ملتقى الشفاء الإسلامي

ملتقى الشفاء الإسلامي (http://forum.ashefaa.com/index.php)
-   هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن (http://forum.ashefaa.com/forumdisplay.php?f=84)
-   -   تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (http://forum.ashefaa.com/showthread.php?t=273185)

ابوالوليد المسلم 14-06-2022 09:01 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(137)
الحلقة (151)
صــ 346إلى صــ 351


1548 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا يحيى بن يمان قال : حدثنا سفيان ، [ ص: 346 ] عن أبي بكير ، عن عكرمة : ( فباءوا بغضب على غضب ) ، قال : كفرهم بعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم

1549 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري ، عن أبي بكير ، عن عكرمة مثله .

1550 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن الشعبي قال : الناس يوم القيامة على أربعة منازل : رجل كان مؤمنا بعيسى وآمن بمحمد صلى الله عليهما ، فله أجران . ورجل كان كافرا بعيسى فآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ، فله أجر ، ورجل كان كافرا بعيسى فكفر بمحمد ، فباء بغضب على غضب ، ورجل كان كافرا بعيسى من مشركي العرب ، فمات بكفره قبل محمد صلى الله عليه وسلم ، فباء بغضب .

1551 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( فباءوا بغضب على غضب ) ، غضب الله عليهم بكفرهم بالإنجيل وبعيسى ، وغضب عليهم بكفرهم بالقرآن وبمحمد صلى الله عليه وسلم .

1552 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( فباءوا بغضب ) ، اليهود بما كان من تبديلهم التوراة قبل خروج النبي صلى الله عليه وسلم ، ( على غضب ) : جحودهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وكفرهم بما جاء به .

1553 - حدثنا المثنى قال : حدثنا آدم قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : ( فباءوا بغضب على غضب ) ، يقول : غضب الله عليهم بكفرهم بالإنجيل وعيسى ، ثم غضبه عليهم بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن .

1554 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ( فباءوا بغضب على غضب ) : أما الغضب الأول ؛ فهو حين غضب الله عليهم في العجل ; وأما الغضب الثاني فغضب عليهم حين كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم .

[ ص: 347 ] 1555 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج وعطاء وعبيد بن عمير قوله : ( فباءوا بغضب على غضب ) ، قال : غضب الله عليهم فيما كانوا فيه من قبل خروج النبي صلى الله عليه وسلم - من تبديلهم وكفرهم - ، ثم غضب عليهم في محمد صلى الله عليه وسلم - إذ خرج ، فكفروا به .

قال أبو جعفر : وقد بينا معنى "الغضب " من الله على من غضب عليه من خلقه - واختلاف المختلفين في صفته - فيما مضى من كتابنا هذا ، بما أغنى عن إعادته .
القول في تأويل قوله تعالى : ( وللكافرين عذاب مهين ( 90 ) )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : ( وللكافرين عذاب مهين ) ، وللجاحدين نبوة محمد صلى الله عليه وسلم من الناس كلهم ، عذاب من الله ، إما في الآخرة ، وإما في الدنيا والآخرة ، ( مهين ) هو المذل صاحبه ، المخزي ، الملبسه هوانا وذلة .

فإن قال قائل : أي عذاب هو غير مهين صاحبه ، فيكون للكافرين المهين منه؟!

قيل : إن المهين هو الذي قد بينا أنه المورث صاحبه ذلة وهوانا ، الذي يخلد فيه صاحبه ، لا ينتقل من هوانه إلى عز وكرامة أبدا ، وهو الذي خص الله به أهل الكفر به وبرسله . وأما الذي هو غير مهين صاحبه ، فهو ما كان تمحيصا لصاحبه . وذلك هو كالسارق من أهل الإسلام ، يسرق ما يجب عليه به القطع فتقطع يده ، والزاني منهم يزني فيقام عليه الحد ، وما أشبه ذلك من العذاب والنكال الذي جعله الله كفارات للذنوب التي عذب بها أهلها ، وكأهل الكبائر من أهل [ ص: 348 ] الإسلام الذين يعذبون في الآخرة بمقادير جرائمهم التي ارتكبوها ، ليمحصوا من ذنوبهم ، ثم يدخلون الجنة! فإن كل ذلك ، وإن كان عذابا ، فغير مهين من عذب به ؛ إذ كان تعذيب الله إياه به ليمحصه من آثامه ، ثم يورده معدن العز والكرامة ، ويخلده في نعيم الجنان .
القول في تأويل قوله تعالى : ( وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : ( وإذا قيل لهم ) ، وإذا قيل لليهود من بني إسرائيل - للذين كانوا بين ظهراني مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم - : ( آمنوا ) ، أي صدقوا ، ( بما أنزل الله ) ، يعني بما أنزل الله من القرآن علىمحمد صلى الله عليه وسلم ، ( قالوا : نؤمن ) ، أي نصدق ، ( بما أنزل علينا ) ، يعني بالتوراة التي أنزلها الله على موسى .
القول في تأويل قوله تعالى : ( ويكفرون بما وراءه )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : ( ويكفرون بما وراءه ) ، ويجحدون ، "بما وراءه " ، يعني : بما وراء التوراة .

قال أبو جعفر : وتأويل "وراءه " في هذا الموضع : "سوى " ، كما يقال للرجل المتكلم بالحسن : "ما وراء هذا الكلام شيء " يراد به : ليس عند المتكلم به شيء سوى ذلك الكلام . فكذلك معنى قوله : ( ويكفرون بما وراءه ) ، أي [ ص: 349 ] بما سوى التوراة ، وبما بعدها من كتب الله التي أنزلها إلى رسله ، كما : -

1556 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( ويكفرون بما وراءه ) ، يقول : بما بعده .

1557 - حدثني المثنى قال : حدثنا آدم قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : ( ويكفرون بما وراءه ) ، أي بما بعده - يعني : بما بعد التوراة .

1558 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : ( ويكفرون بما وراءه ) ، يقول : بما بعده .
القول في تأويل قوله تعالى : ( وهو الحق مصدقا لما معهم )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : ( وهو الحق مصدقا ) ، أي : ما وراء الكتاب - الذي أنزل عليهم من الكتب [ ص: 350 ] التي أنزلها الله إلى أنبيائه - الحق : وإنما يعني بذلك تعالى ذكره القرآن الذي أنزله إلى محمد صلى الله عليه وسلم ، كما : -

1559 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ( وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه ) ، وهو القرآن . يقول الله جل ثناؤه : ( وهو الحق مصدقا لما معهم ) . وإنما قال جل ثناؤه : ( مصدقا لما معهم ) ؛ لأن كتب الله يصدق بعضها بعضا . ففي الإنجيل والقرآن من الأمر باتباع محمد صلى الله عليه وسلم ، والإيمان به وبما جاء به ، مثل الذي من ذلك في توراة موسى عليه السلام . فلذلك قال جل ثناؤه لليهود - إذ أخبرهم عما وراء كتابهم الذي أنزله على موسى صلوات الله عليه ، من الكتب التي أنزلها إلى أنبيائه - : إنه الحق مصدقا للكتاب الذي معهم ، يعني : أنه له موافق فيما اليهود به مكذبون .

قال : وذلك خبر من الله أنهم من التكذيب بالتوراة ، على مثل الذي هم عليه من التكذيب بالإنجيل والفرقان ، عنادا لله ، وخلافا لأمره ، وبغيا على رسله صلوات الله عليهم .
القول في تأويل قوله تعالى : ( قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين ( 91 ) )

قال أبو جعفر : يعني جل ذكره بقوله : ( قل فلم تقتلون أنبياء الله ) ، قل يا محمد ، ليهود بني إسرائيل - الذين إذا قلت لهم : آمنوا بما أنزل الله قالوا : نؤمن بما أنزل علينا - : لم تقتلون - إن كنتم يا معشر اليهود مؤمنين بما أنزل الله عليكم - أنبياءه ، وقد حرم الله في الكتاب الذي أنزل عليكم قتلهم ، بل أمركم فيه باتباعهم وطاعتهم وتصديقهم؟ وذلك من الله جل ثناؤه تكذيب لهم في قولهم : ( نؤمن بما أنزل علينا ) وتعيير لهم ، كما : -

1560 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال : قال الله تعالى ذكره - وهو يعيرهم - يعني اليهود : ( فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين ) ؟

فإن قال قائل : وكيف قيل لهم : ( فلم تقتلون أنبياء الله من قبل ) ، فابتدأ الخبر على لفظ المستقبل ، ثم أخبر أنه قد مضى؟

قيل : إن أهل العربية مختلفون في تأويل ذلك . فقال بعض البصريين : معنى [ ص: 351 ] ذلك : فلم قتلتم أنبياء الله من قبل ، كما قال جل ثناؤه : ( واتبعوا ما تتلو الشياطين ) [ سورة البقرة : 102 ] ، أي : ما تلت ، وكما قال الشاعر :


ولقد أمر على اللئيم يسبني فمضيت عنه وقلت لا يعنيني


يريد بقوله : "ولقد أمر " ولقد مررت . واستدل على أن ذلك كذلك ، بقوله : "فمضيت عنه " ، ولم يقل : فأمضي عنه . وزعم أن "فعل " و"يفعل " قد تشترك في معنى واحد ، واستشهد على ذلك بقول الشاعر :


وإني لآتيكم تشكر ما مضى من الأمر ، واستيجاب ما كان في غد
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg


ابوالوليد المسلم 14-06-2022 09:02 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(138)
الحلقة (152)
صــ 352إلى صــ 357



يعني بذلك : ما يكون في غد ، وبقول الحطيئة :


شهد الحطيئة يوم يلقى ربه أن الوليد أحق بالعذر
[ ص: 352 ]

يعني : يشهد . وكما قال الآخر :


فما أضحي ولا أمسيت إلا أراني منكم في كوفان


فقال : أضحي ، ثم قال : "ولا أمسيت " .

وقال بعض نحويي الكوفيين : إنما قيل : ( فلم تقتلون أنبياء الله من قبل ) ، فخاطبهم بالمستقبل من الفعل ، ومعناه الماضي ، كما يعنف الرجل الرجل على ما سلف منه من فعل فيقول له : ويحك ، لم تكذب؟ ولم تبغض نفسك إلى الناس؟ كما قال الشاعر :

[ ص: 353 ]
إذا ما انتسبنا ، لم تلدني لئيمة ولم تجدي من أن تقري به بدا


فالجزاء للمستقبل ، والولادة كلها قد مضت . وذلك أن المعنى معروف ، فجاز ذلك . قال : ومثله في الكلام : "إذا نظرت في سيرة عمر ، لم تجده يسيء " . المعنى : لم تجده أساء . فلما كان أمر عمر لا يشك في مضيه ، لم يقع في الوهم أنه مستقبل ؛ فلذلك صلحت "من قبل " مع قوله : ( فلم تقتلون أنبياء الله من قبل ) . قال : وليس الذين خوطبوا بالقتل هم القتلة ، إنما قتل الأنبياء أسلافهم الذين مضوا ، فتولوهم على ذلك ورضوا به ، فنسب القتل إليهم .

قال أبو جعفر : والصواب فيه من القول عندنا ، أن الله خاطب الذين أدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من يهود بني إسرائيل - بما خاطبهم في سورة البقرة وغيرها من سائر السور - بما سلف من إحسانه إلى أسلافهم ، وبما سلف من كفران أسلافهم نعمه ، وارتكابهم معاصيه ، واجترائهم عليه وعلى أنبيائه ، وأضاف ذلك إلى المخاطبين به ، نظير قول العرب بعضها لبعض : فعلنا بكم يوم كذا كذا وكذا ، وفعلتم بنا يوم كذا كذا وكذا - على نحو ما قد بيناه في غير موضع من كتابنا هذا - ، يعنون بذلك أن أسلافنا فعلوا ذلك بأسلافكم ، وأن أوائلنا فعلوا ذلك بأوائلكم . فكذلك ذلك في قوله : ( فلم تقتلون أنبياء الله من قبل ) ، إذ كان قد خرج على لفظ الخبر عن المخاطبين به خبرا من الله تعالى ذكره عن [ ص: 354 ] فعل السالفين منهم - على نحو الذي بينا - جاز أن يقال : "من قبل " ؛ إذ كان معناه : قل : فلم يقتل أسلافكم أنبياء الله من قبل "؟ وكان معلوما بأن قوله : ( فلم تقتلون أنبياء الله من قبل ) ، إنما هو خبر عن فعل سلفهم .

وتأويل قوله : ( من قبل ) ، أي : من قبل اليوم .

وأما قوله : ( إن كنتم مؤمنين ) ، فإنه يعني : إن كنتم مؤمنين بما نزل الله عليكم كما زعمتم . وإنما عنى بذلك اليهود الذين أدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلافهم - إن كانوا وكنتم ، كما تزعمون أيها اليهود ، مؤمنين . وإنما عيرهم جل ثناؤه بقتل أوائلهم أنبياءه ، عند قولهم حين قيل لهم : ( آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ) ؛ لأنهم كانوا لأوائلهم - الذين تولوا قتل أنبياء الله ، مع قيلهم : نؤمن بما أنزل علينا - متولين ، وبفعلهم راضين . فقال لهم : إن كنتم كما تزعمون مؤمنين بما أنزل عليكم ، فلم تتولون قتلة أنبياء الله؟ أي : ترضون أفعالهم .
القول في تأويل قوله تعالى : ( ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون ( 92 ) )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : ( ولقد جاءكم موسى بالبينات ) ، أي جاءكم بالبينات الدالة على صدقه وصحة نبوته ، كالعصا التي تحولت ثعبانا مبينا ، ويده التي [ ص: 355 ] أخرجها بيضاء للناظرين ، وفلق البحر ومصير أرضه له طريقا يبسا ، والجراد والقمل والضفادع ، وسائر الآيات التي بينت صدقه وصحة نبوته .

وإنما سماها الله "بينات " لتبينها للناظرين إليها أنها معجزة لا يقدر على أن يأتي بها بشر ، إلا بتسخير الله ذلك له . وإنما هي جمع "بينة " ، مثل "طيبة وطيبات " .

قال أبو جعفر : ومعنى الكلام : ولقد جاءكم - يا معشر يهود بني إسرائيل - موسى بالآيات البينات على أمره وصدقه وصحة نبوته .

وقوله : "ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون " يقول جل ثناؤه لهم : ثم اتخذتم العجل من بعد موسى إلها . فالهاء التي في قوله : "من بعده " ، من ذكر موسى . وإنما قال : من بعد موسى ، لأنهم اتخذوا العجل من بعد أن فارقهم موسى ماضيا إلى ربه لموعده - على ما قد بينا فيما مضى من كتابنا هذا .

وقد يجوز أن تكون "الهاء " التي في "بعده " إلى ذكر المجيء . فيكون تأويل الكلام حينئذ : ولقد جاءكم موسى بالبينات ، ثم اتخذتم العجل من بعد مجيء البينات وأنتم ظالمون . كما تقول : جئتني فكرهته ، يعني كرهت مجيئك .

وأما قوله : ( وأنتم ظالمون ) ، فإنه يعني بذلك أنكم فعلتم ما فعلتم من عبادة العجل وليس ذلك لكم ، وعبدتم غير الذي كان ينبغي لكم أن تعبدوه ؛ لأن العبادة لا تنبغي لغير الله . وهذا توبيخ من الله لليهود ، وتعيير منه لهم ، وإخبار منه لهم أنهم إذا كانوا فعلوا ما فعلوا - من اتخاذ العجل إلها وهو لا يملك لهم ضرا ولا نفعا ، بعد الذي علموا أن ربهم هو الرب الذي يفعل من الأعاجيب وبدائع الأفعال [ ص: 356 ] ما أجراه على يدي موسى صلوات الله عليه ، من الأمور التي لا يقدر عليها أحد من خلق الله ، ولم يقدر عليها فرعون وجنده مع بطشه وكثرة أتباعه ، وقرب عهدهم بما عاينوا من عجائب حكم الله - فهم إلى تكذيب محمد صلى الله عليه وسلم وجحود ما في كتبهم التي زعموا أنهم بها مؤمنون من صفته ونعته ، مع بعد ما بينهم وبين عهد موسى من المدة - أسرع ، وإلى التكذيب بما جاءهم به موسى من ذلك أقرب .
القول في تأويل قوله تعالى : ( وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا قالوا سمعنا وعصينا )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : ( وإذ أخذنا ميثاقكم ) ، واذكروا إذ أخذنا عهودكم ، بأن خذوا ما آتيناكم من التوراة - التي أنزلتها إليكم أن تعملوا بما فيها من أمري ، وتنتهوا عما نهيتكم فيها - بجد منكم في ذلك ونشاط ، فأعطيتم على العمل بذلك ميثاقكم ، إذ رفعنا فوقكم الجبل .

وأما قوله : ( واسمعوا ) ، فإن معناه : واسمعوا ما أمرتكم به وتقبلوه بالطاعة ، كقول الرجل للرجل يأمره بالأمر : "سمعت وأطعت " ، يعني بذلك : سمعت قولك ، وأطعت أمرك ، كما قال الراجز :


السمع والطاعة والتسليم خير وأعفى لبني تميم
[ ص: 357 ]

يعني بقوله : "السمع " ، قبول ما يسمع ، و "الطاعة " لما يؤمر . فكذلك معنى قوله : ( واسمعوا ) ، اقبلوا ما سمعتم واعملوا به .

قال أبو جعفر : فمعنى الآية : وإذ أخذنا ميثاقكم أن خذوا ما آتيناكم بقوة ، واعملوا بما سمعتم ، وأطيعوا الله ، ورفعنا فوقكم الطور من أجل ذلك .

وأما قوله : ( قالوا سمعنا ) ، فإن الكلام خرج مخرج الخبر عن الغائب بعد أن كان الابتداء بالخطاب ، فإن ذلك كما وصفنا ، من أن ابتداء الكلام ، إذا كان حكاية ، فالعرب تخاطب فيه ثم تعود فيه إلى الخبر عن الغائب ، وتخبر عن الغائب ثم تخاطب ، كما بينا ذلك فيما مضى قبل . فكذلك ذلك في هذه الآية ؛ لأن قوله : ( وإذ أخذنا ميثاقكم ) ، بمعنى : قلنا لكم ، فأجبتمونا .

وأما قوله : ( قالوا سمعنا ) ، فإنه خبر من الله - عن اليهود الذين أخذ ميثاقهم أن يعملوا بما في التوراة ، وأن يطيعوا الله فيما يسمعون منها - أنهم قالوا حين قيل لهم ذلك : سمعنا قولك ، وعصينا أمرك .
القول في تأويل قوله تعالى : ( وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك . فقال بعضهم : وأشربوا في قلوبهم حب العجل .

ذكر من قال ذلك :

1561 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : حدثنا معمر ، عن قتادة : ( وأشربوا في قلوبهم العجل ) ، قال : أشربوا حبه ، حتى خلص ذلك إلى قلوبهم .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg

ابوالوليد المسلم 14-06-2022 09:02 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(139)
الحلقة (153)
صــ 358إلى صــ 363


1562 - حدثني المثنى قال : حدثنا آدم قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : ( وأشربوا في قلوبهم العجل ) ، قال : أشربوا حب العجل بكفرهم .

1563 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه ، عن الربيع : ( وأشربوا في قلوبهم العجل ) ، قال : أشربوا حب العجل في قلوبهم .

وقال آخرون : معنى ذلك أنهم سقوا الماء الذي ذري فيه سحالة العجل .

ذكر من قال ذلك :

1564 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : لما رجع موسى إلى قومه ، أخذ العجل الذي وجدهم عاكفين عليه ، فذبحه ، ثم حرقه بالمبرد ، ثم ذراه في اليم ، فلم يبق بحر يومئذ يجري إلا وقع فيه شيء منه . ثم قال لهم موسى : اشربوا منه ، فشربوا منه ، فمن كان يحبه خرج على شاربه الذهب . فذلك حين يقول الله عز وجل : ( وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم ) .

1565 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن ابن جريج قال : لما سحل فألقي في اليم ، استقبلوا جرية الماء ، فشربوا حتى ملئوا بطونهم ، فأورث ذلك من فعله منهم جبنا .

قال أبو جعفر : وأولى التأويلين اللذين ذكرت بقول الله جل ثناؤه : ( وأشربوا [ ص: 159 ] في قلوبهم العجل ) تأويل من قال : وأشربوا في قلوبهم حب العجل ؛ لأن الماء لا يقال منه : أشرب فلان في قلبه ، وإنما يقال ذلك في حب الشيء ، فيقال منه : "أشرب قلب فلان حب كذا " ، بمعنى سقي ذلك حتى غلب عليه وخالط قلبه ، كما قال زهير :


فصحوت عنها بعد حب داخل والحب يشربه فؤادك داء


قال أبو جعفر : ولكنه ترك ذكر "الحب " اكتفاء بفهم السامع لمعنى الكلام . إذ كان معلوما أن العجل لا يشرب القلب ، وأن الذي يشرب القلب منه حبه ، كما قال جل ثناؤه : ( واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر ) [ سورة الأعراف : 163 ] ، ( واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها ) [ يوسف : 82 ] ، وكما قال الشاعر :


ألا إنني سقيت أسود حالكا ألا بجلي من الشراب ألا بجل


[ ص: 360 ] يعني بذلك سما أسود ، فاكتفى بذكر "أسود " عن ذكر "السم " لمعرفة السامع معنى ما أراد بقوله : "سقيت أسود " . ويروى :


ألا إنني سقيت أسود سالخا


وقد تقول العرب : "إذا سرك أن تنظر إلى السخاء فانظر إلى هرم ، أو إلى حاتم " ،

فتجتزئ بذكر الاسم من ذكر فعله ، إذا كان معروفا بشجاعة أو سخاء أو ما أشبه ذلك من الصفات ، ومنه قول الشاعر :


يقولون جاهد يا جميل بغزوة وإن جهادا طيئ وقتالها
القول في تأويل قوله تعالى : ( قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين ( 93 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : قل يا محمد ليهود بني إسرائيل : بئس الشيء يأمركم به إيمانكم; إن كان يأمركم بقتل أنبياء الله ورسله [ ص: 361 ] والتكذيب بكتبه ، وجحود ما جاء من عنده . ومعنى "إيمانهم " : تصديقهم الذي زعموا أنهم به مصدقون من كتاب الله ، إذ قيل لهم : آمنوا بما أنزل الله ، فقالوا : نؤمن بما أنزل علينا . وقوله : ( إن كنتم مؤمنين ) ، أي : إن كنتم مصدقين كما زعمتم بما أنزل الله عليكم ، وإنما كذبهم الله بذلك - لأن التوراة تنهى عن ذلك كله ، وتأمر بخلافه ، فأخبرهم أن تصديقهم بالتوراة ، إن كان يأمرهم بذلك ، فبئس الأمر تأمر به . وإنما ذلك نفي من الله تعالى ذكره عن التوراة ، أن تكون تأمر بشيء مما يكرهه الله من أفعالهم ، وأن يكون التصديق بها يدل على شيء من مخالفة أمر الله ، وإعلام منه - جل ثناؤه - أن الذي يأمرهم بذلك أهواؤهم ، والذي يحملهم عليه البغي والعدوان .
القول في تأويل قوله تعالى : ( قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ( 94 ) )

قال أبو جعفر : وهذه الآية مما احتج الله بها لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم على اليهود الذين كانوا بين ظهراني مهاجره ، وفضح بها أحبارهم وعلماءهم ، وذلك أن الله - جل ثناؤه - أمر نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يدعوهم إلى قضية عادلة بينه وبينهم ، فيما كان بينه وبينهم من الخلاف . كما أمره الله أن يدعو الفريق الآخر من النصارى - إذ خالفوه في عيسى صلوات الله عليه وجادلوا فيه - إلى فاصلة بينه وبينهم من المباهلة . وقال لفريق اليهود : إن كنتم محقين فتمنوا الموت ، فإن ذلك غير ضاركم ، إن كنتم محقين فيما تدعون من الإيمان وقرب المنزلة [ ص: 362 ] من الله ، بل إن أعطيتم أمنيتكم من الموت إذا تمنيتم ، فإنما تصيرون إلى الراحة من تعب الدنيا ونصبها وكدر عيشها ، والفوز بجوار الله في جنانه ، إن كان الأمر كما تزعمون : من أن الدار الآخرة لكم خالصة دوننا ، وإن لم تعطوها علم الناس أنكم المبطلون ونحن المحقون في دعوانا ، وانكشف أمرنا وأمركم لهم . فامتنعت اليهود من إجابة النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك ، لعلمها أنها إن تمنت الموت هلكت ، فذهبت دنياها ، وصارت إلى خزي الأبد في آخرتها . كما امتنع فريق النصارى - الذين جادلوا النبي صلى الله عليه وسلم في عيسى ، إذ دعوا إلى المباهلة - من المباهلة .

فبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا ، ولرأوا مقاعدهم من النار . ولو خرج الذين يباهلون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لرجعوا لا يجدون أهلا ولا مالا " .

1566 - حدثنا بذلك أبو كريب قال : حدثنا زكريا بن عدي قال : حدثنا عبيد الله بن عمرو ، عن عبد الكريم ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

[ ص: 363 ] 1567 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا عثام بن علي ، عن الأعمش ، عن ابن عباس في قوله : ( فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ) ، قال : لو تمنوا الموت لشرق أحدهم بريقه .

1568 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن عبد الكريم الجزري ، عن عكرمة في قوله : ( فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ) ، قال : قال ابن عباس : لو تمنى اليهود الموت لماتوا .

1569 - حدثني موسى قال : أخبرنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي ، عن ابن عباس مثله .


https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg

ابوالوليد المسلم 14-06-2022 09:03 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(140)
الحلقة (154)
صــ 364إلى صــ 369



1570 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثني ابن إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد - قال أبو جعفر : فيما أروي : أنبأنا - عن سعيد ، أو عكرمة ، عن ابن عباس قال : لو تمنوه يوم قال ذلك لهم ، ما بقي على ظهر الأرض يهودي إلا مات .

قال أبو جعفر : فانكشف - لمن كان مشكلا عليه أمر اليهود يومئذ - كذبهم وبهتهم وبغيهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وظهرت حجة رسول الله وحجة أصحابه عليهم ، ولم تزل والحمد لله ظاهرة عليهم وعلى غيرهم من سائر أهل الملل . [ ص: 364 ]

وإنما أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقول لهم : ( تمنوا الموت إن كنتم صادقين ) ؛ لأنهم - فيما ذكر لنا - قالوا : ( نحن أبناء الله وأحباؤه ) [ المائدة : 18 ] ، وقالوا : ( لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ) [ البقرة : 111 ] . فقال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل لهم إن كنتم صادقين فيما تزعمون ، فتمنوا الموت ؛ فأبان الله كذبهم بامتناعهم من تمني ذلك ، وأفلج حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وقد اختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله أمر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يدعو اليهود أن يتمنوا الموت ، وعلى أي وجه أمروا أن يتمنوه . فقال بعضهم : أمروا أن يتمنوه على وجه الدعاء على الفريق الكاذب منهما .

ذكر من قال ذلك :

1571 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثني ابن إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن سعيد ، أو عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ) ، أي : ادعوا بالموت على أي الفريقين أكذب .

وقال آخرون بما : -

1572 - حدثني بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس ) ، وذلك أنهم قالوا : ( لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ) [ البقرة : 111 ] ، وقالوا : ( نحن أبناء الله وأحباؤه ) [ المائدة : 18 ] فقيل لهم : ( فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ) .

1573 - حدثني المثنى قال : حدثنا آدم قال : حدثنا أبو جعفر ، عن [ ص: 365 ] الربيع ، عن أبي العالية قال : قالت اليهود : ( لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ) ، وقالوا : ( نحن أبناء الله وأحباؤه ) فقال الله : ( قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ) ، فلم يفعلوا .

1574 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثني ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : ( قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة ) الآية ، وذلك بأنهم قالوا : ( لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ) ، وقالوا : ( نحن أبناء الله وأحباؤه ) . .

وأما تأويل قوله : ( قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة ) ، فإنه يقول : قل يا محمد : إن كان نعيم الدار الآخرة ولذاتها لكم يا معشر اليهود عند الله ، فاكتفى بذكر "الدار " ، من ذكر نعيمها ، لمعرفة المخاطبين بالآية معناها . وقد بينا معنى "الدار الآخرة " . فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

وأما تأويل قوله : ( خالصة ) ، فإنه يعني به : صافية . كما يقال : "خلص لي فلان " بمعنى صار لي وحدي وصفا لي ؛ يقال منه : "خلص لي هذا الشيء فهو يخلص خلوصا وخالصة ، و"الخالصة " مصدر مثل "العافية " . ويقال للرجل : "هذا خلصاني " ، يعني خالصتي من دون أصحابي .

وقد روي عن ابن عباس أنه كان يتأول قوله : ( خالصة ) : خاصة . وذلك تأويل قريب من معنى التأويل الذي قلناه في ذلك .

1575 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا عثمان بن سعيد قال : حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : ( قل إن كانت لكم [ ص: 366 ] الدار الآخرة ) ، قال : "قل " يا محمد لهم - يعني اليهود - : إن كانت لكم الدار الآخرة " - يعني : الجنة - ( عند الله خالصة ) ، يقول : خاصة لكم .

وأما قوله : ( من دون الناس ) ، فإن الذي يدل عليه ظاهر التنزيل أنهم قالوا : لنا الدار الآخرة عند الله خالصة من دون جميع الناس ، ويبين أن ذلك كان قولهم - من غير استثناء منهم من ذلك أحدا من بني آدم - إخبار الله عنهم أنهم قالوا : ( لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ) ، إلا أنه روي عن ابن عباس قول غير ذلك :

1576 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا عثمان بن سعيد قال : حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : ( من دون الناس ) ، يقول : من دون محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذين استهزأتم بهم ، وزعمتم أن الحق في أيديكم ، وأن الدار الآخرة لكم دونهم .

وأما قوله : ( فتمنوا الموت ) فإن تأويله : تشهوه وأريدوه ، وقد روي عن ابن عباس أنه قال في تأويله : فسلوا الموت ، ولا يعرف "التمني " بمعنى "المسألة " في كلام العرب . ولكن أحسب أن ابن عباس وجه معنى "الأمنية " - إذ كانت محبة النفس وشهوتها - إلى معنى الرغبة والمسألة ، إذ كانت المسألة ، هي رغبة السائل إلى الله فيما سأله .

1577 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا عثمان بن سعيد قال : حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك عن ابن عباس : ( فتمنوا الموت ) ، فسلوا الموت ، ( إن كنتم صادقين ) .
[ ص: 367 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين ( 95 ) )

قال أبو جعفر : وهذا خبر من الله - جل ثناؤه - عن اليهود وكراهتهم الموت ، وامتناعهم عن الإجابة إلى ما دعوا إليه من تمني الموت ، لعلمهم بأنهم إن فعلوا ذلك فالوعيد بهم نازل ، والموت بهم حال; ولمعرفتهم بمحمد - صلى الله عليه وسلم - أنه رسول من الله ، إليهم مرسل ، وهم به مكذبون ، وأنه لم يخبرهم خبرا إلا كان حقا كما أخبر ، فهم يحذرون أن يتمنوا الموت ، خوفا أن يحل بهم عقاب الله بما كسبت أيديهم من الذنوب ، كالذي : -

1578 - حدثني محمد بن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثني محمد بن إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد فيما يروي أبو جعفر ، عن سعيد بن جبير ، أو عكرمة ، عن ابن عباس : ( قل إن كانت لكم الدار الآخرة ) الآية ، أي : ادعوا بالموت على أي الفريقين أكذب ، فأبوا ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم . يقول الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ( ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم ) ، أي : لعلمهم بما عندهم من العلم بك ، والكفر بذلك .

1579 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا عثمان بن سعيد قال : حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : ( ولن يتمنوه أبدا ) ، يقول : يا محمد ، ولن يتمنوه أبدا ؛ لأنهم يعلمون أنهم كاذبون ، ولو كانوا صادقين لتمنوه ورغبوا في التعجيل إلى كرامتي ، فليس يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم .

1580 - حدثني القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن [ ص: 368 ] ابن جريج قوله : ( فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ) ، وكانت اليهود أشد فرارا من الموت ، ولم يكونوا ليتمنوه أبدا .

وأما قوله : ( بما قدمت أيديهم ) ، فإنه يعني به : بما أسلفته أيديهم . وإنما ذلك مثل ، على نحو ما تتمثل به العرب في كلامها ، فتقول للرجل يؤخذ بجريرة جرها أو جناية جناها ؛ فيعاقب عليها : "نالك هذا بما جنت يداك ، وبما كسبت يداك ، وبما قدمت يداك " ، فتضيف ذلك إلى "اليد " . ولعل الجناية التي جناها فاستحق عليها العقوبة ، كانت باللسان أو بالفرج أو بغير ذلك من أعضاء جسده سوى اليد .

قال أبو جعفر : وإنما قيل ذلك بإضافته إلى "اليد " ، لأن عظم جنايات الناس بأيديهم ، فجرى الكلام باستعمال إضافة الجنايات التي يجنيها الناس إلى "أيديهم " ، حتى أضيف كل ما عوقب عليه الإنسان مما جناه بسائر أعضاء جسده ، إلى أنها عقوبة على ما جنته يده .

فلذلك قاله - جل ثناؤه - للعرب : ( ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم ) ، يعني به : ولن يتمنى اليهود الموت بما قدموا أمامهم في حياتهم من كفرهم بالله ، في مخالفتهم أمره وطاعته في اتباع محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به من عند الله ، وهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة ، ويعلمون أنه نبي مبعوث . فأضاف جل ثناؤه ما انطوت عليه قلوبهم ، وأضمرته أنفسهم ، ونطقت به ألسنتهم - من حسد محمد صلى الله عليه وسلم ، والبغي عليه ، وتكذيبه وجحود رسالته - إلى أيديهم ، وأنه مما قدمته أيديهم ، لعلم العرب معنى ذلك في منطقها وكلامها؛ إذ كان جل ثناؤه إنما أنزل القرآن بلسانها وبلغتها . وروي عن ابن عباس في ذلك ما : -

1581 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا عثمان بن سعيد قال : حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : ( بما قدمت أيديهم ) ، يقول : بما أسلفت أيديهم .

[ ص: 369 ] 1582 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج : ( بما قدمت أيديهم ) ، قال : إنهم عرفوا أن محمدا صلى الله عليه وسلم نبي فكتموه .

وأما قوله : ( والله عليم بالظالمين ) ، فإنه يعني جل ثناؤه : والله ذو علم بظلمة بني آدم - يهودها ونصاراها وسائر أهل الملل غيرها - وما يعملون .

وظلم اليهود : كفرهم بالله في خلافهم أمره وطاعته في اتباع محمد صلى الله عليه وسلم ، بعد أن كانوا يستفتحون به وبمبعثه ، وجحودهم نبوته وهم عالمون أنه نبي الله ورسوله إليهم .

وقد دللنا على معنى "الظلم " فيما مضى بما أغنى عن إعادته .
القول في تأويل قوله تعالى : ( ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : ( ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ) - اليهود - . يقول : يا محمد ، لتجدن أشد الناس حرصا على الحياة في الدنيا ، وأشدهم كراهة للموت ، اليهود كما : -

1583 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثني محمد بن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد - فيما يروي أبو جعفر - عن سعيد بن جبير ، أو عكرمة ، عن ابن عباس : ( ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ) ، يعني اليهود .

1584 - حدثني المثنى قال : حدثنا آدم قال : حدثنا أبو جعفر ، حدثنا الربيع ، عن أبي العالية : ( ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ) ، يعني اليهود .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg

ابوالوليد المسلم 14-06-2022 09:03 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(141)
الحلقة (155)
صــ 370إلى صــ 375




1585 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق ، حدثنا ابن أبي جعفر ، عن [ ص: 370 ] أبيه ، عن الربيع مثله .

1586 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

وإنما كراهتهم الموت ؛ لعلمهم بما لهم في الآخرة من الخزي والهوان الطويل .
القول في تأويل قوله تعالى : ( ومن الذين أشركوا )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : ( ومن الذين أشركوا ) ، وأحرص من الذين أشركوا على الحياة ، كما يقال : "هو أشجع الناس ومن عنترة " بمعنى : هو أشجع من الناس ومن عنترة ، فكذلك قوله : ( ومن الذين أشركوا ) ؛ لأن معنى الكلام : ولتجدن - يا محمد - اليهود من بني إسرائيل ، أحرص [ من ] الناس على حياة ، ومن الذين أشركوا . فلما أضيف "أحرص " إلى "الناس " وفيه تأويل "من " أظهرت بعد حرف العطف ، ردا - على التأويل الذي ذكرنا .

وإنما وصف الله جل ثناؤه اليهود بأنهم أحرص الناس على الحياة ، لعلمهم بما قد أعد لهم في الآخرة على كفرهم بما لا يقر به أهل الشرك ، فهم للموت أكره من أهل الشرك الذين لا يؤمنون بالبعث ؛ لأنهم يؤمنون بالبعث ، ويعلمون ما لهم هنالك من العذاب . والمشركون لا يصدقون بالبعث ولا العقاب ، فاليهود أحرص [ ص: 371 ] منهم على الحياة وأكره للموت .

وقيل : إن الذين أشركوا - الذين أخبر الله تعالى ذكره أن اليهود أحرص منهم في هذه الآية على الحياة - هم المجوس الذين لا يصدقون بالبعث ذكر من قال هم المجوس :

1587 - حدثني المثنى قال : حدثنا آدم قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : ( ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة ) ، يعني المجوس .

1588 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : ( ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة ) ، قال : المجوس .

1589 - حدثني يونس قال ، أخبرني ابن وهب قال : قال ابن زيد : ( ومن الذين أشركوا ) ، قال : يهود ، أحرص من هؤلاء على الحياة .

ذكر من قال : هم الذين ينكرون البعث :

1590 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثنا ابن إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد - فيما يروي أبو جعفر - عن سعيد بن جبير ، أو عكرمة ، عن ابن عباس : ( ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا ) ، وذلك أن المشرك لا يرجو بعثا بعد الموت ، فهو يحب طول الحياة; وأن اليهودي قد عرف ما له في الآخرة من الخزي ، بما ضيع مما عنده من العلم .
[ ص: 372 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( يود أحدهم لو يعمر ألف سنة )

قال أبو جعفر : هذا خبر من الله - جل ثناؤه - بقوله عن الذين أشركوا - الذين أخبر أن اليهود أحرص منهم على الحياة . يقول جل ثناؤه : يود أحد هؤلاء الذين أشركوا - الآيس ، بفناء دنياه وانقضاء أيام حياته ، أن يكون له بعد ذلك نشور أو محيا أو فرح أو سرور - لو يعمر ألف سنة ، حتى جعل بعضهم تحية بعض : "عشرة آلاف عام" حرصا منهم على الحياة ، كما : -

1591 - حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق قال ، سمعت أبي عليا ، أخبرنا أبو حمزة ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، عن ابن عباس في قوله : ( يود أحدهم لو يعمر ألف سنة ) ، قال : هو قول الأعاجم : "سال زه نوروز مهرجان حر" . [ ص: 373 ]

1592 - وحدثت عن نعيم النحوي ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير : ( يود أحدهم لو يعمر ألف سنة ) ، قال : هو قول أهل الشرك بعضهم لبعض إذا عطس : "زه هزار سال" .

1593 - حدثنا إبراهيم بن سعيد ويعقوب بن إبراهيم قالا : حدثنا إسماعيل بن علية ، عن ابن أبي نجيح ، عن قتادة في قوله : ( يود أحدهم لو يعمر ألف سنة ) ، قال : حببت إليهم الخطيئة طول العمر .

1594 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال : حدثني علي بن معبد ، عن ابن علية ، عن ابن أبي نجيح في قوله : ( يود أحدهم ) ، فذكر مثله .

1595 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : ( ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ) حتى بلغ : ( لو يعمر ألف سنة ) ، يهود ، أحرص من هؤلاء على الحياة . وقد ود هؤلاء لو يعمر أحدهم ألف سنة .

1596 - وحدثت عن أبي معاوية ، عن الأعمش ، عن سعيد ، عن ابن عباس في قوله : ( يود أحدهم لو يعمر ألف سنة ) ، قال : هو قول أحدهم إذا عطس : "زه هزار سال" ، يقول : عشرة آلاف سنة .
[ ص: 374 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر )

قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله : ( وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر ) ، وما التعمير - وهو طول البقاء - بمزحزحه من عذاب الله .

وقوله : ( هو ) عماد لطلب "ما" الاسم أكثر من طلبها الفعل ، كما قال الشاعر :


فهل هو مرفوع بما ههنا رأس


و"أن" التي في : ( أن يعمر ) ، رفع ، ب "مزحزحه" ، و"هو" الذي مع "ما" تكرير ، عماد للفعل ، لاستقباح العرب النكرة قبل المعرفة .

وقد قال بعضهم : إن "هو" الذي مع "ما" كناية ذكر العمر ، كأنه قال : يود أحدهم لو يعمر ألف سنة ، وما ذلك العمر بمزحزحه من العذاب . وجعل "أن يعمر" مترجما عن "هو" يريد ما هو بمزحزحه التعمير .

وقال بعضهم : قوله : ( وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر ) ، نظير قولك : ما زيد بمزحزحه أن يعمر .

قال أبو جعفر : وأقرب هذه الأقوال عندنا إلى الصواب ما قلنا ، وهو أن يكون "هو" عمادا ، نظير قولك : "ما هو قائم عمرو" . [ ص: 375 ]

وقد قال قوم من أهل التأويل : إن "أن" التي في قوله : "أن يعمر" بمعنى : وإن عمر ، وذلك قول لمعاني كلام العرب المعروف مخالف .

ذكر من قال ذلك :

1597 - حدثني المثنى قال : حدثنا آدم قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : ( وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر ) ، يقول : وإن عمر .

1598 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع مثله .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg

ابوالوليد المسلم 14-06-2022 09:04 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(142)
الحلقة (156)
صــ 376إلى صــ 381



1599 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : "أن يعمر" - ولو عمر .

وأما تأويل قوله : ( بمزحزحه ) ، فإنه بمبعده ومنحيه ، كما قال الحطيئة :


وقالوا : تزحزح ما بنا فضل حاجة إليك ، وما منا لوهيك راقع


يعني بقوله : "تزحزح" ، تباعد ، يقال منه : "زحزحه يزحزحه زحزحة وزحزاحا ، "وهو عنك متزحزح" ، أي متباعد .

فتأويل الآية - وما طول العمر بمبعده من عذاب الله ، ولا منحيه منه؛ لأنه لا بد للعمر من الفناء ، ومصيره إلى الله ، كما : - [ ص: 376 ]

1600 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثني ابن إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد - فيما أروي - عن سعيد بن جبير ، أو عن عكرمة ، عن ابن عباس : ( وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر ) ، أي : ما هو بمنحيه من العذاب .

1601 - حدثني المثنى قال : حدثنا آدم قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية : ( وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر ) ، يقول : وإن عمر ، فما ذاك بمغيثه من العذاب ولا منجيه .

1602 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع مثله .

1603 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : ( يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب ) ، فهم الذين عادوا جبريل عليه السلام .

1604 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : ( يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر ) ، ويهود أحرص على الحياة من هؤلاء . وقد ود هؤلاء لو يعمر أحدهم ألف سنة ، وليس ذلك بمزحزحه من العذاب ، لو عمر كما عمر إبليس لم ينفعه ذلك ، إذ كان كافرا ، ولم يزحزحه ذلك عن العذاب .
القول في تأويل قوله جل ثناؤه ( والله بصير بما يعملون ( 96 ) )

قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله : ( والله بصير بما يعملون ) ، والله ذو إبصار بما يعملون ، لا يخفى عليه شيء من أعمالهم ، بل هو بجميعها محيط ، ولها حافظ ذاكر ، حتى يذيقهم بها العقاب جزاءها . [ ص: 377 ]

وأصل "بصير" "مبصر" - من قول القائل : "أبصرت فأنا مبصر" ، ولكن صرف إلى "فعيل" ، كما صرف "مسمع" إلى "سميع" ، و"عذاب مؤلم" إلى"أليم" ، "ومبدع السماوات" إلى بديع ، وما أشبه ذلك .
القول في تأويل قوله جل ثناؤه ( قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله )

قال أبو جعفر : أجمع أهل العلم بالتأويل جميعا على أن هذه الآية نزلت جوابا لليهود من بني إسرائيل ، إذ زعموا أن جبريل عدو لهم ، وأن ميكائيل ولي لهم ، ثم اختلفوا في السبب الذي من أجله قالوا ذلك . فقال بعضهم : إنما كان سبب قيلهم ذلك ، من أجل مناظرة جرت بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر نبوته .

ذكر من قال ذلك :

1605 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا يونس بن بكير ، عن عبد الحميد بن بهرام ، عن شهر بن حوشب ، عن ابن عباس أنه قال : حضرت عصابة من اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا أبا القاسم ، حدثنا عن خلال نسألك عنهن ، لا يعلمهن إلا نبي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سلوا عما شئتم ، ولكن اجعلوا لي ذمة الله ، وما أخذ يعقوب على بنيه ، لئن أنا حدثتكم شيئا فعرفتموه ، لتتابعني على الإسلام ، فقالوا : ذلك لك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سلوني عما شئتم . فقالوا : أخبرنا عن أربع خلال نسألك عنهن : أخبرنا ، أي الطعام حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة؟ وأخبرنا [ ص: 378 ] كيف ماء المرأة وماء الرجل؟ وكيف يكون الذكر منه والأنثى؟ وأخبرنا بهذا النبي الأمي في النوم ومن وليه من الملائكة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "عليكم عهد الله لئن أنا أنبأتكم لتتابعني! فأعطوه ما شاء من عهد وميثاق . فقال : "نشدتكم بالذي أنزل التوراة على موسى ، هل تعلمون أن إسرائيل مرض مرضا شديدا فطال سقمه منه ، فنذر نذرا لئن عافاه الله من سقمه ليحرمن أحب الطعام والشراب إليه ، وكان أحب الطعام إليه لحم الإبل - قال أبو جعفر : فيما أروي : وأحب الشراب إليه ألبانها؟ فقالوا : اللهم نعم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أشهد الله عليكم وأنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو ، الذي أنزل التوراة على موسى ، هل تعلمون أن ماء الرجل أبيض غليظ ، وأن ماء المرأة أصفر رقيق ، فأيهما علا كان له الولد والشبه بإذن الله ، فإذا علا ماء الرجل ماء المرأة كان الولد ذكرا بإذن الله ، وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل كان الولد أنثى بإذن الله؟ قالوا : اللهم نعم . قال : اللهم اشهد! قال : وأنشدكم بالذي أنزل التوراة على موسى ، هل تعلمون أن هذا النبي الأمي تنام عيناه ولا ينام قلبه؟ قالوا : اللهم نعم! قال : اللهم اشهد! قالوا : أنت الآن تحدثنا من وليك من الملائكة ، فعندها نتابعك أو نفارقك ، قال : فإن وليي جبريل ، ولم يبعث الله نبيا قط إلا وهو وليه . قالوا : فعندها نفارقك ، لو كان وليك سواه من الملائكة ، تابعناك وصدقناك . قال : "فما يمنعكم أن تصدقوه؟ قالوا : إنه عدونا . فأنزل الله عز وجل : ( من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله ) إلى قوله ( كأنهم لا يعلمون ) ، فعندها باءوا بغضب على غضب . [ ص: 379 ]

1606 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثني محمد بن إسحاق قال : حدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي الحسين - يعني المكي - ، عن شهر بن حوشب الأشعري : أن نفرا من اليهود جاءوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : يا محمد ، أخبرنا عن أربع نسألك عنهن ، فإن فعلت اتبعناك وصدقناك وآمنا بك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عليكم بذلك عهد الله وميثاقه ، لئن أنا أخبرتكم بذلك لتصدقني؟ قالوا : نعم . قال : فاسألوا عما بدا لكم . فقالوا : أخبرنا كيف يشبه الولد أمه ، وإنما النطفة من الرجل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنشدكم بالله وبأيامه عند بني إسرائيل ، هل تعلمون أن نطفة الرجل بيضاء غليظة ، ونطفة المرأة صفراء رقيقة ، فأيتهما علت صاحبتها كان لها الشبه؟ قالوا : نعم . قالوا : فأخبرنا كيف نومك؟ قال : أنشدكم بالله وبأيامه عند بني إسرائيل ، هل تعلمون أن هذا النبي الأمي تنام عيناه ولا ينام قلبه؟ [ ص: 380 ] قالوا : اللهم نعم . قال : اللهم اشهد! قالوا : أخبرنا أي الطعام حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة؟ قال : هل تعلمون أنه كان أحب الطعام والشراب إليه ألبان الإبل ولحومها ، وأنه اشتكى شكوى فعافاه الله منها ، فحرم أحب الطعام والشراب إليه شكرا لله ، فحرم على نفسه لحوم الإبل وألبانها؟ قالوا : اللهم نعم . قالوا : فأخبرنا عن الروح . قال : أنشدكم بالله وبأيامه عند بني إسرائيل ، هل تعلمون أنه جبريل ، وهو الذي يأتيني؟ قالوا : نعم ، ولكنه لنا عدو ، وهو ملك إنما يأتي بالشدة وسفك الدماء ، فلولا ذلك اتبعناك . فأنزل الله فيهم : ( قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك ) إلى قوله ( كأنهم لا يعلمون ) .

1607 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : حدثني القاسم بن أبي بزة : أن يهود سألوا النبي صلى الله عليه وسلم : من صاحبه الذي ينزل عليه بالوحي؟ فقال : جبريل . قالوا : فإنه لنا عدو ولا يأتي إلا بالحرب والشدة والقتال! فنزل : ( من كان عدوا لجبريل ) الآية . قال ابن جريج : وقال مجاهد : قالت يهود : يا محمد ، ما ينزل جبريل إلا بشدة وحرب! وقالوا : إنه لنا عدو! فنزل : ( من كان عدوا لجبريل ) الآية .

وقال آخرون : بل كان سبب قيلهم ذلك ، من أجل مناظرة جرت بين [ ص: 381 ] عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبينهم ، في أمر النبي صلى الله عليه وسلم .

ذكر من قال ذلك :
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg

ابوالوليد المسلم 14-06-2022 09:04 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(143)
الحلقة (157)
صــ 382إلى صــ 387




1608 - حدثني محمد بن المثنى قال : حدثنا ربعي بن علية ، عن داود بن أبي هند ، عن الشعبي ، قال : نزل عمر الروحاء ، فرأى رجالا يبتدرون أحجارا يصلون إليها ، فقال : ما هؤلاء؟ قالوا : يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ههنا . فكره ذلك وقال : أيما رسول الله صلى الله عليه وسلم أدركته الصلاة بواد فصلى ، ثم ارتحل فتركه! ثم أنشأ يحدثهم فقال : كنت أشهد اليهود يوم مدراسهم فأعجب من التوراة كيف تصدق الفرقان ، ومن الفرقان كيف يصدق التوراة! فبينما أنا عندهم ذات يوم قالوا : يا ابن الخطاب ، ما من أصحابك أحد أحب إلينا منك ، قلت : ولم ذلك؟ قالوا : إنك تغشانا وتأتينا . قال : قلت : إني آتيكم فأعجب من الفرقان كيف يصدق التوراة ، ومن التوراة كيف تصدق الفرقان! قال : ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا ابن الخطاب ، ذاك صاحبكم فالحق به . قال : فقلت لهم عند ذلك : أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو وما استرعاكم من حقه واستودعكم من كتابه ، أتعلمون أنه رسول الله؟ قال : فسكتوا ، قال : فقال عالمهم وكبيرهم : إنه قد عظم عليكم فأجيبوه . قالوا : أنت عالمنا وسيدنا ، فأجبه أنت . قال : أما إذ نشدتنا به ، فإنا نعلم أنه رسول الله . قال : قلت : ويحكم! إذا هلكتم! قالوا إنا لم نهلك . قال : قلت : كيف ذاك ، وأنتم تعلمون أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم لا تتبعونه ولا تصدقونه؟ [ ص: 382 ] قالوا : إن لدينا عدوا من الملائكة وسلما من الملائكة ، وإنه قرن به عدونا من الملائكة . قال : قلت : ومن عدوكم؟ ومن سلمكم؟ قالوا : عدونا جبريل ، وسلمنا ميكائيل . قال : قلت : وفيم عاديتم جبريل؟ وفيم سالمتم ميكائيل؟ قالوا : إن جبريل ملك الفظاظة والغلظة والإعسار والتشديد والعذاب ونحو هذا ، وإن ميكائيل ملك الرأفة والرحمة والتخفيف ونحو هذا . قال : قلت : وما منزلتهما من ربهما؟ قالوا : أحدهما عن يمينه ، والآخر عن يساره . قال : قلت : فوالله الذي لا إله إلا هو ، إنهما والذي بينهما لعدو لمن عاداهما ، وسلم لمن سالمهما ، ما ينبغي لجبريل أن يسالم عدو ميكائيل ، ولا لميكائيل أن يسالم عدو جبريل ! قال : ثم قمت فاتبعت النبي صلى الله عليه وسلم ، فلحقته وهو خارج من مخرفة لبني فلان ، فقال لي : يا ابن الخطاب ، ألا أقرئك آيات نزلن؟ فقرأ علي : ( قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه ) حتى قرأ الآيات . قال : قلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، والذي بعثك بالحق لقد جئت وأنا أريد أن أخبرك الخبر ، فأسمع اللطيف الخبير قد سبقني إليك بالخبر ! [ ص: 383 ]

1609 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية ، عن داود ، عن الشعبي قال : قال عمر : كنت رجلا أغشى اليهود في يوم مدراسهم ، ثم ذكر نحو حديث ربعي .

1610 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : ذكر لنا أن عمر بن الخطاب انطلق ذات يوم إلى اليهود ، فلما أبصروه رحبوا به . فقال لهم عمر : أما والله ما جئت لحبكم ولا للرغبة فيكم ، ولكن جئت لأسمع منكم ، فسألهم وسألوه ، فقالوا : من صاحب صاحبكم؟ فقال لهم : جبريل . فقالوا : ذاك عدونا من أهل السماء ، يطلع محمدا على سرنا ، وإذا جاء جاء بالحرب والسنة ولكن صاحب صاحبنا ميكائيل ، وكان إذا جاء جاء بالخصب وبالسلم ، فقال لهم عمر : أفتعرفون جبريل وتنكرون محمدا؟ ففارقهم عمر عند ذلك ، وتوجه نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحدثه حديثهم ، فوجده قد أنزل عليه هذه الآية : ( قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله ) .

1611 - حدثني المثنى قال : حدثنا آدم قال : حدثنا أبو جعفر ، عن قتادة قال : بلغنا أن عمر بن الخطاب أقبل على اليهود يوما ، فذكر نحوه .

1612 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : ( من كان عدوا لجبريل ) ، قال : قالت اليهود : [ ص: 384 ] إن جبريل هو عدونا؛ لأنه ينزل بالشدة والحرب والسنة ، وإن ميكائيل ينزل بالرخاء والعافية والخصب ، فجبريل عدونا . فقال الله جل ثناؤه : ( من كان عدوا لجبريل ) .

1613 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ( قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه ) ، قال : كان لعمر بن الخطاب أرض بأعلى المدينة ، فكان يأتيها ، وكان ممره على طريق مدراس اليهود ، وكان كلما دخل عليهم سمع منهم . وإنه دخل عليهم ذات يوم فقالوا : يا عمر ما في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أحد أحب إلينا منك ، إنهم يمرون بنا فيؤذوننا ، وتمر بنا فلا تؤذينا ، وإنا لنطمع فيك ، فقال لهم عمر : أي يمين فيكم أعظم؟ قالوا : الرحمن الذي أنزل التوراة على موسى بطور سيناء . فقال لهم عمر : فأنشدكم بالرحمن الذي أنزل التوراة على موسى بطور سيناء ، أتجدون محمدا صلى الله عليه وسلم عندكم؟ فأسكتوا ، فقال : تكلموا ، ما شأنكم؟ فوالله ما سألتكم وأنا شاك في شيء من ديني . فنظر بعضهم إلى بعض ، فقام رجل منهم فقال : أخبروا الرجل ، لتخبرنه أو لأخبرنه ، قالوا : نعم ، إنا نجده مكتوبا عندنا ، ولكن صاحبه من الملائكة الذي يأتيه بالوحي هو جبريل ، وجبريل عدونا ، وهو صاحب كل عذاب أو قتال أو خسف ، ولو أنه كان وليه ميكائيل ، إذا لآمنا به ، فإن ميكائيل صاحب كل رحمة وكل غيث . فقال لهم عمر : فأنشدكم بالرحمن الذي أنزل التوراة على موسى بطور سيناء ، أين مكان جبريل من الله؟ قالوا : جبريل عن يمينه ، وميكائيل عن يساره . قال عمر : فأشهدكم أن الذي هو عدو للذي عن يمينه ، عدو للذي هو عن يساره; والذي هو عدو للذي هو عن يساره; عدو للذي هو عن يمينه; وأنه من كان عدوهما ، فإنه عدو لله . ثم رجع عمر ليخبر النبي صلى الله عليه وسلم ، [ ص: 385 ] فوجد جبريل قد سبقه بالوحي ، فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه ، فقال عمر : والذي بعثك بالحق ، لقد جئتك وما أريد إلا أن أخبرك !

1614 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق بن الحجاج الرازي قال : حدثنا عبد الرحمن بن مغراء أبو زهير ، عن مجالد ، عن الشعبي قال : انطلق عمر إلى يهود فقال : إني أنشدكم بالذي أنزل التوراة على موسى هل تجدون محمدا في كتابكم؟ قالوا : نعم . قال : فما يمنعكم أن تتبعوه؟ قالوا : إن الله لم يبعث رسولا إلا كان له كفل من الملائكة ، وإن جبريل هو الذي يتكفل لمحمد ، وهو عدونا من الملائكة ، وميكائيل سلمنا ، فلو كان هو الذي يأتيه اتبعناه . قال : فإني أنشدكم بالذي أنزل التوراة على موسى ، ما منزلتهما من رب العالمين؟ قالوا : جبريل عن يمينه ، وميكائيل عن جانبه الآخر . فقال : إني أشهد ما يقولان إلا بإذن الله ، وما كان لميكائيل أن يعادي سلم جبريل ، وما كان جبريل ليسالم عدو ميكائيل . [ فبينما هو عندهم ] ، إذ مر نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : هذا صاحبك يا ابن الخطاب . فقام إليه ، فأتاه وقد أنزل عليه : ( من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله ) إلى قوله : ( فإن الله عدو للكافرين ) . [ ص: 386 ]

1615 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا حصين بن عبد الرحمن ، عن ابن أبي ليلى في قوله : ( من كان عدوا لجبريل ) . قال : قالت اليهود للمسلمين : لو أن ميكائيل كان الذي ينزل عليكم لتبعناكم ، فإنه ينزل بالرحمة والغيث ، وإن جبريل ينزل بالعذاب والنقمة ، وهو لنا عدو ، قال : فنزلت هذه الآية : ( من كان عدوا لجبريل ) .

1616 - حدثني يعقوب قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا عبد الملك ، عن عطاء بنحو ذلك .

قال أبو جعفر : وأما تأويل الآية - أعني قوله : ( قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله ) - فهو : أن الله يقول لنبيه : قل يا محمد - لمعاشر اليهود من بني إسرائيل ، الذين زعموا أن جبريل لهم عدو ، من أجل أنه صاحب سطوات وعذاب وعقوبات ، لا صاحب وحي وتنزيل ورحمة؛ فأبوا اتباعك ، وجحدوا نبوتك ، وأنكروا ما جئتهم به من آياتي وبينات حكمي ، من أجل أن جبريل وليك وصاحب وحيي إليك ، وزعموا أنه عدو لهم - : من يكن من الناس [ ص: 387 ] لجبريل عدوا ، ومنكرا أن يكون صاحب وحي الله إلى أنبيائه ، وصاحب رحمته ، فإني له ولي وخليل ، ومقر بأنه صاحب وحي إلى أنبيائه ورسله ، وأنه هو الذي ينزل وحي الله على قلبي من عند ربي ، بإذن ربي له بذلك ، يربط به على قلبي ، ويشد فؤادي ، كما : -

1617 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا عثمان بن سعيد قال : حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس في قوله : ( قل من كان عدوا لجبريل ) ، قال : وذلك أن اليهود قالت - حين سألت محمدا صلى الله عليه وسلم عن أشياء كثيرة ، فأخبرهم بها على ما هي عندهم - "إلا جبريل " ، فإن جبريل كان عند اليهود صاحب عذاب وسطوة ، ولم يكن عندهم صاحب وحي - يعني : تنزيل من الله على رسله - ولا صاحب رحمة ، فأخبرهم - رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما سألوه عنه : أن جبريل صاحب وحي الله ، وصاحب نقمته ، وصاحب رحمته ، فقالوا : ليس بصاحب وحي ولا رحمة ، هو لنا عدو! فأنزل الله عز وجل إكذابا لهم : ( قل ) يا محمد : ( من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك ) ، يقول : فإن جبريل نزله . يقول : نزل القرآن - بأمر الله يشد به فؤادك ، ويربط به على قلبك" ، يعني : بوحينا الذي نزل به جبريل عليك من عند الله - وكذلك يفعل بالمرسلين والأنبياء من قبلك .

1618 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله ) ، يقول : أنزل الكتاب على قلبك بإذن الله .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg

ابوالوليد المسلم 14-06-2022 09:06 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(144)
الحلقة (158)
صــ 388إلى صــ 393







1619 - وحدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : ( فإنه نزله على قلبك ) ، يقول : نزل الكتاب على قلبك جبريل .

قال أبو جعفر : وإنما قال جل ثناؤه : ( فإنه نزله على قلبك ) - وهو يعني [ ص: 388 ] بذلك قلب محمد صلى الله عليه وسلم ، وقد أمر محمدا في أول الآية أن يخبر اليهود بذلك عن نفسه - ولم يقل : فإنه نزله على قلبي ولو قيل : "على قلبي" كان صوابا من القول؛ لأن من شأن العرب إذا أمرت رجلا أن يحكي ما قيل له عن نفسه ، أن تخرج فعل المأمور مرة مضافا إلى كناية نفس المخبر عن نفسه ، إذ كان المخبر عن نفسه; ومرة مضافا إلى اسمه ، كهيئة كناية اسم المخاطب لأنه به مخاطب . فتقول في نظير ذلك : "قل للقوم إن الخير عندي كثير" - فتخرج كناية اسم المخبر عن نفسه؛ لأنه المأمور أن يخبر بذلك عن نفسه - : و"قل للقوم إن الخير عندك كثير" - فتخرج كناية اسمه كهيئة كناية اسم المخاطب؛ لأنه وإن كان مأمورا بقيل ذلك ، فهو مخاطب مأمور بحكاية ما قيل له . وكذلك : "لا تقل للقوم : إني قائم" ، و"لا تقل لهم : إنك قائم" ، و"الياء" من "إني" اسم المأمور بقول ذلك ، على ما وصفنا . ومن ذلك قول الله عز وجل : ( قل للذين كفروا سيغلبون ) و ( تغلبون ) [ آل عمران : 12 ] ، بالياء والتاء .

وأما" جبريل " فإن للعرب فيه لغات . فأما أهل الحجاز فإنهم يقولون : "جبريل ، وميكال" بغير همز ، بكسر الجيم والراء من" جبريل " وبالتخفيف ، وعلى القراءة بذلك عامة قرأة أهل المدينة والبصرة .

أما تميم وقيس وبعض نجد فيقولون : "جبرئيل وميكائيل" على مثال "جبرعيل وميكاعيل" ، بفتح الجيم والراء ، وبهمز ، وزيادة ياء بعد الهمزة ، وعلى القراءة بذلك عامة قرأة أهل الكوفة ، كما قال جرير بن عطية :


عبدوا الصليب وكذبوا بمحمد وبجبرئيل وكذبوا ميكالا
[ ص: 389 ]

وقد ذكر عن الحسن البصري وعبد الله بن كثير أنهما كانا يقرآن : " جبريل " بفتح الجيم ، وترك الهمز .

قال أبو جعفر : وهي قراءة غير جائزة القراءة بها؛ لأن "فعليل" في كلام العرب غير موجود . وقد اختار ذلك بعضهم ، وزعم أنه اسم أعجمي ، كما يقال : "سمويل" ، وأنشد في ذلك :


بحيث لو وزنت لخم بأجمعها ما وازنت ريشة من ريش سمويلا


وأما بنو أسد فإنها تقول : "جبرين" بالنون . وقد حكي عن بعض العرب أنها تزيد في" جبريل " "ألفا" فتقول : جبراييل وميكاييل .

وقد حكي عن يحيى بن يعمر أنه كان يقرأ : "جبرئل" بفتح الجيم ، والهمز ، وترك المد ، وتشديد اللام .

فأما "جبر" و"ميك" ، فإنهما الاسمان اللذان أحدهما بمعنى : "عبد" ، والآخر بمعنى : "عبيد" . [ ص: 390 ]

وأما "إيل" فهو الله تعالى ذكره ، كما : -

1620 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا جرير بن نوح الحماني ، عن الأعمش ، عن المنهال ، عن سعيد بن جبير قال : قال ابن عباس : " جبريل " و" ميكائيل " ، كقولك : عبد الله .

1621 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يحيى بن واضح قال : حدثنا الحسين بن واقد ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : "جبريل" عبد الله; و"ميكائيل" ، عبيد الله . وكل اسم "إيل" فهو : الله .

1622 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن إسماعيل بن رجاء ، عن عمير مولى ابن عباس : أن "إسرائيل ، وميكائيل وجبريل ، وإسرافيل " كقولك : عبد الله .

1623 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن عبد الله بن الحارث قال : "إيل" ، الله ، بالعبرانية .

1624 - حدثنا الحسين بن يزيد الضحاك قال : حدثنا إسحاق بن منصور قال : حدثنا قيس ، عن عاصم ، عن عكرمة ، قال : " جبريل " اسمه : عبد الله; و" ميكائيل " اسمه : عبيد الله ، "إيل" : الله .

1625 - حدثني الحسين بن عمرو بن محمد العنقزي قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري قال : حدثنا سفيان ، عن محمد بن عمرو بن عطاء ، عن علي بن حسين قال : اسم" جبريل " عبد الله ، واسم" ميكائيل " عبيد الله ، واسم" إسرافيل " : عبد الرحمن ، وكل معبد : "إيل" ، فهو عبد الله .

1626 - حدثنا المثنى قال : حدثنا قبيصة بن عقبة قال : حدثنا سفيان ، عن [ ص: 391 ] محمد المدني - قال المثنى : قال قبيصة : أراه محمد بن إسحاق - عن محمد بن عمرو بن عطاء ، عن علي بن حسين ، قال : ما تعدون" جبريل " في أسمائكم؟ قال : " جبريل " عبد الله ، و" ميكائيل " عبيد الله ، وكل اسم فيه "إيل" ، فهو معبد لله .

1627 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن عمرو بن عطاء ، عن علي بن حسين قال : قال لي : هل تدري ما اسم " جبريل " من أسمائكم؟ قلت : لا . قال : عبد الله . قال : فهل تدري ما اسم " ميكائيل " من أسمائكم؟ قلت : لا . قال : عبيد الله . وقد سمى لي "إسرائيل" باسم نحو ذلك فنسيته ، إلا أنه قد قال لي : أرأيت ، كل اسم يرجع إلى "إيل" فهو معبد له .

1628 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن خصيف ، عن عكرمة في قوله : ( جبريل ) قال : "جبر" عبد ، "إيل" الله ، و"ميكا" قال : عبد ، "إيل" : الله .

قال أبو جعفر : فهذا تأويل من قرأ" جبرائيل " بالفتح ، والهمز ، والمد . وهو - إن شاء الله - معنى من قرأ بالكسر ، وترك الهمز .

وأما تأويل من قرأ ذلك بالهمز ، وترك المد ، وتشديد اللام ، فإنه قصد بقوله ذلك كذلك ، إلى إضافة "جبر" و"ميكا" إلى اسم الله الذي يسمى به بلسان العرب دون السرياني والعبراني ، وذلك أن "الإل" بلسان العرب : الله ، كما قال : ( لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة ) [ التوبة : 10 ] . فقال جماعة من أهل العلم : "الإل" هو الله . ومنه قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه - لوفد بني حنيفة ، حين سألهم عما كان مسيلمة يقول ، فأخبروه - فقال لهم : ويحكم! " [ ص: 392 ] أين ذهب بكم؟ والله ، إن هذا الكلام ما خرج من إل ولا بر . يعني "من إل" : من الله وقد : -

1629 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية ، عن سليمان التيمي ، عن أبي مجلز في قوله : ( لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة ) قال : قول " جبريل " و"ميكائيل" و"إسرافيل" .

كأنه يقول : حين يضيف "جبر" و"ميكا" و"إسرا" إلى "إيل" يقول : عبد الله . ( لا يرقبون في مؤمن إلا ) ، كأنه يقول : لا يرقبون الله عز وجل .
القول في تأويل قوله تعالى : ( مصدقا لما بين يديه )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : ( مصدقا لما بين يديه ) ، القرآن ، ونصب "مصدقا" على القطع من "الهاء" التي في قوله : ( نزله على قلبك ) .

فمعنى الكلام : فإن جبريل نزل القرآن على قلبك يا محمد ، مصدقا لما بين يدي القرآن ، يعني بذلك : مصدقا لما سلف من كتب الله أمامه ، ونزلت على رسله الذين كانوا قبل محمد صلى الله عليه وسلم ، وتصديقه إياها ، موافقة معانيه معانيها في الأمر باتباع محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به من عند الله ، وهي تصدقه . كما : -

1630 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا عثمان بن سعيد قال : حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق عن الضحاك ، عن ابن عباس . ( مصدقا لما بين [ ص: 393 ] يديه ) ، يقول : لما قبله من الكتب التي أنزلها الله ، والآيات ، والرسل الذين بعثهم الله بالآيات ، نحو موسى ونوح وهود وشعيب وصالح ، وأشباههم من الرسل صلى الله عليهم .

1631 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( مصدقا لما بين يديه ) ، من التوراة والإنجيل .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg

ابوالوليد المسلم 14-06-2022 09:06 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(145)
الحلقة (159)
صــ 394إلى صــ 399



1632 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع مثله .
القول في تأويل قوله تعالى : ( وهدى وبشرى للمؤمنين ( 97 ) )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : ( وهدى ) ودليل وبرهان . وإنما سماه الله جل ثناؤه "هدى" ، لاهتداء المؤمن به ، و"اهتداؤه به" : اتخاذه إياه هاديا يتبعه ، وقائدا ينقاد لأمره ونهيه وحلاله وحرامه . و"الهادي" من كل شيء : ما تقدم أمامه . ومن ذلك قيل لأوائل الخيل : "هواديها" ، وهو ما تقدم أمامها ، وكذلك قيل للعنق : "الهادي"؛ لتقدمها أمام سائر الجسد .

وأما "البشرى" فإنها البشارة . أخبر الله عباده المؤمنين جل ثناؤه ، أن القرآن لهم بشرى منه ، لأنه أعلمهم بما أعد لهم من الكرامة عنده في جناته ، وما هم إليه صائرون في معادهم من ثوابه ، وذلك هو "البشرى" التي بشر الله بها المؤمنين في كتابه؛ لأن البشارة في كلام العرب ، هي : إعلام الرجل بما لم يكن به عالما مما يسره من الخبر ، قبل أن يسمعه من غيره ، أو يعلمه من قبل غيره .

وقد روي في ذلك عن قتادة قول قريب المعنى مما قلناه : [ ص: 394 ]

1633 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( هدى وبشرى للمؤمنين ) ، لأن المؤمن إذا سمع القرآن حفظه ووعاه ، وانتفع به واطمأن إليه ، وصدق بموعود الله الذي وعد فيه ، وكان على يقين من ذلك .
القول في تأويل قوله تعالى : ( من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين ( 98 ) )

قال أبو جعفر : وهذا خبر من الله جل ثناؤه من كان عدوا لله ، من عاداه ، وعادى جميع ملائكته ورسله; وإعلام منه أن من عادى جبريل فقد عاداه وعادى ميكائيل ، وعادى جميع ملائكته ورسله؛ لأن الذين سماهم الله في هذه الآية هم أولياء الله وأهل طاعته ، ومن عادى لله وليا فقد عادى الله وبارزه بالمحاربة ، ومن عادى الله فقد عادى جميع أهل طاعته وولايته؛ لأن العدو لله عدو لأوليائه ، والعدو لأولياء الله عدو له ، فكذلك قال لليهود - الذين قالوا : إن جبريل عدونا من الملائكة ، وميكائيل ولينا منهم - : ( من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين ) ، من أجل أن عدو جبريل عدو كل ولي لله ، فأخبرهم جل ثناؤه أن من كان عدوا لجبريل ، فهو لكل من ذكره - من ملائكته ورسله وميكال - عدو ، وكذلك عدو بعض رسل الله ، عدو لله ولكل ولي . وقد : -

1634 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يحيى بن واضح قال : حدثنا عبيد الله - يعني العتكي - ، عن رجل من قريش قال : سأل النبي صلى الله عليه وسلم اليهود [ ص: 395 ] فقال : أسألكم بكتابكم الذي تقرأون ، هل تجدون به قد بشر بي عيسى ابن مريم أن يأتيكم رسول اسمه أحمد؟ فقالوا : اللهم وجدناك في كتابنا ، ولكنا كرهناك؛ لأنك تستحل الأموال وتهريق الدماء . فأنزل الله : ( من كان عدوا لله وملائكته ) الآية .

1635 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن حصين بن عبد الرحمن ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : إن يهوديا لقي عمر فقال له : إن جبريل الذي يذكره صاحبك ، هو عدو لنا . فقال له عمر : ( من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين ) . قال : فنزلت على لسان عمر .

وهذا الخبر يدل على أن الله أنزل هذه الآية توبيخا لليهود في كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وإخبارا منه لهم أن من كان عدوا لمحمد فالله له عدو ، وأن عدو محمد من الناس كلهم ، لمن الكافرين بالله ، الجاحدين آياته .

فإن قال قائل : أوليس جبريل وميكائيل من الملائكة؟

قيل : بلى .

فإن قال : فما معنى تكرير ذكرهما بأسمائهما ، وقد مضى ذكرهما في الآية في جملة أسماء الملائكة؟

قيل : معنى إفراد ذكرهما بأسمائهما ، أن اليهود لما قالت : " جبريل عدونا ، وميكائيل ولينا" - وزعمت أنها كفرت بمحمد صلى الله عليه وسلم ، من أجل أن [ ص: 396 ] جبريل صاحب محمد صلى الله عليه وسلم - أعلمهم الله أن من كان لجبريل عدوا ، فإن الله له عدو ، وأنه من الكافرين ، فنص عليه باسمه وعلى ميكائيل باسمه ، لئلا يقول منهم قائل : إنما قال الله : من كان عدوا لله وملائكته ورسله ، ولسنا لله ولا لملائكته ورسله أعداء؛ لأن الملائكة اسم عام محتمل خاصا ، وجبريل وميكائيل غير داخلين فيه . وكذلك قوله : ( ورسله ) ، فلست يا محمد داخلا فيهم ، فنص الله تعالى على أسماء من زعموا أنهم أعداؤه بأعيانهم ، ليقطع بذلك تلبيسهم على أهل الضعف منهم ، ويحسم تمويههم أمورهم على المنافقين .

وأما إظهار اسم الله في قوله : ( فإن الله عدو للكافرين ) ، وتكريره فيه - وقد ابتدأ أول الخبر بذكره فقال : ( من كان عدوا لله وملائكته ) - فلئلا يلتبس لو ظهر ذلك بكناية ، فقيل : "فإنه عدو للكافرين" ، على سامعه ، من المعني ب "الهاء" التي في "فإنه" : آلله ، أم رسل الله جل ثناؤه ، أم جبريل ، أم ميكائيل؟ إذ لو جاء ذلك بكناية على ما وصفت ، فإنه يلتبس معنى ذلك على من لم يوقف على المعني بذلك؛ لاحتمال الكلام ما وصفت ، وقد كان بعض أهل العربية يوجه ذلك إلى نحو قول الشاعر :


ليت الغراب غداة ينعب دائما كان الغراب مقطع الأوداج


وأنه إظهار الاسم الذي حظه الكناية عنه . والأمر في ذلك بخلاف ما قال . وذلك أن "الغراب" الثاني لو كان مكنى عنه ، لما التبس على أحد يعقل كلام العرب أنه كناية اسم "الغراب" الأول ، إذ كان لا شيء قبله يحتمل الكلام أن يوجه إليه [ ص: 397 ] غير كناية اسم "الغراب" الأول - وأن قبل قوله : ( فإن الله عدو للكافرين ) أسماء ، لو جاء اسم الله تعالى ذكره مكنيا عنه ، لم يعلم من المقصود إليه بكناية الاسم ، إلا بتوقيف من حجة . فلذلك اختلف أمراهما .
القول في تأويل قوله تعالى : ( ولقد أنزلنا إليك آيات بينات )

قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله : ( ولقد أنزلنا إليك آيات ) ، أي أنزلنا إليك يا محمد علامات واضحات دالات على نبوتك ، وتلك الآيات هي ما حواه كتاب الله الذي أنزله إلى محمد صلى الله عليه وسلم من خفايا علوم اليهود ومكنون سرائر أخبارهم وأخبار أوائلهم من بني إسرائيل ، والنبأ عما تضمنته كتبهم التي لم يكن يعلمها إلا أحبارهم وعلماؤهم - وما حرفه أوائلهم وأواخرهم وبدلوه ، من أحكامهم التي كانت في التوراة ، فأطلعها الله في كتابه الذي أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم . فكان ، في ذلك من أمره ، الآيات البينات لمن أنصف نفسه ، ولم يدعه إلى إهلاكها الحسد والبغي ، إذ كان في فطرة كل ذي فطرة صحيحة ، تصديق من أتى بمثل الذي أتى به محمد صلى الله عليه وسلم من الآيات البينات التي وصفت من غير تعلم تعلمه من بشر ، ولا أخذ شيء منه عن آدمي ، وبنحو الذي قلنا في ذلك روي الخبر عن ابن عباس .

1636 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا عثمان بن سعيد قال : حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : ( ولقد أنزلنا إليك [ ص: 398 ] آيات بينات ) يقول : فأنت تتلوه عليهم ، وتخبرهم به غدوة وعشية وبين ذلك ، وأنت عندهم أمي لم تقرأ كتابا ، وأنت تخبرهم بما في أيديهم على وجهه . يقول الله : ففي ذلك لهم عبرة وبيان ، وعليهم حجة لو كانوا يعلمون .

1637 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثنا ابن إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، عن عكرمة مولى ابن عباس ، وعن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : قال ابن صوريا الفطيوني لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا محمد ما جئتنا بشيء نعرفه ، وما أنزل الله عليك من آية بينة فنتبعك بها! فأنزل الله عز وجل : ( ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون ) !

1638 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا يونس بن بكير قال : حدثنا محمد بن إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال : حدثني سعيد بن جبير ، أو عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال ابن صوريا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر مثله .
[ ص: 399 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( وما يكفر بها إلا الفاسقون ( 99 ) )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : ( وما يكفر بها إلا الفاسقون ) ، وما يجحد بها . وقد دللنا فيما مضى من كتابنا هذا على أن معنى "الكفر" الجحود ، بما أغنى عن إعادته هنا . وكذلك بينا معنى "الفسق" ، وأنه الخروج عن الشيء إلى غيره .

فتأويل الآية : ولقد أنزلنا إليك ، فيما أوحينا إليك من الكتاب علامات واضحات تبين لعلماء بني إسرائيل وأحبارهم - الجاحدين نبوتك ، والمكذبين رسالتك - أنك لي رسول إليهم ، ونبي مبعوث ، وما يجحد تلك الآيات الدالات على صدقك ونبوتك ، التي أنزلتها إليك في كتابي فيكذب بها منهم إلا الخارج منهم من دينه ، التارك منهم فرائضي عليه في الكتاب الذي يدين بتصديقه . فأما المتمسك منهم بدينه ، والمتبع منهم حكم كتابه ، فإنه بالذي أنزلت إليك من آياتي مصدق وهم الذين كانوا آمنوا بالله وصدقوا رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم من يهود بني إسرائيل .
القول في تأويل قوله تعالى : ( أوكلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون ( 100 ) )
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg

ابوالوليد المسلم 14-06-2022 09:07 PM

رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
 

https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/27.jpg تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثانى
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(146)
الحلقة (160)
صــ 400إلى صــ 405




قال أبو جعفر : اختلف أهل العربية في حكم "الواو" التي في قوله : ( أوكلما عاهدوا عهدا ) . فقال بعض نحويي البصريين : هي "واو" تجعل مع حروف الاستفهام ، وهي مثل "الفاء" في قوله : ( أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ) [ البقرة : 87 ] ، قال : وهما زائدتان في هذا الوجه ، [ ص: 400 ] وهي مثل "الفاء" التي في قوله : فالله لتصنعن كذا وكذا ، وكقولك للرجل : "أفلا تقوم"؟ وإن شئت جعلت "الفاء" و"الواو" هاهنا حرف عطف .

وقال بعض نحويي الكوفيين : هي حرف عطف أدخل عليها حرف الاستفهام .

والصواب في ذلك عندي من القول أنها "واو" عطف ، أدخلت عليها "ألف" الاستفهام ، كأنه قال جل ثناؤه : ( وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما أتيناكم بقوة واسمعوا قالوا سمعنا وعصينا ) ، وكلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم ، ثم أدخل "ألف" الاستفهام على "وكلما" فقال : ( قالوا سمعنا وعصينا ) ، ( أوكلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم ) .

وقد بينا فيما مضى أنه غير جائز أن يكون في كتاب الله حرف لا معنى له ، فأغنى ذلك عن إعادة البيان على فساد قول من زعم أن "الواو" و"الفاء" من قوله : ( أوكلما ) و ( أفكلما ) زائدتان لا معنى لهما .

وأما "العهد" ، فإنه الميثاق الذي أعطته بنو إسرائيل ربهم ليعملن بما في التوراة مرة بعد أخرى ، ثم نقض بعضهم ذلك مرة بعد أخرى ، فوبخهم - جل ذكره - بما كان منهم من ذلك ، وعير به أبناءهم إذ سلكوا منهاجهم في بعض ما كان - جل ذكره - أخذ عليهم بالإيمان به من أمر محمد صلى الله عليه وسلم من العهد والميثاق ، فكفروا وجحدوا ما في التوراة من نعته وصفته ، فقال تعالى ذكره : أوكلما عاهد اليهود من بني إسرائيل ربهم عهدا وأوثقوه ميثاقا ، نبذه فريق منهم ، فتركه ونقضه؟ كما : -

1639 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا يونس بن بكير قال : حدثنا ابن إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال : حدثني سعيد بن جبير ، أو عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال مالك بن الصيف - حين بعث [ ص: 401 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذكر ما أخذ عليهم من الميثاق ، وما عهد الله إليهم فيه - : والله ما عهد إلينا في محمد صلى الله عليه وسلم ، وما أخذ له علينا ميثاقا! فأنزل الله جل ثناؤه : ( أوكلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون ) .

1640 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثنا محمد بن إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد مولى آل زيد بن ثابت ، عن عكرمة مولى ابن عباس ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس مثله .

قال أبو جعفر : وأما "النبذ" فإن أصله - في كلام العرب - الطرح ، ولذلك قيل للملقوط : "المنبوذ"؛ لأنه مطروح مرمي به ، ومنه سمي النبيذ "نبيذا" ، لأنه زبيب أو تمر يطرح في وعاء ، ثم يعالج بالماء . وأصله "مفعول" صرف إلى "فعيل" ، أعني أن "النبيذ" أصله "منبوذ" ثم صرف إلى "فعيل" فقيل : "نبيذ" ، كما قيل : "كف خضيب ، ولحية دهين" - يعني : مخضوبة ومدهونة . يقال منه : "نبذته أنبذه نبذا" ، كما قال أبو الأسود الدؤلي :


نظرت إلى عنوانه فنبذته كنبذك نعلا أخلقت من نعالكا


فمعنى قوله جل ذكره : ( نبذه فريق منهم ) ، طرحه فريق منهم ، فتركه ورفضه ونقضه . كما : - [ ص: 402 ]

1641 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( نبذه فريق منهم ) يقول : نقضه فريق منهم .

1642 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قوله : ( نبذه فريق منهم ) ، قال : لم يكن في الأرض عهد يعاهدون عليه إلا نقضوه ، ويعاهدون اليوم ، وينقضون غدا . قال : وفي قراءة عبد الله : ( نقضه فريق منهم ) .

و"الهاء" التي في قوله : ( نبذه ) ، من ذكر العهد ، فمعناه أوكلما عاهدوا عهدا نبذ ذلك العهد فريق منهم .

و"الفريق" الجماعة ، لا واحد له من لفظه ، بمنزلة "الجيش" و"الرهط" الذي لا واحد له من لفظه .

و"الهاء والميم" اللتان في قوله : ( فريق منهم ) : من ذكر اليهود من بني إسرائيل .

وأما قوله : ( بل أكثرهم لا يؤمنون ) فإنه يعني جل ثناؤه : بل أكثر هؤلاء - الذين كلما عاهدوا الله عهدا وواثقوه موثقا ، نقضه فريق منهم - لا يؤمنون .

ولذلك وجهان من التأويل : أحدهما : أن يكون الكلام دلالة على الزيادة والتكثير في عدد المكذبين الناقضين عهد الله ، على عدد الفريق . فيكون الكلام حينئذ معناه : أوكلما عاهدت اليهود من بني إسرائيل ربها عهدا نقض فريق منهم ذلك العهد؟ لا - ما ينقض ذلك فريق منهم ، ولكن الذي ينقض ذلك فيكفر بالله ، أكثرهم ، لا القليل منهم . فهذا أحد وجهيه .

والوجه الآخر : أن يكون معناه : أوكلما عاهدت اليهود ربها عهدا ، نبذ ذلك [ ص: 403 ] العهد فريق منهم؟ لا - ما ينبذ ذلك العهد فريق منهم فينقضه على الإيمان منهم بأن ذلك غير جائز لهم ، ولكن أكثرهم لا يصدقون بالله ورسله ، ولا وعده ووعيده . وقد دللنا فيما مضى من كتابنا هذا على معنى "الإيمان" ، وأنه التصديق .
القول في تأويل قوله تعالى : ( ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون ( 101 ) )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : ( ولما جاءهم ) ، أحبار اليهود وعلماءها من بني إسرائيل - ( رسول ) ، يعني بالرسول : محمدا صلى الله عليه وسلم . كما : -

1643 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي في قوله : ( ولما جاءهم رسول ) ، قال : لما جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم .

وأما قوله : ( مصدق لما معهم ) ، فإنه يعني به أن محمدا صلى الله عليه وسلم يصدق التوراة والتوراة تصدقه في أنه لله نبي مبعوث إلى خلقه .

وأما تأويل قوله : ( ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم ) ، فإنه للذي هو مع اليهود ، وهو التوراة ، فأخبر الله جل ثناؤه أن اليهود لما جاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الله بتصديق ما في أيديهم من التوراة ، أن محمدا صلى الله عليه وسلم نبي لله ، ( نبذ فريق ) ، يعني بذلك : أنهم جحدوه ورفضوه بعد أن كانوا به مقرين؛ حسدا منهم له وبغيا عليه . وقوله : ( من الذين أوتوا الكتاب ) . وهم علماء اليهود الذين أعطاهم الله العلم بالتوراة وما فيها . ويعني بقوله : ( كتاب الله ) ، التوراة . [ ص: 404 ]

وقوله : ( وراء ظهورهم ) ، جعلوه وراء ظهورهم . وهذا مثل ، يقال لكل رافض أمرا كان منه على بال : "قد جعل فلان هذا الأمر منه بظهر ، وجعله وراء ظهره" ، يعني به : أعرض عنه وصد وانصرف ، كما : -

1644 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ( ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم ) ، قال : لما جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم عارضوه بالتوراة فخاصموه بها ، فاتفقت التوراة والقرآن ، فنبذوا التوراة وأخذوا بكتاب آصف ، وسحر هاروت وماروت . فذلك قول الله : ( كأنهم لا يعلمون ) .

ومعنى قوله : ( كأنهم لا يعلمون ) ، كأن هؤلاء الذين نبذوا كتاب الله من علماء اليهود - فنقضوا عهد الله بتركهم العمل بما واثقوا الله على أنفسهم العمل بما فيه - لا يعلمون ما في التوراة من الأمر باتباع محمد صلى الله عليه وسلم وتصديقه . وهذا من الله - جل ثناؤه - إخبار عنهم أنهم جحدوا الحق على علم منهم به ومعرفة ، وأنهم عاندوا أمر الله فخالفوا على علم منهم بوجوبه عليهم ، كما : -

1645 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب ) ، يقول : نقض فريق من الذين أوتوا الكتاب" كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون ) : أي أن القوم كانوا يعلمون ، ولكنهم أفسدوا علمهم ، وجحدوا وكفروا وكتموا .
[ ص: 405 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان )

قال أبو جعفر : يعني بقوله : ( واتبعوا ما تتلو الشياطين ) ، الفريق من أحبار اليهود وعلمائها ، الذين وصفهم الله - جل ثناؤه - بأنهم نبذوا كتابه الذي أنزله على موسى ، وراء ظهورهم ، تجاهلا منهم وكفرا بما هم به عالمون ، كأنهم لا يعلمون . فأخبر عنهم أنهم رفضوا كتابه الذي يعلمون أنه منزل من عنده على نبيه صلى الله عليه وسلم ، ونقضوا عهده الذي أخذه عليهم في العمل بما فيه ، وآثروا السحر الذي تلته الشياطين في ملك سليمان بن داود فاتبعوه ، وذلك هو الخسار والضلال المبين .

واختلف أهل التأويل في الذين عنوا بقوله : ( واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان ) . فقال بعضهم : عنى الله بذلك اليهود الذين كانوا بين ظهراني مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأنهم خاصموا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتوراة ، فوجدوا التوراة للقرآن موافقة ، تأمر من اتباع محمد صلى الله عليه وسلم وتصديقه ، بمثل الذي يأمر به القرآن ، فخاصموا بالكتب التي كان الناس اكتتبوها من الكهنة على عهد سليمان .
https://majles.alukah.net/imgcache/2021/01/28.jpg


الساعة الآن : 02:12 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour


[حجم الصفحة الأصلي: 171.67 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 171.17 كيلو بايت... تم توفير 0.50 كيلو بايت...بمعدل (0.29%)]