قال: "الجمل" ، زوج الناقة. 14619- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن أبي حصين، عن إبراهيم، عن عبد الله، مثله. 14620- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن مهدي، عن هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم، عن عبد الله قال: "الجمل" ، زوج الناقة. 14621- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم، عن عبد الله، مثله. 14622- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا قرة قال، سمعت الحسن يقول: "الجمل" ، الذي يقوم في المِرْبد. (1) 14623- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الحسن: (حتى يلج الجمل في سم الخياط) ، قال: حتى يدخل البعير في خُرت الإبرة. (2) 14624- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن مهدي، عن هشيم، عن عباد بن راشد، عن الحسن قال: هو الجمل! فلما أكثروا عليه قال: هو الأشتر. (3) 14625- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، حدثنا هشيم، عن عباد بن راشد، عن الحسن، مثله. 14626- حدثنا المثنى قال، حدثنا الحجاج قال، حدثنا حماد، عن يحيى قال: كان الحسن يقرؤها: (حتى يلج الجمل في سم الخياط) ، قال: فذهب بعضهم يستفهمه، قال: أشتر، أشتر. (4) 14627- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو النعمان عارم قال، حدثنا حماد بن زيد، عن شعيب بن الحبحاب، عن أبي العالية: (حتى يلج الجمل) ، قال: الجمل الذي له أربع قوائم. 14628- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن أبي حصين = أو: حصين =، عن إبراهيم، عن ابن مسعود في (1) (( المربد )) (بكسر فسكون) : هو المكان الذي تحبس فيه الإبل، يقال: (( ربد الإبل ربدًا )) ، حبسها. ويقال: (( مربد الغنم )) أيضًا. وبه سمى (( مربد البصرة )) ، لأنه كان موضع سوق الإبل. (2) (( خرت الإبرة )) (بضم الخاء أو فتحها، وسكون الراء) : هو ثقبها. وكان في المطبوعة: (( في خرق )) وهي صواب، والمخطوطة تشبه أن تقرأ هكذا وهكذا. (3) (( أشتر )) ، وهو الجمل، بالفارسية. (4) (( أشتر )) ، وهو الجمل، بالفارسية. قوله: (حتى يلج الجمل في سم الخياط) ، قال: زوج الناقة، يعني الجمل. 14629- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك أنه كان يقرأ: (الجمل) ، وهو الذي له أربع قوائم. 14630- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو تميلة، عن عبيد، عن الضحاك: (حتى يلج الجمل) ، الذي له أربع قوائم. 14631- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا زيد بن الحباب، عن قرة، عن الحسن: (حتى يلج الجمل) ، قال: الذي بالمربد. 14632- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن مسعود أنه كان يقرأ: "حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ الأَصْفَرُ" . 14633- حدثنا نصر بن علي قال، حدثنا يحيى بن سليم قال، حدثنا عبد الكريم بن أبي المخارق، عن الحسن في قوله: (حتى يلج الجمل في سم الخياط) ، قال: الجمل ابن الناقة = أو بَعْلُ الناقة. * * * وأما الذين خالفوا هذه القراءة فإنهم اختلفوا. فروي عن ابن عباس في ذلك روايتان: إحداهما الموافقة لهذه القراءة وهذا التأويل. * ذكر الرواية بذلك عنه: 14634- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: (حتى يلج الجمل في سم الخياط) ، والجمل: ذو القوائم. * * * وذكر أن ابن مسعود قال ذلك. https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف الحلقة (670) صــ 431 إلى صــ 440 14635- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (حتى يلج الجمل في سم الخياط) ، وهو الجمل العظيم، لا يدخل في خُرْت الإبرة، (1) من أجل أنه أعظم منها. * * * والرواية الأخرى ما:- 14636- حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي قال، حدثنا فضيل بن عياض، عن منصور، عن مجاهد، عن ابن عباس في قوله: "حَتَّى يَلِجَ الْجُمَّلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ" ، قال: هو قَلْس السفينة. (2) 14637- حدثني عبد الأعلى بن واصل قال، حدثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل، عن خالد بن عبد الله الواسطي، عن حنظلة السدوسي، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه كان يقرأ: "حَتَّى يَلِجَ الْجُمَّلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ" ، يعني الحبل الغليظ = فذكرت ذلك للحسن فقال: (حتى يلجَ الجمَل) ، قال عبد الأعلى: قال أبو غسان، قال خالد: يعني: البعير. 14638- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن فضيل، عن مغيرة، عن مجاهد، عن ابن عباس أنه قرأ: "الجُمَّلُ" ، مثقَّلة، وقال: هو حبل السفينة. 14639- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن مهدي، عن هشيم، عن مغيرة، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: "الجمَّل" ، حبال السفن. 14640- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن ابن مبارك، عن حنظلة، عن عكرمة، عن ابن عباس: "حَتَّى يَلِجَ الْجُمَّلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ" ، قال: الحبل الغليظ. (1) انظر ص: 429، التعليق: 2. (2) (( القلس )) (بفتح فسكون) : هو حبل ضخم غليظ من ليف أو خوص، وهو من حبال السفن. 14641- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن مجاهد، عن ابن عباس: "حَتَّى يَلِجَ الْجُمَّلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ" قال: هو الحبل الذي يكون على السفينة. * * * واختُلِف عن سعيد بن جبير أيضًا في ذلك، فروي عنه روايتان إحداهما مثل الذي ذكرنا عن ابن عباس: بضم "الجيم" وتثقيل "الميم" . * ذكر الرواية بذلك عنه: 14642- حدثنا عمران بن موسى القزاز قال، حدثنا عبد الوارث بن سعيد قال، حدثنا حسين المعلم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير: أنه قرأها: "حَتَّى يَلِجَ الْجُمَّلُ" ، يعني قُلُوس السفن، يعني: الحبال الغلاظ. (1) * * * والأخرى منهما بضم "الجيم" وتخفيف "الميم" . * ذكر الرواية بذلك عنه: 14643- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا عمرو، عن سالم بن عجلان الأفطس قال، قرأت على أبي: "حَتَّى يَلِجَ الْجُمَّلَ" فقال: "حَتَّى يَلِجَ الْجُمَلُ" خفيفة، هو حبل السفينة = هكذا أقرأنيها سعيد بن جبير. * * * وأما عكرمة، فإنه كان يقرأ ذلك: "الْجُمَّلُ" ، بضم "الجيم" وتشديد "الميم" ، وبتأوّله كما:- 14644- حدثني ابن وكيع قال، حدثنا أبو تميلة، عن عيسى بن عبيد قال: سمعت عكرمة يقرأ: "الْجُمَّلُ" مثقلة، ويقول: هو الحبل الذي يصعد به إلى النخل. (1) (( القلوس )) جمع (( قلس )) ، انظر التعليق السالف. 14645- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا مسلم بن إبراهيم قال، حدثنا كعب بن فروخ قال، حدثنا قتادة، عن عكرمة، في قوله: "حَتَّى يَلِجَ الْجُمَّلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ" ، قال: الحبل الغليظ في خرق الإبرة. (1) 14646- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: "حَتَّى يَلِجَ الْجُمَّلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ" ، قال: حبل السفينة في سمّ الخياط. 14647- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال عبد الله بن كثير: سمعت مجاهدًا يقول: الحبل من حبال السفن. * * * وكأنَّ من قرأ ذلك بتخفيف "الميم" وضم "الجيم" ، على ما ذكرنا عن سعيد بن جبير، على مثال "الصُّرَد" و "الجُعَل" ، وجهه إلى جماع "جملة" من الحبال جمعت "جُمَلا" ، كما تجمع "الظلمة" ، "ظُلَمًا" ، و "الخُرْبة" "خُرَبًا" . * * * وكان بعض أهل العربية ينكر التشديد في "الميم" ويقول: إنما أراد الراوي "الجُمَل" بالتخفيف، فلم يفهم ذلك منه فشدّده. * * * 14648- وحدثت عن الفراء، عن الكسائي أنه قال: الذي رواه عن ابن عباس كان أعجميًّا. * * * وأما من شدد "الميم" وضم "الجيم" فإنه وجهه إلى أنه اسم واحد، وهو الحبل، أو الخيط الغليظ. * * * (1) الأثر: 14645 - (( كعب بن فروخ، أبو عبد الله البصري )) ، ثقة. مترجم في ابن أبي حاتم 3 / 2 / 162. وسيأتي في رقم: 14650. قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندنا، ما عليه قرأة الأمصار، وهو: (حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ) ، بفتح "الجيم" و "الميم" من "الجمل" وتخفيفها، وفتح "السين" من "السم" ، لأنها القراءة المستفيضة في قرأة الأمصار، وغير جائز مخالفة ما جاءت به الحجة متفقة عليه من القراءة. وكذلك ذلك في فتح "السين" من قوله: (سَمِّ الخياط) . * * * وإذ كان الصواب من القراءة ذلك، فتأويل الكلام: ولا يدخلون الجنة حتى يلج = و "الولوج" الدخول، من قولهم: "ولج فلان الدار يلِجُ ولوجًا" ، (1) بمعنى: دخل = الجملُ في سم الإبرة، وهو ثقبها = (وكذلك نجزي المجرمين) ، يقول: وكذلك نثيب الذين أجرَموا في الدنيا ما استحقوا به من الله العذاب الأليم في الآخرة. (2) * * * وبمثل الذي قلنا في تأويل قوله: (سم الخياط) ، قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 14649- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة وابن مهدي وسويد الكلبي، عن حماد بن زيد، عن يحيى بن عتيق قال: سألت الحسن عن قوله: (حتى يلج الجمل في سم الخياط) ، قال: ثقب الإبرة. (3) 14650- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا مسلم بن إبراهيم قال، حدثنا (1) انظر تفسير (( الولوج )) فيما سلف 6: 302، وفيه زيادة في مصادره. (2) انظر تفسير (( الجزاء )) ، و (( الإجرام )) فيما سلف من فهارس اللغة (جزى) (جرم) . (3) الأثر: 14649 - (( سويد الكلبي )) ، هو: (( كان يقلب السانيد، ويضع على الأسانيد الصحاح المتون الواهية )) !! ووثقه النسائي وابن معين والعجلي. مترجم في التهذيب، والكبير 2 /2 / 149، وابن أبي حاتم 2 / 1 / 239. و (( يحيى بن عتيق الطفاوي البصري )) ، ثقة، وكان ورعًا متفنًا. مترجم في التهذيب، والكبير 4 / 2 / 295، وابن أبي حاتم 4 / 2 / 176. كعب بن فروخ قال، حدثنا قتادة، عن عكرمة: (في سم الخياط) ، قال: ثقب الإبرة. (1) 14651- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الحسن، مثله. 14652- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (في سم الخياط) ، قال: جُحْر الإبرة. 14653- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: (في سم الخياط) ، يقول: جُحْر الإبرة. 14654- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثني عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (في سم الخياط) ، قال: في ثقبه. * * * القول في تأويل قوله: {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (41) } قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: لهؤلاء الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها = (من جهنم مهاد) . * * * = وهو ما امتهدوه مما يقعد عليه ويضطجع، كالفراش الذي يفرش، والبساط الذي يبسط. (2) * * * = (ومن فوقهم غواش) . * * * (1) الأثر: 14650 - (( كعب بن فروخ )) ، مضى برقم: 14645. (2) انظر تفسير (( المهاد )) فيما سلف 4: 246 /6: 229 /7: 494. وهو جمع "غاشية" ، وذلك ما غَشَّاهم فغطاهم من فوقهم. * * * وإنما معنى الكلام: لهم من جهنم مهاد من تحتهم فُرُش، ومن فوقهم منها لُحُف، وإنهم بين ذلك. * * * وبنحو ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 14655- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب: (لهم من جهنم مهاد) ، قال: الفراش = (ومن فوقهم غواش) ، قال: اللُّحُف 14656- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا جابر بن نوح، عن أبي روق، عن الضحاك: (لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش) ، قال: "المهاد" ، الفُرُش، و "الغواشي" ، اللحف. 14657- حدثني محمد بن الحسين قال حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش) ، أما "المهاد" كهيئة الفراش = و "الغواشي" ، تتغشاهم من فوقهم. * * * وأما قوله (وكذلك نجزي الظالمين) ، فإنه يقول: وكذلك نثيب ونكافئ من ظلم نفسه، فأكسبها من غضب الله ما لا قبل لها به بكفره بربه، وتكذيبه أنبياءه. (1) * * * (1) انظر تفسير (( الجزاء )) و (( الظلم )) فيما سلف من فهارس اللغة (جزى) و (ظلم) . القول في تأويل قوله: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (42) } قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: والذين صدّقوا الله ورسوله، وأقرُّوا بما جاءهم به من وحي الله وتنزيله وشرائع دينه، وعملوا ما أمرهم الله به فأطاعوه، وتجنبوا ما نهاهم عنه (1) = (لا نكلف نفسًا إلا وسعها) ، يقول: لا نكلف نفسًا من الأعمال إلا ما يسعها فلا تحرج فيه (2) = (أولئك) ، يقول: هؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات = (أصحاب الجنة) ، يقول: هم أهل الجنة الذين هم أهلها، دون غيرهم ممن كفر بالله، وعمل بسيئاتهم (3) = (هم فيها خالدون) ، يقول (4) هم في الجنة ماكثون، دائمٌ فيها مكثهم، (5) لا يخرجون منها، ولا يُسلبون نعيمها. (6) * * * القول في تأويل قوله: {وَنزعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وأذهبنا من صدور هؤلاء الذين وَصَف صفتهم، وأخبر أنهم أصحاب الجنة، ما فيها من حقد وغِمْرٍ وعَداوة كان من (1) انظر تفسير (( الصالحات )) فيما سلف من فهارس اللغة (صلح) . (2) انظر تفسير (( التكليف )) و (( الوسع )) فيما سلف ص: 225، تعليق: 1، والمراجع هناك. (3) انظر تفسير (( أصحاب الجنة )) فيما سلف من فهارس اللغة (صحب) . (4) في المطبوعة والمخطوطة: (( فيها خالدون )) ، بغير (( هم )) ، وأثبت نص التلاوة. (5) انظر تفسير (( الخلود )) فيما سلف من فهارس اللغة (خلد) . (6) في المطبوعة والمخطوطة: (( ولا يسلبون نعيمهم )) ، والسياق يقتضي ما أثبت. بعضهم في الدنيا على بعض، (1) فجعلهم في الجنة إذا أدخلهموها على سُرُر متقابلين، لا يحسد بعضهم بعضًا على شيء خصَّ الله به بعضهم وفضّله من كرامته عليه، تجري من تحتهم أنهار الجنة. * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 14658- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن جويبر، عن الضحاك: (ونزعنا ما في صدورهم من غل) ، قال: العداوة. 14659- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حميد بن عبد الرحمن، عن سعيد بن بشير، عن قتادة: (ونزعنا ما في صدورهم من غل) ، قال: هي الإحَن. 14660 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا ابن المبارك، عن ابن عيينة، عن إسرائيل أبي موسى، عن الحسن، عن علي قال: فينا والله أهلَ بدر نزلت: (وَنزعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ) [سورة الحجر: 47] . 14661- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن عيينة، عن إسرائيل قال: سمعته يقول: قال علي عليه السلام: فينا والله أهلَ بدر نزلت: (وَنزعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ) 14662- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة قال: قال علي رضي الله عنه: إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير، من الذين قال الله تعالى فيهم: (وَنزعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ) ، رضوان الله عليهم. 14663- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، (1) (( الغمر )) (بكسر فسكون) و (( الغمر )) (بفتحتين) : الحقد الذي يغمر القلب. حدثنا أسباط، عن السدي: (ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار) ، قال: إن أهل الجنة إذا سيقوا إلى الجنة فبلغوا، وجدوا عند بابها شجرة في أصل ساقها عينان، فشربوا من إحداهما، فينزع ما في صدورهم من غِلّ، فهو "الشراب الطهور" ، واغتسلوا من الأخرى، فجرت عليهم "نَضْرة النعيم" ، فلم يشعَثُوا ولم يتَّسخوابعدها أبدًا. 14664- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن الجريري، عن أبي نضرة قال، يحبس أهل الجنة دون الجنة حتى يقضى لبعضهم من بعض، حتى يدخلوا الجنة حين يدخلونها ولا يطلب أحدٌ منهم أحدًا بقلامة ظُفُرٍ ظلمها إياه. ويحبس أهل النار دون النار حتى يقضى لبعضهم من بعض، فيدخلون النار حين يدخلونها ولا يطلب أحدٌ منهم أحدًا بقُلامة ظفر ظلمها إياه. (1) * * * القول في تأويل قوله: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وقال هؤلاء الذين وصف جل ثناؤه، وهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات، حين أدخلوا الجنة، ورأوا ما أكرمهم الله به من كرامته، وما صرف عنهم من العذاب المهين الذي ابتلي به أهل النار بكفرهم بربهم، وتكذيبهم رُسله: (الحمد لله الذي هدانا لهذا) ، يقول: الحمد لله الذي وفقنا للعمل الذي أكسبنا هذا الذي نحن فيه من كرامة الله وفضله، وصرف عذابه (1) الأثر: 14664 - (( الجريري )) ، (( سعيد بن إياس الجريري )) ، مضى برقم: 196. و (( أبو نضرة )) ، هو (( المنذر بن مالك بن قطعة العبدي )) ، روى عن علي. مضى برقم: 6337. عنا = (وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله) ، يقول: وما كنا لنرشد لذلك، لولا أن أرشدنا الله له ووفقنا بمنّه وطَوْله، كما:- 14665- حدثنا أبو هشام الرفاعي قال، حدثنا أبو بكر بن عياش قال، حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن [أبي سعيد] قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل أهل النار يرى منزله من الجنة، فيقولون: "لو هدانا الله" ، فتكون عليهم حسرة. وكل أهل الجنة يرى منزله من النار، فيقولون: "لولا أن هدانا الله" ! فهذا شكرهم. (1) 14666- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة قال، سمعت أبا إسحاق يحدِّث عن عاصم بن ضمرة، عن علي قال، ذكر عمر = لشيء لا أحفظه =، ثم ذكر الجنة فقال: يدخلون، فإذا شجرة يخرج من تحت ساقها عينان. قال: فيغتسلون من إحداهما، فتجري عليهم نضرة النعيم، فلا تشعَث أشعارهم ولا تغبرُّ أبشارهم. ويشربون من الأخرى، فيخرج كل قذًى وقذر وبأس في بطونهم. (2) قال، ثم يفتح لهم باب الجنة، فيقال لهم: (1) الأثر: 14665 - جاء هكذا في المخطوطة والمطبوعة: (( عن أبي سعيد )) ، يعني أبا سعيد الخدري. وكأنه خطأ لا شك فيه، فإني لم أجد الخبر في حديث أبي سعيد، ولأن هذا الخبر معروف في حديث أبي هريرة، وبذلك خرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 85، فقال: (( أخرج النسائي، وابن أبي الدنيا، وابن جرير في ذكر الموت، وابن مردويه عن أبي هريرة )) ، وساق الخبر. وذكره ابن كثير في تفسيره 3: 477، فقال: (( روى النسائي وابن مردويه، واللفظ له، من حديث أبي بكر بن عياش، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة )) ، وساق الخبر. وخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 10: 399 فقال: (( عن أبي هريرة، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم )) ، وساق الخبر بنحوه من طريقين، ثم قال: (( رواه كله أحمد، ورجال الرواية الولى رجال الصحيح )) ، ولم أعرف مكانه من المسند. فهذا كله يوشك أن يقطع بأن ما في المطبوعة والمخطوطة من قوله: (( عن أبي سعيد )) ، خطأ، صوابه: (( عن أبي هريرة )) ، ولذلك وضعته بين القوسين. (2) في المطبوعة: (( قذى وقذر أو شيء في بطونهم )) ، وفي المخطوطة: (( أوس )) ، غير منقوطة وفوقها حرف (ط) دلالة على الشك والخطأ. وأثبت الصواب من حادي الأرواح لابن القيم، والدر المنثور. https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف الحلقة (671) صــ 441 إلى صــ 450 (سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين) ، قال: فتستقبلهم الوِلدان، فيحفّون بهم كما تحفّ الولدان بالحميم إذا جاء من غيبته. (1) ثم يأتون فيبشرون أزواجهم، فيسمونهم بأسمائهم وأسماء آبائهم. فيقلن: أنت رأيته! قال: فيستخفهنَّ الفرَح، قال: فيجئن حتى يقفن على أُسْكُفَّة الباب. (2) قال: فيجيئون فيدخلون، فإذا أسُّ بيوتهم بِجَندل اللؤلؤ، وإذا صُرُوح صفر وخضر وحمر ومن كل لون، وسُرُر مرفوعة، وأكواب موضوعة، ونمارق مصفوفة، وزرِابيُّ مبثوثة. فلولا أن الله قدَّرها، لالْتُمِعَتْ أبصارهم مما يرون فيها. (3) فيعانقون الأزواج، ويقعدون على السرر، ويقولون: (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا إذ هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق) ، الآية. (4) * * * (1) (( الحميم )) ، ذو القرابة القريب الذي تحبه وتهتم لأمره. (2) (( أسكفة الباب )) (بضم الهمزة، وسكون السين، وضم الكاف، بعدها فاء مشددة مفتوحة) : عتبة الباب التي يوطأ عليها. (3) (( التمع الشيء )) اختلسه وذهب به. و (( التمع بصره )) باليناء بالمجهول، اختلس واختطف فلا يكاد يبصره. ويقال مثله (( التمع لونه )) ، ذهب وتغير. (4) الأثر: 14666 - (( عاصم بن ضمرة السلولي )) ، وثقه ابن سعد وابن المديني، والعجلي، وقال النسائي: (( ليس به بأس )) . ولكن الجوزجاني وابن عدي ضعفاه، وقال ابن أبي حاتم: (( كان رديء الحفظ، فاحش الخطأ، على أنه أحسن حالا - يعني الأعور )) . مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 3 / 1 / 345، وميزان الاعتدال 2: 3. وهذا الخبر، ذكره ابن القيم في حادي الأرواح (إعلام الموقعين) 1: 233 مطولا، فقال: (( وقال عدي بن الجعد في الجعديات: أنبأنا زهير بن معاوية، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي قال )) وليس فيه ذكر (( عمر )) . ثم وجدت أبا جعفر قد رواه في تفسيره (24: 24، بولاق) ، من طريق مجاهد بن موسى، عن يزيد، عن شريك بن عبد الله، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي، بنحوه. ثم رواه بعد من طريق أبي إسحاق، عن الحارث الأعور، عن علي، بنحوه. وخرجه السيوطي في الدر المنثور 5: 342، ونسبه إلى ابن المبارك في الزهد، وعبد الرازق، وابن أبي شيبة، وابن راهويه، وعبد بن حميد، وابن أبي الدنيا في صفة الجنة، والبيهقي في البعث، والضياء في المختارة، ولم ينسبه لابن جرير. وساقه مطولا. وساقه ابن كثير في تفسيره 7: 273، من تفسير ابن أبي حاتم، عن أبيه، عن أبي غسان مالك بن إسماعيل، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي بن أبي طالب، بنحوه. وليس في هذه جميعًا ذكر (( عمر )) ، فقوله: (( قال ذكر عمر، لشيء لا أحفظه )) غريب جدًا لم أعرف تأويله، ولا ما فيه من تحريف، إلا أن يكون: (( قال غندر، لشيء لا أحفظه )) و (( غندر )) هو (( محمد بن جعفر )) الراوي عن شعبة، فيكون قوله (( قال غندر )) من قول (( محمد بن المثنى )) ، والله أعلم. القول في تأويل قوله: {لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره مخبرًا عن هؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات أنهم يقولون عند دخولهم الجنة، ورؤيتهم كرامة الله التي أكرمهم بها، وهو أنّ أعداء الله في النار: والله لقد جاءتنا في الدنيا، وهؤلاء الذين في النار، رسل ربنا بالحق من الأخبار عن وعد الله أهلَ طاعته والإيمان به وبرسله، ووعيده أهلَ معاصيه والكفر به. * * * وأما قوله: (ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون) ، فإن معناه: ونادى منادٍ هؤلاء الذين وصف الله صفتهم، وأخبر عما أعدّ لهم من كرامته: أنْ يا هؤلاء، هذه تلكم الجنة التي كانت رسلي في الدنيا تخبركم عنها، أورَثكموها الله عن الذين كذبوا رسله، لتصديقكم إياهم وطاعتكم ربكم. وذلك هو معنى قوله: (بما كنتم تعملون) . * * * وبنحو ما قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 14667- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون) ، قال: ليس من كافر ولا مؤمن إلا وله في الجنة والنار منزل، فإذا دخل أهل الجنة الجنةَ، وأهل النار النارَ، ودخلوا منازلهم، رفعت الجنة لأهل النار فنظروا إلى منازلهم فيها، فقيل لهم: "هذه منازلكم لو عملتم بطاعة الله" ، ثم يقال: "يا أهل الجنة، رِثُوهم بما كنتم تعملون" ، فتُقْسم بين أهل الجنة منازلهم. 14668- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن سعد أبو داود الحفري، [عن سعيد بن بكير] ، عن سفيان الثوري، عن أبي إسحاق، عن الأغرّ: (ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون) ، قال: نودوا أنْ صِحُّوا فلا تسقموا، واخلُدوا فلا تموتوا، وانعموا فلا تَبْأسوا. (1) 14669- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا قبيصة، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن الأغر، عن أبي سعيد: (ونودوا أن تلكم الجنة) ، الآية، قال: ينادي منادٍ: أن لكم أنْ تصحُّوا فلا تسقموا أبدًا. (2) * * * واختلف أهل العربية في "أنْ" التي مع "تلكم" . (1) الأثر: 14668 - (( عمر بن سعد )) ، (( أبو داود الحفري )) ، ثقة. مضى رقم: 863، وهو يروي عن (( سفيان الثوري )) ، ولكن جاء هنا (( سعيد بن بكير )) . وأما (( سعيد بن بكير )) ، فهو في المطبوعة (( سعد بن بكر )) ، وأثبت ما في المخطوطة. ولست أدري من يكون؟ أو عن أي شيء هو محرف. و (( الأغر )) هو (( الأغر )) ، أبو مسلم المدني، روى عن أبي هريرة وأبي سعيد، وكانا اشتركا في عتقه. روى عنه أبو إسحاق السبيعي، تابعي ثقة. مترجم في التهذيب، والكبير 1 /2 / 44، وابن أبي حاتم 1 / 1 / 308. وهذا الخبر رواه مسلم في صحيحه 17: 174، من طريق عبد الرازق، عن الثوري، عن أبي إسحاق، عن الأغر، عن أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مطولا، بنحوه. وسيأتي مختصرًا في الذي يليه. (2) الأثر: 14669 - هذا مختصر حديث مسلم (17: 174) الذي خرجته في التعليق السالف. فقال بعض نحويي البصرة: هي "أنّ" الثقيلة، خففت وأضمر فيها، ولا يستقيم أن تجعلها الخفيفة، لأن بعدها اسمًا، والخفيفة لا تليها الأسماء، وقد قال الشاعر: (1) فِي فِتْيَةٍ كَسُيُوفِ الهِنْد، قَدْ عَلِمُوا ... أنْ هَالِكٌ كُلُّ مَنْ يَحْفَى وَيَنْتَعِلُ (2) وقال آخر: (3) أُكَاشِرُهُ وَأَعْلَمُ أَنْ كِلانَا ... عَلَى مَا سَاءَ صَاحِبَهُ حَرِيصُ (4) قال: فمعناه: أنه كِلانا. قال: ويكون كقوله: (أَنْ قَدْ وَجَدْنَا) ، في موضع "أي" ؛ وقوله: (أَنْ أَقِيمُوا) ، [سورة الشورى: 13] ، ولا تكون "أن" التي تعمل (1) هو الأعشى. (2) ديوانه: 45، سيبويه 1: 282، 440، 480 /2: 123، أمالي ابن الشجري 2: 2، الإنصاف: 89، والخزانة 3: 547 / 4: 356، وشرح شواهد العيني (بهامش الخزانة) 2: 287، وغيرها. وهذا البيت أنشده سيبويه، وتبعه النحاة في كتبهم، وهو بيت ملفق من بيتين، يقول الأعشى في قصيدته المشهورة: إمَّا تَرَيْنَا حُفَاةً لا نِعَالَ لَنَا ... إِنَّا كَذَلِكَ مَا تَحْفَى ونَنْتَعِلُ فَقَدْ أُخَالِسُ رَبَّ البَيْتِ غَفْلَتُهُ ... وَقَدْ يُحَاذِرُ مِنِّي ثُمَّ مَا يَئِلُ وَقَدْ أَقُودُ الصِّبَا يَوْمًا فَيَتْبَعُنِي ... وَقَدْ يُصَاحِبْنِي ذُو الشِّرَّةِ الغَزِلُ وَقَدْ غَدَوْتُ إلَى الحَانُوتِ يَتْبَعُنِي ... شَاوٍ مِشَلٌ شَلُولٌ شُلْشُلٌ شَوِلُ فِي فِتْيَةٍ كَسُيُوفِ الهِنْد، قَدْ عَلِمُوا ... أَنْ لَيْسَ يَدْفَعُ عَنْ ذِي الحِيلَة الحيَلُ نازَعْتُهُمْ قُضُبَ الرَّيْحَانِ مُتَّكِئًا ... وَقَهْوَةً مُزَّةً رَواوُوقُها خَضِلُ لا يَسْتَفِيقُونَ مِنْهَا وَهْيَ رَاهِنَةٌ ... إِلا بِهَاتِ، وَإنْ عَلُّوا وإنْ نَهِلُوا (3) لم أعرف قائله. (4) سيبويه 1: 440، الإنصاف لابن الأنباري: 89، 183، وأمالي ابن الشجري 1: 188، وغيرها وقوله: (( أكاشره )) : أضاحكه. في الأفعال، لأنك تقول: "غاظني أن قام" ، و "أن ذهب" ، فتقع على الأفعال، وإن كانت لا تعمل فيها. وفي كتاب الله: (وَانْطَلَقَ الْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا) [سورة ص: 6] ، أي: امشوا. * * * وأنكر ذلك من قوله هذا بعض أهل الكوفة، فقال: غير جائز أن يكون مع "أن" في هذا الموضع "هاء" مضمرة، لأن "أن" دخلت في الكلام لتَقِيَ ما بعدها. قال: "وأن" هذه التي مع "تلكم" هي الدائرة التي يقع فيها ما ضارع الحكاية، وليس بلفظ الحكاية، نحو: "ناديت أنك قائم،" و "أنْ زيد قائم" و "أنْ قمت" ، فتلي كلَّ الكلام، وجعلت "أن" وقاية، لأن النداء يقع على ما بعده، وسلم ما بعد "أن" كما سلم ما بعد "القول" . ألا ترى أنك تقول: "قلت: زيد قائم" ، و "قلت: قام" ، فتليها ما شئت من الكلام؟ فلما كان النداء بمعنى "الظن" وما أشبهه من "القول" سلم ما بعد "أن" ، ودخلت "أن" وقاية. قال: وأما "أي" ، فإنها لا تكون على "أن" لا يكون "أي" جواب الكلام، و "أن" تكفي من الاسم. * * * القول في تأويل قوله: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ونادى أهلُ الجنة أهلَ النار بعد دخولهموها: يا أهل النار، قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقًّا في الدنيا على ألسن رسله، من الثواب على الإيمان به وبهم، وعلى طاعته، فهل وجدتم ما وعدنا ربكم على ألسنتهم على الكفر به وعلى معاصيه من العقاب؟ (1) فأجابهم أهل النار: بأنْ نعم، قد وجدنا ما وعد ربنا حقًّا، كالذي:- 14670- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقًّا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقًّا قالوا نعم) ، قال: وجد أهل الجنة ما وُعدوا من ثواب، وأهل النار ما وُعدوا من عقاب. 14671- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقًّا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقًّا) ، وذلك أن الله وعد أهل الجنة النعيم والكرامة وكلَّ خير علمه الناس أو لم يعلموه، ووعدَ أهل النار كلَّ خزي وعذاب علمه الناس أو لم يعلموه، فذلك قوله: (وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ) ، [سورة ص: 58] . قال: فنادى أصحاب الجنة أصحابَ النار أنْ قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقًّا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقًّا؟ قالوا: نعم. يقول: من الخزي والهوان والعذاب. قال أهل الجنة: فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقًّا من النعيم والكرامة = (فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين) . * * * واختلفت القرأة في قراءة قوله: (قالوا نعم) . فقرأ ذلك عامة قرأة أهل المدينة والكوفة والبصرة: (قَالُوا نَعَمْ) ، بفتح العين من "نعم" . * * * ورُوِي عن بعض الكوفيين أنه قرأ: "قَالُوا نَعِمْ" بكسر "العين" ، وقد أنشد بيتا لبني كلب: (1) انظر تفسير (( أصحاب الجنة )) و (( أصحاب النار )) فيما سلف من فهارس اللغة (صحب) . نَعِمْ، إِذَا قالَهَا، مِنْهُ مُحَقَّقَةٌ ... وَلاتَخِيبُ "عَسَى" مِنْهُ وَلا قَمنُ (1) بكسر "نعم" . * * * قال أبو جعفر: والصواب من القراءة عندنا (نَعَمْ) بفتح "العين" ، لأنها القراءة المستفيضة في قرأة الأمصار، واللغة المشهورة في العرب. * * * وأما قوله: (فأذن مؤذن بينهم) ، يقول: فنادى مناد، وأعلم مُعْلِمٌ بينهم = (أن لعنة الله على الظالمين) ، يقول: غضب الله وسخطه وعقوبته على مَنْ كفر به. (2) * * * وقد بينا القول في "أنّ" إذا صحبت من الكلام ما ضارع الحكاية، وليس بصريح الحكاية، بأنها تشددها العرب أحيانًا، وتوقع الفعل عليها فتفتحها وتخففها أحيانًا، وتعمل الفعل فيها فتنصبها به، وتبطل عملها عن الاسم الذي يليها، فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (3) * * * وإذ كان ذلك كذلك، فسواء شُدِّدت "أن" أو خُفِّفت في القراءة، إذ كان معنى الكلام بأيّ ذلك قرأ القارئ واحدًا، وكانتا قراءتين مشهورتين في قرأة الأمصار. * * * (1) لم أجد البيت، ولم أعرف قائله. (( قمن )) ، جدير. يقول: لو قال لك: (( عسى أن يكون ما تسأل )) أو: (( أنت قمن أن تنال ما تطلب )) ، فذلك منه إنفاذ منه لما تسأل، وتحقيق لما تطلب. وكان في المطبوعة: (( ولا تجيء عسى )) ، غير ما في المخطوطة، وهو الصواب. لأنه قال إن العدة بنعم محققة، وبما أقل منها في الوعد محقق أيضًا لا يخيب معها سائله. (2) انظر تفسير (( اللعنة )) فيما سلف ص: 416، تعليق: 1، والمراجع هناك. (3) انظر ما سلف قريبًا ص 443 - 445. القول في تأويل قوله: {الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ (45) } قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: إن المؤذن بين أهل الجنة والنار يقول: "أن لعنة الله على الظالمين" ، الذين كفروا بالله وصدّوا عن سبيله (1) = (ويبغونها عوجًا) ، يقول: حاولوا سبيل الله = وهو دينه (2) = "أن يغيروه ويبدِّلوه عما جعله الله له من استقامته (3) = (وهم بالآخرة كافرون) ، يقول: وهم لقيام الساعة والبعث في الآخرة والثواب والعقاب فيها جاحدون." * * * والعرب تقول للميل في الدِّين والطريق: "عِوَج" بكسر "العين" ، وفي ميل الرجل على الشيء والعطف عليه: "عاجَ إليه يَعُوج عِيَاجًا وعَوَجًا وعِوَجًا" ، بالكسر من "العين" والفتح، (4) كما قال الشاعر: (5) قِفَا نَسْأَلْ مَنَازِلَ آلِ لَيْلى ... عَلَى عِوَجٍ إلَيْهَا وَانْثِنَاءِ (6) ذكر الفراء أن أبا الجرّاح أنشده إياه بكسر العين من "عوج" ، فأما ما كان خلقة في الإنسان، فإنه يقال فيه: "عَوَج ساقه" ، بفتح العين. * * * (1) انظر تفسير (( الصد )) فيما سلف 10: 565، تعليق: 2، والمراجع هناك. (2) انظر تفسير (( سبيل الله )) فيما سلف من فهارس اللغة (سبل) . (3) انظر تفسير (( بغى )) فيما سلف ص: 286، تعليق: 1، والمراجع هناك. (4) انظر تفسير (( العوج )) فيما سلف 7: 53، 54، ومجاز القرآن أبي عبيدة 1: 98. (5) لم أعرف قائله. (6) اللسان (عوج) ، وروايته: * مَتَى عِوَجٌ إلَيْهَا وَانْثنَاءُ * وفي المطبوعة: (( قفا نبكي )) ، وهو من سوء قراءة الناشر للمخطوطة، وصوابه ما أثبت كما في رواية اللسان أيضًا. القول في تأويل قوله: {وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلا بِسِيمَاهُمْ} قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (وبينهما حجاب) ، وبين الجنة والنار حجاب، يقول: حاجز، وهو: السور الذي ذكره الله تعالى فقال: (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ) ، [سورة الحديد: 13] . وهو "الأعراف" التي يقول الله فيها: (وعلى الأعراف رجال) ، كذلك. 14671- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبد الله بن رجاء عن ابن جريج قال: بلغني عن مجاهد قال: "الأعراف" ، حجاب بين الجنة والنار. 14672- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (وبينهما حجاب) ، وهو "السور" ، وهو "الأعراف" . * * * وأما قوله: (وعلى الأعراف رجال) ، فإن "الأعراف" جمع، واحدها "عُرْف" ، وكل مرتفع من الأرض عند العرب فهو "عُرْف" ، وإنما قيل لعُرف الديك "عرف" ، لارتفاعه على ما سواه من جسده، ومنه قول الشماخ بن ضرار: وَظَلًّتْ بِأَعْرَافٍ تَغَالَى، كَأَنَّهَا ... رِمَاحٌ نَحَاهَا وِجْهَةَ الرِّيحِ رَاكِزُ (1) (1) ديوانه: 53، مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 215، ورواية ديوانه وغيره (( وظلت تغالي باليفاع كأنها )) . وهذا البيت من آخر القصيدة في صفة حمر الوحش، بعد أن عادت من رحلتها الطويلة العجيبة في طلب الماء، يقودها العير، فوصفه ووصفهن، فقال: مُحَامٍ على عَوْراتِهَا لا يَرُوعُها ... خَيَالٌ، وَلا رَامِي الوُحُوشِ المنَاهِزُ وأصْبَحَ فَوْقَ النَّشْزِ، نَشْزِ حَمَامةٍ، ... لَهُ مَرْكَضٌ فِي مُسْتَوَى الأَرْضِ بَارِزُ وَظلَّتْ تغَالَي بِاليَفَاع ... و (( تغالي الحمر )) احتكاك بعضها ببعض.يصف ضمور حمر الوحش، كأنها رماح مائلة تستقبل مهب الرياح. وكان في المطبوعة: (( تعالى )) ، وهو خطأ. وفي المخطوطة هكذا: (( وطلت بأعراف تعالى كأنها رماح وجهه راكز )) ، صوابه ما أثبت. يعني بقوله: "بأعراف" ، بنشوز من الأرض، ومنه قول الآخر: (1) كُلُّ كِنَازٍ لَحْمُهُ نِيَافِ ... كَالْعَلَمِ الْمُوفِي عَلَى الأعْرَافِ (2) * * * وكان السدي يقول: إنما سمي "الأعراف" أعرافًا، لأن أصحابه يعرفون الناس. 14672- حدثني بذلك محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي. * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 14673- حدثنا سفيان بن وكيع، قال: حدثنا ابن عيينة، عن عبيد الله بن أبي يزيد، سمع ابن عباس يقول: "الأعراف" ، هو الشيء المشرف. (3) 14674- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن عيينة، عن عبيد الله بن أبي يزيد قال: سمعت ابن عباس يقول، مثله. (4) 14675- حدثنا ابن وكيع قال، حدثني أبي، عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: "الأعراف" ، سور كعرف الديك. 14676- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا سفيان، عن جابر، عن مجاهد، عن ابن عباس، مثله. (1) لم أعرف قائله. (2) مجاز القرآن أبي عبيدة 1: 215، اللسان (نوف) ، (( الكناز )) المجتمع اللحم القوية. و (( النياف )) ، الطويل، يصف جملا. و (( العلم )) الجبل. (3) الأثر: 14673 - (( عبيد الله بن أبي يزيد المكي )) ، روى عن ابن عباس، مضى برقم: 3778. وكان في المطبوعة (( عبيد الله بن يزيد )) ، والصواب من المخطوطة. (4) الأثر: 14674 - (( عبيد الله بن أبي يزيد )) ، المذكور آنفًا، في المطبوعة والمخطوطة هنا (( عبيد الله بن يزيد )) . https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف الحلقة (672) صــ 451 إلى صــ 460 14677- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: "الأعراف" ، حجاب بين الجنة والنار، سور له باب = قال أبو موسى: وحدثني عبيد الله بن أبي يزيد: أنه سمع ابن عباس يقول: إن الأعراف تَلٌّ بين الجنة والنار، حُبس عليه ناسٌ من أهل الذنوب بين الجنة والنار. (1) 14678- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: "الأعراف" ،حجاب بين الجنة والنار، سور له باب. 14679- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عبد الله بن الحارث عن ابن عباس قال: "الأعراف" ، سور بين الجنة والنار. 14680- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثنا معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قال: "الأعراف" ، سور بين الجنة والنار. 14681- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (وعلى الأعراف رجال) ، يعني بالأعراف: السور الذي ذكر الله في القرآن، (2) وهو بين الجنة والنار. (1) الأثر: 14677 - (( عيسى )) ، هو (( عيسى بن ميمون المكي )) صاحب التفسير، مضى مئات من المرات، وترجم في رقم: 278، 3347، وكنيته (( أبو موسى )) فهو الرواي هنا عن (( عبيد الله بن أبي يزيد )) . وكان في المطبوعة هنا أيضًا (عبيد الله بن يزيد ) ) ، والصواب من المخطوطة. انظر التعليقين السالفين. (2) هو المذكور في آية سورة الحديد: 13، والمذكور آنفًا في الآثار السالفة. 14682- حدثنا الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا إسرائيل، عن جابر، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: "الأعراف" ، سور له عُرْف كعرف الديك. 14683- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن أبي جعفر قال: "الأعراف" ، سور بين الجنة والنار. 14684- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثني عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول: "الأعراف" ، السور الذي بين الجنة والنار. * * * واختلف أهل التأويل في صفة الرجال الذين أخبر الله جل ثناؤه عنهم أنهم على الأعراف، وما السبب الذي من أجله صاروا هنالك. فقال بعضهم: هم قوم من بني آدم، استوت حسناتهم وسيئاتهم، فجعلوا هنالك إلى أن يقضي الله فيهم ما يشاء، ثم يدخلهم الجنة بفضل رحمته إياهم. * ذكر من قال ذلك: 14685- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا يونس بن أبي إسحاق قال، قال الشعبي: أرسل إليّ عبد الحميد بن عبد الرحمن، وعنده أبو الزناد عبد الله بن ذكوان مولى قريش، وإذا هما قد ذكرَا من أصحاب الأعراف ذكرًا ليس كما ذَكَرا، فقلت لهما: إن شئتما أنبأتكما بما ذكر حذيفة، فقالا هات! فقلت: إن حذيفة ذكر أصحاب الأعراف فقال: هم قوم تجاوزت بهم حسناتهم النار، وقصرت بهم سيِّئاتهم عن الجنة، فإذا صُرفت أبصارُهم تلقاء أصحاب النار قالوا: "ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين" . فبينا هم كذلك، اطّلع إليهم ربك تبارك وتعالى فقال: اذهبوا وادخلوا الجنة، فإني قد غفرت لكم. (1) (1) الأثر: 14685 - (( عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب العدوي )) ، وهو (( الأعرج )) استعمله عمر بن عبد العزيز على الكوفة، وكان أبو الزناد كاتبًا له. ثقة، روى له الجماعة مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 3 /1 / 15، ونسب قريش: 363. و (( أبو الزناد )) ، (( عبد الله بن ذكوان )) مولى على قريش )) ، مضى برقم: 11813. 14686- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا حصين، عن الشعبي، عن حذيفة، أنه سئل عن أصحاب الأعراف، قال فقال: هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، فقصرت بهم سيئاتهم عن الجنة، وخلّفت بهم حسناتهم عن النار. قال: فوُقِفوا هنالك على السور حتى يقضي الله فيهم. 14687- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير وعمران بن عيينة، عن حصين، عن عامر، عن حذيفة قال: أصحاب الأعراف، قومٌ كانت لهم ذنوب وحسنات، فقصرت بهم ذنوبهم عن الجنة، وتجاوزت بهم حسناتهم عن النار، فهم كذلك حتى يقضي الله بين خلقه، فينفذ فيهم أمره. 14688- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن يمان، عن سفيان، عن جابر، عن الشعبي، عن حذيفة قال: أصحاب الأعراف، قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، فيقول: ادخلوا الجنة بفضلي ومغفرتي، لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون. 14689- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن يونس بن أبي إسحاق، عن عامر، عن حذيفة قال: أصحاب الأعراف، قوم تجاوزت بهم حسناتهم النار، وقصرت بهم سيئاتهم عن الجنة. 14690- حدثنا المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن أبي بكر الهذلي قال: قال سعيد بن جبير، وهو يحدّث ذلك عن ابن مسعود قال: يحاسب الناس يوم القيامة، فمن كانت حسناته أكثر من سيئاته بواحدة دخل الجنة، ومن كانت سيئاته أكثر من حسناته بواحدة دخل النار. ثم قرأ قول الله: (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) ، [سورة الأعراف: 8-9] . ثم قال: إن الميزان يخفّ بمثقال حبة ويرجح. قال: فمن استوت حسناته وسيئاته كان من أصحاب الأعراف، فوقفوا على الصراط، ثم عرفوا أهل الجنة وأهل النار، فإذا نظروا إلى أهل الجنة نادوا: "سلام عليكم" ، وإذا صرفوا أبصارهم إلى يسارهم نظرُوا أصحاب النار قالوا: (رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [سورة الأعراف: 47] ، فيتعوذون بالله من منازلهم، قال: فأما أصحاب الحسنات، فإنهم يعطون نورًا فيمشون به بين أيديهم وبأيمانهم، ويعطى كل عبد يومئذ نورًا، وكل أمَةٍ نورًا. فإذا أتوا على الصراط سَلب الله نور كل منافق ومنافقة. فلما رأى أهل الجنة ما لقي المنافقون، (1) قالوا: ربنا أتمم لنا نورنا ". وأما أصحاب الأعراف، فإن النور كان في أيديهم فلم ينزع من أيديهم، فهنالك يقول الله: (لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ) ، فكان الطمع دخولا. قال: فقال ابن مسعود: على أن العبد إذا عمل حسنة كتب له بها عشر، وإذا عمل سيئة لم تكتب إلا واحدة. ثم يقول: هلك من غلب وُحْدَانُه أعشارَه. (2) " 14691- حدثنا أبو همام الوليد بن شجاع قال، أخبرني ابن وهب قال، أخبرني عيسى الحنّاط، عن الشعبي، عن حذيفة قال: أصحاب الأعراف، قوم كانت لهم أعمال أنجاهم الله بها من النار، وهم آخر من يدخل الجنة، قد عرَفوا أهل الجنة وأهل النار. (3) (1) في المخطوطة: (( فلما رأوا أهل الجنة )) ، وهو جائز. (2) الأثر: 14690 - (( أبو بكر الهذلي )) ، ليس بثقة، ولا يحتج بحديثه. وقال غندر: (( كان إمامنا، وكان يكذب )) . مضى برقم: 597، 8376، 13054، 14398 غندر: (( كان إمامنا، وكان يكذب )) . مضى برقم: 597، 8376، 13054، 14398. و (( الوحدان )) بضم الواو، جمع (( واحد )) . و (( واحد )) . و (( الأعشار )) جمع (( عشر )) . (3) الأثر: 14691 - (( الوليد بن شجاع بن الوليد السكوني )) ، (( أبو همام )) ، شيخ الطبري، تكلموا فيه، وقال ابن معين: (( لا بأس به، ليس هو ممن يكذب )) ، وقال أبو حاتم: (( يكتب حديثه ولا يحتج به )) . مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 4 / 2 / 7. و (( عيسى الحناط )) ، هو (( عيسى بن أبي عيسى الحناط الغفاري )) ، وهو (( عيسى بن ميسرة )) ضعيف مضطرب الحديث لا يكتب حديثه. وكان (( خباطًا )) ، ثم ترك ذلك وصار (( حناطًا )) ، ثم ترك ذلك وصار يبيع الخيط. قال ابن سعد: (( كان يقول: أنا خباط، حناط، خياط، كلا قد عالجت )) . وكان في المطبوعة هنا (( الخياط )) ، وأثبت ما في المخطوطة، وإن كان صوابًا ما في المطبوعة. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 3 / 1 / 289. 14692- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا أبو داود قال، حدثنا همام، عن قتادة قال: قال ابن عباس: أصحاب الأعراف، قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، فلم تزد حسناتهم على سيئاتهم، ولا سيئاتهم على حسناتهم. 14693- حدثنا ابن وكيع وابن حميد قالا حدثنا جرير، عن منصور، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عبد الله بن الحارث، عن ابن عباس قال: "الأعراف" ، سور بين الجنة والنار، وأصحاب الأعراف بذلك المكان، حتى إذا بَدَا لله أن يعافيهم، انْطُلِق بهم إلى نهر يقال له: "الحياة" ، (1) حافتاه قَصَبُ الذهب، مكلَّل باللؤلؤ، ترابه المسك، فألقوا فيه حتى تصلح ألوانهم، ويبدو في نحورهم شامَةٌ بيضاء يعرفون بها، حتى إذا صلحت ألوانهم، أتى بهم الرحمنُ فقال: تمنوا ما شئتم! قال: فيتمنون، حتى إذا انقطعت أمنيتهم قال لهم: لكم الذي تمنيتم ومثله سبعين مرة! فيدخلون الجنة وفي نحورهم شامة بيضاء يعرفون بها، يسمَّون مساكين الجنة. (2) 14694- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن حبيب، عن مجاهد، عن عبد الله بن الحارث قال: أصحاب الأعراف، يؤمر بهم إلى نهر يقال له: "الحياة" ، ترابه الوَرْس والزعفران، وحافتاه قَصَبُ اللؤلؤ = قال: وأحسبه قال: مكلل باللؤلؤ = وقال: فيغتسلون فيه، فتبدو في نحورهم شامة بيضاء، فيقال لهم: تمنوا! فيقال لهم: لكم ما تمنيتم وسبعون ضعفًا! (1) في ابن كثير 3: 481 (( يقال له نهر الحياة )) . وانظر الأثر التالي. و (( قصب الذهب )) ، أنابيب من الذهب، مجوفة مستطيلة. وفي المطبوعة هنا وفيما يلي (( قضب )) ، بالضاد. (2) الأثر: 14693 - سيرويه موقوفًا على عبد الله بن الحارث في الأثر التالي، قال ابن كثير بعد أن ذكر الخبرين: (( وعن عبد الله بن الحارث من قوله، وهذا أصح )) ، التفسير 3: 482. وإنهم مساكين أهل الجنة = قال حبيب: وحدثني رجل: أنهم استوت حسناتهم وسيئاتهم. 14695- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن مجاهد، عن عبد الله بن الحارث قال: أصحاب الأعراف، ينتهى بهم إلى نهر يقال له: "الحياة" ، حافتاه قَصَب من ذهب = قال سفيان: أراه قال: مكلل باللؤلؤ = قال: فيغتسلون منه اغتسالةً فتبدو في نحورهم شامة بيضاء، ثم يعودون فيغتسلون، فيزدادون. فكلما اغتسلوا ازدادت بياضًا، فيقال لهم: تمنوا ما شئتم! فيتمنون ما شاءوا، فيقال لهم: لكم ما تمنيتم وسبعون ضعفًا! قال: فهم مساكين أهل الجنة. 14696- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا ابن عيينة، عن حصين، عن الشعبي، عن حذيفة قال: أصحاب الأعراف، قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، فهم على سور بين الجنة والنار: (لم يدخلوها وهم يطمعون) . 14697- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: كان ابن عباس يقول: "الأعراف" ، بين الجنة والنار، حبس عليه أقوام بأعمالهم. وكان يقول: قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، فلم تزد حسناتهم على سيئاتهم، ولا سيئاتهم على حسناتهم. 14698- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة قال، قال ابن عباس: أهل الأعراف، قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم. 14699- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو خالد، عن جويبر، عن الضحاك قال: أصحاب الأعراف، قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم. 14700-. . . . وقال، حدثنا يحيى بن يمان، عن شريك، عن منصور، عن سعيد بن جبير قال: أصحاب الأعراف، استوت أعمالهم. 14701- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: أصحاب الأعراف، قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، فوُقِفوا هنالك على السور. 14702- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سفيع، أو سميع = قال أبو جعفر: كذا وجدت في كتاب سفيع (1) =، عن أبي علقمة قال: أصحاب الأعراف، قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم. (2) * * * وقال آخرون: كانوا قتلوا في سبيل الله عصاة لآبائهم في الدنيا. * ذكر من قال ذلك: 14703- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن يمان، عن أبي مسعر، عن شرحبيل بن سعد قال: هم قوم خرجوا في الغزو بغير إذن آبائهم. 14704 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني الليث قال، حدثني خالد، عن سعيد، عن يحيى بن شبل: أن رجلا من بني النضير أخبره، عن رجل من بني هلال: أن أباه أخبره: أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحاب الأعراف فقال: هم قوم غزوا في سبيل الله عصاةً لآبائهم، فقتلوا، فأعتقهم الله من النار بقتلهم في سبيله، وحُبسوا عن الجنة بمعصية آبائهم، فهم آخر من يدخل الجنة. (3) (1) في المخطوطة: (( كتابي )) ثم ضرب على (( بي )) ، وكتب بعدها (( ب )) ، وأخشى أن يكون الذي ضرب عليه الناسخ هو الصواب. (2) الأثر: 14702 - (( سفيع )) ، لم أجد من ذكره. وأما (( سميع )) الراوي عن ابن عباس، فهو (( سميع الزيات )) (( أبو صالح )) ، ثقة مترجم في الكبير 2 /2 / 190، وابن أبي حاتم 2 / 1 / 305. (3) الأثر: 14704 - (( يحيى بن شبل )) ، (( مولى بني هاشم )) لم أعرف حاله، ترجم له ابن أبي حاتم 4 / 2 / 157، ولم يذكر فيه جرحًا، والبخاري في الكبير 4 / 2 / 282، وذكره في التهذيب إلحاقًا فقال: (( ولهم بن شبل شيخ آخر مدني، أقدم من هذا، يروي عنه أبو معشر حديثًا في أصحاب الأعراف )) واقتصر البخاري على أنه يروي عنه سعيد بن أبي هلال. وأما ابن أبي حاتم، فذكر أنه روى عن (( عمر بن عبد الرحمن المزني، وعن جده بن حسين (؟؟) عن علي رضي الله عنه )) ثم قال: (( روى عنه سعيد بن أبي هلال، وعبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة، وأبو معشر، وموسى بن عبيدة الربذي، وابن أبي سبرة )) . وزادنا أبو جعفر في الأثر التالي أنه (( مولى بني هاشم )) ، ولم أجد لذلك ذكرًا في الكتب التي بأيدينا. وهذا خبر ضعيف، لما فيه من المجاهيل، ولأن (( أبا معشر )) نفسه، قد تكلموا فيه، وضعفوه. وانظر التعليق على الأثر التالي، ففيه التخريج. 14705 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا يزيد بن هارون، عن أبي معشر، عن يحيى بن شبل مولى بني هاشم، عن محمد بن عبد الرحمن، عن أبيه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحاب الأعراف، فقال: قوم قتلوا في سبيل الله بمعصية آبائهم، فمنعهم قتلهم في سبيل الله عن النار، ومنعتهم معصية آبائهم أن يدخلوا الجنة. (1) * * * وقال آخرون: بل هم قوم صالحون فقهاء علماء. * ذكر من قال ذلك: 14706- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن خصيف، عن مجاهد قال: أصحاب الأعراف، قوم صالحون فقهاء علماء. * * * (1) الأثر: 14705 - (( يحيى بن شبل، مولى بني هاشم )) ، انظر الأثر السالف. و (( محمد بن عبد الرحمن المزني )) ، لم أجد له ترجمة مفردة، ويقال أيضًا (( عمر بن الرحمن المزني )) ، ويقال: (( عمرو بن عبد الرحمن )) ، إن صلح ما في ترجمة أبيه في أسد الغابة. وأبوه (( عبد الرحمن المزني )) ، ويقال (( عبد الرحمن بن أبي عبد الرحمن )) ، وقال ابن عبد البر في الاستيعاب: (( وقد قيل: اسم أبيه محمد، وهو الصواب إن شاء الله )) . وترجم له ابن عبد البر في الاستيعاب: 399، وابن الأثير في أسد الغابة في موضعين 3: 307، 322، وابن حجر في الإصابة في موضعين: في (( عبد الرحمن بن أبي الهلالي )) وفي (( عبد الرحمن المزني )) ، ولم يشر إلى ذلك في واحدة من الترجمتين، وهو عجيب!! واختلفوا في تسمية ولده، فقال ابن حجر: (( والد عمر، ويقال: والد محمد )) ، وقال ابن عبد البر: (( وله ولد آخر يقال له: (( عبد الرحمن )) . أما ابن الأثير، ففيه أن ولده (( عمرو )) ، وان كنية (( عبد الرحمن المزني )) هو (( أبو عمرو )) . وأما قوله في الأثر السالف: (( أن رجلا من بني النضير )) ، فهكذا جاء في المخطوطة والمطبوعة، وفي المراجع الأخرى: (( أن رجلا من بني نضر )) ، ولا أدري أهو بالضاد المعجمة أم الصاد المهملة. وأما (( عن رجل من بني هلال )) فكأنه يعني من (( بني هلال بن رئاب )) من (( بني عمرو بن أد )) ، وهم مزينة، ومن بني هلال بن رئاب (( إياس بن معاوية المزني )) القاضي المشهور. انظر جمهرة الأنساب لابن حزم: 192. ويدل على ذلك ان ابن حجر ترجم له في (( عبد الرحمن بن أبي عبد الرحمن الهلالي )) وفي (( عبد الرحمن المزني )) ، وذكر فيهما حديثه في الأعراف. وهذا الخبر ذكروه جميعًا من طرق مختلفة، وكلها مضطرب، وقد جمع الكلام فيه الحافظ ابن حجر في الإصابة في الموضعين، ولكنه لم يستوفه. ومهما يكن من شيء، فهو حديث ضعيف لضعف أبي معشر، ولما يحيط به من الجهالة كما أسلفت في التعليق على الأثر السالف. وقال آخرون: بل هم ملائكة وليسوا ببني آدم. * ذكر من قال ذلك: 14707- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن أبي مجلز قوله: (وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم) ، قال: هم رجال من الملائكة، يعرفون أهل الجنة وأهل النار، قال: (ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم) ، إلى قوله: (ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين) ، قال: فنادى أصحاب الأعراف رجالا في النار يعرفونهم بسيماهم: (ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون. أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة) ، قال: فهذا حين دخل أهل الجنة الجنة: (ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون) . 14708- حدثنا ابن عبد الأعلى قال، حدثنا المعتمر قال، سمعت عمران قال: قلت لأبي مجلز: يقول الله: (وعلى الأعراف رجال) ، وتزعم أنتَ أنهم الملائكة؟ قال فقال: إنهم ذكور، وليسوا بإناث. 14709- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن سليمان التيمي، عن أبي مجلز: (وعلى الأعراف رجال) ، قال: رجال من الملائكة، يعرفون الفريقين جميعًا بسيماهم، أهل النار وأهل الجنة، وهذا قبل أن يدخل أهل الجنة الجنة. 14710- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن أبي عدي، عن التيمي، عن أبي مجلز، بنحوه. 14711-. . . . وقال، حدثنا يحيى بن يمان، عن سفيان، عن التيمي، عن أبي مجلز قال: أصحاب الأعراف، الملائكة. 14712- حدثني المثنى قال، حدثنا يعلى بن أسد قال، حدثنا خالد قال، أخبرنا التيمي، عن أبي مجلز: (وعلى الأعراف رجال) ، قال: هم الملائكة. 14713- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن عمران بن حدير، عن أبي مجلز: (وعلى الأعراف رجال) ، قال: هم الملائكة. قلت: يا أبا مجلز، يقول الله تبارك وتعالى: "رجال" ، وأنت تقول: ملائكة؟ قال: إنهم ذُكران ليسوا بإناث. 14714- حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج قال، حدثنا حماد، عن عمران بن حدير، عن أبي مجلز في قوله: (وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم) ، قال: الملائكة. قال قلت: يقول الله "رجال" ؟ قال: الملائكة ذكور. (1) * * * قال أبو جعفر: والصواب من القول في أصحاب الأعراف أن يقال كما قال الله جل ثناؤه فيهم: هم رجال يعرفون كُلا من أهل الجنة وأهل النار بسيماهم، ولا خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصح سنده،ولا أنه متفق على تأويلها، ولا إجماع من الأمة على أنهم ملائكة. فإذ كان ذلك كذلك، وكان ذلك لا يدرك قياسًا، وكان المتعارف بين أهل لسان العرب أن "الرجال" اسم يجمع ذكور بني آدم دون إناثهم ودون سائر (1) في المخطوطة: (( الملائكة )) دون صفتهم (( ذكور )) ، كأنه قطع الكلام بالإثبات. وإن كان يخشى أيضًا أن يكون الناسخ أسقط ما ثبت في المطبوعة. https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف الحلقة (673) صــ 461 إلى صــ 470 الخلق غيرهم، كان بيِّنًا أن ما قاله أبو مجلز من أنهم ملائكة، قولٌ لا معنى له، وأن الصحيح من القول في ذلك ما قاله سائر أهل التأويل غيره. هذا مع مَنْ قال بخلافه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك من الأخبار، وإن كان في أسانيدها ما فيها، وقد:- 14715- حدثني القاسم قال، حدثني الحسين قال، حدثني جرير عن عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير قال، سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحاب الأعراف فقال: "هم آخر مَنْ يفصل بينهم من العباد، وإذا فرغ ربُّ العالمين من فصله بين العباد قال: أنتم قوم أخرجتكم حسناتكم من النار، ولم تدخلكم الجنة، وأنتم عُتَقائي، فارعوا من الجنة حيث شئتم. (1) " * * * القول في تأويل قوله: {يَعْرِفُونَ كُلا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وعلى الأعراف رجال يعرفون أهل الجنة بسيماهم، وذلك بياض وجوههم، ونضرةُ النعيم عليها = ويعرفون أهل النار كذلك بسيماهم، وذلك سواد وجوههم، وزرقة أعينهم، فإذا رأوا أهل الجنة نادوهم: "سلام عليكم" . * * * وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. (1) الأثر: 14715 - (( عمارة بن القعقاع بن شبرمة الضبي، روى له الجماعة، مضى برقم: 14203، 14209. و (( أبو زرعة بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي )) ، ثقة، روى له الجماعة مضى كثيراص، آخرها أيضًا رقم: 14203، 14209. وكان في المطبوعة والمخطوطة: (( أبو زرعة، عن عمرو بن جرير )) ، وهو خطأ. وهذا خبر مرسل حسن، خرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 87، وزاد إلى ابن المنذر. ذكره ابن كثير في تفسيره 3: 482. * ذكر من قال ذلك: 14716- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم) ، قال: يعرفون أهل النار بسواد الوجوه، وأهل الجنة ببياض الوجوه. 14717 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم) ، قال: أنزلهم الله بتلك المنزلة، ليعرفوا من في الجنة والنار، وليعرفوا أهل النار بسواد الوجوه، ويتعوَّذوا بالله أن يجعلهم مع القوم الظالمين، وهم في ذلك يحيّون أهل الجنة بالسلام، لم يدخلوها، وهم يطمعون أن يدخلوها، وهم داخلوها إن شاء الله. 14718 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (بسيماهم) ، قال: بسواد الوجوه، وزُرقة العيون. 14719- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم) ، الكفار بسواد الوجوه وزرقة العيون، وسيما أهل الجنة مبيَضَّة وجوههم. 14720- حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، حدثنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: أصحاب الأعراف إذا رأوا أصحاب الجنة عرَفوهم ببياض الوجوه، وإذا رأوا أصحاب النار عرفوهم بسواد الوجوه. 14721- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: إن أصحاب الأعراف رجال كانت لهم ذنوبٌ عِظام، وكان حَسْمُ أمرهم لله، فأقيموا ذلك المقام، إذا نظروا إلى أهل النار عرفوهم بسواد الوجوه، فقالوا: (ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين) ، وإذا نظروا إلى أهل الجنة عرفوهم ببياض الوجوه، فذلك قوله: (ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون) . 14722- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك في قوله: (وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم) ، زعموا أن أصحاب الأعراف رجال من أهل الذنوب، أصابوا ذنوبًا، وكان حَسْم أمرهم لله، فجعلهم الله على الأعراف. فإذا نظروا إلى أهل النار عرفوهم بسواد الوجوه، فتعوذوا بالله من النار. وإذا نظروا إلى أهل الجنة نادوهم: "أن سلام عليكم" ، قال الله: (لم يدخلوها وهم يطمعون) . قال: وهذا قول ابن عباس. 14723- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (يعرفون كلا بسيماهم) ، يعرفون الناس بسيماهم، يعرفون أهل النار بسواد وجوههم، وأهل الجنة ببياض وجوههم. 14724- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (يعرفون كلا بسيماهم) ، يعرفون أهل النار بسواد وجوههم، وأهل الجنة ببياض وجوههم. 14725- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم) ، قال: أهل الجنة بسيماهم. بيض الوجوه = وأهل النار بسيماهم، سود الوجوه. قال: وقوله (يعرفون كلا بسيماهم) ، قال: أصحاب الجنة وأصحاب النار = "ونادوا أصحاب الجنة" ، قال: حين رأوا وجوههم قد ابيضت. 14726- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك: (يعرفون كلا بسيماهم) ، قال: بسواد الوجوه. 14727- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن يمان، عن مبارك، عن الحسن: (بسيماهم) ، قال: بسواد الوجوه وزرقة العيون. * * * و "السيماء" ، العلامة الدالة على الشيء، في كلام العرب. وأصله من "السِّمَة" ، نقلت واوها التي هي فاء الفعل، إلى موضع العين، كما يقال: "اضمحلّ" و "امضحلّ" . وذكر سماعًا عن بعض بني عقيل: "هي أرض خامة" ، يعني "وَخِمة" . ومنه قولهم: "له جاه عند الناس" ، بمعنى "وجه" ، نقلت واوه إلى موضع عين الفعل. (1) وفيها لغات ثلاث: "سيما" مقصورة، و "سيماء" ، ممدودة، و "سيمياء" ، بزيادة ياء أخرى بعد الميم فيها، ومدها، على مثال "الكبرياء" ، (2) كما قال الشاعر: (3) غُلامٌ رَمَاهُ الله بِالحُسْنِ إذْ رَمَى ... لَهُ سِيمِيَاءُ لا تَشُقُّ عَلَى البَصَرْ (4) * * * وأما قوله: (ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون) ، أي: حلت عليهم أمنة الله من عقابه وأليم عذابه. (5) * * * واختلف أهل التأويل في المعنيّ بقوله: (لم يدخلوها وهم يطمعون) . فقال بعضهم: هذا خبر من الله عن أهل الأعراف: أنهم قالوا لأهل الجنة ما قالوا قبل دخول أصحاب الأعراف، غير أنهم قالوه وهم يطمعون في دخولها. * ذكر من قال ذلك: 14728- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: أهل الأعراف يعرفون الناسَ، فإذا مرُّوا عليهم (1) انظر (( جاه )) فيما سلف 6: 415. (2) انظر تفسير (( سيما )) فيما سلف 5: 594 - 597 /7: 189، 190. (3) هو أسيد بن عنقاء الفزاري. (4) سلف البيت وتخريجه فيما سلف 5: 595 /7: 189. (5) انظر تفسير (( سلام )) فيما سلف ص: 114، تعليق: 1، والمراجع هناك. بزُمْرة يُذْهب بها إلى الجنة قالوا: "سلام عليكم" . يقول الله لأهل الأعراف: لم يدخلوها، وهم يطمعون أن يدخلوها. 14729- حدثني محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر قال، تلا الحسن: (لم يدخلوها وهم يطمعون) ، قال: والله ما جعل ذلك الطمع في قلوبهم، إلا لكرامة يريدها بهم. 14730- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (لم يدخلوها وهم يطمعون) ، قال: أنبأكم الله بمكانهم من الطمع. 14731- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن أبي بكر الهذلي قال، قال سعيد بن جبير، وهو يحدث ذلك عن ابن مسعود قال: أما أصحاب الأعراف، فإن النور كان في أيديهم، فانتزع من أيديهم، (1) يقول الله: (لم يدخلوها وهم يطمعون) ، قال: في دخولها. قال ابن عباس: فأدخل الله أصحاب الأعراف الجنة. 14732- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا إسرائيل، عن جابر، عن عكرمة وعطاء: (لم يدخلوها وهم يطمعون) ، قالا في دخولها. * * * وقال آخرون: إنما عني بذلك أهلَ الجنة، وأن أصحاب الأعراف يقولون لهم قبل أن يدخلوا الجنة: "سلام عليكم" ، وأهل الجنة يطمعون أن يدخلوها، ولم يدخلوها بعدُ. * ذكر من قال ذلك: 14733- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا وكيع قال، حدثنا جرير، عن سليمان التيمي، عن أبي مجلز: (ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون) ، قال: الملائكة، يعرفون الفريقين جميعًا بسيماهم. وهذا قبل أن (1) في المطبوعة: (( ما انتزع )) ، والصواب من المخطوطة. يدخل أهل الجنة الجنة، أصحاب الأعراف ينادون أصحابَ الجنة: أنْ سلام عليكم، لم يدخلوها وهم يطمعون في دخولها. * * * القول في تأويل قوله: {وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وإذا صرفت أبصارُ أصحاب الأعراف تلقاء أصحاب النار = يعني: حِيالَهم ووِجاههم = فنظروا إلى تشويه الله لهم = (قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين) ، الذين ظلموا أنفسهم، فأكسبوها من سخطك ما أورثهم من عذابك ما هم فيه. 14734- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: وإذا مروا بهم = يعني بأصحاب الأعراف = بزمرة يُذهب بها إلى النار، قالوا: (ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين) . 14735- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: إن أصحاب الأعراف إذا نظروا إلى أهل النار وعرفوهم، قالوا: (ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين) . 14736- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن أبي مكين، عن أخيه، عن عكرمة: (وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار) ، قال: تحرد وجوههم للنار، فإذا رأوا أهل الجنة ذهبَ ذلك عنهم. (1) (1) الأثر: 14736 - (( أبو مكين )) ، هو (( نوح بن ربيعة الأنصاري )) ، مضى برقم: 9742 - 9839. وكان وكيع يهم فيقول: (( أبو مكين )) هو (( نوح بن أبان )) ، أخو (( الحكم بن أبان )) ، ونبهوا على هذا الوهم. انظر ترجمة (( نوح بن ربيعة )) في التهذيب وابن أبي حاتم 4 / 1 / 482. وأخوه، يعني وكيع: (( الحكم بن أبان العدني )) ، وهو يروي عن طاوس وعكرمة، ثقة مترجم في التهذيب، والكبير 1 / 2 / 334، وابن أبي حاتم 1 / 2 /113. 14737- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، ابن زيد في قوله: (وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار) ، فرأوا وجوههم مسودّة، وأعينهم مزرقّة، = (قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين) . * * * القول في تأويل قوله: {وَنَادَى أَصْحَابُ الأعْرَافِ رِجَالا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48) } قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: (ونادى أصحاب الأعراف رجالا) ، من أهل الأرض = (يعرفونهم بسيماهم) ، سيما أهل النار = (قالوا ما أغنى عنكم جمعكم) ، ما كنتم تجمعون من الأموال والعَدَد في الدنيا = (وما كنتم تستكبرون) ، يقول: وتكبُّركم الذي كنتم تتكبرون فيها، (1) كما: 14738- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال، فمرّ بهم = يعني بأصحاب الأعراف = ناس من الجبَّارين عرفوهم بسيماهم. قال: يقول: قال أصحاب الأعراف: (ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون) . 14739- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: (ونادى أصحاب الأعراف رجالا) ، قال: في النار = (يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم (1) انظر تفسير (( الاستكبار )) فيما سلف 11: 540 / 12: 421. وما كنتم تستكبرون) ، وتكبركم. (1) 14740- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن سليمان التيمي، عن أبي مجلز: (ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون) ، قال: هذا حين دخل أهل الجنةِ الجنةَ، = (أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة) ، الآية، قلت لأبي مجلز: عن ابن عباس؟ قال: لا بل عن غيره. 14741- حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن سليمان التيمي، عن أبي مجلز: (ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم) ، قال: نادت الملائكة رجالا في النار يعرفونهم بسيماهم = (ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون. أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة) ، قال: هذا حين دخل أهل الجنةِ الجنةَ = (ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون) . 14742- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم) ، فالرجال، عظماء من أهل الدنيا. قال: فبهذه الصفة عرَف أهلُ الأعراف أهلَ الجنة من أهل النار. وإنما ذكر هذا حين يذهب رئيس أهل الخير ورئيس أهل الشر يوم القيامة = قال: وقال ابن زيد في قوله: (ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون) ، قال: على أهل طاعة الله. * * * (1) في المطبوعة: (( ... جميعكم وتكبركم وما كنتم تستكبرون )) ، وهو كذلك في المخطوطة، إلا أنه فوق (( وتكبركم )) حرف (م) دلالة على أنه مقدم عن مكانه، فرددته إلى الأصل، وهو الصواب. القول في تأويل قوله: {أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (49) } قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في المعنيِّين بهذا الكلام. فقال بعضهم: هذا قِيل الله لأهل النار، توبيخًا على ما كان من قِيلهم في الدنيا، لأهل الأعراف، عند إدخاله أصحابَ الأعراف الجنة. * ذكر من قال ذلك: 14743 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قال: "أصحاب الأعراف" ، رجال كانت لهم ذنوب عظام، وكان حَسْم أمرهم لله، يقومون على الأعراف، فإذا نظروا إلى أهل الجنة طمعوا أن يدخلوها. وإذا نظروا إلى أهل النار تعوَّذوا بالله منها، فأدخلوا الجنة. فذلك قوله تعالى: "أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة" ، يعني أصحابَ الأعراف= "ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون" . 14744 - حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن جويبر، عن الضحاك قال، قال ابن عباس: إن الله أدخل أصحابَ الأعراف الجنة لقوله: "ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون" . 14745 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: قال الله لأهل التكبر والأموال: "أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة" ، يعني أصحاب الأعراف= "ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون" . 14746 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "أهؤلاء" ، الضعفاء= "الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة" ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون "، قال: فقال حذيفة:" أصحاب الأعراف "، قوم تكافأت أعمالهم، فقصَّرت بهم حسناتهم عن الجنة، وقصَّرت بهم سيئاتهم عن النار، فجعلوا على الأعراف، يعرفون الناس بسيماهم. فلما قُضِي بين العباد، أذن لهم في طلب الشفاعة، فأتوا آدم عليه السلام، فقالوا: يا آدم، أنت أبونا فاشفع لنا عند ربك! فقال: هل تعلمون أحدًا خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، وسبقت رحمته إليه غضبه، (1) وسجدت له الملائكة، غيري؟ فيقولون: لا! قال: فيقول: ما عملت فيه كُنْهَ ما أستطيع أن أشفع لكم، (2) ولكن ائتوا ابني إبراهيم! قال: فيأتون إبراهيم عليه السلام فيسألونه أن يشفع لهم عند ربه، فيقول: هل تعلمون من أحدٍ اتخذه الله خليلا؟ هل تعلمون أحدًا أحرقه قومه في النار في الله، غيري؟ فيقولون: لا! فيقول: ما عملت كُنْهَ ما أستطيع أن أشفع لكم، (3) ولكن ائتوا ابني موسى! فيأتون موسى عليه السلام، فيقول: هل تعلمون من أحد كلمه الله تكليمًا، وقرّبه نجيًّا، غيري؟ فيقولون: لا! فيقول: ما عملت فيه كُنْهَ ما أستطيع أن أشفع لكم، ولكن ائتوا عيسى! فيأتونه فيقولون: اشفع لنا عند ربك! فيقول: هل تعلمون أحدًا خلقه الله من غير أب، غيري؟ فيقولون: لا! فيقول: هل تعلمون من أحد كان يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله غيري؟ قال: فيقولون: لا! قال: فيقول: أنا حجيجُ نفسي، ما عملت فيه كُنْهَ ما أستطيع أن أشفع لكم، (4) ولكن ائتوا محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فيأتوني، فأضرب بيدي على صدري، ثم أقول: أنا لها! ثم أمشي حتى أقف بين يدي العرش، فأثني على ربي، فيفتح لي من الثناء ما لم يسمع السامعون بمثله قطُّ، ثم أسجد فيقال لي: يا محمد، ارفع رأسك، سل تُعطَه، واشفع تُشَفَّع! فأرفع رأسي فأقول: رب، أمتي! فيقال: هم لك، فلا يبقى نبي مرسل ولا ملك مقرَّب إلا غَبَطني يومئذ بذلك المقام، وهو المقام المحمود. قال: فآتي بهم باب الجنة، فأستفتح فيفتح لي ولهم، فيُذهب بهم إلى نهر يقال له" نهر الحيوان "، (5) حافتاه قَصَب من ذهب مكلل باللؤلؤ، (6) ترابه المسك، وحصباؤه الياقوت، فيغتسلون منه، فتعود إليهم ألوان أهل الجنة وريح أهل الجنة، (7) ويصيرون كأنهم الكواكب الدرّية، ويبقى في صدورهم شامات بيض يعرفون بها، يقال لهم:" مساكين أهل الجنة "." 14747 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك قال: إن الله أدخلهم بعد أصحاب الجنة، وهو قوله: "ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون" ، يعني أصحاب الأعراف. وهذا قول ابن عباس. * * * قال أبو جعفر: فتأويل الكلام على هذا التأويل الذي ذكرنا عن ابن عباس، ومن ذكرنا قوله فيه=: قال الله لأهل التكبر عن الإقرار بوحدانية الله، والإذعان لطاعته وطاعة رسله، الجامعين في الدنيا الأموال مكاثرة ورياء: أيها الجبابرة (1) في المطبوعة: "رحمة الله إليه غضبه" ، وأثبت ما في المخطوطة. (2) "كنه الشيء" قدره ونهايته وغايته وحقيقته، يريد: ما عملت ما يبلغ بي مرتبة الشفاعة لكم. وفي المطبوعة: "ما علمت" ، وأثبت ما في المخطوطة. وفي تفسير ابن كثير، نقلا عن هذا الموضع من التفسير: "ما علمت كنهه ما أستطيع" ، والصواب ما في مخطوطة الطبري. (3) في المطبوعة هنا أيضًا: "ما علمت" ، وأثبت ما في المخطوطة. وفي المخطوطة: "ما عملت فيه ما أستطيع" ، بإسقاط "كنه" سهوًا من الناسخ على الأرجح. (4) في المطبوعة: "ما علمت كنه ما أستطيع" ، وأثبت ما في المخطوطة، كما ذكرت في التعليقين السالفين. (5) في المطبوعة: "نهر الحياة" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو المطابق لما في تفسير ابن كثير. (6) "القصب" أنابيب مستطيلة مجوفة من الجوهر، أو الذهب أو الفضة. وكان في المطبوعة كما سلف آنفًا ص: 455، تعليق: 1، "قضب" بالضاد، وأثبت ما في المخطوطة، وغيرها من المراجع (7) في المخطوطة: "وريح" ، بإسقاط "أهل الجنة" . وفي المطبوعة: "وريحهم" ، وأثبت ما في تفسير ابن كثير 3: 485، نقلا عن هذا الموضع من تفسير الطبري. https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف الحلقة (674) صــ 471 إلى صــ 480 كانوا في الدنيا، (1) أهؤلاء الضعفاء الذين كنتم في الدنيا أقسمتم لا ينالهم الله برحمة؟ قال: قد غفرت لهم ورحمتهم بفضلي ورحمتي، ادخلوا يا أصحاب الأعراف الجنة لا خوف عليكم بعدها من عقوبة تعاقبون بها على ما سلف منكم في الدنيا من الآثام والإجرام، ولا أنتم تحزنون على شيء فاتكم في دنياكم. * * * وقال أبو مجلز: بل هذا القول خبر من الله عن قيل الملائكة لأهل النار، بعد ما دخلوا النار، تعييرًا منهم لهم على ما كانوا يقولون في الدنيا للمؤمنين الذين أدخلهم الله يوم القيامة جنته. وأما قوله: "ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون" ، فخبر من الله عن أمره أهل الجنة بدخولها. 14748 - حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن سليمان التيمي، عن أبي مجلز قال: نادت الملائكة رجالا في النار يعرفونهم بسيماهم: "ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون * أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة" ، قال: فهذا حين يدخل أهل الجنة الجنةَ = "ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون" . * * * القول في تأويل قوله: {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (50) } قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن استغاثة أهل النار بأهل الجنة، عند نزول عظيم البلاء بهم من شدة العطش والجوع، عقوبةً من الله لهم (1) في المطبوعة: "أيها الجبابرة الذين كانوا في الدنيا" ، زاد "الذين" ، وليست في المخطوطة، والذي في المخطوطة حق الصواب. على ما سلف منهم في الدنيا من ترك طاعة الله، وأداء ما كان فرض عليهم فيها في أموالهم من حقوق المساكين من الزكاة والصدقة. يقول تعالى ذكره: "ونادى أصحاب النار" ، بعد ما دخلوها= "أصحاب الجنة" ، بعد ما سكنوها= "أن" ، يا أهل الجنة= "أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله" ، أي: أطعمونا مما رزقكم الله من الطعام، كما:- 14749 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله" ، قال: من الطعام. 14750 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله" ، قال: يستطعمونهم ويستسقونهم. * * * = فأجابهم أهل الجنة، إن الله حرم الماء والطعام على الذين جحدوا توحيده، وكذبوا في الدنيا رسله. * * * و "الهاء والميم" في قوله: "إن الله حرّمهما" ، عائدتان على "الماء" وعلى "ما" التي في قوله: "أو مما رزقكم الله" . * * * وبنحو ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 14751 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن عثمان الثقفي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: "ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله" ، قال: ينادي الرجلُ أخاه أو أباه، فيقول: "قد احترقت، أفض عليَّ من الماء!" ، فيقال لهم: أجيبوهم! فيقولون: "إن الله حرمهما على الكافرين" 14752 - وحدثني المثنى قال، حدثنا ابن دكين قال، حدثنا سفيان، عن عثمان، عن سعيد بن جبير: "ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله" ، قال: ينادي الرجل أخاه: يا أخي، قد احترقتُ فأغثني! فيقول: "إن الله حرمهما على الكافرين" . (1) 14753 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "قالوا إن الله حرمهما على الكافرين" ، قال: طعامُ أهل الجنة وشرابُها. * * * القول في تأويل قوله: {الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (51) } قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله عن قِيل أهل الجنة للكافرين. يقول تعالى ذكره: فأجاب أهلُ الجنة أهلَ النار: "إن الله حرمهما على الكافرين" الذين كفروا بالله ورسله، الذين اتخذوا دينهم الذي أمرهم الله به لهوًا ولعبا، يقول: سخرية ولعبًا. (2) وروي عن ابن عباس في ذلك ما:- (1) الأثر: 14752 - "ابن دكين" ، هو "الفضل بن دكين التيمي" ، مضى مرارًا، منها: 2554، 3035، 8535. (2) انظر تفسير "اللهو" فيما سلف 11: 441. = وتفسير "اللعب" فيما سلف 11: 441، تعليق: 2، والمراجع هناك. 14754 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس في قوله: "الذين اتخذوا دينهم لهوًا ولعبًا" ، الآية، قال: وذلك أنهم كانوا إذا دُعوا إلى الإيمان سخِروا ممن دعاهم إليه وهزؤوا به، اغترارًا بالله. * * * = "وغرتهم الحياة الدنيا" ، يقول: وخدعهم عاجلُ ما هم فيه من العيش والخفض والدَّعة، عن الأخذ بنصيبهم من الآخرة، حتى أتتهم المنية (1) = يقول الله جل ثناؤه: "فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا" ، أي ففي هذا اليوم، وذلك يوم القيامة = "ننساهم" ، يقول: نتركهم في العذاب المبين جياعًا عطاشًا بغير طعام ولا شراب، كما تركوا العمل للقاء يومهم هذا، ورفضوا الاستعداد له بإتعاب أبدانهم في طاعة الله. * * * وقد بينا معنى قوله: "ننساهم" ، بشواهده فيما مضى، بما أغنى عن إعادته. (2) * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 14755 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد: "فاليوم ننساهم" ، قال: نسوا في العذاب. 14756 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "فاليوم ننساهم" ، قال: نتركهم كما تركوا لقاء يومهم هذا. 14757 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: "ننساهم" ، قال: نتركهم في النار. (1) انظر تفسير "الغرور" فيما سلف ص: 351، تعليق: 1، والمراجع هناك. (2) انظر تفسير "النسيان" فيما سلف 11: 357، تعليق: 3، والمراجع هناك. 14758 - حدثني المثتي قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: "فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا" ، قال: نتركهم من الرحمة، كما تركوا أن يعملوا للقاء يومهم هذا. 14759 - حدثنا محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا" ، الآية، يقول: نسيهم الله من الخير، ولم ينسهم من الشرّ. 14760 - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد قال، سمعت مجاهدًا في قوله: "فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا" ، قال: نؤخرهم في النار. * * * وأما قوله: "وما كانوا بآياتنا يجحدون" ، فإن معناه: "اليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا" ، وكما كانوا بآياتنا يجحدون. * * * فـ "ما" التي في قوله: "وما كانوا" معطوفة على "ما" التي في قوله: "كما نسوا" . * * * قال أبو جعفر: وتأويل الكلام: فاليوم نتركهم في العذاب، كما تركوا العمل في الدنيا للقاء الله يوم القيامة، وكما كانوا بآيات الله يجحدون = وهي حججه التي احتج بها عليهم، من الأنبياء والرسل والكتب وغير ذلك (1) = "يجحدون" ، يكذبون ولا يصدقون بشيء من ذلك. (2) * * * (1) انظر تفسير "الآية" فيما سلف من فهارس اللغة (أيي) . (2) انظر تفسير "الجحد" فيما سلف 11: 334. القول في تأويل قوله: {وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: أقسم، يا محمد، لقد جئنا هؤلاء الكفرة بكتاب = يعني القرآن الذي أنزله إليه. يقول: لقد أنزلنا إليهم هذا القرآن، مفصَّلا مبيَّنًا فيه الحق من الباطل = "على علم" ، يقول: على علم منا بحقِّ ما فُصِّل فيه، من الباطل الذي مَيَّز فيه بينه وبين الحق (1) = "هدى ورحمة" ، يقول: بيناه ليُهْدَى ويُرْحَم به قومٌ يصدقون به، وبما فيه من أمر الله ونهيه، وأخباره، ووعده ووعيده، فينقذهم به من الضلالة إلى الهدى. وهذه الآية مردودة على قوله: (كِتَابٌ أُنزلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) [سورة الأعراف 2] = "ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم" . * * * و "الهدى" في موضع نصب على القطع من "الهاء" التي في قوله: "فصلناه" ، (2) ولو نصب على فعل "فصلناه" ، (3) فيكون المعنى: فصلنا الكتاب كذلك = كان صحيحًا. ولو قرئ: "هدى ورحمةٍ" كان في الإعراب فصيحًا، وكان خفض ذلك بالردِّ على "الكتاب" . (4) * * * (1) انظر تفسير "التفصيل" فيما سلف ص: 402، تعليق: 1، والمراجع هناك. (2) "القطع" ، الحال، وانظر فهارس المصطلحات. (3) نصبه على "الفعل" ، أي: هو مفعول مطلق، من غير فعله، كأنه قال: فصلناه تفصيلا. (4) انظر معاني القرآن للفراء 1: 380. القول في تأويل قوله: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: "هل ينظرون إلا تأويله" ، هل ينتظر هؤلاء المشركون الذين يكذبون بآيات الله ويجحدون لقاءه = "إلا تأويله" ، يقول: إلا ما يؤول إليه أمرهم، من ورودهم على عذاب الله، وصِلِيِّهم جحيمه، وأشباه هذا مما أوعدهم الله به. * * * وقد بينا معنى "التأويل" فيما مضى بشواهده، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (1) * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 14761 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "هل ينظرون إلا تأويله" ، أي: ثوابه = "يوم يأتي تأويله" ، أي ثوابه. 14762 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور قال، حدثنا معمر، عن قتادة: "هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله" ، قال: "تأويله" ، عاقبته. 14763 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن شبل، عن ابن (1) انظر تفسير "التأويل" فيما سلف 6: 199 - 206/ 8: 506. أبي نجيح: عن مجاهد، "هل ينظرون إلا تأويله" ، قال: جزاءه = "يوم يأتي تأويله" ، قال: جزاؤه. 14764 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن أبي زائدة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 14765 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "هل ينظرون إلا تأويله" ، أما "تأويله" ، فعواقبه، مثل وقعة بدر، والقيامة، وما وعد فيها من موعد. (1) 14766 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس في قوله: "هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق" ، فلا يزال يقع من تأويله أمرٌ بعد أمر، حتى يتم تأويله يوم القيامة، ففي ذلك أنزل: "هل ينظرون إلا تأويله" ، حيث أثابَ الله تبارك وتعالى أولياءَه وأعداءه ثواب أعمالهم. يقول يومئذ الذين نسوه من قبل: "قد جاءت رسل ربنا بالحق" ، الآية. 14767 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله" ، قال: يوم القيامة. 14768 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "يوم يأتي تأويله" ، قال: يوم يأتي حقيقته، (2) وقرأ قول الله تعالى: (هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ) ، [سورة يوسف: 100] . قال: هذا تحقيقها. وقرأ قول الله: (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ) ، [سورة آل عمران: 7] ، قال: ما يعلم (1) في المطبوعة: "وما وعد فيه" وأثبت ما في المخطوطة. (2) في المطبوعة: "يوم يأتي تحقيقه" وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب محض. حقيقته ومتى يأتي، إلا الله تعالى * * * وأما قوله: "يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل" ، فإن معناه: يوم يجيء ما يؤول إليه أمرهم من عقاب الله = "يقول الذين نسوه من قبل" ، أي: يقول الذين ضيَّعوا وتركوا ما أمروا به من العمل المنجيهم مما آل إليه أمرهم يومئذ من العذاب، من قبل ذلك في الدنيا = "لقد جاءت رسل ربنا بالحق" ، أقسم المساكين حين عاينوا البلاءَ وحلّ بهم العقاب: أنّ رسل الله التي أتتهم بالنِّذارة وبلغتهم عن الله الرسالة، (1) قد كانت نصحت لهم وصَدَقتهم عن الله، وذلك حين لا ينفعهم التصديق. ولا ينجيهم من سَخَط الله وأليم عقابه كثرة القال والقيل. * * * وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 14769 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق" ، أما "الذين نسوه" ، فتركوه، فلما رأوا ما وعدهم أنبياؤهم، استيقنوا فقالوا: "قد جاءت رسل ربنا بالحق" . 14770 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "يقول الذين نسوه" ، قال: أعرضوا عنه. 14771 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. * * * (1) "النذارة" بكسر النون، كالإنذار، على وزن "الرسالة" ، وانظر ما كتبته آنفًا 10: 575، تعليق: 2.https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف الحلقة (675) صــ 481 إلى صــ 490 القول في تأويل قوله: {فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (53) } قال أبو جعفر: وهذا خبرٌ من الله تعالى ذكره عن هؤلاء المشركين الذين وصف صفتهم، أنهم يقولون عند حلول سَخَط الله بهم، وورودهم أليمَ عذابه، ومعاينتهم تأويل ما كانت رسلُ الله تعِدهم: هل لنا من أصدقاءَ وأولياء اليوم فيشفعوا لنا عند ربنا، فتنجينا شفاعتهم عنده مما قد حلّ بنا من سوء فعالنا في الدنيا (1) = أو نردّ إلى الدنيا مرة أخرى، فنعمل فيها بما يرضيه ويُعْتِبُه من أنفسنا؟ (2) قال هذا القولَ المساكينُ هنالك، لأنهم كانوا عهدوا في الدنيا أنفسهم لها شفعاء تشفع لهم في حاجاتهم، فيذكروا ذلك في وقت لا خُلة فيه لهم ولا شفاعة. يقول الله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه: "قد خسروا أنفسهم" ، (3) يقول: غَبَنوا أنفسهم حظوظها، ببيعهم ما لا خطر له من نعيم الآخرة الدائم، بالخسيس من عَرَض الدنيا الزائل = "وضل عنهم ما كانوا يفترون" ، يقول: وأسلمهم لعذاب الله، وحار عنهم أولياؤهم، (4) الذين كانوا يعبدونهم من دون الله، (5) ويزعمون كذبًا وافتراء أنهم أربابهم من دون الله. (6) 14772 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله: "قد خسروا أنفسهم" ، يقول: شروها بخسران. * * * (1) انظر تفسير "الشفاعة" فيما سلف 11: 547، تعليق: 1، والمراجع هناك. (2) "أعتبه من نفسه" ، أعطاه العتبى - وهي الرضا - ورجع إلى مسرته. (3) انظر تفسير "الخسارة" فيما سلف ص: 357، تعليق: 3، والمراجع هناك. (4) في المطبوعة: "وحاد" بالدال، وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب. (5) انظر تفسير "الضلال" فيما سلف من فهارس اللغة (ضلل) . (6) انظر تفسير "الافتراء" فيما سلف ص: 408 تعليق: 2، والمراجع هناك. وإنما رفع قوله: "أو نردُّ" ولم ينصب عطفًا على قوله: "فيشفعوا لنا" ، لأن المعنى: هل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا = أو هل نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل؟ = ولم يرد به العطف على قوله: "فيشفعوا لنا" . (1) * * * القول في تأويل قوله: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن سيدكم ومصلح أموركم، أيها الناس، هو المعبود الذي له العبادة من كل شيء (2) = "الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام" ، وذلك يوم الأحد، والاثنين، والثلاثاء، والأربعاء، والخميس، والجمعة، كما:- 14773 - حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج بن المنهال قال، حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن مجاهد قال: بدءُ الخلق العرشُ والماء والهواء، وخلقت الأرض من الماء، وكان بدء الخلق يوم الأحد، والاثنين، والثلاثاء، والأربعاء، والخميس، وجُمع الخلق في يوم الجمعة، وتهوَّدت اليهودُ يوم السبت. ويوم من الستة الأيام كألف سنة مما تعدّون. * * * = "ثم استوى على العرش" . * * * (1) في المخطوطة خلط وتكرار في هذه الجملة، وصوابها ما في المطبوعة. وانظر معاني القرآن للفراء 1: 380. (2) انظر تفسير "الرب" فيما سلف 1: 142- 143/ 12: 286. وقد ذكرنا معنى "الاستواء" واختلاف الناس فيه، فيما مضى قبل، بما أغنى عن إعادته. (1) * * * وأما قوله: "يغشي الليل النهار يطلبه حثيثًا" ، فإنه يقول: يورد الليل على النهار فيلبسه إياه، حتى يذهب نضرته ونوره (2) = "يطلبه" ، يقول: يطلب الليل النهار = "حثيثًا" ، يعني: سريعًا. * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 14774 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: "يطلبه حثيثًا" ، يقول: سريعًا. 14775 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "يغشي الليل النهار يطلبه حثيثًا" ، قال: يغشي الليل النهارَ بضوئه، ويطلبه سريعًا حتى يدركه. * * * القول في تأويل قوله: {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض والشمس والقمر والنجوم، كلّ ذلك بأمره، أمرهن الله فأطعن أمرَه، ألا لله (1) انظر تفسير "الاستواء" فيما سلف 1: 428- 431. (2) انظر تفسير "الغشاوة" فيما سلف 1: 265، 266. الخلق كله، والأمرُ الذي لا يخالف ولا يردّ أمره، دون ما سواه من الأشياء كلها، ودون ما عبده المشركون من الآلهة والأوثان التي لا تضر ولا تنفع، ولا تخلق ولا تأمر، تبارك الله معبودُنا الذي له عبادة كل شيء، رب العالمين. (1) 14776 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا هشام أبو عبد الرحمن قال، حدثنا بقية بن الوليد قال، حدثني عبد الغفار بن عبد العزيز الأنصاري، عن عبد العزيز الشامي، عن أبيه، وكانت له صحبة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ لم يحمد الله على ما عمل من عمل صالح وحمد نفسه، قلَّ شكره، وحَبِط عمله. ومَنْ زعم أن الله جعل للعباد من الأمر شيئًا فقد كفر بما أنزل الله على أنبيائه، لقوله: "ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين" . (2) * * * (1) انظر تفسير "تبارك" فيما سلف ص: 238، تعليق 2، والمراجع هناك. = وتفسير "رب" فيما سلف قريبًا ص: 482، تعليق: 2 والمراجع هناك. = وتفسير "العالمين" فيما سلف من فهارس اللغة (علم) . (2) الأثر: 14776 - "عبد الغفار بن عبد العزيز الأنصاري" ، هكذا جاء هنا في المخطوطة والمطبوعة، وهكذا نقله الحافظ ابن حجر عن هذا الموضع من التفسير في ترجمة (أبو عبد العزيز) من الإصابة، وهكذا نقله ابن كثير في تفسيره 3: 489. ولكن الذي أطبقت عليه كتب التراجم، والأسانيد الأخرى التي نقلها الحافظ ابن حجر، في موضع آخر من الإصابة أنه: "عبد الغفور بن عبد العزيز" ، وكنوه "أبو الصباح" ، ونسبوه "الواسطي" ، وهو مترجم في لسان الميزان 4: 43، 44، وابن أبي حاتم 3 / 1 / 55، وميزان الاعتدال 2: 142، وهو ضعيف منكر الحديث، وأخرجه البخاري في الضعفاء. وأبوه هو: "عبد العزيز الشامي" ، ولم أجد له ذكرًا، إلا في أثناء هذه الأسانيد. وأبوه، الذي له صحبة يقال اسمه "سعيد الشامي" ، وهو مترجم بذلك في الإصابة، وكنيته "أبو عبد العزيز" ، وهو مترجم أيضًا في باب الكنى من الإصابة، وفي أسد الغابة 5: 247. وهذا الخبر، رواه الحافظ ابن حجر في الموضعين من ترجمة "أبي عبد العزيز" و "سعيد" ، وابن الأثير في أسد الغابة 5: 247، وابن كثير في تفسيره 3: 489، والسيوطي في الدر المنثور 3: 92. وهو خبر ضعيف هالك الإسناد. و "بقية بن الوليد" كما قال ابن المبارك: (( كان صدوقًا، ولكنه يكتب عمن أقبل وأدبر )) . وقال أحمد: "إذا حدث عن قوم ليسوا بمعروفين فلا تقبلوه" . وقال يحيى بن معين: "كان يحدث عن الضعفاء بمئة حديث قبل أن يحدث عن الثقات" . وقال أبو زرعة: "بقية عجب!! إذا روى عن الثقات فهو ثقة" . وذكر قول ابن المبارك الذي تقدم، ثم قال: "وقد أصاب ابن المبارك. ثم قال: هذا في الثقات، فأما في المجهولين، فيحدث عن قوم لا يعرفون ولا يضبطون" . القول في تأويل قوله: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ادعوا، أيها الناس، ربَّكم وحده، فأخلصوا له الدعاء، دون ما تدعون من دونه من الآلهة والأصنام = "تضرعًا" ، يقول: تذلُّلا واستكانة لطاعته (1) = "وخفية" ، يقول بخشوع قلوبكم، وصحة اليقين منكم بوحدانيته فيما بينكم وبينه، لا جهارًا ومراءاةً، وقلوبكم غير موقنة بوحدانيته وربوبيته، فعلَ أهل النفاق والخداع لله ولرسوله، (2) كما:- 14777 - حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن المبارك بن فضالة، عن الحسن قال: إنْ كانَ الرجل لقد جمع القرآن، وما يشعرُ جارُه. وإن كان الرجل لقد فَقُه الفقهَ الكثير، وما يشعرُ به الناس. وإن كان الرجل ليصلي الصلاة الطويلة في بيته وعنده الزَّوْر، (3) وما يشعرون به. ولقد أدركنا أقوامًا ما كان على الأرض من عمل يقدرون على أن يعملوه في السرّ فيكون علانية أبدًا! ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء، وما يُسمع لهم صوت، إن كان إلا همسًا بينهم وبين ربهم، وذلك أن الله يقول: "ادعوا ربكم تضرعًا وخفية" ، وذلك أن الله ذكر عبدًا صالحًا فرضِي فعله فقال: (إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا) ، [سورة مريم: 3] . (1) انظر تفسير "التضرع" فيما سلف 11: 355، 414. (2) انظر تفسير "خفية" فيما سلف 11: 414. (3) "الزور" (بفتح فسكون) جمع "زائر" ، مثل "صاحب" و "صحب" . وفي المخطوطة: "الزور" مضبوطة بالقلم بضم الزاي وتشديد الواو مفتوحة، وهو صواب أيضًا. 14778 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن عاصم الأحول، عن أبي عثمان النهدي، عن أبي موسى قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم في غَزَاة، (1) فأشرفوا على وادٍ يكبرون ويهللون ويرفعون أصواتهم، فقال: أيها الناس، اربَعُوا على أنفسكم، إنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائبًا! إنكم تدعون سميعًا قريبًا وهو معكم ". (2) " 14779 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس قوله: "ادعوا ربكم تضرعًا وخفية" ، قال: السر. * * * وأما قوله: "إنه لا يحب المعتدين" ، فإن معناه: إن ربكم لا يحب من اعتدى فتجاوز حدَّه الذي حدَّه لعباده في دعائه ومسألته ربَّه، ورفعه صوته فوق الحد الذي حدَّ لهم في دعائهم إياه، ومسألتهم، وفي غير ذلك من الأمور، (3) كما:- 14780 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا معتمر بن سليمان قال، أنبأنا إسماعيل بن حماد بن أبي سليمان، عن عباد بن عباد، عن علقمة، عن أبي مجلز: "ادعوا ربكم تضرعًا وخفية إنه لا يحب المعتدين" ، قال: لا يسأل منازلَ الأنبياء عليهم السلام. 14781 - حدثني القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس: "إنه لا يحب المعتدين" ، (1) هذه الغزاة، هي غزوة خيبر. (2) الأثر: 14778- رواه البخاري في صحيحه (الفتح 7: 363) ، ومسلم في صحيحه 17: 25 من هذه الطريق، مطولا. وقوله: "اربعوا على أنفسكم" ، أي: ارفقوا بأنفسكم، واخفضوا أصواتكم. وفي المخطوطة: "سميعًا قريبًا أنا معكم" غير منقوطة، وأثبت ما في الصحيحين، وفي المطبوعة، حذف ما في المخطوطة، ولم يزد "وهو" التي زدتها. (3) انظر تفسير "الاعتداء" فيما سلف من فهارس اللغة (عدا) . في الدعاء ولا في غيره = قال ابن جريج: إن من الدعاء اعتداءً، يُكره رفعُ الصوتِ والنداءُ والصياحُ بالدعاء، ويُؤمر بالتضرُّع والاستكانة. * * * القول في تأويل قوله: {وَلا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56) } قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها" ، لا تشركوا بالله في الأرض ولا تعصوه فيها، وذلك هو الفساد فيها. * * * وقد ذكرنا الرواية في ذلك فيما مضى، وبينا معناه بشواهده. (1) * * * = "بعد إصلاحها" يقول: بعد إصلاح الله إياها لأهل طاعته، بابتعاثه فيهم الرسل دعاة إلى الحق، وإيضاحه حججه لهم (2) = "وادعوه خوفًا وطمعًا" ، يقول: وأخلصوا له الدعاء والعمل، ولا تشركوا في عملكم له شيئًا غيره من الآلهة والأصنام وغير ذلك، وليكن ما يكون منكم في ذلك خوفًا من عقابه، وطمعًا في ثوابه. وإنّ مَن كان دعاؤه إياه على غير ذلك، فهو بالآخرة من المكذبين، لأنّ من لم يخف عقابَ الله ولم يرجُ ثوابه، لم يبال ما ركب من أمر يسخَطه الله ولا يرضاه = "إن رحمة الله قريب من المحسنين" ، يقول تعالى ذكره: إن ثواب الله الذي وعد المحسنين على إحسانهم في الدنيا، قريب منهم، وذلك هو رحمته، (3) (1) انظر تفسير "الفساد في الأرض" فيما سلف 1: 287، 416، ومواضع أخرى آخرها 10: 461، تعليق: 1، والمراجع هناك. (2) انظر تفسير "الإصلاح" فيما سلف من فهارس اللغة (صلح) . (3) انظر تفسير "الرحمة" فيما سلف من فهارس اللغة (رحم) . = وتفسير "الإحسان" فيما سلف من فهارس اللغة (حسن) . لأنه ليس بينهم وبين أن يصيروا إلى ذلك من رحمته وما أعدّ لهم من كرامته إلا أن تفارق أرواحهم أجسادهم. * * * ولذلك من المعنى ذُكِّر قوله: "قريب" ، وهو من خبر "الرحمة" ، و "الرحمة" مؤنثة، لأنه أريد به القرب في الوقت لا في النَّسب، والأوقات بذلك المعنى إذا وقعت أخبارًا للأسماء، (1) أجرتها العرب مجرى الحال، فوحّدتها مع الواحد والاثنين والجميع، وذكَّرتها مع المؤنث، فقالوا: "كرامة الله بعيد من فلان" ، و "هي قريب من فلان" ، كما يقولون: "هند قريب منا" ، و "الهندان منا قريب" ، و "الهندات منا قريب" ، لأن معنى ذلك: هي في مكان قريب منا. فإذا حذفوا المكان وجعلوا "القريب" خلفًا منه، ذكَّروه ووحَّدوه في الجمع، كما كان المكان مذكرًا وموحدًا في الجمع. وأما إذا أنثوه، أخرجوه مثنى مع الاثنين، ومجموعًا مع الجميع، فقالوا: "هي قريبة منا" ، و "هما منّا قريبتان" ، كما قال عروة [بن الورد] : (2) عَشِيَّةَ لا عَفْرَاءُ مِنْكَ قَرِيبَةٌ ... فَتَدْنُو، وَلا عَفْرَاءُ مِنْكَ بَعِيدُ (3) فأنث "قريبة" ، وذكّر "بعيدًا" ، على ما وصفت. ولو كان "القريب" ، من "القرابة" في النسب، لم يكن مع المؤنث إلا مؤنثًا، ومع الجميع إلا مجموعًا. (4) (1) في المطبوعة: "إذا رفعت أخبارًا" ، لم يحسن قراءة المخطوطة. (2) هكذا جاء في المخطوطة والمطبوعة، والصواب أنه "عروة بن حزام" ، كما سترى في التخريج، وكأنه سهو من الناسخ وزيادة منه، فإن هذا كله تابع فيه أبو جعفر، الفراء في معاني القرآن، والفراء لم يذكر سوى "عروة" ، فزاد الناسخ سهوًا "بن الورد" . (3) معاني القرآن للفراء 1: 381، على ما ذكره أبو جعفر، وهو نقله عنه. والبيت في ديوان عروة بن حزام، وفي تزيين الأسواق 1: 84، والبكري في شرح الأمالي: 401، من شعر له صواب إنشاده على الباء: عَشِيَّة لا عَفْرَاءُ مِنْكَ بَعِيدَةٌ ... فَتَسْلُو، وَلا عَفْرَاءُ مِنْكَ قَرِيبُ وَإنِّي لَتَغْشَانِي لِذِكْرَاكِ فَتْرَةٌ ... لَهَا بَيْنَ جِلْدِي وَالْعِظَامِ دَبيبُ (4) انظر معاني القرآن للفراء 1: 381، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 216، 217.. وكان بعض نحويي البصرة يقول: ذكَّر "قريب" وهو صفة لـ "الرحمة" ، وذلك كقول العرب: "ريح خريق" ، (1) و "ملحفَة جديد" ، (2) و "شاة سديس" . (3) قال: وإن شئت قلت: تفسير "الرحمة" هاهنا، المطر ونحوه، فلذلك ذكَّر، كما قال: (وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا) ، [سورة الأعراف: 87] ، فذكَّر، لأنه أراد الناس. وإن شئت جعلته كبعض ما يذكرون من المؤنث، كقول الشاعر: (4) وَلا أَرْضَ أَبْقَلَ إِبْقَالَهَا (5) * * * وقد أنكر ذلك من قِيله بعضُ أهل العربية، ورأى أنه يلزمه إن جاز أن يذكِّر "قريبًا" ، توجيهًا منه للرحمة إلى معنى المطر، أن يقول: "هند قام" ، توجيهًا منه لـ "هند" وهي امرأة، إلى معنى: "إنسان" ، ورأى أن ما شبَّه به قوله: "إن رحمة الله قريب من المحسنين" ، بقوله: "وإن كان طائفة منكم آمنوا" ، غير مُشْبِهِه. وذلك أن "الطائفة" فيما زعم مصدر، بمعنى "الطيف" ، كما "الصيحة" و "الصياح" ، بمعنًى، ولذلك قيل: (وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ) ، [سورة هود: 67] . * * * (1) "ريح خريق" : شديدة، وقيل: لينة سهلة. ضد. (2) في المطبوعة: "وساحفة حديد" ، وفي المخطوطة: "وماحقه جديد" ، غير منقوطة والصواب ما أثبت، وهو المثل الذي ضرب في هذا الباب. قال ابن سيده: "ملحفة جديد، وجديدة" ، وقال سيبويه: وقد قالوا ملحفة جديدة، وهو قليلة. (3) "شاة سديس" : أتت عليها السنة السادسة. (4) عامر بن جوين الطائي. (5) مضى البيت وتخريجه فيما سلف 1: 432، ونسيت أن أذكر هناك أنه سيأتي في هذا الموضع من التفسير، ثم في 18: 118 (بولاق) ، وصدر البيت: فَلا مُزْنَةٌ وَدَقَتْ وَدْقَهَا القول في تأويل قوله: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنزلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره، هو الذي يرسل الرياح نشرًا بين يدي رحمته. (1) * * * و "النشر" بفتح "النون" وسكون "الشين" ، في كلام العرب، من الرياح، الطيبة اللينة الهبوب، التي تنشئ السحاب. وكذلك كل ريح طيبة عندهم فهي "نشر" ، ومنه قول امرئ القيس: كَأَنَّ المُدَامَ وَصَوْبَ الغَمَامِ ... وَرِيحَ الخُزَامَى وَنَشْرَ القُطُرْ (2) * * * وبهذه القراءة قرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين، خلا عاصم بن أبي النجود، فإنه كان يقرؤه: "بشرًا" على اختلاف عنه فيه. * * * (1) القراءة التي أثبتها أبو جعفر في تفسير الآية "نشرا" ، ولكني أثبت في الآية قراءتنا في مصحفنا، وسأثبتها في سائر المواضع بقراءة أبي جعفر بالنون. (2) ديوانه: 79، واللسان (نشر) من قصيدة له طويلة، وهذا البيت في ذكر "هو" صاحبته وهذا البيت في صفة رائحة ثغرها عند الصباح، حين تتغير أفواه الناس، يقول بعده: يُعَلُّ بِهِ بَرْدُ أَنْيَابِهَا ... إذَا طَرَّبَ الطَّائِر المُسْتَحِرْ و "القطر" (بضمتين) : هو العود الذي يتبخر به. و "صوب الغمام" ، وقعه حيث يقع. و "يعل" يسقى بالمدام مرة بعد مرة. و "الطائر المستحر" ، الديك إذا صوت عند السحر. يصفها بطيب رائحة فمها، حين تتغير الأفواه بعد النوم. https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف الحلقة (676) صــ 491 إلى صــ 500 فروى ذلك بعضهم عنه: (بُشْرًا) ، بالباء وضمها، وسكون الشين. وبعضهم، بالباء وضمها وضم الشين. وكان يتأوّل في قراءته ذلك كذلك قوله: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ) [سورة الروم: 46] ، تبشر بالمطر، وأنه جمع "بشير" يبشر بالمطر، جُمِع "بُشُرًا" ، كما يجمع "النذير" "نُذُرًا" . (1) * * * وأما قرأة المدينة وعامة المكيين والبصريين، فإنهم قرؤوا ذلك: (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِل الرِّيَاحَ نُشُرَا) ، بضم "النون" ، و "الشين" بمعنى جمع "نَشور" جمع "نشرًا" ، كما يجمع "الصبور" "صُبُرًا" ، و "الشكور" "شُكُرًا" . * * * وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يقول: معناها إذا قرئت كذلك: أنها الريح التي تهبّ من كل ناحية، وتجيء من كل وجه. (2) * * * وكان بعضهم يقول: إذا قرئت بضم النون، فينبغي أن تسكن شينها، لأن ذلك لغة بمعنى "النَّشْر" بالفتح. وقال: العرب تضم النون من "النُّشْر" أحيانًا، وتفتح أحيانًا بمعنى واحد. قال: فاختلاف القرأة في ذلك على قدر اختلافها في لغتها فيه. وكان يقول: هو نظير "الخَسْف" ، "والخُسْف" ، بفتح الخاء وضمها. * * * قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن قراءة من قرأ ذلك: (نَشْرًا) و (نُشُرًا) ، بفتح "النون" وسكون "الشين" ، وبضم "النون" و "الشين" قراءتان مشهورتان في قرأة الأمصار. (1) في المطبوعة: "وأنه جمع بشير بشرًا، كما يجمع النذير نذرًا" ، وأثبت ما في المخطوطة. (2) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 217. . . ... .... ... ... ... ... (1) . فلا أحب القراءة بها، وإن كان لها معنى صحيح ووجه مفهوم في المعنى والإعراب، لما ذكرنا من العلة. * * * وأما قوله: "بين يدي رحمته" ، فإنه يقول: قدام رحمته وأمامها. * * * والعرب كذلك تقول لكل شيء حدث قدام شيء وأمامه: "جاء بين يديه" ، لأن ذلك من كلامهم جرى في أخبارهم عن بني آدم، وكثر استعماله فيهم، حتى قالوا ذلك في غير ابن آدم وما لا يَدَ له. (2) * * * و "الرحمة" التي ذكرها جل ثناؤه في هذا الموضع، المطر. * * * فمعنى الكلام إذًا: والله الذي يرسل الرياح ليّنًا هبوبها، طيبًا نسيمها، أمام غيْثه الذي يسوقه بها إلى خلقه، فينشئ بها سحابًا ثقالا حتى إذا أقلتها = و "الإقلال" بها، حملها، كما يقال: "استقلّ البعير بحمله" ، و "أقله" ، إذا حمله فقام به = ساقه الله لإحياء بلد ميت، قد تعفَّت مزارعه، ودَرَست مشاربه، وأجدب أهلُه، (3) فأنزل به المطر، وأخرج به من كل الثمرات. * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 14782 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، (1) في موضع هذه النقط سقط لا شك فيه، ذكر فيه العلة التي سيشير إليها بعد. ولم أستطع أن أجد نقلا عن أبي جعفر يهدي إلى ما يسد هذا الخرم. (2) انظر تفسير: "بين يديه" فيما سلف 6: 160، 438. (3) انظر تفسير "ميت" و "موت الأرض" فيما سلف 3: 274/ 5: 446. حدثنا أسباط، عن السدي: "وهو الذي يرسل الرياح نشرًا بين يدي رحمته" إلى قوله: "لعلكم تذكرون" ، قال: إن الله يرسل الريح فتأتي بالسحاب من بين الخافقين، طرف السماء والأرض من حيث يلتقيان، فيخرجه من ثَمَّ، ثم ينشره فيبسطه في السماء كيف يشاء، ثم يفتح أبواب السماء، فيسيل الماء على السحاب، ثم يمطر السحاب بعد ذلك. وأما "رحمته" ، فهو المطر. * * * وأما قوله: "كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون" ، فإنه يقول تعالى ذكره: كما نحيي هذا البلد الميت بما ننزل به من الماء الذي ننزله من السحاب، فنخرج به من الثمرات بعد موته وجدوبته وقُحُوط أهله، كذلك نخرج الموتى من قبورهم أحياءً بعد فنائهم ودروس آثارهم = "لعلكم تذكرون" ، يقول تعالى ذكرُه للمشركين به من عبدة الأصنام، المكذبين بالبعث بعد الممات، المنكرين للثواب والعقاب: ضربتُ لكم، أيها القوم، هذا المثل الذي ذكرت لكم: من إحياء البلد الميت بقَطْر المطر الذي يأتي به السحاب الذي تنشره الرياح التي وصفت صفتها، لتعتبروا فتذكروا وتعلموا أن مَنْ كان ذلك من قدرته، فيسيرٌ في قدرته إحياء الموتى بعد فنائها، وإعادتها خلقًا سويًّا بعد دُرُوسها. (1) * * * وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 14783 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله: "كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون" ، وكذلك تخرجون، وكذلك النشور، كما نخرج الزرع بالماء. * * * 14784 - وقال أبو هريرة: إن الناس إذا ماتوا في النفخة الأولى، أمطر (1) انظر تفسير "التذكر" فيما سلف ص: 299، تعليق: 1، والمراجع هناك. عليهم من ماء تحت العرش يُدعى "ماء الحيوان" أربعين سنة، فينبتون كما ينبت الزرع من الماء. حتى إذا استكملت أجسادهم، نفخ فيهم الروح، ثم تُلْقى عليهم نَوْمة، فينامون في قبورهم. فإذا نفخ في الصور الثانية عاشوا، وهم يجدون طعم النوم في رؤوسهم وأعينهم، كما يجد النائم حين يستيقظ من نومه، فعند ذلك يقولون: (يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا) ، فناداهم المنادي: (هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) [سورة يس: 52] . (1) * * * 14785 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: "كذلك نخرج الموتى" ، قال: إذا أراد الله أن يخرج الموتى، أمطر السماء حتى تتشقق عنهم الأرض، ثم يرسل الأرواح، فتعود كل روح إلى جسدها، فكذلك يحيي الله الموتى بالمطر كإحيائه الأرض. * * * (1) الأثر: 14784 - هذا الخبر عن أبي هريرة، رواه بغير إسناد، وكنت أظنه من رواية السدي في الأثر السالف، ولكني شككت في ذلك، فآثرت أن أضع له رقمًا مستقلا. وأيا ما كان، فإني لم أجد نص هذا الخبر في شيء من مراجعي. وحديث أبي هريرة في البعث، رواه مسلم في صحيحه 18: 91، قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بين النفختين أربعون. قالوا: يا أبا هريرة: أربعون يومًا؟ قال: أَبَيْتُ. قالوا: أربعون شهرًا؟ قال: أبيتُ. قالوا: أربعون سنة؟ قال أبيتُ، ثم ينزل الله من السماء ماءً فيَنْبُتُون كما يَنْبُتُ البَقْل. وَليس من الإنسانِ شيء إلا يَبْلَى، إلا عظمًا واحدًا، وهو عَجْبُ الذنب، ومنه يُرَكَّبُ الخلقُ يوم القيامة" . القول في تأويل قوله: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (58) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: والبلدُ الطيبة تربته، العذبةُ مشاربه، يخرج نباته إذا أنزل الله الغيث وأرسل عليه الحيا، بإذنه، طيبًا ثمرُه في حينه ووقته. والذي خَبُث فردؤت تربته، وملحت مشاربه، لا يخرج نباته إلا نكدًا = = يقول: إلا عَسِرًا في شدة، كما قال الشاعر: (1) لا تُنْجِزُ الوعْدَ، إِنْ وَعَدْتَ، وإن ... أَعْطَيْتَ أَعْطَيْتَ تَافِهًا نَكِدَا (2) يعني بـ "التافه" ، القليل، وبـ "النكد" العسر. يقال منه: "نكِد يَنْكَد نكَدًا، ونَكْدًا = فهو نَكَدٌ ونَكِدٌ" ، والنُّكْد، المصدر. ومن أمثالهم: "نَكْدًا وجحدًا" ، "ونُكدًا وجُحْدا" . و "الجحد" ، الشدة والضيق. ويقال: "إذا شُفِه وسئل: (3) قد نَكَدوه ينكَدُونه نَكْدًا" ، كما قال الشاعر: (4) وَأَعْطِ مَا أَعْطَيْتَهُ طَيِّبًا ... لا خَيْرَ فِي المَنْكُودِ والنَّاكِدِ (5) * * * واختلفت القرأة في قراءة ذلك. فقرأه بعض أهل المدينة: (إلا نَكَدًا) ، بفتح الكاف. * * * (1) م أعرف قائله. (2) مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 217 ولسان العرب (تفه) . (3) "شفه الرجل" (بالبناء للمجهول) ، إذا كثر سؤال الناس إياه فأعطى حتى نفد ما عنده فأفنى ماله. "فهو مشفوه" ومثله "منكود، ومثمود، ومعروك، ومعجوز، ومصفوف، ومكثور عليه" . ويقال: "ماء مشفوه" ، كثير الشاربة، وكذلك الماء والطعام. (4) م أعرف قائله. (5) اللسان (نكد) ، وقد ذكرت البيت آنفًا 1: 442، تعليق: 1 وقرأه بعض الكوفيين بسكون الكاف: (نَكْدًا) . * * * وخالفهما بعد سائر القرأة في الأمصار، فقرؤوه: (إلا نَكِدًا) ، بكسر الكاف. * * * كأن من قرأه: "نكَدًا" بنصب الكاف أراد المصدر. وكأنّ من قرأه بسكون الكاف أراد كسرها، فسكنها على لغة من قال: "هذه فِخْذ وكِبْد" ، وكان الذي يجب عليه إذا أراد ذلك أن يكسر "النون" من "نكد" حتى يكون قد أصاب القياس. * * * قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندنا، قراءةُ من قرأهُ: (نَكِدًا) ، بفتح "النون" وكسر "الكاف" ، لإجماع الحجة من قرأة الأمصار عليه. * * * وقوله: "كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون" ، يقول: كذلك: نُبين آية بعد آية، وندلي بحجة بعد حجة، ونضرب مثلا بعد مثل، (1) لقوم يشكرون الله على إنعامه عليهم بالهداية، وتبصيره إياهم سبيل أهل الضلالة، باتباعهم ما أمرَهم باتباعه، وتجنُّبهم ما أمرهم بتجنبه من سبل الضلالة. وهذا مثل ضرَبه الله للمؤمن والكافر، فالبلد الطيب الذي يخرج نباته بإذن ربه، مثل للمؤمن = والذي خَبُث فلا يخرج نباته إلا نكدًا، مثلٌ للكافر. * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 14786 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي، عن ابن عباس قوله: "والبلد الطيب يخرج نباته" (1) انظر تفسير "التصريف" فيما سلف 3: 275، 276/ 11: 356، 433/ 12: 25 = وتفسير "الآية" فيما سلف من فهارس اللغة (أيي) . بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدًا "، فهذا مثل ضربه الله للمؤمن. يقول: هو طيب، وعمله طيب، كما البلد الطيب ثمره طيب. ثم ضرب مثلَ الكافر كالبلدة السَّبِخة المالحة التي يخرج منها النز (1) فالكافر هو الخبيث، وعمله خبيث." 14787 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: "والبلد الطيب" ، و "الذي خبث" قال: كل ذلك من الأرض السِّباخ وغيرها، مثل آدم وذريته، فيهم طيب وخبيث. 14788 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه. 14789 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: "والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدًا" ، قال: هذا مثل ضربه الله في الكافر والمؤمن. 14790 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثني أحمد = يعني ابن المفضل = قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث" ، هي السبخة لا يخرج نباتها إلا نكدًا = و "النكد" ، الشيء القليل الذي لا ينفع. فكذلك القلوب لما نزل القرآن، فالقلب المؤمن لما دخله القرآن آمن به وثبت الإيمان فيه، والقلب الكافر لما دخله القرآن لم يتعلق منه بشيء ينفعه، ولم يثبت فيه من الإيمان شيء إلا ما لا ينفع، كما لم يُخْرِج هذا البلد إلا ما لا ينفع من النبات. (1) في المطبوعة: "التي تخرج منها البركة" ، زاد "لا" ، وليست في المخطوطة اتباعًا لما في الدر 3: 93. وفي المخطوطة مثلها أنه كتب "النزله" غير المنقوطة. وهو غير مفهوم إذا قرئ: "تخرج منها البركة" . وصفة الأرض "السبخة" أنها أرض ذات ملح ونز، وهو الماء تتحلب عنه الأرض، فيصير مناقع. ومن أجل ذلك صار راجحًا عندي أن ما أثبته هو الصواب، وأن ما في المخطوطة من فعل الناسخ. 14791 - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد، عن مجاهد: "والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدًا" ، قال: الطيب ينفعه المطر فينبت، "والذي خبث" السباخُ، لا ينفعه المطر، لا يخرج نباته إلا نكدًا. قال: هذا مثل ضربه الله لآدم وذريته كلهم، إنما خلقوا من نفس واحدة، فمنهم من آمن بالله وكتابه، فطابَ. ومنهم من كفر بالله وكتابه، فخَبُث. * * * القول في تأويل قوله: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59) } قال أبو جعفر: أقسم ربنا جل ثناؤه للمخاطبين بهذه الآية: أنه أرسل نوحًا إلى قومه، منذرَهم بأسَه، ومخوِّفَهم سَخَطه، على عبادتهم غيره، فقال لمن كفر منهم: يا قوم، اعبدوا الله الذي له العبادة، وذِلُّوا له بالطاعة، واخضعوا له بالاستكانة، ودعوا عبادة ما سواه من الأنداد والآلهة، فإنه ليس لكم معبودٌ يستوجب عليكم العبادةَ غيرُه، فإني أخاف عليكم إن لم تفعلوا ذلك "عذابَ يوم عظيم" ، يعني: عذابَ يوم يعظم فيه بلاؤكم بمجيئه إياكم بسخط ربِّكم. * * * وقد اختلفت القَرَأة في قراءة قوله: "غيره" . فقرأ ذلك بعض أهل المدينة والكوفة: (مَا لَكُمْ مِنْ إلَهٍ غَيْرِهِ) ، بخفض "غير" على النعت لـ "إله" . * * * وقرأه جماعة من أهل المدينة والبصرة والكوفة: (مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُه) ، برفع "غير" ، ردًّا لها على موضع "من" ، لأن موضعها رفع، لو نزعت من الكلام لكان الكلام رفعًا، وقيل: "ما لكم إله غيرُ الله" . (1) فالعرب [لما وصفت من أن المعلوم بالكلام] (2) أدخلت "من" فيه أو أخرجت، وأنها تدخلها أحيانًا في مثل هذا من الكلام، وتخرجها منه أحيانًا، تردّ ما نعتت به الاسم الذي عملت فيه على لفظه، فإذا خفضت، فعلى كلام واحد، لأنها نعت لـ "الإله" . وأما إذا رفعت، فعلى كلامين: "ما لكم غيره من إله" ، وهذا قول يستضعفه أهل العربية. * * * القول في تأويل قوله: {قَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (60) } قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله جل ثناؤه، عن جواب مشركي قوم نوح لنوح، وهم "الملأ" = و "الملأ" ، الجماعة من الرجال، لا امرأة فيهم (3) = أنهم قالوا له حين دعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له: "إنا لنراك" ، يا نوح = "في ضلال مبين" ، (4) يعنون في أمر زائل عن الحق، مبين زوالهُ عن قصد الحقّ لمن تأمله. (5) * * * (1) انظر معاني القرآن للفراء 1: 382، 383. (2) هكذا جاءت العبارة في المطبوعة والمخطوطة، وفي الكلام سقط لا شك فيه، لم أستطع أن أرده إلى أصله، ولذلك وضعت هذه العبارة بين القوسين. والظاهر أن السقط طويل، لأن أبا جعفر خالف هنا في هذا السياق ما درج عليه من ذكر أولي القراءتين بالصواب عنده. (3) انظر تفسير "الملأ" فيما سلف 5: 291، وقد فسره هناك بما فسرته كتب اللغة، أنهم وجوه القوم ورؤساؤهم وأشرافهم. وأما التفسير الذي هنا، فلم يرد فيها، وهو شيء ينبغي أن يقيد. وهذا نص الفراء في معاني القرآن 1: 383. (4) انظر تفسير "الضلال" و "مبين" فيما سلف من فهارس اللغة (ضلل) و (بين) . (5) في المطبوعة: "عن قصد الحد" ، وهو لا معنى له، وهي في المخطوطة سيئة الكتابة، وهذا صواب قراءتها. وانظر تفسير الآية التالية. القول في تأويل قوله: {قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (61) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال نوح لقومه مجيبًا لهم: يا قوم، لم آمركم بما أمرتكم به من إخلاص التوحيد لله، وإفراده بالطاعة دون الأنداد والآلهة، زوالا مني عن محجة الحقّ، وضلالا لسبيل الصواب، وما بي ما تظنون من الضلال، ولكنّي رسول إليكم من رب العالمين بما أمرتكم به: من إفراده بالطاعة، والإقرار له بالوحدانية، والبراءة من الأنداد والآلهة. * * * القول في تأويل قوله: {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (62) } قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله جل ثناؤه عن نبيه نوح عليه السلام أنه قال لقومه الذين كفروا بالله وكذبوه: "ولكني رسول من رب العالمين" ، أرسلني إليكم، فأنا أبلغكم رسالات ربي، وأنصح لكم في تحذيري إياكم عقابَ الله على كفركم به، وتكذيبكم إياي، وردّكم نصيحتي = "وأعلم من الله ما لا تعلمون" ، من أن عقابه لا يردُّ عن القوم المجرمين. * * * https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف الحلقة (677) صــ 501 إلى صــ 510 القول في تأويل قوله: {أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (63) } قال أبو جعفر: وهذا أيضًا خبر من الله عز ذكره عن قِيل نوح لقومه أنه قال لهم، إذ ردُّوا عليه النصيحة في الله، وأنكروا أن يكون الله بعثه نبيًّا، وقالوا له: (مَا نَرَاكَ إِلا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ) ، [سورة هود: 27] =: "أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم" ، يقول: أوعجبتم أن جاءكم تذكير من الله وعِظة، يذكركم بما أنزل ربكم = "على رجل منكم" ، قيل: معنى قوله: "على رجل منكم" ، مع رجل منكم (1) = "لينذركم" ، يقول: لينذركم بأس الله ويخوِّفكم عقابه على كفركم به (2) = "ولتتقوا" ، يقول: وكي تتقوا عقابَ الله وبأسه، بتوحيده وإخلاص الإيمان به، والعمل بطاعته = "ولعلكم ترحمون" ، يقول: وليرحمكم ربكم إن اتقيتم الله، وخفتموه وحَذِرتم بأسه. * * * وفتحت "الواو" من قوله: "أو عجبتم" ، لأنها واو عطف، دخلت عليها ألف استفهام. (3) * * * (1) انظر معاني القرآن للفراء 1: 383. (2) انظر تفسير "الإنذار" فيما سلف من فهارس اللغة (نذر) . (3) انظر معاني القرآن للفراء 1: 383. القول في تأويل قوله: {فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ (64) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فكذب نوحًا قومه إذ أخبرهم أنه لله رسولٌ إليهم، يأمرهم بخلع الأنداد، والإقرار بوحدانية الله، والعمل بطاعته، وخالفوا أمر ربهم، ولجُّوا في طغيانهم يعمهون، فأنجاه الله في الفلك والذين معه من المؤمنين به، وكانوا بنوح عليه السلام أنفسًا عشرة، (1) فيما:- 14792 - حدثني به ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: نوح، وبنوه الثلاثة سامٌ وحام ويافث، وأزواجهم، وستة أناسيّ ممن كان آمن به. * * * وكان حمل معه في الفلك من كل زوجين اثنين، كما قال تبارك وتعالى: (وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلا قَلِيلٌ) [سورة هود: 40] . * * * و "الفلك" ، هو السفينة. * * * "وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا" ، يقول: وأغرق الله الذين كذبوا بحججه، ولم يتبعوا رسله، ولم يقبلوا نصيحته إياهم في الله بالطوفان. = "إنهم كانوا قومًا عمين" ، يقول: عمين عن الحق، كما:- 14793 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: "عمين" ، قال: عن الحق. (1) في المخطوطة ما أثبت، ولكن ناشر المطبوعة اجتهد فكتب "وكانوا بنوح عليه السلام ثلاث عشرة" ، وهو تصرف معيب، فإن خبر ابن إسحاق هذا سيأتي في تفسير "سورة هود" 12: 26 (بولاق) ، وفيه: "فكانوا عشرة نفر بنوح وبنيه وأزواجهم" ، فنوح وبنوه أربعة، وستة أناسي، فهذه عشرة. أما الأزواج فإنه لم يدخلهن في العدة كما ترى، وإنما عنى عدد الرجال دون النساء. 14794 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "قوما عمين" ، قال: العَمَى، العامي عن الحق. (1) * * * القول في تأويل قوله: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (65) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولقد أرسلنا إلى عاد أخاهم هودًا = ولذلك نصب "هودًا" ، لأنه معطوف به على "نوح" عليهما السلام = قال هود: يا قوم، اعبدوا الله فأفردوا له العبادة، ولا تجعلوا معه إلهًا غيره، فإنه ليس لكم إله غيره = "أفلا تتقون" ، ربكم فتحذرونه، وتخافون عقابه بعبادتكم غيره، وهو خالقكم ورازقكم دون كل ما سواه. * * * القول في تأويل قوله: {قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (66) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (67) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: مخبرًا عما أجاب هودًا به قومُه الذين كفروا بالله: "قال الملأ الذين كفروا" ، يعني: الذين جحدوا توحيد الله وأنكروا رسالة الله إليهم (2) = "إنا لنراك" ، يا هود "في سفاهة" ، يعنون: في ضلالة عن الحق والصواب (1) انظر تفسير "العمى" فيما سلف 11: 372، تعليق: 1، والمراجع هناك. (2) انظر تفسير الملأ "فيما سلف قريبًا ص: 499، تعليق: 3، والمراجع هناك." بتركك ديننا وعبادة آلهتنا (1) = "وإنا لنظنك من الكاذبين" ، في قيلك: "إنّي رسول من رب العالمين" = قال: "يا قوم ليس بي سفاهة" ، يقول: أي ضلالة عن الحق والصواب = "ولكني رسول من رب العالمين" ، أرسلني، فأنا أبلغكم رسالات ربي، وأؤدّيها إليكم كما أمرني أن أؤدِّيَها. * * * (1) انظر تفسير "السفاهة" فيما سلف ص: 153، تعليق: 4، والمراجع هناك. القول في تأويل قوله: {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (68) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69) } قال أبو جعفر: يعني بقوله: "أبلغكم رسالات ربّي" ، أؤدي ذلك إليكم، أيها القوم (1) = "وأنا لكم ناصح" ، يقول: وأنا لكم في أمري إياكم بعبادة الله دون ما سواه من الأنداد والآلهة، ودعائكم إلى تصديقي فيما جئتكم به من عند الله، ناصحٌ، فاقبلوا نصيحتي، فإني أمين على وحي الله، وعلى ما ائتمنني الله عليه من الرسالة، لا أكذب فيه ولا أزيد ولا أبدِّل، بل أبلغ ما أمرت كما أمرت = "أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم" ، يقول: أوعجبتم أن أنزل الله وحيه بتذكيركم وعظتكم على ما أنتم عليه مقيمون من الضلالة، على رجل منكم لينذركم بأس الله ويخوّفكم عقابه (2) = "واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم" (1) انظر تفسير "البلاغ" فيما سلف 10: 575/ 11: 9. (2) انظر تفسير نظيرة هذه الآية فيما سلف قريبًا: ص501. نوح "، يقول: فاتقوا الله في أنفسكم، واذكروا ما حلّ بقوم نوح من العذاب إذ عصوا رسولهم، وكفروا بربهم، فإنكم إنما جعلكم ربكم خلفاء في الأرض منهم، لمّا أهلكهم أبدلكم منهم فيها، (1) فاتقوا الله أن يحلّ بكم نظير ما حل بهم من العقوبة، فيهلككم ويبدل منكم غيركم، سنَّته في قوم نوح قبلكم، على معصيتكم إياه وكفركم به =" وزادكم في الخلق بسطة "، زاد في أجسامكم طولا وعِظَمًا على أجسام قوم نوح، (2) وفي قواكم على قواهم، (3) نعمة منه بذلك عليكم، فاذكروا نعمه وفضله الذي فضلكم به عليهم في أجسامكم وقُوَاكم، (4) واشكروا الله على ذلك بإخلاص العبادة له، وترك الإشراك به، وهجر الأوثان والأنداد =" لعلكم تفلحون "، يقول: كي تفلحوا فتدركوا الخلود والبقاء في النعم في الآخرة، وتنجحوا في طلباتكم عنده. (5) " * * * وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله: "واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح" ، قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 14795 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح" ، يقول: ذهب بقوم نوح، واستخلفكم من بعدهم. 14796 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: "واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح" ، أي: ساكني الأرض بعد قوم نوح. * * * (1) انظر تفسير "خليفة" فيما سلف 1: 449/ 12: 288. (2) انظر تفسير "البسطة" فيما سلف 5: 313. (3) في المطبوعة: "وفي قوامكم على قوامهم" ، وهو خطأ، صوابه ما في المخطوطة. (4) في المطبوعة أيضًا: "وقوامكم" ، صوابه من المخطوطة. (5) انظر تفسير "الفلاح" فيما سلف ص: 312، تعليق: 1، والمراجع هناك. وبنحو الذي قلنا أيضًا قالوا في تأويل قوله: "بسطة" . * ذكر من قال ذلك: 14797 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وزادكم في الخلق بسطة" ، قال: ما لقوّةِ قوم عاد. (1) * * * وأما "الآلاء" ، فإنها جمع، واحدها: "إلًى" بكسر "الألف" في تقدير "مِعًى" ، ويقال: "ألَى" في تقدير "قَفَا" بفتح "الألف" . وقد حكي سماعًا من العرب: "إلْي" مثل "حِسْي" . و "الآلاء" ، النعم. * * * وكذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 14798 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "فاذكروا آلاء الله" ، أي: نعم الله. 14799 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: أما "آلاء الله" ، فنعم الله. 14800 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "فاذكروا آلاء الله" ، قال: آلاؤه، نعمه. * * * قال أبو جعفر: و "عاد" ، هؤلاء القوم الذين وصف الله صفتهم، وبعث إليهم هودًا يدعوهم إلى توحيد الله، واتّباع ما أتاهم به من عنده، هم، فيما:- 14801 - حدثنا به ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: ولد عاد بن إرم بن عوص بن سام بن نوح. * * * (1) في المطبوعة: "ما لقوام قوم عاد" ، والصواب ما في المخطوطة. وكانت مساكنهم الشِّحْر، من أرض اليمن وما وَالى بلاد حضرموت إلى عُمَان، كما: 14802 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: أن عادًا قوم كانوا باليمن، بالأحقاف. 14803 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثنا ابن إسحاق، عن محمد بن عبد الله بن أبي سعيد الخزاعي، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، قال: سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام يقول لرجل من حضرموت: هل رأيت كثيبًا أحمر تخالطه مَدَرَةٌ حمراء، (1) ذا أرَاك وسِدْر كثير بناحية كذا وكذا من أرض حضرموت، (2) هل رأيته؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين! والله إنك لتنعته نعتَ رجل قد رآه! قال: لا ولكني قد حُدِّثت عنه. فقال الحضرمي: وما شأنه يا أمير المؤمنين؟ قال: فيه قبرُ هود صلوات الله عليه. (3) 14804 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال كانت منازل عاد وجماعتهم، حين بعث الله فيهم هودًا، الأحقاف. قال: و "الأحقاف" ، الرملُ، فيما بين عُمان إلى حضرموت، فاليمن كله. (4) وكانوا مع ذلك قد فشوا في الأرض كلِّها، وقهروا أهلها بفضل قوّتهم التي آتاهم الله. وكانوا أصحاب أوثانٍ يعبدونها من دون الله: صنم يقال له "صُداء" ، وصنم يقال له "صَمُود" ، وصنم (1) "المدرة" ، الطين العلك الذي لا رمل فيه. (2) "الأراك" و "السدر" نبتان. (3) الأثر: 14803- "محمد بن عبد الله بن أبي سعيد الخزاعي" ، ترجم له البخاري في الكبير 1/ 1/ 135، وساق الخبر، بنحوه، مطولا، ولم يذكر فيه جرحًا. وابن أبي حاتم 3/ 2/ 297. "أبو الطفيل" ، "عامر بن واثلة الكناني" ، رأى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو شاب، ثبتت رؤيته رسول الله، ولم يثبت سماعه منه. قالوا: كان آخر من مات من الصحابة سنة مئة، أو ما بعدها. (4) في المطبوعة: "باليمن" ، وأسقط "كله" ، وأثبت ما في المخطوطة. يقال له "الهباء" . فبعث الله إليهم هودًا، وهو من أوْسطهم نسبًا، وأفضلهم موضعًا، فأمرهم أن يوحِّدوا الله ولا يجعلوا معه إلهًا غيره، وأن يكفُّوا عن ظلم الناس. ولم يأمرهم فيما يذكر، والله أعلم، بغير ذلك. فأبوا عليه وكذبوه. وقالوا: "من أشدّ منا قوة!" . واتبعه منهم ناسٌ، وهم يسيرٌ مكتتمون بإيمانهم. (1) وكان ممن آمن به وصدّقه رجلٌ من عاد يقال له: "مرثد بن سعد بن عفير" ، وكان يكتم إيمانه. فلما عتوا على الله تبارك وتعالى وكذبوا نبيَّهم، وأكثروا في الأرض الفساد، وتجبَّروا وبنوا بكل رِيع آية عبَثًا بغير نفع، كلمهم هود فقال: (أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ) [سورة الشعراء: 128-131] ، (قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ إِنْ نَقُولُ إِلا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ) ، أي: ما هذا الذي جئتنا به إلا جنون أصابك به بعض آلهتنا هذه التي تعيب = (قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ) ، إلى قوله: (صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [سورة هود: 53-56] . فلما فعلوا ذلك أمسك الله عنهم المطر من السَّماء ثلاث سنين، فيما يزعمون، حتى جهدهم ذلك. وكان الناس في ذلك الزمان إذا نزل بهم بلاء أو جَهْد، فطلبوا إلى الله الفرج منه، كانت طَلِبتهم إلى الله عند بيته الحرام بمكة، مسلمهم ومشركهم، فيجتمع بمكة ناس كثيرٌ شتى مختلفةٌ أديانُهم، وكلهم معظّم لمكة، يعرف حُرْمتها ومكانَها من الله. = قال ابن إسحاق: وكان البيت في ذلك الزمان معروفًا مكانه، (2) والحرم قائم فيما يذكرون، وأهل مكة يومئذ العماليق = وإنما سموا "العماليق" ، لأن (1) في المطبوعة: "يكتمون إيمانهم" ، وأثبت ما في المخطوطة. (2) في المخطوطة: "وكان البيت في زمان معروفًا مكانه" ، غير مستقيم، والذي في المطبوعة أقوم على السياق. أباهم: "عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح" = وكان سيد العماليق إذ ذاك بمكة، فيما يزعمون رجلا يقال له معاوية بن بكر، وكان أبوه حيًّا في ذلك الزمان، ولكنه كان قد كبر، وكان ابنه يرأس قومه. وكان السؤدد والشرف من العماليق، فيما يزعمون، في أهل ذلك البيت. وكانت أم معاوية بن بكر، كلهدة ابنة الخيبري، رجلٍ من عادٍ، فلما قَحَطَ المطر عن عاد وجُهِدوا، (1) قالوا: جهزوا منكم وفدًا إلى مكة فليستسقوا لكم، فإنكم قد هلكتم! فبعثوا قيل بن عنز (2) ولقيم بن هزّال بن هزيل، (3) وعتيل بن صُدّ بن عاد الأكبر. (4) ومرثد بن سعد بن عفير، وكان مسلمًا يكتم إسلامه، وجُلْهُمَة بن الخيبري، خال معاوية بن بكر أخو أمه. ثم بعثوا لقمان بن عاد بن فلان بن فلان بن صُدّ بن عاد الأكبر. فانطلق كل رجل من هؤلاء القوم معه رهط من قومه، حتى بلغ عدّة وفدهم سبعين رجلا. فلما قدموا مكة نزلوا على معاوية بن بكر، وهو بظاهر مكة خارجًا من الحرم، فأنزلهم وأكرمهم وكانوا أخواله وصِهْرَه. (5) = فلما نزل وفد عاد على معاوية بن بكر، أقاموا عنده شهرًا يشربون الخمر، وتغنِّيهم الجرادَتان = قينتان لمعاوية بن بكر. وكان مسيرهم شهرًا، ومقامهم شهرًا. فلما رأى معاوية بن بكر طُول مقامهم، وقد بعثهم قومُهم يتعوَّذون بهم من البلاء الذي أصابهم، (6) شقَّ ذلك عليه، فقال: هلك أخوالي وأصهاري! وهؤلاء مقيمون (1) "قحط المطر" (بفتحتين) و "قحط" (بالبناء للمجهول) : احتبس. و "القحطة" احتباس المطر، ولما كان احتباس المطر معقبًا للجدب، سمو الجدب قحطًا. (2) في المطبوعة "بن عنز" ، وفي المخطوطة: "عتر" ، وفي التاريخ "عثر" وسيأتي بعد في التاريخ "عنز" . (3) في المطبوعة: "من هذيل" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو مطابق لما في تاريخ الطبري. (4) في المطبوعة: "وعقيل بن صد" ، وأثبت ما في المخطوطة، مطابقًا لما في التاريخ، وإن الذي في التاريخ هكذا: "وليقيم بن هزال بن هزيل بن عتيل بن ضد ..." و "ضد" بالضاد في التاريخ، وأظن الصاد أصح. (5) في المطبوعة: "وأصهاره" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو مطابق لما في التاريخ. (6) "يتغوثون" في المطبوعة والتاريخ، وفي المخطوطة: "يتعوذون" ، غير منقوطة، وهي صحيحة، فأثبتها. عندي، وهم ضيفي نازلون عليّ! والله ما أدري كيف أصنع بهم؟ أستحي أن آمرهم بالخروج إلى ما بعثوا له، (1) فيظنوا أنه ضِيق مني بمقامهم عندي، وقد هلك مَنْ وراءهم من قومهم جَهْدًا وعَطَشا!! أو كما قال. فشكا ذلك من أمرهم إلى قينتيه الجرادتين، فقالتا: قل شعرًا نُغنِّيهم به، لا يدرون مَنْ قاله، لعل ذلك أن يحرِّكهم! فقال معاوية بن بكر، حين أشارتا عليه بذلك: أَلا يَا قَيْلَ، ويْحَكَ! قُمْ فَهَيْنِمْ ... لَعَلَّ اللهَ يُصْبِحُنَا غَمَامَا (2) فَيَسْقِي أَرْضَ عَادٍ، إنَّ عَادًا ... قَدَ امْسَوا لا يُبِينُونَ الكَلامَا مِنَ الْعَطَشِ الشَّدِيدِ، فَلَيْسَ نَرْجُو ... بِهِ الشَّيْخَ الكَبِيرَ وَلا الغُلامَا وَقدْ كَانَتْ نِسَاؤُهُمُ بِخَيْرٍ ... فَقَدْ أَمْسَتْ نِسَاؤُهُمُ عَيَامَى (3) وَإنَّ الْوَحْشَ تَأتِيهِمْ جِهَارًا ... وَلا تَخْشَى لِعَادِيٍّ سِهَامَا وَأنْتُمْ هَا هُنَا فِيمَا اشْتَهَيْتُمْ ... نَهَارَكُمُ وَلَيْلَكُمُ التَّمَامَا فَقُبِّحَ وَفْدُكُمْ مِنْ وَفْدِ قَوْمٍ ... وَلا لُقُّوا التَّحِيَّةَ وَالسَّلامَا فلما قال معاوية ذلك الشعر، غنتهم به الجرادتان. فلما سمع القوم ما غنَّتا به، قال بعضهم لبعض: يا قوم، إنما بعثكم قومُكم يتعوَّذون بكم من هذا البلاء الذي نزل بهم، (4) وقد أبطأتم عليهم! فادخلوا هذا الحرمَ واستسقوا لقومكم! (1) في المطبوعة: "إن أمرتهم بالخروج" وفي المخطوطة: "إن آمرهم بالخروج" ، فصح أنه قد سقط من الكلام ما أثبته من التاريخ. (2) الأبيات في التاريخ، وفي البداية والنهاية 1: 126. وفي التاريخ "يسقينا الغماما" ، وكذلك كانت في المطبوعة، وأثبت ما في المخطوطة، وفي البداية والنهاية: "يمنحنا" . (3) في المخطوطة: "نساؤهم عراما" ، والصواب ما في التاريخ والمطبوعة، "أعام القوم" هلكت إبلهم فلم يجدوا لبنًا. و "العيمة" شدة شهوة اللبن. و "عام القوم" قلَّ لبنهم من القحط. "رجل عمان، وامرأة عيمى" ، والجمع "عيام" و "عيامى" . وفي البداية والنهاية "نساؤهم أيامى" ، جمع "أيم" ، التي هلك زوجها. (4) في المخطوطة: "سعودون" غير منقوطة، وفي التاريخ والمطبوعة: "يتغوثون" ، وانظر التعليق السالف ص: 509، رقم: 6. https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف الحلقة (678) صــ 511 إلى صــ 520 فقال لهم مرثد بن سعد بن عفير: إنكم والله لا تُسْقَون بدعائكم، ولكن إن أطعتم نبيَّكم، وأنبتم إليه، سُقِيتم! فأظهر إسلامه عند ذلك، فقال لهم جُلْهُمة بن الخيبريّ، خال معاوية بن بكر، حين سمع قوله، وعرف أنه قد اتبع دين هودٍ وآمن به: أَبَا سَعْدٍ فَإِنَّكَ مِنْ قَبِيلٍ ... ذَوِي كَرَمٍ وَأُمُّكَ مِنْ ثَمُودِ (1) فَإنَّا لَنْ نُطِيعَكَ مَا بقِينَا ... وَلَسْنَا فَاعِلِينَ لِمَا تُرِيدُ (2) أَتَأْمُرنَا لِنَتْرُكَ دِينَ رِفْدٍ ... وَرَمْلَ وَآلَ صُدَّ والعُبُودِ (3) وَنَتْرُكَ دِينَ آباءٍ كِرَامٍ ... ذَوِي رَأيٍ وَنَتْبَعَ دِينَ هُودِ ثم قالوا لمعاوية بن أبي بكر وأبيه بكرٍ: احبسَا عَنَّا مرثد بن سعد، فلا يقدمنَّ معنا مكة، فإنه قد اتبع دين هود، وترك دينَنَا! ثم خرجوا إلى مكة يستسقون بها لعاد. فلما ولَّوا إلى مكة خرج مرثد بن سعد من منزل معاوية بن بكر حتى أدركهم بها، قبل أن يدعوا الله بشيء مما خرجوا له. (4) فلما انتهى إليهم، قام يدعو الله بمكة، وبها وفد عاد قد اجتمعوا يدعُون، يقول: "اللهم أعطني سؤلي وحدي ولا تدخلني في شيء مما يدعوك به وفدُ عاد" ! وكان قيل بن عنز رأس وفد عاد. وقال وفد عاد: "اللهمّ أعطِ قَيْلا ما سألك، واجعل سؤلَنا مع سُؤله" ! وكان قد (1) الأبيات في تاريخ الطبري 1: 112. (2) في المطبوعة: "لا نطيعك" ، وأثبت ما في المخطوطة، مطابقًا لما في التاريخ. (3) في المخطوطة: "أتأمرنا بالسرك" ، غير منقوطة، وفوقها حرف (ط) دلالة على الشك والخطأ، والصواب ما في المطبوعة، مطابقًا لما في التاريخ. وفي المطبوعة: "دين وفد، ورمل والصداء مع الصمود" ، غير ما في المخطوطة تغييرًا تامًا. والذي أثبته من المخطوطة، مطابق لما في التاريخ. قال أبو جعفر في هذا الخبر، بعد هذه الأبيات في تاريخه: (( ورفد، ورمل، وضد، قبائل من عاد، والعبود منهم "." (4) في المطبوعة: "فقال: لا أدعو الله بشيء مما خرجوا له" ، زاد من عنده ما لا يحل له. وفي المخطوطة: "فقال أن يدعو الله بشيء مما خرجوا له" ، والصواب من تاريخ الطبري. تخلّف عن وفد عاد حين دعا، لقمانُ بن عاد، وكان سيِّد عادٍ. حتى إذا فرغوا من دعوتهم قام فقال: "اللهم إني جئتك وحدي في حاجتي، فأعطني سؤلي" ! وقال قيل بن عنز حين دعا: "يا إلهنا، إن كان هود صادقًا فاسقِنا، فإنّا قد هلكنا" ! فأنشأ الله لهم سحائب ثلاثًا: بيضاء، وَحمراء، وسوداء. ثم ناداه منادٍ من السحاب: "يا قيل، اختر لنفسك ولقومك من هذه السحائب" . فقال: "اخترت السحابة السوداء، فإنها أكثر السحاب ماءً" ! فناداه منادٍ: "اخترت رَمَادًا، رِمْدِدًا، (1) لا تُبقي مِن آل عاد أحدًا، (2) لا والدًا تترك ولا ولدًا، إلا جعلته هَمِدًا، (3) إلا بني اللُّوذِيّة المُهَدَّى" = و "بنو اللوذية" ، بنو لقيم بن هزّال بن هزيلة بن بكر، (4) وكانوا سكانًا بمكة مع أخوالهم، ولم يكونوا مع عاد بأرضهم، فهم عادٌ الآخِرة، ومن كان من نسلهم الذين بقُوا من عاد. = وساق الله السحابة السوداء، فيما يذكرون، التي اختارها قَيْل بن عنز بما فيها من النقمة إلى عاد، حتى خرجت عليهم من وادٍ يقال له: "المغيث" . فلما رأوها استبشروا بها، وقالوا: (هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا) ، يقول الله: (بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا) [سورة الأحقاف: 24-25] ، أي: كلّ شيء أُمِرَتْ به. وكان أوّل من أبصر ما فيها وعرف أنها رِيح، فيما يذكرون، امرأة من عاد يقال لها "مَهْدَد" .، فلما تيقنت ما فيها صاحت، (5) ثم صَعِقت. فلما أن أفاقت قالوا: ماذا رأيت يا مهدد؟ قالت: رأيتُ ريحًا فيها كشُهُب النار، أمامها رجالٌ يقودُونها! فسخَّرها الله عليهم سبع (1) "رماد رمدد" ، متناه في الاحتراق والدقة. يقال: "رماد أرمد" و "رمدد" بكسر الراء وسكون الميم وكسر الدال و "رمدد" (بكسر الراء، وسكون الميم، وفتح الدال) . (2) في المطبوعة: "لا تبق" ، وأثبت ما في المخطوطة والتاريخ. (3) "هامد، وهمد، وهميد" ، ميت هالك. "همد، همودا" ، مات وهلك. (4) في التاريخ: "... هزال بن هزيل بن هزيلة بن بكر" ، وكأنه الصواب. (5) في التاريخ "فلما تبينت" ، وكأنها أرجح. ليال وثمانية أيام حسومًا، كما قال الله (1) = و "الحسوم" ، الدائمة = فلم تدع من عاد أحدًا إلا هلك. فاعتزل هُود، فيما ذكر لي، ومن معه من المؤمنين في حظيرة، ما يصيبه ومن معه من الريح إلا ما تلين عليهِ الجلود، وتَلتذُّ الأنفس، (2) وإنها لتمرُّ على عاد بالطَّعن بين السماء والأرض، وتدمغهم بالحجارة. وخرج وفد عاد من مكّة حتى مرُّوا بمعاوية بن بكر وأبيه، (3) فنزلوا عليه. فبينما هم عنده، إذ أقبل رجل على ناقة له في ليلة مقمِرة مُسْيَ ثالثةٍ من مُصاب عادٍ، (4) فأخبرهم الخبر، فقالوا له: أين فارقت هودًا وأصحابه؟ قال: فارقتهم بساحل البحر. فكأنهم شكُّوا فيما حدّثهم به، فقالت هزيلة بنت بكر: (5) صدَق وربِّ الكعبة! (6) 14805 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو بكر بن عياش قال، حدثنا عاصم، عن الحارث بن حسّان البكري قال: قدمتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمررت بامرأة بالرّبَذَة، (7) فقالت: هل أنت حاملي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: نعم! فحملتها حتى قدِمت المدينة، فدخلتُ المسجد، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، وإذا بلالٌ متقلِّدَ السيف، وإذا رايات سُودٌ. قال قلت: ما هذا؟ قالوا: عمرو بن العاص قدم من غزوته. فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من على منبره، أتيته فاستأذنتُ، فأذن لي، فقلت: يا رسول الله، إن بالباب امرأة من بني تميم، وقد سألتني أن أحملها إليك. قال: (1) سورة الحاقة: 7. (2) في المطبوعة: "وتلتذ به" ، زاد ما ليس في المخطوطة ولا التاريخ. (3) في المخطوطة والمطبوعة: "وابنه" ، والصواب من التاريخ، ومن أول الخبر. (4) "المسي" (بضم فسكون) ، المساء، كالصبح والصباح. وفي المطبوعة والتاريخ: "مساء ثالثة" ، وأثبت ما في المخطوطة. (5) في المطبوعة: "هذيلة" ، والصواب من المخطوطة والتاريخ. (6) الأثر: 14804- هذا الخبر رواه الطبري في تاريخه، مختصرًا في أوله، مطولا بعد هذا في آخره 1: 111- 113. (7) في المطبوعة: "على امرأة" ، وأثبت ما في المخطوطة. يا بلال، ائذن لها. قال: فدخلتْ، فلما جلست قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل بينكم وبين تميم شيء؟ قلت: نعم! وكانت الدَّبَرَة عليهم (1) = فإن رأيت أن تجعل الدَّهنا بيننا وبينهم حاجزًا فعلت! قال: تقول المرأة: فأين تضطرُّ مُضَرَك، يا رسول الله؟ (2) قال قلت: مَثَلي مَثَلُ مِعْزى حملت حَتْفًا! (3) قال قلت: وحملتُك تكونين عليَّ خَصْمًا! أعوذ بالله أن أكون كوافدِ عاد! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما وافدُ عادٍ؟ قال قلت: على الخبير سقطتَ! إنّ عادًا قَحَطت فبعثت مَنْ يستسقي لها، فبعثُوا رجالا فمرُّوا على بكر بن معاوية، فسقاهم الخمر وتغنَّتهم الجرادتان شهرًا، ثم بعث من عنده رجلا حتى أتى جبالَ مَهْرة، (4) فدعَوْا، فجاءت سحابات. قال: وكلما جاءت سحابة قال: اذهبي إلى كذا، حتى جاءت سحابة، فنودي منها (5) "خذها رَمادًا رِمددًا * لا تدعُ من عادٍ أحدًا" . قال: فسمعه وكتمهم حتى جاءهم العذاب (6) = قال أبو كريب: قال أبو بكر بعد ذلك في حديث عادٍ، قال: فأقبل الذين أتاهم، فأتى جبال مهرة، (7) فصعد فقال: اللهم إنّي لم أجئك لأسير فأفاديه، ولا لمريض فأشفيه، فأسْقِ عادًا ما كنت مُسْقِيه! قال: فرفعت له سحاباتٌ، قال: فنودي منها: اخْتَر! قال: فجعل يقول: اذهبي إلى بني فلان، اذهبي إلى بني فلان. قال: فمرَّت آخرَها سحابةٌ سوداء، فقال: اذهبي إلى عاد! فنودي منها: "خُذْها رمادًا رِمْددًا، لا تدع من عاد أحدًا" . قال: وكتمهم، (8) والقوم عند بكر بن معاوية، يشربون. قال: وكره بكر بن معاوية أن يقولَ لهم، من أجل أنهم عنده، وأنهم في طعامه. قال: فأخذَ في الغناء وذكَّرهم. (9) 14806 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا زيد بن الحباب قال، حدثنا سلام أبو المنذر النحوي قال، حدثنا عاصم، عن أبي وائل، عن الحارث بن يزيد البكري قال: خرجت لأشكوَ العلاء بن الحضرميّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمررت بالربَذَة، فإذا عجوزٌ منقَطعٌ بها، (10) من بني تميم، فقالت: يا عبد الله، إنّ لي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجةً، فهل أنت مبلغي إليه؟ قال: فحملتها، فقدمت المدينة. قال: فإذا رايات، (11) قلت: ما شأن الناس؟ قالوا: يريد أن يبعث بعمرو بن العاص وجهًا. (12) قال: فجلست حتى فرغ. قال: فدخل منزله = أو قال: رَحْله = فاستأذنت عليه، فأذن لي، فدخلت فقعدت، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل كان بينكم وبين (1) في المطبوعة: "وكانت لنا الدائرة عليهم" ، غير وزاد على ما في المخطوطة، وهو عبث بالنص، والصواب من المخطوطة. "الدبرة" (بفتح الدال، وسكون الباء أو فتحها) : الهزيمة لهم، والدولة والظفر للآخرين. (2) في المطبوعة: "فإلى أين يضطر مضطرك يا رسول الله" ، تصرف تصرفًا معيبًا مشينًا وأساء غاية الإساءة. والصواب ما في المخطوطة. "مضر" هو جذم العرب وهو "مضر بن نزار بن معد بن عدنان" ، ومنه تفرعت، قريش وبنو تميم، ولذلك قالت المرأة من تميم لرسول الله "مضرك" ، لأنه جده وجدها. (3) في المطبوعة: "مثلي مثل ما قال الأول: معزى حملت حتفها" ، زاد من غير هذه الرواية، وهي إساءة شديدة، وجعل: "حتفًا" ، "حتفها" ، فأثبت ما طابق روايته في التاريخ وقوله: "معزى حملت حتفًا" ، أي حملت منيتها، مثل لمن يحمل ما فيه هلاكه. وهو غير موجود في كتب الأمثال. (4) "مهرة" (بفتح فسكون) ، حي عظيم، وهو أبو قبيلة: "مهرة بن حيدان بن عمرو ابن الحاف بن قضاعة" ، وبلاد مهرة، في ناحية الشحر من اليمن، ببلاد العنبر على ساحل البحر. وكان في المطبوعة والمخطوطة: "ثم فصلوا من عنده حتى أتوا جبال مهرة" ، وهذه جملة يختل بها سياق الخبر اختلالا شديدًا، وتختلف الضمائر، ولا يصبح للخبر رباط يمسكه، وكأنه عبث من الناسخ، فإن أبا جعفر روى هذا الخبر في التاريخ بإسناده ولفظه، فأثبت منه نص الخبر، إذ هو الذي يستقيم به الكلام. (5) في المطبوعة حذف "منها" ، لغير علة ظاهرة. (6) في المطبوعة والمخطوطة: "فسمعهم وكلمهم" ، والصواب من التاريخ. (7) في المطبوعة والمخطوطة: "الذين آتاهم" ، والصواب من التاريخ. (8) في المطبوعة والمخطوطة: "وكلمهم" ، والصواب من التاريخ. (9) الأثر: 14805 - "أبو بكر بن عياش" ، ثقة، كان من العباد الحفاظ المتقنين، إلا أنه لما كبر ساء حفظه، فكان يهم إذا روى. والخطأ والوهم شيئان لا ينفك عنهما البشر، فمن كان لا يكثر ذلك منه، فلا يستحق ترك حديثه، بعد تقد عدالته- هكذا قال ابن حبان، وصدق. مضى برقم: 2150، 3000، 5725، 8098. و "عاصم" ، هو "عاصم ابن بهدلة" ، "عاصم بن أبي النجود" ، ثقة جليل مشهور، مضى مرارًا كثيرة. وأما "الحارث بن حسان البكري" ، فيقال فيه: "الحارث بن يزيد البكري" ، ويقال اسمه: "حريث" ، وصحح ابن عبد البر أنه اسمه "الحارث بن حسان" ، فقال: "والأكثر يقولون الحارث بن حسان البكري، وهو الصحيح إن شاء الله" ، ولكن العجيب أن الحافظ ابن حجر قال في التهذيب: "وصحح ابن عبد البر أن اسمه حريث" ، فوهم وهمًا شديدًا، والذي نقلته نص ابن عبد البر في الاستيعاب!! فليصحح ما في التهذيب. و "الحارث بن حسان البكري" ، مترجم في ابن سعد 6: 22، والكبير للبخاري 1/ 2/ 259، والاستيعاب: 109، وابن أبي حاتم 1/ 2/ 71، وأسد الغابة 1: 323، والإصابة في ترجمته، والتهذيب. روى عنه أبو وائل، وسماك بن حرب. وسيأتي خبر "الحارث البكري" ، بإسناد آخر: "عن عاصم، عن أبي وائل، عن الحارث بن يزيد البكري" . وأما هذا الإسناد "عاصم، عن الحارث بن حسان البكري" ، ليس بينهما "أبو وائل" ، فقد قال ابن الأثير في أسد الغابة في ترجمة "الحارث" : "ورواه أحمد بن حنبل أيضًا، وسعيد الأموي، ويحيى الحماني، وعبد الحميد بن صال، وأبو بكر بن شيبة، كلهم: عن أبي بكر بن عياش، عن عاصم، عن الحارث، ولم يذكر أبا وائل" . قال الحافظ ابن حجر في التهذيب في ترجمة "الحارث" : "وروى عنه عاصم ابن بهدلة" ، والصحيح: عنه، عن أبي وائل، عن الحارث "." وقال ابن عبد البر في الاستيعاب: "واختلف في حديثه: منهم من يجعله عن عاصم ابن بهدلة، عن الحارث بن حسان، لا يذكر فيه أبا وائل، والصحيح فيه: عن عاصم، عن أبي وائل، عن الحارث بن حسان" . وكذا قال غيرهما. وهذا الخبر بهذا الإسناد، رواه أبو جعفر مرة أخرى في تاريخه 1: 110، وروى صدره أحمد في مسنده 3: 481، "عن أبي بكر بن عياش قال، حدثنا عاصم بن أبي الفزر (؟؟) ، عن الحارث بن حسان البكري" ، مختصرًا، وهو صدر الخبر. وأما ما جاء في مطبوعة المسند "عاصم بن أبي الفزر" ، فأرجح أنه تحريف "عاصم بن أبي النجود" ، فالحديث حديثه، ولم أعلم أنه يقال له: "عاصم بن أبي الفزر" . ورواه من هذه الطريق نفسها مختصرًا، ابن ماجه في سننه ص: 941، رقم: 2816، بنحو لفظ أحمد. وسيأتي تخريج خبر "الحارث" هذا، في الأثر التالي. (10) "منقطع بها" (بضم الميم، وفتح القاف والطاء) . يقال: "قطع بالرجل، فهو مقطوع به" ، و "انقطع به، فهو منقطع به" (كله بالبناء للمجهول) : إذا كان مسافرًا، فعطبت راحلته، وذهب زاده وماله، أو أتاه أمر لا يقدر معه على أن يتحرك. (11) عند هذا الموضع قال أبو جعفر، في روايته في التاريخ: "قال أبو جعفر: أظنه قال: فإذا رايات سود" . (12) في المطبوعة: "عمرو بن العاص" ، حذف الباء، وهي ثابتة في المخطوطة، وفي رواية الخبر في التاريخ. تميم شيء؟ قلت: نعم! وكانت لنا الدَّبَرة عليهم، (1) وقد مررت بالربذة، فإذا عجوز منهم مُنقطَعٌ بها، فسألتني أن أحملها إليك، وها هي بالباب. فأذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخلت، فقلت: يا رسول الله، اجعل بيننا وبين تميم الدَّهنا حاجزًا، فحميت العجوزُ واستوفزت، (2) وقالت: فأين تضطرُّ مُضَرَك يا رسول الله؟ (3) قال، قلت: أنا كما قال الأول: "معزى حملت حَتْفًا" ! (4) حملت هذه ولا أشعر أنها كانت لي خصمًا! أعوذ بالله ورسوله أن أكون كوافد عاد! قال: وما وافدُ عادٍ؟ "قلت (5) على الخبير سقطتَ! قال: وهو يستطعمني الحديثَ. (6) قلت: إن عادًا قُحِطوا فبعثوا" قَيْلا "وافدًا، فنزل على بكرٍ، فسقاه الخمرَ شهرًا وتغنّيه جاريتان يقال لهما" الجرادتان "، (7) فخرج إلى جبال مهرة، فنادى:" إني لم أجئ لمريض فأداويه، ولا لأسير فأفاديه، اللهم فأسقِ عادًا ما كانت تُسْقِيه "! (8) فمرت به سحابات سُودٌ، فنودي منها: (9) " خذها رمادًا رِمْدِدًا، لا تبقي من عادٍ أحدًا ". قال: فكانت المرأة تقول:" لا تكن كوافد عادٍ "! فما بَلَغني أنَّه ما أرسل عليهم من الريح، يا رسول الله، إلا قَدْر ما يجري في خاتمي (10) = قال أبو وائل: فكذلك بلغني. (11) " 14807 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وإلى عاد أخاهم هودًا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره" ، أنّ عادًا أتاهم هود، فوعظهم وذكّرهم بما قَصّ الله في القرآن، فكذبوه وكفَروا، وسألوه أن يأتيهم بالعذاب، فقال لهم: (إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ) [سورة الأحقاف: 23] . وإن عادًا أصابهم حين كفروا قُحُوطُ المطر، (12) حتى جُهِدوا لذلك جَهْدًا شديدًا. وذلك أن هودًا دَعَا عليهم، فبعث الله عليهم الريح العَقيم، وهي الريح التي لا تُلْقِح الشجرَ. فلما نظروا إليها قالوا: (هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا) [سورة الأحقاف: 24] . فلما دنت منهم، نظروا إلى الإبل والرجال تطيرُ بهم الريحُ بين السماء والأرض. فلما رأوها تبادَروا إلى البيوت، (13) فلما دخلوا البيوت، دخلت عليهم فأهلكتهم فيها، ثم أخرجتهم (1) في المطبوعة: "وكانت لنا الدارة عليهم" ، وفي المخطوطة: "وكانت الدائرة عليهم" ، غير منقوطة، وأثبت رواية أبي جعفر في التاريخ، ورواية أحمد في مسنده. انظر التعليق السالف ص: 514، تعليق: 1. (2) "حميت" : غضبت، وأخذتها الحمية والأنفة والغيظ. و "استوفز الرجل في قعدته" ، إذا قعد قعودًا منتصبًا غير مطمئن، ولم يستو قائمًا، كالمتهيئ للوثوب، وذلك عند الشر والخصام والجدال والمماحكة. (3) في المطبوعة: "فإلى أين يضطر مضطرك" ، وهو تغير لما في المخطوطة وزيادة عما فيها، كما فعل فيما سلف ص: 514، تعليق: 2. (4) في المطبوعة: "حتفها" ، وهي مطابقة لرواية أحمد في مسنده، ولكن ما أثبته هو ما جاء في المخطوطة والتاريخ، إلا أن في التاريخ: "حيفا" ، خطأ، صوابه ما أثبت. انظر ما سلف ص: 514، تعليق: 3. (5) في المطبوعة والمخطوطة: "قال: على الخبير سقطت" ، وأثبت ما في التاريخ. (6) "استطعمه الحديث" ، أي أغراه أن يحدثه، كأنه يريد أن يذيقه طعم حديثه. يقال ذلك إذا استدرجه، وهو أعلم بالحديث منه، وجاء تفسيره في خبر أحمد في مسنده: "وهو أعلم بالحديث منه، ولكن يستطعمه" . وشرح هذا اللفظ في كتب اللغة غير واف، فقيده هناك. (7) في المطبوعة: "وغنته جاريتان" ، غير ما في المخطوطة، وهو مطابق لما في التفسير ومسند أحمد. (8) في المطبوعة وتاريخ الطبري: "اللهم أسق" وأثبت ما في المخطوطة. وبقية الجملة محولة من مكانها في المخطوطة، وذلك قوله: "ما كنت تسقيه" ، وهي ثابتة في التاريخ، ولكن جعلها في المطبوعة والمخطوطة: "مسقيه" ، كما في الأثر السالف، ولكن "تسقيه" هي رواية أبي جعفر في التاريخ، ورواية أحمد أيضًا. (9) بعد قوله "فنودي منها" ، وضع "ما كنت مسقيه" ، كما أسلفت في التعليق الماضي. (10) في المطبوعة: "ففيما بلغني" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو المطابق لرواية أبي جعفر في التاريخ، ورواية أحمد في المسند. (11) الأثر: - 14806 - هذا إسناد آخر للأثر السالف، وهو الإسناد الذي أشرت إليه هناك أن فيه "أبا وائل" بين "عاصم ابن بهدلة" و "الحارث بن حسان البكري، وأنه هو الصحيح." و "الحارث بن يزيد البكري" ، هو "الحارث بن حسان البكري" ، مختلف في ذلك، كما قلت في التعليق على رقم: 14805. و "سلام، أبو المنذر النحوي" هو "سلام بن سليمان المزني" ، قال يحيى بن معين: "لا شيء" ، وقال أبو حاتم: "صدوق، صالح الحديث" . وقال الساجي: "صدوق، يهم، ليس بمتقن الحديث" . وقال ابن معين مرة أخرى: "يحتمل لصدقه" . مترجم في التهذيب، والكبير 2/ 2/ 135، وابن أبي حاتم 2/ 1/ 259، وميزان الاعتدال 1: 400. وأما "أبو وائل" ، فهو "شقيق بن سلمة الأسدي" ، ثقة إمام، مضى مرارًا. أما المرأة المذكورة في هذا الخب، والخبر السالف، فهي: "قيلة بنت مخرمة التميمية" ، من بني العنبر بن عمرو بن تميم، ويذكر في بعض الكتب "الغنوية" ، وهو تصحيف "العنبرية" . وحديث "قيلة" حديث طويل، فيه غريب كثير، ذكره ابن حجر في ترجمتها في الإصابة. وفي تحقيق خبرها، وخبر "الحارث بن حسان البكرير" أو "حريث بن حسان الشيباني" ، وافد بكر بن وائل (كما في ترجمتها في ابن سعد 8: 228) ، فضل كلام ليس هذا موضعه. وهذا الخبر رواه أبو جعفر في تاريخه بهذا الإسناد نفسه. ورواه أحمد في مسنده 3: 481، 482، من طريقي: من طريق عفان، عن سلام أبي المنذر، عن عاصم = ثم رواه من طريق زيد بن الحباب، عن أبي المنذر سلام بن سليمان النحوي، عن عاصم بن أبي النجود، بنحوه. ورواه ابن سعد في الطبقات 6: 22 من طريق عفان، عن سلام أبي المنذر، مختصرًا. وروى البخاري صدره في الكبير 1/ 2/259. ورواه ابن الأثير في ترجمة "الحارث" في أسد الغابة، وابن عبد البر في الاستيعاب مختصرًا، وابن حجر في الإصابة. ورواه ابن كثير في تفسيره 3: 502/ 7: 470، من طريق أحمد في مسنده. ورواه أيضًا في البداية والنهاية 1: 127، 128، وقال: "ورواه ابن جرير، عن أبي كريب، عن زيد بن حباب، به. ووقع عنده: عن الحارث بن يزيد البكري، فذكره. ورواه أيضًا، عن أبي كريب، عن أبي بكر بن عياش، عن عاصم، عن الحارث بن حسان البكري، فذكره. ولم أر في النسخة: أبا وائل، والله أعلم" . قلت: يعني الأثر السالف، انظر التعليق هناك. وقال ابن كثير أيضًا في البداية والنهاية: "رواه الترمذي، عن عبد بن حميد، عن زيد بن الحباب، به. ورواه النسائي من حديث سلام أبي المنذر، عن عاصم ابن بهدلة. ومن طريقه رواه ابن ماجه. وهكذا أورد هذا الحديث، وهذه القصة، عند تفسير هذه القصة غير واحد، من المفسرين، كابن جرير وغيره. وقد يكون هذا السياق للإهلاك عاد الآخرة، فما فيما ذكره ابن إسحاق وغيره ذكر لمكة، ولم تبن إلا بعد إبراهيم الخليل، حين أسكن فيها هاجر وابنه إسماعيل، فنزلت جرهم عندهم، كما سيأتي. وعاد الأولى قبل الخليل. وفيه ذكر" معاوية بن بكر "وشعره، وهو من الشعر المتأخر عن زمان عاد الأولى، لا يشبه كلام المتقدمين. وفيه: أن في تلك السحابة شرر نار، وعاد الأولى إنما أهلكوا بريح صرصر عاتية" . وهذا نقد جيد جدًا، لهذه الأخبار السالفة جميعًا، والخبر الآتي بعد هذا. (12) في التاريخ: "قحط من المطر" . (13) في المطبوعة والمخطوطة: "تنادوا البيوت" ، وهو لا معنى له، صوابه من التاريخ "تبادروا" ، أسرعوا. من البيوت، فأصابتهم "في يوم نحس" = والنحس، هو الشؤم = و "مستمرّ" ، استمر عليهم بالعذاب "سبعَ ليال وثمانية أيامٍ حُسومًا" (1) = حَسمت كل شيء مرّت به، (2) فلما أخرجتهم من البيوت قال الله: (تَنزعُ النَّاسَ) من البيوت، (كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) ، [سورة القمر: 20] = انقعر من أصوله = "خاوية" ، خوت فسقطت. (3) فلما أهلكهم الله، أرسل عليهم طيرًا سودًا، (4) فنقلتهم إلى البحر فألقتهم فيه، فذلك قوله: (فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلا مَسَاكِنُهُمْ) [سورة الأحقاف: 25] . ولم تخرج ريحٌ قط إلا بمكيال، إلا يومئذ، فإنها عَتَتْ على الخَزَنة فغلبتهم، فلم يعلموا كم كان مكيالها، وذلك قوله: (فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ) ، [سورة الحاقة: 6] = و "الصرصر" ، ذات الصوت الشديد. * * * القول في تأويل قوله: {قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (70) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قالت عاد له: (5) أجئتنا تتوعَّدنا بالعقاب من الله على ما نحن عليه من الدين، كي نعبد الله وحده، وندين له بالطاعة (1) في المطبوعة: "استمر عليهم العذاب" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو مطابق لما في التاريخ. (2) هذا تفسير الآيات، من "سورة القمر" : 19، و "سورة الحاقة" : 7. (3) هذا تفسير آية "سورة الحاقة" : 7 = "كأنهم أعجاز نخل خاوية" . (4) في المطبوعة: "أرسل إليهم" ، والصواب من المخطوطة والتاريخ. (5) في المخطوطة: "قالت هود له" ، وهو ظاهر الخطأ، صححه في المطبوعة: "قالت عاد لهود" ، وأثبت ما دل عليه سهو الناسخ. https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف الحلقة (679) صــ 521 إلى صــ 530 خالصًا، ونهجر عبادة الآلهة والأصنام التي كان آباؤنا يعبدونها، ونتبرَّأ منها؟ فلسنا فاعِلي ذلك، ولا نحن متبعوك على ما تدعونا إليه، (1) فأتنا بما تعدنا من العقابِ والعذاب على تركنا إخلاص التوحيد لله، وعبادتنا ما نعبد من دونه مِنَ الأوثان، إن كنت من أهل الصدق على ما تقول وتعِدُ. * * * القول في تأويل قوله: {قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نزلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (71) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال هود لقومه: قد حَلَّ بكم عذَابٌ وغضبٌ من الله. * * * وكان أبو عمرو بن العلاء = فيما ذكر لنا عنه = يزعم أن "الرجز" و "الرجس" بمعنى واحد، وأنها مقلوبة، قلبت السين زايًا، كما قلبت "ستّ" وهي من "سداس" بسين، (2) وكما قالوا "قَرَبُوس" و "قَرَبُوت" (3) وكما قال الراجز: (4) (1) في المطبوعة: "ولا متبعيك" ، وفي المخطوطة: "ولا متبعوك" ، أسقط الناسخ "نحن" فأثبتها. (2) في المطبوعة: "كما قلبت: شئز، وهي من: شئس" ، لم يحسن قراءة المخطوطة، والصواب ما أثبت، يدل عليه شاهد الرجز الذي بعده. (3) في المطبوعة والمخطوطة: "وقربوز" بالزاي (وهي في المخطوطة غير منقوطة) ، والصواب المحكي عنه بالتاء. و "القربوس" حنو السرج "وهو بقاف وراء مفتوحتان، بعدهما باء مضمومة." (4) هو علباء بن أرقم اليشكري. أَلا لَحَى اللهُ بَنِي السِّعْلاتِ ... عَمْرَو بْنَ يَرْبُوعٍ لِئَامَ النَّاتِ لَيْسُوا بِأَعْفَافٍ وَلا أَكْيَاتِ (1) يريد "الناس" ، و "أكياس" ، فقلبت السين تاء، كما قال رؤبة: كَمْ قَدْ رَأَيْنَا مِنْ عَدِيدٍ مُبْزِي ... حَتَّى وَقَمْنَا كَيْدَهُ بالرِّجْزِ (2) روي عن ابن عباس أنه كان يقول: "الرجس" ، السّخط. (3) 14808-حدثني بذلك المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثنا معاوية، عن علي بن أبى طلحة، عن ابن عباس، قوله: (قد وقع عليكم من ربكم رجس) يقول: سَخَط. (1) نوادر أبي زيد: 104، 147، الحيوان 1: 187/ 6: 161، وفيه تخريج الأبيات، وغيرهما كثير. و "السعلاة" اسم الواحدة من نساء الجن، إذا لم تتغول لتفتن السفار. وزعموا أن عمرو بن يربوع تزوج السعلاة، وأولدها، وأنها أقامت في بني تميم حتى ولدت فيهم، فلما رأت برقًا يلمع من شق بلاد السعالي، حنت وطارت إليهم، فقال عمرو بن يربوع: أَلا لِلهِ ضَيْفُكِ، يَا أُمَامَا ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ولا يعرف تمام البيت كما قال أبو زيد في نوادره: 146. رَأَى بَرْقًا فَأَوْضَعَ فَوْقَ بَكْرٍ ... فَلا، بِكِ، ما أسَالَ وما أَغَامَا. وقوله: "ليسوا بأعفاف" ، هكذا جاء في المطبوعة والمخطوطة. ورواية أبي زيد وغيره: "ليسوا أعفاء" ، وهي القياس، جمع "عفيف" ، وكأن "أعفاف" جمع "عف" ، وقد نصوا على أنهم لم يجمعوا "عفا" ، أو يكون كما جمع "شريف" على "أشراف" ، في غير المضعف. (2) ديوانه: 64، هكذا جاء البيت الأول في المخطوطة والمطبوعة. وهو لا يكاد يصح، ورواية الديوان. مَا رَامَنَا من ذي عَدِيدٍ مَبْزى يقال: "أبزى فلان بفلان" ، إذا غلبه وقهاه. و "وقم عدوه" ، أذله وقهره. (3) في المطبوعة: "الرجز" مكان "الرجس" ، وبين أن الصواب ما أثبت. = وانظر تفسير "الرجس" فيما سلف 10: 565/ 12: 111، 112، 194. وأما قوله: (أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم) فإنه يقول: أتخاصمونني في أسماء سمَّيتموها أصنامًا لا تضر ولا تنفع (1) = (أنتم وآباؤكم ما نزل الله بها من سلطان) يقول: ما جعل الله لكم في عبادتكم إياها من حجة تحتجُّون بها، ولا معذرة تعتذرون بها، (2) لأن العبادة إنما هي لمن ضرَّ ونفع، وأثابَ على الطاعة وعاقب على المعصية، ورزق ومنَع. فأما الجماد من الحجارة والحديد والنحاس، فإنه لا نفع فيه ولا ضرّ، إلا أن تتخذ منه آلةً، ولا حجة لعابد عبده من دون الله في عبادته إياه، لأن الله لم يأذن بذلك، فيعتذر من عبدَه بأنه يعبده اتباعًا منه أمرَ الله في عبادته إياه. (3) ولا هو= إذ كان الله لم يأذن في عبادته= مما يرجى نفعه، أو يخاف ضرّه، في عاجل أو آجل، فيعبد رجَاء نفعه، أو دفع ضره - (فانتظروا إني معكم من المنتظرين) يقول: فانتظروا حكمَ الله فينا وفيكم= (إني معكم من المنتظرين) حكمَه وفصل قضائه فينا وفيكم. * * * القول في تأويل قوله: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ (72) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فأنجينا نوحًا والذين معه من أتباعه على الإيمان به والتصديق به وبما دعَا إليه، من توحيد الله، وهجر الآلهة والأوثان= (برحمة منّا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا) يقول: وأهلكنا الذين كذَّبوا من قوم هود بحججنا جميعًا عن آخرهم، فلم نبق منهم أحدًا، كما:- (1) انظر تفسير "المجادلة" فيما سلف ص: 86، تعليق: 4، والمراجع هناك. (2) انظر تفسير "سلطان" فيما سلف ص: 404، تعليق: 1، والمراجع هناك. (3) في المطبوعة والمخطوطة: "فيعذر من عبده" ، والسياق يقتضي ما أثبت. 14809-حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، في قوله: (وقطعنا دابرَ الذين كذبوا بآياتنا) قال: استأصلناهم. * * * وقد بينا فيما مضى معنى قوله: (فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا) [الأنعام: 45] ، بشواهده، بما أغنى عن إعادته. (1) * * * = (وما كانوا مؤمنين) يقول: لم يكونوا مصَدّقين بالله ولا برسوله هود. القول في تأويل قوله: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحًا. * * * و "ثمود" ، هو ثمود بن غاثر بن إرم بن سام بن نوح، وهو أخو جَدِيس بن غاثر، (2) وكانت مساكنهما الحِجْر، بين الحجاز والشأم، إلى وادي القُرَى وما حوله. * * * ومعنى الكلام: وإلى بني ثمود أخاهم صالحًا. * * * (1) انظر تفسير "قطع دابرهم" فيما سلف 11: 363، 364. (2) في المطبوعة في الموضعين "ثمود بن عابر" ، و "جديس بن عابر" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو كذلك في تاريخ الطبري 1: 103 "غاثر" بالغين والثاء، إلا أنه جاء في التاريخ 1: 115 "جاثر" بالجيم والثاء، وكأن الأول هو الأصل، وأن الآخر على القلب عن الغين، هذا إذا لم يكن خطأ. وإنما منع "ثمود" ، لأن "ثمود" قبيلة، كما "بكر" قبيلة، وكذلك "تميم" . * * * (قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) ، يقول: قال صالح لثمود: يا قوم اعبدوا الله وحده لا شريك له، فما لكم إله يجوزُ لكم أن تعبدوه غيره، وقد جاءتكم حُجَّة وبرهان على صدق ما أقول، (1) وحقيقة ما إليه أدعو، من إخلاص التوحيد لله، وإفراده بالعبادة دون ما سواه، وتصديقي على أني له رسول. وبيِّنتي على ما أقول وحقيقة ما جئتكم به من عند ربي، وحجتي عليه، هذه الناقة التي أخرجها الله من هذه الهَضْبة، دليلا على نبوّتي وصدق مقالتي، فقد علمتم أن ذلك من المعجزات التي لا يقدر على مثلها أحدٌ إلا الله. * * * وإنما استشهد صالح، فيما بلغني، على صحة نبوّته عند قومه ثمود بالناقة، لأنهم سألُوه إياها آيةً ودلالة على حقيقةِ قوله. * ذكر من قال ذلك، وذكر سبب قتل قوم صالح الناقة: 14810-حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا إسرائيل، عن عبد العزيز بن رفيع، عن أبي الطفيل قال، قالت ثمود لصالح: ائتنا بآية إن كنت من حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا إسرائيل، عن عبد العزيز بن رفيع، عن أبي الطفيل قال، قالت ثمود لصالح: ائتنا بآية إن كنت من الصادقين! قال: فقال لهم صالح: اخرجوا إلى هَضْبَةٍ من الأرض! فخرجوا، فإذا هي تَتَمَخَّض كما تتمخَّض الحامل، ثم إنها انفرجت فخرجت من وسَطها الناقة، فقال صالح: (هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسُّوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم (= (لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) ، [سورة الشعراء:155] . فلما ملُّوها عقروها، فقال لهم: (تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ) ، [سورة هود:65] قال عبد العزيز: وحدثني رجل آخر: أنّ صالحًا قال لهم: إن آية العذاب أن تصبحوا غدًا حُمْرًا، واليوم الثاني (1) انظر تفسير "البينة" فيما سلف من فهارس اللغة (بين) . صُفْرًا، واليوم الثالث سُودًا. قال: فصبَّحهم العذاب، فلما رأوا ذلك تحنَّطُوا واستعدُّوا. (1) 14812-حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (وإلى ثمود أخاهم صالحًا) ، قال: إن الله بعث صالحا إلى ثمود، فدعاهم فكذّبوه، فقال لهم ما ذكر الله في القرآن، فسألوه أن يأتيهم بآية، فجاءهم بالناقة، لها شِرْب ولهم شِرْبُ يومٍ معلوم. وقال: (ذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء) . فأقرُّوا بها جميعًا، فذلك قوله: (فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى) ، [سورة فصلت: 17] . وكانوا قد أقرُّوا به على وجه النفاق والتقيَّة، وكانت الناقة لها شِرْبٌ، فيومَ تشرب فيه الماء تمرّ بين جبلين فيرحمانها، (2) ففيهما أثرُها حتى الساعة، ثم تأتي فتقف لهم حتى يحلبُوا اللبنَ، فيرويهم، إنما تصبُّ صبًّا، (3) ويوم يشربون الماءَ لا تأتيهم. وكان معها فصيل لها، فقال لهم صالح: إنه يولدُ في شهركم هذا غلامٌ يكون هلاككم على يديه! فولد لتسعة منهم في ذلك الشهر، فذبحوا أبناءهم، ثم وُلد للعاشر فأبَى أن يذبح ابنه، وكان لم يولد له قبل ذلك شيء. فكان ابن العاشر أزْرَق أحمرَ، فنبت نباتًا سريعًا، فإذا مرَّ بالتسعة فرأوه قالوا: لو كان أبناؤنا أحياءَ كانوا مثل هذا! فغضب التِّسعة على صالح، لأنه أمرهم بذبح أبنائهم= (تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ) ، (1) الأثر: 14810 - "عبد العزيز بن رفيع الأسدي" ، تابعي ثقة، روى له الجماعة. روى عن أنس، وابن الزبير، وابن عباس، وابن عمر، وأبي الطفيل. مترجم في التهذيب. و "أبو الطفيل" ، هو: "عامر بن واثلة الليثي" ، مضى برقم: 9196. وقوله: "تحنطوا" ، أي اتخذوا الحنوط، كما يفعلون بالميت: و "الحنوط" ، هو ذريرة من مسك أوعنبر أو كافور أو صندل مدقوق، أو صبر، يتخذ للميت حتى لا يجيف ولا ينتن، أو لا تظهر رائحته للحي. وسقط من الترقيم: "14811" : سهوًا مني. (2) في المطبوعة: "فيرجمونها، ففيها أثرها ..." ، والصواب من المخطوطة. (3) في المطبوعة: "فكانت تصب اللبن صبًا" ، غير ما في المخطوطة وبدله. [النمل:49] . قالوا: نخرج، فيرى الناس أنّا قد خرجنا إلى سفر، فنأتي الغار فنكون فيه، حتى إذا كان الليل وخرج صالح إلى المسجد، أتيناه فقتلناه، ثم رجعنا إلى الغار فكنا فيه، ثم رجعنا فقلنا: (ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون) ، يصدقوننا، يعلمون أنّا قد خرجنا إلى سفر! فانطلقوا، فلما دخلوا الغارَ أرادوا أن يخرجوا من الليل، فسقط عليهم الغارُ فقتلهم، فذلك قوله: (وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ) حتى بلغ ها هنا: (فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ) [سورة النمل: 48-51] . =وكبر الغلام ابن العاشر، ونبت نباتًا عجبًا من السرعة، فجلس مع قومٍ يصيبون من الشَّراب، فأرادُوا ماءً يمزجون به شرابهم، وكان ذلك اليوم يوم شِرب الناقة، فوجدوا الماء قد شربته الناقةُ، فاشتدَّ ذلك عليهم، وقالوا في شأن الناقة: ما نَصْنع نحن باللبن؟ لو كنا نأخذ هذا الماء الذي تشربه هذه الناقة، فنُسْقيه أنعامنا وحروثنا، كان خيرًا لنا! فقال الغلام ابن العاشر: هل لكم في أن أعْقِرَها لكم؟ قالوا: نعم! فأظهروا دينَهم، فأتاها الغلام، فلما بَصُرت به شدَّت عليه، فهرب منها، فلما رأى ذلك، دخل خلف صخرةٍ على طريقها فاستتر بها، فقال: أحِيشوها عليّ! فأحَاشوها عليه، (1) فلما جازت به نادوه: عليك! (2) فتناولها فعقرها، فسقطت، فذلك قوله: (فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ) ، [سورة القمر:29] . وأظهروا حينئذٍ أمرهم، وعقروا الناقة، وعَتَوْا عن أمر ربهم، وقالوا: يا صالحُ ائتنا بما تعِدنا. وفزع ناسٌ منهم إلى صالح، وأخبروه أن الناقة قد عُقرت، فقال: عليَّ بالفصيل! فطلبوا الفَصِيل فوجدوه على رَابية من الأرض، فطلبوه، فارتفعت به حتى حلَّقت به في السماء، فلم يقدروا عليه. ثم رَغَا (3) الفصيلُ إلى الله، فأوحى الله إلى صالح: أنْ مُرْهم فليتمتَّعوا في دارهم ثلاثة أيام! فقال لهم صالح: تَمتَّعوا في داركم ثلاثة أيام، وآية ذلك أن تُصبح وجوهكم أوَّل يوم مصفَرَّة، والثاني محمرّة، واليوم الثالث مسوَدّة، واليومُ الرابعُ فيه العذاب. فلما رأوا العلامات تكفّنوا وتحنّطوا ولطَّخوا أنفسهم بالمرّ، ولبسوا الأنْطاع، وحفروا الأسراب فدخلوا فيها ينتظرون الصيحة، حتى جاءهم العذاب فهلكوا. فذلك قوله: (دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ) . حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال، لما أهلك الله عادًا وتقضَّى أمرها، عَمِرتْ ثمود بعدَها واستُخْلِفوا في الأرض، (4) فنزلوا فيها وانتشروا، ثم عتوا على الله. فلما ظهر فسادهم وعبدوا غيرَ الله، بعث إليهم صالحًا = وكانوا قومًا عَربًا، وهو من أوسطهم نسبًا وأفضلهم موضعًا = (5) رسولا (6) وكانت منازلهم الحِجر إلى قُرْح، (7) وهو وادي القرى، وبين ذلك ثمانية عشر ميلا فيما بين الحجاز والشأم! فبعث الله إليهم غلامًا شابًا، فدعاهم إلى الله، حتى شَمِط وكبر، (8) لا يتبعه منهم إلا قليل مستضعَفون، فلما ألحّ عليهم صالح بالدعاء، وأكثر لهم التحذير، وخوَّفهم من الله العذاب والنقمة، سألوه أن يُريهم آية تكون مِصداقًا لما يقول فيما يدعوهم إليه، فقال لهم: أيَّ آية تريدون؟ قالوا: تخرج معنا إلى عِيدِنا هذا = وكان لهم عيد يخرجون إليه بأصنامهم وما يعبدون من دون الله، في يوم معلوم من السنة = فتدعو إلهك وندْعُو آلهتنا، فإن (1) في المطبوعة: "أجيشوها ... فأجاشوها" بالجيم، والصواب بالحاء. "حاش عليه الصيد حوشًا وحياشًا" و "أحاشه عليه" ، إذا نفره نحوه، وساقه إليه، وجمعه عليه. (2) "عليك" ، إغراء، بمعنى: خذه. (3) في المطبوعة والمخطوطة: "ثم دعا" ، والصواب ما أثبت. من "رغاء الناقة" ، وهو صوتها إذا ضجت. (4) "عمر يعمر" (نحو: فرح يفرح) و "عمر يعمر" (نحو: نصر ينصر) : عاش وبقي زمانًا طويلا. (5) في المطبوعة: "وكانوا قومًا عزبًا" ، وفي المخطوطة: "وكانوا قومًا عربًا وهم من أوسطهم" والصواب ما أثبت. (6) السياق: "بعث إليهم صالحًا ... رسولا" . (7) "قرح" (بضم فسكون) ، وهو سوق وادي القرى. (8) "شمط" : ابيض شعره. استجيب لك اتَّبعناك! وإن استجيب لنا اتَّبعتنا! فقال لهم صالح: نعم! فخرجوا بأوثانهم إلى عيدهم ذلك، وخرج صالح معهم إلى الله فدعَوْا أوثانهم وسألوها أن لا يستجاب لصالح في شيء ممّا يدعو به. ثم قال له جندع بن عمرو بن جواس بن عمرو بن الدميل، (1) وكان يومئذٍ سيّد ثمود وعظيمَهم: يا صالح، أخرج لنا من هذه الصخرة = لصخرة منفردة في ناحية الحِجْر، يقال لها الكاثِبة = ناقةً مخترجة جَوْفاء وَبْرَاء = و "المخترجة" ، ما شاكلت البُخْت من الإبل. (2) وقالت ثمود لصالح مثل ما قال جندع بن عمرو = فإن فعلت آمنَّا بك وصَدَّقناك، وشهدنا أنَّ ما جئت به هو الحقّ! وأخذ عليهم صالح مواثيقهم: لئن فعلتُ وفَعَل الله لتصدِّقُنِّي ولتؤمنُنَّ بي! قالوا: نعم! فأعطوه على ذلك عهودَهم. فدعا صالح ربَّه بأن يخرجَها لهم من تلك الهَضْبة، كما وصفوا. = فحدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس، أنه حدَّث: أنَّهم نظروا إلى الهضبة، حين دعا الله صالح بما دعا به، تتمخَّض بالناقة تمخُّض النَّتُوج بولدها، (3) فتحركت الهضبة، ثم انتفضت بالناقة، (4) فانصدعت عن ناقة، كما وصَفوا، جوفاءَ وَبْرَاء نَتُوج، ما بين جنبيها لا يعلمه إلا الله عِظمًا، فآمن به جندع بن عمرو ومَنْ كان معه على أمره من رهطه، وأراد أشرافُ ثمود أن يؤمنوا به ويصدِّقوا، فنهاهم ذؤاب بن عمرو بن لبيد، والحباب صاحبُ أوثانهم، ورباب بن صمعر بن جلهس، وكانوا (1) في المطبوعة "حراش" ، ولعل ما في المخطوطة يقرأ كما أثبته، وكما سيأتي في نسب آخر بعد قليل. (2) شرح "المخترجة" ، لم أجده في غير هذا الخب، وهو بمثله في قصص الأنبياء للثعلبي. و "البخت" من الإبل، جمال طوال الأعناق، وهي الإبل الخراسانية، تنتج من بين عربية وفالج. (3) "النتوج" (بفتح النون) : الحامل. (4) في المطبوعة: "ثم أسقطت الناقة" غير ما في المخطوطة، وفيها: "ثم استفصت الناقة" كل ذلك غير منقوطة، فرأيت صواب قرأتها ما أثبت. من أشراف ثمود، فردُّوا أشرافَها عن الإسلام والدخول فيما دعاهم إليه صالح من الرَّحمة والنجاة، (1) وكان لجندع ابن عم يقال له: "شهاب بن خليفة بن مخلاة بن لبيد بن جواس" ، فأراد أن يسلم، فنهاه أولئك الرهط عن ذلك، فأطاعهم، وكان من أشراف ثمود وأفاضلها، فقال رجل من ثمود يقال له: "مهوس بن عنمة بن الدّميل" ، وكان مسلمًا: وَكَانَتْ عُصْبَةٌ مِنْ آلِ عَمْروٍ ... إِلَى دِينِ النَّبِيِّ دَعَوْا شِهَابَا (2) عَزِيزَ ثَمُودَ كُلِّهِمُ جَمِيعًا ... فَهَمَّ بِأَنْ يُجِيبَ وَلَوْ أَجَابَا لأَصْبَحَ صَالِحٌ فِينَا عَزِيزًا ... وَمَا عَدَلوا بصَاحِبِهم ذُؤَابَا وَلكِنَّ الغُوَاةَ مِن َآلِ حُجْرٍ ... تَوَلَّوْا بَعْدَ رُشْدِهِمُ ذُبَابَا (3) فمكثت الناقة التي أخرجها الله لهم معها سَقْبها في أرض ثمودَ ترعى الشجر وتشرب الماء، فقال لهم صالح عليه السلام: (هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم) ، وقال الله لصالح: إن الماء قسمةٌ بينهم، كُلّ شِرْبٍ مُحْتَضَر= أي: إن الماء نصفان، لهم يوم، ولها يوم وهي محتضرة، فيومها لا تدع شربها. (4) وقال: (لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) ، [سورة الشعراء:155] . فكانت، فيما بلغني والله أعلم، إذا وردت، وكانت تَرِد غِبًّا، (5) وضعت رأسها في بئر في الحجر يقال لها "بئر الناقة" ، فيزعمون أنها منها كانت تشرب إذا وردت، تضع رأسَها فيها، فما ترْفَعه حتى تشرب كل قطرة ماء في الوادي، ثم (1) في المطبوعة: "وردوا أشرافها" بالواو، والأجود ما في المخطوطة. (2) الأبيات في البداية والنهاية لابن كثير 1: 134، وقصص الأنبياء للثعلبي: 57، 58. (3) في المطبوعة: "ذئابًا" ، وفي البداية والنهاية "ذآبا" ، وكأن الصواب ما في قصص الأنبياء، وهو ما أثبته. والمخطوطة غير منقوطة. (4) هذا تفسير آية "سورة القمر" : 28. (5) "غبا" (بكسر الغين) ، أي: ترد يومًا، وتدع يومًا، ثم ترد. https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الثانى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأعراف الحلقة (680) صــ 531 إلى صــ 540 ترفع رأسها فتفشَّج (1) = يعني تفحَّج لهم (2) = فيحتلبون ما شاؤوا من لبن، فيشربون ويدَّخرون، حتى يملؤوا كل آنيتهم، ثم تصدر من غير الفجّ الذي منه وردت، لا تقدِرُ على أن تصدر من حيث ترِدُ لضيقِه عنها، فلا ترجع منه. حتى إذا كان الغدُ، كان يومهم، فيشربون ما شاؤوا من الماء، ويدّخرون ما شاؤوا ليوم الناقة، فهم من ذلك في سعة. وكانت الناقة، فيما يذكرون، تَصِيف إذا كان الحرّ ظَهْرَ الوادي، (3) فتهرب منها المواشي، أغنامُهم وأبْقارهم وإبلُهم، فتهبط إلى بطن الوادي في حرِّه وجَدْبه= وذلك أن المواشي تنفِرُ منها إذا رأتها= وتشتو في بطن الوادي إذا كان الشتاء، فتهرب مَواشيهم إلى ظهر الوادي في البرد والجدْب، فأضرّ ذلك بمواشيهم للبلاءِ والاختبار. وكانت مرابعُها، (4) فيما يزعمون، الحبابُ وحِسْمَى، كل ذلك ترعى مع وادي الحِجر، فكبر ذلك عليهم، فعتوا عن أمر ربهم، وأجمعوا في عقر الناقة رأيَهم. = وكانت امرأة من ثمودَ يقال لها: "عنيزة بنت غنم بن مجلز" ، تكني بأم غنم، وهي من بني عبيد بن المهل، أخي رُميل بن المهل، (5) وكانت امرأةَ ذؤاب بن عمرو، وكانت عجوزًا مسنة، وكانت ذات بناتٍ حسان، وكانت ذات مال من إبلٍ وبقر وغنم= وامرأة أخرى يقال لها: "صدوف بنت المحيا بن دهر بن المحيا" ، (6) سيد بني عبيد وصاحب أوثانهم في الزمن الأول، وكان الوادي يقال (1) في المطبوعة: "تفسح" ، والصواب ما أثبت، "تفشجت الناقة" (بالجيم) ، تفاجت، وذلك أن تباعد بين رجليها، ومثله "تفشحت" بالحاء المهملة. (2) "تفحجت" ، باعدت بين رجليها. (3) في المطبوعة: "بظهر الوادي" ، وأثبت ما في المخطوطة. و "الظهر" ما غلظ وارتفع من الوادي. و "البطن" ، ما لان وسهل ورق واطمأن. (4) في المطبوعة: "مراتعها" ، والصواب ما في المخطوطة. (5) في المطبوعة: "دميل" ، وفي المخطوطة ما أثبته ظاهر "الراء" . وقد مضى آنفًا في أنساب هذا الخبر "الدميل" ، فلا أدري أهما واحد، أم هما اسمان مختلفان. (6) في المطبوعة: "بنت المحيا بن زهير" ، وأثبت ما في المخطوطة، وفي قصص الأنبياء: "مهر" . له: "وادي المحيا" ، وهو المحيَّا الأكبر، جد المحيَّا الأصغر أبي صدوف= وكانت "صدوف" من أحسن الناس، وكانت غنيَّة، ذات مالٍ من إبل وغنم وبقر= وكانتَا من أشدِّ امرأتين في ثمود عداوةً لصالح، وأعظمِه به كفرًا، (1) وكانتا تَحْتالان أن تُعْقَر الناقة مع كفرهما به، (2) لما أضرَّت به من مواشيهما. وكانت صدوف عند ابن خالٍ لها يقال له: "صنتم بن هراوة بن سعد بن الغطريف" ، من بني هليل، فأسلم فحسن إسلامه، وكانت صدوفُ قد فَوَّضت إليه مالها، فأنفقه على من أسلم معه من أصحاب صالح حتى رَقَّ المال. فاطّلعت على ذلك من إسلامه صدوفُ، فعاتبته على ذلك، فأظهر لها دينه، ودعاها إلى الله وإلى الإسلام، فأبت عليه، وبيَّتتْ له، (3) فأخذت بنيه وبناته منه فغيَّبتهم في بني عبيد بطنِها الذي هي منه. وكان صنتم زوجُها من بني هليل، وكان ابنَ خالها، فقال لها: ردِّي عليَّ ولدي! فقالت: حتى أنافِرك إلى بني صنعان بن عبيد، أو إلى بني جندع بن عبيد! فقال لها صنتم: بل أنافرك إلى بني مرداس بن عبيد! (4) وذلك أن بني مرداس بن عبيد كانوا قد سارعوا في الإسلام، وأبطأ عنه الآخرون. فقالت: لا أنافرك إلا إلى من دعوتك إليه! فقال بنو مرداس: والله لتعطِنَّه ولده طائعةً أو كارهة! فلما رأت ذلك أعطته إياهم. =ثم إن صدوف وعُنيزة مَحَلَتا في عقر الناقة، (5) للشقاء الذي نزل. فدعت صدوف رجلا من ثمود يقال له "الحباب" لعقر الناقة. وعرضت عليه نفسها بذلك إن هو فعل، فأبَى عليها. فدعت ابن عم لها يقال له: "مصدع بن مهرج بن المحيَّا" ، وجعلت له نفسها، على أن يعقر الناقة، وكانت من أحسن الناسِ، وكانت غنية كثيرة المال، فأجابها إلى ذلك. =ودعت عنيزة بنت غنم، "قدارَ بن سالف بن جندع" ، رجلا من أهل قُرْح. وكان قُدار رجلا أحمرَ أزرقَ قصيرًا،يزعمون أنه كان لزَنْيَةٍ، من رجل يقال له: "صهياد" ، ولم يكن لأبيه "سالف" الذي يدعى إليه، ولكنه قد ولد على فراش "سالف" ، وكان يدعى له وينسب إليه. فقالت: أعطيك أيَّ بناتي شئتَ على أن تعقر الناقة! وكانت عنيزة شريفة من نساء ثمود، وكان زوجها ذؤاب بن عمرو، من أشراف رجال ثمود. وكان قدار عزيزًا منيعًا في قومه. فانطلق قدار بن سالف، ومصدع بن مهرج، فاستنفرَا غُواةً من ثمود، فاتّبعهما سبعة نفر، فكانوا تسعة نفر، أحدُ النفر الذين اتبعوهما رجل يقال له: "هويل بن ميلغ" خال قدار بن سالف، أخو أمّه لأبيها وأمها، وكان عزيزًا من أهل حجر= و "دعير بن غنم بن داعر" ، وهو من بني خلاوة بن المهل= و "دأب بن مهرج" ، أخو مصدع بن مهرج، وخمسة لم تحفظ لنا أسماؤهم (6) فرصدوا الناقة حين صدرت عن الماء، وقد كمن لها قُدار في أصل صخرة على طريقها، وكمن لها مصدع في أصل أخرى. فمرت على مصدع فرماها بسهم، فانتظمَ به (1) في المطبوعة: "وأعظمهم به كفرًا" ، كأنه استنكر ما في المخطوطة، وهو صريح العربية: أن يعاد الضمير بعد أفعل التفضيل بالإفراد والتذكير، مثل ما جاء في حديث نساء قريش: "خير نساء ركبن الإبل صوالح قريش، أحناه على ولد في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده" ، وكما قال ذو الرمة: وَمَيَّةُ أَحْسَنُ الثَّقَلَيْنِ جيدًا ... وَسَالِفَةً، وَأَحْسَنُهُ قَذَالا وقد مضى ذكر ذلك في الأجزاء السالفة 5: 448، تعليق: 2 وص: 557، تعليق: 1/ 6: 395، تعليق: 1/ 7: 87، تعليق: 4. (2) في المطبوعة: "وكانتا تحبان أن تعقر ..." ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو المطابق كما في قصص القرآن للثعلبي. (3) في المطبوعة: "وسبت ولده" ، وهو عبث محض، وفي المخطوطة: "وسب له" غير منقوطة، وكأن صواب قراءتها ما أثبت. "بيتت له،: فكرت في الأمر وخمرته ودبرته ليلا." (4) في المطبوعة: "بل أن أقول إلى بني مرداس" ، لم يحسن قراءة المخطوطة، لسوء كتابتها، فأتى بكلام غث. (5) في المطبوعة: "تحيلا في عقر الناقة" ، وهو كلام هالك، والصواب ما في المخطوطة ولكن الناشر لم يعرف معناه. "محل به" : كاده، واحتال في المكر به حتى يوقعه في الهلكة. (6) مكان النقط بياض في المخطوطة إلى آخر السطر، وفي الهامش حرف (ط) ، دلالة على الشك والخطأ. عضَلَة ساقها. وخرجت أم غنم عنيزة، وأمرت ابنتها، وكانت من أحسن الناس وجهًا، فأسفرت لقدار وأرته إياه، (1) ثم ذمَّرته، (2) فشدّ على الناقة بالسيف، فخشَفَ عُرْقوبها، (3) فخرَّت ورغت رَغَاةً واحدة تحذّرُ سَقْبها، (4) ثم طعن في لبَّتها فنحرَها، وانطلق سقبها حتى أتى جبلا مُنِيفًا، (5) ثم أتى صخرة في رأس الجبل فزعًا ولاذ بها (6) = واسم الجبل فيما يزعمون "صنو" ، (7) = فأتاهم صالح، فلما رأى الناقة قد عقرت، (8) ثم قال: انتهكتم حرمة الله، فأبشروا بعذاب الله تبارك وتعالى ونقمته! فاتّبع السقبَ أربعةُ نفر من التّسعة الذين عقرُوا الناقة، وفيهم "مصدع بن مهرج" ، فرماه مصدع بسهم، فانتظمَ قلبَه، ثم جرَّ برجله فأنزله، ثم ألقوا لحمَه مع لحم أمه. =فلما قال لهم صالح: "أبشروا بعذاب الله ونقمته" ، قالوا له وهم يهزؤون به: ومتى ذلك يا صالح؟ وما آية ذلك؟ = وكانوا يسمون الأيام فيهم: الأحد "أول" والاثنين "أهون" ، والثلاثاء "دبار" ، والأربعاء "جبار" ، والخميس "مؤنس" ، والجمعة "العروبة" ، والسبت "شيار" ، وكانوا عقروا الناقة يوم الأربعاء= فقال لهم صالح حين قالوا ذلك: تصبحون غداة يوم مؤنس، يعني يوم الخميس، (1) في المطبوعة: "فأسفرت عنه" بالزيادة وليست في المخطوطة، ولا ضرورة لها. (2) "ذمرته" : شجعته وحثته وحرضته. (3) في المطبوعة: "فكشف عرقوبها" ، وأثبت ما في المخطوطة: "خشف رأسه بالحجر" ، شدخه. وكل ما شدخ، فقد خشف. وقيل: "سيف خاشف، وخشيف، وخشوف" ، ماض. و "فحسف" ، هكذا غير منقوطة في المخطوطة. (4) هكذا في المخطوطة والمطبوعة: "رغاة واحدة" ، ولم تذكره كتب اللغة، بل قالوا: المرة الواحدة من "الرغاء" ، "رغوة" والذي في الطبري جائز مثله في العربية. (5) في المطبوعة: "منيعا" ، وأثبت ما في المخطوطة. "والمنيف" العالي. (6) في المطبوعة: "فرغا ولاذ بها" ، وفي المخطوطة غير منقوطة، وأرجح أن صواب قراءتها هنا ما أثبت. (7) في المطبوعة: "صور" ، أثبت ما في المخطوطة، وإن كنت في شك منه. (8) في المطبوعة، حذف "ثم" ، وهي ثابتة في المخطوطة. ووجوهكم مصفرّة، ثم تصبحون يوم العروبة، يعني يوم الجمعة، ووجوهكم محمرّة، ثم تصبحون يوم شيار، يعني يوم السبت، ووجوهكم مسودَّة، ثم يصبحكم العذاب يوم الأول، يعني يوم الأحد. فلما قال لهم صالح ذلك، قال التسعة الذين عقروا الناقة: هلمَّ فلنقتل صالحًا، (1) إن كان صادقًا عجَّلناه قبلنا، وإن كان كاذبًا يكون قد ألحقناه بناقتِه! فأتوه ليلا ليبيِّتوه في أهله، فدمَغَتهم الملائكة بالحجارة. فلما أبطؤوا على أصحابهم، أتوا منزلَ صالح، فوجدوهم مشدَّخين قد رُضِخوا بالحجارة، فقالوا لصالح: أنت قتلتهم! ثم همُّوا به، فقامت عشيرته دونه ولبسوا السلاحَ، وقالوا لهم: والله لا تقتلونه أبدًا، فقد وعدكم أنَّ العذاب نازل بكم في ثلاث، فإن كان صادقا لم تزيدوا ربَّكم عليكم إلا غضبًا، وإن كان كاذبًا فأنتم من وراء ما تريدون! فانصرفوا عنهم ليلتَهم تلك، والنفر الذين رَضَختهم الملائكة بالحجارة، التسعةُ الذين ذكرهم الله تعالى في القرآن بقوله تعالى: (وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ) إلى قوله: (لآية لقوم يعلمون) ، [سورة النمل: 48 - 52] . =فأصبحوا من تلك الليلة التي انصرفوا فيها عن صالح، وجوههم مصفرَّة، فأيقنوا بالعذاب، وعرفوا أن صالحًا قد صدَقهم، فطلبوه ليقتلوه. وخرج صالح هاربًا منهم، حتى لجأ إلى بطن من ثمود يقال لهم: "بنو غنم" ، فنزل على سيِّدهم رجلٍ منهم يقال له: "نفيل" ، يكنى بأبي هدب، وهو مشرِك، فغيَّبه، فلم يقدروا عليه. فغدوا على أصحاب صالح فعذّبوهم ليدلُّوهم عليه، فقال رجل من أصحاب صالح يقال له: "ميدع بن هرم" : يا نبي الله إنهم ليعذبوننا لندلَّهم عليك، أفندلُّهم عليك؟ قال: نعم! فدلهم عليه "ميدع بن هرم" ، فلما علموا بمكان صالح، أتوا أبا هُدْب فكلموه، فقال لهم: عندي صالح، وليس لكم إليه سبيل! فأعرضوا عنه وتركوه، وشغلهم عنه ما أنزل الله بهم من عذابه. فجعل (1) في المطبوعة: "هلموا" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب أيضًا. بعضهم يخبر بعضًا بما يرون في وجوههم حين أصبحوا من يوم الخميس، وذلك أن وجوههم أصبحت مصفرَّة، ثم أصبحوا يوم الجمعة ووجوههم محمرَّة، ثم أصبحوا يوم السبت ووجوههم مسودّة، حتى إذا كان ليلة الأحد خرج صالح من بين أظهرهم ومن أسلم معه إلى الشأم، فنزل رملة فلسطين، وتخلّف رجل من أصحابه يقال له: "ميدع بن هرم" ، فنزل قُرْح= وهي وادي القرى، وبين القرح وبين الحجر ثمانية عشر ميلا= فنزل على سيِّدِهم رجلٍ يقال له: "عمرو بن غنم" ، وقد كان أكل من لحم الناقة ولم يَشْتَركْ في قتلها، فقال له ميدع بن هرم: يا عمرو بن غنم، أخرج من هذا البلد، فإن صالحًا قال: "من أقام فيه هلك، ومن خرج منه نجا" ، فقال عمرو: ما شرِكت في عَقْرها، وما رضيت ما صُنع بها! فلما كانت صبيحة الأحد أخذتهم الصيحة، فلم يبق منهم صغير ولا كبير إلا هلك، إلا جارية مقعدة يقال لها: "الزُّرَيْعَة" ، وهي الكلبة ابنة السِّلق، (1) كانت كافرة شديدَة العداوة لصالح، فأطلق الله لها رجليها بعدما عاينت العذابَ أجمعَ، فخرجت كأسرع ما يُرَى شيءٌ قط، حتى أتت أهل قُرْحٍ فأخبرتهم بما عاينتْ من العذاب وما أصاب ثمود منه، (2) ثم استسقت من الماء فسُقِيت، فلما شربت ماتت. 14812-حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، قال معمر، أخبرني من سمع الحسن يقول: لما عقرت ثمود الناقة، ذهبَ فصيلها حتى صعد تلا فقال: يا رب، أين أمي؟ ثم رغا رَغوةً، فنزلت الصيحةُ، فأخمدتهم. (1) في المطبوعة: "الدريعة، وهي كليبة ابنة السلق" ، وفي المخطوطة "الدريعة وهي الكلبة ابنة السلق" ، وقرأتها كما أثبتها. و "السلق" ، الذئب، ويزعمون أن الذئب يستولد الكلبة، وأن ولدها منها يقال له "الديسم" ، ويقال للكلاب "أولاد زارع" ، فرجحت أن صواب قراءتها "الزريعة" بالتصغير، وأن الذي بعدها تفسير لها، كما هو ظاهر. و "السلق" (بكسر السين، وسكون اللام) . (2) في المطبوعة: "حتى أتت حيا من الأحياء، فأخبرتهم" ، غير ما في المخطوطة، مع أن الصواب هو الذي فيها. و "قرح" سوق وادي القرى، كما مر آنفًا. 14813-حدثني محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الحسن بنحوه= إلا أنه قال: أصعد تلا. حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: أن صالحًا قال لهم حين عقروا الناقة: تمتَّعوا ثلاثة أيام! وقال لهم: آية هلاككم أن تصبح وجوهكم مصفرَّة، ثم تصبح اليومَ الثاني محمرَّة، ثم تصبح اليوم الثالث مسودَّة، فأصبحت كذلك. فلما كان اليوم الثالث وأيقنوا بالهلاك، تكفَّنوا وتحنَّطوا، ثم أخذتهم الصيحة فأهمدتهم= قال قتادة: قال عاقر الناقة لهم: لا أقتلها حتى ترضوا أجمعين! فجعلوا يدخلون على المرأة في حِجْرها فيقولون: (1) أترضين؟ فتقول: نعم! والصبيّ، حتى رضوا أجمعين، فعقرها. حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله قال، لما مرّ النبي صلى الله عليه وسلم بالحِجر قال: لا تسألوا الآيات، فقد سألها قومُ صالح، فكانت ترد من هذا الفجّ، (2) وتصدر من هذا الفج، فعتوا عن أمر ربهم، فعقروها، وكانت تشرب ماءهم يومًا، ويشربون لبنها يومًا. فعقروها، فأخذتهم الصيحة: أهمد الله مَنْ تحت أديم السماء منهم، إلا رجلا واحدًا كان في حَرَم الله، قيل: من هو؟ قال: أبو رِغال، فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه. (3) (1) في المطبوعة: "في خدرها" ، وأثبت ما في المخطوطة. و "الحجر" (بكسر الحاء وفتحها، وسكون الجيم) : الستر والحفظ، يعني حيث تستر. ولو قريء: "في حجرها" جمع "حجرة" ، وهو البيت لكان حسنًا جدًا. (2) قوله: "وكانت ترد ..." ، يعني الناقة. (3) الأثر: 14817- "عبد الله بن عثمان بن خثيم" القارئ، تابعي ثقة. مضى برقم: 4341، 5388، 7831، 9642. وهذا الخبر رواه أحمد في المسند 3: 296، من هذه الطريق نفسها بلفظه. وذكره ابن كثير في تفسيره 3: 505، وفي البداية والنهاية 1: 137، وقال: "وهذا الحديث على شرط مسلم، وهو ليس في شيء من الكتب الستة" . وذكره الحافظ ابن حجر في الفتح (6: 270) ، وقال: "وروى أحمد والحاكم بإسناد حسن، عن جابر" ، وذكر الخب. وسيأتي بإسناد آخر رقم: 14820. .. قال عبد الرزاق، قال معمر: وأخبرني إسماعيل بن أمية: أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ بقبر أبي رِغال، فقال: أتدرون ما هذا؟ ، قالوا: الله ورسوله أعلم! قال: هذا قبر أبي رِغال؟ قالوا فمن أبو رِغال؟ قال: رجل من ثمود، كان في حرم الله، فمنعه حرم الله عذابَ الله، فلما خرج أصابه ما أصاب قومه، فدفن هاهنا، ودفن معه غصن من ذهب! فنزل القوم فابتدروه بأسيافهم، فبحثوا عليه، فاستخرجوا الغصن. (1) 14814-. . . قال عبد الرزاق: قال: معمر: قال الزهري: أبو رِغال: أبو ثقيف. حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن جابر قال، مرّ النبي صلى الله عليه وسلم بالحجر= ثم ذكر نحوه، إلا أنه قال في حديثه: قالوا: من هو يا رسول (1) الأثر: 14818- هذا خبر مرسل. "إسماعيل بن أمية الأموي" ، ثقة، مضى برقم: 2615، 8458. وهذا الخبر رواه أبو داود في سننه 3: 245 رقم: 3088، موصولا من حديث محمد بن إسحق، عن إسماعيل بن أمية، عن بجير بن أبي بجير، قال سمعت عبد الله بن عمرو يقول: سمعت رسول الله صلى الله وسلم يقول، حين خرجنا إلى الطائف، فمررنا بقبر "." وذكر ابن كثير في تفسيره 3: 508، والبداية 1: 137، حديث أبي داود هذا، ثم قال: "هكذا رواه أبو داود، عن يحيى بن معين، عن وهب بن جرير بن حازم، عن أبيه، عن ابن إسحاق، به. قال شيخنا أبو الحجاج المزي: وهو حديث حسن عزيز. قلت: تفرد بوصله بجير بن أبي بجير هذا، وهو شيخ لا يعرف إلا بهذا الحديث. قال يحيى بن معين: ولم أسمع أحدًا روى عنه غير إسماعيل بن أمية. قلت [القائل ابن كثير] : وعلى هذا فيخشى أن يكون وهم في رفع هذا الحديث، وإنما يكون من كلام عبد الله بن عمرو مما أخذه من الزاملتين. قال شيخنا أبو الحجاج، بعد أن عرضت عليه ذلك: وهذا محتمل، والله أعلم" . وسيأتي بإسناد آخر رقم: 14823. الله؟ قال: أبو رِغال. (1) 14815-حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا معاذ بن هشام قال، حدثنا أبي، عن قتادة قال، كان يقال إنّ أحمرَ ثمود الذي عقر الناقة، كان ولد زَنْية. 14816-حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام قال، حدثنا عنبسة، عن أبي إسحاق قال، قال أبو موسى: أتيت أرض ثمود، فذرعت مَصْدرَ الناقة، فوجدته ستين ذراعًا. 14817-حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، وأخبرني إسماعيل بن أمية بنحو هذا= يعني بنحو حديث عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن جابر = قال: ومرّ النبي صلى الله عليه وسلم بقبر أبي رِغال، قالوا: ومن أبو رِغال؟ قال: أبو ثقيف، كان في الحرم لما أهلك الله قومه، منعه حرم الله من عذاب الله، فلما خرج أصابه ما أصاب قومه، فدفن ها هنا، ودفن معه غصن من ذهب. قال: فابتدره القوم يبحثون عنه، حتى استخرجوا ذلك الغصن. =وقال الحسن: كان للناقة يوم ولهم يومٌ، فأضرَّ بهم. (2) حدثنا ابن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري قال: لما مرّ النبي صلى الله عليه وسلم بالحجر قال: لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين، أنْ يصيبكم مثل الذي أصابهم! ثم قال: هذا وادي النَّفَر! (3) ثم قَنَّع رأسه وأسرع السير حتى أجاز الوادي. (4) * * * (1) الأثر: 14820- هذا إسناد آخر للخبر السالف رقم: 14817. (2) الأثر: 14823- هذا إسناد آخر للأثر رقم: 14818. وأما كلمة الحسن البصري الأخيرة، فلا أدري من قائلها. (3) "وادي النفر" ، كأنه يعني التسعة من ثمود الذين كانوا يفسدون في الأرض ولا يصلحون، والذين اجتمعوا على قتل صالح عليه السلام، فدمر الله عليهم. (4) الأثر: 14823- حديث الزهري هذا، رواه البخاري في مواضع من صحيحه (الفتح 6: 270) من طريق محمد بن مقاتل، عن عبد الله بن المبارك، عن معمر، عن الزهري، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه عبد الله بن عمر = ثم رواه بعد من طريق يونس، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر. ثم رواه (الفتح 8: 95) من طريق عبد الرازق، عن معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر. ورواه مسلم في صحيحه 18: 111، من طريق يونس، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر. وليس في روايتهما ذكر "وادي النفر" . وكان في المخطوطة والمطبوعة: "ثم رفع رأسه" ، وهو تحريف بلا شك، والصواب ما أثبت من رواية البخاري (الفتح 8: 95) . و "قنع رأسه" ، غطاها بالقناع. وفي رواية البخاري الأخرى (الفتح 6: 270) : "ثم تقنع بردائه وهو على الرحل" . وقوله: "أجاز الوادي" ، أي قطعه وخلفه وراءه. وأما قوله: (ولا تمسوها بسوء) ، فإنه يقول: ولا تمسوا ناقة الله بعقرٍ ولا نحر (1) = (فيأخذكم عذابٌ أليم) ، يعني: موجع. (2) * * * (1) انظر تفسير "المس" فيما سلف: 11: 370، تعليق 1، والمراجع هناك. (2) انظر تفسير "أليم" فيما سلف من فهارس اللغة (ألم) . القول في تأويل قوله: {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل صالح لقومه، واعظًا لهم: واذكروا، أيها القوم، نعمة الله عليكم= (إذ جعلكم خلفاء) ، يقول: تخلفون عادًا في الأرض بعد هلاكها. * * * و "خلفاء" جمع "خليفة" . وإنما جمع "خليفة" "خلفاء" ، و "فُعلاء"https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
الساعة الآن : 04:52 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour