رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء العاشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة الحلقة (561) صــ 436 إلى صــ 450 كما قال الشاعر : [ ص: 436 ] وكنت إذا جاري دعا لمضوفة أشمر حتى ينصف الساق مئزري وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 12220 - حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : " قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله " ، يقول : ثوابا عند الله . 12221 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : " هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله " قال : "المثوبة " ، الثواب ، "مثوبة الخير " ، و"مثوبة الشر " ، وقرأ : ( خير ثوابا ) [ سورة الكهف : 44 ] . [ ص: 437 ] وأما "من " في قوله : " من لعنه الله " ، فإنه في موضع خفض ، ردا على قوله : "بشر من ذلك" . فكأن تأويل الكلام ، إذ كان ذلك كذلك : قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله ، بمن لعنه الله . ولو قيل : هو في موضع رفع ، لكان صوابا ، على الاستئناف ، بمعنى : ذلك من لعنه الله أو : وهو من لعنه الله . ولو قيل : هو في موضع نصب ، لم يكن فاسدا ، بمعنى : قل هل أنبئكم من لعنه الله فيجعل " أنبئكم " عاملا في"من " ، واقعا عليه . وأما معنى قوله : " من لعنه الله " ، فإنه يعني : من أبعده الله وأسحقه من رحمته " وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير " ، يقول : وغضب عليه ، وجعل منهم المسوخ القردة والخنازير ، غضبا منه عليهم وسخطا ، فعجل لهم الخزي والنكال في الدنيا . [ ص: 438 ] وأما سبب مسخ الله من مسخ منهم قردة ، فقد ذكرنا بعضه فيما مضى من كتابنا هذا ، وسنذكر بقيته إن شاء الله في مكان غير هذا . وأما سبب مسخ الله من مسخ منهم خنازير ، فإنه كان فيما : - 12223 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة بن الفضل ، عن ابن إسحاق ، عن عمر بن كثير بن أفلح مولى أبي أيوب الأنصاري ، قال : حدثت أن المسخ في بني إسرائيل من الخنازير ، كان أن امرأة من بني إسرائيل كانت في قرية من قرى بني إسرائيل ، وكان فيها ملك بني إسرائيل ، وكانوا قد استجمعوا على الهلكة ، إلا أن تلك المرأة كانت على بقية من الإسلام متمسكة به ، فجعلت تدعو إلى الله ، حتى إذا اجتمع إليها ناس فتابعوها على أمرها قالت لهم : إنه لا بد لكم من أن تجاهدوا عن دين الله ، وأن تنادوا قومكم بذلك ، فاخرجوا فإني خارجة . فخرجت ، وخرج إليها ذلك الملك في الناس ، فقتل أصحابها جميعا ، وانفلتت من بينهم . قال : ودعت إلى الله حتى تجمع الناس إليها ، حتى إذا رضيت منهم ، أمرتهم بالخروج ، فخرجوا وخرجت معهم ، وأصيبوا جميعا وانفلتت من بينهم . ثم دعت إلى الله حتى إذا اجتمع إليها رجال واستجابوا لها ، أمرتهم بالخروج ، فخرجوا وخرجت ، فأصيبوا جميعا ، وانفلتت من بينهم ، فرجعت وقد أيست ، وهي تقول : سبحان الله ، لو كان لهذا الدين ولي وناصر ، لقد أظهره بعد! قال : فباتت محزونة ، وأصبح أهل القرية يسعون في نواحيها خنازير ، قد مسخهم الله في ليلتهم تلك ، فقالت حين أصبحت ورأت ما رأت : اليوم أعلم أن الله قد أعز دينه وأمر دينه! قال : فما كان مسخ الخنازير في بني إسرائيل إلا على يدي تلك المرأة . [ ص: 439 ] 12224 - حدثنا محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " وجعل منهم القردة والخنازير " ، قال : مسخت من يهود . 12225 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله . وللمسخ سبب فيما ذكر غير الذي ذكرناه ، سنذكره في موضعه إن شاء الله . القول في تأويل قوله ( وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل ( 60 ) ) قال أبو جعفر : اختلفت القرأة في قراءة ذلك . فقرأته قرأة الحجاز والشأم والبصرة وبعض الكوفيين : ( وعبد الطاغوت ) ، بمعنى : وجعل منهم القردة والخنازير ومن عبد الطاغوت ، بمعنى : "عابد " ، فجعل"عبد " ، فعلا ماضيا من صلة المضمر ، ونصب"الطاغوت " ، بوقوع"عبد " عليه . وقرأ ذلك جماعة من الكوفيين : ( وعبد الطاغوت ) بفتح"العين " من"عبد " وضم بائها ، وخفض"الطاغوت " بإضافة"عبد " إليه . وعنوا بذلك : وخدم الطاغوت . 12226 - حدثني بذلك المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الرحمن بن أبي حماد قال ، حدثني حمزة ، عن الأعمش ، عن يحيى بن وثاب أنه قرأ : ( وعبد الطاغوت ) يقول : خدم ، قال عبد الرحمن : وكان حمزة كذلك يقرؤها . [ ص: 440 ] 12227 - حدثني ابن وكيع وابن حميد قالا حدثنا جرير ، عن الأعمش : أنه كان يقرؤها كذلك . وكان الفراء يقول : إن تكن فيه لغة مثل "حذر " و"حذر " ، و"عجل " ، و"عجل " ، فهو وجه ، والله أعلم وإلا فإن أراد قول الشاعر : أبني لبينى إن أمكم أمة وإن أباكم عبد فإن هذا من ضرورة الشعر ، وهذا يجوز في الشعر لضرورة القوافي ، وأما في القراءة فلا . وقرأ ذلك آخرون : ( وعبد الطاغوت ) ذكر ذلك عن الأعمش . وكأن من قرأ ذلك كذلك ، أراد جمع الجمع من "العبد " ، كأنه جمع "العبد " "عبيدا " ، ثم جمع "العبيد " "عبدا " ، مثل : "ثمار وثمر" . وذكر عن أبي جعفر القارئ أنه كان يقرؤه : ( وعبد الطاغوت ) . 12228 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الرحمن قال : كان أبو جعفر النحوي يقرؤها : ( وعبد الطاغوت ) ، كما يقول : "ضرب عبد الله" . [ ص: 441 ] قال أبو جعفر : وهذه قراءة لا معنى لها ، لأن الله تعالى ذكره ، إنما ابتدأ الخبر بذم أقوام ، فكان فيما ذمهم به عبادتهم الطاغوت . وأما الخبر عن أن الطاغوت قد عبد ، فليس من نوع الخبر الذي ابتدأ به الآية ، ولا من جنس ما ختمها به ، فيكون له وجه يوجه إليه في الصحة . وذكر أن بريدة الأسلمي كان يقرؤه : ( وعابد الطاغوت ) . 12229 - حدثني بذلك المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا شيخ بصري : أن بريدة كان يقرؤه كذلك . ولو قرئ ذلك : ( وعبد الطاغوت ) ، بالكسر ، كان له مخرج في العربية صحيح ، وإن لم أستجز اليوم القراءة بها ، إذ كانت قراءة الحجة من القرأة بخلافها . ووجه جوازها في العربية ، أن يكون مرادا بها "وعبدة الطاغوت " ، ثم حذفت " الهاء " للإضافة ، كما قال الراجز : قام ولاها فسقوه صرخدا يريد : قام ولاتها ، فحذف"التاء " من"ولاتها " للإضافة . قال أبو جعفر : وأما قراءة القرأة ، فبأحد الوجهين اللذين بدأت بذكرهما ، [ ص: 442 ] وهو : ( وعبد الطاغوت ) ، بنصب"الطاغوت " وإعمال "عبد " فيه ، وتوجيه"عبد " إلى أنه فعل ماض من"العبادة" . والآخر : ( وعبد الطاغوت ) ، على مثال"فعل " ، وخفض"الطاغوت " بإضافة"عبد " إليه . فإذ كانت قراءة القرأة بأحد هذين الوجهين دون غيرهما من الأوجه التي هي أصح مخرجا في العربية منهما ، فأولاهما بالصواب من القراءة ، قراءة من قرأ ذلك ( وعبد الطاغوت ) ، بمعنى : وجعل منهم القردة والخنازير ومن عبد الطاغوت ، لأنه ذكر أن ذلك في قراءة أبي بن كعب وابن مسعود : ( وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت ) ، بمعنى : والذين عبدوا الطاغوت ففي ذلك دليل واضح على صحة المعنى الذي ذكرنا من أنه مراد به : ومن عبد الطاغوت ، وأن النصب ب"الطاغوت " أولى ، على ما وصفت في القراءة ، لإعمال "عبد " فيه ، إذ كان الوجه الآخر غير مستفيض في العرب ولا معروف في كلامها . على أن أهل العربية يستنكرون إعمال شيء في"من " و"الذي " المضمرين مع"من " و"في " إذا كفت"من " أو"في " منهما ويستقبحونه ، حتى كان بعضهم يحيل ذلك ولا يجيزه . وكان الذي يحيل ذلك يقرؤه : ( وعبد الطاغوت ) ، فهو على قوله خطأ ولحن غير جائز . وكان آخرون منهم يستجيزونه على قبح . فالواجب على قولهم أن تكون القراءة بذلك قبيحة . وهم مع استقباحهم ذلك في الكلام ، قد اختاروا القراءة بها ، وإعمال و"جعل " في"من " ، وهي محذوفة مع"من" . ولو كنا نستجيز مخالفة الجماعة في شيء مما جاءت به مجمعة عليه ، لاخترنا القراءة بغير هاتين القراءتين ، غير أن ما جاء به المسلمون مستفيضا فيهم لا يتناكرونه ، فلا نستجيز الخروج منه إلى غيره . فلذلك لم نستجز القراءة بخلاف إحدى القراءتين [ ص: 443 ] اللتين ذكرنا أنهم لم يعدوهما . وإذ كانت القراءة عندنا ما ذكرنا ، فتأويل الآية : قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله ، من لعنه الله وغضب عليه ، وجعل منهم القردة والخنازير ، ومن عبد الطاغوت . وقد بينا معنى"الطاغوت " فيما مضى بشواهده من الروايات وغيرها ، فأغنى ذلك عن إعادته ههنا . وأما قوله : " أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل " ، فإنه يعني بقوله : "أولئك " ، هؤلاء الذين ذكرهم تعالى ذكره ، وهم الذين وصف صفتهم فقال : " من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت " ، وكل ذلك من صفة اليهود من بني إسرائيل . يقول تعالى ذكره : هؤلاء الذين هذه صفتهم " شر مكانا " ، في عاجل الدنيا والآخرة عند الله ممن نقمتم عليهم يا معشر اليهود إيمانهم بالله ، وبما أنزل إليهم من عند الله من الكتاب ، وبما أنزل إلى من قبلهم من الأنبياء " وأضل عن سواء السبيل " ، يقول تعالى ذكره : وأنتم مع ذلك ، أيها اليهود ، أشد أخذا على غير الطريق القويم ، وأجور عن سبيل الرشد والقصد منهم . قال أبو جعفر : وهذا من لحن الكلام . وذلك أن الله تعالى ذكره إنما [ ص: 444 ] قصد بهذا الخبر إخبار اليهود الذين وصف صفتهم في الآيات قبل هذه ، بقبيح فعالهم وذميم أخلاقهم ، واستيجابهم سخطه بكثرة ذنوبهم ومعاصيهم ، حتى مسخ بعضهم قردة وبعضهم خنازير ، خطابا منه لهم بذلك ، تعريضا بالجميل من الخطاب ، ولحن لهم بما عرفوا معناه من الكلام بأحسن اللحن ، وعلم نبيه صلى الله عليه وسلم من الأدب أحسنه فقال له : قل لهم ، يا محمد ، أهؤلاء المؤمنون بالله وبكتبه الذين تستهزئون منهم شر ، أم من لعنه الله؟ وهو يعني المقول ذلك لهم . القول في تأويل قوله ( وإذا جاءوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به والله أعلم بما كانوا يكتمون ( 61 ) ) قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : وإذا جاءكم ، أيها المؤمنون ، هؤلاء المنافقون من اليهود قالوا لكم : "آمنا" : أي صدقنا بما جاء به نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم واتبعناه على دينه ، وهم مقيمون على كفرهم وضلالتهم ، قد دخلوا عليكم بكفرهم الذي يعتقدونه بقلوبهم ويضمرونه في صدورهم ، وهم يبدون كذبا التصديق لكم بألسنتهم"وقد خرجوا به " ، يقول : وقد خرجوا بالكفر من عندكم كما دخلوا به عليكم ، لم يرجعوا بمجيئهم إليكم عن كفرهم وضلالتهم ، يظنون أن ذلك من فعلهم يخفى على الله ، جهلا منهم بالله"والله أعلم بما كانوا يكتمون " ، يقول : والله أعلم بما كانوا - عند قولهم لكم بألسنتهم : "آمنا بالله وبمحمد وصدقنا بما جاء [ ص: 445 ] به" - يكتمون منهم ، بما يضمرونه من الكفر ، بأنفسهم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 12230 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " وإذا جاءوكم قالوا آمنا " الآية ، أناس من اليهود ، كانوا يدخلون على النبي صلى الله عليه وسلم فيخبرونه أنهم مؤمنون راضون بالذي جاء به ، وهم متمسكون بضلالتهم والكفر . وكانوا يدخلون بذلك ويخرجون به من عند نبي الله صلى الله عليه وسلم . 12231 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : " وإذا جاءوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به " ، قال : هؤلاء ناس من المنافقين كانوا يهود . يقول : دخلوا كفارا ، وخرجوا كفارا . 12232 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " وإذا جاءوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به " ، وإنهم دخلوا وهم يتكلمون بالحق ، وتسر قلوبهم الكفر ، فقال : " دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به " . 12233 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : " وإذا جاءوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به " ( وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون ولا تؤمنوا ) [ ص: 446 ] ، [ سورة آل عمران : 72 ] . فإذا رجعوا إلى كفارهم من أهل الكتاب وشياطينهم ، رجعوا بكفرهم . وهؤلاء أهل الكتاب من يهود . 12234 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عبد الله بن كثير : " وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به " ، أي : إنه من عندهم . القول في تأويل قوله ( وترى كثيرا منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون ( 62 ) ) قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : " وترى " يا محمد "كثيرا " ، من هؤلاء اليهود الذين قصصت عليك نبأهم من بني إسرائيل" يسارعون في الإثم والعدوان " ، يقول : يعجلون بمواقعة الإثم . وقيل : إن "الإثم " في هذا الموضع ، معني به الكفر . 12235 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي في قوله : " وترى كثيرا منهم يسارعون في الإثم والعدوان " ، قال : "الإثم " ، الكفر . 12236 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " وترى كثيرا منهم يسارعون في الإثم والعدوان " ، وكان هذا في حكام اليهود بين أيديكم . [ ص: 447 ] 12237 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : " يسارعون في الإثم والعدوان " ، قال : هؤلاء اليهود " لبئس ما كانوا يعملون " ( لولا ينهاهم الربانيون ) ، إلى قوله : ( لبئس ما كانوا يصنعون ) ، قال : "يصنعون " و"يعملون " واحد . قال : لهؤلاء حين لم ينهوا ، كما قال لهؤلاء حين عملوا . قال : وذلك الإدهان . قال أبو جعفر : وهذا القول الذي ذكرناه عن السدي ، وإن كان قولا غير مدفوع جواز صحته ، فإن الذي هو أولى بتأويل الكلام : أن يكون القوم موصوفين بأنهم يسارعون في جميع معاصي الله ، لا يتحاشون من شيء منها ، لا من كفر ولا من غيره . لأن الله تعالى ذكره عم في وصفهم بما وصفهم به من أنهم يسارعون في الإثم والعدوان ، من غير أن يخص بذلك إثما دون إثم . وأما " العدوان " ، فإنه مجاوزة الحد الذي حده الله لهم في كل ما حده لهم . وتأويل ذلك : أن هؤلاء اليهود الذين وصفهم في هذه الآيات بما وصفهم به تعالى ذكره ، يسارع كثير منهم في معاصي الله وخلاف أمره ، ويتعدون حدوده التي حد لهم فيما أحل لهم وحرم عليهم ، في أكلهم " السحت " وذلك الرشوة التي يأخذونها من الناس على الحكم بخلاف حكم الله فيهم . يقول الله تعالى ذكره : " لبئس ما كانوا يعملون " ، يقول : أقسم لبئس العمل ما كان هؤلاء اليهود يعملون ، في مسارعتهم في الإثم والعدوان ، وأكلهم السحت . [ ص: 448 ] القول في تأويل قوله ( لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون ( 63 ) ) قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : هلا ينهى هؤلاء الذين يسارعون في الإثم والعدوان وأكل الرشى في الحكم ، من اليهود من بني إسرائيل ، ربانيوهم وهم أئمتهم المؤمنون ، وساستهم العلماء بسياستهم ، وأحبارهم وهم علماؤهم وقوادهم "عن قولهم الإثم " يعني : عن قول الكذب والزور ، وذلك أنهم كانوا يحكمون فيهم بغير حكم الله ، ويكتبون كتبا بأيديهم ثم يقولون : "هذا من حكم الله ، وهذا من كتبه" . يقول الله : ( فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون ) [ سورة البقرة : 79 ] . وأما قوله : " وأكلهم السحت " ، فإنه يعني به الرشوة التي كانوا يأخذونها على حكمهم بغير كتاب الله لمن حكموا له به . وقد بينا معنى"الربانيين " و"الأحبار " ومعنى"السحت " ، بشواهد ذلك فيما مضى ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . " لبئس ما كانوا يصنعون " ، وهذا قسم من الله أقسم به ، يقول تعالى ذكره : أقسم : لبئس الصنيع كان يصنع هؤلاء الربانيون والأحبار ، في تركهم نهي الذين يسارعون منهم في الإثم والعدوان وأكل السحت ، عما كانوا يفعلون من ذلك . [ ص: 449 ] وكان العلماء يقولون : ما في القرآن آية أشد توبيخا للعلماء من هذه الآية ، ولا أخوف عليهم منها . 12238 - حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا عبد الله بن داود قال ، حدثنا سلمة بن نبيط ، عن الضحاك بن مزاحم في قوله : " لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم " قال : ما في القرآن آية أخوف عندي منها : أنا لا ننهى . 12239 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا ابن عطية قال ، حدثنا قيس ، عن العلاء بن المسيب ، عن خالد بن دينار ، عن ابن عباس قال : ما في القرآن آية أشد توبيخا من هذه الآية : ( لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون ) قال : كذا قرأ . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 12240 - حدثنا هناد قال ، حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سلمة بن نبيط ، عن الضحاك : " لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت " [ قال : "الربانيون والأحبار " ، فقهاؤهم وقراؤهم وعلماؤهم . قال : ثم يقول الضحاك : وما أخوفني من هذه الآية! ] . [ ص: 450 ] 12241 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون " ، يعني : الربانيين ، أنهم : لبئس ما كانوا يصنعون . القول في تأويل قوله ( وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء ) قال أبو جعفر : وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن جرأة اليهود على ربهم ، ووصفهم إياه بما ليس من صفته ، توبيخا لهم بذلك ، وتعريفا منه نبيه صلى الله عليه وسلم قديم جهلهم واغترارهم به ، وإنكارهم جميع جميل أياديه عندهم ، وكثرة صفحه عنهم وعفوه عن عظيم إجرامهم واحتجاجا لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بأنه له نبي مبعوث ورسول مرسل : أن كانت هذه الأنباء التي أنبأهم بها كانت من خفي علومهم ومكنونها التي لا يعلمها إلا أحبارهم وعلماؤهم دون غيرهم من اليهود ، فضلا عن الأمة الأمية من العرب الذين لم يقرأوا كتابا ، ووعوا من علوم أهل الكتاب علما ، فأطلع الله على ذلك نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم ، ليقرر عندهم صدقه ، ويقطع بذلك حجتهم . https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء العاشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة الحلقة (562) صــ 451 إلى صــ 465 يقول تعالى ذكره : "وقالت اليهود " ، من بني إسرائيل"يد الله مغلولة " ، يعنون : أن خير الله ممسك وعطاؤه محبوس عن الاتساع عليهم ، كما قال تعالى [ ص: 451 ] ذكره في تأديب نبيه صلى الله عليه وسلم : ( ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط ) [ سورة الإسراء : 29 ] . وإنما وصف تعالى ذكره"اليد " بذلك ، والمعنى العطاء ، لأن عطاء الناس وبذل معروفهم الغالب بأيديهم . فجرى استعمال الناس في وصف بعضهم بعضا ، إذا وصفوه بجود وكرم ، أو ببخل وشح وضيق ، بإضافة ما كان من ذلك من صفة الموصوف إلى يديه ، كما قال الأعشى في مدح رجل : يداك يدا مجد ، فكف مفيدة وكف إذا ما ضن بالزاد تنفق فأضاف ما كان صفة صاحب اليد من إنفاق وإفادة إلى"اليد" . ومثل ذلك من كلام العرب في أشعارها وأمثالها أكثر من أن يحصى . فخاطبهم الله بما يتعارفونه ويتحاورونه بينهم في كلامهم فقال : " وقالت اليهود يد الله مغلولة " ، يعني بذلك : أنهم قالوا : إن الله يبخل علينا ، ويمنعنا فضله فلا يفضل كالمغلولة يده الذي لا يقدر أن يبسطها بعطاء ولا بذل معروف ، تعالى الله عما قالوا ، أعداء الله! [ ص: 452 ] فقال الله مكذبهم ومخبرهم بسخطه عليهم : "غلت أيديهم " ، يقول : أمسكت أيديهم عن الخيرات ، وقبضت عن الانبساط بالعطيات" ولعنوا بما قالوا " ، وأبعدوا من رحمة الله وفضله بالذي قالوا من الكفر ، وافتروا على الله ووصفوه به من الكذب والإفك "بل يداه مبسوطتان " ، يقول : بل يداه مبسوطتان بالبذل والإعطاء وأرزاق عباده وأقوات خلقه ، غير مغلولتين ولا مقبوضتين "ينفق كيف يشاء " ، يقول : يعطي هذا ، ويمنع هذا فيقتر عليه . وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 12242 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا " ، قال : ليس يعنون بذلك أن يد الله موثقة ، ولكنهم يقولون : إنه بخيل أمسك ما عنده ، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا . 12243 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : " يد الله مغلولة " ، قالوا : لقد تجهدنا الله يا بني إسرائيل ، حتى [ ص: 453 ] جعل الله يده إلى نحره! وكذبوا ! 12244 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " يد الله مغلولة " ، قال : اليهود تقوله : لقد تجهدنا الله يا بني إسرائيل ويا أهل الكتاب ، حتى إن يده إلى نحره " بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء " . 12245 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا " إلى " والله لا يحب المفسدين " ، أما قوله : " يد الله مغلولة " ، قالوا : الله بخيل غير جواد! قال الله : " بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء " . 12246 - حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء " ، قالوا : إن الله وضع يده على صدره ، فلا يبسطها حتى يرد علينا ملكنا . وأما قوله : " ينفق كيف يشاء " ، يقول : يرزق كيف يشاء . 12247 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال ، قال عكرمة : " وقالت اليهود يد الله مغلولة " الآية ، نزلت في فنحاص اليهودي . 12248 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا أبو تميلة ، عن عبيد بن سليمان ، عن الضحاك بن مزاحم قوله : " يد الله مغلولة " ، يقولون : إنه [ ص: 454 ] بخيل ليس بجواد ! قال الله : " غلت أيديهم " ، أمسكت أيديهم عن النفقة والخير . ثم قال يعني نفسه : " بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء " . وقال : ( ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ) [ سورة الإسراء : 29 ] ، يقول : لا تمسك يدك عن النفقة . قال أبو جعفر : واختلف أهل الجدل في تأويل قوله : " بل يداه مبسوطتان " . فقال بعضهم : عنى بذلك : نعمتاه . وقال : ذلك بمعنى : " يد الله على خلقه " ، وذلك نعمه عليهم . وقال : إن العرب تقول : " لك عندي يد " ، يعنون بذلك : نعمة . وقال آخرون منهم : عنى بذلك القوة . وقالوا : ذلك نظير قول الله تعالى ذكره : ( واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي ) [ سورة ص : 45 ] . وقال آخرون منهم : بل"يده " ، ملكه . وقال : معنى قوله : " وقالت اليهود يد الله مغلولة " ، ملكه وخزائنه . قالوا : وذلك كقول العرب للمملوك : "هو ملك يمينه " ، و"فلان بيده عقدة نكاح فلانة " ، أي يملك ذلك ، وكقول الله تعالى ذكره : ( فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ) ، [ سورة المجادلة : 12 ] . وقال آخرون منهم : بل"يد الله " صفة من صفاته ، هي يد ، غير أنها ليست بجارحة كجوارح بني آدم . قالوا : وذلك أن الله تعالى ذكره أخبر عن خصوصه آدم بما خصه به من خلقه إياه بيده . [ ص: 455 ] قالوا : ولو كان [ معنى"اليد " ، النعمة ، أو القوة ، أو الملك ، ما كان لخصوصه ] آدم بذلك وجه مفهوم ، إذ كان جميع خلقه مخلوقين بقدرته ، ومشيئته في خلقه نعمة ، وهو لجميعهم مالك . قالوا : وإذ كان تعالى ذكره قد خص آدم بذكره خلقه إياه بيده دون غيره من عباده ، كان معلوما أنه إنما خصه بذلك لمعنى به فارق غيره من سائر الخلق . قالوا : وإذا كان ذلك كذلك ، بطل قول من قال : معنى"اليد " من الله ، القوة والنعمة أو الملك ، في هذا الموضع . قالوا : وأحرى أن ذلك لو كان كما قال الزاعمون أن : "يد الله " في قوله : " وقالت اليهود يد الله مغلولة " ، هي نعمته ، لقيل : "بل يده مبسوطة " ، ولم يقل : "بل يداه " ، لأن نعمة الله لا تحصى كثرة . وبذلك جاء التنزيل ، يقول الله تعالى : ( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ) [ سورة إبراهيم : 34\ وسورة النحل : 18 ] قالوا : ولو كانت نعمتين ، كانتا محصاتين . قالوا : فإن ظن ظان أن النعمتين بمعنى النعم الكثيرة ، فذلك منه خطأ ، وذلك أن العرب قد تخرج الجميع بلفظ الواحد لأداء الواحد عن جميع جنسه ، وذلك كقول الله تعالى ذكره : ( والعصر إن الإنسان لفي خسر ) [ سورة العصر : 1 ، 2 ] وكقوله ( لقد خلقنا الإنسان ) ، [ سورة الحجر : 26 ] وقوله : ( وكان الكافر على ربه ظهيرا ) [ سورة الفرقان : 55 ] ، قال : فلم يرد ب"الإنسان " و"الكافر " في هذه الأماكن إنسان بعينه ، ولا كافر مشار إليه حاضر ، بل عني به جميع الإنس وجميع الكفار ، ولكن الواحد أدى عن جنسه ، كما تقول العرب : [ ص: 456 ] "ما أكثر الدرهم في أيدي الناس " ، وكذلك قوله : ( وكان الكافر ) معناه : وكان الذين كفروا . قالوا : فأما إذا ثني الاسم ، فلا يؤدي عن الجنس ، ولا يؤدي إلا عن اثنين بأعيانهما دون الجميع ودون غيرهما . قالوا : وخطأ في كلام العرب أن يقال : "ما أكثر الدرهمين في أيدي الناس " ، بمعنى : ما أكثر الدراهم في أيديهم . قالوا : وذلك أن الدرهم إذا ثني لا يؤدي في كلامها إلا عن اثنين بأعيانهما . قالوا : وغير محال : "ما أكثر الدرهم في أيدي الناس " ، و"ما أكثر الدراهم في أيديهم " ، لأن الواحد يؤدي عن الجميع . قالوا : ففي قول الله تعالى : " بل يداه مبسوطتان " ، مع إعلامه عباده أن نعمه لا تحصى ، مع ما وصفنا من أنه غير معقول في كلام العرب أن اثنين يؤديان عن الجميع ما ينبئ عن خطأ قول من قال : معنى"اليد " ، في هذا الموضع ، النعمة ، وصحة قول من قال : إن"يد الله " ، هي له صفة . قالوا : وبذلك تظاهرت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال به العلماء وأهل التأويل . القول في تأويل قوله ( وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا ) قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : إن هذا الذي أطلعناك عليه من خفي أمور هؤلاء اليهود ، مما لا يعلمه إلا علماؤهم وأحبارهم ، [ ص: 457 ] احتجاجا عليهم لصحة نبوتك ، وقطعا لعذر قائل منهم أن يقول : " ما جاءنا من بشير ولا نذير " : " ليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا " . يعني ب"الطغيان" : الغلو في إنكار ما قد علموا صحته من نبوة محمد صلى الله عليه وسلم والتمادي في ذلك " وكفرا " ، يقول : ويزيدهم مع غلوهم في إنكار ذلك ، جحودهم عظمة الله ووصفهم إياه بغير صفته ، بأن ينسبوه إلى البخل ، ويقولوا : "يد الله مغلولة" . وإنما أعلم تعالى ذكره نبيه صلى الله عليه وسلم أنهم أهل عتو وتمرد على ربهم ، وأنهم لا يذعنون لحق وإن علموا صحته ، ولكنهم يعاندونه ، يسلي بذلك نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم عن الموجدة بهم في ذهابهم عن الله ، وتكذيبهم إياه . وقد بينت معنى"الطغيان " فيما مضى بشواهده ، بما أغنى عن إعادته . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 12249 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : " وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا " ، حملهم حسد محمد صلى الله عليه وسلم والعرب على أن كفروا به ، وهم يجدونه مكتوبا عندهم . [ ص: 458 ] القول في تأويل قوله ( وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة ) قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة " ، بين اليهود والنصارى ، كما : - 12250 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة " ، اليهود والنصارى . فإن قال قائل : وكيف قيل : " وألقينا بينهم العداوة والبغضاء " ، جعلت "الهاء والميم " في قوله : "بينهم " ، كناية عن اليهود والنصارى ، ولم يجر لليهود والنصارى ذكر؟ قيل : قد جرى لهم ذكر ، وذلك قوله : ( لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ) ، [ سورة المائدة : 51 ] ، جرى الخبر في بعض الآي عن الفريقين ، وفي بعض عن أحدهما ، إلى أن انتهى إلى قوله : " وألقينا بينهم العداوة والبغضاء " ، ثم قصد بقوله : "ألقينا بينهم " ، الخبر عن الفريقين . القول في تأويل قوله ( كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ) قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : كلما جمع أمرهم على شيء فاستقام واستوى ، فأرادوا مناهضة من ناوأهم ، شتته الله عليهم وأفسده لسوء فعالهم وخبث نياتهم ، كالذي : - [ ص: 459 ] 12251 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : ( لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا ثم رددنا لكم الكرة عليهم ) [ سورة الإسراء : 4 - 6 ] ، قال : كان الفساد الأول ، فبعث الله عليهم عدوا فاستباحوا الديار ، واستنكحوا النساء ، واستعبدوا الولدان ، وخربوا المسجد . فغبروا زمانا ، ثم بعث الله فيهم نبيا وعاد أمرهم إلى أحسن ما كان . ثم كان الفساد الثاني بقتلهم الأنبياء ، حتى قتلوا يحيى بن زكريا ، فبعث الله عليهم بختنصر ، فقتل من قتل منهم ، وسبى من سبى ، وخرب المسجد . فكان بختنصر الفساد الثاني قال : و"الفساد " ، المعصية ثم قال ، ( فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة ) إلى قوله : ( وإن عدتم عدنا ) [ سورة الإسراء : 7 ، 8 ] فبعث الله لهم عزيرا ، وقد كان علم التوراة وحفظها في صدره وكتبها لهم . فقام بها ذلك القرن ، ولبثوا فنسوا . ومات عزير ، وكانت أحداث ، ونسوا العهد وبخلوا ربهم ، وقالوا : " يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء " ، وقالوا في عزير : "إن الله اتخذه ولدا " ، وكانوا يعيبون ذلك على النصارى في قولهم في المسيح ، فخالفوا ما نهوا عنه ، وعملوا بما كانوا يكفرون عليه ، فسبق من الله كلمة عند ذلك أنهم لن يظهروا على عدو آخر الدهر ، فقال : " كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين " ، فبعث الله عليهم المجوس الثالثة أربابا ، فلم يزالوا كذلك والمجوس [ ص: 460 ] على رقابهم ، وهم يقولون : "يا ليتنا أدركنا هذا النبي الذي نجده مكتوبا عندنا ، عسى الله أن يفكنا به من المجوس والعذاب الهون"! فبعث محمدا صلى الله عليه وسلم واسمه " محمد " ، واسمه في الإنجيل " أحمد " فلما جاءهم وعرفوا ، كفروا به ، قال : ( فلعنة الله على الكافرين ) [ سورة البقرة : 89 ] ، وقال : ( فباءوا بغضب على غضب ) ، [ سورة البقرة : 90 ] . 12252 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله " ، هم اليهود . 12253 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : " كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا " ، أولئك أعداء الله اليهود ، كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ، فلن تلقى اليهود ببلد إلا وجدتهم من أذل أهله . لقد جاء الإسلام حين جاء ، وهم تحت أيدي المجوس أبغض خلقه إليه . 12254 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي قوله : " كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله " ، قال : كلما أجمعوا أمرهم على شيء فرقه الله ، وأطفأ حدهم ونارهم ، وقذف في قلوبهم الرعب . [ ص: 461 ] وقال مجاهد بما : - 12255 - حدثني القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قوله : " كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله " ، قال : حرب محمد صلى الله عليه وسلم . القول في تأويل قوله ( ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين ( 64 ) ) قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : ويعمل هؤلاء اليهود والنصارى بمعصية الله ، فيكفرون بآياته ويكذبون رسله ، ويخالفون أمره ونهيه ، وذلك سعيهم فيها بالفساد " والله لا يحب المفسدين " ، يقول : والله لا يحب من كان عاملا بمعاصيه في أرضه . القول في تأويل قوله ( ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم ( 65 ) ) قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : "ولو أن أهل الكتاب " ، وهم اليهود والنصارى "آمنوا " بالله وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، فصدقوه واتبعوه وما أنزل عليه"واتقوا " ما نهاهم الله عنه فاجتنبوه"لكفرنا عنهم سيئاتهم " ، يقول : محونا عنهم ذنوبهم فغطينا عليها ، ولم نفضحهم بها "ولأدخلناهم [ ص: 462 ] جنات النعيم " ، يقول : ولأدخلناهم بساتين ينعمون فيها في الآخرة . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 12256 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا " ، يقول : آمنوا بما أنزل الله ، واتقوا ما حرم الله ، "لكفرنا عنهم سيئاتهم" . القول في تأويل قوله ( ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ) قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل " ، ولو أنهم عملوا بما في التوراة والإنجيل "وما أنزل إليهم من ربهم " ، يقول : وعملوا بما أنزل إليهم من ربهم من الفرقان الذي جاءهم به محمد صلى الله عليه وسلم . فإن قال قائل : وكيف يقيمون التوراة والإنجيل وما أنزل إلى محمد صلى الله عليه وسلم ، مع اختلاف هذه الكتب ، ونسخ بعضها بعضا؟ قيل : إنها وإن كانت كذلك في بعض أحكامها وشرائعها ، فهي متفقة في الأمر بالإيمان برسل الله ، والتصديق بما جاءت به من عند الله . فمعنى إقامتهم التوراة والإنجيل وما أنزل إلى محمد صلى الله عليه وسلم : تصديقهم بما فيها ، والعمل [ ص: 463 ] بما هي متفقة فيه ، وكل واحد منها في الحين الذي فرض العمل به . وأما معنى قوله : " لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم " ، فإنه يعني : لأنزل الله عليهم من السماء قطرها ، فأنبتت لهم به الأرض حبها ونباتها ، فأخرج ثمارها . وأما قوله : " ومن تحت أرجلهم " ، فإنه يعني تعالى ذكره : لأكلوا من بركة ما تحت أقدامهم من الأرض ، وذلك ما تخرجه الأرض من حبها ونباتها وثمارها ، وسائر ما يؤكل مما تخرجه الأرض . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 12257 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : " ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم " ، يعني : لأرسل السماء عليهم مدرارا"ومن تحت أرجلهم " ، تخرج الأرض بركتها . 12258 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : " ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم " ، يقول : إذا لأعطتهم السماء بركتها والأرض نباتها . 12259 - حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : " ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم " ، يقول : لو عملوا بما أنزل إليهم [ ص: 464 ] مما جاءهم به محمد صلى الله عليه وسلم ، لأنزلنا عليهم المطر ، فلأنبت الثمر . 12260 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم " ، أما"إقامتهم التوراة " ، فالعمل بها وأما"ما أنزل إليهم من ربهم " ، فمحمد صلى الله عليه وسلم وما أنزل عليه . يقول : " لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم " ، أما"من فوقهم " ، فأرسلت عليهم مطرا ، وأما"من تحت أرجلهم " ، يقول : لأنبت لهم من الأرض من رزقي ما يغنيهم . 12261 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قوله : " لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم " ، قال : بركات السماء والأرض قال ابن جريج : "لأكلوا من فوقهم " ، المطر "ومن تحت أرجلهم " ، من نبات الأرض . 12262 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " من فوقهم ومن تحت أرجلهم " ، يقول : لأكلوا من الرزق الذي ينزل من السماء"ومن تحت أرجلهم " ، يقول : من الأرض . وكان بعضهم يقول إنما أريد بقوله : " لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم " ، التوسعة ، كما يقول القائل : "هو في خير من قرنه إلى قدمه" . وتأويل أهل التأويل بخلاف ما ذكرنا من هذا القول ، وكفى بذلك شهيدا على فساده . [ ص: 465 ] القول في تأويل قوله ( منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون ( 66 ) ) قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : "منهم أمة " ، منهم جماعة "مقتصدة " ، يقول : مقتصدة في القول في عيسى ابن مريم ، قائلة فيه الحق أنه رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ، لا غالية قائلة : إنه ابن الله ، تعالى الله عما قالوا من ذلك ، ولا مقصرة قائلة : هو لغير رشدة"وكثير منهم " ، يعني : من بني إسرائيل من أهل الكتاب اليهود والنصارى "ساء ما يعملون " ، يقول : كثير منهم سيئ عملهم ، وذلك أنهم يكفرون بالله ، فتكذب النصارى بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وتزعم أن المسيح ابن الله وتكذب اليهود بعيسى وبمحمد صلى الله عليهما . فقال الله تعالى فيهم ذاما لهم : "ساء ما يعملون " ، في ذلك من فعلهم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 12264 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "منهم أمة مقتصدة " ، وهم مسلمة أهل الكتاب"وكثير منهم ساء ما يعملون" . https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء العاشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة الحلقة (563) صــ 466 إلى صــ 480 12265 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل قال ، حدثنا عبد الله بن كثير ، أنه سمع مجاهدا يقول : تفرقت بنو إسرائيل فرقا ، فقالت [ ص: 466 ] فرقة : " عيسى هو ابن الله " ، وقالت فرقة : " هو الله " ، وقالت فرقة : "هو عبد الله وروحه " ، وهي المقتصدة ، وهي مسلمة أهل الكتاب . 12266 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال الله : " منهم أمة مقتصدة " ، يقول : على كتابه وأمره . ثم ذم أكثر القوم فقال : "وكثير منهم ساء ما يعملون " . 12267 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : "منهم أمة مقتصدة " ، يقول : مؤمنة . 12268 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : " منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون " قال : المقتصدة ، أهل طاعة الله . قال : وهؤلاء أهل الكتاب . 12269 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس في قوله : " منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون " ، قال : فهذه الأمة المقتصدة ، الذين لا هم جفوا في الدين ولا هم غلوا . قال : و"الغلو " ، الرغبة [ عنه ] ، و"الفسق " ، التقصير عنه . [ ص: 467 ] القول في تأويل قوله ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين ( 67 ) ) قال أبو جعفر : وهذا أمر من الله تعالى ذكره نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم ، بإبلاغ هؤلاء اليهود والنصارى من أهل الكتابين الذين قص تعالى ذكره قصصهم في هذه السورة ، وذكر فيها معايبهم وخبث أديانهم ، واجتراءهم على ربهم ، وتوثبهم على أنبيائهم ، وتبديلهم كتابه ، وتحريفهم إياه ، ورداءة مطاعمهم ومآكلهم ، وسائر المشركين غيرهم ، ما أنزل عليه فيهم من معايبهم ، والإزراء عليهم ، والتقصير بهم ، والتهجين لهم ، وما أمرهم به ونهاهم عنه ، وأن لا يشعر نفسه حذرا منهم أن يصيبوه في نفسه بمكروه ما قام فيهم بأمر الله ، ولا جزعا من كثرة عددهم وقلة عدد من معه ، وأن لا يتقي أحدا في ذات الله ، فإن الله تعالى ذكره كافيه كل أحد من خلقه ، ودافع عنه مكروه كل من يبغي مكروهه . وأعلمه تعالى ذكره أنه إن قصر عن إبلاغ شيء مما أنزل إليه إليهم ، فهو في تركه تبليغ ذلك وإن قل ما لم يبلغ منه فهو في عظيم ما ركب بذلك من الذنب بمنزلته لو لم يبلغ من تنزيله شيئا . وبما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : [ ص: 468 ] 12270 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته " ، يعني : إن كتمت آية مما أنزل عليك من ربك ، لم تبلغ رسالاتي . 12271 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك " ، الآية ، أخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أنه سيكفيه الناس ، ويعصمه منهم ، وأمره بالبلاغ . ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قيل له : لو احتجبت! فقال : والله لأبدين عقبي للناس ما صاحبتهم . 12272 - حدثني الحارث بن محمد قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا سفيان الثوري ، عن رجل ، عن مجاهد قال : لما نزلت : " بلغ ما أنزل إليك من ربك " ، قال : إنما أنا واحد ، كيف أصنع؟ تجمع علي الناس! فنزلت : " وإن لم تفعل فما بلغت رسالته " ، الآية . 12273 - حدثنا هناد وابن وكيع قالا : حدثنا جرير ، عن ثعلبة ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير قال : لما نزلت : " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس " ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تحرسوني ، إن ربي قد عصمني . [ ص: 469 ] 12274 - حدثني يعقوب بن إبراهيم وابن وكيع قالا : حدثنا ابن علية ، عن الجريري ، عن عبد الله بن شقيق : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتقبه ناس من أصحابه ، فلما نزلت : " والله يعصمك من الناس " ، خرج فقال : يا أيها الناس ، الحقوا بملاحقكم ، فإن الله قد عصمني من الناس . 12275 - حدثنا هناد قال ، حدثنا وكيع ، عن عاصم بن محمد ، عن محمد بن كعب القرظي قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحارسه أصحابه ، فأنزل الله تعالى ذكره : " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته " ، إلى آخرها . 12276 - حدثني المثنى قال ، حدثنا مسلم بن إبراهيم قال ، حدثنا الحارث بن عبيدة أبو قدامة الإيادي قال ، حدثنا سعيد الجريري ، عن عبد الله بن شقيق ، عن عائشة قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرس ، حتى نزلت هذه الآية : "والله يعصمك من الناس " ، قالت : فأخرج النبي صلى الله عليه وسلم رأسه من القبة فقال : "أيها الناس ، انصرفوا ، فقد عصمني الله . [ ص: 470 ] 12277 - حدثنا عمرو بن عبد الحميد قال ، حدثنا سفيان ، عن عاصم ، عن القرظي : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما زال يحرس ، حتى أنزل الله : " والله يعصمك من الناس " . واختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله نزلت هذه الآية . فقال بعضهم : نزلت بسبب أعرابي كان هم بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكفاه الله إياه . ذكر من قال ذلك : 12278 - حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا أبو معشر ، عن محمد بن كعب القرظي وغيره قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل منزلا اختار له أصحابه شجرة ظليلة ، فيقيل تحتها . فأتاه أعرابي فاخترط سيفه ثم قال من يمنعك مني؟ قال : الله! فرعدت يد الأعرابي وسقط السيف منه ، قال : وضرب برأسه الشجرة حتى انتثر دماغه ، فأنزل الله : " والله يعصمك من الناس " . [ ص: 471 ] وقال آخرون : بل نزلت لأنه كان يخاف قريشا ، فأومن من ذلك . ذكر من قال ذلك : 12279 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يهاب قريشا ، فلما نزلت : " والله يعصمك من الناس " ، استلقى ثم قال : "من شاء فليخذلني مرتين أو ثلاثا . 12280 - حدثنا هناد قال ، حدثنا وكيع ، عن ابن أبي خالد ، عن عامر ، عن مسروق قال ، قالت عائشة : من حدثك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتم شيئا من الوحي فقد كذب! ثم قرأت : " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك " ، الآية . 12281 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا جرير ، عن المغيرة ، عن الشعبي قال ، قالت عائشة : من قال إن محمدا صلى الله عليه وسلم كتم ، فقد كذب وأعظم الفرية على الله! قال الله تعالى ذكره : " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك " الآية . 12282 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا ابن علية قال : أخبرنا داود بن أبي هند ، عن الشعبي ، عن مسروق قال ، قالت عائشة : من زعم أن محمدا صلى الله عليه وسلم كتم شيئا من كتاب الله ، فقد أعظم على الله الفرية! والله يقول : " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك " ، الآية . 12283 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني الليث قال ، حدثني خالد ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن محمد بن الجهم ، [ ص: 472 ] عن مسروق بن الأجدع قال : دخلت على عائشة يوما فسمعتها تقول : لقد أعظم الفرية من قال إن محمدا كتم شيئا من الوحي! والله يقول : " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك " . ويعني بقوله : " والله يعصمك من الناس " ، يمنعك من أن ينالوك بسوء . وأصله من "عصام القربة " ، وهو ما توكى به من سير وخيط ، ومنه قول الشاعر : وقلت : عليكم مالكا ، إن مالكا سيعصمكم ، إن كان في الناس عاصم يعني : يمنعكم . وأما قوله : " إن الله لا يهدي القوم الكافرين " ، فإنه يعني : إن الله لا يوفق للرشد من حاد عن سبيل الحق ، وجار عن قصد السبيل ، وجحد ما جئته به من عند الله ، ولم ينته إلى أمر الله وطاعته فيما فرض عليه وأوجبه . [ ص: 473 ] القول في تأويل قوله ( قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم ) قال أبو جعفر : وهذا أمر من الله تعالى ذكره نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بإبلاغ اليهود والنصارى الذين كانوا بين ظهراني مهاجره . يقول تعالى ذكره له : "قل " ، يا محمد ، لهؤلاء اليهود والنصارى "يا أهل الكتاب " ، التوراة والإنجيل "لستم على شيء " ، مما تدعون أنكم عليه مما جاءكم به موسى صلى الله عليه وسلم ، معشر اليهود ، ولا مما جاءكم به عيسى ، معشر النصارى "حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم " ، مما جاءكم به محمد صلى الله عليه وسلم من الفرقان ، فتعملوا بذلك كله ، وتؤمنوا بما فيه من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وتصديقه ، وتقروا بأن كل ذلك من عند الله ، فلا تكذبوا بشيء منه ، ولا تفرقوا بين رسل الله فتؤمنوا ببعض وتكفروا ببعض ، فإن الكفر بواحد من ذلك كفر بجميعه ، لأن كتب الله يصدق بعضها بعضا ، فمن كذب ببعضها فقد كذب بجميعها . وبنحو الذي قلنا في ذلك جاء الأثر . 12284 - حدثنا هناد بن السري وأبو كريب قالا : حدثنا يونس بن بكير قال ، حدثنا محمد بن إسحاق قال ، حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم رافع بن حارثة وسلام بن مشكم ، ومالك بن الصيف ، ورافع بن حريملة ، فقالوا : يا محمد ، ألست تزعم أنك على ملة إبراهيم ودينه ، [ ص: 474 ] وتؤمن بما عندنا من التوراة ، وتشهد أنها من الله حق ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "بلى ، ولكنكم أحدثتم وجحدتم ما فيها مما أخذ عليكم من الميثاق ، وكتمتم منها ما أمرتم أن تبينوه للناس ، وأنا بريء من أحداثكم! قالوا : فإنا نأخذ بما في أيدينا ، فإنا على الحق والهدى ، ولا نؤمن بك ، ولا نتبعك ! فأنزل الله تعالى ذكره : " قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم " إلى : "فلا تأس على القوم الكافرين" . 12285 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : " قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم " ، قال : فقد صرنا من أهل الكتاب"التوراة " ، لليهود ، و"الإنجيل " ، للنصارى ، "وما أنزل إليكم من ربكم " ، وما أنزل إلينا من ربنا أي : "لستم على شيء حتى تقيموا " ، حتى تعملوا بما فيه . القول في تأويل قوله ( وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا فلا تأس على القوم الكافرين ( 68 ) ) قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا " ، وأقسم : ليزيدن كثيرا من هؤلاء اليهود والنصارى الذين قص قصصهم في هذه الآيات ، الكتاب الذي أنزلته إليك ، يا محمد "طغيانا " ، يقول : تجاوزا وغلوا في التكذيب لك ، على ما كانوا عليه لك من ذلك قبل نزول [ ص: 475 ] الفرقان " وكفرا " يقول : وجحودا لنبوتك . وقد آتينا على البيان عن معنى"الطغيان " ، فيما مضى قبل . وأما قوله : "فلا تأس على القوم الكافرين " ، يعني بقوله : "فلا تأس " ، فلا تحزن . يقال : " آسى فلان على كذا " ، إذا حزن"يأسى أسى " ، ، ومنه قول الراجز : وانحلبت عيناه من فرط الأسى يقول تعالى ذكره لنبيه : لا تحزن ، يا محمد ، على تكذيب هؤلاء الكفار من اليهود والنصارى من بني إسرائيل لك ، فإن مثل ذلك منهم عادة وخلق في أنبيائهم ، فكيف فيك؟ وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . [ ص: 476 ] ذكر من قال ذلك : 12286 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : " وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا " ، قال : الفرقان ، يقول : فلا تحزن . 12287 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي قوله : " فلا تأس على القوم الكافرين " ، قال : لا تحزن . القول في تأويل قوله ( إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ( 69 ) ) قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : إن الذين صدقوا الله ورسوله ، وهم أهل الإسلام"والذين هادوا " ، وهم اليهود والصابئون " ، وقد بينا أمرهم " والنصارى من آمن منهم بالله واليوم الآخر " ، فصدق بالبعث بعد الممات " وعمل " ، من العمل"صالحا " لمعاده"فلا خوف عليهم " ، فيما قدموا عليه من أهوال القيامة"ولا هم يحزنون " ، على ما خلفوا وراءهم من الدنيا وعيشها ، بعد معاينتهم ما أكرمهم الله به من جزيل ثوابه . [ ص: 477 ] وقد بينا وجه الإعراب فيه فيما مضى قبل ، بما أغنى عن إعادته . القول في تأويل قوله ( لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون ( 70 ) ) قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : أقسم : لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل على الإخلاص في توحيدنا ، والعمل بما أمرناهم به ، والانتهاء عما نهيناهم عنه وأرسلنا إليهم بذلك رسلا ووعدناهم على ألسن رسلنا إليهم على العمل بطاعتنا الجزيل من الثواب ، وأوعدناهم على العمل بمعصيتنا الشديد من العقاب كلما جاءهم رسول لنا بما لا تشتهيه نفوسهم ولا يوافق محبتهم ، كذبوا منهم فريقا ، ويقتلون منهم فريقا ، نقضا لميثاقنا الذي أخذناه عليهم ، وجرأة علينا وعلى خلاف أمرنا . [ ص: 478 ] القول في تأويل قوله ( وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا وصموا ثم تاب الله عليهم ثم عموا وصموا كثير منهم والله بصير بما يعملون ( 71 ) ) قال أبو جعفر : يقول تعالى : وظن هؤلاء الإسرائيليون الذين وصف تعالى ذكره صفتهم : أنه أخذ ميثاقهم : وأنه أرسل إليهم رسلا وأنهم كانوا كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم كذبوا فريقا وقتلوا فريقا أن لا يكون من الله لهم ابتلاء واختبار بالشدائد من العقوبات بما كانوا يفعلون " فعموا وصموا " ، يقول : فعموا عن الحق والوفاء بالميثاق الذي أخذته عليهم ، من إخلاص عبادتي ، والانتهاء إلى أمري ونهيي ، والعمل بطاعتي ، بحسبانهم ذلك وظنهم "وصموا " عنه ثم تبت عليهم . يقول : ثم هديتهم بلطف مني لهم حتى أنابوا ورجعوا عما كانوا عليه من معاصي وخلاف أمري والعمل بما أكرهه منهم ، إلى العمل بما أحبه ، والانتهاء إلى طاعتي وأمري ونهيي " ثم عموا وصموا كثير منهم " ، يقول : ثم عموا أيضا عن الحق والوفاء بميثاقي الذي أخذته عليهم : من العمل بطاعتي ، والانتهاء [ ص: 479 ] إلى أمري ، واجتناب معاصي "وصموا كثير منهم " ، يقول : عمي كثير من هؤلاء الذين كنت أخذت ميثاقهم من بني إسرائيل ، باتباع رسلي والعمل بما أنزلت إليهم من كتبي عن الحق وصموا ، بعد توبتي عليهم ، واستنقاذي إياهم من الهلكة "والله بصير بما يعملون " ، يقول"بصير " ، فيرى أعمالهم خيرها وشرها ، فيجازيهم يوم القيامة بجميعها ، إن خيرا فخيرا ، وإن شرا فشرا . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 12288 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " وحسبوا ألا تكون فتنة " ، الآية ، يقول : حسب القوم أن لا يكون بلاء "فعموا وصموا " ، كلما عرض بلاء ابتلوا به ، هلكوا فيه . 12289 - حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : " وحسبوا أن لا تكون فتنة فعموا وصموا " ، يقول : حسبوا أن لا يبتلوا ، فعموا عن الحق وصموا . 12290 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن مبارك ، عن الحسن : " وحسبوا أن لا تكون فتنة " ، قال : بلاء . 12291 - حدثنا المثنى قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس : " وحسبوا أن لا تكون فتنة " ، قال : الشرك . 12292 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " وحسبوا أن لا تكون فتنة فعموا وصموا " ، قال : اليهود . [ ص: 480 ] 12293 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : " فعموا وصموا " ، قال : يهود قال ابن جريج ، عن عبد الله بن كثير قال : هذه الآية لبني إسرائيل . قال : و"الفتنة " ، البلاء والتمحيص . القول في تأويل قوله ( لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يابني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار ( 72 ) ) قال أبو جعفر : وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن بعض ما فتن به الإسرائيليين الذين أخبر عنهم أنهم حسبوا أن لا تكون فتنة . يقول تعالى ذكره : فكان مما ابتليتهم واختبرتهم به ، فنقضوا فيه ميثاقي ، وغيروا عهدي الذي كنت أخذته عليهم بأن لا يعبدوا سواي ، ولا يتخذوا ربا غيري ، وأن يوحدوني ، وينتهوا إلى طاعتي ، عبدي عيسى ابن مريم ، فإني خلقته ، وأجريت على يده نحو الذي أجريت على يد كثير من رسلي ، فقالوا كفرا منهم : "هو الله" . وهذا قول اليعقوبية من النصارى عليهم غضب الله . https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء العاشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة الحلقة (564) صــ 481 إلى صــ 495 يقول الله تعالى ذكره : فلما اختبرتهم وابتليتهم بما ابتليتهم به ، أشركوا بي ، وقالوا لخلق من خلقي ، وعبد مثلهم من عبيدي ، وبشر نحوهم معروف نسبه وأصله ، مولود من البشر ، يدعوهم إلى توحيدي ، ويأمرهم بعبادتي وطاعتي ، [ ص: 481 ] ويقر لهم بأني ربه وربهم ، وينهاهم عن أن يشركوا بي شيئا : "هو إلههم " ، جهلا منهم بالله وكفرا به ، ولا ينبغي لله أن يكون والدا ولا مولودا . ويعني بقوله : " وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم " ، يقول : اجعلوا العبادة والتذلل للذي له يذل كل شيء ، وله يخضع كل موجود "ربي وربكم " ، يقول : مالكي ومالككم ، وسيدي وسيدكم ، الذي خلقني وإياكم "إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة " ، أن يسكنها في الآخرة"ومأواه النار " ، يقول : ومرجعه ومكانه - الذي يأوي إليه ويصير في معاده ، من جعل لله شريكا في عبادته - نار جهنم "وما للظالمين " ، يقول : وليس لمن فعل غير ما أباح الله له ، وعبد غير الذي له عبادة الخلق "من أنصار " ، ينصرونه يوم القيامة من الله ، فينقذونه منه إذا أورده جهنم . القول في تأويل قوله ( لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم ( 73 ) ) قال أبو جعفر : وهذا أيضا خبر من الله تعالى ذكره عن فريق آخر من الإسرائيليين الذين وصف صفتهم في الآيات قبل : أنه لما ابتلاهم بعد حسبانهم أنهم لا يبتلون ولا يفتنون ، قالوا كفرا بربهم وشركا : "الله ثالث ثلاثة" . [ ص: 482 ] وهذا قول كان عليه جماهير النصارى قبل افتراق اليعقوبية والملكية والنسطورية . كانوا فيما بلغنا يقولون : "الإله القديم جوهر واحد يعم ثلاثة أقانيم : أبا والدا غير مولود ، وابنا مولودا غير والد ، وزوجا متتبعة بينهما" . يقول الله تعالى ذكره ، مكذبا لهم فيما قالوا من ذلك : "وما من إله إلا إله واحد " ، يقول : ما لكم معبود ، أيها الناس ، إلا معبود واحد ، وهو الذي ليس بوالد لشيء ولا مولود ، بل هو خالق كل والد ومولود"وإن لم ينتهوا عما يقولون " ، يقول : إن لم ينتهوا قائلو هذه المقالة عما يقولون من قولهم : "الله ثالث ثلاثة " "ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم " ، يقول : ليمسن الذين يقولون هذه المقالة ، والذين يقولون المقالة الأخرى : "هو المسيح ابن مريم " ، لأن الفريقين كلاهما كفرة مشركون ، فلذلك رجع في الوعيد بالعذاب إلى العموم ، ولم يقل : "ليمسنهم عذاب أليم " ، لأن ذلك لو قيل كذلك ، صار الوعيد من الله تعالى ذكره خاصا لقائل القول الثاني ، وهم القائلون : "الله ثالث ثلاثة " ، ولم يدخل فيهم القائلون : "المسيح هو الله" . فعم بالوعيد تعالى ذكره كل كافر ، ليعلم المخاطبون بهذه الآيات أن وعيد الله قد شمل كلا الفريقين من بني إسرائيل ، ومن كان من الكفار على مثل الذي هم عليه . فإن قال قائل : وإن كان الأمر على ما وصفت ، فعلى من عادت"الهاء والميم " اللتان في قوله : "منهم"؟ قيل : على بني إسرائيل . [ ص: 483 ] فتأويل الكلام ، إذ كان الأمر على ما وصفنا : وإن لم ينته هؤلاء الإسرائيليون عما يقولون في الله من عظيم القول ، ليمسن الذين يقولون منهم : "إن المسيح هو الله " ، والذين يقولون : "إن الله ثالث ثلاثة " ، وكل كافر سلك سبيلهم عذاب أليم ، بكفرهم بالله . وقد قال جماعة من أهل التأويل بنحو قولنا ، في أنه عنى بهذه الآيات النصارى . ذكر من قال ذلك : 12294 - حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : " لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة " ، قال : قالت النصارى : "هو والمسيح وأمه " ، فذلك قول الله تعالى : ( أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ) [ سورة المائدة : 116 ] . 12295 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال ، قال مجاهد : " لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة " ، نحوه . القول في تأويل قوله ( أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم ( 74 ) ) قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : أفلا يرجع هذان الفريقان الكافران القائل أحدهما : "إن الله هو المسيح ابن مريم " ، والآخر القائل : "إن الله ثالث ثلاثة " عما قالا من ذلك ، ويتوبان مما قالا ونطقا به من كفرهما ، ويسألان [ ص: 484 ] ربهما المغفرة مما قالا "والله غفور " ، لذنوب التائبين من خلقه ، المنيبين إلى طاعته بعد معصيتهم"رحيم " بهم ، في قبوله توبتهم ومراجعتهم إلى ما يحب مما يكره ، فيصفح بذلك من فعلهم عما سلف من إجرامهم قبل ذلك . القول في تأويل قوله ( ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام ) قال أبو جعفر : وهذا [ خبر ] من الله تعالى ذكره ، احتجاجا لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم على فرق النصارى في قولهم في المسيح . يقول مكذبا لليعقوبية في قيلهم : "هو الله " والآخرين في قيلهم : "هو ابن الله " : ليس القول كما قال هؤلاء الكفرة في المسيح ، ولكنه ابن مريم ولدته ولادة الأمهات أبناءهن ، وذلك من صفة البشر لا من صفة خالق البشر ، وإنما هو لله رسول كسائر رسله الذين كانوا قبله فمضوا وخلوا ، أجرى على يده ما شاء أن يجريه عليها من الآيات والعبر ، حجة له على صدقه ، وعلى أنه لله رسول إلى من أرسله إليه من خلقه ، كما أجرى على أيدي من قبله من الرسل من الآيات والعبر ، حجة لهم على حقيقة صدقهم في أنهم لله رسل "وأمه صديقة " ، يقول تعالى ذكره وأم المسيح صديقة . [ ص: 485 ] و"الصديقة" " الفعيلة " ، من "الصدق " ، وكذلك قولهم : "فلان صديق " ، "فعيل " من"الصدق " ، ومنه قوله تعالى ذكره : ( والصديقين والشهداء ) . [ سورة النساء : 70 ] . وقد قيل إن " أبا بكر الصديق " رضي الله عنه إنما قيل له : "الصديق " لصدقه . وقد قيل : إنما سمي"صديقا " ، لتصديقه النبي صلى الله عليه وسلم في مسيره في ليلة واحدة إلى بيت المقدس من مكة ، وعوده إليها . وقوله : "كانا يأكلان الطعام " ، خبر من الله تعالى ذكره عن المسيح وأمه : أنهما كانا أهل حاجة إلى ما يغذوهما وتقوم به أبدانهما من المطاعم والمشارب كسائر البشر من بني آدم ، فإن من كان كذلك ، فغير كائن إلها ، لأن المحتاج إلى الغذاء قوامه بغيره . وفي قوامه بغيره وحاجته إلى ما يقيمه ، دليل واضح على عجزه . والعاجز لا يكون إلا مربوبا لا ربا . القول في تأويل قوله ( انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون ( 75 ) ) قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : انظر يا محمد ، كيف نبين لهؤلاء الكفرة من اليهود والنصارى "الآيات " ، وهي الأدلة ، والأعلام والحجج على بطول ما يقولون في أنبياء الله ، وفي فريتهم على الله ، وادعائهم له ولدا ، وشهادتهم لبعض خلقه بأنه لهم رب وإله ، ثم لا يرتدعون عن كذبهم وباطل قيلهم ، ولا ينزجرون عن فريتهم على ربهم وعظيم جهلهم ، مع ورود الحجج القاطعة عذرهم عليهم . يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه [ ص: 486 ] وسلم : "ثم انظر " ، يا محمد "أنى يؤفكون " ، يقول : ثم انظر ، مع تبييننا لهم آياتنا على بطول قولهم ، أي وجه يصرفون عن بياننا الذي نبينه لهم؟ وكيف عن الهدى الذي نهديهم إليه من الحق يضلون؟ والعرب تقول لكل مصروف عن شيء : "هو مأفوك عنه" . يقال : "قد أفكت فلانا عن كذا " ، أي : صرفته عنه ، "فأنا آفكه أفكا ، وهو مأفوك" . و"قد أفكت الأرض " ، إذا صرف عنها المطر . القول في تأويل قوله ( قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا والله هو السميع العليم ( 76 ) ) قال أبو جعفر : وهذا أيضا احتجاج من الله تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم على النصارى القائلين في المسيح ما وصف من قيلهم فيه قبل . يقول تعالى ذكره لمحمد صلى الله عليه وسلم : "قل " ، يا محمد ، لهؤلاء الكفرة من النصارى ، الزاعمين أن المسيح ربهم ، والقائلين إن الله ثالث ثلاثة : أتعبدون سوى الله الذي يملك ضركم ونفعكم ، وهو الذي خلقكم ورزقكم ، وهو يحييكم ويميتكم شيئا لا يملك لكم ضرا ولا نفعا؟ يخبرهم تعالى ذكره أن المسيح الذي زعم من زعم من النصارى أنه إله ، والذي زعم من زعم منهم أنه لله ابن ، لا يملك لهم ضرا يدفعه عنهم إن أحله الله بهم ، ولا نفعا يجلبه إليهم إن لم يقضه الله لهم . يقول تعالى ذكره : فكيف يكون ربا وإلها من كانت هذه صفته؟ بل الرب [ ص: 487 ] المعبود : الذي بيده كل شيء ، والقادر على كل شيء . فإياه فاعبدوا وأخلصوا له العبادة ، دون غيره من العجزة الذين لا ينفعونكم ولا يضرون . وأما قوله : "والله هو السميع العليم " فإنه يعني تعالى ذكره بذلك : " والله هو السميع " ، لاستغفارهم لو استغفروه من قيلهم ما أخبر عنهم أنهم يقولونه في المسيح ، ولغير ذلك من منطقهم ومنطق خلقه " العليم " ، بتوبتهم لو تابوا منه ، وبغير ذلك من أمورهم . القول في تأويل قوله ( قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل ( 77 ) ) قال أبو جعفر : وهذا خطاب من الله تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم . يقول تعالى ذكره : "قل " ، يا محمد ، لهؤلاء الغالية من النصارى في المسيح "يا أهل الكتاب " ، يعني ب"الكتاب " ، الإنجيل "لا تغلوا في دينكم " ، يقول : لا تفرطوا في القول فيما تدينون به من أمر المسيح ، فتجاوزوا فيه الحق إلى الباطل ، فتقولوا فيه : "هو الله " ، أو : "هو ابنه " ، ولكن قولوا : "هو عبد الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه" " ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا " ، يقول : ولا تتبعوا أيضا في المسيح أهواء اليهود الذين قد ضلوا قبلكم عن سبيل الهدى في القول فيه ، فتقولون فيه كما قالوا : "هو لغير رشدة " ، وتبهتوا أمه كما بهتوها [ ص: 488 ] بالفرية وهي صديقة "وأضلوا كثيرا " ، يقول تعالى ذكره : وأضل هؤلاء اليهود كثيرا من الناس ، فحادوا بهم عن طريق الحق ، وحملوهم على الكفر بالله والتكذيب بالمسيح "وضلوا عن سواء السبيل " ، يقول : وضل هؤلاء اليهود عن قصد الطريق ، وركبوا غير محجة الحق . وإنما يعني تعالى ذكره بذلك ، كفرهم بالله ، وتكذيبهم رسله : عيسى ومحمدا صلى الله عليه وسلم ، وذهابهم عن الإيمان وبعدهم منه . وذلك كان ضلالهم الذي وصفهم الله به . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 12296 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : " وضلوا عن سواء السبيل " ، قال : يهود . 12297 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : " لا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا " ، فهم أولئك الذين ضلوا وأضلوا أتباعهم"وضلوا عن سواء السبيل " ، عن عدل السبيل . [ ص: 489 ] القول في تأويل قوله ( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ( 78 ) ) قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، قل لهؤلاء النصارى الذين وصف تعالى ذكره صفتهم : لا تغلوا فتقولوا في المسيح غير الحق ، ولا تقولوا فيه ما قالت اليهود الذين قد لعنهم الله على لسان أنبيائه ورسله ، داود وعيسى ابن مريم . وكان لعن الله إياهم على ألسنتهم ، كالذي : - 12298 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم " قال : لعنوا بكل لسان : لعنوا على عهد موسى في التوراة ، ولعنوا على عهد داود في الزبور ، ولعنوا على عهد عيسى في الإنجيل ، ولعنوا على عهد محمد صلى الله عليه وسلم في القرآن . 12299 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم " ، يقول : لعنوا في الإنجيل على لسان عيسى ابن مريم ، ولعنوا في الزبور على لسان داود . 12300 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن فضيل ، عن أبيه ، عن خصيف ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : " لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم " ، قال : خالطوهم بعد النهي في تجاراتهم ، [ ص: 490 ] فضرب الله قلوب بعضهم ببعض ، فهم ملعونون على لسان داود وعيسى ابن مريم . 12301 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا جرير ، عن حصين ، عن مجاهد : " لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم " ، قال : لعنوا على لسان داود فصاروا قردة ، ولعنوا على لسان عيسى فصاروا خنازير . 12302 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال ، قال ابن عباس ، قوله : " لعن الذين كفروا من بني إسرائيل " ، بكل لسان لعنوا : على عهد موسى في التوراة ، وعلى عهد داود في الزبور ، وعلى عهد عيسى في الإنجيل ، ولعنوا على لسان محمد صلى الله عليه وسلم في القرآن قال ابن جريج : وقال آخرون : " لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود " ، على عهده ، فلعنوا بدعوته . قال : مر داود على نفر منهم وهم في بيت فقال : من في البيت؟ قالوا : خنازير . قال : "اللهم اجعلهم خنازير! " فكانوا خنازير . قال : ثم أصابتهم لعنته ، ودعا عليهم عيسى فقال : "اللهم العن من افترى علي وعلى أمي ، واجعلهم قردة خاسئين"! 12303 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " لعن الذين كفروا من بني إسرائيل " الآية ، لعنهم الله على لسان داود في زمانه ، فجعلهم قردة خاسئين وفي الإنجيل على لسان عيسى ، فجعلهم خنازير . 12304 - حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع قال ، حدثنا أبو محصن حصين بن نمير ، عن حصين يعني : ابن عبد الرحمن ، عن أبي مالك قال : " لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود " ، قال : مسخوا على لسان داود قردة ، وعلى لسان عيسى خنازير . https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء العاشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة الحلقة (565) صــ 496 إلى صــ 510 [ ص: 491 ] 12305 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا حصين ، عن أبي مالك ، مثله . 12306 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي ، عن العلاء بن المسيب ، عن عبد الله بن عمرو بن مرة ، عن سالم الأفطس ، عن أبي عبيدة ، عن ابن مسعود قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الرجل من بني إسرائيل كان إذا رأى أخاه على الذنب نهاه عنه تعذيرا ، فإذا كان من الغد لم يمنعه ما رأى منه أن يكون أكيله وخليطه وشريبه . فلما رأى ذلك منهم ضرب بقلوب بعضهم على بعض ، ولعنهم على لسان نبيهم داود وعيسى ابن مريم "ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون " ، قال : والذي نفسي بيده ، لتأمرن بالمعروف ، ولتنهون عن المنكر ، ولتأخذن على يدي المسيء ، ولتؤطرنه على الحق أطرا ، أو ليضربن الله قلوب بعضكم على بعض ، وليلعننكم كما لعنهم . [ ص: 492 ] 12307 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا الحكم بن بشير بن سلمان قال ، حدثنا عمرو بن قيس الملائي ، عن علي بن بذيمة ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله قال : لما فشا المنكر في بني إسرائيل ، جعل الرجل يلقى الرجل فيقول : يا هذا ، اتق الله! ثم لا يمنعه ذلك أن يؤاكله ويشاربه . فلما رأى الله ذلك منهم ، ضرب بقلوب بعضهم على بعض ، ثم أنزل فيهم كتابا : " لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون " . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئا ، فجلس وقال : كلا والذى نفسي بيده ، حتى تأطروا الظالم على الحق أطرا" . [ ص: 493 ] 12308 - حدثنا علي بن سهل الرملي قال ، حدثنا المؤمل بن إسماعيل قال ، حدثنا سفيان قال ، حدثنا علي بن بذيمة ، عن أبي عبيدة ، أظنه عن مسروق ، عن عبد الله قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن بني إسرائيل لما ظهر منهم المنكر ، جعل الرجل يرى أخاه وجاره وصاحبه على المنكر ، فينهاه ، ثم لا يمنعه ذلك من أن يكون أكيله وشريبه ونديمه ، فضرب الله قلوب بعضهم على بعض ، ولعنوا على لسان داود وعيسى ابن مريم "ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون " ، إلى"فاسقون " ، قال عبد الله : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئا ، فاستوى جالسا ، فغضب وقال : لا والله ، حتى تأخذوا على يدي الظالم فتأطروه على الحق أطرا . 12309 - حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا ابن مهدي قال ، حدثنا سفيان ، عن علي بن بذيمة ، عن أبي عبيدة قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن بني إسرائيل لما وقع فيهم النقص ، كان الرجل يرى أخاه على الريب فينهاه عنه ، فإذا كان الغد ، لم يمنعه ما رأى منه أن يكون أكيله وشريبه وخليطه ، فضرب الله قلوب بعضهم ببعض ، ونزل فيهم القرآن فقال : " لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم " حتى بلغ"ولكن كثيرا منهم فاسقون " ، [ ص: 494 ] قال : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئا فجلس ، وقال : لا حتى تأخذوا على يدي الظالم فتأطروه على الحق أطرا . 12310 - حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا أبو داود قال : أملاه علي قال ، حدثنا محمد بن أبي الوضاح ، عن علي بن بذيمة ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله . 12311 - حدثنا هناد بن السري قال ، حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن علي بن بذيمة قال : سمعت أبا عبيدة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر نحوه غير أنهما قالا في حديثهما : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئا فاستوى جالسا ، ثم قال : كلا والذي نفسي بيده حتى تأخذوا على يدي الظالم فتأطروه على الحق أطرا" . [ ص: 495 ] 12312 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : " لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم " ، قال فقال : لعنوا في الإنجيل وفي الزبور وقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن رحى الإيمان قد دارت ، فدوروا مع القرآن حيث دار [ فإنه . . . قد فرغ الله مما افترض فيه ] . [ وإن ابن مرح ] كان أمة من بني إسرائيل ، كانوا أهل عدل ، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، فأخذه قومهم فنشروهم بالمناشير ، وصلبوهم على الخشب ، وبقيت منهم بقية ، فلم يرضوا حتى داخلوا الملوك وجالسوهم ، ثم لم يرضوا حتى واكلوهم ، فضرب الله تلك القلوب بعضها ببعض فجعلها واحدة . فذلك قول الله تعالى : " لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود " إلى : "ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون " ، ماذا كانت معصيتهم؟ قال : " كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون " . فتأويل الكلام إذا : لعن الله الذين كفروا من اليهود بالله على لسان داود وعيسى ابن مريم ، ولعن والله آباؤهم على لسان داود وعيسى ابن مريم ، بما عصوا الله فخالفوا أمره " وكانوا يعتدون " ، يقول : وكانوا يتجاوزون حدوده . [ ص: 496 ] القول في تأويل قوله ( كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ( 79 ) ) قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : كان هؤلاء اليهود الذين لعنهم الله " لا يتناهون " ، يقول : لا ينتهون عن منكر فعلوه ، ولا ينهى بعضهم بعضا . ويعني ب"المنكر " ، المعاصي التي كانوا يعصون الله بها . فتأويل الكلام : كانوا لا ينتهون عن منكر أتوه " لبئس ما كانوا يفعلون" . وهذا قسم من الله تعالى ذكره يقول : أقسم : لبئس الفعل كانوا يفعلون ، في تركهم الانتهاء عن معاصي الله تعالى ذكره ، وركوب محارمه ، وقتل أنبياء الله ورسله ، كما : - 12313 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج : " كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه ، لا تتناهى أنفسهم بعد أن وقعوا في الكفر 103 . القول في تأويل قوله ( ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون ( 80 ) ) قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : " ترى " ، يا محمد ، كثيرا من بني إسرائيل " يتولون الذين كفروا " ، يقول : يتولون المشركين من عبدة الأوثان ، [ ص: 497 ] ويعادون أولياء الله ورسله "لبئس ما قدمت لهم أنفسهم " ، يقول تعالى ذكره : أقسم : لبئس الشيء الذي قدمت لهم أنفسهم أمامهم إلى معادهم في الآخرة "أن سخط الله عليهم " ، يقول : قدمت لهم أنفسهم سخط الله عليهم بما فعلوا . و"أن " في قوله : "أن سخط الله عليهم " ، في موضع رفع ، ترجمة عن "ما " ، الذي في قوله : "لبئس ما" . "وفي العذاب هم خالدون " ، يقول : وفي عذاب الله يوم القيامة"هم خالدون " ، دائم مقامهم ومكثهم فيه . القول في تأويل قوله ( ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون ( 81 ) ) قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : ولو كان هؤلاء الذين يتولون الذين كفروا من بني إسرائيل"يؤمنون بالله والنبي " ، يقول : يصدقون الله ويقرون به ويوحدونه ، ويصدقون نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بأنه لله نبي مبعوث ، ورسول مرسل"وما أنزل إليه " ، يقول : ويقرون بما أنزل إلىمحمد صلى الله عليه وسلم من عند الله من آي الفرقان "ما اتخذوهم أولياء " ، يقول : ما اتخذوهم أصحابا وأنصارا من دون المؤمنين "ولكن كثيرا منهم فاسقون " ، يقول : ولكن كثيرا منهم أهل خروج [ ص: 498 ] عن طاعة الله إلى معصيته ، وأهل استحلال لما حرم الله عليهم من القول والفعل . وكان مجاهد يقول في ذلك بما : - 12314 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : " ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء " ، قال : المنافقون . القول في تأويل قوله ( لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون ( 82 ) ) قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : لتجدن ، يا محمد ، أشد الناس عداوة للذين صدقوك واتبعوك وصدقوا بما جئتهم به من أهل الإسلام " اليهود والذين أشركوا " ، يعني : عبدة الأوثان الذين اتخذوا الأوثان آلهة يعبدونها من دون الله " ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا " ، يقول : ولتجدن أقرب الناس مودة ومحبة . و"المودة " "المفعلة " ، من قول الرجل : "وددت كذا أوده ودا ، وودا ، وودا ومودة " ، إذا أحببته . "للذين آمنوا " ، يقول : للذين صدقوا الله ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم " الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون " ، [ ص: 499 ] عن قبول الحق واتباعه والإذعان به . وقيل : إن هذه الآية والتي بعدها نزلت في نفر قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من نصارى الحبشة ، فلما سمعوا القرآن أسلموا واتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقيل : إنها نزلت في النجاشي ملك الحبشة وأصحاب له أسلموا معه . ذكر من قال ذلك : 12315 - حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب قال ، حدثنا عبد الواحد بن زياد قال ، حدثنا خصيف ، عن سعيد بن جبير قال : بعث النجاشي وفدا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقرأ عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فأسلموا . قال : فأنزل الله تعالى فيهم : " لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا " ، إلى آخر الآية . قال : فرجعوا إلى النجاشي فأخبروه ، فأسلم النجاشي ، فلم يزل مسلما حتى مات . قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أخاكم النجاشي قد مات ، فصلوا عليه! فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ، والنجاشي ثم . 12316 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : " ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى " ، قال : هم الوفد الذين جاءوا مع جعفر وأصحابه من أرض الحبشة . 12317 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : " ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى " ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة خاف على أصحابه من المشركين ، فبعث جعفر بن أبي طالب ، وابن [ ص: 500 ] مسعود وعثمان بن مظعون ، في رهط من أصحابه إلى النجاشي ملك الحبشة . فلما بلغ ذلك المشركين ، بعثوا عمرو بن العاص في رهط منهم ، ذكر أنهم سبقوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي ، فقالوا ، إنه خرج فينا رجل سفه عقول قريش وأحلامها ، زعم أنه نبي! وإنه بعث إليك رهطا ليفسدوا عليك قومك ، فأحببنا أن نأتيك ونخبرك خبرهم . قال : إن جاءوني نظرت فيما يقولون! فقدم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأموا باب النجاشي ، فقالوا : استأذن لأولياء الله! فقال ، ائذن لهم ، فمرحبا بأولياء الله! فلما دخلوا عليه سلموا ، فقال له الرهط من المشركين : ألا ترى أيها الملك أنا صدقناك؟ لم يحيوك بتحيتك التي تحيا بها! فقال لهم : ما منعكم أن تحيوني بتحيتي ؟ فقالوا : إنا حييناك بتحية أهل الجنة وتحية الملائكة! قال لهم : ما يقول صاحبكم في عيسى وأمه؟ قال يقول : " هو عبد الله وكلمة من الله ألقاها إلى مريم وروح منه " ، ويقول في مريم : "إنها العذراء البتول" . قال : فأخذ عودا من الأرض فقال : ما زاد عيسى وأمه على ما قال صاحبكم قدر هذا العود! فكره المشركون قوله ، وتغيرت وجوههم . قال لهم : هل تعرفون شيئا مما أنزل عليكم؟ قالوا : نعم! قال : اقرءوا ! فقرءوا ، وهنالك منهم قسيسون ورهبان وسائر النصارى ، فعرفت كل ما قرءوا وانحدرت دموعهم مما عرفوا من الحق . قال الله تعالى ذكره : " ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول " الآية . 12318 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثني أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : " ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى " ، الآية . قال : بعث النجاشي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنى [ ص: 501 ] عشر رجلا من الحبشة ، سبعة قسيسين وخمسة رهبانا ، ينظرون إليه ويسألونه . فلما لقوه فقرأ عليهم ما أنزل الله بكوا وآمنوا ، فأنزل الله عليه فيهم : " وأنهم لا يستكبرون وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين " ، فآمنوا ثم رجعوا إلى النجاشي ، فهاجر النجاشي معهم فمات في الطريق ، فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون واستغفروا له . 12319 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال ، قال عطاء في قوله : " ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى " الآية ، هم ناس من الحبشة آمنوا ، إذ جاءتهم مهاجرة المؤمنين . وقال آخرون : بل هذه صفة قوم كانوا على شريعة عيسى من أهل الإيمان ، فلما بعث الله تعالى ذكره نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم آمنوا به . ذكر من قال ذلك : 12320 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا " ، فقرأ حتى بلغ : "فاكتبنا مع الشاهدين " أناس من أهل الكتاب كانوا على شريعة من الحق مما جاء به عيسى ، يؤمنون به وينتهون إليه . فلما بعث الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم ، صدقوا به وآمنوا به ، وعرفوا الذي جاء به أنه الحق ، فأثنى عليهم ما تسمعون . قال أبو جعفر : والصواب في ذلك من القول عندي : أن الله تعالى وصف صفة قوم قالوا : "إنا نصارى " ، أن نبي الله صلى الله عليه وسلم يجدهم أقرب الناس ودادا لأهل الإيمان بالله ورسوله ، ولم يسم لنا أسماءهم . وقد يجوز أن يكون أريد بذلك أصحاب النجاشي ويجوز أن يكون أريد به قوم كانوا على شريعة [ ص: 502 ] عيسى ، فأدركهم الإسلام فأسلموا لما سمعوا القرآن وعرفوا أنه الحق ، ولم يستكبروا عنه . وأما قوله تعالى : " ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا " ، فإنه يقول : قربت مودة هؤلاء الذين وصف الله صفتهم للمؤمنين ، من أجل أن منهم قسيسين ورهبانا . و"القسيسون " جمع "قسيس" . وقد يجمع "القسيس " ، "قسوسا " ، لأن "القس " و"القسيس " ، بمعنى واحد . وكان ابن زيد يقول في"القسيس " بما : - 12321 - حدثنا يونس قال ، حدثنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد : "القسيس " ، عبادهم . وأما الرهبان ، فإنه يكون واحدا وجمعا . فأما إذا كان جمعا ، فإن واحدهم يكون"راهبا " ، ويكون"الراهب " ، حينئذ "فاعلا " من قول القائل : "رهب الله فلان " ، بمعنى خافه ، "يرهبه رهبا ورهبا " ، ثم يجمع"الراهب " ، "رهبان " مثل"راكب " و"ركبان " ، و"فارس " و"فرسان" . ومن الدليل على أنه قد يكون عند العرب جمعا قول الشاعر : رهبان مدين لو رأوك تنزلوا والعصم من شعف العقول الفادر [ ص: 503 ] وقد يكون"الرهبان " واحدا . وإذا كان واحدا كان جمعه"رهابين " مثل "قربان " و"قرابين " ، و"جردان" . و"جرادين" . ويجوز جمعه أيضا"رهابنة " إذا كان كذلك . ومن الدليل على أنه قد يكون عند العرب واحدا قول الشاعر : لو عاينت رهبان دير في القلل لانحدر الرهبان يمشي ونزل [ ص: 504 ] واختلف أهل التأويل في المعني بقوله : "ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا" . فقال بعضهم : عني بذلك قوم كانوا استجابوا لعيسى ابن مريم حين دعاهم ، واتبعوه على شريعته . ذكر من قال ذلك : 12321 م - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا هشيم ، عن حصين ، عمن حدثه ، عن ابن عباس في قوله : " ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا " ، قال : كانوا نواتي في البحر يعني : ملاحين قال : فمر بهم عيسى ابن مريم ، فدعاهم إلى الإسلام فأجابوه : قال : فذلك قوله : " قسيسين ورهبانا " . وقال آخرون : بل عني بذلك ، القوم الذين كان النجاشي بعثهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك : 12322 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا حكام بن سلم قال ، حدثنا عنبسة ، عمن حدثه ، عن أبي صالح في قوله : " ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا " ، قال : ستة وستون ، أو سبعة وستون ، أو ثمان وستون من الحبشة ، كلهم [ ص: 505 ] صاحب صومعة ، عليهم ثياب الصوف . 12323 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان ، عن سالم ، عن سعيد بن جبير : " ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا " ، قال : بعث النجاشي إلى النبي صلى الله عليه وسلم خمسين أو سبعين من خيارهم ، فجعلوا يبكون ، فقال : هم هؤلاء ! 12324 - حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا قيس ، عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جبير : " ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا " ، قال : هم رسل النجاشي الذين أرسل بإسلامه وإسلام قومه ، كانوا سبعين رجلا اختارهم الخير فالخير ، فدخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقرأ عليهم : ( يس والقرآن الحكيم ) [ سورة يس : 1 ، 2 ] ، فبكوا وعرفوا الحق ، فأنزل الله فيهم : " ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون " ، وأنزل فيهم : ( الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون ) إلى قوله : ( يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ) [ سورة القصص : 53 ، 54 ] . قال أبو جعفر : والصواب في ذلك من القول عندنا أن يقال : إن الله تعالى ذكره أخبر عن النفر الذين أثنى عليهم من النصارى بقرب مودتهم لأهل الإيمان بالله ورسوله ، أن ذلك إنما كان منهم لأن منهم أهل اجتهاد في العبادة ، وترهب في الديارات والصوامع ، وأن منهم علماء بكتبهم وأهل تلاوة لها ، فهم لا يبعدون من المؤمنين لتواضعهم للحق إذا عرفوه ، ولا يستكبرون عن قبوله إذا تبينوه ، لأنهم [ ص: 506 ] أهل دين واجتهاد فيه ، ونصيحة لأنفسهم في ذات الله ، وليسوا كاليهود الذين قد دربوا بقتل الأنبياء والرسل ، ومعاندة الله في أمره ونهيه ، وتحريف تنزيله الذي أنزله في كتبه . https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء العاشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة الحلقة (566) صــ 511 إلى صــ 525 القول في تأويل قوله ( وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين ( 83 ) ) قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : وإذا سمع هؤلاء الذين قالوا : "إنا نصارى " الذين وصفت لك ، يا محمد ، صفتهم أنك تجدهم أقرب الناس مودة للذين آمنوا ما أنزل إليك من الكتاب يتلى"ترى أعينهم تفيض من الدمع" . [ ص: 507 ] و"فيض العين من الدمع " ، امتلاؤها منه ، ثم سيلانه منها ، كفيض النهر من الماء ، وفيض الإناء ، وذلك سيلانه عن شدة امتلائه ، ومنه قول الأعشى : ففاضت دموعي ، فظل الشئون : إما وكيفا ، وإما انحدارا وقوله : "مما عرفوا من الحق " ، يقول : فيض دموعهم ، لمعرفتهم بأن الذي يتلى عليهم من كتاب الله الذي أنزله إلى رسول الله حق ، كما : - 12325 - حدثنا هناد بن السري قال ، حدثنا يونس بن بكير قال ، حدثنا أسباط بن نصر الهمداني ، عن إسماعيل بن عبد الرحمن السدي قال : بعث النجاشي إلى النبي صلى الله عليه وسلم اثنى عشر رجلا يسألونه ويأتونه بخبره ، فقرأ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن ، فبكوا . وكان منهم سبعة رهبان وخمسة [ ص: 508 ] قسيسين أو : خمسة رهبان ، وسبعة قسيسين فأنزل الله فيهم : " وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع " ، إلى آخر الآية . 12326 - حدثنا عمرو بن علي قال ، حدثنا عمر بن علي بن مقدم قال ، سمعت هشام بن عروة يحدث ، عن أبيه ، عن عبد الله بن الزبير قال : نزلت في النجاشي وأصحابه : " وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع " . 12327 - حدثنا هناد قال ، حدثنا عبدة بن سليمان ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه في قوله : " ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق " ، قال : ذلك في النجاشي . 12328 - حدثنا هناد وابن وكيع قالا : حدثنا أبو معاوية ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه قال : كانوا يرون أن هذه الآية أنزلت في النجاشي : " وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع " . 12329 - حدثنا هناد قال ، حدثنا يونس بن بكير قال ، قال ابن إسحاق : سألت الزهري عن الآيات : " ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع " الآية ، وقوله : ( وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ) [ سورة الفرقان : 63 ] . قال : ما زلت أسمع علماءنا يقولون : نزلت في النجاشي وأصحابه . [ ص: 509 ] وأما قوله : "يقولون " ، فإنه لو كان بلفظ اسم ، كان نصبا على الحال ، لأن معنى الكلام : وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق ، قائلين : "ربنا آمنا" . ويعني بقوله تعالى ذكره : "يقولون ربنا آمنا " ، أنهم يقولون : يا ربنا ، صدقنا لما سمعنا ما أنزلته إلى نبيك محمد صلى الله عليه وسلم من كتابك ، وأقررنا به أنه من عندك ، وأنه الحق لا شك فيه . وأما قوله : "فاكتبنا مع الشاهدين " ، فإنه روي عن ابن عباس وغيره في تأويله ، ما : - 12330 - حدثنا به هناد قال ، حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي وابن نمير جميعا ، عن إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله : " اكتبنا مع الشاهدين " ، قال : أمة محمد صلى الله عليه وسلم . 12331 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج : "فاكتبنا مع الشاهدين " ، مع أمة محمد صلى الله عليه وسلم . 12332 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : "فاكتبنا مع الشاهدين " ، يعنون ب"الشاهدين " ، محمدا صلى الله عليه وسلم وأمته . 12333 - حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قوله : " فاكتبنا مع الشاهدين " ، قال : محمد صلى الله عليه وسلم وأمته ، إنهم شهدوا أنه قد بلغ ، وشهدوا أن الرسل قد بلغت . [ ص: 510 ] 12334 - حدثنا الربيع قال ، حدثنا أسد بن موسى قال ، حدثنا يحيى بن زكريا قال ، حدثني إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، مثل حديث الحارث بن عبد العزيز غير أنه قال : وشهدوا للرسل أنهم قد بلغوا . قال أبو جعفر : فكأن متأول هذا التأويل ، قصد بتأويله هذا إلى معنى قول الله تعالى ذكره : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) [ سورة البقرة : 143 ] . فذهب ابن عباس إلى أن "الشاهدين " ، هم"الشهداء " في قوله : " لتكونوا شهداء على الناس " ، وهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم . وإذا كان التأويل ذلك ، كان معنى الكلام : " يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين " ، الذين يشهدون لأنبيائك يوم القيامة ، أنهم قد بلغوا أممهم رسالاتك . ولو قال قائل : معنى ذلك : " فاكتبنا مع الشاهدين " ، الذين يشهدون أن ما أنزلته إلى رسولك من الكتب حق كان صوابا . لأن ذلك خاتمة قوله : " وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين " ، وذلك صفة من الله تعالى ذكره لهم بإيمانهم لما سمعوا من كتاب الله ، فتكون مسألتهم أيضا الله أن يجعلهم ممن صحت عنده [ ص: 511 ] شهادتهم بذلك ، ويلحقهم في الثواب والجزاء منازلهم . ومعنى"الكتاب ، " في هذا الموضع : الجعل . يقول : فاجعلنا مع الشاهدين ، وأثبتنا معهم في عدادهم . القول في تأويل قوله ( وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين ( 84 ) ) قال أبو جعفر : وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن هؤلاء القوم الذين وصف صفتهم في هذه الآيات ، أنهم إذا سمعوا ما أنزل إلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم من كتابه ، آمنوا به وصدقوا كتاب الله ، وقالوا : "ما لنا لا نؤمن بالله " ، يقول : لا نقر بوحدانية الله"وما جاءنا من الحق " ، يقول : وما جاءنا من عند الله من كتابه وآي تنزيله ، ونحن نطمع بإيماننا بذلك أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين . يعني ب"القوم الصالحين " ، المؤمنين بالله ، المطيعين له ، الذين استحقوا من الله الجنة بطاعتهم إياه . وإنما معنى ذلك : ونحن نطمع أن يدخلنا ربنا مع أهل طاعته مداخلهم من جنته يوم القيامة ، ويلحق منازلنا بمنازلهم ، ودرجاتنا بدرجاتهم في جناته . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 12335 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال [ ص: 512 ] ابن زيد في قوله : " وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين " ، قال : "القوم الصالحون " ، رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه . القول في تأويل قوله ( فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء المحسنين ( 85 ) ) قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : فجزاهم الله بقولهم : " ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين " "جنات تجري من تحتها الأنهار " ، يعني : بساتين تجري من تحت أشجارها الأنهار"خالدين فيها " ، يقول : دائما فيها مكثهم ، لا يخرجون منها ولا يحولون عنها " وذلك جزاء المحسنين " ، يقول : وهذا الذي جزيت هؤلاء القائلين بما وصفت عنهم من قيلهم على ما قالوا ، من الجنات التي هم فيها خالدون ، جزاء كل محسن في قيله وفعله . و"إحسان المحسن " في ذلك ، أن يوحد الله توحيدا خالصا محضا لا شرك فيه ، ويقر بأنبياء الله وما جاءت به من عند الله من الكتب ، ويؤدي فرائضه ، ويجتنب معاصيه . فذلك كمال إحسان المحسنين الذين قال الله تعالى ذكره : "جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها" . [ ص: 513 ] القول في تأويل قوله ( والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم ( 86 ) ) قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : وأما الذين جحدوا توحيد الله ، وأنكروا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، وكذبوا بآيات كتابه ، فإن أولئك " أصحاب الجحيم" . يقول : هم سكانها واللابثون فيها . و"الجحيم" : ما اشتد حره من النار ، وهو"الجاحم""والجحيم" . القول في تأويل قوله ( يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ( 87 ) ) قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله ، وأقروا بما جاءهم به نبيهم صلى الله عليه وسلم أنه حق من عند الله " لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم " ، يعني ب"الطيبات " ، اللذيذات التي تشتهيها النفوس ، وتميل إليها القلوب ، فتمنعوها إياها ، كالذي فعله القسيسون والرهبان ، فحرموا على أنفسهم النساء والمطاعم الطيبة ، والمشارب اللذيذة ، وحبس في الصوامع بعضهم أنفسهم ، وساح في الأرض بعضهم . يقول تعالى ذكره : فلا تفعلوا أيها المؤمنون ، كما فعل أولئك ، ولا تعتدوا حد الله الذي حد لكم فيما أحل لكم وفيما حرم عليكم ، [ ص: 514 ] فتجاوزوا حده الذي حده ، فتخالفوا بذلك طاعته ، فإن الله لا يحب من اعتدى حده الذي حده لخلقه ، فيما أحل لهم وحرم عليهم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 12336 - حدثني أبو حصين عبد الله بن أحمد بن يونس قال ، حدثنا عبثر أبو زبيد قال ، حدثنا حصين ، عن أبي مالك في هذه الآية : " يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم " الآية ، قال : عثمان بن مظعون وأناس من المسلمين ، حرموا عليهم النساء ، وامتنعوا من الطعام الطيب ، وأراد بعضهم أن يقطع ذكره ، فنزلت هذه الآية . 12337 - حدثنا حميد بن مسعدة قال ، حدثنا يزيد بن زريع قال ، حدثني خالد الحذاء ، عن عكرمة قال : كان أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هموا بالخصاء وترك اللحم والنساء ، فنزلت هذه الآية : " يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين " . 12338 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا ابن علية ، عن خالد ، عن عكرمة : أن رجالا أرادوا كذا وكذا ، وأرادوا كذا وكذا ، وأن يختصوا ، فنزلت : " يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم " إلى قوله"الذي أنتم به مؤمنون " . 12339 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن إبراهيم : " يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم " ، قال : كانوا حرموا [ ص: 515 ] الطيب واللحم ، فأنزل الله تعالى هذا فيهم . 12340 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عبد الوهاب الثقفي قال ، حدثنا خالد ، عن عكرمة : أن أناسا قالوا : "لا نتزوج ، ولا نأكل ، ولا نفعل كذا وكذا"! فأنزل الله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين " . 12341 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، قال : أراد أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن يرفضوا الدنيا ، ويتركوا النساء ، ويترهبوا ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فغلظ فيهم المقالة ، ثم قال : إنما هلك من كان قبلكم بالتشديد ، شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم ، فأولئك بقاياهم في الديار والصوامع! اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ، وحجوا ، واعتمروا ، واستقيموا يستقم لكم . قال : ونزلت فيهم : " يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم " ، الآية . 12342 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم " ، قال : نزلت في أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، أرادوا أن يتخلوا من الدنيا ، ويتركوا النساء ويتزهدوا ، منهم علي بن أبي طالب وعثمان بن مظعون . 12343 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن زياد بن فياض ، عن أبي عبد الرحمن قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا آمركم أن تكونوا قسيسين ورهبانا " . [ ص: 516 ] 12344 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا جامع بن حماد قال ، حدثنا يزيد بن زريع ، عن سعيد ، عن قتادة في قوله : " يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم " ، الآية ، ذكر لنا أن رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رفضوا النساء واللحم ، وأرادوا أن يتخذوا الصوامع . فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ليس في ديني ترك النساء واللحم ، ولا اتخاذ الصوامع ، وخبرنا أن ثلاثة نفر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم اتفقوا ، فقال أحدهم : أما أنا فأقوم الليل لا أنام! وقال أحدهم : أما أنا فأصوم النهار فلا أفطر! وقال الآخر : أما أنا فلا آتي النساء! فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فقال : ألم أنبأ أنكم اتفقتم على كذا؟ قالوا : بلى! يا رسول الله ، وما أردنا إلا الخير! قال : لكني أقوم وأنام ، وأصوم وأفطر ، وآتي النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني وكان في بعض القراءة : ( من رغب عن سنتك فليس من أمتك وقد ضل عن سواء السبيل ) . وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال لأناس من أصحابه : إن من قبلكم شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم ، فهؤلاء إخوانهم في الدور والصوامع! اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ، وأقيموا الصلاة ، وآتوا الزكاة ، وصوموا رمضان ، وحجوا واعتمروا ، واستقيموا يستقم لكم . [ ص: 517 ] 12345 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : " يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين " ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس يوما فذكر الناس ، ثم قام ولم يزدهم على التخويف . فقال أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا عشرة ، منهم علي بن أبي طالب وعثمان بن مظعون : ما خفنا إن لم نحدث عملا! فإن النصارى قد حرموا على أنفسهم ، فنحن نحرم! فحرم بعضهم أكل اللحم والودك ، وأن يأكل بالنهار ، وحرم بعضهم النوم ، وحرم بعضهم النساء . فكان عثمان بن مظعون ممن حرم النساء ، وكان لا يدنو من أهله ولا يدنون منه . فأتت امرأته عائشة ، وكان يقال لها : "الحولاء " ، فقالت لها عائشة ومن عندها من نساء النبي صلى الله عليه وسلم : ما بالك ، يا حولاء متغيرة اللون لا تمتشطين ولا تطيبين؟ فقالت : وكيف أتطيب وأمتشط ، وما وقع علي زوجي ، ولا رفع عني ثوبا ، منذ كذا وكذا! فجعلن يضحكن من كلامها . فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن يضحكن ، فقال : ما يضحككن؟ قالت : يا رسول الله ، الحولاء ، سألتها عن أمرها فقالت : "ما رفع عني زوجي ثوبا منذ كذا وكذا"! فأرسل إليه فدعاه فقال : ما بالك يا عثمان ؟ قال : إني تركته لله لكي أتخلى للعبادة! وقص عليه أمره . وكان عثمان قد أراد أن يجب نفسه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أقسمت عليك إلا رجعت فواقعت أهلك ! فقال : يا رسول الله إني صائم ! قال : أفطر! فأفطر ، وأتى أهله . فرجعت الحولاء إلى عائشة قد اكتحلت وامتشطت وتطيبت . فضحكت عائشة ، فقالت : ما بالك يا حولاء ؟ فقالت : إنه أتاها أمس ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ ص: 518 ] ما بال أقوام حرموا النساء ، والطعام ، والنوم ؟ ألا إني أنام وأقوم ، وأفطر وأصوم ، وأنكح النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني! فنزلت : "يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا " ، يقوللعثمان : لا تجب نفسك . فإن هذا هو الاعتداء وأمرهم أن يكفروا أيمانهم ، فقال : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان " . 12346 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : " يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم " ، قال : هم رهط من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا : نقطع مذاكيرنا ، ونترك شهوات الدنيا ، ونسيح في الأرض كما تفعل الرهبان! فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل ، إليهم ، فذكر ذلك لهم فقالوا : نعم! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لكني أصوم وأفطر ، وأصلي وأنام ، وأنكح النساء ، فمن أخذ بسنتي فهو مني ، ومن لم يأخذ بسنتي فليس مني . 12347 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم " ، وذلك أن رجالا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، منهم عثمان بن مظعون ، حرموا النساء واللحم على أنفسهم ، وأخذوا الشفار ليقطعوا مذاكيرهم ، لكي تنقطع الشهوة ويتفرغوا لعبادة ربهم . فأخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما أردتم ؟ فقالوا : أردنا أن تنقطع الشهوة عنا ، ونتفرغ لعبادة ربنا ، ونلهو عن النساء! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لم أومر بذلك ، ولكني أمرت في ديني أن أتزوج النساء! فقالوا ، نطيع رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأنزل الله تعالى ذكره : " يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين " ، إلى قوله : "الذي أنتم به مؤمنون" . [ ص: 519 ] 12348 - حدثنا القاسم قال حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قال : أراد رجالا ، منهم عثمان بن مظعون وعبد الله بن عمرو ، أن يتبتلوا ، ويخصوا أنفسهم ، ويلبسوا المسوح ، فنزلت هذه الآية إلى قوله : "واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون " قال ابن جريج ، عن عكرمة : أن عثمان بن مظعون ، وعلي بن أبي طالب ، وابن مسعود ، والمقداد بن الأسود ، وسالما مولى أبي حذيفة في أصحاب ، تبتلوا فجلسوا في البيوت ، واعتزلوا النساء ، ولبسوا المسوح ، وحرموا طيبات الطعام واللباس إلا ما أكل ولبس أهل السياحة من بني إسرائيل ، وهموا بالإخصاء ، وأجمعوا لقيام الليل وصيام النهار ، فنزلت : " يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين " ، يقول : لا تسيروا بغير سنة المسلمين ، يريد : ما حرموا من النساء والطعام واللباس ، وما أجمعوا له من صيام النهار وقيام الليل ، وما هموا به من الإخصاء . فلما نزلت فيهم ، بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن لأنفسكم حقا ، وإن لأعينكم حقا! صوموا وأفطروا ، وصلوا وناموا ، فليس منا من ترك سنتنا ! فقالوا : اللهم أسلمنا واتبعنا ما أنزلت! 12349 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال ، أخبرنا ابن وهب ، عن ابن زيد في قوله : " يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم " ، قال ، قال أبي : ضاف عبد الله بن رواحة ضيفا ، فانقلب ابن رواحة ولم يتعش ، فقال [ ص: 520 ] لأهله : ما عشيته ؟ فقالت : كان الطعام قليلا فانتظرت أن تأتي ! قال : فحبست ضيفي من أجلي ! فطعامك علي حرام إن ذقته ! فقالت هي : وهو علي حرام إن ذقته إن لم تذقه! وقال الضيف : هو علي حرام إن ذقته إن لم تذوقوه ! فلما رأى ذلك قال ابن رواحة : قربي طعامك ، كلوا بسم الله! وغدا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد أحسنت ! فنزلت هذه الآية : " يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم " ، وقرأ حتى بلغ : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان " ، إذا قلت : "والله لا أذوقه " ، فذلك العقد . 12350 - حدثنا عمرو بن علي قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عثمان بن سعد قال ، حدثنا عكرمة ، عن ابن عباس : أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إني إذا أصبت من اللحم انتشرت ، وأخذتني شهوتي ، فحرمت اللحم؟ فأنزل الله تعالى ذكره : " يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين " . 12351 - حدثنا عمرو بن علي قال ، حدثنا يزيد بن زريع قال ، حدثنا خالد الحذاء ، عن عكرمة قال : هم أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 521 ] بترك النساء والخصاء ، فأنزل الله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم " الآية . واختلفوا في معنى"الاعتداء " الذي قال تعالى ذكره : " ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين " . فقال بعضهم : "الاعتداء " الذي نهى الله عنه في هذا الموضع : هو ما كان عثمان بن مظعون هم به من جب نفسه ، فنهي عن ذلك ، وقيل له : "هذا هو الاعتداء" . وممن قال ذلك السدي . 12352 - حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثني أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عنه . وقال آخرون : بل ذلك هو ما كان الجماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هموا به من تحريم النساء والطعام واللباس والنوم ، فنهوا أن يفعلوا ذلك ، وأن يستنوا بغير سنة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم . وممن قال ذلك عكرمة . 12353 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عنه . وقال بعضهم : بل ذلك نهي من الله تعالى ذكره أن يتجاوز الحلال إلى الحرام . ذكر من قال ذلك : 12354 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا المحاربي ، عن عاصم ، عن الحسن : " يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا " ، قال : لا تعتدوا إلى ما حرم عليكم . [ ص: 522 ] وقد بينا أن معنى"الاعتداء " ، تجاوز المرء ما له إلى ما ليس له في كل شيء ، فيما مضى ، بما أغنى عن إعادته . قال أبو جعفر : وإذ كان ذلك كذلك وكان الله تعالى ذكره قد عم بقوله : "لا تعتدوا " ، النهي عن العدوان كله كان الواجب أن يكون محكوما لما عمه بالعموم حتى يخصه ما يجب التسليم له . وليس لأحد أن يتعدى حد الله تعالى في شي من الأشياء مما أحل أو حرم ، فمن تعداه فهو داخل في جملة من قال تعالى ذكره : "إن الله لا يحب المعتدين" . وغير مستحيل أن تكون الآية نزلت في أمر عثمان بن مظعون والرهط الذين هموا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بما هموا به من تحريم بعض ما أحل الله لهم على أنفسهم ، ويكون مرادا بحكمها كل من كان في مثل معناهم ممن حرم على نفسه ما أحل الله له ، أو أحل ما حرم الله عليه ، أو تجاوز حدا حده الله له . وذلك أن الذين هموا بما هموا به من تحريم بعض ما أحل لهم على أنفسهم ، إنما عوتبوا على ما هموا به من تجاوزهم ما سن لهم وحد ، إلى غيره . القول في تأويل قوله ( وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون ( 88 ) ) قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره ، لهؤلاء المؤمنين الذين نهاهم أن يحرموا طيبات ما أحل الله لهم : كلوا ، أيها المؤمنون ، من رزق الله الذي رزقكم وأحله لكم ، حلالا طيبا ، كما : - [ ص: 523 ] 12355 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة : " وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا " يعني : ما أحل الله لهم من الطعام . وأما قوله : " واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون " ، فإنه يقول : وخافوا ، أيها المؤمنون ، أن تعتدوا في حدوده ، فتحلوا ما حرم عليكم ، وتحرموا ما أحل لكم ، واحذروه في ذلك أن تخالفوه ، فينزل بكم سخطه ، أو تستوجبوا به عقوبته "الذي أنتم به مؤمنون " ، يقول : الذي أنتم بوحدانيته مقرون ، وبربوبيته مصدقون . القول في تأويل قوله ( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان ) قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره ، للذين كانوا حرموا على أنفسهم الطيبات من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانوا حرموا ذلك بأيمان حلفوا بها ، فنهاهم عن تحريمها وقال لهم : لا يؤاخذكم ربكم باللغو في أيمانكم ، كما : - 12356 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال ، لما نزلت : " يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم " ، في القوم الذين كانوا حرموا النساء واللحم على أنفسهم ، قالوا : يا رسول الله ، كيف نصنع بأيماننا التي حلفنا عليها؟ فأنزل الله تعالى ذكره : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم " ، الآية . [ ص: 524 ] فهذا يدل على ما قلنا ، من أن القوم كانوا حرموا ما حرموا على أنفسهم بأيمان حلفوا بها ، فنزلت هذه الآية بسببهم . واختلفت القرأة في قراءة ذلك . فقرأته عامة قرأة الحجاز وبعض البصريين : ( ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان ) بتشديد"القاف " ، بمعنى : وكدتم الأيمان ورددتموها . وقرأه قرأة الكوفيين : ( بما عقدتم الأيمان ) بتخفيف"القاف " ، بمعنى : أوجبتموها على أنفسكم ، وعزمت عليها قلوبكم . قال أبو جعفر : وأولى القراءتين بالصواب في ذلك ، قراءة من قرأ بتخفيف"القاف" . وذلك أن العرب لا تكاد تستعمل"فعلت " في الكلام ، إلا فيما يكون فيه تردد مرة بعد مرة ، مثل قولهم : "شددت على فلان في كذا " ، إذا كرر عليه الشدة مرة بعد أخرى . فإذا أرادوا الخبر عن فعل مرة واحدة قيل : "شددت عليه " ، بالتخفيف . وقد أجمع الجميع لا خلاف بينهم : أن اليمين التي تجب بالحنث فيها الكفارة ، تلزم بالحنث في حلف مرة واحدة ، وإن لم يكررها الحالف مرات . وكان معلوما بذلك أن الله مؤاخذ الحالف العاقد قلبه على حلفه ، وإن لم يكرره ولم يردده . وإذا كان ذلك كذلك ، لم يكن لتشديد"القاف " من"عقدتم " ، وجه مفهوم . [ ص: 525 ] فتأويل الكلام إذا : لا يؤاخذكم الله ، أيها المؤمنون ، من أيمانكم بما لغوتم فيه ، ولكن يؤاخذكم بما أوجبتموه على أنفسكم منها ، وعقدت عليه قلوبكم وقد بينا اليمين التي هي "لغو " والتي الله مؤاخذ العبد بها ، والتي فيها الحنث ، والتي لا حنث فيها فيما مضى من كتابنا هذا ، فكرهنا إعادة ذلك في هذا الموضع . وأما قوله : "بما عقدتم الأيمان " ، فإن هنادا : 12357 - حدثنا قال ، حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان " ، قال : بما تعمدتم . 12358 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله . 12359 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن : " ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان " ، يقول : ما تعمدت فيه المأثم ، فعليك فيه الكفارة . https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء العاشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة الحلقة (567) صــ 526 إلى صــ 545 القول في تأويل قوله ( فكفارته إطعام عشرة مساكين ) قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في"الهاء " التي في قوله : "فكفارته " ، على ما هي عائدة ، ومن ذكر ما ؟ فقال بعضهم : هي عائدة على"ما " التي في قوله : "بما عقدتم الأيمان" . ذكر من قال ذلك : 12360 - حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا ابن أبي عدي ، عن عوف ، [ ص: 526 ] عن الحسن في هذه الآية " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم " ، قال : هو أن تحلف على الشيء وأنت يخيل إليك أنه كما حلفت وليس كذلك ، فلا يؤاخذكم الله ، فلا كفارة . ولكن المؤاخذة والكفارة ، فيما حلفت عليه على علم . 12361 - حدثنا ابن حميد وابن وكيع قالا : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مغيرة ، عن الشعبي قال : اللغو ليس فيه كفارة " ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان " ، قال : ما عقدت فيه يمينه ، فعليه الكفارة . 12362 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا حصين ، عن أبي مالك قال : الأيمان ثلاث : يمين تكفر ، ويمين لا تكفر ، ويمين لا يؤاخذ بها صاحبها . فأما اليمين التي تكفر ، فالرجل يحلف على الأمر لا يفعله ، ثم يفعله ، فعليه الكفارة . وأما اليمين التي لا تكفر : فالرجل يحلف على الأمر يتعمد فيه الكذب ، فليس فيه كفارة . وأما اليمين التي لا يؤاخذ بها صاحبها ، فالرجل يحلف على الأمر يرى أنه كما حلف عليه ، فلا يكون كذلك ، فليس عليه فيه كفارة . وهو"اللغو" . 12363 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا ابن أبي ليلى ، عن عطاء قال : قالت عائشة : لغو اليمين ، ما لم يعقد عليه الحالف قلبه . 12364 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا ابن علية قال ، حدثنا هشام قال ، حدثنا حماد ، عن إبراهيم قال : ليس في لغو اليمين كفارة . 12365 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، أخبرني يونس ، عن ابن شهاب : أن عروة حدثه : أن عائشة قالت : أيمان [ ص: 527 ] الكفارة ، كل يمين حلف فيها الرجل على جد من الأمور في غضب أو غيره : "ليفعلن ، ليتركن " ، فذلك عقد الأيمان التي فرض الله فيها الكفارة ، وقال تعالى ذكره : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان " . 12366 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، أخبرني معاوية بن صالح ، عن يحيى بن سعيد ، وعن علي بن أبي طلحة قالا ليس في لغو اليمين كفارة . 12367 - حدثنا بشر قال ، حدثنا جامع بن حماد قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن : " ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان " ، يقول : ما تعمدت فيه المأثم ، فعليك فيه الكفارة . قال ، وقال قتادة : أما اللغو ، فلا كفارة فيه . 12368 - حدثنا هناد قال ، حدثنا عبدة ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن قال : لا كفارة في لغو اليمين . 12369 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو العنقزي ، عن أسباط ، عن السدي : ليس في لغو اليمين كفارة . قال أبو جعفر : فمعنى الكلام على هذا التأويل : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان " ، فكفارة ما عقدتم منها إطعام عشرة مساكين . [ ص: 528 ] وقال آخرون : "الهاء " في قوله : "فكفارته " ، عائدة على"اللغو " ، وهي كناية عنه . قالوا : وإنما معنى الكلام : لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم إذا كفرتموه ، ولكن يؤاخذكم إذا عقدتم الأيمان فأقمتم على المضي عليه بترك الحنث ، والكفارة فيه . والإقامة على المضي عليه ، غير جائزة لكم . فكفارة اللغو منها إذا حنثتم فيه ، إطعام عشرة مساكين . ذكر من قال ذلك : 12370 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم " ، فهو الرجل يحلف على أمر ضرار أن يفعله فلا يفعله ، فيرى الذي هو خير منه ، فأمره الله أن يكفر عن يمينه ويأتي الذي هو خير وقال مرة أخرى : قوله : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم " إلى قوله : "بما عقدتم الأيمان " ، قال : واللغو من الأيمان ، هي التي تكفر ، لا يؤاخذ الله بها . ولكن من أقام على تحريم ما أحل الله له ، ولم يتحول عنه ، ولم يكفر عن يمينه ، فتلك التي يؤخذ بها . 12371 - حدثنا هناد قال ، حدثنا حفص بن غياث ، عن داود بن أبي هند ، عن سعيد بن جبير قوله : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم " ، قال : هو الذي يحلف على المعصية فلا يفي ، فيكفر . 12372 - حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا عبد الوهاب قال ، حدثنا داود ، عن سعيد بن جبير : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم " ، قال : هو [ ص: 529 ] الرجل يحلف على المعصية فلا يؤاخذه الله تعالى ذكره ، يكفر عن يمينه ، ويأتي الذي هو خير " ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان " ، الرجل يحلف على المعصية ثم يقيم عليها ، فكفارته إطعام عشرة مساكين . 12373 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا ابن علية قال ، أخبرنا داود ، عن سعيد بن جبير ، قال في لغو اليمين : هي اليمين في المعصية ، فقال : أولا تقرأ فتفهم ؟ قال : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان " . قال : فلا يؤاخذه بالإلغاء ، ولكن يؤاخذه بالتمام عليها ، قال وقال : ( ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم ) [ سورة البقرة : 224 ] . 12374 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير في قوله : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم " ، قال : هو الرجل يحلف على المعصية ، فلا يؤاخذه الله بتركها إن تركها . قلت : وكيف يصنع؟ قال : يكفر يمينه ويترك المعصية . 12375 - حدثنا هناد قال ، حدثنا أبو الأحوص ، عن مغيرة ، عن إبراهيم قال : "اللغو " ، يمين لا يؤاخذ بها صاحبها ، وفيها كفارة . 12376 - حدثني يحيى بن جعفر قال ، حدثنا يزيد بن هارون قال ، أخبرنا جويبر ، عن الضحاك في قوله : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم " ، قال : اليمين المكفرة . [ ص: 530 ] قال أبو جعفر : والذي هو أولى عندي بالصواب في ذلك ، أن تكون"الهاء " في قوله : "فكفارته " عائدة على"ما " التي في قوله : "بما عقدتم الأيمان " ، لما قدمنا فيما مضى قبل أن من لزمته في يمينه كفارة وأوخذ بها ، غير جائز أن يقال لمن قد أوخذ : "لا يؤاخذه الله باللغو" . وفي قوله تعالى : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم " ، دليل واضح أنه لا يكون مؤاخذا بوجه من الوجوه ، من أخبرنا تعالى ذكره أنه غير مؤاخذه . فإن ظن ظان أنه إنما عنى تعالى ذكره بقوله : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم " ، بالعقوبة عليها في الآخرة إذا حنثتم وكفرتم إلا أنه لا يؤاخذهم بها في الدنيا بتكفير فإن إخبار الله تعالى ذكره وأمره ونهيه في كتابه ، على الظاهر العام عندنا بما قد دللنا على صحة القول به في غير هذا الموضع ، فأغنى عن إعادته دون الباطن العام الذي لا دلالة على خصوصه في عقل ولا خبر . ولا دلالة من عقل ولا خبر أنه عنى تعالى ذكره بقوله : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم " ، بعض معاني المؤاخذة دون جميعها . وإذ كان ذلك كذلك ، وكان من لزمته كفارة في يمين حنث فيها مؤاخذا بها بعقوبة في ماله عاجلة ، كان معلوما أنه غير الذي أخبرنا تعالى ذكره أنه لا يؤاخذه بها . وإذ كان الصحيح من التأويل في ذلك ما قلنا بالذي عليه دللنا ، فمعنى الكلام إذا : لا يؤاخذكم الله أيها الناس ، بلغو من القول والأيمان ، إذا لم تتعمدوا بها معصية الله تعالى ذكره ولا خلاف أمره ، ولم تقصدوا بها إثما ، ولكن يؤاخذكم بما تعمدتم به الإثم ، وأوجبتموه على أنفسكم ، وعزمت عليه قلوبكم ، ويكفر ذلك [ ص: 531 ] عنكم ، فيغطي على سيئ ما كان منكم من كذب وزور قول ، ويمحوه عنكم فلا يتبعكم به ربكم " إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم " . القول في تأويل قوله ( من أوسط ما تطعمون أهليكم ) قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " من أوسط ما تطعمون أهليكم " ، من أعدله ، كما : - 12377 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، أخبرنا ابن جريج قال سمعت عطاء يقول في هذه الآية : " من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم " ، قال عطاء : "أوسطه " ، أعدله . واختلف أهل التأويل في معنى قوله : " من أوسط ما تطعمون أهليكم " . فقال بعضهم : معناه : من أوسط ما يطعم من أجناس الطعام الذي يقتاته أهل بلد المكفر ، أهاليهم . ذكر من قال ذلك : 12378 - حدثنا هناد قال ، أخبرنا شريك ، عن عبد الله بن حنش ، عن الأسود قال : سألته عن : " أوسط ما تطعمون أهليكم " ، قال : الخبز ، والتمر ، والزيت ، والسمن ، وأفضله اللحم . [ ص: 532 ] 12379 - حدثنا هناد قال ، حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن عبد الله بن حنش قال : سألت الأسود بن يزيد عن ذلك فقال : الخبز والتمر زاد هناد في حديثه ، والزيت . قال : وأحسبه ، الخل . 12380 - حدثنا هناد وابن وكيع قالا حدثنا أبو الأحوص ، عن عاصم الأحول ، عن ابن سيرين ، عن ابن عمر في قوله : " من أوسط ما تطعمون أهليكم " ، قال : من أوسط ما يطعم أهله : الخبز والتمر ، والخبز والسمن ، والخبز والزيت . ومن أفضل ما تطعمهم : الخبز واللحم . 12381 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا محمد بن فضيل ، عن ليث ، عن ابن سيرين ، عن ابن عمر : " من أوسط ما تطعمون أهليكم " ، الخبز واللحم ، والخبز والسمن ، والخبز والجبن ، والخبز والخل . 12382 - حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان ، عن عبد الله بن حنش ، قال : سألت الأسود بن يزيد عن " أوسط ما تطعمون أهليكم " ، قال : الخبز والتمر . 12383 - حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا يحيى قال ، حدثنا سفيان قال ، حدثنا عبد الله بن حنش قال : سألت الأسود بن يزيد ، فذكر مثله . 12384 - حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سعيد بن عبد الرحمن ، عن محمد بن سيرين ، عن عبيدة السلماني : " من أوسط ما تطعمون أهليكم " ، قال : الخبز والسمن . 12385 - حدثنا هناد قال ، حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سعيد بن عبد الرحمن ، عن ابن سيرين قال : سألت عبيدة عن ذلك ، فذكر مثله . [ ص: 533 ] 12386 - حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا أزهر قال ، أخبرنا ابن عون ، عن محمد بن سيرين ، عن عبيدة : " من أوسط ما تطعمون أهليكم " ، الخبز والسمن . 12387 - حدثنا هناد قال ، حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن يزيد بن إبراهيم ، عن ابن سيرين قال : كانوا يقولون : أفضله الخبز واللحم ، وأوسطه الخبز والسمن ، وأخسه الخبز والتمر . 12388 - حدثنا هناد قال ، حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي عن الربيع ، عن الحسن قال : خبز ولحم ، أو خبز وسمن ، أو خبز ولبن . 12389 - حدثنا هناد وابن وكيع قالا حدثنا عمر بن هارون ، عن أبي مصلح ، عن الضحاك في قوله : " من أوسط ما تطعمون أهليكم " ، قال : الخبز واللحم والمرقة . 12390 - حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا زائدة ، عن يحيى بن حيان الطائي قال : كنت عند شريح ، فأتاه رجل فقال : إني حلفت على يمين فأثمت؟ قال شريح : ما حملك على ذلك؟ قال : قدر علي ، فما أوسط ما أطعم أهلي؟ قال له شريح : الخبز والزيت ، والخل طيب . قال : فأعاد عليه ، فقال له شريح ذلك ثلاث مرار ، لا يزيده شريح على ذلك . فقال له : أرأيت إن أطعمت الخبز واللحم؟ قال : ذاك أرفع طعام أهلك وطعام الناس . [ ص: 534 ] 12391 - حدثنا هناد قال ، حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن حجاج ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث ، عن علي قال ، في كفارة اليمين : يغديهم ويعشيهم خبزا وزيتا ، أو خبزا وسمنا . أو خلا وزيتا . 12392 - حدثنا هناد وابن وكيع قالا حدثنا أبو أسامة ، عن زبرقان ، عن أبي رزين : " من أوسط ما تطعمون أهليكم " ، خبز وزيت وخل . 12393 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عبد الأعلى ، عن هشام بن محمد قال : أكلة واحدة ، خبز ولحم . قال : وهو " من أوسط ما تطعمون أهليكم " ، وإنكم لتأكلون الخبيص والفاكهة . 12394 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عبد الأعلى وحدثنا هناد قال ، حدثنا أبو أسامة عن هشام ، عن الحسن قال في كفارة اليمين : يجزيك أن تطعم عشرة مساكين أكلة واحدة ، خبزا ولحما . فإن لم تجد ، فخبزا وسمنا ولبنا . فإن لم تجد ، فخبزا وخلا وزيتا حتى يشبعوا . 12395 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن نمير ، عن زبرقان قال : سألت أبا رزين عن كفارة اليمين ما يطعم؟ قال : خبزا وخلا وزيتا : "من أوسط ما تطعمون أهليكم " ، وذلك قدر قوتهم يوما واحدا . ثم اختلف قائلو ذلك في مبلغه . فقال بعضهم : مبلغ ذلك ، نصف صاع من حنطة ، أو صاع من سائر الحبوب غيرها . ذكر من قال ذلك : 12396 - حدثنا هناد قال ، حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن عبد الله بن عمرو بن مرة ، عن أبيه ، عن إبراهيم ، عن عمر قال : إني [ ص: 535 ] أحلف على اليمين ، ثم يبدو لي ، فإذا رأيتني قد فعلت ذلك ، فأطعم عشرة مساكين ، لكل مسكين مدين من حنطة . 12397 - حدثنا هناد قال ، حدثنا أبو معاوية ويعلى ، عن الأعمش ، عن شقيق ، عن يسار بن نمير قال قال عمر : إني أحلف أن لا أعطي أقواما ، ثم يبدو لي أن أعطيهم . فإذا رأيتني فعلت ذلك ، فأطعم عني عشرة مساكين ، بين كل مسكينين صاعا من بر ، أو صاعا من تمر . 12398 - حدثنا هناد ومحمد بن العلاء قالا حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن ابن أبي ليلى ، عن عمرو بن مرة ، عن عبد الله بن سلمة ، عن علي قال : كفارة اليمين إطعام عشرة مساكين ، لكل مسكين نصف صاع من حنطة . 12399 - حدثنا هناد قال ، حدثنا أبو الأحوص ، عن مغيرة ، عن إبراهيم : " من أوسط ما تطعمون أهليكم " ، نصف صاع بر كل مسكين . [ ص: 536 ] 12400 - حدثنا هناد قال ، حدثنا حفص ، عن عبد الكريم الجزري قال : قلت لسعيد بن جبير : أجمعهم ؟ قال : لا ، أعطهم مدين مدين من حنطة ، مدا لطعامه ، ومدا لإدامه . 12401 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن عبد الكريم الجزري ، قال : قلت لسعيد ، فذكر نحوه . 12402 - حدثنا هناد قال ، حدثنا أبو زبيد ، عن حصين قال : سألت الشعبي عن كفارة اليمين فقال : مكوكين ، مكوكا لطعامه ، ومكوكا لإدامه . 12403 - حدثنا ابن وكيع ، قال ، حدثنا عبد الأعلى قال ، حدثنا هشام ، عن عطاء ، عن ابن عباس قال : لكل مسكين مدين . 12404 - حدثنا هناد قال ، حدثنا أبو أسامة ، عن هشام ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، قال : لكل مسكين مدين من بر في كفارة اليمين . 12405 - حدثنا هناد قال ، حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : مدان من طعام لكل مسكين . 12406 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا ابن علية قال ، حدثنا سعيد بن يزيد أبو مسلمة قال : سألت جابر بن زيد عن إطعام المسكين في كفارة اليمين ، فقال : أكلة . قلت : فإن الحسن يقول : مكوك بر ومكوك تمر ، فما ترى في مكوك بر؟ فقال : إن مكوك بر!! قال يعقوب قال ، ابن علية : وقال أبو مسلمة [ ص: 537 ] بيده ، كأنه يراه حسنا ، وقلب أبو بشر يده . 12407 - حدثنا هناد قال ، حدثنا أبو أسامة ، عن هشام ، عن الحسن : أنه كان يقول في كفارة اليمين : فيما وجب فيه الطعام ، مكوك تمر ومكوك بر لكل مسكين . 12408 - حدثنا هناد قال ، حدثنا وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن الربيع ، عن الحسن قال ، قال : إن جمعهم أشبعهم إشباعة واحدة . وإن أعطاهم ، أعطاهم مكوكا مكوكا . 12409 - حدثنا يعقوب قال ، حدثنا ابن علية ، عن يونس قال : كان الحسن يقول : وحسبه ، فإن أعطاهم في أيديهم ، فمكوك بر ومكوك تمر . [ ص: 538 ] 12410 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عبيد الله ، عن إسرائيل ، عن السدي ، عن أبي مالك في كفارة اليمين : نصف صاع لكل مسكين . 12411 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن علية ، عن أبيه ، عن الحكم ، في قوله : " إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم " ، قال : طعام نصف صاع لكل مسكين . 12412 - حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا زائدة ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، قال : " أوسط ما تطعمون أهليكم " ، نصف صاع . 12413 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد قال ، حدثنا عبيد بن سليمان قال ، سمعت الضحاك بن مزاحم يقول في قوله : " فكفارته إطعام عشرة مساكين " ، قال : الطعام ، لكل مسكين نصف صاع من تمر أو بر . وقال آخرون : بل مبلغ ذلك من كل شيء من الحبوب ، مد واحد . ذكر من قال ذلك : 12414 - حدثنا هناد وأبو كريب قالا حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع ، قال ، حدثنا أبي ، عن هشام الدستوائي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن زيد بن ثابت أنه قال في كفارة اليمين : مد من حنطة لكل مسكين . 12415 - حدثنا هناد قال ، حدثنا أبو معاوية ، عن داود بن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال في كفارة اليمين : مد من حنطة لكل مسكين ، ربعه إدامه . 12416 - حدثنا هناد وأبو كريب قالا حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن [ ص: 539 ] داود بن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، نحوه . 12417 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا جرير ، عن ابن عجلان ، عن نافع ، عن ابن عمر : "إطعام عشرة مساكين " ، لكل مسكين مد . 12418 - حدثنا هناد وأبو كريب قالا حدثنا وكيع قال ، حدثنا العمري ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : مد من حنطة لكل مسكين . 12419 - حدثنا هناد قال ، حدثنا أبو الأحوص ، عن يحيى بن سعيد ، عن نافع ، عن ابن عمر : أنه كان يكفر اليمين بعشرة أمداد ، بالمد الأصغر . 12420 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن مهدي ، عن حماد بن سلمة ، عن عبيد الله ، عن القاسم وسالم في كفارة اليمين ، ما يطعم؟ قالا : مد لكل مسكين . 12421 - حدثنا هناد ، قال ، حدثنا أبو الأحوص ، عن يحيى بن سعيد ، عن سليمان بن يسار قال : كان الناس إذا كفر أحدهم ، كفر بعشرة أمداد بالمد الأصغر . 12422 - حدثنا هناد ، قال ، حدثنا عمر بن هارون ، عن ابن جريج ، عن عطاء في قوله : "إطعام عشرة مساكين " ، قال : عشرة أمداد لعشرة مساكين . 12423 - حدثنا بشر ، قال ، حدثنا جامع بن حماد قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن : " إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم " ، قال : كان يقال : البر والتمر ، لكل مسكين مد من تمر ، ومد من بر . [ ص: 540 ] 12424 - حدثنا أبو كريب وهناد قالا حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن مالك بن مغول ، عن عطاء ، قال : مد لكل مسكين . 12425 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : "من أوسط ما تطعمون أهليكم " ، قال : من أوسط ما تعولونهم . قال : وكان المسلمون رأوا أوسط ذلك : مدا بمد رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنطة . قال ابن زيد : هو الوسط مما يقوت به أهله ، ليس بأدناه ولا بأرفعه . 12426 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، أخبرني يحيى بن عبد الله بن سالم ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب : " من أوسط ما تطعمون أهليكم " ، قال : مد . وقال آخرون : بل ذلك غداء وعشاء . ذكر من قال ذلك : 12427 - حدثنا هناد قال ، حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن حجاج ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث ، عن علي قال ، في كفارة اليمين : يغديهم ويعشيهم . 12428 - حدثنا هناد ، قال ، حدثنا عمر بن هارون ، عن موسى بن عبيدة ، عن محمد بن كعب القرظي في كفارة اليمين قال : غداء وعشاء . 12429 - حدثنا هناد ، قال ، حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن يونس ، عن الحسن قال : يغديهم ويعشيهم . وقال آخرون : إنما عنى بقوله : " من أوسط ما تطعمون أهليكم " ، من أوسط ما يطعم المكفر أهله . قال : إن كان ممن يشبع أهله ، أشبع المساكين [ ص: 541 ] العشرة . وإن كان ممن لا يشبعهم لعجزه عن ذلك ، أطعم المساكين على قدر ما يفعل من ذلك بأهله في عسره ويسره . ذكر من قال ذلك : 12430 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم " ، قال : إن كنت تشبع أهلك فأشبع المساكين ، وإلا فعلى ما تطعم أهلك بقدره . 12431 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم " ، وهو أن تطعم كل مسكين من نحو ما تطعم أهلك من الشبع ، أو نصف صاع من بر . 12432 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا وكيع ، قال ، حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن عامر ، عن ابن عباس ، قال : من عسرهم ويسرهم . 12433 - حدثنا هناد قال ، حدثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن عامر قال : من عسرهم ويسرهم . 12434 - حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا ابن مهدي قال ، حدثنا سفيان ، عن سليمان بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جبير : " من أوسط ما تطعمون أهليكم " ، قال : قوتهم . 12435 - حدثنا هناد وأبو كريب قالا حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن سليمان العبسي ، عن سعيد بن جبير في قوله : " من أوسط ما تطعمون أهليكم " ، قال : قوتهم . 12436 - حدثنا أبو حميد قال ، حدثنا حكام بن سلم قال ، حدثنا عنبسة ، عن سليمان بن عبيد العبسي ، عن سعيد بن جبير في قوله : "من أوسط [ ص: 542 ] ما تطعمون أهليكم " ، قال : كانوا يفضلون الحر على العبد ، والكبير على الصغير ، فنزلت : " من أوسط ما تطعمون أهليكم " . 12439 - حدثنا الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا قيس بن الربيع ، عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جبير قال ، كانوا يطعمون الكبير ما لا يطعمون الصغير ، ويطعمون الحر ما لا يطعمون العبد ، فقال ، " من أوسط ما تطعمون أهليكم " . 12438 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا هشيم قال ، حدثنا جويبر ، عن الضحاك في قوله : " من أوسط ما تطعمون أهليكم " ، قال : إن كنت تشبع أهلك فأشبعهم . وإن كنت لا تشبعهم ، فعلى قدر ذلك . 12439 - حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا شيبان النحوي ، عن جابر ، عن عامر ، عن ابن عباس : "من أوسط ما تطعمون أهليكم " ، قال : من عسرهم ويسرهم . 12440 - حدثنا يونس قال ، حدثنا سفيان ، عن سليمان ، عن سعيد بن [ ص: 543 ] جبير قال ، قال ابن عباس : كان الرجل يقوت بعض أهله قوتا دونا وبعضهم قوتا فيه سعة ، فقال الله : "من أوسط ما تطعمون أهليكم " ، الخبز والزيت . قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في تأويل قوله : " من أوسط ما تطعمون أهليكم " عندنا ، قول من قال : "من أوسط ما تطعمون أهليكم في القلة والكثرة" . وذلك أن أحكام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكفارات كلها بذلك وردت . وذلك كحكمه صلى الله عليه وسلم في كفارة الحلق من الأذى بفرق من طعام بين ستة مساكين ، لكل مسكين نصف صاع وكحكمه في كفارة الوطء في شهر رمضان بخمسة عشر صاعا بين ستين مسكينا ، لكل مسكين ربع صاع . ولا يعرف له صلى الله عليه وسلم شيء من الكفارات ، أمر بإطعام خبز وإدام ، ولا بغداء وعشاء . فإذ كان ذلك كذلك ، وكانت كفارة اليمين إحدى الكفارات التي تلزم من لزمته ، كان سبيلها سبيل ما تولى الحكم فيه صلى الله عليه وسلم : من أن الواجب على مكفرها من الطعام ، مقدرا للمساكين العشرة محدودا بكيل ، [ ص: 544 ] دون جمعهم على غداء أو عشاء مخبوزا مأدوما ، إذ كانت سنته صلى الله عليه وسلم في سائر الكفارات كذلك . فإذ كان صحيحا ما قلنا بما به استشهدنا ، فبين أن تأويل الكلام : ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان ، فكفارته إطعام عشرة مساكين من أعدل إطعامكم أهليكم وأن "ما " التي في قوله : "من أوسط ما تطعمون أهليكم " ، بمعنى المصدر ، لا بمعنى الأسماء . وإذا كان ذلك كذلك ، فأعدل أقوات الموسع على أهله مدان ، وذلك نصف صاع في ربعه إدامه ، وذلك أعلى ما حكم به النبي صلى الله عليه وسلم في كفارة في إطعام مساكين . وأعدل أقوات المقتر على أهله مد ، وذلك ربع صاع ، وهو أدنى ما حكم به في كفارة في إطعام مساكين . وأما الذين رأوا إطعام المساكين في كفارة اليمين ، الخبز واللحم وما ذكرنا عنهم قبل ، والذين رأوا أن يغدوا أو يعشوا ، والذين رأوا أن يغدوا ويعشوا ، فإنهم ذهبوا إلى تأويل قوله : "من أوسط ما تطعمون أهليكم " ، من أوسط الطعام الذي تطعمونه أهليكم ، فجعلوا"ما " التي في قوله : "من أوسط ما تطعمون أهليكم " ، اسما لا مصدرا ، فأوجبوا على المكفر إطعام المساكين من أعدل ما يطعم أهله من الأغذية . وذلك مذهب لولا ما ذكرنا من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكفارات غيرها ، التي يجب إلحاق أشكالها بها ، وأن كفارة اليمين لها نظيرة وشبيهة يجب إلحاقها بها . https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء العاشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة الحلقة (568) صــ 546 إلى صــ 560 [ ص: 545 ] القول في تأويل قوله ( أو كسوتهم ) قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : فكفارة ما عقدتم من الأيمان : إطعام عشرة مساكين ، أو كسوتهم . يقول : إما أن تطعموهم أو تكسوهم . والخيار في ذلك إلى المكفر . واختلف أهل التأويل في "الكسوة " التي عنى الله تعالى ذكره بقوله : "أو كسوتهم " . فقال بعضهم : عنى بذلك : كسوة ثوب واحد . ذكر من قال ذلك : 12441 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن علية ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في كسوة المساكين في كفارة اليمين : أدناه ثوب . 12442 - حدثنا هناد قال ، حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : أدناه ثوب ، وأعلاه ما شئت . 12443 - حدثنا هناد وأبو كريب قالا حدثنا وكيع ، عن الربيع ، عن الحسن قال في كفارة اليمين في قوله : "أو كسوتهم " ، ثوب لكل مسكين . 12444 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن مهدي ، عن وهيب ، عن ابن طاوس ، عن أبيه : "أو كسوتهم " ، قال : ثوب . 12445 - حدثنا هناد قال ، حدثنا عبيدة وحدثنا ابن حميد وابن وكيع [ ص: 546 ] قالا : حدثنا جرير جميعا ، عن منصور ، عن مجاهد في قوله : "أو كسوتهم " ، قال : ثوب . 12446 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، في قوله : "أو كسوتهم " ، قال : ثوب ثوب قال منصور : القميص ، أو الرداء ، أو الإزار . 12447 - حدثنا أبو كريب وهناد قالا حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن أبي جعفر في قوله : "أو كسوتهم " ، قال : كسوة الشتاء والصيف ، ثوب ثوب . 12448 - حدثنا هناد قال ، حدثنا عمر بن هارون ، عن ابن جريج ، عن عطاء في قوله : "أو كسوتهم " ، قال : ثوب ثوب لكل مسكين . 12449 - حدثنا هناد قال ، حدثنا عبدة بن سليمان ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن أبي معشر ، عن إبراهيم في قوله : "أو كسوتهم " ، قال : إذا كساهم ثوبا ثوبا أجزأ عنه . 12450 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا إسحاق بن سليمان الرازي ، عن أبي سنان ، عن حماد قال : ثوب أو ثوبان ، وثوب لا بد منه . 12451 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس قال : ثوب ثوب لكل إنسان . وقد كانت العباءة تقضى يومئذ من الكسوة . [ ص: 547 ] 12452 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح ، عن معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : "أو كسوتهم " ، قال : "الكسوة " ، عباءة لكل مسكين ، أو شملة . 12453 - حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا إسرائيل ، عن السدي ، عن أبي مالك قال : ثوب ، أو قميص ، أو رداء ، أو إزار . 12454 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي ، قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : إن اختار صاحب اليمين الكسوة ، كسا عشرة أناسي ، كل إنسان عباءة . 12455 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، أخبرنا ابن جريج قال ، سمعت عطاء يقول في قوله : "أو كسوتهم " ، الكسوة : ثوب ثوب . وقال بعضهم : عنى بذلك : الكسوة ثوبين ثوبين . ذكر من قال ذلك : 12456 - حدثنا هناد قال ، حدثنا عبيدة وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو معاوية جميعا ، عن داود بن أبي هند ، عن سعيد بن المسيب في قوله : "أو كسوتهم " ، قال : عباءة وعمامة . 12457 - حدثنا هناد وأبو كريب قالا حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن داود بن أبي هند ، عن سعيد بن المسيب قال : عمامة يلف بها رأسه ، وعباءة يلتحف بها . 12458 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري ، عن أشعث ، عن الحسن وابن سيرين قالا ثوبين ثوبين . [ ص: 548 ] 12459 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عبد الأعلى ، عن يونس ، عن الحسن قال : ثوبين . 12460 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن يونس ، عن الحسن ، مثله . 12461 - حدثنا أبو كريب وهناد قالا حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن يونس بن عبيد ، عن الحسن قال : ثوبان ثوبان لكل مسكين . 12462 - حدثنا هناد قال ، حدثنا ابن المبارك ، عن عاصم الأحول ، عن ابن سيرين ، عن أبى موسى : أنه حلف على يمين ، فكسا ثوبين من معقدة البحرين . 12463 - حدثنا هناد وأبو كريب قالا حدثنا وكيع ، عن يزيد بن إبراهيم ، عن ابن سيرين : أن أبا موسى كسا ثوبين من معقدة البحرين . 12464 - حدثنا هناد قال ، حدثنا أبو أسامة ، عن هشام ، عن محمد بن عبد الأعلى : أن أبا موسى الأشعري حلف على يمين ، فرأى أن يكفر ففعل ، وكسا عشرة ثوبين ثوبين . 12465 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عبد الأعلى ، عن هشام ، عن محمد : أن أبا موسى حلف على يمين فكفر ، فكسا عشرة مساكين ثوبين ثوبين . 12466 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا هشيم ، عن داود بن أبي هند ، عن سعيد بن المسيب قال : عباءة وعمامة لكل مسكين . 12467 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، مثله . [ ص: 549 ] 12468 - حدثني يعقوب قال ، حدثنا ابن علية قال ، حدثنا داود بن أبي هند قال : قال رجل عند سعيد بن المسيب : ( أو كأسوتهم ) ، فقال سعيد : لا إنما هي : "أو كسوتهم " ، قال قلت : يا أبا محمد ، ما كسوتهم؟ قال : لكل مسكين عباءة وعمامة : عباءة يلتحف بها ، وعمامة يشد بها رأسه . 12469 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد قال ، حدثنا عبيد بن سليمان قال ، سمعت الضحاك يقول في قوله : "أو كسوتهم " ، قال : الكسوة ، لكل مسكين رداء وإزار ، كنحو ما يجد من الميسرة والفاقة . وقال آخرون : بل عنى بذلك " كسوتهم " "ثوب جامع " ، كالملحفة والكساء ، والشيء الذي يصلح للبس والنوم . ذكر من قال ذلك : 12470 - حدثنا هناد بن السري قال ، حدثنا أبو الأحوص ، عن مغيرة ، عن حماد ، عن إبراهيم قال : الكسوة ثوب جامع . 12471 - حدثنا هناد وابن وكيع قالا حدثنا ابن فضيل ، عن مغيرة ، عن إبراهيم في قوله : "أو كسوتهم " ، قال : ثوب جامع . قال وقال مغيرة : و"الثوب الجامع" : الملحفة أو الكساء أو نحوه ، ولا نرى الدرع والقميص والخمار ونحوه "جامعا" . 12472 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن مغيرة ، عن إبراهيم قال : ثوب جامع . [ ص: 550 ] 12473 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن إدريس ، عن أبيه ، عن مغيرة ، عن إبراهيم قال : ثوب جامع . 12474 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا هشيم ، عن مغيرة ، عن إبراهيم : "أو كسوتهم " ، قال : ثوب جامع لكل مسكين . 12475 - حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان وشعبة ، عن المغيرة ، عن إبراهيم في قوله : "أو كسوتهم " ، قال : ثوب جامع . 12476 - حدثنا ابن المثنى قال ، حدثنا ابن أبي عدي ، عن شعبة ، عن المغيرة ، مثله . وقال آخرون : عنى بذلك : كسوة إزار ورداء وقميص . ذكر من قال ذلك : 12477 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عبد الأعلى ، عن بردة ، عن رافع ، عن ابن عمر قال في الكسوة : في الكفارة إزار ورداء وقميص . وقال آخرون : كل ما كسا فيجزئ ، والآية على عمومها . ذكر من قال ذلك : 12478 - حدثنا هناد قال ، حدثنا عبد السلام بن حرب ، عن ليث ، عن مجاهد قال : يجزئ في كفارة اليمين كل شيء إلا التبان . 12479 - حدثنا هناد وأبو كريب قالا حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع [ ص: 551 ] قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن أشعث ، عن الحسن قال : يجزئ عمامة في كفارة اليمين . 12480 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن أويس الصيرفي ، عن أبي الهيثم ، قال قال سلمان : نعم الثوب التبان . 12481 - حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا سفيان ، عن الشيباني ، عن الحكم قال : عمامة يلف بها رأسه . قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصحة وأشبهها بتأويل القرآن ، قول من قال : عنى بقوله : "أو كسوتهم " ، ما وقع عليه اسم كسوة ، مما يكون ثوبا فصاعدا لأن ما دون الثوب ، لا خلاف بين جميع الحجة أنه ليس مما دخل في حكم الآية ، فكان ما دون قدر ذلك ، خارجا من أن يكون الله تعالى عناه ، بالنقل المستفيض . والثوب وما فوقه داخل في حكم الآية ، إذ لم يأت من الله تعالى وحي ، ولا من رسوله صلى الله عليه وسلم خبر ، ولم يكن من الأمة إجماع بأنه غير داخل في حكمها . وغير جائز إخراج ما كان ظاهر الآية محتمله من حكم الآية ، إلا بحجة يجب التسليم لها . ولا حجة بذلك . [ ص: 552 ] القول في تأويل قوله ( أو تحرير رقبة ) قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : أو فك عبد من أسر العبودة وذلها . وأصل "التحرير " ، الفك من الأسر ، ومنه قول الفرزدق بن غالب : أبني غدانة ، إنني حررتكم فوهبتكم لعطية بن جعال يعني بقوله : "حررتكم " ، فككت رقابكم من ذل الهجاء ولزوم العار . وقيل : "تحرير رقبة " ، والمحرر ذو الرقبة ، لأن العرب كان من شأنها إذا أسرت أسيرا أن تجمع يديه إلى عنقه بقد أو حبل أو غير ذلك ، وإذا أطلقته من الأسر أطلقت يديه وحلتهما مما كانتا به مشدودتين إلى الرقبة . فجرى الكلام [ ص: 553 ] عند إطلاقهم الأسير ، بالخبر عن فك يديه عن رقبته ، وهم يريدون الخبر عن إطلاقه من أسره ، كما يقال : "قبض فلان يده عن فلان " ، إذا أمسك يده عن نواله "وبسط فيه لسانه " ، إذا قال فيه سوءا فيضاف الفعل إلى الجارحة التي يكون بها ذلك الفعل دون فاعله ، لاستعمال الناس ذلك بينهم ، وعلمهم بمعنى ذلك . فكذلك ذلك في قول الله تعالى ذكره : "أو تحرير رقبة " ، أضيف "التحرير " إلى "الرقبة " ، وإن لم يكن هناك غل في رقبته ولا شد يد إليها ، وكان المراد بالتحرير نفس العبد ، بما وصفنا ، من جراء استعمال الناس ذلك بينهم لمعرفتهم بمعناه . فإن قال قائل : أفكل الرقاب معني بذلك أو بعضه؟ قيل : بل معني بذلك كل رقبة كانت سليمة من الإقعاد ، والعمى والخرس ، وقطع اليدين أو شللهما والجنون المطبق ، ونظائر ذلك . فإن من كان به ذلك أو شيء منه من الرقاب ، فلا خلاف بين الجميع من الحجة أنه لا يجزئ في كفارة اليمين . فكان معلوما بذلك أن الله تعالى ذكره لم يعنه بالتحرير في هذه الآية . فأما الصغير والكبير والمسلم والكافر ، فإنهم معنيون به . [ ص: 554 ] وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل العلم . ذكر من قال ذلك : 12482 - حدثنا هناد . . . قال ، حدثنا مغيرة ، عن إبراهيم : أنه كان يقول : من كانت عليه رقبة واجبة فاشترى نسمة ، قال : إذا أنقذها من عمل أجزأته ، ولا يجوز عتق من لا يعمل . فأما الذي يعمل ، كالأعور ونحوه . وأما الذي لا يعمل فلا يجزئ ، الأعمى والمقعد . 12483 - حدثنا هناد قال ، حدثنا هشيم ، عن يونس ، عن الحسن قال : كان يكره عتق المخبل في شيء من الكفارات . 12484 - حدثنا هناد قال ، حدثنا هشيم ، عن مغيرة ، عن إبراهيم : أنه كان لا يرى عتق المغلوب على عقله يجزئ في شيء من الكفارات . وقال بعضهم : لا يجزئ في الكفارة من الرقاب إلا صحيح ، ويجزئ الصغير فيها . ذكر من قال ذلك : 12485 - حدثنا هناد قال ، حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن عطاء قال : لا يجزئ في الرقبة إلا صحيح . 12486 - حدثنا هناد قال ، حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن عطاء قال : يجزئ المولود في الإسلام من رقبة . 12487 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن إبراهيم قال : ما كان في القرآن من "رقبة مؤمنة " ، فلا يجزئ إلا ما صام وصلى . وما كان ليس بمؤمنة ، فالصبي يجزئ . [ ص: 555 ] وقال بعضهم : لا يقال للمولود"رقبة " ، إلا بعد مدة تأتي عليه . ذكر من قال ذلك : 12488 - حدثني محمد بن يزيد الرفاعي قال ، حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، عن محمد بن شعيب بن شابور ، عن النعمان بن المنذر ، عن سليمان قال : إذا ولد الصبي فهو نسمة ، وإذا انقلب ظهرا لبطن فهو رقبة ، وإذا صلى فهو مؤمنة . قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال ، إن الله تعالى عم بذكر "الرقبة " كل رقبة ، فأي رقبة حررها المكفر يمينه في كفارته ، فقد أدى ما كلف ، إلا ما ذكرنا أن الحجة مجمعة على أن الله تعالى ذكره ، لم يعنه بالتحرير ، فذلك خارج من حكم الآية ، وما عدا ذلك فجائز تحريره في الكفارة بظاهر التنزيل . والمكفر مخير في تكفير يمينه التي حنث فيها بإحدى هذه الحالات الثلاث التي سماها الله في كتابه ، وذلك : إطعام عشرة مساكين من أوسط ما يطعم أهله ، أو كسوتهم ، أو تحرير رقبة بإجماع من الجميع ، لا خلاف بينهم في ذلك . فإن ظن ظان أن ما قلنا من أن ذلك إجماع من الجميع ، ليس كما قلنا ، لما : - 12489 - حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب قال ، حدثنا عبد الواحد بن زياد قال ، حدثنا سليمان الشيباني قال ، حدثنا أبو الضحى ، عن مسروق ، قال : جاء معقل بن مقرن إلى عبد الله فقال : إني آليت من النساء والفراش! فقرأ عبد الله هذه الآية : ( لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ) [ سورة المائدة : 87 ] . قال فقال معقل : إنما سألتك أن أتيت [ ص: 556 ] على هذه الآية الليلة؟ فقال عبد الله : ائت النساء ونم ، وأعتق رقبة ، فإنك موسر . 12490 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، حدثني جرير بن حازم : أن سليمان الأعمش حدثه ، عن إبراهيم بن يزيد النخعي ، عن همام بن الحارث : أن نعمان بن مقرن سأل عبد الله بن مسعود فقال : إني حلفت أن لا أنام على فراشي سنة؟ فقال ابن مسعود : " يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم " ، كفر عن يمينك ، ونم على فراشك ! قال : بم أكفر عن يميني؟ قال : أعتق رقبة ، فإنك موسر . ونحو هذا من الأخبار التي رويت عن ابن مسعود وابن عمر وغيرهما ، فإن ذلك منهم كان على وجه الاستحباب لمن أمروه بالتكفير بما أمروه به بالتكفير من [ ص: 557 ] الرقاب ، لا على أنه كان لا يجزئ عندهم التكفير للموسر إلا بالرقبة ، لأنه لم ينقل أحد عن أحد منهم أنه قال : لا يجزئ الموسر التكفير إلا بالرقبة . والجميع من علماء الأمصار ، قديمهم وحديثهم ، مجمعون على أن التكفير بغير الرقاب جائز للموسر . ففي ذلك مكتفى عن الاستشهاد على صحة ما قلنا في ذلك بغيره . القول في تأويل قوله ( فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ) قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : "فمن لم يجد " ، لكفارة يمينه التي لزمه تكفيرها من الطعام والكسوة والرقاب ما يكفرها به على ما فرضنا عليه وأوجبناه في كتابنا وعلى لسان رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم "فصيام ثلاثة أيام " ، يقول : فعليه صيام ثلاثة أيام . ثم اختلف أهل العلم في معنى قوله : "فمن لم يجد " ، ومتى يستحق الحانث في يمينه الذي قد لزمته الكفارة ، اسم "غير واجد " ، حتى يكون ممن له الصيام في ذلك . فقال بعضهم : إذا لم يكن للحانث في وقت تكفيره عن يمينه إلا قدر قوته وقوت عياله يومه وليلته ، فإن له أن يكفر بالصيام . فإن كان عنده في ذلك الوقت قوته وقوت عياله يومه وليلته ، ومن الفضل ما يطعم عشرة مساكين أو ما يكسوهم ، لزمه التكفير بالإطعام أو الكسوة ، ولم يجزه الصيام حينئذ . وممن قال ذلك الشافعي : 12491 - حدثنا بذلك عنه الربيع . وهذا القول قصد إن شاء الله من أوجب الطعام على من كان عنده درهمان ، [ ص: 558 ] من أوجبه على من عنده ثلاثة دراهم . وبنحو ذلك : - 12492 - حدثنا هناد قال ، حدثنا ابن المبارك ، عن حماد بن سلمة ، عن عبد الكريم ، عن سعيد بن جبير ، قال : إذا لم يكن له إلا ثلاثة دراهم أطعم قال : يعني في الكفارة . 12493 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني معتمر بن سليمان قال : قلت لعمر بن راشد : الرجل يحلف ولا يكون عنده من الطعام إلا بقدر ما يكفر ، قال : كان قتادة يقول : يصوم ثلاثة أيام . 12494 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا المعتمر بن سليمان قال ، حدثنا يونس بن عبيد ، عن الحسن قال ، إذا كان عنده درهمان . 12495 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا معتمر ، عن حماد ، عن عبد الكريم أبي أمية ، عن سعيد بن جبير قال : ثلاثة دراهم . وقال آخرون : جائز لمن لم يكن عنده مائتا درهم أن يصوم ، وهو ممن لا يجد . وقال آخرون : جائز لمن لم يكن عنده فضل عن رأس ماله يتصرف به لمعاشه ما يكفر به بالإطعام أن يصوم ، إلا أن يكون له كفاية ، ومن المال ما يتصرف به لمعاشه ، ومن الفضل عن ذلك ما يكفر به عن يمينه . وهذا قول كان يقوله بعض متأخري المتفقهة . [ ص: 559 ] قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندنا ، أن من لم يكن عنده في حال حنثه في يمينه إلا قدر قوته وقوت عياله يومه وليلته ، لا فضل له عن ذلك ، يصوم ثلاثة أيام ، وهو ممن دخل في جملة من لا يجد ما يطعم أو يكسو أو يعتق . وإن كان عنده في ذلك الوقت من الفضل عن قوته وقوت عياله يومه وليلته ، ما يطعم أو يكسو عشرة مساكين ، أو يعتق رقبة ، فلا يجزيه حينئذ الصوم ، لأن إحدى الحالات الثلاث حينئذ من إطعام أو كسوة أو عتق ، حق قد أوجبه الله تعالى ذكره في ماله وجوب الدين . وقد قامت الحجة بأن المفلس إذا فرق ماله بين غرمائه : أنه لا يترك ذلك اليوم إلا ما لابد له من قوته وقوت عياله يومه وليلته . فكذلك حكم المعدم بالدين الذي أوجبه الله تعالى ذكره في ماله بسبب الكفارة التي لزمت ماله . واختلف أهل العلم في صفة الصوم الذي أوجبه الله في كفارة اليمين . فقال بعضهم : صفته أن يكون مواصلا بين الأيام الثلاثة غير مفرقها . ذكر من قال ذلك : 12496 - حدثنا محمد بن العلاء قال ، حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد قال : كل صوم في القرآن فهو متتابع ، إلا قضاء رمضان ، فإنه عدة من أيام أخر . 12497 - حدثنا أبو كريب وهناد قالا حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن أبي جعفر ، عن الربيع بن أنس قال : كان أبي بن كعب يقرأ : ( فصيام ثلاثة أيام متتابعات ) . 12498 - حدثنا عبد الأعلى بن واصل الأسدي قال ، حدثنا عبيد الله بن [ ص: 560 ] موسى ، عن أبي جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، عن أبي بن كعب ، أنه كان يقرأ : ( فصيام ثلاثة أيام متتابعات ) . 12499 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا يزيد بن هارون ، عن قزعة ، عن سويد ، عن سيف بن سليمان ، عن مجاهد ، قال : في قراءة عبد الله : ( فصيام ثلاثة أيام متتابعات ) . 12500 - حدثنا هناد قال ، حدثنا ابن المبارك ، عن ابن عون ، عن إبراهيم قال : في قراءتنا : ( فصيام ثلاثة أيام متتابعات ) . 12501 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن علية ، عن ابن عون ، عن إبراهيم ، مثله . 12502 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن إبراهيم في قراءة أصحاب عبد الله : ( فصيام ثلاثة أيام متتابعات ) . 12503 - حدثنا هناد وأبو كريب قالا حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن جابر ، عن عامر قال : في قراءة عبد الله : ( فصيام ثلاثة أيام متتابعات ) . 12504 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا محمد بن حميد ، عن معمر ، عن أبي إسحاق في قراءة عبد الله : ( فصيام ثلاثة أيام متتابعات ) . 12505 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا محمد بن حميد ، عن معمر ، [ ص: 561 ] عن الأعمش قال : كان أصحاب عبد الله يقرؤن : ( فصيام ثلاثة أيام متتابعات ) . 12506 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا وكيع قال ، سمعت سفيان ، يقول : إذا فرق صيام ثلاثة أيام لم يجزه . قال : وسمعته يقول في رجل صام في كفارة يمين ثم أفطر ، قال ، يستقبل الصوم . 12507 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا جامع بن حماد قال ، حدثنا يزيد بن زريع قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : "فصيام ثلاثة أيام " ، قال : إذا لم يجد طعاما ، وكان في بعض القراءة : ( فصيام ثلاثة أيام متتابعات ) . وبه كان يأخذ قتادة . 12508 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قال : هو بالخيار في هؤلاء الثلاثة ، الأول فالأول ، فإن لم يجد من ذلك شيئا فصيام ثلاثة أيام متتابعات . وقال آخرون : جائز لمن صامهن أن يصومهن كيف شاء ، مجتمعات ومفترقات . ذكر من قال ذلك : 12509 - حدثني يونس قال ، أخبرنا أشهب قال ، قال مالك : كل ما ذكر الله في القرآن من الصيام ، فأن يصام تباعا أعجب . فإن فرقها رجوت أن تجزئ عنه . قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال : إن الله تعالى [ ص: 562 ] ذكره أوجب على من لزمته كفارة يمين ، إذا لم يجد إلى تكفيرها بالإطعام أو الكسوة أو العتق سبيلا أن يكفرها بصيام ثلاثة أيام ، ولم يشرط في ذلك متتابعة . فكيفما صامهن المكفر مفرقة ومتتابعة أجزأه . لأن الله تعالى ذكره إنما أوجب عليه صيام ثلاثة أيام ، فكيفما أتى بصومهن أجزأ . فأما ما روى عن أبي وابن مسعود من قراءتهما : ( فصيام ثلاثة أيام متتابعات ) ، فذلك خلاف ما في مصاحفنا . وغير جائز لنا أن نشهد لشيء ليس في مصاحفنا من الكلام أنه من كتاب الله . غير أني أختار للصائم في كفارة اليمين أن يتابع بين الأيام الثلاثة ، ولا يفرق . لأنه لا خلاف بين الجميع أنه إذا فعل ذلك فقد أجزأ ذلك عنه من كفارته ، وهم في غير ذلك مختلفون . ففعل ما لا يختلف في جوازه أحب إلي ، وإن كان الآخر جائزا . https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء العاشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة الحلقة (569) صــ 561 إلى صــ 580 القول في تأويل قوله ( ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون ( 89 ) ) قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : "ذلك " ، هذا الذي ذكرت لكم أنه كفارة أيمانكم ، من إطعام العشرة المساكين ، أو كسوتهم ، أو تحرير الرقبة ، وصيام الثلاثة الأيام إذا لم تجدوا من ذلك شيئا هو كفارة أيمانكم التي عقدتموها إذا حلفتم ، واحفظوا أيها الذين آمنوا أيمانكم أن تحنثوا فيها ، ثم تضيعوا الكفارة فيها بما وصفته لكم "كذلك يبين الله لكم آياته " ، كما بين لكم كفارة أيمانكم ، [ ص: 563 ] كذلك يبين الله لكم جميع آياته يعني أعلام دينه فيوضحها لكم لئلا يقول المضيع المفرط فيما ألزمه الله : "لم أعلم حكم الله في ذلك! " "لعلكم تشكرون " ، يقول : لتشكروا الله على هدايته إياكم وتوفيقه لكم . القول في تأويل قوله ( ياأيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ( 90 ) ) قال أبو جعفر : وهذا بيان من الله تعالى ذكره للذين حرموا على أنفسهم النساء والنوم واللحم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، تشبها منهم بالقسيسين والرهبان ، فأنزل الله فيهم على نبيه صلى الله عليه وسلم كتابه ينهاهم عن ذلك فقال : ( يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ) ، [ سورة المائدة : 87 ] . [ ص: 564 ] فنهاهم بذلك عن تحريم ما أحل الله لهم من الطيبات . ثم قال : ولا تعتدوا أيضا في حدودي ، فتحلوا ما حرمت عليكم ، فإن ذلك لكم غير جائز ، كما غير جائز لكم تحريم ما حللت ، وإني لا أحب المعتدين . ثم أخبرهم عن الذي حرم عليهم مما إذا استحلوه وتقدموا عليه ، كانوا من المعتدين في حدوده فقال لهم : يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله ، إن الخمر التي تشربونها ، والميسر الذي تتياسرونه ، والأنصاب التي تذبحون عندها ، والأزلام التي تستقسمون بها "رجس " ، يقول : إثم ونتن سخطه الله وكرهه لكم "من عمل الشيطان " ، يقول : شربكم الخمر ، وقماركم على الجزر ، وذبحكم للأنصاب ، واستقسامكم بالأزلام ، من تزيين الشيطان لكم ، ودعائه إياكم إليه ، وتحسينه لكم ، لا من الأعمال التي ندبكم إليها ربكم ، ولا مما يرضاه لكم ، بل هو مما يسخطه لكم "فاجتنبوه " ، يقول : فاتركوه وارفضوه ولا تعملوه "لعلكم تفلحون " ، يقول : لكي تنجحوا فتدركوا الفلاح عند ربكم بترككم ذلك . وقد بينا معنى"الخمر " ، و"الميسر " ، و"الأزلام " فيما مضى ، فكرهنا إعادته . وأما " الأنصاب " ، فإنها جمع " نصب " ، وقد بينا معنى " النصب " بشواهده فيما مضى . [ ص: 565 ] وروي عن ابن عباس في معنى"الرجس " في هذا الموضع ، ما : - 12510 - حدثني به المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : "رجس من عمل الشيطان " ، يقول : سخط . وقال ابن زيد في ذلك ، ما : - 12511 - حدثني به يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : "رجس من عمل الشيطان " ، قال : "الرجس " ، الشر . القول في تأويل قوله ( إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون ( 91 ) ) قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : إنما يريد لكم الشيطان شرب الخمر والمياسرة بالقداح ، ويحسن ذلك لكم ، إرادة منه أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في شربكم الخمر ومياسرتكم بالقداح ، ليعادي بعضكم بعضا ، ويبغض بعضكم إلى بعض ، فيشتت أمركم بعد تأليف الله بينكم بالإيمان ، وجمعه بينكم بأخوة الإسلام "ويصدكم عن ذكر الله " ، يقول : ويصرفكم بغلبة هذه الخمر بسكرها إياكم عليكم ، وباشتغالكم بهذا الميسر عن ذكر الله الذي به صلاح دنياكم وآخرتكم "وعن الصلاة " ، التي فرضها عليكم ربكم "فهل أنتم منتهون " ، [ ص: 566 ] يقول : فهل أنتم منتهون عن شرب هذه ، والمياسرة بهذا ، وعاملون بما أمركم به ربكم من أداء ما فرض عليكم من الصلاة لأوقاتها ، ولزوم ذكره الذي به نجح طلباتكم في عاجل دنياكم وآخرتكم؟ . واختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله نزلت هذه الآية . فقال بعضهم : نزلت بسبب كان من عمر بن الخطاب ، وهو أنه ذكر مكروه عاقبة شربها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسأل الله تحريمها . ذكر من قال ذلك : 12512 - حدثنا هناد بن السري ، قال ، حدثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي ميسرة قال ، قال عمر : اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا! قال : فنزلت الآية التي في"البقرة" : ( يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس ) ، [ سورة البقرة : 219 ] . قال : فدعي عمر فقرئت عليه ، فقال : اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا! فنزلت الآية التي في"النساء" : ( لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ) [ سورة النساء : 43 ] . قال : وكان منادي النبي صلى الله عليه وسلم ينادي إذا حضرت الصلاة : لا يقربن الصلاة السكران! قال : فدعي عمر فقرئت عليه ، فقال : اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا! قال : فنزلت الآية التي في"المائدة" : " يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس " إلى قوله : "فهل أنتم منتهون" . فلما انتهى إلى قوله : "فهل أنتم منتهون " قال عمر : انتهينا انتهينا !! [ ص: 567 ] 12513 - حدثنا هناد قال ، حدثنا ابن أبي زائدة قال ، حدثنا أبي ، عن أبي إسحاق ، عن أبي ميسرة قال ، قال عمر : اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا ، فإنها تذهب بالعقل والمال! ثم ذكر نحو حديث وكيع . [ ص: 568 ] 12514 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو أسامة ، عن زكريا ، عن أبي إسحاق ، عن أبي ميسرة قال ، قال عمر بن الخطاب : اللهم بين لنا ، فذكر نحوه . 12515 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن أبيه وإسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي ميسرة ، عن عمر بن الخطاب ، مثله . 12516 - حدثنا هناد قال ، حدثنا يونس بن بكير ، قال ، حدثنا زكريا بن أبي زائدة ، عن أبي إسحاق ، عن أبي ميسرة ، عن عمر بن الخطاب ، مثله . 12517 - حدثنا هناد قال ، حدثنا يونس بن بكير قال ، حدثني أبو معشر المدني ، عن محمد بن قيس ، قال : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، أتاه الناس وقد كانوا يشربون الخمر ويأكلون الميسر ، فسألوه عن ذلك ، فأنزل الله تعالى : ( يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ) [ سورة البقرة : 219 ] ، فقالوا : هذا شيء قد جاء فيه رخصة ، نأكل الميسر ونشرب الخمر ، ونستغفر من ذلك! . حتى أتى رجل صلاة المغرب ، فجعل يقرأ : ( قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ) [ سورة الكافرون ] . فجعل لا يجوز ذلك ، ولا يدري ما يقرأ ، فأنزل الله : ( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ) [ سورة النساء : 43 ] . فكان الناس يشربون الخمر ، حتى يجيء وقت الصلاة فيدعون شربها ، فيأتون الصلاة وهم يعلمون ما يقولون . فلم يزالوا كذلك حتى أنزل الله تعالى ذكره : "إنما [ ص: 569 ] الخمر والميسر والأنصاب والأزلام " إلى قوله : "فهل أنتم منتهون " ، فقالوا : انتهينا يا رب ! وقال آخرون : نزلت هذه الآية بسبب سعد بن أبي وقاص . وذلك أنه كان لاحى رجلا على شراب لهما ، فضربه صاحبه بلحيى جمل ، ففزر أنفه ، فنزلت فيهما . ذكر الرواية بذلك : 12518 - حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة ، عن سماك بن حرب ، عن مصعب بن سعد ، عن أبيه سعد أنه قال : صنع رجل من الأنصار طعاما ، فدعانا . قال : فشربنا الخمر حتى انتشينا ، فتفاخرت الأنصار وقريش ، فقالت الأنصار : نحن أفضل منكم! قال : فأخذ رجل من الأنصار لحيى جمل فضرب به أنف سعد ففزره ، فكان سعد أفزر الأنف . قال : فنزلت هذه الآية : "يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر " إلى آخر الآية . [ ص: 570 ] 12519 - حدثنا هناد قال ، حدثنا أبو الأحوص ، قال حدثنا شعبة ، عن سماك ، عن مصعب بن سعد قال ، قال سعد : شربت مع قوم من الأنصار ، فضربت رجلا منهم أظن بفك جمل فكسرته ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته ، فلم ألبث أن نزل تحريم الخمر : " يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر " ، إلى آخر الآية . 12520 - حدثنا هناد قال ، حدثنا ابن أبي زائدة قال ، حدثنا إسرائيل ، عن سماك ، عن مصعب بن سعد ، عن أبيه قال : شربت الخمر مع قوم من الأنصار ، فذكر نحوه . 12521 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، أخبرني عمرو بن الحارث ، أن ابن شهاب أخبره ، أن سالم بن عبد الله حدثه : أن أول ما حرمت الخمر ، أن سعد بن أبي وقاص وأصحابا له شربوا فاقتتلوا ، فكسروا أنف سعد ، فأنزل الله : "إنما الخمر والميسر " ، الآية . [ ص: 571 ] وقال آخرون : نزلت في قبيلتين من قبائل الأنصار . ذكر من قال ذلك : 12522 - حدثنا الحسين بن علي الصدائي قال ، حدثنا حجاج بن المنهال قال ، حدثنا ربيعة بن كلثوم عن جبر ، عن أبيه ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : نزل تحريم الخمر في قبيلتين من قبائل الأنصار شربوا . حتى إذا ثملوا ، عبث بعضهم على بعض . فلما أن صحوا جعل الرجل منهم يرى الأثر بوجهه ولحيته فيقول : فعل بي هذا أخي فلان ! وكانوا إخوة ، ليس في قلوبهم ضغائن ، والله لو كان بي رءوفا رحيما ما فعل بي هذا ! حتى وقعت في قلوبهم ضغائن ، فأنزل الله : "إنما الخمر والميسر " إلى قوله : "فهل أنتم منتهون"! فقال ناس من المتكلفين : رجس في بطن فلان قتل يوم بدر ، وقتل فلان يوم أحد ! فأنزل الله : ( ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا ) [ سورة المائدة : 93 ] ، . الآية . [ ص: 572 ] 12523 - حدثنا محمد بن خلف قال ، حدثنا سعيد بن محمد الجرمي ، عن أبي تميلة ، عن سلام مولى حفص بن أبي القاسم ، عن ابن بريدة ، عن أبيه قال : بينما نحن قعود على شراب لنا ، [ ونحن على رملة ، ونحن ثلاثة أو أربعة ، وعندنا باطية لنا ] ، ونحن نشرب الخمر حلا إذ قمت حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه ، وقد نزل تحريم الخمر : " يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان " ، إلى آخر الآيتين ، "فهل أنتم منتهون " ، فجئت إلى أصحابي فقرأتها عليهم إلى قوله : "فهل أنتم منتهون"؟ قال : وبعض القوم شربته في يده ، قد شرب بعضا وبقي بعض في الإناء ، فقال بالإناء تحت شفته العليا كما يفعل الحجام . ثم صبوا ما في باطيتهم ، فقالوا : انتهينا ربنا! انتهينا ربنا ! [ ص: 573 ] وقال آخرون : إنما كانت العداوة والبغضاء ، كانت تكون بين الذين نزلت فيهم هذه الآية بسبب الميسر ، لا بسبب السكر الذي يحدث لهم من شرب الخمر . فلذلك نهاهم الله عن الميسر . ذكر من قال ذلك : 12524 - حدثنا بشر قال ، حدثنا جامع بن حماد قال ، حدثنا يزيد بن زريع قال بشر : وقد سمعته من يزيد وحدثنيه قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : كان الرجل في الجاهلية يقامر على أهله وماله ، فيقعد حريبا سليبا ينظر إلى ماله في يدي غيره ، فكانت تورث بينهم عداوة وبغضاء ، فنهى الله عن ذلك وقدم فيه . والله أعلم بالذي يصلح خلقه . [ ص: 574 ] قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال ، إن الله تعالى قد سمى هذه الأشياء التي سماها في هذه الآية " رجسا " ، وأمر باجتنابها . وقد اختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله نزلت هذه الآية ، وجائز أن يكون نزولها كان بسبب دعاء عمر رضى الله عنه في أمر الخمر ، وجائز أن يكون ذلك كان بسبب ما نال سعدا من الأنصاري عند انتشائهما من الشراب ، وجائز أن يكون كان من أجل ما كان يلحق أحدهم عند ذهاب ماله بالقمار من عداوة من يسره وبغضه ، وليس عندنا بأي ذلك كان خبر قاطع للعذر . غير أنه أي ذلك كان فقد لزم حكم الآية جميع أهل التكليف ، وغير ضائرهم الجهل بالسبب الذي له نزلت هذه الآية . فالخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان ، فرض على جميع من بلغته الآية من التكليف اجتناب جميع ذلك ، كما قال تعالى : " فاجتنبوه لعلكم تفلحون " . القول في تأويل قوله ( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين ( 92 ) ) قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه " " وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول " ، في اجتنابكم [ ص: 575 ] ذلك ، واتباعكم أمره فيما أمركم به من الانزجار عما زجركم عنه من هذه المعاني التي بينها لكم في هذه الآية وغيرها ، وخالفوا الشيطان في أمره إياكم بمعصية الله في ذلك وفي غيره ، فإنه إنما يبغي لكم العداوة والبغضاء بينكم بالخمر والميسر "واحذروا " ، يقول : واتقوا الله وراقبوه أن يراكم عند ما نهاكم عنه من هذه الأمور التي حرمها عليكم في هذه الآية وغيرها ، أو يفقدكم عند ما أمركم به ، فتوبقوا أنفسكم وتهلكوها " فإن توليتم " ، يقول : فإن أنتم لم تعملوا بما أمرناكم به ، وتنتهوا عما نهيناكم عنه ، ورجعتم مدبرين عما أنتم عليه من الإيمان والتصديق بالله وبرسوله ، واتباع ما جاءكم به نبيكم " فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين " ، يقول : فاعلموا أنه ليس على من أرسلناه إليكم بالنذارة غير إبلاغكم الرسالة التي أرسل بها إليكم ، مبينة لكم بيانا يوضح لكم سبيل الحق ، والطريق الذي أمرتم أن تسلكوه . وأما العقاب على التولية والانتقام بالمعصية ، فعلى المرسل إليه دون الرسل . وهذا من الله تعالى وعيد لمن تولى عن أمره ونهيه . يقول لهم تعالى ذكره : فإن توليتم عن أمري ونهيي ، فتوقعوا عقابي ، واحذروا سخطي . [ ص: 576 ] القول في تأويل قوله ( ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين ( 93 ) ) قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره للقوم الذين قالوا إذ أنزل الله تحريم الخمر بقوله : " إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه " : كيف بمن هلك من إخواننا وهم يشربونها؟ وبنا وقد كنا نشربها؟ ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات منكم حرج فيما شربوا من ذلك ، في الحال التي لم يكن الله تعالى حرمه عليهم " إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ، يقول : إذا ما اتقى الله الأحياء منهم فخافوه ، وراقبوه في اجتنابهم ما حرم عليهم منه ، وصدقوا الله ورسوله فيما أمراهم ونهياهم ، فأطاعوهما في ذلك كله " وعملوا الصالحات ، يقول : واكتسبوا من الأعمال ما يرضاه الله في ذلك مما كلفهم بذلك ربهم " ثم اتقوا وآمنوا " ، يقول : ثم خافوا الله وراقبوه باجتنابهم محارمه بعد ذلك التكليف أيضا ، فثبتوا على اتقاء الله في ذلك والإيمان به ، ولم يغيروا ولم يبدلوا"ثم اتقوا وأحسنوا " ، يقول : ثم خافوا الله ، فدعاهم خوفهم الله إلى الإحسان ، وذلك "الإحسان " ، هو العمل بما لم يفرضه عليهم من الأعمال ، ولكنه نوافل تقربوا بها إلى ربهم طلب رضاه ، وهربا من عقابه "والله يحب المحسنين " ، يقول : والله يحب المتقربين إليه بنوافل الأعمال التي يرضاها . [ ص: 577 ] فالاتقاء الأول : هو الاتقاء بتلقي أمر الله بالقبول والتصديق ، والدينونة به والعمل ، والاتقاء الثاني : الاتقاء بالثبات على التصديق ، وترك التبديل والتغيير ، والاتقاء الثالث : هو الاتقاء بالإحسان ، والتقرب بنوافل الأعمال . فإن قال قائل : ما الدليل على أن "الاتقاء " الثالث ، هو الاتقاء بالنوافل ، دون أن يكون ذلك بالفرائض؟ قيل : إنه تعالى ذكره قد أخبر عن وضعه الجناح عن شاربي الخمر التي شربوها قبل تحريمه إياها ، إذا هم اتقوا الله في شربها بعد تحريمها ، وصدقوا الله ورسوله في تحريمها ، وعملوا الصالحات من الفرائض . ولا وجه لتكرير ذلك وقد مضى ذكره في آية واحدة . وبنحو الذي قلنا من أن هذه الآية نزلت فيما ذكرنا أنها نزلت فيه ، جاءت الأخبار عن الصحابة والتابعين . ذكر من قال ذلك : 12525 - حدثنا هناد بن السري وأبو كريب قالا : حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لما نزل تحريم الخمر قالوا : يا رسول الله ، فكيف بأصحابنا الذين ماتوا وهم يشربون الخمر ؟ فنزلت : "ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح " ، الآية . [ ص: 578 ] 12526 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عبد الله ، عن إسرائيل بإسناده ، نحوه . 12527 - حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثني عبد الكبير بن عبد المجيد قال ، أخبرنا عباد بن راشد ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك قال : بينا أنا أدير الكأس على أبي طلحة ، وأبي عبيدة بن الجراح ، ومعاذ بن جبل ، وسهيل بن بيضاء ، وأبي دجانة ، حتى مالت رءوسهم من خليط بسر وتمر . فسمعنا مناديا ينادي : ألا إن الخمر قد حرمت ! قال : فما دخل علينا داخل ولا خرج منا خارج ، حتى أهرقنا الشراب ، وكسرنا القلال ، وتوضأ بعضنا ، واغتسل بعضنا ، فأصبنا من طيب أم سليم ، ثم خرجنا إلى المسجد ، وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ : " يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون " ، إلى قوله : " فهل أنتم منتهون " . فقال رجل : يا رسول الله ، فما منزلة من مات منا وهو يشربها؟ فأنزل الله تعالى ذكره : " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا " الآية ، فقال رجل لقتادة : سمعته من أنس بن مالك ؟ قال : نعم ! قال رجل لأنس بن مالك : أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال : نعم ! وحدثني من لم يكذب ، والله ما كنا نكذب ، ولا ندري ما الكذب ! [ ص: 579 ] 12528 - حدثنا هناد قال ، حدثنا ابن أبي زائدة قال ، أخبرنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن البراء قال : لما حرمت الخمر قالوا : كيف بأصحابنا الذين ماتوا وهم يشربون الخمر ؟ فنزلت : " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا " ، الآية . 12529 - حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق قال ، قال البراء : مات ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يشربون الخمر ، فلما نزل تحريمها ، قال أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : فكيف بأصحابنا الذين ماتوا وهم يشربونها؟ فنزلت هذه الآية : " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات " ، الآية . 12530 - حدثنا هناد قال ، حدثنا ابن أبي زائدة قال ، أخبرنا داود ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قال : نزلت : " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما ، فيمن قتل ببدر وأحد مع محمد صلى الله عليه وسلم . 12531 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا خالد بن مخلد قال ، حدثنا علي بن مسهر ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله قال : لما نزلت : " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا " ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قيل لي : أنت منهم . 12532 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا جامع بن حماد قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا " ، إلى قوله : " والله يحب المحسنين لما أنزل الله تعالى ذكره تحريم الخمر في"سورة المائدة " ، بعد "سورة الأحزاب " ، قال في ذلك [ ص: 581 ] رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : أصيب فلان يوم بدر ، وفلان يوم أحد ، وهم يشربونها ! فنحن نشهد أنهم من أهل الجنة ! فأنزل الله تعالى ذكره : " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين " ، يقول : شربها القوم على تقوى من الله وإحسان ، وهي لهم يومئذ حلال ، ثم حرمت بعدهم ، فلا جناح عليهم في ذلك . https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الحادى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة الحلقة (570) صــ 1 إلى صــ 15 12533 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا " ، قالوا : يا رسول الله ، ما نقول لإخواننا الذين مضوا؟ كانوا يشربون الخمر ، ويأكلون الميسر ! فأنزل الله : " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا " ، يعني قبل التحريم ، إذا كانوا محسنين متقين ، وقال مرة أخرى : " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا " من الحرام قبل أن يحرم عليهم ، إذا ما اتقوا وأحسنوا ، بعد ما حرم ، وهو قوله : ( فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف ) ، [ سورة البقرة : 275 ] . 12534 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا " ، يعني بذلك رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ماتوا وهم يشربون الخمر قبل أن تحرم الخمر ، فلم يكن عليهم فيها جناح قبل أن تحرم . فلما حرمت قالوا : كيف تكون علينا حراما ، وقد مات إخواننا وهم يشربونها؟ فأنزل الله تعالى ذكره : " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا [ ص: 582 ] " ، يقول : ليس عليهم حرج فيما كانوا يشربون قبل أن أحرمها ، إذا كانوا محسنين متقين " والله يحب المحسنين" . 12535 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله تعالى : " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا " ، لمن كان يشرب الخمر ممن قتل مع محمد صلى الله عليه وسلم ببدر وأحد . 12536 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد قال ، حدثنا عبيد بن سليمان ، عن الضحاك قوله : " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح " ، الآية ، هذا في شأن الخمر حين حرمت ، سألوا نبي الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : إخواننا الذين ماتوا وهم يشربونها؟ فأنزل الله تعالى ذكره هذه الآية . القول في تأويل قوله ( يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ) قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله "ليبلونكم الله بشيء من الصيد " ، يقول : ليختبرنكم الله "بشيء من الصيد " ، يعني : ببعض الصيد . وإنما أخبرهم تعالى ذكره أنه يبلوهم بشيء ، لأنه لم يبلهم بصيد البحر ، وإنما ابتلاهم بصيد البر ، فالابتلاء ببعض لا بجميع . [ ص: 583 ] وقوله : "تناله أيديكم " ، فإنه يعني : إما باليد ، كالبيض والفراخ وإما بإصابة النبل والرماح ، وذلك كالحمر والبقر والظباء ، فيمتحنكم به في حال إحرامكم بعمرتكم أو بحجكم . وبنحو ذلك قالت جماعة من أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 12537 - حدثنا هناد قال ، حدثنا ابن أبي زائدة قال ، أخبرنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم " ، قال : "أيديكم " ، صغار الصيد ، أخذ الفراخ والبيض ، و"الرماح " قال : كبار الصيد . 12538 - حدثنا هناد قال ، حدثنا ابن أبي زائدة ، عن داود ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله . 12539 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " تناله أيديكم ورماحكم " ، قال : النبل"رماحكم " ، تنال كبير الصيد ، "وأيديكم " ، تنال صغير الصيد ، أخذ الفرخ والبيض . 12540 - حدثنا هناد قال ، حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن حميد الأعرج ، عن مجاهد في قوله : " ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم " ، قال : ما لا يستطيع أن يفر من الصيد . [ ص: 584 ] 12541 - حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا يحيى بن سعيد . وعبد الرحمن قالا : حدثنا سفيان ، عن حميد الأعرج ، عن مجاهد ، مثله . 12542 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " أيديكم ورماحكم ، قال : هو الضعيف من الصيد وصغيره ، يبتلي الله تعالى ذكره به عباده في إحرامهم ، حتى لو شاءوا نالوه بأيديهم . فنهاهم الله أن يقربوه . 12543 - حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا سفيان الثوري ، عن حميد الأعرج ، وليث ، عن مجاهد في قوله : " يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ، قال : الفراخ والبيض ، وما لا يستطيع أن يفر . القول في تأويل قوله ( ليعلم الله من يخافه بالغيب فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم ( 94 ) ) قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره : ليختبرنكم الله ، أيها المؤمنون ، ببعض الصيد في حال إحرامكم ، كي يعلم أهل طاعة الله والإيمان به ، والمنتهين إلى حدوده وأمره ونهيه ، ومن الذي يخاف الله فيتقي ما نهاه عنه ، ويجتنبه خوف عقابه "بالغيب " ، بمعنى : في الدنيا ، بحيث لا يراه . . وقد بينا أن "الغيب " ، إنما هو مصدر قول القائل : "غاب عني هذا الأمر [ ص: 585 ] فهو يغيب غيبا وغيبة " ، وأن ما لم يعاين ، فإن العرب تسميه "غيبا" . فتأويل الكلام إذا : ليعلم أولياء الله من يخاف الله فيتقي محارمه التي حرمها عليه من الصيد وغيره ، بحيث لا يراه ولا يعاينه . وأما قوله : "فمن اعتدى بعد ذلك " ، فإنه يعني : فمن تجاوز حد الله الذي حده له ، بعد ابتلائه بتحريم الصيد عليه وهو حرام ، فاستحل ما حرم الله عليه منه بأخذه وقتله"فله عذاب ، من الله "أليم " ، يعني : مؤلم موجع . الجزء ال11 [ ص: 7 ] القول في تأويل قوله ( يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم ) قال أبو جعفر : يقول - تعالى ذكره - : يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله " لا تقتلوا الصيد " الذي بينت لكم ، وهو صيد البر دون صيد البحر " وأنتم حرم " يقول : وأنتم محرمون بحج أو عمرة . و " الحرم " جمع " حرام " والذكر والأنثى فيه بلفظ واحد . تقول : " هذا رجل حرام " و " هذه امرأة حرام " . فإذا قيل : " محرم " قيل للمرأة : " محرمة " . و " الإحرام " هو الدخول فيه ، يقال : " أحرم القوم " إذا دخلوا في الشهر الحرام ، أو في الحرم . فتأويل الكلام : لا تقتلوا الصيد وأنتم محرمون بحج أو عمرة . وقوله : " ومن قتله منكم متعمدا " فإن هذا إعلام من الله - تعالى ذكره - عباده حكم القاتل من المحرمين الصيد الذي نهاه عن قتله متعمدا . ثم اختلف أهل التأويل في صفة " العمد " الذي أوجب الله على صاحبه به الكفارة والجزاء في قتله الصيد . [ ص: 8 ] فقال بعضهم : هو العمد لقتل الصيد ، مع نسيان قاتله إحرامه في حال قتله . وقال : إن قتله وهو ذاكر إحرامه متعمدا قتله ، فلا حكم عليه ، وأمره إلى الله . قالوا : وهذا أجل أمرا من أن يحكم عليه ، أو يكون له كفارة . ذكر من قال ذلك : 12544 - حدثنا سفيان بن وكيع قال : حدثنا ابن عيينة ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم " من قتله منكم ناسيا لإحرامه ، متعمدا لقتله ، فذلك الذي يحكم عليه . فإن قتله ذاكرا لحرمه ، متعمدا لقتله ، لم يحكم عليه . 12545 - حدثنا ابن وكيع و ابن حميد قالا حدثنا جرير ، عن ليث ، عن مجاهد ، في الذي يقتل الصيد متعمدا وهو يعلم أنه محرم ، ويتعمد قتله ، قال : لا يحكم عليه ، ولا حج له . وقوله : " ومن قتله منكم متعمدا " قال : هو العمد المكفر ، وفيه الكفارة والخطأ ، أن يصيبه وهو ناس لإحرامه ، متعمدا لقتله أو يصيبه وهو يريد غيره . فذلك يحكم عليه مرة . 12546 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا " غير ناس لحرمه ولا مريد غيره ، فقد حل ، وليست له رخصة . ومن قتله ناسيا ، أو أراد غيره فأخطأ به ، فذلك العمد المكفر . 12547 - حدثنا يعقوب قال : حدثنا هشيم ، عن ليث ، عن مجاهد في قوله : " ومن قتله منكم متعمدا " قال : متعمدا لقتله ، ناسيا لإحرامه . [ ص: 9 ] 12548 - حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي قال : حدثنا الفضيل بن عياض ، عن ليث ، عن مجاهد قال : العمد هو الخطأ المكفر . 12549 - حدثنا الحسن بن عرفة قال : حدثنا يونس بن محمد قال : حدثنا عبد الواحد بن زياد قال : حدثنا ليث قال : قال مجاهد : قول الله : " ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم " قال : فالعمد الذي ذكر الله - تعالى ذكره - : أن يصيب الصيد وهو يريد غيره فيصيبه ، فهذا العمد المكفر ، فأما الذي يصيبه غير ناس ولا مريد لغيره ، فهذا لا يحكم عليه . هذا أجل من أن يحكم عليه . 12550 - حدثنا ابن وكيع ، ومحمد بن المثنى قالا حدثنا محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن الهيثم ، عن الحكم ، عن مجاهد : أنه قال في هذه الآية : " ومن قتله منكم متعمدا " قال : يقتله متعمدا لقتله ، ناسيا لإحرامه . 12551 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا ابن أبي عدي قال : حدثنا شعبة ، عن الهيثم ، عن الحكم ، عن مجاهد مثله . 12552 - حدثنا هناد قال : حدثنا ابن أبي زائدة قال : قال ابن جريج " ومن قتله منكم متعمدا " غير ناس لحرمه ولا مريد غيره ، فقد حل ، وليست له رخصة . ومن قتله ناسيا لحرمه ، أو أراد غيره فأخطأ به ، فذلك العمد المكفر . 12553 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا سهل بن يوسف ، عن عمرو ، عن الحسن : " ومن قتله منكم متعمدا " للصيد ، ناسيا لإحرامه " فمن اعتدى بعد ذلك " متعمدا للصيد يذكر إحرامه . 12554 - حدثنا عمرو بن علي قال : حدثنا محمد بن أبي عدي قال : حدثنا إسماعيل بن مسلم قال : كان الحسن يفتي فيمن قتل الصيد متعمدا ذاكرا [ ص: 10 ] لإحرامه : لم يحكم عليه قال إسماعيل : وقال حماد عن إبراهيم ، مثل ذلك . 12555 - حدثنا عمرو بن علي قال : حدثنا عفان بن مسلم قال : حدثنا حماد بن سلمة قال : أمرني جعفر بن أبي وحشية أن أسأل عمرو بن دينار عن هذه الآية : " ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم " الآية ، فسألته ، فقال : كان عطاء يقول : هو بالخيار ، أي ذلك شاء فعل ، إن شاء أهدى ، وإن شاء أطعم ، وإن شاء صام . فأخبرت به جعفرا وقلت : ما سمعت فيه؟ فتلكأ ساعة ، ثم جعل يضحك ولا يخبرني ، ثم قال : كان سعيد بن جبير يقول : يحكم عليه من النعم هديا بالغ الكعبة ، وإنما جعل الطعام والصيام كفارة ، فهذا لا يبلغ ثمن الهدي ، والصيام فيه من ثلاثة أيام إلى عشرة . 12556 - حدثنا ابن البرقي قال : حدثنا ابن أبي مريم قال : أخبرنا نافع بن يزيد قال : أخبرني ابن جريج قال : قال مجاهد : " ومن قتله منكم متعمدا " غير ناس لحرمه ، ولا مريد غيره ، فقد حل ، وليست له رخصة . ومن قتله ناسيا ، أو أراد غيره فأخطأ به ، فذلك العمد المكفر . 12557 - حدثنا يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : أما الذي يتعمد فيه للصيد وهو ناس لحرمه ، أو جاهل أن قتله غير محرم ، فهؤلاء الذين يحكم عليهم . فأما من قتله متعمدا بعد نهي الله ، وهو يعرف أنه محرم ، وأنه حرام ، فذلك يوكل إلى نقمة الله ، وذلك الذي جعل الله عليه النقمة . 12558 - حدثني يعقوب قال : حدثنا هشيم ، عن ليث ، عن مجاهد في قوله : " ومن قتله منكم متعمدا " قال : متعمدا لقتله ، ناسيا لإحرامه . [ ص: 11 ] وقال آخرون : بل ذلك هو العمد من المحرم لقتل الصيد ، ذاكرا لحرمه . ذكر من قال ذلك : 12559 - حدثنا هناد قال : حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن عطاء قال : يحكم عليه في العمد والخطأ والنسيان . 12560 - حدثنا هناد قال : حدثنا ابن أبي زائدة قال : حدثنا ابن جريج وحدثنا عمرو بن علي قال : حدثنا أبو عاصم عن ، ابن جريج قال : قال طاوس : والله ما قال الله إلا " ومن قتله منكم متعمدا " . 12561 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرني بعض أصحابنا ، عن الزهري أنه قال : نزل القرآن بالعمد ، وجرت السنة في الخطأ يعني : في المحرم يصيب الصيد . 12562 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : " يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم " قال : إن قتله متعمدا أو ناسيا ، حكم عليه . وإن عاد متعمدا عجلت له العقوبة ، إلا أن يعفو الله . 12563 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن سعيد بن جبير قال : إنما جعلت الكفارة في العمد ، ولكن غلظ عليهم في الخطأ كي يتقوا . 12564 - حدثنا عمرو بن علي قال : حدثنا أبو معاوية ووكيع قالا حدثنا الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن سعيد بن جبير ، نحوه . 12565 - حدثنا ابن البرقي قال : حدثنا ابن أبي مريم قال : أخبرنا نافع بن يزيد قال : خبرنا ابن جريج قال : كان طاوس يقول : والله ما قال الله إلا " ومن قتله منكم متعمدا " . [ ص: 12 ] قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال : إن الله - تعالى ذكره - حرم قتل صيد البر على كل محرم في حال إحرامه ما دام حراما بقوله : " يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد " ثم بين حكم من قتل ما قتل من ذلك في حال إحرامه متعمدا لقتله ، ولم يخصص به المتعمد قتله في حال نسيانه إحرامه ، ولا المخطئ في قتله في حال ذكره إحرامه ، بل عم في التنزيل بإيجاب الجزاء ، كل قاتل صيد في حال إحرامه متعمدا . وغير جائز إحالة ظاهر التنزيل إلى باطن من التأويل لا دلالة عليه من نص كتاب ، ولا خبر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولا إجماع من الأمة . ولا دلالة من بعض هذه الوجوه . فإذ كان ذلك كذلك ، فسواء كان قاتل الصيد من المحرمين عامدا قتله ذاكرا لإحرامه ، أو عامدا قتله ناسيا لإحرامه ، أو قاصدا غيره فقتله ذاكرا لإحرامه في أن على جميعهم من الجزاء ما قال ربنا - تعالى ذكره - ، وهو : مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل من المسلمين ، أو كفارة طعام مساكين ، أو عدل ذلك صياما . وهذا قول عطاء والزهري الذي ذكرناه عنهما ، دون القول الذي قاله مجاهد . وأما ما يلزم بالخطأ قاتله ، فقد بينا القول فيه في كتابنا : كتاب لطيف القول في أحكام الشرائع ، بما أغنى عن ذكره في هذا الموضع . وليس هذا الموضع موضع ذكره ، لأن قصدنا في هذا الكتاب الإبانة عن تأويل التنزيل ، وليس في التنزيل للخطأ ذكر ، فنذكر أحكامه . [ ص: 13 ] وأما قوله : " فجزاء مثل ما قتل من النعم " فإنه يقول : وعليه كفاء وبدل ، يعني بذلك : جزاء الصيد المقتول . يقول - تعالى ذكره - : فعلى قاتل الصيد جزاء الصيد المقتول ، مثل ما قتل من النعم . وقد ذكر أن ذلك في قراءة عبد الله : ( فجزاؤه مثل ما قتل من النعم ) . وقد اختلفت القرأة في قراءة ذلك . فقرأته عامة قرأة المدينة وبعض البصريين : ( فجزاء مثل ما قتل من النعم ) ، بإضافة " الجزاء " إلى " المثل " وخفض " المثل " . وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين : ( فجزاء مثل ما قتل ) بتنوين " الجزاء " ورفع " المثل " بتأويل : فعليه جزاء مثل ما قتل . قال أبو جعفر : وأولى القراءتين في ذلك بالصواب ، قراءة من قرأ : ( فجزاء مثل ما قتل ) بتنوين " الجزاء " ورفع " المثل " لأن الجزاء هو المثل ، فلا وجه لإضافة الشيء إلى نفسه . وأحسب أن الذين قرأوا ذلك بالإضافة ، رأوا أن الواجب على قاتل الصيد أن يجزي مثله من الصيد بمثل من النعم . وليس ذلك كالذي ذهبوا إليه ، بل الواجب على قاتله أن يجزي المقتول نظيره من النعم . وإذ كان ذلك كذلك ، فالمثل هو الجزاء الذي أوجبه الله - تعالى ذكره - على قاتل الصيد ، ولن يضاف الشيء إلى نفسه . [ ص: 14 ] ولذلك لم يقرأ ذلك قارئ علمناه ، بالتنوين ونصب " المثل " . ولو كان " المثل " غير " الجزاء " لجاز في المثل النصب إذا نون " الجزاء " كما نصب " اليتيم " إذ كان غير " الإطعام " في قوله : أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة [ سورة البلد : 14 ، 15 ] وكما نصب " الأموات " " والأحياء " ونون " الكفات " في قوله : ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا [ سورة المرسلات : 25 ، 26 ] ، إذ كان " الكفات " غير " الأحياء " " والأموات " . وكذلك الجزاء لو كان غير " المثل " لاتسعت القراءة في " المثل " بالنصب إذا نون " الجزاء " . ولكن ذلك ضاق ، فلم يقرأه أحد بتنوين " الجزاء " ونصب " المثل " إذ كان " المثل " هو " الجزاء " وكان معنى الكلام : ومن قتله منكم متعمدا فعليه جزاء هو مثل ما قتل من النعم . ثم اختلف أهل العلم في صفة " الجزاء " وكيف يجزي قاتل الصيد من المحرمين ما قتل بمثله من النعم . . فقال بعضهم : ينظر إلى أشبه الأشياء به شبها من النعم ، فيجزيه به ، ويهديه إلى الكعبة . ذكر من قال ذلك : 12566 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قوله : " ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم " قال : أما " جزاء مثل ما قتل من النعم " فإن قتل نعامة أو حمارا [ ص: 15 ] فعليه بدنة . وإن قتل بقرة أو أيلا أو أروى فعليه بقرة . أو قتل غزالا أو أرنبا فعليه شاة . وإن قتل ضبا أو حرباء أو يربوعا ، فعليه سخلة قد أكلت العشب وشربت اللبن . 12567 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا هارون بن المغيرة ، عن ابن مجاهد قال : سئل عطاء : أيغرم في صغير الصيد كما يغرم في كبيره؟ قال : أليس يقول الله - تعالى ذكره - : " فجزاء مثل ما قتل من النعم " ؟ 12568 - حدثنا هناد قال : حدثنا ابن أبي زائدة قال : أخبرنا ابن جريج قال : قال مجاهد : " ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم " قال : عليه من النعم مثله . 12569 - حدثنا هناد قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس في قوله : " فجزاء مثل ما قتل من النعم " قال : إذا أصاب المحرم الصيد ، وجب عليه جزاؤه من النعم . فإن وجد جزاءه ذبحه فتصدق به ، فإن لم يجد جزاءه قوم الجزاء دراهم ، ثم قوم الدراهم حنطة ، ثم صام مكان كل نصف صاع يوما . قال : وإنما أريد بالطعام الصوم ، فإذا وجد طعاما وجد جزاء . https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الحادى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة الحلقة (571) صــ 16 إلى صــ 25 12570 - حدثنا ابن وكيع وابن حميد قالا حدثنا جرير، عن منصور، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس: "فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به" (1) "الأيل" (بفتح الهمزة وتشديد الياء المكسورة) : وهو ذكر الوعول. و "الأروى" إناث الوعول وهو اسم لجمعها واحدتها "أروية" (بضم الهمزة وسكون الراء والواو مكسورة والياء مشددة مفتوحة) . وجاء بها هنا وهو يعني "الأروية" . (2) "السخلة" (بفتح فسكون) : ولد الشاة من المعز والضأن ذكرا كان أو أنثى. (3) الأثر: 12567- "هرون بن المغيرة بن حكيم البجلي" مضى برقم: 3356، 5526. وأما "ابن مجاهد" فلم أستطع أن أعرف من هو، وكان في المطبوعة: "أبي مجاهد" وأثبت ما في المخطوطة وكأنه الصواب، وإن أعياني أن أعرف صدر اسمه. ذوا عدل منكم هديًا بالغَ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صيامًا "، قال: إذا أصاب المحرم الصيد، حكم عليه جزاؤه من النعم. فإن لم يجد، نظر كم ثمنه = قال ابن حميد: نظر كم قيمته = فقوّم عليه ثمنه طعامًا، فصام مكان كل نصف صاع يومًا=" أو كفارة طعام مساكين، أو عدلُ ذلك صيامًا "، قال: إنما أريد بالطعام الصيام، فإذا وجد الطعام وَجد جزاءه." 12571 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يزيد بن هارون، عن سفيان بن حسين، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس: "ومن قتله منكم متعمدًا فجزاء مثل ما قتل من النعم" فإن لم يجد هديًا، قُوِّم الهدي عليه طعامًا، وصام عن كل صاع يومين. 12572- حدثنا هناد قال، حدثنا عبد بن حميد، عن منصور، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس في هذه الآية: "ومن قتله منكم متعمدًا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديًا بالغ الكعبة" ، قال: إذا أصاب الرجل الصيد حكم عليه، فإن لم يكن عنده قوم عليه ثمنه طعامًا، ثم صام لكل نصف صاع يومًا. 12573 - حدثنا أبو كريب ويعقوب قالا حدثنا هشيم قال، أخبرنا عبد الملك بن عمير، عن قبيصة بن جابر قال: ابتدرت وصاحبٌ لي ظبيًا في العقبة، فأصبته، فأتيت عمر بن الخطاب فذكرت ذلك له، فأقبل علي رجل إلى جنبه، فنظرا في ذلك قال فقال: اذبح كبشًا. (1) (1) الأثر: 12573- "عبد الملك بن عمير بن سويد القرشي" المعروف بالقبطي و "ابن القبطية" . رأى عليا وأبا موسى. مترجم في التهذيب. و "قبيصة بن جابر بن وهب الأسدي" روى عن عمر وشهد خطبته بالجابية ثقة في فقهاء الطبقة الأولى من فقهاء أهل الكوفة بعد الصحابة. مترجم في التهذيب. هذا وخبر قبيصة بن جابر سيرويه أبو جعفر من طرق من رقم: 12573- 12577ن ثم: 12586- 15288 بألفاظ مختلفة. ورواه البيهقي في السنن الكبرى 5: 181 من طريق سفيان، عن عبد الملك بن عمير ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن عبد الملك. ونقله ابن كثير في تفسيره 3: 237، 238 وهو رقم: 12588 عن هذا الموضع من تفسير أبي جعفر وأشار إلى بعض طرقه هنا. وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2: 329 بنحو من لفظ رقم: 12588 وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم قال: "وصححه" ولم أجده في مظنته من المستدرك للحاكم. 12574 - حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا حصين، عن الشعبي قال: أخبرني قبيصة بن جابر، نحوا مما حدَّث به عبد الملك. 12575 - حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع، عن المسعودي، عن عبد الملك بن عمير، عن قبيصة بن جابر قال: قتل صاحب لي ظبيًا وهو محرم، فأمره عمر أن يذبح شاة فيتصدق بلحمها ويُسْقي إهابها. (1) 12576 - حدثني هناد قال: حدثنا ابن أبي زائدة، عن داود بن أبي هند، عن بكر بن عبد الله المزني قال: قتل رجلٌ من الأعراب وهو محرم ظبيًا، فسأل عمر، فقال له عمر: اهدِ شاة. (2) 12577 - حدثنا هناد قال، حدثنا أبو الأحوص، عن حصين= وحدثنا أبو هشام الرفاعي قال: حدثنا ابن فضيل قال، حدثنا حصين= عن الشعبي قال، قال قبيصة بن جابر: أصبت ظبيًا وأنا محرم، فأتيت عمر فسألته عن ذلك، فأرسل إلى عبد الرحمن بن عوف. فقلت: يا أمير المؤمنين، إنّ أمرَه أهون من ذلك! قال: فضربني بالدِّرّة حتى سابقته عدوًا! (3) قال: ثم قال: قتلتَ الصيد وأنتَ محرم، ثم تَغْمِص الفُتيا! (4) قال: فجاء عبد الرحمن، فحكما شاة. (1) الأثر: 12575- هو مختصر الأثر رقم: 12588 وسيأتي تفسير "يسقى إهابها" في التعليق عليه هناك. (2) الأثر: 12576- هذا خبر مرسل عن عمر "بكر بن عبد الله المزني" لم يسمع من عمر. ولكنها قصة قبيصة بن جابر التي ذكرها قبل. (3) "الدرة" (بكسر الدال) : عصا قصيرة يحملها السلطان او غيره يدب بها. ودرة أمير المؤمنين عمر أشهر درة في التاريخ. (4) "غمص الشيء يغمصه غمصا" : حقره واستصغره واستهان به. يعني: اتحتقر الفتيا وتستهين بها وتزدريها؟ 12578 - حدثني المثنى قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: "ومن قتله منكم متعمدًا فجزاءٌ مثل ما قتل من النعم" ، قال: إذا قتل المحرم شيئًا من الصيد حكم عليه فيه. فإن قتل ظبيًا أو نحوه، فعليه شاة تذبح بمكة. فإن لم يجد، فإطعام ستة مساكين. فإن لم يجد، فصيام ثلاثة أيام. فإن قتل أيِّلا أو نحوه، فعليه بقرة. وإن قتل نعامة أو حمارَ وحش أو نحوه، فعليه بدنة من الإبل. 12579 - حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا أبو عاصم قال: أخبرنا ابن جريج قال، قلت لعطاء: أرأيت إن قتلتُ صيدًا فإذا هو أعور، أو أعرج، أو منقوص، أغرم مثله؟ قال: نعم، إن شئت. قلت: أوْفَي أحبُّ إليك؟ قال: نعم. وقال عطاء: وإن قتلت ولدَ الظبي، ففيه ولد شاة. وإن قتلت ولد بقرة وحشية، ففيه ولد بقرة إنسية مثله، فكلّ ذلك على ذلك. 12580 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد قال، أخبرنا عبيد بن سليمان الباهلي قال، سمعت الضحاك بن مزاحم يقول: "فجزاء مثل ما قتل من النعم" ما كان من صيد البر مما ليس له قرن = الحمار أوالنعامة= فعليه مثله من الإبل. وما كان ذا قرن من صيد البر من وعِلٍ أو أيِّل، فجزاؤه من البقر. وما كان من ظبي فمن الغنم مثله. وما كان من أرنب، ففيها ثَنِيَّة. (1) وما كان من يربوع وشبهه، ففيه حَمَلٌ صغير. وما كان من جرادة أو نحوها، ففيه قبضة من طعام. وما كان من طير البر، ففيه أن يقوَّم ويتصدق بثمنه، وإن شاء صام لكل نصف صاع يومًا. وإن أصاب فرخ طير برِّية أو بيضها، فالقيمة فيها طعامٌ أو صوم على الذي يكون في الطير. غير أنه قد ذكر في بيض النعام إذا إصابها المحرم، أن يحمل الفحل على عدة من أصاب من البيض على (1) "الثنية" يعني الثنية من المعز، وهو ما دخل في السنة الثانية أو الثالثة. بِكارة الإبل، (1) فما لَقِح منها أهداه إلى البيت، وما فسد منها فلا شيء فيه. 12581 - حدثنا ابن البرقي قال، حدثنا ابن أبي مريم قال، أخبرنا نافع قال، أخبرني ابن جريج قال، قال مجاهد: من قتله = يعني الصيد = ناسيًا، أو أراد غيره فأخطأ به، فذلك العمد المكفَّر، فعليه مثله هديًا بالغ الكعبة. فإن لم يجد، ابتاع بثمنه طعامًا. فإن لم يجد، صام عن كل مُدٍّ يومًا. وقال عطاء: فإن أصاب إنسان نعامة، كان له= إن كان ذا يسار= مُوَسَّعًا (2) إن شاء يهدي جزورًا أو عَدْلَها طعامًا أو عدلها صيامًا، أيّتهن شاء، (3) من أجل قوله: فجزاء، أو كذا أو كذا (4) قال: فكل شيء في القران: "أو" "أو" ، فليختر منه صاحبه ما شاء. 12582 - حدثنا ابن البرقي قال، حدثنا ابن أبي مريم قال، أخبرنا نافع قال، أخبرني ابن جريج قال، أخبرني الحسن بن مسلم قال: من أصاب من الصيد ما يبلغ أن يكون شاة فصاعدًا، فذلك الذي قال الله تعالى ذكره: "فجزاء مثل ما قتل من النعم" . وأما "كفارة طعام مساكين" ، فذلك الذي لا يبلغ أن يكون فيه هدي، العصفورَ يقتل، فلا يكون فيه. قال: "أو عدل ذلك صيامًا" ، عدل النعامة، أو عدل العصفور، أو عدل ذلك كله. * * * وقال آخرون: بل يقوَّم الصيد المقتول قيمتَه من الدراهم، ثم يشتري القاتل بقيمته نِدًّا من النعم، ثم يهديه إلى الكعبة. (1) "البكارة" (بكسر الباء) جمع "بكر" و "بكرة" (بفتح الباء) : وهو الفتى من الإبل بمنزلة الغلام من اللناس. (2) في المطبوعة: "كان له إن كان ذا يسار ما شاء" بحذف "الواو من قوله" وإن كان "وهو لا معنى له، وفي المخطوطة:" كان له وإن كان ذا يسار من سا "فرأيت أن أقرأها كما أثبتها فهو حق المعنى. لأنه يريد أن يقول: إن الله وسع له ورخص في هذا النخيير الذي ذكره بعد." (3) في المطبوعة: "أيهن شاء" وأثبت ما في المخطوطة وهو الصواب. (4) في المطبوعة: "أو كذا" مرة واحدة وأثبت ما في المخطوطة وهو الصواب. * ذكر من قال ذلك: 12583 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا عبدة، عن إبراهيم قال: ما أصاب المحرم من شيء، حكم فيه قيمته. 12584 - حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن حماد قال: سمعت إبراهيم يقول: في كل شيء من الصيد ثمنه. * * * قال أبو جعفر: وأولى القولين في تأويل الآية، ما قال عمر وابن عباس، ومن قال بقولهما: أن المقتول من الصيد يُجْزَي بمثله من النعم، كما قال الله تعالى ذكره: "فجزاء مثل ما قتل من النعم" . وغير جائز أن يكون مثل الذي قتل من الصيد دراهم، وقد قال الله تعالى: "من النعم" ، لأن الدراهم ليست من النعم في شيء. * * * فإن قال قائل: فإن الدراهمَ وإن لم تكن مثلا للمقتول من الصيد، فإنه يشتري بها المثل من النعم، فيهديه القاتل، فيكون بفعله ذلك كذلك جازيًا بما قتل من الصيد مثلا من النعم! قيل له: أفرأيت إن كان المقتول من الصيد صغيرًا [أو معيبا، ولا يصاب بقيمته من النعم إلا] (1) كبيرًا أو سليمًا = أو كان المقتول من الصيد كبيرًا أو سليمًا بقيمته من النعم إلا صغيرًا أو معيبًا= (2) أيجوز له أن يشتريَ بقيمته خلافه وخلافَ صفته فيهديه، أم لا يجوز ذلك له، وهو لا يجوز إلا خلافه؟ فإن زعم أنه لا يجوز له أن يشتري بقيمته إلا مثله، ترك قوله في ذلك. لأنّ أهل هذه المقالة يزعمون أنه لا يجوز له أن يشتري بقيمة ذلك فيهديه، (3) إلا ما (1) في المخطوطة والمطبوعة: "أفرأيت إن كان المقتول من الصيد صغيرا أو كبيرا او سليما أو كان المقتول من الصيد ..." وهو كلام لا يستقيم إلا بهذه الزيادة التي زدتها بين القوسين وتصحيح "أو كبيرا" بما أثبته "إلا كبيرا" وهو ما اسظهرته من سياق كلام أبي جعفر. (2) في المطبوعة: "ولا يصيب بقيمته ..." والصواب ما في المخطوطة. (3) في المطبوعة: "بقيمته ذلك" وهو خطأ صوابه في المخطوطة. يجوز في الضحايا. وإذا أجاز شراءَ مثل المقتول من الصيد بقيمته وإهداءها وقد يكون المقتول صغيرًا معيبًا، (1) أجاز في الهدي ما لا يجوز في الأضاحي. (2) وإن زعم أنه لا يجوز أن يشتري بقيمته فيهديه إلا ما يجوز في الضحايا أوضح بذلك من قوله الخلافَ لظاهر التنزيل. وذلك أنّ الله تعالى ذكره، أوجب على قاتل الصيد من المحرِمين عمدًا، المثلَ من النعم إذا وجده. وقد زعم قائل هذه المقالة أنه لا يجب عليه المثل من النعم، وهو إلى ذلك واجدٌ سبيلا. ويقال لقائل ذلك: أرأيت إن قال قائل آخر: "ما على قاتل ما لا تبلغُ من الصيد قيمته ما يصاب به من النَّعم ما يجوز في الأضاحي من إطعام ولا صيام. (3) لأن الله تعالى إنما خيَّر قاتل الصيد من المحرمين في أحد الثلاثة الأشياء التي سماها في كتابه، فإذا لم يكن له إلى واحد من ذلك سبيل، سقط عنه فرض الآخرَيْن. لأن الخيار إنما كان له، وله إلى الثلاثة سبيل. فإذا لم يكن له إلى بعض ذلك سبيل، بطل فرض الجزاء عنه، لأنه ليس ممن عُني بالآية= نظيرَ الذي قلت أنت:" إنه إذا لم يكن المقتول من الصيد يبلغ قيمته ما يصاب من النعم مما يجوز في الضحايا، فقد سقط فرض الجزاء بالمثل من النعم عنه، وإنما عليه الجزاء بالإطعام أو الصيام "،= هل بينك وبينه فرق من أصل أو نظير؟ فلن يقول في أحدهما قولا إلا ألزم في الآخر مثله." * * * (1) في المطبوعة والمخطوطة: "وإذا أجازوا شرى مثل المقتول" وصواب كل ذلك ما أثبت وإنما وهم الناسخ في "أجازوا" فإن جواب "إذا" يدل على خلافه وصواب ما أثبت. (2) في المطبوعة: "أجازوا في الهدي" غير ما في المخطوطة لوهم الناسخ كما قلت في التعليق السالف. (3) في المطبوعة: "ما لا يبلغ" وهو في المخطوطة غير منقوطة وصوابها ما أثبت. وسياق هذه الجملة: "ما على قاتل ما تبلغ ... من إطعام ولا صيام" يعني ليس على قاتل صيد لا تبلغ قيمته أن يشتري بها من النعم ما يجوز مثله في الأضاحي= إطعام أو صيام. القول في تأويل قوله: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: يحكم بذلك الجزاء الذي هو مثل المقتول من الصيد من النعم عدلان منكم= يعني: فقيهان عالمان من أهل الدين والفضل= (1) "هديًا" ، يقول: يقضي بالجزاء ذوا عدل، أي يُهْدَي فيبلغ الكعبة. (2) و "الهاء" في قوله: "ويحكم به" ، عائدة على "الجزاء" . (3) . * * * قال أبو جعفر: ووجه حكم العدلين إذا أرادا أن يحكما بمثل المقتول من الصيد من النعم على القاتل: أن ينظرا إلى المقتول ويستوصفاه، فإن ذكر أنه أصاب ظبيًا صغيرًا، حكما عليه من ولد الضأن بنظير ذلك الذي قتله في السن والجسم، فإن كان الذي أصاب من ذلك كبيرًا، حكما عليه من الضأن بكبير. وإن كان الذي أصاب حمار وَحْش، حكما عليه ببقرة. إن كان الذي أصاب كبيرًا من البقر، وإن كان صغيرًا فصغيرًا. وإن كان المقتول ذكرًا فمثله من ذكور البقر. وإن كان أنثى فمثله من البقر أنثى. ثم كذلك ذلك، ينظران إلى أشبه الأشياء بالمقتول من الصيد شبهًا من النعم، (4) فيحكمان عليه به، كما قال تعالى ذكره. * * * وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، على اختلافٍ في ذلك بينهم. * ذكر من قال ذلك بنحو الذي قلنا فيه: (1) انظر تفسير "العدل" فيما سلف 6: 51، 60. (2) في المطبوعة: "أن يهدي" وأثبت ما في المخطوطة. (3) انظر تفسير "الهدي" فيما سلف 4: 34، 35/9: 466. (4) في المخطوطة: "ينظر إلى أشبه الأشياء" والصواب ما في المطبوعة. 12585 - حدثنا هنّاد بن السريّ قال: حدثنا ابن أبي زائدة قال: أخبرنا داود بن أبي هند، عن بكر بن عبد الله المزني قال: كان رجلان من الأعراب محرِمين، فأحاش أحدهما ظبيًا، فقتله الآخر. (1) فأتيا عمر، وعنده عبد الرحمن بن عوف، فقال له عمر: (2) وما ترى؟ قال: شاة، قال: وأنا أرى ذلك، اذهبا فأهديا شاة. فلما مضَيا قال أحدهما لصاحبه: ما درَى أمير المؤمنين ما يقول حتى سأل صاحبه!! فسمعها عمر، فردّهما فقال: هل تقرأان سورة المائدة؟ فقالا لا! فقرأها عليهما: (3) "يحكم به ذوا عدل منكم" ، ثم قال: استعنت بصاحبي هذا. 12586 - حدثنا أبو كريب ويعقوب قالا حدثنا هشيم قال، أخبرنا عبد الملك بن عمير، عن قبيصة بن جابر قال: ابتدرت أنا وصاحب لي ظبيًا في العقبة، فأصبته، فأتيت عمر بن الخطاب، فذكرت ذلك له. فأقبل على رجل إلى جنبه، فنظرا في ذلك. قال فقال: اذبح كبشًا= قال يعقوب في حديثه، فقال لي: اذبح شاة= فانصرفت فأتيت صاحبي فقلت: إن أميرَ المؤمنين لم يدرِ ما يقول! فقال صاحبي: انحر ناقتك. فسمعها عمر بن الخطاب، فأقبل عليَّ ضربًا بالدِّرة وقال: تقتل الصيد وأنت محرم، وتَغْمِصُ الفُتْيا! (4) إن الله تعالى يقول في كتابه: "يحكم به ذوا عدل منكم" ، هذا ابن عوف، وأنا عمر! (5) 12587 - حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا حصين، عن (1) في المطبوعة: "فأجاش" بالجيم وهو خطأ وفي المخطوطة غير منقوط. "حاش الصيد حوشا وحياشا" و "أحاشه" و "أحوشه" و "حشت عليه الصيد" و "أحشته" : إذا نفرته نحوه وأخذته من حواليه لتصرفه إلى الحبالة ثم سقته نحوه وجمعته عليه. (2) في المخطوطة في الموضعين: "عمرو" وهو خطأ محض، وفي المطبوعة في الآخرة منهما "عمرو" وهو خطأ. (3) في المطبوعة: "فقرأها عليهما" والصواب ما في المخطوطة. (4) انظر تفسير "غمص الفتيا" فيما سلف ص: 17 تعليق: 4. (5) الأثر: 12586- انظر التعليق على الأثر السالف رقم: 12573. الشعبي قال، أخبرني قبيصة بن جابر، بنحو ما حدث به عبد الملك. 12588 - حدثنا هناد وأبو هشام قالا حدثنا وكيع، عن المسعودي، عن عبد الملك بن عمير، عن قبيصة بن جابر قال: خرجنا حجاجًا (1) فكنا إذا صلينا الغداة، اقتدرنا رواحلنا نتماشى نتحدث، (2) قال: فبينما نحن ذات غداة إذ سنح لنا ظبيٌ أو بَرَح، (3) فرماه رجل منا بحجر، فما أخطأ خُشَّاءه، (4) فركب رَدْعَه ميتًا. (5) قال: فعظَّمنا عليه. فلما قدمنا مكة، خرجت معه حتى أتينا عمر، فقص عليه القصة. قال: وإذا إلى جنبه رجلٌ كان وجهه قُلْبُ فضة (6) =يعني عبد الرحمن بن عوف = فالتفت إلى صاحبه فكلمه. قال: ثم أقبل علي الرجل قال: أعمدًا قتلته أم خطأ؟ قال الرجل: لقد تعمَّدت رميه، وما أردت قتله. فقال عمر: ما أراك إلا قد أشركتَ بين العمد والخطأ، أعمد إلى شاة فاذبحها، وتصدق بلحمها، وَاسْقِِ إهابَها. (7) قال: فقمنا من عنده، فقلت: أيها الرجل، (1) في المطبوعة والمخطوطة: "خرجنا" لم يذكر "حجاجا" ولكن ابن كثير نقله عن هذا الموضع وفيه "حجاجا" وكذلك هي في رواية البيهقي في السنن 5: 181. وإذن فقد سقط من الناسخ "حجاجا" فلذلك أثبتها. (2) "صلاة الغداة" هي صلاة الفجر. (3) "سنح الظبي" أتاك عن يسارك و "برح" : أتاك عن يمينك. (4) في المطبوعة: "خششاءه" وأثبت ما في المخطوطة وهي بضم الخاء وتشديد الشين المفتوحة وكلتاهما صواب وبهما روى الخبر. و "الخشاء" و "الخششاء" : وهو العظم الدقيق العاري من الشعر الناتئ خلف الأذن. (5) في المطبوعة: "فركب وودعه ميتا" وهو كلام ساقط جدا. وفي المخطوطة: "فركب ودعه ميتا" وهو تصحيف صوابه ما أثبت. يقال للقتيل: "ركب ردعه" : إذا خر لوجهه على دمه. وركوبه عليه: أن الدم يسيل ثم يخر عليه صريعا. وأصل "الردع" ما تلطخ به الشيء من زعفران أو غيره، وهو أثره ولونه. (6) "القلب" (بضم فسكون ": سوار يكون قلدا واحدا أي ليا واحدا. وفي الحديث:" أن فاطمة حلت الحسن والحسين رضي الله عنهما بقلبين من فضة "أي: سوارين من فضة. وصفة عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه في طبقات ابن سعد 3/1/94:" كان رجلا طويلا حسن الوجه رقيق البشرة فيح جدّا (ميل في الظهر أو العنق) أبيض مشربا حمرة لا يغير لحيته ولا رأسه "." (7) قوله "أسق إهابها" يعني: أعط إهابها من يدبغه ويتخذ من جلده سقاء. و "السقاء" ظرف الماء من الجلد. و "الإهاب" : الجلد من البقر والغنم والوحش ما لم يدبغ. عظِّم شعائر الله! (1) فما درى أمير المؤمنين ما يُفتيك حتى سأل صاحبه! اعمد إلى ناقتك فانحرها، ففعلَّ ذاك! (2) قال قبيصة: ولا أذكر الآية من "سورة المائدة" : "يحكم به ذوا عدل منكم" قال: فبلغ عمر مقالتي، فلم يفجأنا إلا ومعه الدِّرّة! قال: فعلا صاحبي ضربًا بالدّرة، (3) وجعل يقول: أقتلت في الحرم وسفَّهت الحُكم! قال: ثم أقبل عليّ فقلت: يا أمير المؤمنين، لا أحِلَّ لك اليوم شيئًا يحرُم عليك مني! (4) قال: يا قبيصة بن جابر، إنّي أراك شابَّ السن، فسيحَ الصدر (5) بيِّن اللسان، وإن الشاب يكون فيه تسعةُ أخلاق حسنة وخلق سييء، فيفسد الخلق السييء الأخلاقَ الحسنة، فإياك وعثرات الشباب! (6) 12589 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن عيينة، عن مخارق، عن طارق قال: أوطأ أربدُ ضَبًّا (7) فقتله- وهو محرم. فأتى عمر ليحكم عليه، فقال له عمر: احكم معي! فحكما فيه جَدْيًا قد جَمَع الماء والشجر. (8) ثم قال عمر: "يحكم به ذوا عدل منكم" . (9) 12590 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا جامع بن حماد قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: ذكر لنا أن رجلا أصاب صيدًا، فأتى ابن عمر فسأله عن ذلك، وعنده عبد الله بن صفوان، فقال ابن عمر لابن صفوان: إما إن أقول فتصدقني، وإما أن تقول فأصدقك. فقال ابن صفوان: بل أنت فقل. فقال ابن عمر، ووافقه على ذلك عبد الله بن صفوان. 12591 - حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا هشام، عن ابن سيرين، عن شريح، أنه قال: لو وجدت حكمًا عدلا لحكمت في الثعلب جَدْيًا، وجديٌ أحبُّ إليّ من الثعلب. (10) (1) في المخطوطة: "أعظم شعائر الله" وما في المطبوعة هو الموافق لما في سنن البيهقي وهو أولاهما لمطابقته نص آية "سورة الحج" : "ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب" . (2) في المطبوعة: "ففعل ذاك" والصواب هو ما في المخطوطة وابن كثير يقول: فلعل ذلك أن يكون جزاء مثل ما قتلت من الصيد. وفي ابن كثير: "يعني أن يجزئ عنك" وهذا النص ليس في المخطوطة فلذلك لم أزده في هذا الموضع، أخشى أن يكون من كلام ابن كثير. (3) روى البيهقي هذا الخبر بغير هذا اللفظ وقال عند هذا الموضع: "فما علمت بشيء والله ما شعرت إلا به يضرب بالدرة على= وقال مرة: على صاحبي" فهذه التي هنا هي إحدى الروايتين. (4) يعني أنه لما أقبل عليه عمر وعوف أنه ضاربه كما ضرب صاحبه رهب عمر واخافه بقوله: إنه لن يحله من ضرب بشرة هي عليه حرام إلا بحقها. فلذلك هاب عمر أن يضربه كما ضرب صاحبه. فانظر إلى ما طبع عليه أسلافنا من حرية الطباع وما وقذ الإسلام من عرامهم حتى كف عمر يده مخافة أن يصيب من أبشار المسلم حراما لا يحل له إلا بحقه. (5) قوله: "فسيح الصدر" أي: واسع الصدر وذلك من دلائل القوة ومتانة التركيب وهذه المقالة من عمر من أبلغ ما يهدى إلى الشباب فإن البلاء إنما يأتي من سوء الخلق، وخلق سيئ واحد يجر وراءه جميع مساوي الأخلاق. (6) الأثر: 12588- انظر تخريج خبر قبيصة بن جابر فيما سلف في التعليق على رقم: 12573. وختم البيهقي هذا الأثر (السنن 5: 181) وهو من رواية ابن أبي عمر، عن سفيان عن عبد الملك بن عمير: "قال ابن أبي عمر، قال سفيان: وكان عبد الملك إذا حدث بهذا الحديث قال: ما تركت منه ألفا ولا واوا" . (7) "أوطأ" يعني: حمل دابته حتى وطئت الضب أي داسته. فسرته كذلك لأنهم يقولون: "وطئ الشيء ووطأته، وتوطأه" بمعنى: داسه ولم يذكروا "أوطأه" وإن كنت أرى القياس يعين عليه. (8) قوله: "جمع الماء والشجر" يعني: فطم ورعى الماء والشجر وهذا تفسير لم أجده في شيء من مراجع اللغة او مجازها. ينبغي إثباته. (9) الأثر: 12589- "مخارق" هو "مخارق بن خليفة بن جابر" ويقال: "مخارق بن عبد الله" و "مخارق بن عبد الرحمن" البجلي الأحمسي، ثقة مضى برقم: 11682. و "طارق" هو: "طارق بن شهاب البجلي الأحمسي" مضى برقم: 9744، 11682، 12073- 12075، 12085. و "أربد" هو "أربد بن عبد الله البجلي" أدرك الجاهلية هكذا ترجم له ابن حجر في الإصابة في القسم الثالث، وذكر هذا الخبر مبينا فيه اسمه ثم قال: "إسناده صحيح ورواه الأعمش عن سليمان بن ميسره، عن طارق، ولم يسم الرجل" . ورواه البيهقي في السنن الكبرى 5: 182 من طريق الشافعي عن سفيان بن عيينة. وهو في الأم 2: 165 ومسند الشافعي للسندي: 332 وشرحه الأستاذ حامد مصطفى بمثل ما شرحته قبل. (10) في المطبوعة: "من الثعلب" وأثبت ما في المخطوطة وهو الجيد. https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الحادى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة الحلقة (572) صــ 26 إلى صــ 35 12592 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا محمد بن بكير قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أبي مجلز: أن رجلا سأل ابن عمر عن رجل أصاب صيدًا وهو محرم، وعنده ابن صفوان، فقال له ابن عمر: إما أن تقول فأصدقك، أو أقول فتصدقني. قال: قل وأصدقك. 12593 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا شعبة، عن منصور، عن أبي وائل قال، أخبرني ابن جرير البجلي قال: أصبت ظبيًا وأنا محرم، فذكرت ذلك لعمر، فقال: ائت رجلين من إخوانك فليحكما عليك. فأتيت عبد الرحمن وسعدًا، فحكما عليّ تيسًا أعْفَر= قال أبو جعفر: "الأعفر" : الأبيض. (1) 12594 - حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن منصور بإسناده عن عمر، مثله. 12595 - حدثنا عبد الحميد قال، أخبرنا إسحاق، عن شريك، عن (1) الأثر: 12593- "أبو وائل" هو "شقيق بن سلمة الأسدي" مضى مرارا كثيرة. و "أبو جرير البجلي" لم يترجم له غير ابن سعد في الطبقات 6: 106ن 107 وقال: "روى عن عمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن عوف وسعد" وساق هذا الخبر مختصرا من طريق إسحق بن يوسف الأزرق عن سفيان عن منصور عن أبي وائل ثم ساقه مطولا بنحو لفظه في خبر أبي جعفر: من طريق عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل عن منصور عن شقيق. ورواه البيهقي في السنن 5: 181، 182 من طريق عبيد الله بن معاذ عن شعبة عن منصور بنحو لفظ أبي جعفر. ثم قال في آخره: "زاد فيه جرير بن عبد الحميد عن منصور: وأنا ناس لإحرامي" . وهذه الزيادة في خبري ابن سعد، في الأول: "وأنا ناس لإهلالي" وفي الآخر: "ولا أذكر إهلالي" . ونقله ابن كثير في تفسيره 3: 239 عن هذا الموضع من تفسير الطبري. وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2: 329 وزاد نسبته لأبي الشيخ. وفي المطبوعة: "ابن جرير البجلي" والصواب من المخطوطة وهي غير منقوطة. وفي ابن كثير مثل ما في المطبوعة وفي سنن البيهقي والدر المنثور: "أبو حريز" والصواب ما في طبقات ابن سعد. وكان في المطبوعة: "فأتيت عبد الرحمن وسعيدا" والصواب ما أثبت من المخطوطة و "عبد الرحمن" هو "عبد الرحمن بن عوف" و "سعد" هو: "سعد بن أبي وقاص" . أشعث بن سوار، عن ابن سيرين قال: كان رجل على ناقة وهو محرم، فأبصر ظبيًا يأوي إلى أكمة، فقال: لأنظرنّ أنا أسبق إلى هذه الأكمة أم هذا الظبي؟ (1) فوقعت عَنز من الظباء تحت قوائم ناقته فقتلتها، (2) فأتى عمر فذكر ذلك له، فحكم عليه هو وابن عوف عنزا عفراء= قال: وهي البيضاء. 12596 - حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، أخبرنا أيوب، عن محمد: أن رجلا أوطأ ظبيًا وهو محرم، (3) فأتى عمر فذكر ذلك له، وإلى جنبه عبد الرحمن بن عوف، فأقبل على عبد الرحمن فكلمه، ثم أقبل على الرجل فقال: أهد عنزا عفراء. 12597 - حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم: أنه كان يقول: ما أصاب المحرم من شيء لم يمض فيه حكومة، استقبل به، فيحكم فيه ذوا عدل. (4) 12598 - حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثني وهب بن جرير قال، حدثنا شعبة، عن يعلي، عن عمرو بن حبشي قال: سمعت رجلا سأل عبد الله بن عمر، عن رجل أصاب ولدَ أرنب، فقال: فيه ولد ماعز، فيما أرى أنا. ثم قال لي: أكذاك؟ فقلت: أنت أعلم مني. فقال: قال الله تعالى ذكره: "يحكم به ذوا عدل منكم" . (5) 12599 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا ابن أبي عدي وسهل بن يوسف، (1) في المطبوعة: "لأنظر أنا أسبق" وفي المخطوطة: "لأنظر وأنا أسبق" وصواب قراءتها ما أثبت. (2) "العنز" الأنثى من المعزى والأوعال والظباء. (3) انظر تفسير "أوطأ" فيما سلف ص: 26 تعليق: 1. (4) أي لم يمض فيه حكم سابق. وقوله: "استقبل به" يعني: ابتدأ النظر فيه، بغير حكم سابق. (5) الأثر: 12598- "عمرو بن حبشي" تابعي ثقة، مضى ومضى ضبط اسمه برقم: 2340. عن حميد، عن بكر: أن رجلين أبصرا طبيًا وهما محرمان، فتراهنا، وخطرُ كل واحد منهما لمن سبق إليه. (1) فسبق إليه أحدهما، فرماه بعصاه فقتله. فلما قدما مكة، أتيا عمر يختصمان إليه، وعنده عبد الرحمن بن عوف، فذكرا ذلك له، فقال عمر: هذا قِمارٌ، ولا أجيزه! ثم نظر إلى عبد الرحمن، فقال: ما ترى! قال: شاة. فقال عمر: وأنا أرى ذلك. فلما قَفَّى الرجلان من عند عمر، قال أحدهما لصاحبه: ما درى عُمر ما يقول حتى سأل الرجل! فردّهما عمر فقال: إن الله تعالى ذكره لم يرضَ بعمر وحده، فقال: "يحكم به ذوا عدل منكم" ، وأنا عمر، وهذا عبد الرحمن بن عوف. * * * وقال آخرون: بل ينظر العَدْلان إلى الصيد المقتول، فيقوّمانه قيمته دراهمَ، ثم يأمران القاتل أن يشتري بذلك من النعم هَدْيًا. فالحاكمان يحكمان، في قول هؤلاء، بالقيمة. وإنما يحتاج إليهما لتقويم الصيد قيمتَه في الموضع الذي أصابه فيه. * * * وقد ذكرنا عن إبراهيم النخعي فيما مضى قبل أنه كان يقول: "ما أصاب المحرم من شيء، حكم فيه قيمته" ، (2) وهو قول جماعة من متفقِّهة الكوفيين. * * * وأما قوله: "هديًا" فإنه مُصَدَّر على الحال من "الهاء" التي في قوله: "يحكم به" . * * * وقوله: "بالغ الكعبة" من نعت "الهدي" وصفته. وإنما جاز أن ينعت به، وهو مضاف إلى معرفة، (3) لأنه في معنى النكرة. وذلك أن معنى قوله: "بالغ" (1) "الخطر" (بفتحتين) : الرهن وهو السبق الذي يترامى عليه في التراهن. و "أخطر المال" جعله خطرا بين المتراهنين، و "تخاطروا" : تراهنوا وكان في المطبوعة: "وجعل كل واحد منهما" وهذه الكلمة في المخطوطة سيئة الكتابة جدا، رأيت أن أستظهر قراءتها كذلك من معنى الرهان. وهو الصواب إن شاء الله. (2) هو رثم: 12583. (3) في المطبوعة: "ينعت وهو مضاف" حذف "به" فاختل الكلام. الكعبة "، يبلغُ الكعبة. فهو وإن كان مضافًا فمعناه التنوين، لأنه بمعنى الاستقبال، وهو نظير قوله: (هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا) [سورة الأحقاف:24] ، فوصف بقوله:" ممطرنا "" عارضًا "، لأن في" ممطرنا "معنى التنوين، لأن تأويله الاستقبال، فمعناه: هذا عارض يمطرنا. فكذلك ذلك في قوله:" هديًا بالغً الكعبة "." * * * القول في تأويل قوله: {أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: أو عليه كفارة طعام مساكين= و "الكفارة" معطوفة على "الجزاء" في قوله: "فجزاء مثل ما قتل من النعم" . واختلف القرأة في قراءة ذلك: فقرأته عامة قرأة أهل المدينة: (أو كفارة طعام مساكين) بالإضافة. وأما قرأة أهل العراق، فإنّ عامتهم قرءوا ذلك بتنوين "الكفارة" ورفع "الطعام" : أو كفارة طعام مساكين * * * قال أبو جعفر: وأولى القراءتين في ذلك عندنا بالصواب، قراءة من قرأ بتنوين "الكفارة" ورفع "الطعام" ، للعلة التي ذكرناها في قوله: "فجزاء مثلُ ما قتل من النعم" . (1) . * * * واختلف أهل التأويل في معنى قوله: "أو كفارة طعام مساكين" . (2) فقال بعضهم: معنى ذلك أنّ القاتل وهو محرم صيدًا عمدًا، لا يخلو من (1) انظر ما سلف ص: 13ن 14. (2) انظر تفسير "الكفارة" فيما سلف 10: 531 تعليق: 11 والمراجع هناك. وجوب بعض هذه الأشياء الثلاثة التي ذكر الله تعالى ذكره: من مثل المقتول هديًا بالغَ الكعبة، أو طعامُ مسكين كفارة لما فعل، أو عدلُ ذلك صيامًا= إلا أنه مخيَّر في أيِّ ذلك شاء فعل، وأنه بأيِّها كان كفَّر فقد أدّى الواجب عليه. وإنما ذلك إعلامٌ من الله تعالى عبادَه أن قاتل ذلك كما وصف لن يخرُجَ حكمه من إحدى الخلال الثلاثة. قالوا: فحكمه إن كان على المثل قادرًا أن يحكم عليه بمثل المقتول من النعم، لا يجزيه غيرُ ذلك ما دام للمثل واجدًا. قالوا: فإن لم يكن له واجدًا، أو لم يكن للمقتول مثلٌ من النعم، فكفارته حينئذ إطعام مساكين. * ذكر من قال ذلك: 12600 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: "ومن قتله منكم متعمدًا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديًا بالغ الكعبة أو كفارة طعامُ مساكين أو عدل ذلك صياما ليذوق وَبال أمره" قال: إذا قتل المحرم شيئًا من الصيد، حكم عليه فيه. فإن قتل ظبيًا أو نحوه، فعليه شاة تذبح بمكة. فإن لم يجد، فإطعام ستة مساكين. فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام. وإن قتل أيِّلا أو نحوه، فعليه بقرة. فإن لم يجدها، أطعم عشرين مسكينًا. (1) فإن لم يجد، صام عشرين يومًا. وإن قتل نعامة أو حمارَ وحش أو نحوه، فعليه بَدَنَة من الإبل. فإن لم يجد، أطعم ثلاثين مسكينًا. فإن لم يجد، صام ثلاثين يومًا. والطعام مدٌّ مُدٌّ شِبَعَهم. (2) 12601 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد" (1) في المطبوعة: "فإن لم يجد" وأثبت ما في المخطوطة. (2) الأثر: 12600- وسيأتي برقم: 12633 في المطبوعة: "يشبعهم" وأثبت ما في المخطوطة. وسيأتي في المخطوطة هناك: "وشبعهم" بالواو والجيد ما هنا. وأنتم حرمٌ "إلى قوله:" يحكم به ذوا عدل منكم "فالكفارة: من قتل ما دون الأرنب، إطعام." 12602 - حدثنا هناد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس قال: إذا أصاب المحرم الصيد، حكم عليه جزاؤه من النعم. فإن وجد جزاءَه، ذبحه فتصدق به. وإن لم يجد جزاءه، قُوِّم الجزاء دراهم، ثم قوِّمت الدراهم حنطة، ثم صام مكان كل صاع يومًا. قال: إنما أريد بالطعام الصوم، فإذا وجد طعامًا وجد جزاءً. 12603 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حميد بن عبد الرحمن، عن زهير، عن جابر، عن عطاء ومجاهد وعامر: "أو عدل ذلك صيامًا" ، قال: إنما الطعام لمن لم يجد الهَدْي. (1) 12604 - حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم أنه كان يقول: إذا أصاب المحرم شيئًا من الصيد، عليه جزاؤه من النعم. فإن لم يجد قُوِّم الجزاء دراهم، ثم قومت الدراهم طعامًا، ثم صامَ لكل نصف صاع يومًا. 12605- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن حماد قال: إذا أصاب المحرم الصيد فحكم عليه، فإن فضل منه ما لا يتم نصف صاع، صام له يومًا. ولا يكون الصوم إلا على من لم يجد ثمن هديٍ، فيحكم عليه الطعام. فإن لم يكن عنده طعام يتصدق به، حكم عليه الصوم، فصام مكان كل نصف صاع يومًا= "كفارة طعام مساكين" ، قال: فيما لا يبلغ ثمن هدي= "أو عدل ذلك صيامًا" ، من الجزاء، إذا لم يجد ما يشتري به هديًا، أو ما يتصدق به، مما لا يبلغ ثمن هدي، حكم عليه الصيام مكان كل نصف صاع يومًا. (1) زاد في المطبوعة: "ليذوق" وقطع الآية، وأثبت ما في المخطوطة. 12606 - حدثنا هناد قال، حدثنا ابن أبي زائدة قال، أخبرنا ابن جريج قال، قال مجاهد: "ومن قتل منكم متعمدًا فجزاء مثل ما قتل من النعم" ، قال: عليه من النعم مثلُه هديًا بالغَ الكعبة. ومن لم يجد، ابتاع بقيمته طعامًا، فيطعم كل مسكين مُدَّين. فإن لم يجد، صام عن كل مدَّين يومًا. 12607 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "ومن قتله منكم متعمدًا" ، إلى قوله: "ومن عاد فينتقم الله منه" ، قال: إذا قتل صيدًا، فعليه جزاؤه مثل ما قتل من النعم. فإن لم يجد، حكم عليه، ثم [قُوِّم] الفداءُ، كم هو درهمًا، ثمّ قدر ثمن ذلك بالطعام على المسكين، (1) فصام عن كل مسكين يومًا، ولا يحل طعام المسكين، لأن من وجد طعام المسكين فهو يجد الفداء. 12608- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا أبو عاصم، عن ابن جريج قال: قال لي الحسن بن مسلم: من أصاب الصيد فيما جزاؤه شاة، (2) فذلك الذي قال الله تعالى ذكره: "فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم" . وما كان من كفارة بإطعام مساكين، (3) مثل العصفورة يقتل ولا يبلغ أن يكون فيه هدي "أو عدل ذلك صيامًا" ، (4) قال عدل النعامة أو العصفور، (5) أو عدل ذلك كله. فذكرت ذلك لعطاء فقال: كل شيء في القرآن "أو" "أو" ، فلصاحبه أن يختار ما شاء. (1) في المطبوعة: "فإن لم يجد ما حكم عليه قوم الفداء كم هو درهما، وقدر ثمن ذلك..ز" وفي المخطوطة: "فإن لم يجد حكم عليه ثم الفداء كم هو درهما بين قدر ثمن ذلك ..." ومكان (بين) (ثم) بين القوسين والعبارة بعد ذلك كله مشكلة، لم أستطع أن أهتدي إلى مكانها في كتاب آخر ولا أن ألتمس لها تحريفا أرضى عنه. (2) في المطبوعة: "مما جزاؤه" وأثبت ما في المخطوطة. (3) في المطبوعة: "من كفارة طعام" وأثبت ما في المخطوطة. (4) في المطبوعة: زاد في الآية "ليذوق" ثم قطع الآية. (5) في المطبوعة: "أو العصفور" وأثبت ما في المخطوطة. 12609 - حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا يزيد بن هارون قال، أخبرنا سفيان بن حسين، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، في قوله: "لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدًا فجزاء مثل ما قتل من النعم" ، فإن لم يجد جزاءً، قوِّم عليه الجزاءُ طعامًا، ثم صاع لكل صاع يومين. * * * وقال آخرون: معنى ذلك: أن للقاتل صيدًا عمدًا وهو محرم، الخيارُ بين إحدى الكفارات الثلاث، وهي: الجزاء بمثله من النعم، والطعام، والصوم. قالوا: وإنما تأويل قوله: "فجزاء مثل ما قتل من النعم أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صيامًا" ، فعليه أن يجزي بمثله من النعم، أو يكفر بإطعام مساكين، أو بعدل الطعام من الصيام. * ذكر من قال ذلك: 12610 - حدثنا هناد بن السري قال، حدثنا ابن أبي زائدة قال، أخبرنا ابن جريج، عن عطاء، في قول الله تعالى ذكره: "فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم له ذوا عدل منكم هديًا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صيامًا" ، قال: إن أصابَ إنسان محرم نعامة، فإن له= وإن كان ذا يسار (1) أن يهدي ما شاء، جزورًا، أو عدلها طعامًا، أو عدلها صيامًا. قال: كل شيء في القرآن "أو" "أو" ، فليختر منه صاحبه ما شاء. 12611 - حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا حجاج، عن عطاء، في قوله: "فجزاء مثل ما قتل من النعم" قال: "ما كان في القرآن: أو كذا أو كذا" ، فصاحبه فيه بالخيار، أيَّ ذلك شاء فعل. 12612 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أسباط وعبد الأعلى، عن داود، (1) في المطبوعة: "إن كان ذا يسار" حذف الواو كما فعل في الأثر السالف: ص: 19 تعليق: 2 والصواب ما في المخطوطة. عن عكرمة قال: ما كان في القرآن "أو" "أو" ، فهو فيه بالخيار. وما كان: "فمن لم يجد" ، فالذي يليه ثم الذي يليه. (1) 12613 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حفص، عن عمرو، عن الحسن، مثله. 12614 - حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا ليث، عن عطاء ومجاهد، أنهما قالا في قوله: "فجزاء مثل ما قتل من النعم" قالا ما كان في القران: "أو كذا أو كذا" ، فصاحبه فيه بالخيار، أيَّ ذلك شاء فعل. 12615 - حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك: ما كان في القرآن: "أو كذا أو كذا" ، فصاحبه فيه بالخيار، أيَّ ذلك شاء فعل. 12616 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا أبو حُرّة، عن الحسن= قال وأخبرنا عبيدة، عن إبراهيم= قالا كل شيء في القرآن "أو" "أو" ، فهو بالخيار، أيّ ذلك شاء فعل. (2) 12617 - حدثنا هناد قال، حدثنا حفص، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: كل شيء في القرآن "أو" "أو" فصاحبه مخيَّر فيه، وكل شيء: "فمن لم يجد" فالأول، ثم الذي يليه. * * * واختلف القائلون بتخيير قاتل الصيد من المحرمين بين الأشياء الثلاثة، في صفة اللازم له من التكفير بالإطعام والصوم، إذا اختار الكفارة بأحدهما دونَ الهدي. (1) في المطبوعة: "فمن لم يجد فالأول ثم الذي يليه" وأثبت ما في المخطوطة وهو صواب محض. (2) الأثر: 12616- "أبو حرة البصري" هو "واصل بن عبد الرحمن" مضى برقم: 6385 وكان في المطبوعة هنا "أبو حمزة" والصواب من المخطوطة. فقال بعضهم: إذا اختار التكفير بذلك، فإنّ الواجب عليه أن يقوِّم المثلَ من النعم طعامًا، ثم يصوم مكان كلّ مُدّ يومًا https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الحادى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة الحلقة (573) صــ 36 إلى صــ 45 * ذكر من قال ذلك: 12618 - حدثنا هناد قال، أخبرنا ابن أبي زائدة قال، أخبرنا ابن جريج قال، قلت لعطاء: ما "أو عدل ذلك صيامًا" ؟ قال: إن أصاب ما عَدْله شاة، أقيمت الشاة طعامًا، ثم جعل مكان كل مدّ يومًا يصومه. * * * وقال آخرون: بل الواجب عليه إذا أراد التكفير بالإطعام أو الصوم، أن يقوِّم الصيد المقتولَ طعامًا، ثم الصدقة بالطعام إن اختار الصدقة. (1) وإن اختار الصوم صام. * * * ثم اختلفوا أيضا في الصوم. فقال بعضهم: يصوم لكل مدّ يومًا. * * * وقال آخرون: يصوم مكان كل نصف صاع يومًا. وقال آخرون: يصوم مكان كل صاع يومًا. * * * * ذكر من قال: المقوَّم لإطعام هو الصيد المقتول. (2) 12619 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا جامع بن حماد قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا شعبة، عن قتادة: "يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد" ، الآية، قال: كان قتادة يقول: يحكمان في النعم، فإن كان ليس (1) في المطبوعة: "ثم يتصدق بالطعام" وأثبت ما في المخطوطة وهو لا بأس به. (2) في المطبوعة: "المتقوم للإطعام" وفي المخطوطة بهذا الرسم غير منقوطة وصواب قراءتها ما أثبت. عنده ما يبلغ ذلك، (1) نظروا ثمنه فقوَّموه طعامًا، ثم صام مكان كل صاع يومين. * * * وقال آخرون: لا معنى للتكفير بالإطعام، لأن من وجد سبيلا إلى التكفير بالإطعام، فهو واجد إلى الجزاء بالمثل من النعم سبيلا. ومن وجد إلى الجزاء بالمثل من النعم سبيلا لم يجزه التكفير بغيره. قالوا: وإنما ذكر الله تعالى ذكره الكفارة بالإطعام في هذا الموضع، ليدلّ على صفة التكفير بالصوم= لا أنه جعل التكفير بالإطعام إحدى الكفارات التي يكفر بها قتل الصيد. (2) وقد ذكرنا تأويل ذلك فيما مضى قبل. (3) * * * قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصواب عندي في قوله: "فجزاء مثل ما قتل من النعم" ، أن يكون مرادا به: فعلى قاتله متعمدًا مثلُ الذي قتل من النعم= لا القيمة، إن اختار أن يجزيه بالمثل من النعم. وذلك أن القيمة إنما هي من الدنانير أو الدراهم. والدراهم أو الدنانير ليست للصيد بمثل، والله تعالى ذكره إنما أوجب الجزاء مثلا من النعم. * * * قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصواب عندي في قوله: "أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صيامًا" أن يكون تخييرًا، وأن يكون للقاتل الخيار في تكفيره بقتله الصيد وهو محرم بأيِّ هذه الكفارات الثلاث شاء. لأن الله تعالى ذكره، جعل ما أوجبَ في قتل الصيد من الجزاء والكفارة عقوبة لفعله، وتكفيرًا لذنبه، في إتلافه ما أتلف من الصيد الذي كان حرامًا عليه إتلافه في حال إحرامه، وقد كان حلالا له قبل حال إحرامه، كما جعل الفدية من صيام أو صدقة أو نسك في حلق الشعر الذي حلقه المحرم في حال إحرامه، وقد كان له حلالا قبل حال (1) في المطبوعة: "فإن كان ليس صيده ما يبلغ ذلك" وهو خطأ صوابه في المخطوطة. (2) في المخطوطة: "لأنه جعل التكفير ..." وصوابه ما في المطبوعة. (3) انظر ما سلف ص: 15 وما بعدها. إحرامه، [عقوبة لفعله، وتكفيرًا لذنبه] وحلق الشعر الذي حلقه المحرم في حال إحرامه وقد كان له حلقه قبل حال إحرامه، ثم منع من حلقه في حال إحرامه نظير الصيد. (1) ثم جعل عليه إن حلقه جزاءً من حلقه إياه. فأجمع الجميع على أنه في حلقه إياه إذا حلقه من أذاته، (2) مخيَّر في تكفيره، فعله ذلك بأيِّ الكفارات الثلاث شاء. لا فرق بين ذلك (3) فمثله إن شاء الله قاتل الصيد من المحرمين، (4) . ومن أبى ما قلنا فيه، قيل له: حكم الله تعالى ذكره على قاتل الصيد بالمثل من النعم، أو كفارة طعام مساكين، أو عدله صيامًا= كما حكم على الحالق بفدية من صيام أو صدقة أو نسك، فزعمتَ أن أحدهما مخيَّر في تكفير ما جعل منه، عِوَضٌ بأيّ الثلاث شاء، وأنكرت أن يكونَ ذلك للآخر، فهل بينك وبين من عكس عليك الأمر في ذلك= فجعل الخيارَ فيه حيث أبيت، وأبى حيث جعلته له= فرقٌ من أصل أو نظير؟ فلن يقول في أحدهما قولا إلا إذا ألزم في الآخر مثله. (5) (1) كانت هذه الجملة في المطبوعة: "كما جعل الفدية من صيام او صدقة أو نسك في حلق الشعر الذي حلقه المحرم في حال إحرامه وقد كان له حلقه قبل حال إحرامه ثم منع من حلقه في حال إحرامه، نظير الصيد" . وهو كلام غير مستقيم وهو اختصار لما في المخطوطة. وكان في المخطوطة هكذا: "كما جعل الفدية من صيام أو صدقة أو نسك في حلق الشعر الذي حلقه المحرم في حال إحرامه وقد كان حلالا قبل حال إحرامه كما جعل الفدية من صيام أو صدقة أو نسك في حلق الشعر الذي حلقه المحرم في حال إحرامه، وقد كان له حلقه قبل حال إحرامه ثم منع من حلقه في حال إحرامه نظير الصيد" . وهي جملة مختلطة فيها بلا شك زيادة من الناسخ وهو قوله: "كما جعل الفدية من صيام أو صدقة او نسك" واستظهرت أن مكان هذه العبارة كما وضعته بين القوسين، لتتم المناظرة بين الفعلين والعقوبتين والجزاءين وبذلك استقام الكلام إن شاء الله. (2) في المطبوعة: "من إيذائه" وأثبت ما في المخطوطة وهو غير منقوطة. (3) في المطبوعة والمخطوطة: "في تكفيره فعليه ذلك" وهو خطأ محض صوابه ما أثبت. (4) في المطبوعة: "فمثله إن شاء الله قاتل الصيد" وفي المخطوطة: "فمثله مما شاله قاتل الصيد" واستظهرت الصواب من نص الآية "ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم" . (5) انظر ما قاله أبو جعفر في الحلق فيما سلف 4: 76- 78. ثم اختلفوا في صفة التقويم إذا أراد التكفير بالإطعام. فقال بعضهم: يقوَّم الصيد قيمته بالموضع الذي أصابه فيه. (1) وهو قول إبراهيم النخعي، وحماد، وأبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد. وقد ذكرت الرواية عن إبراهيم وحماد فيما مضى بما يدل على ذلك، (2) وهو نص قول أبي حنيفة وأصحابه. * * * وقال آخرون: بل يقوَّم ذلك بسعر الأرض التي يكفِّر فيها. (3) * ذكر من قال ذلك: 12620 - حدثنا هناد قال، حدثنا ابن أبي زائدة قال، حدثنا إسرائيل، عن جابر، عن عامر قال في محرم أصاب صيدًا بخراسان، قال: يكفر بمكة أو بمنًى. وقال: يقوّم الطعام بسعر الأرض التي يكفّر بها. 12621 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو يمان، عن إسرائيل، عن جابر، عن الشعبي، في رجل أصاب صيدًا بخراسان، قال: يحكم عليه بمكة. قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا، أن قاتل الصيد إذا جزأه بمثله من النَّعم، فإنما يجزيه بنظيره في خلق وقدره في جسمه، (4) من أقرب الأشياء به شبهًا من الأنعام. فإن جزاه بالإطعام، قوّمه قيمته بموضعه الذي أصابه فيه، لأنه هنالك وجب عليه التكفير بالإطعام. ثم إن شاء أطعم بالموضع الذي أصابه فيه، وإن شاء بمكة، وإن شاء بغير ذلك من المواضع حيث شاء، لأن الله تعالى ذكره؛ إنما شَرَط بلوغ الكعبة بالهدي في قتل الصيد دون غيره من جزائه، فللجازي (1) في المطبوعة: "قيمته بالموضع" وأثبت ما في المخطوطة وهو صواب محض وليس في المخطوطة "فيه" وإثباتها واجب. (2) يعني ما سلف رقم: 12583، 12584/ 12604، 12605. (3) في المطبوعة: "يكفر بها" وأثبت ما في المخطوطة. (4) في المطبوعة والمخطوطة: "في خلق" والجيد ما أثبت. بغير الهدى أن يجزيه بالإطعام والصوم حيث شاء من الأرض. * * * وبمثل الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل العلم. * ذكر من قال ذلك: 12622 - حدثنا هناد قال، حدثنا ابن أبي زائدة قال، حدثنا ابن أبي عروبة، عن أبي معشر، عن إبراهيم قال: ما كان من دم فبمكة. وما كان من صدقة أو صوم، حيث شاء. * * * وقد خالف ذلك مخالفون، فقالوا: لا يجزئ الهدى والإطعام إلا بمكة. فأما الصوم، فإن لم يكن كفَّر، به يصوم حيث شاء من الأرض. (1) * ذكر من قال ذلك: 12623- حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي= عن حماد بن سلمة، عن قيس بن سعد، عن عطاء قال: الدم والطعام بمكة، والصيامُ حيث شاء. 12624 - حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي= عن مالك بن مغول، عن عطاء قال: كفارة الحج بمكة. 12625 - حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا أبو عاصم، عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: أين يُتصدق بالطعام إن بدا له؟ قال: بمكة، من أجل أنه بمنزله الهدي، قال: "فجزاء مثل ما قتل من النعم أو هديًا بالغ الكعبة" ، من أجل أنه أصابه في حَرَم = يريد البيت = فجزاؤه عند البيت. * * * (1) في المطبوعة: "فأما الصوم فإن كفر به يصوم حيث شاء من الأرض" وفي المخطوطة: "فإن لم يكن كفر به أن يصومه حيث شاء من الأرض" وصواب قراءتها ما أثبت. فأما الهدي، فإنّ من جَزَى به ما قتل من الصيد، (1) فلن يجزئه من كفارة ما قتل من ذلك إلا أن يبلغه الكعبة كما قال تعالى ذكره (2) وينحره أو يذبحه ويتصدق به على مساكين الحرم= وعنَى بالكعبة في هذا الموضع، الحرم كله. (3) ولمن قدَّم بهديه الواجبَ من جزاء الصيد، أن ينحره في كل وقت شاء، قبل يوم النحر وبعده، ويطعمه. وكذلك إن كفر بالطعام، (4) فله أن يكفر به متى أحب وحيث أحب. وإن كفّر بالصوم فكذلك. * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، خلا ما ذكرنا من اختلافهم في التكفير بالإطعام على ما قد بينا فيما مضى. * ذكر من قال ذلك: 12626 - حدثنا هناد قال، حدثنا ابن أبي زائدة قال، أخبرنا ابن جريج قال، قلت لعطاء: "أو عدل ذلك صيامًا" ، هل لصيامه وقت؟ قال: لا إذ شاء وحيث شاء، وتعجيله أحبُّ إليّ. 12627 - حدثنا هناد قال، حدثنا ابن أبي زائدة قال، أخبرنا ابن جريج قال، قلت لعطاء: رجل أصابَ صيدًا في الحج أو العمرة، فأرسل بجزائه إلى الحرم في المحرَّم أو غيره من الشهور، أيجزئ عنه؟ قال: نعم. ثم قرأ: "هديًا بالغ الكعبة" = قال هناد: قال يحيى: وبه نأخذ. (5) (1) في المطبوعة: "فأما الهدي، فإنه من جراء ما قتل من الصيد" وهو كلام فاسد جدا وفي المخطوطة: "فإن من جرائه ما قتل من الصيد" غير منقوطة وهذا صواب قراءتها. (2) في المطبوعة: "إلا أن يبلغه الكعبة طيبا وينحره أو يذبحه" وهو فاسد المعنى وفي المخطوطة: "إلا أن يبلغه الكعبة طيبا قال تعالى ذكره وينحره ..." وصواب قراءة "طسا" غير منقوطة "كما" كما أثبتها. (3) في المطبوعة: "ويعني بالكعبة" وفي المخطوطة "وعنا بالكعبة" وصواب قراءتها ما أثبت. (4) في المطبوعة: "بالطعام" وأثبت ما في المخطوطة. (5) الأثر: 12627- "يحيى" هو "ابن أبي زائدة" وهو: "يحيى بن زكريا ابن أبي زائدة" ومضى مرارا. 12628- حدثنا هناد قال، حدثنا ابن أبي زائدة قال، أخبرنا ابن جريج وابن أبي سليم، عن عطاء قال: إذا قدمتَ مكة بجزاء صيدٍ فانحره، فإن الله تعالى ذكره يقول: "هديًا بالغ الكعبة" ، إلا أن يقدَم في العشر، فيؤخِّرُه إلى يوم النحر. (1) 12629- حدثنا هناد قال، حدثنا ابن أبي زائدة قال، حدثنا ابن جريج، عن عطاء قال: يتصدّق الذي يصيب الصيدَ بمكة. فإن الله تعالى ذكره يقول: "هديًا بالغ الكعبة" . * * * القول في تأويل قوله تعالى: {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: أو على قاتل الصيد محرِمًا، عدلُ الصّيد المقتول من الصيام. وذلك أن يقوّم الصيد حيًّا غير مقتول قيمته من الطعام بالموضع الذي قتله فيه المحرم، ثم يصوم مكان كل مدٍّ يومًا. وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم عَدَل المدَّ من الطعام بصوم يوم في كفَّارة المُوَاقع في شهر رمَضَان. (2) * * * فإن قال قائل: فهلا جعلت مكان كلّ صاع في جزاءِ الصيد، صومَ يوم، قياسًا على حكم النبي صلى الله عليه وسلم في نظيره، وذلك حكمه على كَعْب بن عُجْرة إذ أمره أن يطعم إنْ كفَّر بالإطعام فَرْقًا من طعام، وذلك ثلاثة آصُعٍ بين ستّة مساكين (3) = إنْ كفر بالصيام أن يصوم ثلاثة أيام، فجعل الأيام (1) في المطبوعة: "فيخر" بغير ضمير وأثبت ما في المخطوطة. (2) انظر الأخبار في كفارة من أتى أهله في نهار رمضان وهو صائم في السنن الكبرى البيهقي 4: 221- 225. (3) انظر خبر "كعب بن عجرة" إذ شكا رأسه من صئبانه، فيما سلف في التفسير 4: 58- 69 الآثار رقم: 3334- 3359. الثلاثة في الصوم عَدْلا من إطعام ثلاثة آصع، فإن ذلك بالكفارة في جزاءِ الصيد، أشبهُ من الكفارة في قتلِ الصيد بكفَّارة المُواقع امرأتَه في شهر رمضان؟. قيل: إن "القياس" ، إنما هو رَدُّ الفروع المختلف فيها، إلى نظائرها من الأصول المجمع عليها. ولا خلافَ بين الجميع من الحجّة أنه لا يجزئ مكفِّرًا كفَّر في قتل الصيد بالصوم، أن يعدِلَ صوم يوم بصاعِ طعام. فإذْ كان ذلك كذلك، وكان غير جائز خلافها فيما حدَّثت به من الدين مجمعةً عليه، (1) صحَّ بذلك أن حكم معادلة الصوم الطعامَ في قتل الصيد، مخالف حكم معادلته إيَّاه في كفارة الحلق، إذْ كان غير جائز ردّ أصْلٍ على أصْلٍ قياسًا. وإنما يجوز أن يقاس الفرعُ على الأصل. (2) وسواء قال قائل: "هلا رددتَ حكم الصوم في كفارة قتلِ الصيد، على حكمه في حَلْق الأذى فيما يُعْدل به من الطعام" ؟ = وآخر قال: "هلا رددت حكم الصوم في الحلق، على حكمه في كفارة قتل الصيد فيما يُعدلُ به من الطعام، فتُوجب عليه مكان كل مدٍّ أو مكان كل نصف صاع صومَ يوم" ؟ * * * وقد بينا فيما مضى قبل أن "العَدْل" في كلام العرب بالفتح، هو قدر الشيء من غير جنسه= (3) وأن "العِدْل" هو قدره من جنسه. (4) وقد كان بعض أهل العلم بكلام العرب يقول: "العدل" مصدر من قول القائل: "عَدَلت بهذا عَدْلا حسنًا" . قال: "والعَدْل" أيضًا بالفتح، (1) في المطبوعة: "حدت به من الدين" (بتشديد الدال والتاء في آخره) وفي المخطوطة "حدث به" بالثاء وصواب قراءتها ما أثبت. (2) في المطبوعة والمخطوطة: "إذا كان غير جائز وداخل على آخر قياسا" وفي المخطوطة مثلها مهملة غير منقوطة. وهو كلام لا معنى له، بل الصواب المحض ما أثبت وذلك أن الكاتب كتب: "وداحل" وصوابها: "رد أصل" ثم كتب "على أحر" وصوابها: "على أصل" وهو ظاهر كلام أبي جعفر كما رأيت قبل، وكما ترى بعد. (3) في المطبوعة: "وهو قدر ..." بزيادة "الواو" وهو خطأ. (4) انظر تفسير "العدل" فيما سلف 2: 35، 574. ثم معاني القرآن للفراء 1: 320، ثم مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 53، 175، 176. المثل. ولكنهم فرَّقوا بين "العدل" في هذا وبين "عِدْل المتاع" ، بأن كسروا "العين" من "عِدْل المتاع" ، وفتحوها من قول الله تعالى: (1) وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ [سورة البقرة:123] ، وقول الله عز وجل: "أو عدل ذلك صيامًا" ، كما قالوا: "امرأة رَزان" وحجر رَزين ". (2) " وقال بعضهم: "العدل" هو القسط في الحق، و "العِدْل" بالكسر، المثل. وقد بينا ذلك بشواهد فيما مضى. (3) . * * * وأما نصب "الصيام" فأنه على التفسير، (4) كما يقال: "عندي ملء زقٍّ سمنًا" ، و "قدر رطلٍ عسلا" . (5) * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل. (6) (1) في المطبوعة: "من قولهم" وفي المخطوطة: "من قول هم" وهو خطأ غريب والصواب ما كتبت إن شاء الله. (2) نص هذا الكلام ذكره صاحب لسان العرب في مادة (عدل) ولم يشر إليه في مادة (رزن) فهو مما يقيد في اللسان في موضعه. وجاء في اللسان "وعجز رزين" وهو خطأ يصحح، إنما الصواب "وحجر" و "حجر رزين" : ثقيل. وقد صرح صاحب أساس البلاغة فقال: "وامرأة رزان، ولا يقال" رزينة "." (3) يعني ما سلف في 2: 35. (4) "التفسير" هو التمييز وانظر ما سلف في فهارس المصطلحات. (5) انظر معاني القرآن للفراء 1: 320. (6) عند هذا الموضع انتهى المجلد الثامن من مخطوطة التفسير التي اعتمدناها. وفيها هنا ما نصه: "تم المجلد الثامن بحمد الله وعونه" وصلى الله على سيدنا محمد النبي وآله وصحبه وسلم كثيرا. يتلوه في التاسع إن شاء الله تعالى: ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا أبو عاصم قال، أخبرنا ابن جريج قال قلت لعطاء: ما "عَدْل ذلك صيامًا" ؟ قال: عدل الطعام من الصيام. وكان الفراغ منه في شهر ربيع الآخر سنة خمس عشرة وسبعمئة "." ثم يليه في أول الجزء التاسع ما نصه: "بسْم الله الرَّحمن الرحِيمِ" رَبِّ يَسِّرْ بقية تفسير: "أَوْ عَدْلُ ذلك صِيَامًا" . 12630- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا أبو عاصم قال، أخبرنا ابن جريج قال، قلت لعطاء: ما "عدل ذلك صيامًا" ؟ قال: عَدْل الطعامِ من الصيام. قال: لكل مدٍّ يومًا، يأخذ زعَم بصيام رمضان وبالظِّهار. (1) وزعم إن ذلك رأى يراه، ولم يسمعه من أحد، ولم تمض به سنة. قال: ثم عاودته بعد ذلك بحين، قلت: ما "عدل ذلك صيامًا" ؟ قال: إن أصاب ما عَدْله شاةٌ، قوِّمت طعامًا، ثم صام مكان كل مدٍّ يومًا. قال: ولم أسأله: هذا رأي أو سنة مسنونة؟ 12631 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير في قوله عز وجل: "أو عدل ذلك صيامًا" ، قال: بصوم ثلاثةَ أيام إلى عشرة أيام. 12632 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن حماد: "أو عدل ذلك صيامًا" ، من الجزاء، إذا لم يجد ما يشتري به هديًا، أو ما يتصدق به مما لا يبلُغ ثمنَ هدي، حكم عليه الصيامُ مكان كل نصفِ صاعٍ يومًا. 12633 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: "أو عدل ذلك صيامًا" ، قال: إذ قتل المحرم شيئًا من الصيد، حكم عليه فيه. فإن قتل ظبيًا أو نحوه، فعليه شاة تذبح بمكة. فإن لم يجدها، فإطعام ستة مساكين. فإن لم يجد فصيام (1) في المطبوعة: "يؤخذ" وأثبت ما في المخطوطة وهو الصواب. ومعنى قوله: "يأخذ" هنا، يعني به يقيس ذلك بكفارة المواقع أهله في نهار رمضان، وبكفارة الظهار. ثلاثة أيام. وإن قتل أيِّلا أو نحوه، فعليه بقرة. فإن لم يجد أطعم عشرين مسكينًا، فإن لم يجد، صام عشرين يومًا. وإن قتل نعامةً أو حمارَ وحش أو نحوه، فعليه بدنة من الإبل. فإن لم يجد، أطعم ثلاثين مسكينًا. فإن لم يجد، صام ثلاثين يومًا. والطعام: مدٌّ مدٌّ، شِبَعَهم. (1) 12634 - حدثنا ابن البرقي قال، حدثنا عمرو بن أبي سلمة، عن سعيد، [سألته] المحرِم يصيب الصيد (2) فيكون عليه الفدية، شاة، أو البقرة أو البدنة. فلا يجد، (3) فما عدل ذلك من الصيام أو الصدقة؟ قال: ثمن ذلك، فإن لم يجد ثمنه، قوّم ثمنه طعامًا يتصدق به لكل مسكين مُدّ، ثم يصومُ بكُلّ مدٍّ يومًا. (4) * * * https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الحادى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة الحلقة (574) صــ 46 إلى صــ 55 القول في تأويل قوله: {لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ} قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: أوجبت على قاتل الصيد محرمًا ما أوجبت من الجزاء والكفارة الذي ذكرت في هذه الآية، (5) كي يذوق وبال أمره وعذابه. * * * يعني: "بأمره" ، ذنبه وفعله الذي فعله من قتله ما نهاه الله عز وجل عن قتله في حال إحرامه. * * * (1) الأثر: 12633- مضى هذا الأثر برقم: 12600 وفيه "شبعهم" بغير واو. وفي المخطوطة هنا "وشبعهم" بالواو والجيد حذف الواو. وفي المطبوعة هنا غيرها كما غيرها في الموضع السالف وكتب: "يشبعهم" . (2) في المطبوعة: "عن سعيد: المحرم ..." وفي المخطوطة: "عن سعيد: عن المحرم" فظاهر أنه سقط من الناسخ قوله: "وسألته" كما أثبتها بين القوسين وهو حق السياق كما ترى. والذي حذفه لناشر "عن" حذف مفسد للكلام. (3) في المطبوعة: "... أو البدنة فإن لم يجد فما عدل ذلك ..." وهو تغيير فاسد جدا، أداه إليه التصرف المعيب كما رأيت في التعليق السالف. (4) في المطبوعة: "لكل مد" باللام وأثبت ما في المخطوطة. (5) في المطبوعة: "ما أوجبت من الحق او الكفارة" وهو كلام لا معنى له، وفي المخطوطة: "ما أوجبت من الحق او الكفارة" غير منقوطة وهذا صواب قراءتها كما أثبته. يقول: فألزمته الكفارة التي ألزمته إياها، لأذيقه عقوبة ذنبه. بإلزامه الغرامة، والعمل ببدنه مما يتعبه ويشق عليه. (1) . * * * وأصل "الوبال" ، الشدّة في المكروه، ومنه قول الله عز وجل: فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلا [سورة المزمل:16] . * * * وقد بيّن تعالى ذكره بقوله: "ليذوق وبالَ أمره" ، أنَّ الكفاراتِ اللازمةَ الأموالَ والأبْدَانَ، عقوباتٌ منه لخلقه، وإن كانت تمحيصًا لهم، وكفارةً لذُنُوبهم التي كفَّروها بها. * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 12635 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: أما "وبال أمره" ، فعقوبة أمرِه. * * * القول في تأويل قوله: {عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} قال أبو جعفر: يقول جل من قائل لعباده المؤمنين به وبرسوله صلى الله عليه وسلم: عفا الله، أيها المؤمنون، عمَّا سلف منكم في جاهليتكم، من إصابتكم الصيد وأنتم حُرُم، وقتلِكموه، فلا يؤاخذكم بما كان منكم في ذلك قبل تحريمه إياه عليكم، ولا يلزمكم له كفارةً في مال ولا نفس. ولكن من عاد منكم لقتله وهو محرم، (1) انظر تفسير "ذاق" فيما سلف 7: 96، 446، 4528: 487. بعد تحريمه بالمعنى الذي كان يَقْتُله في حال كفره، وقبل تحريمه عليه، من استحلاله قتلَه، فينتقم الله منه. (1) * * * وقد يحتمل أن يكون معناه: (2) من عاد لقتله بعد تحريمه في الإسلام، فينتقم الله منه في الآخرة. فأما في الدنيا، فإن عليه من الجزاء والكفَّارة فيها ما بيَّنت. * * * واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك. فقال بعضهم نحو الذي قلنا فيه. * ذكر من قال ذلك: 12636 - حدثنا هناد قال، حدثنا ابن أبي زائدة قال، أخبرنا ابن جريج قال، قلت لعطاء: ما "عفا الله عما سلف" ؟ قال: عما كان في الجاهلية. قال قلت: ما "ومن عاد فينتقم الله منه" ؟ قال: من عاد في الإسلام، فينتقم الله منه. وعليه مع ذلك الكفارة. 12637- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا أبو عاصم قال، أخبرنا ابن جريج قال، قلت لعطاء، فذكر نحوه= وزاد فيه، وقال: وإن عاد فقتل، عليه الكفارة. قلت: هل في العَوْد من حدٍّ يعلم؟ قال: لا قلت: فترى حقًّا على الإمام أن يعاقبه؟ قال: هو ذنب أذنبه فيما بينه وبين الله، ولكن يفتدي. 12638- حدثنا سفيان قال، حدثنا محمد بن بكر وأبو خالد، عن ابن جريج، عن عطاء: "ومن عاد فينتقم الله منه" ، قال: في الإسلام، وعليه مع ذلك الكفارة. قلت: عليه من الإمام عقوبة؟ قال: لا. (3) (1) انظر تفسير "عفا" فيما سلف من فهارس اللغة= وتفسير "سلف" فيما سلف 6: 14/ 8: 137، 150. (2) في المطبوعة: "أن يكون ذلك معناه" زاد "ذلك" ليهلك العبارة!! وليست في المخطوطة. (3) الأثر: 12638- "سفيان" هو: "سفيان بن وكيع" . مضى مرارا. *و "محمد بن بكر بن عثمان البرساني" مضى برقم: 5438. *و "أبو خالد" هو الأحمر "سليمان بن حيان الأزدي" مضى برقم: 3956. 12639- حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي= عن سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء: "عفا الله عما سلف" ، عمَّا كان في الجاهلية= "ومن عاد" ، قال: في الإسلام= "فينتقم الله منه" ، وعليه الكفارة. قال قلت لعطاء: فعليه من الإمام عقوبة؟ قال: لا. 12640- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء قال: يحكم عليه في الخطإ والعمد والنسيان، وكلَّما أصاب، قال الله عز وجل: "عفا الله عما سلف" ، قال: ما كان في الجاهلية= "ومن عاد فينتقم الله منه" ، مع الكفارة= قال سفيان، قال ابن جريج: فقلت: أيعاقبه السلطان؟ قال: لا. 12641- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن بكر وأبو خالد، عن ابن جريج قال، قلت لعطاء: "عفا الله عما سلف" ، قال: عما كان في الجاهلية. 12642 - حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم، عن أبي بشر، عن عطاء بن أبي رباح أنه قال: يحكم عليه كلَّما عاد. 12643 - حدثنا هناد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد قال: كلَّما أصاب المحرم الصيد ناسيًا حُكِم عليه. 12644 - حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي قال، حدثنا فضيل بن عياض، عن منصور، عن إبراهيم قال: كلَّما أصاب الصيدَ المحرمُ حُكِم عليه. 12645 - حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا سفيان بن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء قال: من قتل الصيد ثم عاد، حكم عليه. 12646 - حدثنا عمرو قال، حدثنا سفيان بن عيينة، عن داود بن أبي هند، عن سعيد بن جبير قال: يحكم عليه، أفيُخْلَع! أفيُتْرك!. (1) (1) في المطبوعة: "فيخلع أو يترك" فأفسد معنى الكلام إفسادا والصواب من المخطوطة. وهذا الاستفهام تعجب ممن سأله: "أيحكم عليه كلما عاد" فأجابه بذلك تأكيدا للحكم عليه كلما قتل الصيد. يعني أن العائد عليه الحكم في كل مرة! وإلا لأصبح مخلوعا متروكا يفعل بعد ذلك ما شاء في قتله الصيد وهو محرم. وانظر الأثر الآتي رقم: 12652. 12647 - حدثنا عمرو قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا داود بن أبي هند، عن سعيد بن جبير: الذي يصيب الصيد وهو محرم فيحكم عليه ثم يعود؟ قال: يحكم عليه. 12648 - حدثنا عمرو قال، حدثنا كثير بن هشام قال، حدثنا الفرات بن سلمان، عن عبد الكريم، عن عطاء قال: يحكم عليه كلَّما عاد. (1) * * * وقال آخرون: معنى ذلك: عفا الله عما سلف منكم في ذلك في الجاهلية، ومن عاد في الإسلام فينتقم الله منه، بإلزامه الكفّارة. * ذكر من قال ذلك: 12649 - حدثني ابن البرقي قال، حدثنا عمرو، عن زهير، عن سعيد بن جبير وعطاء في قوله الله تعالى ذكره: "ومن عاد فينتقم الله منه" ، قالا "ينتقم الله" ، يعني بالجزاء= "عفا الله عما سلف" ، في الجاهلية. * * * وقال آخرون في ذلك: عفا الله عما سلف من قتل من قتلَ منكم الصيدَ حرامًا في أول مرة. ومن عاد ثانية لقتله بعد أولى حرامًا، فاللهُ وليُّ الانتقام منه، دون كفارة تلزمه لقتله إياه. * ذكر من قال ذلك: 12650 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني (1) الأثر: 12648- "كثير بن هشام الكلابي" أبو سهل الرقي. نزل بغداد روى عنه أحمد وإسحق وابن معين ومحمد بن بشار بندار وغيرهم. مترجم في التهذيب والكبير للبخاري 4 1/218 وابن أبي حاتم 3/2/158. و "الفرات بن سلمان الحضرمي الجزري الرقي" قال أبو حاتم: "لا بأس به محله الصدق صالح الحديث مترجم في تعجيل المنفعة: 331 والبخاري في الكبير 41/129 ولم يذكر فيه جرحا وابن أبي حاتم 32/80 وكان في المطبوعة:" بن سليمان "والصواب من المخطوطة." ثم انظر إسناد الأثر التالي رقم: 12663 معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: من قتل شيئًا من الصيد خطأ وهو محرم، حكم عليه فيه مرة واحدة. فإن عاد يقال له: "ينتقم الله منك" ، كما قال الله عز وجل. 12651- حدثنا يحيى بن طلحة اليربوعي قال، حدثنا فضيل بن عياض، عن هشام، عن عكرمة، عن ابن عباس قال. إذا أصاب المحرم الصيدَ حُكم عليه. فإن عاد، لم يحكم عليه، وكان ذلك إلى الله عز وجل، إن شاء عاقبه، وإن شاء عفا عنه. ثم قرأ هذه الآية: "ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام" . 12652- حدثنا هناد قال، حدثنا يحيى بن أبي زائدة قال، حدثنا داود، عن عامر قال: جاء رجل إلى شريح فقال: إني أصبت صيدًا وأنا محرم! فقال: هل أصبت قبل ذلك شيئًا؟ قال: لا. قال: لو قلت "نعم" ، وكلتك إلى الله يكون هو ينتقم منك، إنه عزيز ذو انتقام! قال داود: فذكرت ذلك لسعيد بن جبير فقال: بل يحكم عليه، أفَيخْلَع! (1) 12653- حدثني أبو السائب وعمرو بن علي قالا حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم قال: إذا أصابَ الرجلُ الصيدَ وهو محرم، قيل له أصبت صيدًا قبل هذا؟ (2) فإن قال: "نعم" ، قيل له: اذهب، فينتقم الله منك! وإن قال "لا" ، حكم عليه. 12654- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن سليمان، عن إبراهيم، في الذي يقتل الصيد ثم يعود، قال: كانوا يقولون: من عاد لا يحكم عليه، أمرُه إلى الله عز وجل. 12655 - حدثنا عمرو قال، حدثنا ابن عيينة، عن داود بن أبي هند، (1) في المطبوعة: "أو يخلع" غير ما في المخطوطة بلا طائل والصواب ما أثبت من المخطوطة وانظر ما فعله في خاتمة الأثر رقم: 12646 والتعليق عليه ص49. رقم: 1. (2) في المطبوعة والمخطوطة: "مثل هذا" وهو خطأ صوابه ما أثبت. عن الشعبي: أن رجلا أتى شريحًا فقال: أصبت صيدًا؟ ، قال: أصبت قبله صيدًا؟ قال: لا. قال: أما إنك لو قلت "نعم" ، لم أحكم عليك. 12656 - حدثنا عمرو قال، حدثنا ابن أبي عدي قال، حدثنا داود، عن الشعبي، عن شريح، مثله. 12657 - حدثنا عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن الأشعث، عن محمد، عن شريح، في الذي يصيب الصيد قال: يحكم عليه، فإن عاد انتقمَ الله منه. 12658 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكّام بن سلم، عن عنبسة، عن سالم، عن سعيد بن جبير: "ومن قتله منكم متعمدًا فجزاء مثلُ ما قتل من النعم بحكم به ذوا عدل منكم" ، قال: يحكم عليه في العمد مرة واحدة، فإن عاد لم يحكم عليه، وقيل له: "اذهب ينتقم الله منك" ، ويحكم عليه في الخطأ أبدًا. 12659 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن خصيف، عن سعيد بن جبير قال: رُخّص في قتل الصيد مرة، فمن عاد لم يدعه الله تعالى ذكره حتى ينتقم منه. 12660 - حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع، عن سفيان، عن خصيف، عن سعيد بن جبير، مثله. 12661 - حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا يحيى بن سعيد وابن أبي عدي، جميعًا عن هشام، عن عكرمة، عن ابن عباس، فيمن أصاب صيدًا فحكم عليه، ثم أعاد، قال: لا يحكم، ينتقم الله منه. 12662 - حدثنا عمرو قال، حدثنا ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: إنما قال الله عز وجل: "ومن قتله منكم متعمدًا" ، يقول: متعمدًا لقتله، ناسيًا لإحرامه، فذلك الذي يحكم عليه، فإن عاد لا يحكم عليه، وقيل له: "ينتقم الله منك" . 12663 - حدثنا عمرو قال، حدثنا كثير بن هشام قال، حدثنا الفرات بن سلمان، عن عبد الكريم، عن مجاهد: إن عاد لم يحكم عليه، وقيل له: "ينتقم الله منك" . (1) 12664 - حدثنا عمرو قال، حدثنا يحيى بن سعيد قال، حدثنا الأشعث، عن الحسن، في الذي يصيب الصيد فيحكم عليه ثم يعود، قال: لا يحكم عليه. * * * وقال آخرون: معنى ذلك: عفا الله عما سلف من قتلكم الصيد قبل تحريم الله تعالى ذكره ذلك عليكم. ومن عاد لقتله بعد تحريم الله إياه عليه، عالمًا بتحريمه ذلك عليه، عامدًا لقتله، ذاكرًا لإحرامه، فإن الله هو المنتقم منه، ولا كفارة لذنبه ذلك، ولا جزاء يلزمه له في الدنيا. * ذكر من قال ذلك: 12665 - حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "ومن عاد فينتقم الله منه" ، قال: من عاد بعد نهي الله - بعد أن يعرف أنه محرَّم، وأنه ذاكرٌ لِحُرْمه (2) - لم ينبغ لأحد أن يحكم عليه، ووكلوه إلى نقمة الله عز وجل. فأما الذي يتعمد قتلَ الصيد وهو ناس لحرمه، أو جاهل أنّ قتله محرَّم، فهؤلاء الذين يحكم عليهم. فأما من قتله متعمدًا بعد نهي الله، وهو يعرف أنه محرَّم، وأنه حَرام، (3) فذلك يوكل إلى نقمة الله، فذلك الذي جعل الله عليه النقمة. * * * وهذا شبيه بقول مجاهد الذي ذكرناه قبل. (4) * * * (1) الأثر: 12663- "كثير بن هشام الكلابي" و "الفرات بن سلمان الجزري" مضيا قريبا برقم: 12648، وكان في المطبوعة هنا أيضا "الفرات بن سليمان" وهو خطأ صوابه ما في المخطوطة. (2) "الحرم" (بضم الحاء وسكون الراء) : الإحرام وقد سلف شرحه. (3) "حرام" أي: محرم. (4) يعني ما سلف رقم: 12662. وقال آخرون: عُنِي بذلك شخصٌ بعينه. * ذكر من قال ذلك: 12666 - حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا معتمر بن سليمان قال، حدثنا زيد أبو المعلى: أن رجلا أصاب صيدًا وهو محرم، فتجُوِّز له عنه. ثم عاد، فأرسل الله عليه نارًا فأحرقته، فذلك قوله: "ومن عاد فينتقم الله منه" ، قال: في الإسلام. (1) * * * قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندنا، قولُ من قال: معناه: "ومن عاد في الإسلام لقتله بعد نهي الله تعالى ذكره عنه، فينتقم الله منه، وعليه مع ذلك الكفارة" ، لأن الله عز وجل إذْ أخبر أنه ينتقم منه، لم يخبرنا= وقد أوجب عليه في قتله الصيد عمدًا ما أوجب من الجزاء أو الكفارة بقوله: "ومن قتله منكم متعمدًا فجزاء مثلُ ما قتل من النعم" = أنه قد أزال عنه الكفارة في المرة الثانية والثالثة، بل أعلم عبادَه ما أوجبَ من الحكم على قاتل الصيد من المحرمين عمدًا، ثم أخبر أنه منتقم ممن عاد، ولم يقل: "ولا كفارة عليه في الدنيا" . * * * فإن ظن ظانّ أن الكفارة مزيلةٌ العقابَ، (2) ولو كانت الكفارةُ لازمةً له في الدنيا، لبطلَ العقاب في الآخرة، فقد ظنّ خطأ. وذلك أن الله عز وجلّ أن يخالف بين عقوبات معاصيه بما شاء وأحب، فيزيد في عقوبته على بعض معاصيه مما ينقصُ من بعض، وينقص من بعض مما يزيد في بعض، كالذي فعل من ذلك في مخالفته بين عقوبته الزانيَ البكرَ والزانيَ الثيِّبَ المحصن، وبين سارق (1) الأثر: 12666- "زيد" "أبو المعلى" مترجم في "زيد بن مرة" و "زيد بن أبي ليلى" "أبو المعلى" مولى بني العدوية. قال أبو حاتم: "صالح الحديث" وقال أبو داود الطيالسي: "وكان ثقة" . مترجم في لسان الميزان 2: 511 والكبير للبخاري 2/1/370، وعلق عليه ناشر التاريخ. تعليقا وافيا. وابن أبي حاتم 1/2/573. (2) في المطبوعة: "مزيلة للعقاب" بزيادة اللام وهو تغيير لعبارة أبي جعفر في المخطوطة. وقوله: "العقاب" منصوب مفعول به لقوله: "مزيلة" . ربع دينار وبين سارق أقلَّ من ذلك. فكذلك خالف بين عقوبته قاتلَ الصيد من المحرمين عمدًا ابتداءً، وبين عقوبته عَوْدًا بعد بدء. فأوجب على الباديء المثلَ من النعم، أو الكفارة بالإطعام، أو العدل من الصيام، وجعل ذلك عقوبة جُرْمه بقوله: "ليذوق وبال أمره" ، وجعل على العائد بعد البدء، وزاده من عقوبته ما أخبر عبادَه أنه فاعل به من الانتقام، تغليظًا منه عز وجل للعود بعد البدء. ولو كانت عقوباته على الأشياء متفقة، لوجب أن لا يكون حدٌّ في شيء، مخالفًا حدًّا في غيره، ولا عقابٌ في الآخرة، أغلظ من عقابٍ. وذلك خلاف ما جاء به محكم الفرقان. * * * وقد زعم بعض الزاعمين أن معنى ذلك: ومن عاد في الإسلام بعد نَهْي الله عن قتله = لقتله بالمعنى الذي كان القوم يقتلونه في جاهليتهم، فعفا لهم عنه عند تحريم قتله عليهم، وذلك قتله على استحلال قتله. قال: فأما إذا قتله على غير ذلك الوجه= وذلك أن يقتله على وجه الفسوق لا على وجه الاستحلال= فعليه الجزاء والكفارة كلَّما عاد. وهذا قول لا نعلم قائلا قاله من أهل التأويل. وكفي خطأ بقوله، خروجه عن أقوال أهل العلم، لو لم يكن على خطئه دلالة سواه، فكيف وظاهر التنزيل ينبئ عن فساده؟ وذلك أن الله عز وجل عمّ بقوله: "ومن عاد فينتقم الله منه" ، كلَّ عائد لقتل الصيد بالمعنى الذي تقدم النهي منه به في أوّل الآية، ولم يخصّ به عائدًا منهم دون عائد. فمن ادَّعى في التنزيل ما ليس في ظاهره، كُلِّف البرهانَ على دعواه من الوجه الذي يجب التسليمُ له. * * * وأما من زعم أن معنى ذلك: ومن عاد في قتله متعمدًا بعد بدء لقتل تقدم منه في حال إحرامه، فينتقم الله منه، كان معنى قوله: (1) "عفا الله عما سلف" ، (1) في المطبوعة: "فإن معنى قوله" وهو خطأ في قراءة المخطوطة وإفساد للسياق والمعنى جميعا. https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
إنما هو: عفا الله عما سلف من ذنبه بقتله الصيد بدءًا= (1) فإنّ في قول الله تعالى ذكره: "ليذوق وبال أمره" ، دليلا واضحًا على أن القول في ذلك غير ما قال، لأن العفو عن الجرم: تركُ المؤاخذة به. ومن أذيق وبال جرمه، فقد عوقب به. وغير جائز أن يقال لمن عوقب: "قد عفي عنه" . وخبر الله عز وجل أصدق من أن يقع فيه تناقض. * * * فإن قال قائل: وما ينكر أن يكون قاتل الصيد من المحرمين في أوّل مرّة، قد أذيق وبال أمره بما ألزم من الجزاء والكفارة، وعفي له من العقوبة بأكثر من ذلك مما كان لله عز وجل أن يعاقبه به؟ قيل له: فإن كان ذلك جائزًا أن يكون تأويلَ الآية عندك= وإن كان مخالفًا لقول أهل التأويل= فما تُنكر أن يكون الانتقام الذي أوعده الله تعالى ذكره على العود بعد البدء، هو تلك الزيادة التي عفاها عنه في أول مرة، (2) مما كان له فعله به مع الذي أذاقه من وبال أمره، فيذيقه في عوده بعد البدء وبالَ أمره الذي أذاقه المرة الأولى= ويترك عفوَه عما عفا عنه في البدء، فيؤاخذه به؟ فلن يقول في ذلك شيئا إلا ألزم في الآخر مثله. (3) * * * القول في تأويل قوله: {وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (95) } قال أبو جعفر: يقول عز وجل: والله منيعٌ في سلطانه، لا يقهره قاهرٌ، ولا يمنعه من الانتقام ممن انتقم منه، ولا من عقوبة من أراد عقوبته، مانع. لأن (1) قوله: "فإن قول الله..ز" جواب قوله: "فأما من زعم ..." . (2) يقال: "عفا له ذنبه" متعديا و "عفا له عن ذنبه" لازما. (3) في المطبوعة: "فلم يقل في ذلك شيئا" وفي المخطوطة: "فلم يقول ..." وصواب قراءتها ما أثبت. الخلق خلقه، والأمر أمره، له العزة المَنَعة. (1) وأما قوله: "ذو انتقام" ، فإنه يعني به: معاقبتَه لمن عصاه على معصيته إياه. * * * (1) انظر تفسير "عزيز" فيما سلف 10: 289 تعليق 1، والمراجع هناك. القول في تأويل قوله: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: "أحل لكم" ، أيها المؤمنون، "صيد البحر" = وهو ما صيد طريًّا، كما:- 12667 - حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا عمر بن أبي سلمة، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال عمر بن الخطاب في قوله: "أحل لكم صيد البحر" ، قال: صيده، ما صيد منه. (1) 12668 - حدثني ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن سماك قال: حُدِّثت، عن ابن عباس قال: خطب أبو بكر الناس فقال: "أحل لكم صيد البحر" ، قال: فصيده ما أخذ. (2) 12669 - حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا حصين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله: "أحل لكم صيد البحر" ، قال: صيده، ما صيد منه. (3) 12670 - حدثنا سليمان بن عمر بن خالد البرقي قال، حدثنا محمد بن سلمة (1) الأثر: 12667- "عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف" مضى برقم: 3911 قال ابن سعد: "كان كثير الحديث وليس يحتج بحديثه" . وقال شعبة: "أحاديثه واهية" . وقد مضى الكلام فيه. وكان في المخطوطة هنا "عمرو بن أبي سلمة" وهو خطأ سيأتي على الصواب في رقم: 12687 في المخطوطة. وأبوه: "أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف" مضى برقم: 8، 67، 3015، 8394، ثقة. وهذا الخبر مختصر الخبر الآتي رقم: 12687 وسياتي تخريجه هناك. (2) الأثر: 12668- سيأتي هذا الخبر بنفس هذا الإسناد بغير هذا اللفظ برقم 12686. (3) الأثر: 12669- رواه البيهقي في السنن 9: 255 من طريق خلف بن خليفة عن حصين مطولا بنحوه. الحرّاني، عن خصيف، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: "أحل لكم صيد البحر" ، قال: صيده، الطريّ. (1) 12671- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا الهذيل بن بلال قال، حدثنا عبد الله بن عبيد بن عمير، عن ابن عباس في قوله: "أحل لكم صيد البحر" ، قال: صيدُه، ما صِيد. (2) 12672 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: "أحل لكم صيد البحر" ، قال: الطريّ. 12673 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا الحسن بن علي بن الحنفيّ = أو: الحسين، شك أبو جعفر = عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، قال: كان ابن عباس يقول: صيد البحر، ما اصطاده. (3) (1) الأثر: 12670- "سليمان بن عمر بن خالد الرقي القرشي" الأقطع مضى برقم: 6254. وكان في المطبوعة: "البرقي" وهو خطأ محض. و "محمد بن سلمة الحراني الباهلي" ثقة مضى برقم: 175. (2) الأثر: 12671- "هذيل بن بلا الفزاري المدائني" "أبو البهلول" ضعيف قال ابن معين "ليس بشيء" . وقال أبو زرعة: "هو لين ليس بالقوي" . وقال ابن حيان: "يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل فصار متروكا" . وقال ابن سعد: "كان ضعيفا" . ولكن قال أبو حاتم: "محله الصدق يكتب حديثه" . وضعفه النسائي والدارقطني. مترجم في الكبير 4/2/245 ولم يذكر فيه جرحا وابن أبي حاتم 4/2/113 وفي تعجيل المنفعة: 430 ولسان الميزان 6: 192 وميزان الاعتدال 3: 251. وكان في المطبوعة والمخطوطة: "هذيل ابن هلال" بالهاء وهو خطأ محض. وسيأتي على الصواب في المخطوطة: "بلال" في رقم: 12693، ولكن الناشر سيغيره هناك إلى "هلال" خطأ أيضا. *و "عبد الله بن عبيد بن عمير بن قتادة الليثي الجندعي" روى عن أبيه وقيل لم يسمع منه وروى عن عائشة وابن عباس وابن عمر. روى عنه "هذيل بن بلال" وجرير بن حازم وابن جريج والأوزاعي وعكرمة بن عمار وغيرهم. ثقة. وكان مستجاب الدعوة. مترجم في التهذيب. (3) الأثر: 12673= "الحسن بن علي الحنفي" أو "الحسين بن علي الحنفي" لم أجد لأحدهما ترجمة في المراجع التي بين يدي. وكان في المطبوعة: "الجعفي" وهو تغيير بلا هدى. فإن "الجعفي" هو "الحسين بن علي الجعفي" مضى مرارا كثيرة وهو أجل من أن يشك في اسمه أبو جعفر أو سفيان بن وكيع. ثم انظر الأثر التالي رقم: 12692. 12674 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن يمان، عن سفيان، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير: "أحل لكم صيد البحر" ، قال: الطريّ. 12675- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عنبسة، عن الحجاج، عن العلاء بن بدر، عن أبي سلمة قال: "صيد البحر" ، ما صيد. (1) 12676- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير: "أحل لكم صيد البحر" ، قال: الطريّ. 12677 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حميد بن عبد الرحمن، عن سفيان، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير، مثله. 12678- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال، حدثنا سفيان، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير: "أحل لكم صيد البحر" ، قال: السمك الطريّ. 12679 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "أحل لكم صيد البحر" ، أما "صيد البحر" ، فهو السمك الطريّ، هي الحيتان. 12680 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا أبو سفيان، عن معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب قال: صيده، ما اصطدته طريًّا- قال معمر، وقال قتادة: صيده، ما اصطدته. (2) 12681 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره: "أحل لكم صيد البحر" ، قال: حيتانه. (1) الأثر: 12675- "العلاء بن بدر" نسب إلى جده وهو: "العلاء بن عبد الله بن بدر الغنوي" مضى برقم: 7939. (2) الأثر: 12680- "أبو سفيان" هو "أبو سفيان المعمري" "محمد بن حميد اليشكري" . مضى برقم: 1787، 8829. 12682 - حدثنا ابن البرقي قال، حدثنا عمر بن أبي سلمة قال، سئل سعيد عن صيد البحر فقال، قال مكحول، قال زيد بن ثابت: صيده، ما اصطدت. (1) 12683 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد في قوله: "أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعًا لكم وللسيارة" ، قال: يصطاد المحرِم والمحلُّ من البحر، ويأكلُ من صيده. 12684 - حدثنا عمرو بن عبد الحميد قال، حدثنا ابن عيينة، عن عمرو، عن عكرمة قال: قال أبو بكر: طعام البحر كلُّ ما فيه= وقال جابر بن عبد الله: ما حَسر عنه فكُلْ. وقال: كلّ ما فيه= يعني: جميع ما صيدَ (2) . 12685 - حدثنا سعيد بن الربيع قال، حدثنا سفيان، عن عمرو، سمع عكرمة يقول: قال أبو بكر: "وطعامه متاعًا لكم وللسيارة" ، قال: هو كل ما فيه. * * * وعنى ب "البحر" ، في هذا الموضع، الأنهار كلها. والعرب تسمى الأنهار "بحارًا" ، كما قال تعالى ذكره: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) . (3) (1) الأثر: 12682- "عمرو بن أبي سلمة التنيسي" مضى برقم: 3997، 5230، 5444، 6628، وكان في المطبوعة هنا "عمر بن أبي سلمة" وهو خطأ ذاك أقدم من هذا (انظر ما مضى رقم: 12667) . والصواب من المخطوطة. و "سعيد" هذا هو "سعيد بن عبد العزيز بن أبي يحيى التنوخي" مضى رقم: 6529 8966، 9071. ومضى أيضا في الأثر: 3977 غير مترجم في مثل هذا الإسناد. وهذا الخبر أخرجه السيوطي في الدر المنثور 2: 232 ولم ينسبه لغير الطبري. (2) الأثر: 12684- خرجه السيوطي في الدر المنثور 2: 232، ولم ينسبه لغير الطبري. (3) مضى ذكر "البحر" في سورة البقرة: 50 (2: 50) ولم يشرح هذا الحرف هناك. وهذا من وجوه اختصار تفسيره. ولكن جاء تفسير "البحر" في الأثر السالف رقم: 3985 بغير هذا المعنى، فانظره. قال أبو جعفر: فتأويل الكلام: أحل لكم، أيها المؤمنون، طريّ سمك الأنهار الذي صدتموه في حال حِلِّكم وحَرَمكم، وما لم تصيدوه من طعامه الذي قتله ثم رَمى به إلى ساحله. * * * واختلف أهل التأويل في معنى قوله: "وطعامه" . فقال بعضهم: عني بذلك: ما قذف به إلى ساحله ميتًا، نحو الذي قلنا في ذلك. * ذكر من قال ذلك: 12686- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن سماك قال، حدثت عن ابن عباس قال: خطب أبو بكر الناس فقال: "أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعًا لكم" ، وطعامه، ما قَذَف. (1) 12687- حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا عمر بن أبي سلمة، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: كنت بالبحرين، فسألونى عما قذف البحر. قال: فأفتيتهم أن يأكلوا. فلما قدمتُ على عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ذكرت ذلك له، فقال لي: بم أفتيتهم؟ (2) قال، قلت: أفيتهم أن يأكلوا؟ قال: لو أفتيتهم بغير ذلك لعلوتك بالدِّرَّة! قال: ثم قال: إن الله تعالى قال في كتابه: "أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعًا لكم" ، فصيده، ما صيد منه= وطعامه، ما قَذَف. (3) (1) الأثر: 12686- مضى بهذا الإسناد بغير هذا اللفظ فيما سلف رقم: 12668. وهذا الخبر نقله ابن كثير في تفسيره 3: 242 والسيوطي في الدر المنثور 2: 331 وزاد نسبته لعبد بن حميد. (2) في المخطوطة: "بما أفتيتهم" وهو الأصل وهو صواب. (3) الأثر: 12687- مضى مختصرا بهذا الإسناد رقم: 12667. وذكرت هناك ما قالوه في ضعف "عمر بن أبي سلمة" . وهذا الخبر رواه البيهقي في السنن الكبرى 9: 254، من طريق سعيد بن منصور عن أبي عوانه عن عمر بن أبي سلمة بنحوه. وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2: 331 وزاد نسبته إلى سعيد بن منصور وعبد بن حميد، وابن المنذر وأبي الشيخ. 12688 - حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا حصين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: "أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعًا لكم" ، قال: طعامه ما قَذَف. 12689- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن سليمان التيمي، عن أبي مجلز، عن ابن عباس في قوله: "احل لكم صيد البحر وطعامه" ، قال: طعامه ما قذف. 12690- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن سليمان التيمي، عن أبي مجلز، عن ابن عباس، مثله. 12691 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حسين بن علي، عن زائدة، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: "طعامه" ، كل ما ألقاه البحر. (1) 12692 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا الحسن بن علي = أو: الحسين بن على الحنفي، شك أبو جعفر = عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: "طعامه" ، ما لفظ من ميتته. (2) 12693- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا الهذيل بن بلال قال، حدثنا عبد الله بن عبيد بن عمير، عن ابن عباس: "أحل لكم صيد البحر وطعامه" ، قال: "طعامه" ، ما وجد على الساحل ميتًا. (3) (1) الأثر: 12691- "حسين بن علي بن الوليد الجعفي" مضى مرارا منها رقم: 29، 174، 4415، 7287، 7499. وهو غير الذي سيأتي بعده، كما أشرت إليه في التعليق على الأثر رقم: 12673. (2) الأثر: 12692- "الحسن بن علي الحنفي" أو "الحسين بن علي الحنفي" مضى الكلام عنه، وإني لم أجده فيما سلف رقم: 12673. وغيره هنا في المطبوعة وكتب "الجعفي" وهو هنا أيضا في المخطوطة: "الحنفي" . (3) الأثر: 12693- "الهذيل بن بلال الفزاري المدائني" مضى برقم: 12671، وهو في المخطوطة هنا "بلال" ولكن غيره الناشر في المطبوعة فكتب: "هلال" وهو خطأ كما بينت هناك. *و "عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي" مضى أيضا برقم: 12671. 12694 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن يمان، عن سفيان، عن سليمان التيمي، عن أبي مجلز، عن ابن عباس قال: "طعامه" ، ما قذف به. 12695 - حدثنا سعيد بن الربيع قال، حدثنا سفيان، عن عمرو، سمع عكرمة يقول: قال أبو بكر رضي الله عنه: "وطعامه متاعًا لكم" ، قال: "طعامه" ، هو كل ما فيه. 12696 - حدثني محمد بن المثنى قال، حدثنا الضحاك بن مخلد، عن ابن جريج قال، أخبرني عمرو بن دينار، عن عكرمة مولى ابن عباس قال: قال أبو بكر: "وطعامه متاعًا لكم" ، قال: "طعامه" ، ميتته= قال عمرو: وسمعت أبا الشعثاء يقول: (1) ما كنت أحسب طعامه إلا مالحه. 12697 - حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثني الضحاك بن مخلد، عن ابن جريج قال، أخبرني أبو بكر بن حفص بن عمر بن سعد، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: "وطعامه متاعًا لكم" ، قال: "طعامه" ، ميتته. (2) 12698 - حدثنا حميد بن مسعدة (3) قال، حدثنا يزيد بن زريع، عن عثمان، عن عكرمة: "وطعامه متاعًا لكم" ، قال: "طعامه" ، ما قذف. 12699 - حدثنا ابن عبد الأعلى قال، حدثنا معمر بن سليمان قال، سمعت عبيد الله، عن نافع قال: جاء عبد الرحمن إلى عبد الله فقال: البحر قد ألقى حيتانًا كثيرة؟ قال: فنهاه عن أكلها، ثم قال: يا نافع، هات (1) في المطبوعة: "وسمع" وفي المخطوطة: "وسمعه" وصواب قراءتها ما أثبت كما سيأتي في رقم: 12702. (2) الأثر: 12697- "أبو بكر بن حفص بن عمر بن سعد" اسمه "عبد الله بن حفص" ثقة مضى برقم: 3035. (3) في المخطوطة: "جرير بن مسعدة" والصواب ما في المطبوعة. المصحف! فأتيته به، فقرأ هذه الآية: "أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعًا لكم" ، قال، قلت: "طعامه" ، هو الذي ألقاه. قال: فالحقْهُ، فمُرْهُ بأكله. (1) 12700- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا أيوب، عن نافع: أن عبد الرحمن بن أبي هريرة سأل ابن عمر، فقال: إن البحر قذف حيتانًا كثيرة ميتة، أفنأكلها؟ قال: لا تأكلوها! فلما رجع عبد الله إلى أهله أخذ المصحف فقرأ "سورة المائدة" ، فأتى على هذه الآية: "وطعامه متاعًا لكم وللسيارة" ، قال: اذهب، فقل له فليأكله، فإنه طعامه. (2) 12701 - حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، أخبرنا أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، بنحوه. 12702- حدثني المثنى قال، حدثنا الضحاك بن مخلد، عن ابن جريج قال، أخبرني عمرو بن دينار، عن عكرمة مولى ابن عباس قال، قال أبو بكر رضي الله عنه: "وطعامه متاعًا لكم" ، قال: ميتته= قال عمرو: سمعت أبا الشعثاء يقول: ما كنت أحسب "طعامه" إلا مالحه. (3) 12703 - حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا الضحاك بن مخلد، عن ابن جريج قال، أخبرنا نافع: أن عبد الرحمن بن أبي هريرة سأل ابن عمر عن حيتان كثيرة ألقاها البحر، أميتة هي؟ قال: نعم! فنهاه عنها، ثم دخل البيت فدعا (1) الأثر: 12699- "عبد الرحمن" هو: "عبد الرحمن بن أبي هريرة" و "عبد الله" هو "عبد الله بن عمر" وسيأتي تخريجه في الذي يليه. (2) الأثر: 12700- هو طريق أخرى للأثر السالف. *وهذا الخبر رواه مالك عن نافع بمثله في الموطأ: 494. ورواه البيهقي عن مالك في السنن الكبرى 9: 255. وسيأتي من طريق أخرى برقم: 12703. *ونقله ابن كثير في تفسيره 3: 242 ولم يخرجه وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2: 332، وقصر في نسبته وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وابن المنذر. (3) الأثر: 12702- مضى هذا الأثر من رواية أبي جعفر عن "محمد بن المثنى" بمثل إسناده هنا رقم: 12696. بالمصحف فقرأ تلك الآية: "أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعًا لكم" ، قال: "طعامه" ، كل شيء أخرج منه، فكله، فليس به بأس. وكل شيء فيه يأكل، ميت أو بساحليه. (1) 12704 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا أبو سفيان، عن معمر قال قتادة: "طعامه" ، ما قذف منه. (2) 12705 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو خالد، عن ليث، عن شهر، عن أبي أيوب قال: ما لفظ البحر فهو طعامه، وإن كان ميتًا. 12706 - حدثنا هناد قال، حدثنا أبو الأحوص، عن ليث، عن شهر، قال: سئل أبو أيوب عن قول الله تعالى ذكره: "أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعًا" ، قال: هو ما لفظ البحر. * * * وقال آخرون: عنى بقوله: "وطعامه" ، المليح من السمك (3) = فيكون تأويل الكلام على ذلك من تأويلهم: أحل لكم سمك البحر ومَليحه في كل حال، في حال إحلالكم وإحرامكم. (4) * ذكر من قال ذلك: 12707 - حدثنا سليمان بن عُمَر بن خالد الرقيّ قال، حدثنا محمد بن سلمة، عن خصيف، عن عكرمة، عن ابن عباس: "وطعامه" ، قال: "طعامه" ، المالح منه. (5) (1) الأثر: 12703- مضى هذا الخبر بثلاثة أسانيد أخرى رقم: 12699- 12701 وخرجته في رقم: 12700. وفي المطبوعة: "ميتا" بالنصب وأثبت ما في المخطوطة وهو صواب لا بأس به. وفي المطبوعة: "بساحله" بالإفراد وفي المخطوطة بالتثنية كما أثبتها. (2) الأثر: 12704- انظر التعليق على الأثر السالف رقم: 12680 "أبو سفيان" هو: المعمري، "محمد بن حميد اليشكري" . (3) "المليح" على وزن "فعيل" هو المملح يقال: "سمك مال ومليح ومملوح ومملح" . (4) في المطبوعة أسقط من العبارة "في حال" وأثبتها من المخطوطة. (5) الأثر: 12707- "سليمان بن عمر بن خالد الرقي" مضى برقم: 12670، وكذلك هو في المخطوطة أما في المطبوعة فقد جعله "سليمان بن عمرو بن خالد البرقي" وهو خطأ في موضعين صوابه ما أثبت. أما قوله: "المالح منه" فقد استنكر الجوهري وغيره أن يقال: "سمك مالح" وقال يونس: "لم أسمع أحدا من العرب يقول: مالح" . والذي لم يسمعه يونس سمعه غير هو جاء في فصيح الشعر وهكذا جاء في الآثار التي هنا وهو صواب لا شك فيه عندي والصواب ما قاله ابن بري أن وجه جوازه هذا من جهة العربية أن يكون على النسب مثل قولهم: "ماء دافق" أي ذو دفق. وكذلك "ماء مالح" أي: ذو ملح وكما يقال: "رجل تارس" أي ذو نرس و "رجل دارع" أي ذو درع. قال: ولا يكون هذا جاريا على الفعل وهو الصواب إن شاء الله. (انظر لسان العرب، مادة: ملح) . https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الحادى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة الحلقة (576) صــ 66 إلى صــ 75 12708- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: "وطعامه متاعًا لكم" ، يعني: بطعامه، مالحه، وما قذف البحر منه، مالحه. (1) 12709- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: "وطعامه متاعًا لكم" ، وهو المالح. 12710 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن يمان، عن سفيان، عن مجمّع التيمي، عن عكرمة في قوله: "متاعًا لكم" قال: المليح. (2) 12711 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن يمان، عن سفيان، عن سالم الأفطس وأبي حصين، عن سعيد بن جبير قال: المليح. 12712 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن يمان، عن سفيان، عن (1) في المطبوعة: "وما قذف البحر من مالحه" غير ما في المخطوطة فأفسد العبارة. وقوله "مالحه" الأخيرة خبر المبتدأ "ما قذف البحر منه" . (2) الأثر: 12710- "سفيان" هو الثوري. و "مجمع التيمي" هو: "مجمع بن سمعان" أو "مجمع بن صمعان" أبو حمزة التيمي الكوفي النساج الحائك. قال ابن عيينة: "كان له من الفضل غير قليل" . روى عنه أبو حيان التيمي وسفيان الثوري. ووثقه يحيى بن معين. مترجم في الكبير للبخاري 4/1/409 وابن أبي حاتم 4/1/295. وكان في المطبوعة والمخطوطة: "سفيان بن مجمع التيمي" وهو خطأ لا شك فيه. وليس في الرواة من يسمى كذلك. منصور، عن إبراهيم: "وطعامه متاعًا لكم" ، قال: المليح، وما لَفَظ. 12713 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عنبسة، عن سالم، عن سعيد بن جبير في قوله: "أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعًا لكم" ، قال: يأتي الرجل أهلَ البحر فيقول: "أطعموني" ! فإن قال: "غريضًا" ، ألقوا شبكتهم فصادوا له. وإن قال: "أطعموني من طعامكم" ، أطعموه من سمكهم المالح. (1) 12714 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن فضيل، عن عطاء، عن سعيد: "أحل لكم صيد البحر وطعامه" ، قال: المنبوذ، السمك المالح. 12715- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير: "وطعامه" ، قال: المالح. 12716- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم: "وطعامه" ، قال: هو مليحُه. (2) ثم قال: ما قَذَف. 12717 - حدثنا ابن معاذ قال، حدثنا جامع بن حماد قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "وطعامه" ، قال: مملوح السمك. 12718- حدثنا هناد قال، حدثنا ابن أبي زائدة قال، أخبرني الثوري، عن منصور قال: كان إبراهيم يقول: "طعامه" ، السمك المليح. ثم قال بعد: ما قذفَ به. 12719- حدثنا هناد قال، حدثنا ابن أبي زائدة قال، أخبرنا الثوري، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير قال: "طعامه" ، المليح. 12720 - حدثنا هناد قال، حدثنا ابن أبي زائدة قال، أخبرنا إسرائيل، عن عبد الكريم، عن مجاهد قال: "طعامه" ، السمك المليح. (1) الأثر: 12713- سيأتي مطولا برقم: 12753. (2) في المطبوعة: "مالحه" وأثبت ما في المخطوطة وهكذا قراءتها على سوء كتابة الناسخ. 12721 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير في هذه الآية: "وطعامه متاعًا لكم" ، قال: الصِّير= قال شعبة، فقلت لأبي بشر: ما الصِّير؟ قال: المالح. (1) 12722- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا هشام بن الوليد قال، حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن جعفر بن أبي وحشية، عن سعيد بن جبير قوله: "وطعامه متاعًا لكم" ، قال: الصِّير. قال قلت: ما الصير؟ قال: المالح. 12723 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وطعامه متاعًا لكم" ، قال: أما "طعامه" ، فهو المالح. 12724 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا أبو سفيان، عن معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب: "وطعامه متاعًا لكم" ، قال: "طعامه" ، ما تزوّدت مملوحًا في سفرك. 12725 - حدثنا عمرو بن عبد الحميد وسعيد بن الربيع الرازي قالا حدثنا سفيان، عن عمرو قال، قال جابر بن زيد: كنا نُحَدَّث أن "طعامه" مليحه، ونكره الطافي منه. (2) * * * (1) "الصير" (بكسر الصاد) ويقال له: "الصحناة" وقيل: هي السمكات المملوحة التي تعمل منها الصحناة وهي كالفسيخ في بلادنا ذكرها جرير في شعره فقال في هجاء آل المهلب وهم من الأزد: إن الخلافة لم تقدر ليملكها ... عبد لأزدية في بظرها عقف كانوا إذا جعلوا في صيرهم بصلا ... ثم اشتووا كنعدا من مالح جدفوا و "الكنعد" : ضرب من السمك. وقوله: "جدفوا" أكلوا "الجدف" (بفتحتين) وهو يكون باليمن تاكله الإبل فتجزأ به عن الماء ولا يحتاج مع اكله إلى شرب ماء. وفي المخطوطة في المواضع كلها: "الصر" مهملة لا تقرأ صوابها في المطبوعة. (2) الأثر: 12725- "سفيان" هو الثوري= أو "سفيان بن عيينة" كلاهما روى عن عمرو بن دينار. "عمرو" هو "عمرو بن دينار" . وكان في المطبوعة: "سفيان بن عمرو" وهو خطأ محض. و "جابر بن زيد الأزدي" هو "أبو الشعثاء" مضى كثيرا وترجم في: 5316، 5472. وقال آخرون: "طعامه" ، ما فيه. * ذكر من قال ذلك: 12726 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن عيينة، عن عمرو، عن عكرمة قال: طعام البحر، ما فيه. 12726 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن حريث، عن عكرمة: "وطعامه متاعًا لكم" ، قال: ما جاء به البحر بموجه، هكذا. (1) 12728 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حميد بن عبد الرحمن، عن حسن بن صالح، عن ليث، عن مجاهد قال: "طعامه" ، كل ما صيد منه. (2) * * * قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بالصواب عندنا، قولُ من قال: "طعامه" ، ما قذفه البحر، أو حَسَر عنه فوُجد ميتًا على ساحله. وذلك أن الله تعالى ذكره ذكر قبله صيدَ الذي يصاد، فقال: "أحل لكم صيد البحر" ، فالذي يجب أن يعطف عليه في المفهوم ما لم يُصَدْ منه، فقال: أحل لكم ما صدتموه من البحر، وما لم تصيدوه منه. وأما "المليح" ، فإنه ما كان منه مُلِّح بعد الاصطياد، فقد دخل في جملة قوله: "احل لكم صيد البحر" ، فلا وجه لتكريره، إذ لا فائدة فيه. وقد أعلم (1) في المطبوعة: "ماء به البحر بوجه" فغير وحذف "هكذا" كأنه ظن "هكذا" إشارة إلى استشكال كلمة "بموجه" ! وهذا غريب. وقوله: "هكذا" يريد بذلك الإشارة إلى أنه جاء طافيا. (2) الأثر: 12728- "حميد بن عبد الرحمن بن حميد الراسي" مضى برقم: 4926، 8770. و "الحسن بن صالح بن صالح بن حي الثوري" مضى برقم: 178، 5347، 7594. عبادَه تعالى ذكره: إحلالَه ما صيد من البحر بقوله: "أحل لكم صيد البحر" . فلا فائدة أن يقال لهم بعد ذلك: "ومليحه الذي صيد حلال لكم" ، لأن ما صيد منه فقد بُيِّن تحليله، طريًّا كان أو مليحًا، بقوله: "أحل لكم صيد البحر" والله يتعالى عن أن يخاطب عباده بما لا يفيدهم به فائدة. * * * وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو الذي قلنا خبر، وإن كان بعض نقلته يقف به على ناقلِه عنه من الصحابة، وذلك ما:- 12729 - حدثنا هناد بن السريّ قال، حدثنا عبدة بن سليمان، عن محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو سلمة، عن أبي هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعًا لكم" ، قال: "طعامه" ، ما لفظه ميتًا فهو طعامه ". (1) " * * * وقد وقف هذا الحديث بعضهم على أبي هريرة. 12730 - حدثنا هناد قال، حدثنا ابن أبي زائدة، عن محمد بن عمرو، (1) الأثر: 12729، 12730- "عبدة بن سليمان الكلابي" قال أحمد: "ثقة ثقة وزيادة مع صلاح في بدنه" . روى له أصحاب الكتب الستة. ومضى مرارا برقم: 222، 2323، 2758، 3022، ومواضع غيرها ومحمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي ثقة وروى له أصحاب الكتب الستة ومضى برقم: 8، 3015. و "أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف" تابعي جليل إمام ثقة. مضى برقم: 8، 67، 3015، 8394، وغيرها. وهذا الخبر لم أجد أحدا ذكره إلا السيوطي في الدر المنثور 2: 331 ولم ينسب هذا المرفوع إلا لابن جرير أما الخبر الآتي وهو الموقوف فإنه زاد نسبته لابن أبي حاتم. وأما الخبر الموقوف الثاني رقم: 12730 ففيه "ابن أبي زائدة" وهو "يحيى بن زكريا ابن أبي زائدة" وهو من حفاظ الكوفيين كان متقنا ثبتا صاحب سنة، مستقيم الحديث. روى له أصحاب الكتب الستة ومضى برقم: 850، 4246. فإسناد المرفوع والموقوف كلاهما إسناد صحيح ورجالهما ثقات حفاظ. وكتبه محمود محمد شاكر. عن أبي سلمة، عن أبي هريرة في قوله: "أحل لكم صيد البحر وطعامه" ، قال: "طعامه" ، ما لفظه ميتًا. (1) * * * القول في تأويل قوله: {مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ} قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "متاعًا لكم" ، منفعةً لمن كان منكم مقيمًا أو حاضرًا في بلده، يستمتع بأكله وينتفع به= (2) "وللسيارة" ، يقول: ومنفعةً أيضًا ومتعة للسائرين من أرض إلى أرض، ومسافرين يتزوّدونه في سفرهم مليحًا. * * * و "السيارة" ، جمع "سيّار" . (3) وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 12731 - حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرني أبو إسحاق، عن عكرمة أنه قال في قوله: "متاعًا لكم وللسيارة" ، قال: لمن كان بحضرة البحر= "وللسيارة" ، السَّفْر. 12732 - حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة في قوله: "وطعامه متاعًا لكم وللسيارة" ، ما قذف البحر، وما يتزوّدون في أسفارهم من هذا المالح= يتأوّلها على هذا. 12733- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا جامع عن حماد قال، حدثنا (1) الأثر: 12730- انظر التعليق على الأثر السالف. (2) انظر تفسير "المتاع" فيما سلف 8: 551 تعليق: 1 والمراجع هناك. (3) اقتصرت كتب اللغة على أن "السيارة" : القافلة أو القوم يسيرون وأنه أنث على معنى الرفقة أو الجماعة. وجعله أبو جعفر جمعا، كقولهم "جمال" و "جمالة" (بتشديد الميم) و "حمار" و "حمارة" . يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "وطعامه متاعًا لكم وللسيارة" ، مملوح السمك، ما يتزودون في أسفارهم. 12734 - حدثنا سليمان بن عمر بن خالد الرقيّ قال، حدثنا مسكين بن بكير قال، حدثنا عبد السلام بن حبيب النجاري، عن الحسن في قوله: "وللسيارة" ، قال: هم المحرمون. (1) 12735 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وطعامه متاعًا لكم وللسيارة" ، أما "طعامه" ، فهو المالح منه، بلاغٌ يأكل منه السيار في الأسفار. (2) 12736 - حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: "وطعامه متاعًا لكم وللسيارة" ، قال: "طعامه" ، مالحه، وما قذف البحر منه، يتزوَّده المسافر= وقال مرة أخرى: مالحه، وما قذف البحر. فمالحه يتزوده المسافر. 12737 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: "وطعامه متاعًا للكم وللسيارة" ، يعني المالح يتزوّده. (3) (1) الأثر: 12734- "سليمان بن عمر بن خالد الرقي" مضى برقم: 6254، 12670، 12707ن وغيره في المطبوعة كما غيره فيما سلف فجعله "سليمان بن عمرو بن خالد البرقي" وهو خطأ محض صوابه في المخطوطة. و "مسكين بن بكير الحراني" أبو عبد الرحمن الحذاء روى عنه أحمد بن حنبل ثقة. مترجم في التهذيب. أما "عبد السلام بن حبيب النجاري" فلم أجد في الرواة عن الحسن أو غيره من اسمه ذاك. ووجدت في الرواة عن الحسن البصري "عبد السلام بن أبي الجنوب المدني" وهو شيخ مدني متروك مترجم في التهذيب وابن أبي حاتم 3/1/45 وميزان الاعتدال 2: 129. فلعله يكون هو. (2) "بلاغ" يعني "بلغة" (بضم الباء) وهو ما يتبلغ به المرء من الزاد أي يكتفي به حتى يبلغ مستقره. وكان في المطبوعة: "السيارة" بالتاء في آخره وأثبت ما في المخطوطة. (3) في المطبوعة: "فيتزوده" والجيد ما في المخطوطة. وكان مجاهد يقول في ذلك بما:- 12738 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "وطعامه متاعا لكم" ، قال: أهل القرَى= "وللسيارة" ، أهل الأمصَار. 12739- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله: "متاعًا لكم" ، قال: لأهل القرى= "وللسيارة" ، قال: أهل الأمصار، والحيتانُ للناس كلهم. (1) * * * وهذا الذي قاله مجاهد: من أن "السيارة" هم أهل الأمصار، لا وجه له مفهوم، إلا أن يكون أراد بقوله: "هم أهل الأمصار" ، هم المسافرون من أهل الأمصار، فيجب أن يدخل في ذلك كل سيارة، من أهل الأمصار كانوا أو من أهل القرى. فأما "السيارة" ، فلا نعقله: المقيمون في أمصارهم. (2) * * * (1) في المطبوعة: "أهل الأمصار وأجناس الناس كلهم" وأداه إلى هذا ما جاء في الدر المنثور 2: 232 عن مجاهد: "وطعامه قال: حيتانه= متاعا لكم لأهل القرى= وللسيارة أهل الأسفار وأجناس الناس كلهم" ثم ما جاء في المخطوطة مما دخله التحريف وذلك: "أهل الأمصار والحباب للناس كلهم" والدر المنثور لا يوثق بطباعته والجملة فيه خطأ لا شك فيه، فقوله "أهل الأسفار" لا شك أنها "أهل الأمصار" وأما قوله: "حيتانه" هنا فإن ذلك من سوء اختصار السيوطي فإن "حيتانه" تفسير لقوله: "صيد البحر" كما مضى في الاثر رقم: 12681 من تفسير مجاهد لصيد البحر. وأما "طعامه" فقد فسرها مجاهد "السمك المليح" كما مضى في رقم: 12720 وهو مراد هنا في هذا الموضع. فظاهر أنه أراد: "طعامه السمك المليح= متاعا لكم لأهل القرى= وللسيارة أهل الأمصار= والحيتان للناس كلهم" يعني أنه لا يدخل قوله تعالى: "متاعا لكم وللسيارة" في بيان قوله تعالى: "أحل لكم صيد البحر" بل في بيان قوله: "وطعامه" وهو السمك المليح. هذا هو الصواب وأما ما في الدر المنثور وما في المطبوع من هذا التفسير فكلام لا يستقيم. (2) في المطبوعة: "فأما السيارة فلا يشمل المقيمين في أمصارهم وهو كلام مريض وهو في المخطوطة كما أثبته غير منقوط وهذا صواب قراءته. والمعنى: فلا نعقله أن يكون معناه: المقيمون في أمصارهم. وقد مضى استعمال أبي جعفر" نعقله "في مثل هذه العبارة في مواضع سلفت ليس عندي الآن بيانها." القول في تأويل قوله: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره: وحرم الله عليكم، أيها المؤمنون، صيد البر= "ما دمتم حرمًا" ، يقول: ما كنتم محرمين، لم تحِلوا من إحرامكم. (1) * * * ثم اختلف أهل العلم في المعنى الذي عَنى الله تعالى ذكره بقوله: "وحُرِّم عليكم صيدُ البر" . فقال بعضهم: عنى بذلك: أنه حرَّم علينا كل معاني صيد البر: من اصطياد، وأكل، وقتل، وبيع، وشراء، وإمساك، وتملُّك. * ذكر من قال ذلك: 12740 - حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل، عن أبيه قال: حج عثمان بن عفان، فحج عليّ معه، قال: فأتي عثمان بلحم صيد صاده حَلال، فأكل منه، ولم يأكل عليّ، فقال عثمان: والله ما صدنا ولا أمرنا ولا أشرنا! فقال عليّ: "وحُرِّم عليكم صيد البر ما دمتم حرمًا" . (2) (1) انظر تفسير "ما دام" فيما سلف 10: 185= وتفسير "حرم" فيما سلف: 7. (2) الأثر: 12740- "يزيد بن أبي زياد الكوفي" مولى بني هاشم صدوق في حفظه شيء بعد ما كبر. مضى برقم: 2028. و "عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم" لقبه: "ببة" ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فحنكه رسول الله روى عن جماعة من الصحابة. روى له أصحاب الكتب الستة. مترجم في التهذيب. وكان في المطبوعة والمخطوطة: "عبد الله بن الحارث عن نوفل: وهو خطأ صرف." وأبوه: "الحارث بن نوفل بن الحارث" . روى عن رسول الله وعن عائشة. استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على بعض أعمال مكة، ومات بالبصرة في خلافة عثمان. مترجم في التهذيب. وهذا الخبر خرجه السيوطي في الدر المنثور 2: 232 وزاد نسبته لابن أبي شيبة وابن أبي حاتم وأبي الشيخ. وقوله: "صاده حلال" يعني: رجل حلال غير محرم بحج. وسيأتي هذا الخبر بلفظ آخر، وإسناد آخر. في رقم: 12745، 12746. 12741 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا هرون بن المغيرة، عن عمرو بن أبي قيس، عن سماك، عن صبيح بن عبد الله العبسي قال: بعث عثمان بن عفان أبا سفيان بن الحرث على العَرُوض، (1) فنزل قديدًا، فمرّ به رجل من أهل الشام معه باز وصقر، فاستعاره منه، فاصطاد به من اليعاقيب، (2) فجعلهن في حظيرة. فلما مرّ به عثمان طبخهن، ثم قدمهن إليه، فقال عثمان: كلوا! فقال بعضهم: حتى يجيء علي بن أبي طالب، رحمة الله عليه. فلما جاء فرأى ما بين أيديهم، قال علي: إنا لن نأكل منه! فقال عثمان: مالك لا تأكل؟ فقال: هو صيد، ولا يحل أكله وأنا محرم! فقال عثمان: بيِّن لنا! فقال عليّ: "يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم" ، فقال عثمان: أو نحن قتلناه؟ فقرأ عليه: "أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعًا لكم وللسيارة وحرِّم عليكم صيد البر ما دمتم حرمًا" . (3) 12742- حدثنا تميم بن المنتصر وعبد الحميد بن بيان القناد قالا أخبرنا (1) "العروض" (بفتح العين) : مكة والمدينة وأكنافهما. (2) "اليعاقيب" جمع "يعقوب" طائر وهو ذكر الحجل والقطا. (3) الأثر: 12741- "هرون بن المغيرة بن حكيم البجلي" ثقة مضى برقم: 6656، 5526. و "عمرو بن أبي قيس الرازي ثقة مضى برقم: 6887، 9346." و "سماك" هو "سماك بن حرب" ثقة مضى مرارا. و "صبيح بن عبد الله العبسي" روى عن علي وروى عنه سماك بن حرب. مترجم في الكبير البخاري 2/2 / 319 وابن أبي حاتم 2 /1/ 449. ولم يذكرا فيه جرحا. وقد مضى ذكره في التعليق على رقم: 7595 (وقع هناك خطأ فيما نقلته عن التاريخ الكبير "على الفروض" وصوابه "على العروض" فليصحح هناك وفي تاريخ البخاري) . وفي المخطوطة والمطبوعة: "صبيح بن عبيد الله" والتصحيح من البخاري وابن أبي حاتم. وهذا الخبر رواه البخاري مختصرا في التاريخ قال: "حدثني حسن بن خلف أخبرنا إسحق عن شريك عن سماك عن صبيح بن عبد الله العبسي" . وهو الإسناد التالي لهذا. https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الحادى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة الحلقة (577) صــ 76 إلى صــ 85 إسحاق الأزرق، عن شريك، عن سماك بن حرب، عن صبيح بن عبيد الله العبسي قال: استعمل عثمان بن عفان أبا سفيان بن الحرث على العَرُوض= ثم ذكر نحوه، وزاد فيه، قال: فمكث عثمان ما شاء الله أن يمكث، ثم أتى فقيل له بمكة: هل لك في ابن أبي طالب، أهدي له صفيف حمار فهو يأكل منه! (1) فأرسل إليه عثمان، وسأله عن أكل الصفيف، فقال: أما أنتَ فتأكل، وأما نحن فتنهانا؟ فقال: إنه صيد عام أوّلَ وأنا حلال، فليس عليّ بأكله بأس، وصيد ذلك = يعني اليعاقيب = وأنا محرم، وذبحن وأنا حرَام. (2) 12743 - حدثنا عمران بن موسى القزاز قال، حدثنا عبد الوارث بن سعيد قال، حدثنا يونس، عن الحسن: أن عمر بن الخطاب لم يكن يرى بأسًا بلحم الصيد للمحرم، وكرهه علي بن أبي طالب، رضي الله عنه. (3) 12744 - حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع قال، حدثنا بشر بن المفضل قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب: أن عليًا كره لحم الصيد للمحرم على كل حال. 12745 - حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث: أنه شهد عثمان وعليًّا أُتيا بلحم، فأكل عثمان ولم يأكل عليّ، فقال عثمان: أنحن صِدْنا أو (1) "الصفيف" هو لحم يشرح عراضا حتى ترق البضعة منه فتراها تشف شفيفا ويوسع مثل الزغفان ثم يشرر في الشمس حتى يجف. فإذا دق الصفيف فهو "القديد" . وكان في المخطوطة في هذا الموضع "تصفف" وفي الذي يليه "التصفيف" غير منقوطة وهو رسم خطأ صوابه في المطبوعة. (2) الأثر: 12742- "إسحق الأزرق" هو إسحق بن يوسف بن مرداس المخزومي الواسطي "مضى برقم: 3339، 4224. وكان في المخطوطة والمطبوعة" أبو إسحق الأزرق، وهو خطأ وسهو من ناسخ وهو على الصواب في إسناد البخاري الذي نقلته آنفا في تخريج الأثر السالف. (3) الأثر: 12743- "عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان العنبري" مضى برقم: 2154، 6589، 6591، 6819. و "يونس" هو: "يونس بن عبيد بن دينار العبدي" مضى برقم: 2616، 4931. صيد لنا؟ فقرأ عليّ هذه الآية: "أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعًا لكم وللسيارة وحرِّم عليكم صيد البر ما دمتم حرمًا" . (1) 12746 - حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا عمر بن أبي سلمة، عن أبيه قال: حج عثمان بن عفان، فحج معه علي، فأتي بلحم صَيدٍ صاده حلالٌ، فأكل منه وهو محرم، ولم يأكل منه عليّ، فقال عثمان: إنه صيدَ قبل أن نحرم! فقال له علي: ونحن قد نزلنا وأهالينا لنا حلال، (2) أفيحللن لنا اليوم؟ (3) 12747 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا هارون، عن عمرو، عن عبد الكريم، عن مجاهد، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل: أن عليًّا أتى بِشِقّ عَجُز حمار وهو محرم، فقال: إنّي محرم. (4) 12748 - حدثنا ابن بزيع قال، حدثنا بشر بن المفضل قال، حدثنا سعيد، عن يعلى بن حكيم، عن عكرمة، عن ابن عباس: أنه كان يكرهه على كل حال، ما كان محرمًا. (5) (1) الأثر: 12745- مضى هذا الخبر برواية "عبد الله بن الحارث بن نوفل" عن أبيه "الحارث بن نوفل" برقم: 12740، وسيأتي رقم: 12747. (2) في المطبوعة: "ونحن قد بدا لنا" وفي المخطوطة: "ونحن مر لنا" غير منقوطة وهذه قراءتها فيما أرجح. (3) الأثر: 12746- "عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف" أحاديثه واهية، يكتب حديثه ولا يحتج به، مضى برقم: 3911، 12667. وسيأتي هذا الخبر بإسناد آخر رقم: 12755، مختصرا بغير هذا اللفظ. (4) الأثر: 12747- "هرون" هو "هرون بن المغيرة" مضى قريبا برقم: 12741. و "عمرو" هو "عمرو بن أبي قيس" مضى أيضا برقم: 12741. و "عبد الكريم" هو "عبد الكريم بن مالك الجزوي" مضى برقم: 892، 1566. وكان في المخطوطة والمطبوعة: "عن عمرو بن عبد الكريم" وهو خطأ. ليس في الرواة من يسمى بذلك. ومضى هذا الخبر بإسناديه رقم: 12740، 12745. (5) الأثر: 12748- "سعيد" هو "سعيد بن أبي عروبة" . و "يعلى بن حكيم الثقفي" روى عن سعيد بن جبير وعكرمة ونافع مولى ابن عمر وغيرهم. وثقه أحمد وابن معين وأبو زرعة والنسائي وقال أبو حاتم: "لا بأس به" مترجم في التهذيب. 12749 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا ابن جريج قال، أخبرنا نافع: أن ابن عمر كان يكره كل شيء من الصيد وهو حرام، أخذ له أو لم يؤخذ له، وَشِيقةً وغيرها. (1) 12750- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا يحيى بن سعيد القطان، عن عبد الله قال، أخبرني نافع: أن ابن عمر كان لا يأكل الصيدَ وهو محرم، وإن صاده الحلالُ. 12751 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا أبو عاصم قال، أخبرنا ابن جريج قال، أخبرني الحسن بن مسلم بن يناق: أنّ طاوسًا كان ينهى الحرامَ عن أكل الصيد، وشيقة وغيرها، صيد له أو لم يُصد له. 12752 - حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا خالد بن الحارث قال، حدثنا الأشعث قال، قال الحسن: إذا صاد الصيد ثم أحرمَ لم يأكل من لحمه حتى يحلّ. فإن أكل منه وهو محرم، لم ير الحسن عليه شيئًا. (2) 12753 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام وهارون عن عنبسة، عن سالم قال: سألت سعيد بن جبير، عن الصيد يصيده الحلال، أيأكل منه المحرم؟ فقال: سأذكر لك من ذلك، إن الله تعالى ذكره قال: "يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم" ، فنهي عن قتله، ثم قال: "ومن قتله منكم متعمدًا فجزاء مثل ما قتل من النعم" ، ثم قال تعالى ذكره: "أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعًا لكم وللسيارة" ، قال: يأتي الرجل أهلَ البحر فيقول: "أطعموني" ، فإن (1) "الوشيقة" : لحم يغلي في ماء وملح إغلاءة واحدة، ولا ينضج فيتهرأ ثم يخرج فيصير في الجبجبة وهو جلد بعير يقور، ثم يجعل ذلك اللحم فيه، فيكون لهم زادا في أسفارهم. (2) الأثر: 12752- "خالد بن الحارث بن عبيد الهجيمي" ثقة مضى برقم: 7507، 7818، 9878. قال: "غريضًا" ، ألقوا شبكتهم فصادوا له، وإن قال: "أطعموني من طعامكم" ، أطعموه من سمكهم المالح. ثم قال: "وحُرِّم عليكم صيد البرّ ما دمتم حرمًا" ، وهو عليك حرام، صدته أو صاده حلال. (1) * * * وقال آخرون: إنما عنى الله تعالى ذكره بقوله: "وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرمًا" ، ما استحدَث المحرم صيدَه في حال إحرامه أو ذبحه، أو استُحْدِث له ذلك في تلك الحال. فأما ما ذبحه حلال وللحلال، فلا بأس بأكله للمحرم. وكذلك ما كان في ملكه قبل حال إحرامه، فغير محرم عليه إمساكه. * ذكر من قال ذلك: 12754 - حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع قال، حدثنا بشر بن المفضل قال، حدثنا سعيد قال، حدثنا قتادة: أن سعيد بن المسيب حدّثه، عن أبي هريرة: أنه سئل عن صيد صاده حلال، أيأكله المحرم؟ قال: فأفتاه هو بأكله، ثم لقي عمر بن الخطاب رحمه الله فأخبره بما كان من أمره، فقال: لو أفتيتهم بغير هذا لأوجعتُ لك رأسك. (2) 12755 - حدثنا أحمد بن عبدة الضبي قال، حدثنا أبو عوانة، عن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه قال: نزل عثمان بن عفان رحمه الله العَرْجَ وهو محرم، (3) فأهدى صاحبُ العرج له قَطًا، (4) قال: فقال لأصحابه: كلوا فإنه إنما اصطيد (1) الأثر: 12753- مضى هذا الأثر مختصرا برقم: 12713. (2) الأثر: 12754- إسناده صحيح. وخرجه السيوطي في الدر المنثور باختلاف يسير في لفظه، وزاد نسبته لابن أبي شيبة، وسيأتي هذا الأثر بأسانيد أخرى رقم: 12756، 12757، 12762. (3) "العرج" (بفتح فسكون) وهي قرية جامعة على طريق مكة من المدينة، على جادة الحاج. (4) في المخطوطة: "رطا" غير منقوطة كأنها تقرأ "بطا" ولكن الذي جاء في الروايات السالفة وما سيأتي برقم: 12771 أنها "قطا" أو "يعاقيب" وهي ذكور الحجل والقطا، والصواب إن شاء الله ما كان في المطبوعة: "قطا" . و "القطا" : طائر كالحمام. على اسمي، (1) قال: فأكلوا ولم يأكل. (2) 12756 - حدثنا ابن بشار وابن المثنى قالا حدثنا ابن أبي عدي، عن سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب: أن أبا هريرة كان بالرَّبَذة، فسألوه عن لحم صيدٍ صاده حلال، ثم ذكر نحو حديث ابن بزيع عن بشر. (3) 12757- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن عمر، نحوه. (4) 12758 - حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي الشعثاء قال: سألت ابن عمر عن لحم صيد يُهديه الحلال إلى الحرام، فقال: أكله عمر، وكان لا يرى به بأسًا. قال قلت: تأكله؟ قال: عمر خير مني. (5) (1) قوله: "إنما اصطيد على اسمي" أي من أجله، وهو تعبير قديم يقيد، ولا يزال يجري على ألسنة العامة إلى هذا اليوم وهو صحيح فصيح. وانظر ما يفسره في خبر مالك في الموطأ: 354، وسيأتي رقم: 12764. (2) الأثر: 12755- "عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف" مضى قريبا رقم: 12746. وسيأتي من طريق أخرى برقم: 12771 بغير هذا اللفظ عن أبي سلمة من فعله هو. (3) الأثر: 12756، 12757- مضى برقم: 12754. (4) الأثر: 12756، 12757-مضى برقم: 12754. (5) الأثر: 12758، 12759_ "أبو إسحق" هو: "أبو إسحق السبيعي الهمداني" . و "أبو الشعثاء" سيأتي في الأثر رقم: 12763 أنه "أبو الشعثاء الكندي" وهو غير "أبي الشعثاء، جابر بن زيد" الذي مضى برقم: 5136، 5472، 12406، 12725. و "أبو الشعثاء الكندي" هو: "يزيد بن مهاصر" كوفي روى عن ابن عمر، وابن عباس. ترجم له البخاري في الكبير 4 /2 / 363 في "يزيد بن مهاصر" وقال: "كناه محمد بن عبد الله بن نمير" ولم يزد على ذلك. وترجم له ابن أبي حاتم 4/2/287 في "يزيد بن مهاصر أبو الشعثاء الكندي" ثم قال: "روى عنه أبو إسحق الهمداني وأبو العنبس ويونس بن أبي إسحق وأبو سنان الشيباني" . ثم عاد فترجم له 42/391 وقال: "روى عنه أبو سنان الشيباني وسعيد بن سعيد الثعلبي. سمعت أبي يقول ذلك، ويقول:" لا يسمى وهو كوفي. قال علي بن المديني: أبو الشعثاء الذي روى عنه أبو إسحق الهمداني ويونس بن أبي إسحق، وأبو العنبس وأبو سنان هو الكندي وليس هو سليم [يعني: سليم بن أسود المحاربي] - سمعت أبي يقول: أبو الشعثاء الكندي اسمه: يزيد بن مهاصر. وخالف عليا في ذلك "." فظاهر هذا أنه غير "أبي الشعثاء جابر بن زيد الأزدي" ولكني رأيت الحافظ ابن حجر قال في ترجمة "أبي العنبس" في التهذيب 8: 189 أنه روى عن "أبي الشعثاء جابر بن يزيد الكندي" فلا أدري أوهم الحافظ أم هكذا اختلف عليه في ذلك. وهذا الخبر رواه البيهقي في السنن 5: 189 من طريق عبيد الله بن معاذ عن أبيه عن شعبة عن أبي إسحق، سمعت أبا الشعثاء "." وسيأتي برقم: 12763، بغير هذا اللفظ مختصرا. وكتبه محمود محمد شاكر. 12759- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة قال، حدثنا أبو إسحاق، عن أبي الشعثاء قال: سألت ابن عمر عن صيد صاده حلال يأكل منه حرام، قال: كان عمر يأكله. قال قلت: فأنت؟ قال: كان عمر خيرًا مني. 12760 - حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا ابن أبي عدي، عن هشام، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: استفتاني رجلٌ من أهل الشام في لحم صيد أصابه وهو محرم، فأمرته أن يأكله. فأتيت عمر بن الخطاب فقلت له: إن رجلا من أهل الشام استفتاني في لحم صيد أصابه وهو محرم، قال: فما أفتيته؟ قال: قلت: أفتيته أن يأكله. قال: فوالذي نفسي بيده، لو أفتيته بغير ذلك لعلوتك بالدرة! وقال عمر: إنما نُهيت أن تصطاده. (1) 12761 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا مصعب بن المقدام قال، حدثنا خارجة عن زيد بن أسلم، عن عطاء، عن كعب قال: أقبلت في أناس محرمين، فأصبنا لحمَ حمار وحش، فسألني الناس عن أكله، فأفتيتهم بأكله، وهم محرمون. فقدمنا على عمر، فأخبروه أنّي أفتيتهم بأكل حمار الوحش وهم محرمون، (1) الأثر: 12760- مضى مختصرا برقم: 12754، بغير هذا الإسناد. "هشام" هو "هشام صاحب الدستوائي" . و "يحيى" هو "يحيى بن أبي كثير الطائي" ثقة روى له أصحاب الكتب الستة. مضى برقم: 9189، 11505- 11507. و "أبو سلمة" هو "أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف" مضى مرارا، منها رقم: 12667. وهذا الخبر رواه البيهقي في السنن الكبرى 5: 188، من طريق: "حفص بن عبد الله السلمي، عن إبراهيم بن طهمان عن هشام" بمثله. فقال عمر: قد أمَّرته عليكم حتى ترجعوا. (1) 12762 - حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال: مررت بالرَّبَذة، فسألني أهلها عن المحرم يأكل ما صاده الحلال؟ فأفتيتهم أن يأكلوه. فلقيت عمر بن الخطاب، فذكرت ذلك له. قال: بم أفتيتهم؟ (2) قال: أفتيتهم أن يأكلوا. قال: لو أفتيتهم بغير ذلك لخالفتك. (3) 12763 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح، عن يونس، عن أبي الشعثاء الكندي قال: قلت لابن عمر: كيف ترى في قوم حرام لقوا قومًا حلالا ومعهم لحم صيد، فإما باعوهم، وإما أطعموهم؟ فقال: حلال. (4) (1) الأثر: 12761- "مصعب بن المقدام الخثعمي" ثقة وضعفه بعضهم، ولكن روى له مسلم مضى برقم: 1291، 3001. و "خارجة" هو "خارجة بن مصعب بن خارجة الخراساني" وقد مضى برقم: 9668، قال أخي السيد أحمد هناك: "مختلف فيه جدا والأكثر على تضعيفه، ولكن أعدل كلمة فيه كلمة الحاكم في المستدرك 1: 499: خارجة لم ينقم عليه إلا روايته عن المجهولين، وإذا روى عن الثقات الأثبات فروايته مقبولة" . و "زيد بن أسلم" ثقة ثبت. مضى كثيرا. و "عطاء" هو "عطاء بن يسار" مضى مرارا. و "كعب" هو "كعب الأحبار" . وهذا الخبر صحيح، رواه مالك في الموطأ: 352 عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار مطولا. ورواه البيهقي في السنن 5: 189، من طريق مالك. (2) في المخطوطة: "بما أفتيتهم" فكتبتها على ما درجنا عليه "بم" وفي المطبوعة: "فبم" . (3) الأثر: 12762- مضى حديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة من طريقين أخريين رقم: 12754، 12756. وهذا الخبر رواه مالك في الموطأ 351 عن يحيى بن سعيد بغير هذا اللفظ ثم رواه بعد من طريق "ابن شهاب عن سالم بن عبد الله: أنه سمع أبا هريرة يحدث عبد الله بن عمر" ولفظه أقرب إلى لفظ أبي جعفر هذا. (4) الأثر: 12763- "يونس" هو "يونس بن أبي إسحق السبيعي مضى مرارا وانظر التعليق على رقم: 12758، 12759." و "أبو الشعثاء الكندي" مضى الكلام في أمره واسمه فيما سلف في التعليق على الأثرين رقم 75: 12، 12759، ومضى تخريجه هناك. 12764 - حدثنا سعيد بن يحيى الأموي قال، حدثنا محمد بن سعيد قال، حدثنا هشام= يعني ابن عروة= قال، حدثنا عروة، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب: أن عبد الرحمن حدثه: أنه اعتمر مع عثمان بن عفان في ركبٍ فيهم عمرو بن العاص، حتى نزلوا بالرَّوحاء، فقُرِّب إليهم طير وهم محرمون، فقال لهم عثمان: كلوا، فإني غير آكله! فقال عمرو بن العاص: أتأمرنا بما لست آكلا؟ فقال عثمان: إني لولا أظنّ أنه اصطيد من أجلي، لأكلت! (1) فأكل القوم. (2) 12765 - حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن هشام بن عروة، عن أبيه: أن الزبير كان يتزوّد لحوم الوحش وهو محرم. (3) 12766 - حدثنا عبد الحميد بن بيان قال، أخبرنا إسحاق، عن شريك، عن سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ما صيد أو ذبح وأنت حلال فهو لك حلال، وما صيد أو ذبح وأنت حرام فهو عليك حرام. 12767 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا هارون، عن عمرو، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ما صيد من شيء وأنت حرام فهو عليك حرام، وما صيد من شيء وأنت حلال فهو لك حلال. (1) في المطبوعة: "صيد من أجلي" وأثبت ما في المخطوطة. (2) الأثر: 12764- "يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب بن أبي بلتعة اللخمي" تابعي ثقة جليل، وينسب إلى جده فيقال: "يحيى بن حاطب" مضى برقم: 8367. و "عبد الرحمن" هو أبوه "عبد الرحمن بن حاطب بن أبي بلتعة اللخمي" وهو في الطبقة الأولى من تابعي أهل المدينة وفقهائهم، ثقة قليل الحديث. مترجم في التهذيب. وهذا الخبر رواه البيهقي في السنن الكبرى 5: 191 من طريف أحمد بن يوسف السلمي، عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه بنحوه. (3) الأثر: 12765- إسناده صحيح، رواه مالك في الموطأ: 350، عن هشام ابن عروة عن أبيه: "أن الزبير بن العوام كان يتزود صفيف الظباء وهو محرم" هذا لفظه. فأراد بقوله "لحوم الوحش" الظباء فهي من الوحش. 12768 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: "وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرمًا" ، فجعل الصيد حرامًا على المحرم صيده وأكله ما دام حرامًا. وإن كان الصيدُ صِيدَ قبل أن يحرم الرجل، فهو حلالٌ. وإن صاده حرامٌ لحلال، فلا يحلّ له أكله. 12769 - حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، سألت أبا بشر عن المحرم يأكل مما صاده الحلال؟ قال: كان سعيد بن جبير ومجاهد يقولان: ما صيد قبل أن يُحرِم أكل منه، وما صيد بعد ما أحرم لم يأكل منه. 12770- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا ابن جريج قال: كان عطاء يقولُ إذا سئل في العَلانِية: أيأكل الحرامُ الوَشيقةَ والشيء اليابس؟ (1) = يقول بيني وبينه: لا أستطيع أن أبيِّن لك في مجلس، إن ذبح قبل أن نُحرم فكل، وإلا فلا تبع لحمه ولا تبتع. (2) * * * وقال آخرون: إنما عنى الله تعالى بقوله: "وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرمًا" ، وحرم عليكم اصطياده. قالوا: فأما شراؤه من مالك يملكه وذبحه وأكله، بعد أن يكون مِلكه إياه على غير وجه الاصطياد له، وبيعه وشراؤه جائز. قالوا: والنهي من الله تعالى ذكره، عن صيده في حال الإحرام دون سائر المعاني. * ذكر من قال ذلك: 12771- حدثني عبد الله بن أحمد بن شبويه قال، حدثنا ابن أبي مريم (1) "الوشيقة" مضى تفسيرها في ص: 78، تعليق: 1. (2) هكذا هذا الخبر في المخطوطة إلا أنه كتب: "وإن ذبح قبل أن تحرم" بالواو. وأنا في شك من سياق هذا الخبر، أخشى أن يكون سقط منه شيء فإن السياق يقتضي أن يقال: إذا سئل في العلانية يقول: لا. ولكن هكذا جائ، ولم أجده في مكان آخر، فتركته على حاله حتى يصححه من يجده. قال، حدثنا يحيى بن أيوب قال، أخبرني يحيى، أن أبا سلمة اشترى قَطًا وهو بالعَرْجِ وهو محرم، ومعه محمد بن المنكدر، فأكلها. (1) فعاب عليه ذلك الناس. (2) * * * قال أبو جعفر: والصواب في ذلك من القول عندنا أن يقال: إن الله تعالى ذكره، عمَّ تحريم كل معاني صيد البرّ على المحرم في حال إحرامه، من غير أن يخص من ذلك شيئًا دون شيء، فكل معاني الصيد حرام على المحرم ما دام حرامًا، بيعه وشراؤه واصطياده وقتله، وغير ذلك من معانيه، إلا أن يجده مذبوحًا قد ذبحه حلال لحلال، فيحلّ له حينئذ أكله، للثابت عن الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي:- 12772 - حدثناه يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا يحيى بن سعيد، عن ابن جريج= وحدثني عبد الله بن أبي زياد قال، حدثنا مكي بن إبراهيم قال، حدثنا عبد الملك بن جريج= قال، أخبرني محمد بن المنكدر، عن معاذ بن عبد الرحمن بن عثمان، عن أبيه عبد الرحمن بن عثمان قال: كنا مع طلحة بن عبيد الله ونحن حُرُم، فأهدي لنا طائرٌ، فمنا من أكل، ومنا من تَورَّع فلم يأكل. فلما استيقظ طلحة وفَّق من أكل، (3) وقال: أكلناه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. (4) * * * (1) في المطبوعة: "فأكله" وأثبت ما في المخطوطة وهو الصواب. (2) الأثر: 12771- "عبد الله بن أحمد بن شبويه الخزاعي" شيخ الطبري مضى برقم: 1909، 4612، 4923. و "ابن أبي مريم" هو "سعيد بن أبي مريم" مضى برقم: 160، 5455، 8335. و "يحيى بن أيوب الغافقي" مضى برقم: 3877، 4330. و "يحيى" هو "يحيى بن سعيد بن قيس الأنصاري" مضى برقم: 4859، 9679. و "أبو سلمة" هو "أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف" . مضى قريبا. (3) في المطبوعة: "وافق من أكل" وأثبت ما في المخطوطة وهو الصواب الموافق لما في صحيح مسلم. وقوله: "وفق من أكل" : دعا له بالتوفيق، واستصوب فعله. (4) الأثر: 12772- "يحيى بن سعيد" هو القطان. و "مكي بن إبراهيم بن بشير بن فرقد التميمي" الحافظ روى له أصحاب الكتب الستة. مترجم في التهذيب. و "معاذ بن عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله بن عثمان التيمي" ثقة. وأبوه "عبد الرحمن بن عثمان بن عبد الله التيمي" هو "شارب الذهب" صحابي أسلم يوم الحديبية، وقيل يوم الفتح. وهذا الخبر رواه مسلم في صحيحه 8: 111، 112، والبيهقي في السنن الكبرى 5: 188. https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الحادى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة الحلقة (578) صــ 86 إلى صــ 95 فإن قال قائل: فما أنت قائل فيما روي عن الصعب بن جَثَّامة أنه أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رِجْلَ حمارِ وحش يقطر دمًا، فردّه فقال: إنا حُرُم (1) = وفيما روي عن عائشة: أن وَشِيقة ظبي أهديت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم، فردّها (2) وما أشبه ذلك من الأخبار؟ قيل: إنه ليس في واحد من هذه الأخبار التي جاءت بهذا المعنى، بيانُ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ردّ من ذلك ما ردّ وقد ذبحه الذابح إذ ذبحه، وهو حلال لحلال، ثم أهداه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حرام، فرده وقال: "إنه لا يحل لنا لأنا حرم" ، وإنما ذكر فيه أنه أُهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم لحم صيد فردّه. وقد يجوز أن يكون ردُّه ذلك من أجل أنّ ذابحه ذبحه أو صائده صاده من أجله صلى الله عليه وسلم وهو محرم. وقد بيَّن خبر جابر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم بقوله: "لحم صيد [البر] للمحرم حلال إلا ما صاد أو صيد له" ، (3) معنى ذلك كله. فإذ كان كلا الخبرين صحيحًا مخرجهما، فواجبٌ التصديقُ بهما، وتوجيه كلّ واحد منهما إلى الصحيح من وجه، وأن يقال: "ردُّه ما ردّ من ذلك من أجل" (1) حديث الصعب بن جثامة، رواه مسلم في صحيحه من طرق 8: 103- 106، والسنن الكبرى للبيهقي 5: 191، 194 واستوفى تخريجه هناك. (2) حديث عائشة رواه أحمد في المسند 6: 40. وقد مضى تفسير "الوشيقة" فيما سلف ص: 78 تعليق: 1. (3) حديث جابر بن عبد الله خرجه البيهقي في السنن الكبرى 5: 190، فانظر ما قاله فيه، وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2: 333 وقال: أخرجه أحمد والحاكم وصححه. وزدت ما بين القوسين من الخبر، وهو ساقط من المخطوطة والمطبوعة. أنه كان صِيد من أجله= وإذنه في كل ما أذن في أكله منه، من أجل أنه لم يكن صِيد لمحرم ولا صاده محرم، فيصح معنى الخبرين كليهما. * * * واختلفوا في صفة الصيد الذي عنى الله تعالى بالتحريم في قوله: "وحرم عليك صيد البر ما دمتم حرمًا" . فقال بعضهم: "صيد البر" ، كل ما كان يعيش في البرّ والبحر، وإنما "صيد البحر" ، ما كان يعيش في الماء دون البرّ ويأوي إليه * ذكر من قال ذلك: 12773 - حدثنا هناد بن السري قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي =، عن عمران بن حدير، عن أبي مجلز: "وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرمًا" ، قال: ما كان يعيش في البر والبحر فلا تصده، (1) وما كان حياته في الماء فذاك. (2) 12774 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا الحجاج، عن عطاء قال: ما كان يعيش في البر فأصابه المحرم فعليه جزاؤه، نحو السلحفاة والسرطان والضفادع. 12775 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا هارون بن المغيرة، عن عمرو بن أبي قيس، عن الحجاج، عن عطاء قال: كل شيء عاش في البر والبحر فأصابه المحرم، فعليه الكفارة. 12776 - حدثنا أبو كريب وأبو السائب قالا حدثنا ابن إدريس قال، حدثنا يزيد بن أبي زياد، عن عبد الملك بن سعيد بن جبير قال: خرجنا (1) في المطبوعة: "لا تصيده" وفي المخطوطة: "ولا تصده" وهذا صواب قراءتها. (2) الأثر: 12773- في المخطوطة: "هل كان حياته في الماء فذاك" ولا أدري ما "وهل" هنا وما في المطبوعة أشبه بالصواب. وهذا الأثر أخرجه السيوطي في الدر المنثور 2: 332/ بمثل ما في المطبوعة، وزاد نسبته لابن أبي حاتم، وأبي الشيخ. حجاجًا معنا رجلٌ من أهل السَّواد معه شُصُوص طير ماءٍ، فقال له أبي حين أحرمنا: اعزل هذا عنا. (1) 12777 - وحدثنا به أبو كريب مرة أخرى قال، حدثنا ابن إدريس قال، سمعت يزيد بن أبي زياد قال، حدثنا حجاج، عن عطاء: أنه كَرِه للمحرم أن يذبح الدجاج الزِّنجي، لأن له أصلا في البر. (2) * * * وقال بعضهم: صيد البر ما كان كونه في البرّ أكثر من كونه في البحر. (3) * ذكر من قال ذلك: 12778- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا أبو عاصم قال، ابن جريج أخبرناه، قال: سألت عطاء عن ابن الماء، أصيد برّ أم بحر؟ وعن أشباهه؟ فقال: حيث يكون أكثر، فهو صيده. 12779 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني وكيع، عن سفيان، عن رجل، عن عطاء بن أبي رباح قال، أكثر ما يكون حيث يُفْرِخ، فهو منه. * * * (1) الأثر: 12776- "يزيد بن أبي زياد الكوفي" مضى قريبا برقم: 12740، وكان في حفظ يزيد شيء بعد ما كبر. و "عبد الملك بن سعيد بن جبير الأسدي" روى عن أبيه وعكرمة. وروى عنه يزيد بن أبي زياد. وهو ثقة عزيز الحديث. مترجم في التهذيب وكان في المطبوعة والمخطوطة: "عبد الملك عن سعيد بن جبير" وهو خطأ محض. (2) الأثر: 12777- هكذا جاء في المخطوطة والمطبوعة: "وحدثنا به أبو كريب مرة أخرى" وهذا إشعار بأنه سيروي الحديث السالف عن عبد الملك بن سعيد بن جبير عن أبيه ولكن اختلف الأمر جدا. فإذا هو عن "حجاج عن عطاء" وإذا معناه بمعزل عن معنى الحديث الذي قبله، بل هو بمعنى الحديث رقم: 12775 وعن حجاج عن عطاء أيضا ولكن ذلك من رواية "ابن حميد" لا من رواية "أبي كريب" فتبين بذلك أنه ليس يصح أن يكون هذا الأخير قد تأخر عن مكانه. فأخشى أن يكون الناسخ قد اضطرب فاضطرب تصحيح هذا الموضع. (3) في المخطوطة: "ما كان أكثر كونه في البر" بزيادة "أكثر" هنا، وهو لا يصح. القول في تأويل قوله: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (96) } قال أبو جعفر: وهذا تقدُّمٌ من الله تعالى ذكره إلى خلقه بالحذر من عقابه على معاصيه. يقول تعالى ذكره: واخشوا الله، أيها الناس، واحذروه بطاعته فيما أمركم به من فرائضه (1) وفيما نهاكم عنه في هذه الآيات التي أنزلها على نبيكم صلى الله عليه وسلم، من النهي عن الخمر والميسر والأنصاب والأزلام، وعن إصابة صيد البر وقتله في حال إحرامكم وفي غيرها، فإنّ لله مصيرَكم ومرجعَكم، (2) فيعاقبكم بمعصيتكم إياه، ومجازيكم فيثيبكم على طاعتكم له. * * * القول في تأويل قوله: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: صيَّر الله الكعبة البيت الحرام قوامًا للناس الذين لا قِوَام لهم من رئيس يحجز قوِّيهم عن ضعيفهم، (3) ومسيئهم عن محسنهم، وظالمهم عن مظلومهم= "والشهر الحرام والهدي والقلائد" ، فحجز بكل واحد من ذلك بعضهم عن بعض، إذ لم يكن لهم قيامٌ غيره، وجعلها معالم لدينهم، ومصالح أمورهم. * * * و "الكعبة" ، سميت فيما قيل "كعبة" لتربيعها. * * * (1) انظر تفسير "اتقى" فيما سلف من فهارس اللغة (وقى) . (2) انظر تفسير "الحشر" فيما سلف 4: 228 /229، 6/ 9: 425. (3) انظر تفسير "جعل" فيما سلف 3: 18. * ذكر من قال ذلك: 12780 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: إنما سميت "الكعبة" ، لأنها مربعة. 12781 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا هاشم بن القاسم، عن أبي سعيد المؤدب، عن النضر بن عربي، عن عكرمة قال: إنما سميت "الكعبة" ، لتربيعها. (1) * * * وقيل "قيامًا للناس" بالياء، وهو من ذوات الواو، لكسرة القاف، وهي "فاء" الفعل، فجعلت "العين" منه بالكسرة "ياء" ، كما قيل في مصدر: "قمت" "قيامًا" و "صمت" "صيامًا" ، فحوّلت "العين" من الفعل: وهي "واو" "ياء" لكسرة فائه. وإنما هو في الأصل: "قمت قوامًا" ، و "صمت صِوَامًا" ، وكذلك قوله: "جعل الله الكعبة البيت الحرام قيامًا للناس" ، فحوّلت، واوها ياء، إذ هي "قوام" . (2) وقد جاء ذلك من كلامهم مقولا على أصله الذي هو أصله قال الراجز: (3) قَِوامُ دُنْيَا وَقَوَامُ دِين (4) فجاء به بالواو على أصله. * * * وجعل تعالى ذكره الكعبة والشهرَ الحرام والهديَ والقلائد قوامًا لمن كان يحرِّم ذلك من العرب ويعظّمه، (5) بمنزلة الرئيس الذي يقوم به أمر تُبَّاعه. (1) الأثر: 12781- "هاشم بن القاسم بن مسلم الليثي" "أبو النضر" الإمام الحافظ مضى برقم: 184، 8239. و "أبو سعيد المؤدب" هو: "محمد بن مسلم بن أبي الوضاح القضاعي" ثقة مأمون مضى برقم 8239، 12310. (2) انظر تفسير "قيام" فيما سلف 7: 568، 569. (3) هو حميد الأرقط. (4) مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 177. (5) في المطبوعة: "يحترم ذلك" وصوابه من المخطوطة وفي المخطوطة: "ويعطيه" وصوابه ما في المطبوعة. وأما "الكعبة" ، فالحرم كله. وسمّاها الله تعالى "حرامًا" ، لتحريمه إياها أن يصاد صيدها أو يُخْتلى خَلاها، أو يُعْضد شجرها، (1) وقد بينا ذلك بشواهده فيما مضى قبل. (2) * * * وقوله: "والشهر الحرام والهدي والقلائد" ، يقول تعالى ذكره: وجعل الشهر الحرام والهدي والقلائد أيضًا قيامًا للناس، كما جعل الكعبة البيت الحرام لهم قيامًا. * * * و "الناس" الذين جعل ذلك لهم قيامًا، مختلفٌ فيهم. فقال بعضهم: جعل الله ذلك في الجاهلية قيامًا للناس كلهم. * * * وقال بعضهم: بل عنى به العربَ خاصة. * * * وبمثل الذي قلنا في تأويل "القوام" ، قال أهل التأويل. * ذكر من قال: عنى الله تعالى ذكره بقوله: "جعل الله الكعبة البيت الحرام قيامًا للناس" ، القوام، على نحو ما قلنا. 12782 - حدثنا هناد قال، حدثنا ابن أبي زائدة قال، أخبرنا من سمع خُصَيفًا يحدث، عن مجاهد في: "جعل الله الكعبة البيت الحرام قيامًا للناس" ، قال: قوامًا للناس. 12783 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن خصيف، عن سعيد بن جبير: "قيامًا للناس" ، قال: صلاحًا لدينهم. 12784- حدثنا هناد قال، حدثنا ابن أبي زائدة قال، أخبرنا داود، عن ابن جريج، عن مجاهد في: "جعل الله الكعبة البيت الحرام قيامًا للناس" ، قال: حين لا (1) "الخلي" : الرطب الرقيق من النبات. و "اختلى الخلي" : جزه وقطعه ونزعه. و "عضد الشجرة" قطعها. (2) انظر ما سلف 3: 45- 51. يرْجون جنة ولا يخافون نارًا، فشدّد الله ذلك بالإسلام. 12785- حدثني هناد قال، حدثنا ابن أبي زائدة، عن إسرائيل، عن أبي الهيثم، عن سعيد بن جبير قوله: "جعل الله الكعبة البيت الحرام قيامًا للناس" ، قال: شدةً لدينهم. 12786- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن أبي الهيثم، عن سعيد بن جيير، مثله. 12787 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "جعل الله الكعبة البيت الحرام قيامًا للناس" ، قال: قيامها، أن يأمن من توجَّه إليها. 12788 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: "جعل الله الكعبة البيت الحرام قيامًا للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد" ، يعني قيامًا لدينهم، ومعالم لحجهم. 12789 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "جعل الله الكعبة البيت الحرام قيامًا للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد" ، جعل الله هذه الأربعةَ قيامًا للناس، هو قوام أمرهم. * * * قال أبو جعفر: وهذه الأقوال وإن أختلفت من قائليها ألفاظُها، (1) فإن معانيها آيلةٌ إلى ما قلنا في ذلك، من أن "القوام" للشيء، هو الذي به صلاحه، كما الملك الأعظم، قوامُ رعيته ومن في سلطانه، (2) لأنه مدبِّر أمرهم، وحاجز ظالمهم عن مظلومهم، والدافع عنهم مكروه من بغاهم وعاداهم. وكذلك كانت الكعبة والشهرُ الحرام والهدي والقلائد، قوامَ أمر العرب الذي كان به صلاحهم (1) في المخطوطة والمطبوعة: "من قائلها" بالإفراد وما أثبته أولى بالصحة. (2) في المطبوعة: "كالملك" والصواب الجيد ما في المخطوطة. في الجاهلية، وهي في الإسلام لأهله معالمُ حجهم ومناسكهم، ومتوجَّههم لصلاتهم، وقبلتهم التي باستقبالها يتمُّ فرضُهم. * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قالت جماعة أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 12790 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا جامع بن حماد قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "جعل الله الكعبة البيت الحرام قيامًا للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد" ، حواجز أبقاها الله بين الناس في الجاهلية، (1) فكان الرجل لو جَرَّ كل جريرة ثم لجأ إلى الحرم لم يُتناول ولم يُقرب. وكان الرجل لو لقي قاتلَ أبيه في الشهر الحرام لم يعرض له ولم يقرَبه. وكان الرجل إذا أراد البيت تقلد قلادةً من شعر فأحمته ومنعته من الناس. وكان إذا نفر تقلَّد قلادة من الإذْخِر أو من لِحَاء السمُر، فمنعته من الناس حتى يأتي أهله، (2) حواجزُ أبقاها الله بين الناس في الجاهلية. 12791- حدثنا يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "جعل الله الكعبة البيت الحرام قيامًا للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد" ، قال: كان الناس كلهم فيهم ملوكٌ تدفع بعضَهم عن بعض. قال: ولم يكن في العرب ملوكٌ تدفع بعضهم عن بعض، فجعل الله تعالى لهم البيت الحرام قيامًا، يُدْفع بعضُهم عن بعض به، والشهر الحرام كذلك يدفع الله بعضهم عن بعض بالأشهر الحرم، والقلائد. قال: ويلقَى الرجل قاتل أخيه أو ابن عمه فلا يعرض له. وهذا كله قد نُسِخ. (1) عندي أن الصواب "ألقاها الله" باللام في هذا الموضع، والذي يليه، ولكن هكذا هي في المخطوطة. (2) "الإذخر" : حشيشة طيبة الرائحة يسقف بها البيوت فوق الخشب ويطحن فيدخل في الطيب. و "اللحاء" قشر الشجر. و "السمر" (بفتح السين وضم الميم) : شجر من الطلح. 12792 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: "والقلائد" ، كان ناس يتقلَّدون لحاء الشجر في الجاهلية إذا أرادوا الحجّ، فيعرفون بذلك. * * * وقد أتينا على البيان عن ذكر: "الشهر الحرام" = و "الهدي" = و "القلائد" ، فيما مضى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (1) * * * القول في تأويل قوله: {ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (97) } قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "ذلك" ، تصييرَه الكعبةَ البيتَ الحرام قيامًا للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد. يقول تعالى ذكره: صيرت لكم، أيها الناس، ذلك قيامًا، كي تعلموا أن من أحدث لكم لمصالح دنياكم ما أحدث، مما به قوامكم، علمًا منه بمنافعكم ومضاركم، أنه كذلك يعلم جميع ما في السموات وما في الأرض مما فيه صلاحُ عاجلكم وآجلكم، ولتعلموا أنه بكل شيء "عليم" ، لا يخفى عليه شيء من أموركم وأعمالكم، وهو محصيها عليكم، حتى يجازي المحسنَ منكم بإحسانه، والمسيء منكم بإساءته. (2) * * * (1) انظر تفسير "الشهر الحرام" فيما سلف 3: 575- 579/4: 299، 300 وما بعدها/9: 466= وتفسير "الهدي" فيما سلف 4: 24، 25/9: 466/11: 22= وتفسير "القلائد" فيما سلف 9: 467- 470. (2) انظر تفسير "عليم" فيما سلف من فهارس اللغة. القول في تأويل قوله: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (98) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: اعلموا، أيها الناس، أن ربكم الذي يعلم ما في السموات وما في الأرض، ولا يخف عليه شيء من سرائر أعمالكم وعلانيتها، وهو يُحْصيها عليكم لمجازيكم بها، شديد عقابُه من عصاه وتمرَّد عليه، على معصيته إياه= وهو غفور لذنوب من أطاعه وأنابَ إليه، فساترٌ عليه، وتاركٌ فضيحته بها= رحيم به أن يعاقبه على ما سلف من ذنوبه بعد إنابته وتوبته منها. (1) * * * القول في تأويل قوله: {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (99) } قال أبو جعفر: وهذا من الله تعالى ذكره تهديد لعباده ووعيد. يقول تعالى ذكره: ليس على رسولنا الذي أرسلناه إليكم، أيها الناس، بإنذاركم عقابَنا بين يدي عذاب شديد، وإعذارنا إليكم بما فيه قطع حججكم= إلا أن يؤدي إليكم رسالتنا، ثم إلينا الثواب على الطاعة، (2) وعلينا العقاب على المعصية = "والله يعلم ما تبدون وما تكتمون" ، يقول: وغير خفي علينا المطيعُ منكم، القابلُ رسالتنا، العاملُ بما أمرته بالعمل به= من المعاصي الآبي رسالتنا، التارك العمل بما أمرته بالعمل به، (3) لأنا نعلم ما عمله العامل منكم فأظهره بجوارحه ونطق (1) انظر تفسير "شديد العقاب" و "غفور" و "رحيم" فيما سلف من فهارس اللغة. (2) انظر تفسير "البلاغ" فيما سلف 10: 575. (3) في المطبوعة: "من المعاصي التارك العمل" أسقط ما كان في المخطوطة، وكان فيها: "من المعاصي التي، رسالتنا" هكذا كتبت وبين الكلام بياض ورسم "،" بالحمرة. فآثرت قراءتها كما أثبتها. https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الحادى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة الحلقة (579) صــ 96 إلى صــ 105 به بلسانه= "وما تكتمون" ، يعني: ما تخفونه في أنفسكم من إيمان وكفر، أو يقين وشك ونفاق. (1) يقول تعالى ذكره: فمن كان كذلك، لا يخفى عليه شيء من ضمائر الصدور، وظواهر أعمال النفوس، مما في السموات وما في الأرض، وبيده الثواب والعقاب= فحقيق أن يُتَّقى، وأن يُطاع فلا يعصى. * * * القول في تأويل قوله: {قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، قل يا محمد: لا يعتدل الرديء والجيد، والصالح والطالح، والمطيع والعاصي (2) = ولو أعجبك كثرة الخبيث "، يقول: لا يعتدل العاصي والمطيع لله عند الله، ولو كثر أهل المعاصى فعجبت من كثرتهم، لأن أهل طاعة الله هم المفلحون الفائزون بثواب الله يوم القيامة وإن قلُّوا، دون أهل معصيته= وإن أهل معاصيه هم الأخسرون الخائبون وإن كثروا." يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم: فلا تعجبنَّ من كثرة من يعصى الله فيُمْهِله ولا يعاجله بالعقوبة، فإن العقبَى الصالحة لأهل طاعة الله عنده دونهم، كما:- (1) انظر تفسير "تبدون" و "تكتمون" في فهارس اللغة "بدا" و "كتم" . (2) انظر تفسير: "استوى" فيما سلف 9: 85= وتفسير "الخبيث" فيما سلف 5: 558، 559/7: 424، 527= وتفسير "الطيب" فيما سلف 10: 513 تعليق: 3، والمراجع هناك. 12793 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي، "لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة" الخبيث "، قال: الخبيث، هم المشركون= و" الطيب "، هم المؤمنون." * * * وهذا الكلام وإن كان مخرجه مخرجَ الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فالمراد به بعض أتباعه، يدل على ذلك قوله: "فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون" * * * القول في تأويل قوله: {فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (100) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: واتقوا الله بطاعته فيما أمركم ونهاكم، واحذروا أن يستحوذ عليكم الشيطان بإعجابكم كثرة الخبيث، فتصيروا منهم= "يا أولي الألباب" ، يعني بذلك أهلَ العقول والحِجَى، الذين عقلوا عن الله آياته، وعرفوا مواقع حججه. (1) = "لعلكم تفلحون" ، يقول: اتقوا الله لتفلحوا، أي: كي تنجحوا في طلبكم ما عنده. (2) * * * (1) انظر تفسير "أولي الألباب" فيما سلف 3: 383/ 4: 162 /5: 580 /6: 211 وفي التعليق على المواضع السالفة خطأ، يصحح من هنا. (2) انظر تفسير "الفلاح" فيما سلف 10: 564 تعليق: 1، والمراجع هناك. القول في تأويل قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} قال أبو جعفر: ذكر أن هذه الآية أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب مسائل كان يسألها إياه أقوام، امتحانًا له أحيانًا، واستهزاءً أحيانًا. فيقول له بعضهم: "من أبي" ؟ ويقول له بعضهم إذا ضلت ناقته: "أين ناقتي" ؟ فقال لهم تعالى ذكره: لا تسألوا عن أشياءَ من ذلك= كمسألة عبد الله بن حُذافة إياه من أبوه= "إن تبد لكم تسؤكم" ، يقول: إن أبدينا لكم حقيقة ما تسألون عنه، ساءكم إبداؤها وإظهارها. وبنحو الذي قلنا في ذلك تظاهرت الأخبار عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. * ذكر الرواية بذلك: 12794 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا حفص بن بُغَيل قال، حدثنا زهير بن معاوية قال، حدثنا أبو الجويرية قال: قال ابن عباس لأعرابيّ من بني سليم: هل تدري فيما أنزلت هذه الآية: "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم" ؟ = حتى فرغ من الآية، فقال: كان قوم يسألون رسولَ الله صلى الله عليه وسلم استهزاء، فيقول الرجل: "من أبي" ؟ = والرجل تضل ناقته فيقول: "أين ناقتي" ؟ فأنزل الله فيهم هذه الآية. (1) (1) الأثر: 12794- "حفص بن بغيل الهمداني المرهبي" ، ثقة مضى برقم: 9639، وكان في المطبوعة هنا "بعض بني نفيل" ، وفي المخطوطة: "بعض بن نفيل" ، وكله خطأ، وكذلك جاء خطأ في فتح الباري "حفص بن نفيل" بالفاء، وهو "بغيل" بالغين، على التصغير. و "زهير بن معاوية الجعفي" ، هو "أبو خيثمة" . ثقة ثبت، روى له أصحاب الكتب الستة. مضى برقم: 2144، 2222. و "أبو الجويرية" هو "حطان بن خفاف بن زهير بن عبد الله بن رمح بن عرعرة الجعفي" ، روى عن ابن عباس. ثقة، قال ابن عبد البر: "أجمعوا على أنه ثقة" . مترجم في التهذيب، والكبير 2/1109، وابن أبي حاتم 1/2/304. وهذا الخبر رواه البخاري في صحيحه (الفتح 8: 212) من طريق الفضل بن سهل، عن أبي النضر هاشم بن القاسم، عن أبي خيثمة زهير بن معاوية، عن أبي الجويرية، بنحوه. وأشار إلى إسناد أبي جعفر، الحافظ ابن حجر في شرح الحديث. وقال ابن كثير في تفسيره 3: 250، وذكر حديث البخاري: "تفرد به البخاري" . وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2: 334، وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه. 12795 - حدثني محمد بن المثنى قال، حدثنا أبو عامر وأبو داود قالا حدثنا هشام، عن قتادة، عن أنس قال: سأل الناسُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حتى أحْفَوه بالمسألة، (1) فصعد المنبر ذات يوم، فقال: "لا تسألوني عن شيء إلا بيَّنْتُ لكم! (2) قال أنس: فجعلت أنظر يمينًا وشمالا فأرى كل إنسان لافًّا ثوبَه يبكي، فأنشأ رجل كان إذا لاحَى يُدعى إلى غير أبيه، (3) فقال: يا رسول الله، من أبي؟ فقال:" أبوك حذافة "! قال: فأنشأ عمر فقال: رضينا بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا وأعوذ بالله من سوء الفتن! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لم أرَ الشرّ والخيرَ كاليوم قط! (4) إنه صُوِّرت لي الجنة والنار حتى رأيتهما وراء الحائط! = وكان قتادة يذكر هذا الحديث عند هذه الآية: "لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم" . (5) (1) "أحفاه بالمسألة" و "أحفى السؤال" : ألح عليه، وأكثر الطلب واستقصى في السؤال. (2) في المطبوعة: "إلا بينته" بالضمير كما في صحيح مسلم وأثبت ما في المخطوطة وهو صواب أيضا. (3) يقال: "أنشأ فلان يفعل كذا" أي: أقبل يفعل أو ابتدأ يفعل وهو هنا في هذا الموضع والذي يليه، أحسنه أن يفسر: "أقبل" = و "لاحى الرجل أخاه" : إذا نازعه وسابه وشاتمه. (4) في المطبوعة: "لم أر في الشر والخير" بزيادة "في" كما في مسلم: "لم أر كاليوم قط في الخير والشر" واتبعت المخطوطة فحذفت "في" . (5) الأثر: 12795- "أبو عامر" هو العقدي: "عبد الملك بن عمرو القيسي" ، ثقة مأمون، مضى مرارا كثيرة جدا. و "أبو داود" هو الطيالسي. و "هشام" هو الدستوائي. وهذا الخبر، رواه مسلم في صحيحه من طرق (15: 114، 115) ، من طريق: يوسف ابن حماد المعنى، عن عبد الأعلى، عن سعيد، عن قتادة، عن أنس، ثم أشار إلى روايته من طريق يحيى بن حبيب الحارثي، عن خالد بن الحارث، عن هشام= ومن طريق محمد بن بشار، عن محمد ابن أبي عدي، عن هشام. وهو مثل طريق أبي جعفر. وسيأتي أيضًا برقم: 12797. وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2: 334، واقتصر على نسبته لابن جرير، وابن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ، وابن مردويه، وقصر فلم ينسبه إلى صحيح مسلم. 12796 - حدثني محمد بن معمر البحراني قال، حدثنا روح بن عبادة قال، حدثنا شعبة قال، أخبرني موسى بن أنس قال، سمعت أنسًا يقول، قال رجل: يا رسول الله، من أبي؟ قال: "أبوك فلان" ! قال: فنزلت: "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم" . (1) 12797- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة في قوله: "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم" ، قال: فحدَّثنا أن أنس بن مالك حدَّثهم: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه حتى أحفَوْه بالمسألة، فخرج عليهم ذات يوم فصعد المنبر فقال: "لا تسألوني اليومَ عن شيء إلا بينته لكم! فأشفقَ أصحاب رسول الله صلى الله عليه" (1) الأثر: 12796= "محمد بن معمر بن ربعي القيسي البحراني" ، شيخ الطبري روى عنه أصحاب الكتب الستة، ومضى برقم: 241، 3056، 5393. و "روح بن عبادة القيسي" ، مضى برقم: 3015، 3355، 3912. و "موسى بن أنس بن مالك الأنصاري" ، تابعي ثقة قليل الحديث، مضى برقم: 11475. وهذا الخبر رواه البخاري في صحيحه من طريقين عن شعبة، من طريق منذر بن الوليد بن عبد الرحمن الجارودي، عن أبيه، عن شعبة (الفتح 8: 210- 212) مطولا، وأشار بعده إلى رواية النضر، وروح بن عبادة، عن شعبة= ثم رواه من طريق محمد بن عبد الرحيم، عن روح، عن شعبة، مختصرًا كالذي هنا (الفتح 13: 230) وخرجه الحافظ ابن حجر في الموضعين. ورواه مسلم في صحيحه (15: 112) ، من طريق محمد بن معمر، بمثل رواية أبي جعفر. وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2: 334، وزاد نسبته إلى الترمذي، والنسائي، وأبي الشيخ، وابن مردويه. وسلم أن يكون بين يديه أمر قد حضر، فجعلتُ لا ألتفت يمينًا ولا شمالا إلا وجدت كُلا لافًّا رأسه في ثوبه يبكي. فأنشأ رجلٌ كان يُلاحَى فيدعى إلى غير أبيه، فقال: يا نبي الله، من أبي؟ قال: "أبوك حذافة" ! قال: ثم قام عمر = (1) أو قال: فأنشأ عمر = فقال: رضينا بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا عائذًا بالله = أو قال: أعوذ بالله = من سوء الفتن! قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم أر في الخير والشر كاليوم قط، صُوِّرت لي الجنة والنارُ حتى رأيتهما دون الحائط. (2) 12798 - حدثنا أحمد بن هشام وسفيان بن وكيع قالا حدثنا معاذ بن معاذ قال، حدثنا ابن عون، قال: سألت عكرمة مولى ابن عباس عن قوله: "ياأيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم" ، قال: ذاك يوم قام فيهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم به! قال: فقام رجل، فكره المسلمون مَقامه يومئذ، فقال: يا رسول الله، من أبي؟ قال: أبوك حذافة، قال: فنزلت هذه الآية. (3) 12799 - حدثنا الحسين بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه قال: نزلت: "لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم" (1) في المطبوعة: "ثم قال عمر" غير ما في المخطوطة، وهو الصواب. (2) الأثر: 12797- هو مكرر الأثر رقم: 12795 بنحو لفظه ورواه أبو جعفر هنا من طريق سعيد عن قتادة وهي طريق مسلم التي رواها في صحيحه، كما أشرت إليه في تخريج الخبر رقم: 12795. (3) الأثر: 12798- "أحمد بن هشام" شيخ أبي جعفر، لم أستطع أن أحدد من يكون، وهناك: "أحمد بن هشام بن بهرام" ، "أبو عبد الله المدائني" مترجم في تاريخ بغداد 5: 197. و "أحمد بن هشام بن حميد" ، "أبو بكر المصري" ، سكن البصرة، وحدث بها. مترجم أيضًا في تاريخ بغداد 5: 198. وأما "معاذ بن معاذ بن نصر بن حسان العنبري" ، "أبو المثنى" ، الحافظ البصري، فقد سلف برقم: 10482. تسؤكم "، في رجل قال: يا رسول الله، من أبي؟ قال: أبوك فلان." 12800- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني سفيان، عن معمر، عن قتادة قال: سألوا النبي صلى الله عليه وسلم حتى أكثروا عليه، فقام مغضبًا خطيبًا فقال: سلوني، فوالله لا تسألوني عن شيء ما دمت في مقامي إلا حدثتكم! فقام رجل فقال: من أبي؟ قال: أبوك حذافة. واشتدّ غضبه وقال: سلوني! فلما رأى الناس ذلك كثر بكاؤهم، فجثا عمر على ركبتيه فقال: رضينا بالله ربًّا= قال معمر، قال الزهري، قال أنس مثل ذلك: فجثا عمر على ركبتيه= (1) فقال: رضينا بالله ربًّا= وبالإسلام دينًا= وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما والذي نفسي بيده، لقد صُوِّرت لي الجنةُ والنارُ آنفًا في عرض هذا الحائط، فلم أر كاليوم في الخير والشر= قال الزهري، فقالت أم عبد الله بن حذافة: ما رأيت ولدًا أعقّ منك قط! أتأمن أن تكون أمك قارفت ما قارفَ أهلُ الجاهلية فتفضحها على رؤوس الناس!! فقال: والله لو ألحقني بعبدٍ أسود للحقتُه. (2) " 12801 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم" ، قال: غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا من الأيام، فقام (1) هذه إشارة من سفيان إلى رواية يونس عن الزهري ورواية عبد الرزاق عن معمر عن الزهري: "برك عمر" أو "فبرك عمر على ركبتيه" كما في مسلم 15: 113، والبخاري (الفتح 13: 230) . (2) الأثر: 12800- هذا الخبر من رواية سفيان، عن معمر، عن قتادة عن أنس= ومن روايته عن معمر، عن الزهري، عن أنس. وأخرجه البخاري في صحيحه (الفتح 13: 230) من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، وأخرجه مسلم في صحيحه (15: 112) من يونس، عن الزهري، ثم أشار في (15: 114) إلى طريق عبد الرازق، عن معمر. أما خبر طريق قتادة، عن أنس، فقد مضى برقم: 12795، 12797. *وخرجه ابن كثير في تفسيره 3: 249. خطيبًا فقال: سلوني، فإنكم لا تسألوني عن شيء إلا نبأتكم به! فقام إليه رجل من قريش، من بني سهم، يقال له "عبد الله بن حذافة" ، وكان يُطْعن فيه، قال: فقال: يا رسول الله، من أبي؟ قال: أبوك فلان! فدعاه لأبيه. فقام إليه عمر فقبَّل رجله وقال: يا رسولَ الله، رضينا بالله ربًّا، وبك نبيًّا، وبالإسلام دينًا، وبالقرآن إمامًا، فاعف عنا عفا الله عنك! فلم يزل به حتى رَضِيَ، فيومئذ قال: "الولد للفراش وللعاهر الحجر" . (1) 12802 - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا قيس، عن أبي حصين، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غضبان محمارٌّ وجهه! حتى جلس على المنبر، فقام إليه رجل فقال: أين أبي؟ قال: في النار، فقام آخر فقال: من أبي؟ قال: أبوك حذافة! فقام عمر بن الخطاب فقال: رضينا بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا، وبالقرآن إمامًا، إنا يا رسول الله حديثو عهد بجاهلية وشِرْك، والله يعلمُ من آباؤنا! قال: فسكن غضبه، ونزلت: "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم" . (2) * * * (1) الأثر: 12801- روى الحاكم في المستدرك 3: 631 من طريق نعيم بن حماد عن هشيم عن سيار عن أبي وائل: "أن عبد الله بن حذافة بن قيس قال: يا رسول الله، من أبي؟ قال: أبُوك حُذافة، الولد للفراش وللعَاهر الحجَرُ. قال: لو دعوتتي لحبشيٍّ لاتبعته! فقالت له أُمُّه: لقد عَرَّضتني! فقال: إنِّي أردتُ أن أستريح!" . (2) الأثر: 12802- "الحارث" هو "الحارث بن أبي أسامة" منسوبًا إلى جده، وهو "الحارث بن محمد بن أبي أسامة التميمي" ، مضت ترجمته برقم: 10295. و "عبد العزيز" هو "عبد العزيز بن أبان الأموي" ، من مولد سعيد بن العاص، كان كذابًا يضع الأحاديث، وذمه يطول. ومضى برقم: 10295. و "قيس" هو "قيس بن الربيع الأسدي" ، وهو ثقة، ولكنهم ضعفوه، ومضى أيضًا برقم 10295. و "أبو حصين" هو "عثمان بن عاصم بن حصين الأسدي" ، روى له أصحاب الكتب الستة. مضى برقم: 642 643، 8961، 8962. و "أبو صالح" هو "ذكوان السمان" ، من أجل الناس وأوثقهم. سلف مرارًا. وإسناد هذا الخبر إلى "قيس بن الربيع" ، إسناد هالك، ولكن ابن كثير في تفسيره 2: 249، ساقه عن هذا الموضع من الطبري ثم قال: "إسناده جيد" ، وكيف، وفيه "عبد العزيز بن أبان" ؟ وذكر هذا الخبر، الجصاص في أحكام القرآن 2: 483، يقول: "روى قيس بن الربيع عن أبي حصين عن أبي هريرة" ، ولم يذكر إسناده. وقال آخرون: نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل مسألة سائل سأله عن شيء في أمر الحجّ. * ذكر من قال ذلك: 12803 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا منصور بن وردان الأسدي قال، حدثنا علي بن عبد الأعلى قال، لما نزلت هذه الآية: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا) سورة آل عمران:97] ، قالوا: يا رسول الله، أفي كل عام؟ فسكت. ثم قالوا: أفي كل عام؟ فسكت. ثم قال: لا ولو قلت: "نعم" لوجبت "! فأنزل الله هذه الآية:" يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ". (1) " (1) الأثر: 12803- "منصور بن وردان الأسدي" العطار الكوفي، شيخ أحمد. روى عن فطر بن خليفة، وعلي بن عبد الأعلى. ذكره ابن حبان في الثقات، ووثقه أحمد. وقال ابن أبي حاتم: "يكتب حديثه" . مترجم في التهذيب، والكبير 4/1/347، وابن أبي حاتم 4/1/180. "على بن عبد الأعلى بن عامر الثعلبي" ، أبو الحسن الأحول. وثقه البخاري والترمذي، وقال الدارقطني: "ليس بالقوي" مترجم، في التهذيب. وهذا الخبر، رواه أحمد في المسند رقم 905، من طريق منصور بن وردان الأسدي، عن علي بن عبد الأعلى، عن أبيه، عن أبي البختري، عن علي قال، بمثل ما في رواية أبي جعفر غير موصولة. ورواه الترمذي في كتاب التفسير عن أبي سعيد، عن منصور بن وردان، بإسناده بمثل رواية أحمد، وقال: "هذا حديث حسن غريب من حديث علي" . ورواه الحاكم في المستدرك 2: 293، 294، من طريق أحمد بن موسى بن إسحق التميمي، عن مخول بن إبراهيم النهدي، عن منصور بن وردان. ولم يقل فيه الحاكم شيئًا، وقال الذهبي في تعليقه: "مخول: رافضي، = وعبد الأعلى، هو ابن عامر، ضعفه أحمد" . ورواه ابن ماجه في السنن رقم: 2884 من طريق محمد بن عبد الله بن نمير، وعلي بن محمد، عن منصور بن وردان، بمثله. وخرجه ابن كثير في تفسيره 2: 195/3: 250، وذكر خبر الترمذي وما قاله ثم قال: "وفيما قال نظر. لأن البخاري قال: لم يسمع أبو البختري من علي" . و "قال أخي السيد أحمد في شرح المسند (رقم: 905) :" إسناده ضعيف، لانقطاعه، ولضعف عبد الأعلى بن عامر الثعلبي "." 12804 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عبد الرحيم بن سليمان، عن إبراهيم بن مسلم الهجري، عن ابن عياض، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، "إن الله كتب عليكم الحج! فقال رجل: أفي كل عام يا رسول الله؟ فأعرض عنه، حتى عاد مرتين أو ثلاثًا، فقال: من السائل؟ فقال: فلان! فقال: والذي نفسي بيده، لو قلت" نعم "لوجبت، ولو وجبت عليكم ما أطقتموه، ولو تركتموه لكفرتم! فأنزل الله هذه الآية:" يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم "، حتى ختم الآية. (1) " 12805 - حدثني محمد بن علي بن الحسن بن شقيق قال، سمعت أبي قال، أخبرنا الحسين بن واقد، عن محمد بن زياد قال، سمعت أبا هريرة يقول: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أيها الناس، كتب الله عليكم (1) الأثر: 12804- "عبد الرحيم بن سليمان الطائي الرازي" ، الأشل. ثقة مضى برقم: 2028، 2030، 2254، 8156، 8157، 8161. وكان في المطبوعة والمخطوطة "عبد الرحمن بن سليمان" ، والصواب من تفسير ابن كثير. و "إبراهيم بن مسلم الهجري" ضعيف، لين الحديث، مترجم في الكبير للبخاري 1/1/326، وضعفه، وابن أبي حاتم 1/1/131، وميزان الاعتدال للذهبي 1: 31. و "أبو عياض" هو: "عمرو بن الأسود العنسي" ، ويقال: "عمير بن الأسود" ، ثقة، مضى برقم: 11255. وكان في المطبوعة: "ابن عياض" ، والصواب من المخطوطة. وهذا خبر ضعيف إسناده، لضعف "إبراهيم بن مسلم الهجري" . ذكره الجصاص في أحكام القرآن 2: 483 ونقله ابن كثير في تفسيره عن هذا الموضع 3: 250. وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2: 335، وزاد نسبته إلى الفريابي وابن مردويه. الحج. فقام مِحْصن الأسدي فقال: أفي كل عام، يا رسول الله؟ فقال: "أمَا إنّي لو قلت" نعم "لوجبت، ولو وجبت ثم تركتم لضللتم، اسكتوا عنى ما سكتُّ عنكم، فإنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم! فأنزل الله تعالى:" يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم "، إلى آخر الآية. (1) " 12806- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا الحسين بن واقد، عن محمد بن زياد قال: سمعت أبا هريرة يقول: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم= فذكر مثله، إلا أنه قام: فقام عُكَّاشة بن محصن الأسدي. (2) https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الحادى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة الحلقة (580) صــ 106 إلى صــ 115 12807 - حدثنا زكريا بن يحيى بن أبان المصري قال، حدثنا أبو زيد عبد الرحمن بن أبي الغمر قال، حدثنا أبو مطيع معاوية بن يحيى، عن صفوان (1) الأثر: 12805- "محمد بن علي بن الحسن بن شقيق العبدي" ثقة، مضى برقم: 1591، 2575، 9951. وأبوه "علي بن الحسن بن شقيق" ثقة أيضًا مضى برقم: 1591، 2575. وكان في المطبوعة والمخطوطة: "بن الحسين بن شقيق" ، وهو خطأ. و "الحسين بن واقد المروزي" ، ثقة، مضى برقم: 4810، 6311. و "محمد بن زياد القرشي الجمحي" أبو الحارث، روى له أصحاب الكتب الستة، روى عن أبي هريرة وعائشة، وعبد الله بن الزبير. مترجم في التهذيب، والكبير 1/1/82، وابن أبي حاتم 3/2/257. وهذا الخبر رواه أحمد في مسنده مختصرًا ومطولا. رواه مختصرًا من طريق محمد بن زياد، عن أبي هريرة، وليس فيه ذكر الحج، ولا السؤال، ولا ذكر السائل، في المسند 2: 447، 448، من طريق وكيع، عن حماد، عن محمد بن زياد. ثم رواه: 2: 467، من طريق عبد الرحمن بن مهدي، عن حماد بن سلمة، عن محمد بن زياد. ثم رواه مطولا فيه ذكر الحج، والسؤال عنه، والسائل "رجل" ، لم يبين في الخبر اسمه (2: 508) من طريق يزيد بن هرون، عن الربيع بن مسلم القرشي، عن محمد بن زياد، وليس فيه ذكر الآية ونزولها. ومن هذه الطريق رواه مسلم في صحيحه (9: 100) ، عن زهير بن حرب، عن يزيد بن هرون بمثله. ورواه البخاري مختصرًا أيضًا (الفتح 13: 219- 224) من طريق إسمعيل بن أبي أويس، عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة. ورواه البيهقي في السنن الكبرى 4: 325، 326 من طريق عبيد الله بن موسى، عن الربيع بن مسلم القرشي، ومن طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه، عن يزيد بن هرون. وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2: 335، وزاد نسبته إلى أبي الشيخ، وابن مردويه، بمثل رواية أبي جعفر هنا. وفي جميع ذلك جاء "فقال رجل" ، مبهمًا ليس فيه التصريح باسمه، وقال النووي في شرحه على مسلم (9: 101) : "هذا الرجل هو الأقرع بن حابس، كذا جاء مبينًا في غير هذه الرواية والرواية التي جاء فيها مبينا هي من حديث ابن عباس، وفيها:" فقام الأقرع بن حابس فقال "، رواها أحمد في مسنده من طرق عن ابن شهاب الزهري، عن أبي سنان، عن ابن عباس، وهي رقم: 2304، 2642، 3303، 3510، 3520 وكذلك رواها البيهقي في السنن الكبرى 4: 326." وقد أشار الحافظ ابن حجر في الفتح (13: 220) إلى حديث مسلم، وما فيه من زيادة السؤال عن الحج، ثم قال: "وأخرجه الدارقطني مختصرًا وزاد فيه" يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم "= وله شاهد عن ابن عباس، عند الطبري في التفسير" . قلت: يعني الأثر السالف رقم: 12794، لا هذا الأثر. ولم يشر الحافظ إلى خبر الحسين بن واقد، عن محمد بن زياد. وقد اختلف على "الحسين بن واقد" في اسم الرجل الذي سأل، فجاء في هذا الخبر "محصن الأسدي" ، وفي الذي يليه "عكاشة بن محصن الأسدي" ، وقد ذكر ابن كثير في تفسيره 3: 250، 251، الخبر السالف رقم 12804، ثم قال: "ثم رواه ابن جرير من طريق الحسين بن واقد، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة وقال: فقام محصن الأسدي، وفي رواية من هذا الطريق: عكاشة بن محصن، وهو أشبه" ، ولم يزد على ذلك. وهذا اختلاف في اسم الرجل "الأقرع بن حابس" ، أو "عكاشة بن محصن الأسدي" ، وأوثقهما أن يكون "الأقرع بن حابس" ، فإنها جاءت بأسانيد صحاح لا شك في صحتها. أما علة ما جاء في رواية أبي جعفر، فذلك أن "الحسين بن واقد المروزي" ، ثقة، قال النسائي: "لا بأس به" ووثقه ابن معين. ولكن قال ابن حبان: "من خيار الناس، وربما أخطأ في الروايات" ، وقال أحمد: "في أحاديثه زيادة، ما أدري أي شيء هي! ونفض يده" ، وقال الساجي: "فيه نظر، وهو صدوق، يهم" . و "رواية الثقات الحفاظ عن" محمد بن زياد، عن أبي هريرة "، لم يذكر فيها" عكاشة ابن محصن"، ولم يبين الرجل، ولكن الحسين بن واقد، رواه عن محمد بن زياد، فبين الرجل، وخالف البيان الذي روي من طرق صحاح عن ابن عباس أنه "الأقرع بن حابس" ، فهذا من فعل "الحسين بن واقد" ، ييد ما قاله أحمد وغيره: أن في أحاديثه زيادة لا يدري أي شيء هي! وكتبه محمود محمد شاكر." (2) الأثر: 12806- هو مكرر الأثر السالف، وقد ذكرت القول فيه هناك. بن عمرو قال، حدثني سليم بن عامر قال: سمعت أبا أمامة الباهلي يقول: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فقال: كتب عليكم الحج! "فقام رجل من الأعراب فقال: أفي كل عام؟ قال: فغَلِقَ كلامُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسكتَ (1) واستغضب، (2) فمكث طويلا ثم تكلم فقال: من السائل؟ فقال الأعرابي: أنا ذا! فقال: ويحك! ماذا يُؤْمِنك أن قول" نعم "، ولو قلت" نعم "لوجبت، ولو وجبت لكفرتم! ألا إنه إنما أهلك الذين قبلكم أئمة الحَرَج، (3) والله لو أني أحللت لكم جميع ما في الأرض، وحرَّمت عليكم منها موضع خُفٍّ، لوقعتم فيه! قال: فأنزل الله تعالى عند ذلك:" يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء "، إلى آخر الآية. (4) " 12808 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم" ، وذلك أن رسول الله أذّن في الناس فقال: "يا قوم، كتب عليكم الحجّ!" فقام رجل من بني أسد فقال: (1) في المطبوعة وابن كثير: "فعلا كلام رسول الله" ، وهو خطأ لا شك فيه. وفي المخطوطة "فعلن" كأن آخرها "نون" وهي غير منقوطة. وفي مجمع الزوائد: "فعلق" بالعين المهملة، وأرجح أن الصواب ما أثبته. يقال: "غلق فلان، في حدته" (بفتح الغين وكسر اللام) أي: نشب، قال شمر: "يقال لكل شيء نشب في شيء فلزمه: قد غلق" ، ومنه: "استغلق الرجل" : إذا ارتج عليه ولم يتكلم، يعني أنه انقطع كلامه. فكأن هذا هو الصواب إن شاء الله. وقوله بعد: "وأسكت" (بفتح الهمزة وسكون السين وفتح الكاف) بالبناء للمعلوم فعل لازم، بمعنى سكت. قال اللحياني: "يقال تكلم الرجل ثم سكت -بغير ألف- فإذا انقطع كلامه فلم يتكلم قيل:" أسكت "، وقيل" : "أسكت" أطرق، من فكرة أو داء أو فرق. وفسروا الخبر أنه: "أعرض ولم يتكلم" . وبعض الخبر في اللسان (سكت) . (2) في المطبوعة وابن كثير زيادة: "وأغضب واستغضب" ، لا أدري من أين جاءا بها. وليست "وأغضب" في المخطوطة. وقوله: "واستغضب" ضبطت في المخطوطة بفتحة على الضاد، وكذلك ضبطت في لسان العرب (سكت) ولم يذكر أصحاب اللغة: "استغضب" لازمًا، بل ذكروا "غضب" و "أغضبته فتغضبب" ، ولكن ما جاء هنا له شاهد من قياس اللغة لا يرد. فهذا مما يزاد على نص المعاجم. ولو قرئ: "استغضب" بالبناء للمجهول، لكان جيدًا أيضًا وهو قياس محض "استغضب، فغضب" . (3) قوله: "أئمة الحرج" ، يعني الذين يبتدئون السؤال عن أشياء، تحرم على الناس من أجل سؤالهم، فهم كالأئمة الذين تقدموا الناس، فألزموهم الحرج. و "الحرج" أضيق الضيق. (4) الأثر: 12807- "زكريا بن يحيى بن أبان المصري" ، روى عنه أبو جعفر آنفًا رقم: 5973، وقال أخي السيد أحمد هناك: "لم أجد له ترجمة فيما بين يدي من الكتب" ، وصدق، لم يرد اسمه مبينًا كما جاء هنا وهناك. ولكن قد روى عنه أبو جعفر في مواضع من تاريخه 1: 39 قال: "حدثنا زكريا بن يحيى بن أبان المصري قال، حدثنا ابن عفير" ، ثم روى عنه في المنتخب من كتاب "ذيل المذيل" (13: 39) : "حدثني زكرياء بن يحيى بن أبان المصري، قال، حدثنا أبو صالح كاتب الليث" ، ثم في (13: 63) : "حدثني زكرياء بن يحيى بن أبان المصري قال، حدثنا أحمد بن أشكاب" ثم في (13: 109) : "حدثني زكرياء بن يحيى قال، حدثنا أحمد بن يونس" فالذين حدث عنهم كلهم مصريون. وأخشى أن يكون هو "زكريا بن يحيى الوقار المصري" ، "أبو يحيى" مترجم في لسان الميزان 2: 485، وابن أبي حاتم 1/2/601 وميزان الاعتدال 1: 350، روى عن عبد الله بن وهب المصري فمن بعده، وعن زكريا بن يحيى الأدم المصري، والقاسم بن كثير المصري. وولد زكريا بن يحيى الوقار سنة 174، ومات سنة 254، فهو مظنة أن يروى عنه أبو جعفر، كان من الصلحاء العباد الفقهاء، ولكن قال ابن عدي: "يضع الحديث، كذبه صالح جزرة. قال صالح: حدثنا زكريا الوقار، وكان من الكذابين الكبار" . وقال أيضًا: "رأيت مشايخ مصر يثنون على أبي يحيى في العبادة والاجتهاد والفضل، وله حديث كثير، بعضه مستقيم، وبعضه موضوعات وكان هو يتهم بوضعها، لأنه يروى عن قوم ثقات أحاديث موضوعة. والصالحون قد رسموا بهذا: أن يرووا أحاديث موضوعة، ويتهم جماعة منهم بوضعها" . وأما "أبو زيد" : "عبد الرحمن بن أبي الغمر" ، المصري الفقيه من شيوخ البخاري روى عنه خارج الصحيح، مضى برقم: 4329. وفي المطبوعة: "بن أبي العمر" بالعين المهملة وهو خطأ. و "أبو مطيع" : "معاوية بن يحيى الشامي الأطرابلسي" ، ثقة، وقال ابن معين: "ليس بذاك القوي" ، وقال الدارقطني: "ضعيف" . مترجم في التهذيب، والكبير 4/1/336، ولم يذكر فيه جرحًا، وابن أبي حاتم 4/1/384، ووثقه أبو زرعة. و "صفوان بن عمرو بن هرم السكسكي" ، ثقة مضى برقم: 7009. و "سليم بن عامر الكلاعي، الخبائري" ، ثقة روى عن أبي أمامة، وغيره من الصحابة، مترجم في التهذيب، والكبير 2/2/126، وابن أبي حاتم 2/1/211. وهذا الخبر خرجه الهيثمي في مجمع الزوائد مختصرًا 3: 204 وقال: "رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن جيد" . ونقله ابن كثير في تفسيره 3: 251 عن هذا الموضع من التفسير، وقال: "في إسناده ضعف" ، وكأن علة ضعفه عنده، هو "زكريا بن يحيى بن أبان المصري" ، وفي إسناده في ابن كثير خطأ، كتب "عبد العزيز بن أبي الغمر" ، وهو خطأ محض. وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2: 335، وزاد نسبته لابن مردويه. ثم انظر ما ختم به أبو جعفر فصله هذا ص: 112، أن مخرج هذا الأخبار صحاح عنده. يا رسول الله، أفي كل عام؟ فأغْضِبَ رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبًا شديدًا، فقال: والذي نفس محمد بيده، لو قلت "نعم" لوجبت، ولو وجبت ما استطعتم، وإذًا لكفرتم، فاتركوني ما تركتكم، فإذا أمرتكم بشيء فافعلوا، وإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا عنه! فأنزل الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم" ، نهاهم أن يسألوا عن مثل الذي سألت النصارى من المائدة، فأصبحوا بها كافرين. فنهى الله تعالى عن ذلك وقال: لا تسألوا عن أشياء إن نزل القرآن فيها بتغليظ ساءكم ذلك، ولكن انتظروا، فإذا نزل القرآن فإنكم لا تسألون عن شيء إلا وجدتم تِبيانه. (1) 12809 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح قال، حدثنا علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم" ، قال: لما أنزلت آية الحج، نادى النبيّ صلى الله عليه وسلم في الناس فقال: يا أيها الناس، إن الله قد كتب عليكم الحج فحُجُّوا. فقالوا: يا رسول الله، أعامًا واحدًا أم كل عام؟، فقال: لا بل عامًا واحدًا، ولو قلت "كل عام" ، لوجبت، ولو وجبت لكفرتم. ثم قال الله تعالى ذكره: (2) يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم "، قال: سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن أشياء، فوعظهم فانتهوا." 12810- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم" ، قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج، فقيل: (1) الأثر: 12808- قد بين أخي السيد أحمد في الخبر رقم: 305، ضعف هذا الإسناد الدائر في التفسير وقال: "هو إسناد مسلسل بالضعف من أسرة واحدة" ثم شرح الإسناد شرحًا مفصلا. (2) في المطبوعة أسقط "ثم" وهي لا غنى عنها في هذا الموضع وهي ثابتة في المخطوطة. أواجب هو يا رسول الله كل عام؟ قال: لا لو قلتها لوجبت، ولو وجبت ما أطقتم، ولو لم تطيقوا لكفرتم. ثم قال: سلوني، فلا يسألني رجل في مجلسي هذا عن شيء إلا أخبرته، وإن سألني عن أبيه! فقام إليه رجل فقال: من أبي؟ قال: أبوك حذافة بن قيس. فقام عمر فقال: يا رسول، رضينا بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا، ونعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله. * * * وقال آخرون: بل نزلت هذه الآية من أجل أنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البحيرة والسائبة والوَصيلة والحامي. * ذكر من قال ذلك: 12811- حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال، حدثنا عتاب بن بشير، عن خصيف، عن مجاهد، عن ابن عباس "لا تسألوا عن أشياء" ، قال: هي البحيرة والسائبة والوصيلة والحام، ألا ترى أنه يقول بعد ذلك: "ما جعل الله من كذا ولا كذا؟ (1) = قال: وأما عكرمة فإنه قال: إنهم كانوا يسألونه عن الآيات، فنهوا عن ذلك. ثم فال:" قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين ". قال: فقلت قد حدثني مجاهد بخلاف هذا عن ابن عباس، فما لك تقول هذا؟ فقال: هَيْهَ. (2) " 12812- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يزيد بن هارون، عن ابن عون، (1) القائل هو "خصيف" . (2) قوله: "هيه" هنا بفتح الهاء وسكون الياء وفتح الهاء الآخرة. يقال ذلك للشيء ينحى ويطرد. وأما "هيه" (بكسر الهاء الأولى وكسر الآخرة أو فتحها) فهي مثل "إيه" ، تقال أمرًا للرجل، تستزيده من الحديث المعهود بينكما. وإشارة عكرمة بالطرد والتنحية، لما كان بين مجاهد وعكرمة وانظر ما سلف من سوء رأي مجاهد في عكرمة في التعليق على رقم: 10445، 10469. عن عكرمة قال: هو الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أبي= وقال سعيد بن جبير: هم الذين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البحيرة والسائبة. * * * قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصواب في ذلك، قولُ من قال: نزلت هذه الآية من أجل إكثار السائلين رسولَ الله صلى الله عليه وسلم المسائلَ، كمسألة ابن حذافة إياه مَن أبوه، ومسألة سائله إذ قال: "الله فرض عليكم الحج" ، أفي كل عام؟ وما أشبه ذلك من المسائل، لتظاهر الأخبار بذلك عن الصحابة والتابعين وعامة أهل التأويل. وأما القول الذي رواه مجاهد عن ابن عباس، فقولٌ غير بعيد من الصواب، ولكنْ الأخبارُ المتظاهرة عن الصحابة والتابعين بخلافه، وكرهنا القولَ به من أجل ذلك. على أنه غير مستنكر أن تكون المسئلة عن البحيرة والسائبة والوصيلة والحام كانت فيما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عنه من المسائل التي كره الله لهم السؤال عنها، كما كره الله لهم المسألة عن الحج: "أكل عام هو، أم عامًا واحدًا" ؟ وكما كره لعبد الله بن حذافة مسألته عن أبيه، فنزلت الآية بالنهي عن المسائل كلِّها، فأخبرَ كل مخبر منهم ببعض ما نزلت الآية من أجله، وأجل غيره. (1) وهذا القول أولى الأقوال في ذلك عندي بالصحة، لأن مخارج الأخبار بجميع المعاني التي ذُكرت صحاحٌ، فتوجيهها إلى الصواب من وجوهها أولى. * * * (1) في المطبوعة: "أو أجل غيره" ، استجلب "أو" مكان "واو" العطف، فأفسد الكلام إفسادًا. القول في تأويل قوله: {وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنزلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للذين نهاهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مسألة رسول الله صلى الله عليه وسلم عما نهاهم عن مسألتهم إياه عنه، من فرائض لم يفرضها الله عليهم، وتحليل أمور لهم يحلّلها لهم، وتحريم أشياء لم يحرِّمها عليهم قبلَ نزول القرآن بذلك: أيها المؤمنون السائلون عما سألوا عنه رسولي مما لم أنزل به كتابًا ولا وحيًا، لا تسألوا عنه، فإنكم إن أظهر ذلك لكم تبيانٌ بوحي وتنزيل ساءكم، لأن التنزيل بذلك إذا جاءكم إنما يجيئكم بما فيه امتحانكم واختباركم، إما بإيجاب عمل عليكم، ولزوم فرض لكم، وفي ذلك عليكم مشقة ولزوم مؤونة وكلفة= وإما بتحريم ما لو لم يأتكم بتحريمه وحي، كنتم من التقدم عليه في فُسْحة وسَعة= وإما بتحليل ما تعتقدون تحريمه، وفي ذلك لكم مساءة لنقلكم عما كنتم ترونه حقًّا إلى ما كنتم ترونه باطلا ولكنكم إن سألتم عنها بعد نزول القرآن بها، وبعد ابتدائكم ببيان أمرها في كتابي إلى رسولي إليكم، (1) ليسَّر عليكم ما أنزلته إليه من بيان كتابي، وتأويل تنزيلي ووحيي (2) وذلك نظير الخبر الذي روي عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي:- 12813 - حدثنا به هناد بن السري قال، حدثنا أبو معاوية، عن داود (1) في المطبوعة: "وبعد ابتدائكم شأن أمرها في كتابي" ، وهو كلام بلا معنى، لم يحسن قراءة المخطوطة، لا فيها: "سان" غير منقوطة، فقرأها خلطأً. (2) في المطبوعة "بين لكم ما أنزلته إليه من إتيان كتابي" ، وهي أيضًا كلام بلا معنى، وكان في المخطوطة هكذا "لسس عليكم ما أنزلته إليه من اساي كتابي" ، وصواب قراءتها إن شاء الله هو ما أثبت. بن أبي هند، عن مكحول، عن أبي ثعلبة الخشني قال: إن الله تعالى ذكره فرَض فرائض فلا تضيِّعوها، ونهى عن أشياء فلا تَنْتَهِكوها، وحدّ حدودًا فلا تعتدوها، وعفا عن أشياء من غير نسيان فلا تبحثوا عنها. (1) 12814 - حدثنا هناد قال، حدثنا ابن أبي زائدة قال، أخبرنا ابن جريج، عن عطاء قال: كان عبيد بن عمير يقول: إن الله تعالى أحلّ وحرَّم، فما أحلّ فاستحلُّوه، وما حرَّم فاجتنبوه، وترك من ذلك أشياء لم يحلها ولم يحرمها، فذلك عفو من الله عفاه. ثم يتلو: "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم" . 12815- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا الضحاك قال، أخبرنا ابن جريج قال، أخبرني عطاء، عن عبيد بن عمير أنه كان يقول: إنّ الله حرّم وأحلَّ، ثم ذكر نحوه. * * * وأما قوله: "عفا الله عنها" فإنه يعني به: عفا الله لكم عن مسألتكم عن الأشياء التي سألتم عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كره الله لكم مسألتكم إياه عنها، أن يؤاخذكم بها، أو يعاقبكم عليها، إن عرف منها توبتكم وإنابتكم (2) = "والله غفورٌ" ، يقول: والله ساتر ذنوب من تاب منها، فتارك أن يفضحه في الآخرة = "حليم" [ذو أناة عن] أن يعاقبه بها، لتغمده التائبَ منها برحمته، وعفوه، عن عقوبته عليها. (3) * * * (1) الأثر: 12813- هذا الخبر، رواه أبو جعفر موقوفًا على أبي ثعلبة الخشني، وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2: 336 مرفوعًا، ونسبه لابن المنذر، والحاكم وصححه. وذكره ابن كثير في تفسيره 3: 252 فقال: "وفي الحديث الصحيح أيضًا" ، ولم أستطع أن أجده في المستدرك، أو غيره من الكتب الصحاح. (2) في المطبوعة والمخطوطة: "إن عرف" ، والسياق يقتضي: "إذ" . (3) انظر تفسير "غفور" فيما سلف من فهارس اللغة= وتفسير "حليم" فيما سلف 5: 117، 521/ 7: 327 وزدت ما بين القوسين من تفسير أبي جعفر السالف، فإن الكلام بغير ذلك أو شبهه غير مستقيم كل الاستقامة. وبنحو الذي قلنا في ذلك، روي الخبر عن ابن عباس الذي ذكرناه آنفًا. وذلك ما:- 12816 - حدثني به محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: "لا تسألوا عن أشياء" ، يقول: لا تسألوا عن أشياء إن نزل القرآن فيها بتغليظ ساءكم ذلك، ولكن انتظروا، فإذا نزل القرآن فإنكم لا تسألون عن شيء إلا وجدتم تبيانه. (1) * * * القول في تأويل قوله: {قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ (102) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قد سأل الآيات قومٌ من قبلكم، فلما آتاهموها الله أصبحوا بها جاحدين، منكرين أن تكون دلالة على حقيقة ما احتُجَّ بها عليهم، وبرهانًا على صحة ما جُعلت برهانًا على تصحيحه= كقوم صالح الذين سألوا الآيةَ، فلما جاءتهم الناقة آيةً عقروها= وكالذين سألوا عيسى مائدة تنزل عليهم من السماء، فلما أعطوها كفروا بها، وما أشبه ذلك. فحذَّر الله تعالى المؤمنين بنبيه صلى الله عليه وسلم أن يسلكوا سبيل من قبلهم من الأمم التي هلكت بكفرهم بآيات الله لما جاءتهم عند مسألتهموها، فقال لهم: لا تسألوا الآيات، ولا تبحثوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم، فقد سأل الآيات من قبلكم قومٌ، فلما أوتوها أصبحوا بها كافرين، كالذي:- (1) الأثر: 12816- هو بعض الأثر السالف رقم: 12808. 12817 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال؛ حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم" ، نهاهم أن يسألوا عن مثل الذي سألت النصارى من المائدة، فأصبحوا بها كافرين، فنهى الله عن ذلك. (1) 12818 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "قد سألها قوم من قبلكم" ، قد سأل الآيات قوم من قبلكم، وذلك حين قيل له: غيِّر لنا الصَّفا ذهبًا. https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الحادى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة الحلقة (581) صــ 116 إلى صــ 125 القول في تأويل قوله: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ما بحر الله بحيرة، ولا سيَّب سائبة، ولا وصل وصيلة، ولا حَمَى حاميًا = ولكنكم الذين فعلتم ذلك، أيها الكفرة، فحرَّمتموه افتراء على ربكم، كالذي:- 12819 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال، حدثني أبي وشعيب بن الليث، عن الليث، عن ابن الهاد = وحدثني يونس قال، حدثنا عبد الله بن يوسف قال، حدثني الليث قال، حدثني ابن الهاد =، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجرُّ قُصْبَه في النار، وكان أول من سيَّب السُّيَّب" . (2) (1) الأثر: 12817- هو بعض الأثر السالف رقم: 12808. (2) الأثر: 12819- رواه أبو جعفر بإسنادين: أولهما "محمد بن عبد الله بن عبد الحكم بن أعين المصري" ، ثقة مضى برقم: 2377. وأبوه: "عبد الله بن عبد الحكم بن أعين" ، الفقيه المصري، ثقة، مترجم في التهذيب، و "شعيب بن الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي المصري" ، ثقة، مضى برقم: 3034، 5314 وأبوه "الليث بن سعد" الإمام الجليل القدر، مضى برقم: 186، 187، 2072، 2584، 9507. و "ابن الهاد" هو: "يزيد بن الهاد" منسوبا إلى جده، وهو: "يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد" ثقة، مضى برقم: 2031، 3034، 4314. وأما الإسناد الثاني فتفسيره: "يونس" هو "يونس بن عبد الأعلى الصدفي" ثقة مضى برقم: 1679، 3503 وغيرها. و "عبد الله بن يوسف التنيسي الكلاعي" ثقة من شيوخ البخاري. مترجم في التهذيب. وخبر أبي هريره هذا، من طريق الليث بن سعد، عن يزيد بن الهاد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رواه أحمد في المسند رقم: 8773، وأشار إليه البخاري في صحيحه (الفتح 8: 214) وقد رواه قبل من طريق صالح بن كيسان عن ابن شهاب، عن سعيد، ورواه أحمد قبل ذلك منقطعا رقم: 7696، من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أبي هريرة وقد استوفى أخي السيد أحمد في شرحه بيان ذلك. وأما مسلم فقد رواه في صحيحه 17: 189 من طريق صالح بن كيسان، عن ابن شهاب عن سعيد. وذكره ابن كثير في تفسيره 3: 253، وذكر رواية البخاري الآنفة: "قال الحاكم: أراد البخاري أن يزيد بن عبد الله بن الهاد رواه عن عبد الوهاب بن بخت، عن الزهري هكذا حكاه شيخنا أبو الحجاج المزي في الأطراف، وسكت ولم ينبه عليه= قال ابن كثير: وفيما قاله الحاكم نظر، فإن الإمام أحمد وأبا جعفر بن جرير روياه من حديث الليث بن سعد عن ابن الهاد عن الزهري نفسه، والله أعلم" . وتفسير كلام ابن كثير أن ابن الهاد قد ثبت سماعه من الزهري. ولم يبين هو ما أراد أبو الحجاج بما قال ولم يفسره. ولم يشر الحافظ ابن حجر في الفتح (8: 214) إلى شيء مما قاله المزي. وأما "القصب" (بضم فسكون) : هي الأمعاء كلها. وأما قوله: "سيب السيب" فإن "سيب الدابة أو الناقة أو الشيء" : تركه يسيب حيث شاء، أي يذهب حيث شاء. وأما "السيب" (بضم السين وتشديد الياء المفتوحة) فهو جمع "سائبة" على مثال "نائحة ونوح" و "نائم ونوم" كما سلف في تعليقي على الأثر رقم: 10447، وشاهده رواه ابن هشام في سيرته هذا البيت (1: 93) : حَوْلَ الوَصَائِل فِي شُرَيْفٍ ... حِقَّةٌ وَالحَامِيَاتُ ظُهُورُها وَالسُّيَّبُ وتجمع "سائبة" أيضًا على "سوائب" وهو القياس. وقد جاء في إحدى روايتي صحيح مسلم (17: 189) : "أول من سيب السيوب" (بضم السين والياء) وقال القاضي عياض في مشارق الأنوار: "أول من سيب السوائب، وفي الرواية الأخرى: أول من سيب السيوب" ، ولم يبين ذلك. وبيانه أن "السيوب" جمع "سيب" (بفتح فسكون) مصدر سميت به "السائبة" وقد جاء في حديث عبد الرحمن بن عوف في يوم الشورى: "وإن الحيلة بالنطق أبلغ من السيوب في الكلم" وفسروه تفسيرين، الأول ما في لسان العرب: "السيوب: ما سيب وخلى فساب أي ذهب" والآخر ما قاله الزمخشري في الفائق: "السيوب مصدر: ساب كان قياسا جمع" سائب" و "سائبة" على"سيوب "فإن ما جاء مصدره على" فعول "كان جمع" فاعل "منه على" فعول "مثل" شاهد وشهود "و" قاعد وقعود "و" حاضر وحضور "وقد ذكرت ذلك في تعليق سالف وانظر شرح الشافية 2: 158. فهذا تفسير ما أغفله القاضي عياض، والنووي في شرح صحيح مسلم." وكان في المطبوعة: "أول من سيب السائبة" ، غير ما في المخطوطة وهو اطراح سيئ لأمانة العلم!! وكتبه محمود محمد شاكر. 12820 - حدثنا هناد بن السري قال، حدثنا يونس بن بكير قال، حدثنا محمد بن إسحاق قال، حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأكثم بن الجون: يا أكثم، رأيتُ عمرو بن لُحيّ بن قَمَعَة بن خِنْدف يجرّ قُصْبه في النار، فما رأيت رجلا أشبه برجل منك به، ولا به منك! فقال أكثم: عسَى أن يضرّني شبهه، يا رسول الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا إنك مؤمن وهو كافر، إنه أوّل من غيَّر دين إسماعيل، وبحر البحيرة، وسيَّب السائبة، وحمى الحامي" . (1) 12821 - حدثنا هناد قال، حدثنا يونس قال، حدثني هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قد عرفت أوّلَ من بَحَر البحائر، رجلٌ من مُدْلج كانت له ناقتان، فجدَع آذانهما، وحرّم ألبانهما وظهورَهما، وقال: هاتان لله! ثم احتاج إليهما، فشرب ألبانهما، وركب ظهورهما. قال: فلقد رأيته في النار يؤذِي أهل النار ريح قُصْبه. (2) 12822 - حدثنا هناد قال، حدثنا عَبْدة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عُرِضت عليَّ النار، فرأيت فيها عمرو بن فلان بن فلان بن خندف يجرّ قصْبه في النار، وهو أوّل من غيَّر دين إبراهيم، وسيب السائبة، وأشبه من رأيت به أكثم بن الجون! فقال أكثم: يا رسول الله، أيضرني شبهه؟ قال: "لا لأنك مُسلم، وإنه كافر" . (3) (1) الأثر: 12820- "محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي" روى له أصحاب الكتب الستة، تابعي ثقة كثير الحديث مضى برقم: 4249. و "أبو صالح" هو: "ذكوان السمان" ، تابعي ثقة. مضى مرارًا. وأما "محمد بن إسحق" ، صاحب السيرة، فقد مضى توثيق أخي السيد أحمد له في رقم: 221 وفي غيره من كتبه. وهذا الخبر ساقه ابن كثير في تفسيره 3: 254، هو ورقم: 12822، وفي البداية والنهاية 2: 189، ثم قال "وليس هذان الطريقان في الكتب من هذا الوجه" يعني الصحاح وإلا فإن هذا الخبر ثابت بإسناد محمد بن إسحق في سيرة ابن هشام 1: 78، 79 وذكره ابن عبد البر في الاستيعاب بغير إسناد ص: 55 وذكره ابن الأثير بإسناده 1: 123، 124، وابن حجر في الإصابة (ترجمة: أكثم بن الجون) ونسبه لابن أبي عروبة وابن مندة من طريق ابن إسحق وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2: 338 فخلط في تخريجه تخليطا شديدا فقال: "أخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير وابن مردويه والحاكم وصححه" وإنما ذلك رقم: 12822، الآتي بعد. وسيأتي هذا الخبر مطولا من طريق أخرى رقم: 12827، وهو إسناد أبي جعفر الثاني في رواية سيرة ابن إسحق. وقوله: "عسى أن يضرني شبهه" يعني: لعله يضرني شبهه، يتخوف أن يكون ذلك. وفي المطبوعة: "أخشى أن يضرني شبهه" وهو مخالف للرواية، وإنما اختلط عليه خط ناسخ المخطوطة إذ كتبها مختلطة: "تحتي" كأنه أراد أن يكتب شيئًا، ثم عاد عليه حتى صار "عسى" منقوطة وبمثل ما في المطبوعة، جاءني في الدر المنثور. وكثرة مثل ذلك دلتني على أن هذه النسخة المخطوطة التي ننشرها هي التي وقعت في يد السيوطي، والصواب ما أثبته من السيرة، ومن نقل عنها. وكان في المخطوطة أيضًا: "وحمى الحمى" ، وهو خطأ محض، صوابه من مراجع هذا الخبر. (2) الأثر: 12821- "هشام بن سعد المدني" "يتيم زيد بن أسلم" كان من أوثق الناس عن زيد وهو ثقة، وتكلم فيه بعضهم مضى برقم: 5490. وهذا خبر مرسل. وسيأتي من طريق معمر، عن زيد بن أسلم برقم: 12824. (3) الأثر: 12822- "عبدة" هو "عبدة بن سليمان الكلابي" ثقة مضى قريبا برقم: 12729. وكان في المطبوعة والمخطوطة: "عبيدة" وهو خطأ صوابه في تفسير ابن كثير. و "محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي" و "أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف" مضيا أيضًا في مثل هذا الإسناد رقم: 12729 وهذا إسناد رجاله ثقات. وهذا الخبر رواه الحاكم في المستدرك 4: 605، من طريق أبي حاتم الرازي، عن محمد ابن عبد الله الأنصاري عن محمد بن عمرو وفيه "فرأيت فيها عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف" مصرحا ثم قال: "وهذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي. وقد مر بك أن ابن كثير قال في تفسيره 3: 254 والبداية والنهاية 2: 189، أنه ليس في الكتب يعني الصحاح ولم يزد. وأما الحافظ ابن حجر فخرجه في الإصابة (ترجمة أكثم بن الجون) من طريق أحمد بن حنبل، عن محمد بن بشر العبدي، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، بمثله ثم أشار إلى طريق الحاكم في المستدرك. ولكن أعياني أن أجد خبر أحمد في المسند. وأما الإمام الحافظ أبو محمد بن حزم فقد رواه في كتاب جمهرة الأنساب ص: 223 من طريق علي بن عمر الدارقطني عن الحسين بن إسمعيل القاضي المحاملي عن سعيد بن يحيى الأموي عن أبيه عن محمد بن عمرو. ثم قال أبو محمد بعد سياقه أحاديث البخاري ومسلم وهذا الحديث وهي أربعة هذا ثالثها: "أما الحديث الأول والثالث والرابع، ففي غاية الصحة والثبات" فحكم لهذا الخبر بالصحة. وفي المطبوعة هنا: "عمرو بن فلان بن فلان بن فلان بن خندف" "فلان" ثلاث مرات وهو مخالف لما في المخطوطة، وخطأ بعد ذلك فإن ما بين "عمرو" و "خندف" اثنان لا ثلاثة. وهكذا في المخطوطة والمطبوعة: "لا لأنك مسلم" ولولا اتفاقهما لرجحت أن تكون: "لا إنك مسلم" كما في رواية غيره. 12823 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال: رأيت عمرو بن عامر الخزاعيّ يجرّ قُصْبه في النار، وهو أوّل من سيّب السوائب. (1) 12824 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن زيد بن أسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأعرف أوّل من سيب السوائب، وأوّل من غيَّر عهد إبراهيم! قالوا: من هو، يا رسول الله؟ قال: عمرو بن لُحَيّ أخو بني كعب، لقد رأيته يجرّ قُصْبه في النار، يؤذي ريحه أهل النار. وإني لأعرف أوّل من بحر البحائر! قالوا: من هو، يا رسول الله؟ قال: رجل من بني مدلج، كانت له ناقتان، فجدع آذانهما، وحرّم ألبانهما، ثم شرب ألبانهما بعدَ ذلك، فلقد رأيته في النار هو، وهما يعضّانه بأفواههما، ويخبطانه بأخفافهما. (2) (1) الأثر: 12823- هذا خبر مرسل كما ترى، لم يرفعه عبد الرزاق. (2) الأثر: 12824- هذا أيضًا خبر مرسل، وهو طريق أخرى للخبر السالف رقم: 12821. وقد ذكره الحافظ ابن حجر في الفتح (8: 214، 215) ثم قال: "والأول أصح" ، يعني ذكر هذا الرجل من بني مدلج، أنه أول من بحر البحائر، وأن الصواب ما جاء في الأخبار الصحاح قبل، أنه عمرو بن لحي. و "بنو مدلج" هم بنو مدلج بن مرة بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن اليأس ابن مضر بن نزار بن معد ليسوا من قريش. وكانت فيهم القيافة والعيافة، منهم "مجزز المدلجي" الذي سر النبي صلى الله عليه وسلم بقيافته (جمهرة الأنساب: 176، 177) . و "البحيرة" الفعيلة من قول القائل: "بَحَرْت أُذن هذه الناقة" ، إذا شقها، "أبحرُها بحرًا" ، والناقة "مبحورة" ، ثم تصرف "المفعولة" إلى "فعيلة" ، فيقال: "هي بحيرة" . وأما "البَحِرُ" من الإبل فهو الذي قد أصابه داءٌ من كثرة شرب الماء، يقال منه: "بَحِر البعيرُ يبحر بَحَرًا" ، (1) ومنه قول الشاعر: (2) لأعْلِطَنَّهُ وَسْمًا لا يُفَارَقُهُ ... كَمَا يُحَزُّ بِحَمْيِ المِيسَمِ البَحِرُ (3) وبنحو الذي قلنا في معنى "البحيرة" ، جاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. 12825 - حدثنا عبد الحميد بن بيان قال، أخبرنا محمد بن يزيد، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن أبيه قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (4) أرأيت (1) هذه على وزن "فرح يفرح فرحًا" . (2) أعياني أن أجد قائله. (3) سيأتي في التفسير 29: 19 (بولاق) لسان العرب (بحر) . "علط البعير يعلطه علطًا" وسمه بالعلاط. و "العلاط" (بكسر العين) : سمة في عرض عنق البعير، فإذا كان في طول العنق فهو "السطاع" (بكسر السين) . هذا تفسير اللغة أنه في العنق وأما أبو جعفر الطبري فقد قال في تفسيره (29: 19) "والعرب تقول: والله لأسمنك وسما لا يفارقك يريدون الأنف" ثم ذكر البيت وقال: "والنجر" : داء يأخذ الإبل فتكوى على أنوفها. وذكر هناك بالنون والجيم كما أثبته وله وجه سيأتي إلا أني أخشى أن يكون الصواب هناك، كما هو هنا بالباء والحاء، وقوله: "بحمى الميسم" . يقال: "حمى المسمار حميا وحموا" : سخن في النار و "أحميت المسمار في النار إحماء" . و "الميسم" المكواة التي يوسم بها الدواب. وأما "البحر" فقد فسره أبو جعفر ولكن الأزهري قال: "الداء الذي يصيب البعير فلا يروى من الماء هو النجر بالنون والجيم، والبجر بالباء والجيم وأما البحر: فهو داء يورث السل" . وهذا البيت في هجاء رجل وإيعاده بالشر شرا يبقى أثره. وكان في المطبوعة: "لأعطنك" بالكاف في آخره والصواب من المخطوطة ومما سيأتي في المطبوعة من التفسير (29: 19) ومن لسان العرب. (4) في المطبوعة، أسقط "له" وهي ثابته في المخطوطة: وهي صواب. إبلك ألست تنتجها مسلَّمةً آذانُها، فتأخذ الموسى فتجْدَعها، تقول: "هذه بحيرة" ، وتشق آذانها، تقولون: "هذه صَرْم" ؟ قال: نعم! قال: فإن ساعدَ الله أشدّ، وموسَى الله أحدَ! كلّ مالك لك حلالٌ، لا يحرَّم عليك منه شيء. (1) 12826- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق قال، سمعت أبا الأحوص، عن أبيه قال أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هل تُنتَجُ إبل قومك صحاحًا آذانُها، فتعمد إلى الموسَى فتقطع آذانها فتقول: "هذه بُحْرٌ" ، وتشقها أو تشق جلودها فتقول: "هذه صُرُمٌ" ، فتحرّمها عليك وعلى أهلك؟ قال: نعم! قال: فإن ما آتاك الله لك حِلّ، وساعد الله أشدّ، وموسى الله أحدّ = وربما قال: ساعدُ الله أشد من ساعدك، وموسى الله أحدّ من موساك. (2) (1) الأثر: 12825- هذا الخبر رواه أبو جعفر بإسنادين هذا والذي يليه. "عبد الحميد بن بيان القناد" شيخ أبي جعفر، مضى مرارا. و "محمد بن يزيد الكلاعي" الواسطي وثقه أحمد وهو من شيوخه مضى برقم: 11408. و "إسمعيل بن أبي خالد الأحمسي" ثقة مضى برقم: 5694، 5777. و "أبو إسحق" هو السبيعي الإمام. مضى مرارا. و "أبو الأحوص" هو: "عوف بن مالك بن نضلة الجشمي" تابعي ثقة، مضى برقم: 6172. وأبوه: "مالك بن نضلة بن خديج الجشمي" ويقال: "مالك بن عوف بن نضلة" وبهذا ترجمه ابن سعد في الطبقات 6: 17. وأما في التاريخ الكبير للبخاري 4/1/303، فإني رأيت فيه: "مالك بن يقظة الخزاعي والد أبي الأحوص له صحبة" . و "أبو الأحوص" المشهور هو "عوف بن مالك بن نضلة" فظني أن الذي في التاريخ خطأ فإني لم أجد هذا الاسم في الصحابة فيكون فيه خطأ في "يقظة" وهو "نضلة" وفي "الخزاعي" وهو: "الجشمي" والله أعلم. وهذا الخبر جاء في المخطوطة كما أثبته وفي المطبوعة: "وتشق آذانها وتقول" بالإفراد فأثبت ما في المخطوطة. وقوله: "مسلمة آذانها" أي: سليمة صحاحًا. وسأشرح ألفاظه في آخر الخبر الآتي وما كان من الخطأ في المطبوعة والمخطوطة في "صرم" بعد تخريجه هناك. (2) الأثر: 12826- هذا الخبر، مكرر الذي قبله. *رواه من طريق شعبة، عن أبي إسحق مطولا أبو داود الطيالسي في مسنده: 184 رقم: 1303. *ورواه أحمد في المسند عن طريق محمد بن جعفر عن شعبة عن أبي إسحق= ثم من طريق عفان عن شعبة في المسند 3: 473. *ورواه البيهقي في السنن الكبرى 10: 10 من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أبي إسحق. *وخرجه ابن كثير في تفسيره من رواية ابن أبي حاتم 3: 256 مطولا ولم ينسبه إلى غيره. *وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2: 337 مطولا جدًا ونسبه إلى أحمد، وعبد بن حميد والحكيم الترمذي في نوادر الأصول وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات. أما لفظه عند السيوطي فلا أدري لفظ من يكون، فإنه ليس لفظ من ذكرت آنفا تخريج الخبر من كتبهم. *ثم رواه أحمد في المسند 4: 136، 137 من طريق سفيان بن عيينة عن أبي الزعراء عمرو ابن عمرو عن عمه أبي الأحوص عن أبيه بلفظ آخر مختلف كل الاختلاف. *وهذا شرح غريب هذين الخبرين. "نتج الناقة ينتجها نتجا" (على وزن: ضرب) : إذا تولى نتاجها أي ولادها. وأما قوله في الخبر الثاني: "هل تنتج إبل قومك" فهو بالبناء للمجهول. يقال: "نتجت الناقة تنتج" (بالبناء للمجهول) : إذا ولدت. *و "جدع الأنف والأذن والشفة" : إذا قطع بعض ذلك. وأما قوله: "هذه صرم" فقد كتبت في المخطوطة والمطبوعة في الخبرين "حرم" بالحاء وكذلك وقع في تفسير ابن كثير، والصواب من المراجع التي ذكرتها ومن بيان كتب اللغة في تفسير هذا الخبر. *وتقرأ "صرم" في الخبر الأول بفتح فسكون و "الصرم" القطع سماها المصرومة بالمصدر كما يدل على صواب ذلك من قراءته ما جاء في شرح اللفظ في لسان العرب مادة (صرب) . وأما في الخبر الثاني فإن قوله: "هذه بحر" (بضم الباء والحاء) جمع "بحيرة" وقوله: "هذه صرم" (بضم الصاد والراء) جمع "صريمة" وهي التي قطعت أذنها وصرمت. وهذا صريح ما قاله صاحب اللسان في مادتي "صرم" و "صرب" والزمخشري في الفائق "صرب" وروى أحمد في المسند 4: 136، 137: "صرماء" ولم تشر إليها كتب اللغة. وأما الومخشري وصاحب اللسان فقد رويا: "وتقول: صربى" (على وزن سكرى) . وقال في تفسيرها: كانوا إذا جدعوا البحيرة أعفوها من الحلب إلا للضيف فيجتمع اللبن في ضرعها من قولهم: "صرب اللبن في الضرع" : إذا حقنه لا يحلبه. ورويا أنه يقال إن الباء مبدلة من الميم كقولهم "ضربة لازم، ولازب" ، وأنه أصح التفسيرين. وأما "السائبة" : فإنها المسيَّبة المخلاة. وكانت الجاهلية يفعل ذلك أحدهم ببعض مواشيه، فيحرِّم الانتفاع به على نفسه، كما كان بعض أهل الإسلام يعتق عبدَه سائبةً، فلا ينتفع به ولا بولائه. (1) (1) انظر تفسير "السائبة" فيما سلف 3: 386 تعليق: 1. وأخرجت "المسيَّبة" بلفظ "السائبة" ، كما قيل: "عيشة راضية" ، بمعنى: مرضية. * * * وأما "الوصيلة" ، فإن الأنثى من نَعَمهم في الجاهلية كانت إذا أتأمت بطنًا بذكر وأنثى، قيل: "قد وصلت الأنثى أخاها" ، بدفعها عنه الذبح، فسمَّوها "وَصيلة" . * * * وأما "الحامي" ، فإنه الفحل من النعم يُحْمَى ظهره من الركوب والانتفاع، بسبب تتابُعِ أولادٍ تحدُث من فِحْلته. * * * وقد اختلف أهل التأويل في صفات المسميات بهذه الأسماء، وما السبب الذي من أجله كانت تفعل ذلك. * ذكر الرواية بما قيل في ذلك: 12827 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة بن الفضل، عن ابن إسحاق، (1) عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيميّ: أن أبا صالح السمان حدّثه: أنه سمع أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأكثم بن الجون الخزاعيّ: يا أكثم، رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف يجرّ قُصْبه في النار، فما رأيت من رجل أشبه برجل منك به، ولا به منك! (2) فقال أكثم: أيضرّني شبهه يا نبيّ الله؟ قال: لا إنك مؤمن وهو كافر، (3) وإنه كان أوّل من غيَّر دين إسماعيل، ونصب الأوثان، وسيَّب السائبَ فيهم. (4) (1) في المطبوعة والمخطوطة: "عن أبي إسحق" وهو خطأ محض كما ترى في تخريجه. (2) مضى في الأثر: 12820، "فما رأيت رجلا" وهذه رواية أخرى. (3) في المطبوعة: "لا لأنك مسلم" غيرها وهي في المخطوطة وابن هشام كما أثبتها. (4) في المطبوعة: "سيب السوائب فيهم" وأثبت ما في المخطوطة وإن كان الناسخ كتب "السائب فيهم" وصوابه من سيرة ابن هشام. وهذا الشطر من الخبر هو حديث أبي هريرة وقد مضى آنفًا برقم: 12820 ومضى تخريجه هناك. أما الشطر الثاني الذي وضعته في أول السطر فإنه من كلام ابن إسحق نفسه، كما سترى في التخريج. = وذلك أن الناقة إذا تابعت بين عشرإناث ليس فيها ذكر، (1) سُيِّبت فلم يركب ظهرها، ولم يجزَّ وبرها، ولم يشرَب لبنها إلا ضيف. فما نتجت بعد ذلك من أنثى شُقّ أذنها، ثم خلّى سبيلها مع أمها في الإبل، فلم يركب ظهرها، ولم يجزّ وبرها، ولم يشرب لبنها إلا ضيف كما فعل بأمها، فهي "البحيرة" ابنة "السائبة" . و "الوصيلة" ، أن الشاة إذا نَتَجت عشر إناث متتابعات في خمسة أبطن ليس فيهن ذكر، جعلت "وصيلة" ، قالوا: "وصلت" ، فكان ما وَلدت بعد ذلك للذكور منهم دون إناثهم، (2) إلا أن يموت منها شيء فيشتركون في أكله، ذكورُهم وإناثهم (3) . و "الحامي" أنّ الفحل إذا نُتِج له عشر إناث متتابعات ليس بينهن ذكرٌ، حمي ظهره ولم يركب، ولم يجزّ وبره، ويخلَّى في إبله يضرب فيها، لا ينتفع به بغير ذلك. يقول الله تعالى ذكره: "ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام" إلى قوله: "ولا يهتدون" . (1) في المطبوعة والمخطوطة: "إذاتابعت ثنتي عشرة إناثا ليس فيهما ذكر" إلا أن في المخطوطة: "ليس فيهم" وهما خطأ محض، وصواب هذه العبارة هو ما أثبته من سيرة ابن هشام وغيرها إلا أنني جعلت "فيهن" مكان "بينهن" في سيرة ابن هشام لما سيأتي بعد في الخبر "فيهن" مكان "بينهن" فيما يقابلها من سيرة ابن هشام. (2) الأثر: 12827- صدر هذا الخبر إلى قوله: "سيب السائب فيهم" هو حديث أبي هريرة السالف رقم: 12820، وهو في سيرة ابن هشام 1: 78، 79، وقد خرجته هناك. وأما الشطر الثاني إلى آخر الخبر، فهو من كلام ابن إسحق وهو في سيرة ابن هشام 1: 91، 92. (3) في المطبوعة: لذكورهم دون إناثهم، وفي المخطوطة: لذكورهم بينهم، غير منقوطة والصواب من سيرة ابن هشام. 12828 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق في هذه الآية: "ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام" = قال أبو جعفر: سقط عليّ فيما أظنّ كلام منه = قال: فأتيت علقمة فسألتُه، فقال: ما تريد إلى شيء كانت يَصنعه أهل الجاهلية. (1) 12829 - حدثني يحيى بن إبراهيم المسعوديّ قال، حدثنا أبي، عن أبيه، عن جده، عن الأعمش، عن مسلم قال: أتيت علقمة، فسألته عن قول الله تعالى: "ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حامٍ" ، فقال: وما تصنع بهذا؟ إنما هذا شيء من فعل الجاهلية! قال: فأتيت مسروقًا فسألته، فقال: "البحيرة" ، كانت الناقة إذا ولدت بطنًا خمسًا أو سبعًا، شقوا أذنها، وقالوا: "هذه بحيرة" = قال: "ولا سائبة" ، قال: كان الرجل يأخذ بعضَ ماله فيقول: "هذه سائبة" = قال: "ولا وصيلة" ، قال: كانوا إذا ولدت الناقة الذكر أكله الذكور دون الإناث، وإذا ولدت ذكرًا وأنثى في بطن قالوا: "وصلت أخاها" ، فلا يأكلونهما. قال: فإذا مات الذكر أكله الذكور دون الإناث = قال: "ولا حام" ، قال: كان البعير إذا وَلد وولد ولده، قالوا: "قد قضى هذا الذي عليه" ، فلم ينتفعوا بظهره. قالوا: "هذا حمًى" . (2) (1) في المطبوعة: "كانت تصنعه" والصواب من المخطوطة. (2) الأثر: 12829- "يحيى بن إبراهيم المسعودي" شيخ الطبري هو: "يحيى ابن إبراهيم بن محمد بن أبي عبيدة المسعودي" مضى برقم: 84، 5379، 8811، 9744. https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الحادى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة الحلقة (582) صــ 126 إلى صــ 135 وأبوه: "إبراهيم بن محمد بن أبي عبيدة المسعودي" مضى برقم: 84، 5379، 8811، 9744. وأبوه "محمد بن أبي عبيدة المسعودي" مضى في ذلك أيضا. وجده "أبو عبيدة بن معن المسعودي" مضى أيضًا. وكان في المطبوعة هنا: "هذا حام" وأثبت ما في المخطوطة. 12830 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن عبيد، عن الأعمش، عن مسلم بن صبيح قال: سألت علقمة عن قوله: "ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة" ، قال: ما تصنع بهذا؟ هذا شيء كان يفعله أهل الجاهلية. 12831 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن يمان، ويحيى بن آدم، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص: "ما جعل الله من بحيرة" ، قال: البحيرة: التي قد ولت خمسة أبطن ثم تركت. 12832 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير بن عبد الحميد، عن مغيرة، عن الشعبي: "ما جعل الله من بحيرة" . قال: البحيرة، المخضرمة (1) "ولا سائبة" ، والسائبة: ما سُيِّب للعِدَى (2) = و "الوصيلة" ، إذا ولدت بعد أربعة أبطن = فيما يرى جرير = ثم ولدت الخامس ذكرًا وأنثى، وصلتْ أخاها = و "الحام" ، الذي قد ضرب أولادُ أولاده في الإبل. 12833- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن الشعبي، بنحوه = إلا أنه قال: و "الوصيلة" التي ولدت بعد أربعة أبطن ذكرًا وأنثى، قالوا: "وصلت أخاها" ، وسائر الحديث مثل حديث ابن حميد. (1) "المخضرمة" من النوق والشاء المقطوعة نصف الأذن أو طرف الأذن أو المقطوعة إحدى الأذنين وهي سمة الجاهلية. وفي الحديث: "خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر على ناقة مخضرمة" . (2) "العدي" (بكسر العين ودال مفتوحة) : الغرباء يعني الأضياف كما جاء في سائر الأخبار. هكذا هي في المخطوطة "العدي" أما المطبوعة ففيها: "للهدي" وهو تحريف وخطأ محض. ولو كان في كتابة الناسخ خطأ فأقرب ذلك أن تكون "للمعتري" يقال: "عراه يعروه واعتراه" إذا غشيه طالبا معروفه. ويقال: "فلان تعروه الأضياف وتعتريه" أي تغشاه وبذلك فسروا قول النابغة: أَتَيْتُكَ عَارِيًا خَلَقًا ثِيَابِيْ ... عَلَى خَوْفٍ تُظَنَّ بِيَ الظُّنُون أي: ضيفًا طالبًا لرفدك. 12834 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا إسحاق الأزرق، عن زكريا، عن الشعبي: أنه سئل عن "البحيرة" ، فقال: هي التي تجدع آذانها. وسئل عن "السائبة" ، فقال: كانوا يهدون لآلهتهم الإبل والغنم فيتركونها عند آلهتهم، فتذهب فتختلطُ بغنم الناس، (1) فلا يشرب ألبانها إلا الرجال، فإذا مات منها شيء أكله الرجال والنساء جميعًا. 12835 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره: "ما جعل الله من بحيرة" وما معها: "البحيرة" ، من الإبل يحرّم أهل الجاهلية وَبرها وظهرها ولحمها ولبنها إلا على الرجال، فما ولدت من ذكر وأنثى فهو على هيئتها، وإن ماتت اشترك الرجال والنساء في أكل لحمها. فإذا ضَرَب الجمل من ولد البحيرة، (2) فهو "الحامي" . و "الحامي" ، اسمٌ. (3) و "السائبة" من الغنم على نحو ذلك، إلا أنها ما ولدت من ولد بينها وبين ستة أولاد، كان على هيئتها. فإذا ولدت في السابع ذكرًا أو أنثى أو ذكرين، ذبحوه، فأكله رجالهم دون نسائهم. وإن توأمت أنثى وذكرًا فهي "وصيلة" ، (4) لترك ذبح الذكر بالأنثى. (5) وإن كانتا أنثيين تركتا. 12836 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، (1) في المطبوعة: "... عند آلهتهم لتذبح فتخلط بغنم الناس" غير ما في المخطوطة فأفسد الكلام إفسادًا. وقوله: "فتذهب فتختلط" ذكرت في 7: 457 تعليق: 6 أن العرب تجعل "ذهب" من ألفاظ الاستعانة التي تدخل على الكلام طلبا لتصوير حركة أو بيان فعل مثل قولهم: "قعد فلان لا يمر به أحد إلا سبه" لا يراد بهما معنى "الذهاب" و "القعود" ومثلهما كثير في كلامهم ثم انظر هذا ص: 250ن 251، تعليق: 1. (2) "ضرب" من "الضراب" (بكسر الضاد) وهو سفاد الجمل الناقة ونزوه عليها. (3) في المطبوعة حذف قوله: "والحامي اسم" لظنه أنه زيادة لا معنى لها. ولكنه أراد أن "الحامي" اسم لهذا الجمل من ولد البحيرة، وليس باسم فاعل. (4) قوله: "توأمت" هكذا جاء في المطبوعة والمخطوطة ولم أجدهم قالوا في ذلك المعنى إلا: "أتأمت المرأة وكل حامل" : إذا ولدت اثنين في بطن واحد. فهذا حرف لا أدري ما أقول فيه إلا أنه هكذا جاء هنا. (5) في المطبوعة والمخطوطة: "ترك" بغير لام، والذي أثبته أشبه عندي بالصواب. حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: "ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة" ، فالبحيرة، الناقة، كان الرجل إذا ولدت خمسة أبطن، فيعمد إلى الخامسة، ما لم تكن سَقْبًا، (1) فيبتك آذانها، ولا يجزّ لها وبرًا، ولا يذوق لها لبنًا، فتلك "البحيرة" = "ولا سائبة" ، كان الرجل يسيِّب من ماله ما شاء = "ولا وصيلة" ، فهي الشاة إذا ولدت سبعًا، عمد إلى السابع، فإن كان ذكرًا ذبح، وإن كانت أنثى تركت، وإن كان في بطنها اثنان ذكر وأنثى فولدتهما، قالوا: "وصلت أخاها" ، فيتركان جميعًا لا يذبحان. فتلك "الوصيلة" = وقوله: "ولا حام" ، كان الرجل يكون له الفحل، فإذا لقح عشرًا قيل: "حام، فاتركوه" . 12837 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثنا معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة" ، ليسيِّبوها لأصنامهم = "ولا وصيلة" ، يقول: الشاة = "ولا حام" يقول: الفحلُ من الإبل. 12838 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام" ، تشديدٌ شدّده الشيطانُ على أهل الجاهلية في أموالهم، وتغليظ عليهم، فكانت "البحيرة" من الإبل، (2) إذا نتج الرجلُ خمسًا من إبله، نظر البطن الخامس، فإن كانت سقبًا ذبح فأكله الرجال دون النساء، وإن كان ميتة اشترك فيه ذكرُهم وأنثاهم، وإن كانت حائلا = وهي الأنثى = تركت، فبتكت أذنها، فلم يجزّ لها وَبرٌ، ولم يشرب لها لبن، ولم يركب لها ظهرٌ، ولم يذكر لله عليها اسم. (1) في المطبوعة والمخطوطة: "فما لم يكن سقبا" وصواب ذلك ما أثبت. و "السقب" الذكر من ولد الناقة. قال الأصمعي: إذا وضعت الناقة ولدها فولدها ساعة تضعه "سليل" قبل أن يعلم أذكر هو أم أنثى. فإذا علم فإن كان ذكرا فهو "سقب" . (2) في المطبوعة والمخطوطة: "مثل الإبل" وهو خطأ لا شك فيه. وكانت "السائبة" ، يسيبون ما بدا لهم من أموالهم، فلا تُمنع من حوض أن تشرع فيه، (1) ولا من حمًى أن ترتع فيه = وكانت "الوصيلة" من الشاء، من البطن السابع، إذا كان جديًا ذبح فأكله الرجال دون النساء. وإن كان ميتة اشترك فيه ذكرهم وأنثاهم. وإن جاءت بذكر وأنثى قيل: "وصلت أخاها فمنعته الذبح" = و "الحام" ، كان الفحل إذا ركب من بني بنيه عشرة، أو ولد ولده، قيل: "حام حمى ظهره" ، فلم يزَمَّ ولم يخطم ولم يركب. 12839- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام" ، فالبحيرة من الإبل، كانت الناقة إذا نتجت خمسة أبطن، إن كان الخامس سقبًا ذبحوه فأهدوه إلى آلهتهم، وكانت أمه من عُرْض الإبل. وإن كانت رُبَعة استحيوها، (2) وشقوا أذن أمِّها، وجزّوا وبرها، وخلوها في البطحاء، فلم تجُزْ لهم في دية، ولم يحلبوا لها لبنًا، ولم يجزّوا لها وبرًا، ولم يحملوا على ظهرها، وهي من الأنعام التي حرمت ظهورها = وأما "السائبة" ، فهو الرجل يسيِّب من ماله ما شاء على وجه الشكر إن كثر ماله أو برأ من وَجع، أو ركب ناقة فأنجح، فإنه يسمي "السائبة" (3) يرسلها فلا يعرض لها أحدٌ من العرب إلا أصابته عقوبة في الدنيا = وأما "الوصيلة" ، فمن الغنم، هي الشاة إذا ولدت ثلاثة أبطن أو خمسة، فكان آخر ذلك جديًا، ذبحوه وأهدوه لبيت الآلهة، وإن كانت عناقًا استحيوها، (4) وإن كانت جديًا وعناقًا استحيوا الجدي من أجل العَناق، فإنها وصيلة وصلت (1) في المطبوعة والمخطوطة: "فلا تمتنع" ، والصواب ما أثبت. (2) "الربع" (بضم الراء وفتح الباء) : الفصيل الذي ينتح في الربيع، وهو أول النتاح، والأنثى "ربعة" . (3) هكذا في المخطوطة والمطبوعة: "يسمى السائبة" ، وأرجح أن الصواب: "يسيب السائبة" ، (4) "العناق" (بفتح العين) : الأنثى من ولد المعز. أخاها = وأما "الحام" ، فالفحل يضرب في الإبل عشرَ سنين = ويقال: إذا ضرب ولد ولده = قيل: "قد حمى ظهره" ، فيتركونه لا يمسُّ ولا ينحرُ أبدًا، ولا يمنع من كلأ يريده، وهو من الأنعام التي حُرِّمت ظهورها. 12840 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن ابن المسيب في قوله: "ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام" ، قال: "البحيرة" من الإبل، التي يمنح درّها للطواغيت (1) = و "السائبة" من الإبل، كانوا يسيِّبونها لطواغيتهم = و "الوصيلة" ، من الإبل، كانت الناقة تبتكر بأنثى، ثم تثنى بأنثى، (2) فيسمونها "الوصيلة" ، يقولون: "وصلت أنثيين ليس بينهما ذكر" ، فكانوا يجدعونها لطواغيتهم = أو: يذبحونها، الشك من أبي جعفر= و "الحام" ، الفحل من الإبل، كان يضربُ. الضرابَ المعدودة. (3) فإذا بلغ ذلك قالوا: "هذا حام، قد حمى ظهره" ، فترك، فسموه "الحام" = قال معمر قال قتادة، إذا ضرب عشرة. 12841- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة قال: "البحيرة" من الإبل، كانت الناقة إذا نُتِجت خمسة أبطن، فإن كان الخامس ذكرًا، (4) كان للرجال دون النساء، وإن كانت أنثى، بتكوا آذانها ثم أرسلوها، فلم ينحروا لها ولدًا، ولم يشربوا لها لبنًا، ولم يركبوا لها ظهرًا = وأما "السائبة" ، فإنهم كانوا يسيِّبون بعض إبلهم، فلا تُمنع حوضًا أن تشرع فيه، ولا مرعًى أن ترتع فيه = "والوصيلة" ، الشاة كانت إذا (1) في المطبوعة والمخطوطة: "يمنع" بالعين، وصوابه بالحاء. (2) في المطبوعة: "تبكر" ، والصواب من المخطوطة. ويقال: "ابتكرت الحامل" ، إذا ولدت بكرها، و "أثنت" في الثاني، و "ثلثت" في الثالث. (3) في المطبوعة: "المعدود" بغير تاء في آخره، وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب. (4) في المطبوعة: "فإن كان الخامس" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب. ولدت سبعة أبطن، فإن كان السابع ذكرًا، ذبح وأكله الرجال دون النساء، وإن كانت أنثى تركت. 12842 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد قال، حدثنا عبيد بن سلمان، عن الضحاك: "ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام" ، أما "البحيرة" فكانت الناقة إذا نَتَجُوها خمسة أبطن نحروا الخامس إن كان سقبًا، وإن كان رُبَعة شقُّوا أُذنها واستحيوها، وهي "بحيرة" ، وأما السَّقب فلا يأكل نساؤهم منه، وهو خالص لرجالهم، فإن ماتت الناقة أو نَتَجوها ميْتًا، فرجالهم ونساؤهم فيه سواءٌ، يأكلون منه = وأما "السائبة" ، فكان يسيِّب الرجل من ماله من الأنعام، فيُهْمَل في الحمى، فلا ينتفع بظهره ولا بولده ولا بلبنه ولا بشعره ولا بصوفه = وأما "الوصيلة" ، فكانت الشاة إذا ولدت سبعة أبطن ذبحُوا السابع إذا كان جديًا، وإن كان عناقًا استحيوه، وإن كان جديًا وعناقًا استحيوهما كليهما، وقالوا: "إن الجدي وصلته أخته، فحرَّمته علينا" = وأما "الحامي" ، فالفحل إذا ركبوا أولاد ولده قالوا: "قد حمى هذا ظهره، وأحرزه أولاد ولده" ، (1) فلا يركبونه، ولا يمنعونه من حِمى شجر، ولا حوض مَا شرع فيه، وإن لم يكن الحوض لصاحبه. وكانت من إبلهم طائفة لا يذكرون اسم الله عليها في شيء من شأنهم: لا إن ركبوا، ولا إن حملوا، ولا إن حلبوا، ولا إن نتجوا، ولا إن باعوا. ففي ذلك أنزل الله تعالى ذكره: "ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة" ، إلى قوله: "وأكثرهم لا يعقلون" . 12843 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، في قوله: "ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام" ، قال: هذا شيء كان يعمل به أهل الجاهلية، (2) وقد ذهب. قال: "البحيرة" ، كان الرجل (1) في المطبوعة: "وأحرز أولاد ولده" ، صوابه من المخطوطة. "أحرزه" : صانه وحفظه ووقاه. (2) في المطبوعة: "كانت تعمل به" ، وأثبت ما في المخطوطة. يجدع أذني ناقته، ثم يعتقها كما يعتق جاريته وغلامه، لا تحلب ولا تركب = و "السائبة" ، يسيبها بغير تجديع = و "الحام" إذا نتج له سبع إناث متواليات، قد حمي ظهره، ولا يركب، ولا يعمل عليه = و "الوصيلة" ، من الغنم: إذا ولدت سبع إناث متواليات، حمت لحمها أن يؤكل. 12844- حدثنا يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، حدثنا عبد الله بن يوسف قال، حدثنا الليث بن سعد قال، حدثني ابن الهاد، عن ابن شهاب قال، قال سعيد بن المسيب: "السائبة" التي كانت تسيَّب فلا يحمل عليها شيء = و "البحيرة" ، التي يمنح دَرُّها للطواغيت فلا يحلبها أحد (1) = و "الوصيلة" ، الناقة البكر تبتكر أوّل نتاج الإبل بأنثى، (2) ثم تثني بعد بأنثى، وكانوا يسمُّونها للطواغيت، يدعونها "الوصيلة" ، أنْ وصلت أخواتها إحداهما بالأخرى (3) = "والحامي" ، فحل الإبل، يضرب العَشْر من الإبل. فإذا نقضَ ضِرابه (4) يدعونه للطواغيت، وأعفوه من الحمل فلم يحملوا عليه شيئًا، وسموه "الحامي" . * * * قال أبو جعفر: وهذه أمور كانت في الجاهلية فأبطلها الإسلام، فلا نعرف قومًا يعملون بها اليوم. (1) في المطبوعة والمخطوطة: "يمنع درها" ، والصواب ما أثبت. (2) في المطبوعة والمخطوطة هنا "تبكر" ، وانظر ما سلف ص: 131 تعليق2. (3) حذف في المطبوعة: "أخواتها" ، ولا ضرورة لحذفها، فالكلام مستقيم. (4) في المطبوعة والمخطوطة: "نقص ضرابه" ، وهو لا معنى له، والصواب: "نفض" بالنون والفاء والضاد. يقال "نفضت الإبل وأنفضت" : نتجت كلها. قال ذو الرمة: كِلاَ كَفْأَتَيهْا تُنْفِضَانِ، وَلَمْ يَجِدْ ... لَهَا ثِيلَ سَقْبٍ في النِّتَاجَيْنِ لاَ مِسُ يعني: أن كل واحد من الكفأتين (يعني النتاجين) تلقى ما في بطنها من أجنتها، فتوجد إناثًا ليس فيها ذكر. وقوله: "نفض ضرابه" ، لم تذكر كتب اللغة هذه العبارة، ولكن هذا هو تفسيرها: أن تلد النوق التي ضربها إناثًا متتابعات ليس بينهن ذكر، كما سلف في الآثار التي رواها أبو جعفر. فإذا كان ذلك كذلك= وكانَ ما كانت الجاهلية تعمل به لا يوصل إلى علمه (1) = إذ لم يكن له في الإسلام اليوم أثر، ولا في الشرك، نعرفه = إلا بخبر، (2) وكانت الأخبار عما كانوا يفعلون من ذلك مختلفة الاختلافَ الذي ذكرنا، فالصواب من القول في ذلك أن يقال: أما معاني هذه الأسماء، فما بيّنا في ابتداء القول في تأويل هذه الآية، وأما كيفية عمل القوم في ذلك، فما لا علم لنا به. وقد وردت الأخبار بوصف عملهم ذلك على ما قد حكينا، وغير ضائرٍ الجهلُ بذلك إذا كان المرادُ من علمه المحتاجُ إليه، موصلا إلى حقيقته، (3) وهو أن القوم كانوا يحرِّمون من أنعامهم على أنفسهم ما لم يحرمه الله، (4) اتباعًا منهم خطوات الشيطان، فوبَّخهم الله تعالى ذكره بذلك، وأخبرهم أن كل ذلك حلال. فالحرام من كل شيء عندنا ما حرَّم الله تعالى ذكره ورسوله صلى الله عليه وسلم، بنصٍّ أو دليل، والحلال منه ما حلله الله ورسوله كذلك. (5) * * * القول في تأويل قوله: {وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (103) } قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في المعنيّ ب "الذين كفروا" في هذا الموضع، والمراد بقوله: "وأكثرهم لا يعقلون" . فقال بعضهم: المعنيّ ب "الذين كفروا" اليهود، وب "الذين لا يعقلون" ، أهل الأوثان. (1) كان في المطبوعة: "لا توصل إلى عمله" ، وهو خطأ، صوابه من المخطوطة. (2) السياق: "لا يوصل إلى عمله. . . إلا بخبر" . (3) في المطبوعة: "موصلا إلى حقيقته" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب المعنى. (4) في المطبوعة: "كانوا محرمين من أنعامهم" ، والجيد من المخطوطة. (5) في المطبوعة: "ما أحله الله" ، وأثبت ما في المخطوطة. * ذكر من قال ذلك: 12845 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن سفيان، عن دواد بن أبي هند، عن محمد بن أبي موسى: "ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب" ، قال: أهل الكتاب = "وأكثرهم لا يعقلون" ، قال: أهل الأوثان. (1) * * * وقال آخرون: بل هم أهل ملّة واحدة، ولكن "المفترين" ، المتبوعون و "الذين لا يعقلون" ، الأتباع. * ذكر من قال ذلك: 12846 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا خارجة، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي في قوله: "ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون" ، هم الأتباع = وأما "الذين افتروا" ، فعقلوا أنهم افتروا. (2) * * * قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب أن يقال: إن المعنيين بقوله: "ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب" ، الذين بحروا البحائر، وسيَّبوا السوائب، ووصلوا الوصائل، وحموا الحوامي، مثل عمرو بن لحي وأشكاله ممن سنّ لأهل الشرك السنن الرديئة، وغيَّر دين الله دين الحق، (3) وأضافوا إلى الله تعالى ذكره: أنه هو الذي حرّم ما حرّموا، وأحلَّ ما أحلوا، افتراءً على الله الكذب وهم يعلمون، واختلاقًا عليه الإفك وهم يفهمون، (4) فكذبهم الله تعالى ذكره في (1) الأثر: 12845 - "محمد بن أبي موسى" ، مضى برقم: 10556. (2) في المطبوعة: "يعقلون أنهم افتروا" ، وأثبت ما في المخطوطة. (3) في المطبوعة: "ممن سنوا لأهل الشرك،. . . وغيروا" بالجمع، وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب محض، لا يرده أنه قال بعده "وأضافوا" بالجمع. (4) في المطبوعة: "وهم يعمهون" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو الصواب. قيلهم ذلك، وإضافتهم إليه ما أضافوا من تحليل ما أحلوا وتحريم ما حرموا، فقال تعالى ذكره: ما جعلت من بحيرة ولا سائبة، ولكن الكفار هم الذين يفعلون ذلك، ويفترون على الله الكذب. https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الحادى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة الحلقة (583) صــ 136 إلى صــ 145 = (1) وأن يقال، إن المعنيين بقوله: "وأكثرهم لا يعقلون" ، هم أتباع من سنّ لهم هذه السنن من جهلة المشركين، فهم لا شك أنهم أكثر من الذين لهم سنوا ذلك لهم، فوصفهم الله تعالى بأنهم لا يعقلون، لأنهم لم يكونوا يعقلون أن الذين سنوا لهم تلك السنن وأخبروهم أنها من عند الله، كذبةٌ في إخبارهم، أفَكَةٌ، بل ظنوا أنهم فيما يقولون محقُّون، وفي إخبارهم صادقون. وإنما معنى الكلام: وأكثرهم لا يعقلون أن ذلك التحريم الذي حرَّمه هؤلاء المشركون وأضافوه إلى الله تعالى ذكره كذب وباطل. (2) وهذا القول الذي قلنا في ذلك، نظير قول الشعبي الذي ذكرنا قبلُ. (3) ولا معنى لقول من قال: "عني بالذي كفروا أهل الكتاب" ، وذلك أن النكير في ابتداء الآية من الله تعالى ذكره على مشركي العرب، فالختم بهم أولى من غيرهم، إذ لم يكن عرض في الكلام ما يُصرف من أجله عنهم إلى غيرهم. * * * وبنحو ذلك كان يقول قتادة: 12847 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "وأكثرهم لا يعقلون" ، يقول: تحريمُ الشيطان الذي حرّم عليهم، (4) إنما كان من الشيطان، ولا يعقلون. * * * (1) قوله: "وأن يقال" ، معطوف على قوله في أول الفقرة: "وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب أن يقال. . ." . (2) انظر تفسير "افترى" فيما سلف 6: 292/8: 451. (3) في المطبوعة، أسقط "قبل" ، لسوء كتابتهافي المخطوطة. (4) في المطبوعة: "يقول: لا يعقلون تحريم الشيطان الذي يحرم عليهم" ، زاد وغير، فأفسد الجملة إفسادًا، وهو يظن أنه يصلحها. القول في تأويل قوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ (104) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وإذا قيل لهؤلاء الذين يبحرون البحائر ويسيِّبون السوائب؟ الذين لا يعقلون أنهم بإضافتهم تحريم ذلك إلى الله تعالى ذكره يفترون على الله الكذب: تعالوا إلى تنزيل الله وآي كتابه وإلى رسوله، ليتبين لكم كذبُ قيلكم فيم تضيفونه إلى الله تعالى ذكره من تحريمكم ما تحرِّمون من هذه الأشياء (1) = أجابوا من دعاهم إلى ذلك بأن يقولوا: حسبنا ما وجدنا عليه من قبلنا آباءَنا يعملون به، ويقولون: "نحن لهم تبع وهم لنا أئمة وقادة، وقد اكتفينا بما أخذنا عنهم، ورضينا بما كانوا عليه من تحريم وتحليل" . (2) قال الله تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: أوَ لو كان آباء هؤلاء القائلين هذه المقالة لا يعلمون شيئًا؟ يقول: لم يكونوا يعلمون أنّ ما يضيفونه إلى الله تعالى ذكره من تحريم البحيرة والسائبة والوصيلة والحام، كذبٌ وفريةٌ على الله، لا حقيقة لذلك ولا صحة، لأنهم كانوا أتباع المفترين الذين ابتدءوا تحريم ذلك، افتراءً على الله بقيلهم ما كانوا يقولون من إضافتهم إلى الله تعالى ذكره ما يضيفون = ولا كانوا فيما هم به عاملون من ذلك على استقامة وصواب، (3) بل كانوا على ضلالة وخطأ. * * * (1) انظر تفسير "تعالوا" فيما سلف 6: 474، 483، 485/8: 513. (2) انظر تفسير "حسب" فيما سلف 4: 244/7: 405. (3) في المطبوعة: "ما كانوا فيما هم به عاملون" ، وفي المخطوطة: "كانوا" بغير "ما" ، والسياق يقتضي ما أثبت، لأنه معطوف على قوله آنفاً: "يقول: لم يكونوا يعلمون. . ." القول في تأويل قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم فأصلحوها، واعملوا في خلاصها من عقاب الله تعالى ذكره، وانظروا لها فيما يقرِّبها من ربها، فإنه "لا يضركم من ضَلّ" ، يقول: لا يضركم من كفر وسلك غير سبيل الحق، إذا أنتم اهتديتم وآمنتم بربكم، وأطعتموه فيما أمركم به وفيما نهاكم عنه، فحرمتم حرامه وحللتم حلاله. * * * ونصب قوله: "أنفسكم" بالإغراء، والعرب تغري من الصفات ب "عليك" و "عندك" ، و "دونك" ، و "إليك" . (1) واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك. فقال بعضهم معناه: "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم" ، إذا أمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر فلم يُقبل منكم. * ذكر من قال ذلك: 12848 - حدثنا سوار بن عبد الله قال، حدثنا أبي قال، حدثنا أبو الأشهب، عن الحسن: أن هذه الآية قرئت على ابن مسعود: "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضَلّ إذا اهتديتم" ، فقال ابن مسعود: "ليس هذا بزمانها، قولوها ما قُبلت منكم، فإذا رُدّت عليكم فعليكم أنفسكم" . (2) (1) "الصفات" حروف الجر، والظروف، كما هو بين من سياقها. وانظر معاني القرآن للفراء 1: 322، 323. (2) الأثر: 12848 - "سوار بن عبد الله بن سوار العنبري" ، القاضي، شيخ الطبري. ثقة، مترجم في التهذيب. وأبوه: "عبد الله بن سوار العنبري" القاضي، ثقة. مترجم في التهذيب. و "أبو الأشهب" هو: "جعفر بن حيان السعدي العطاردي" ، ثقة، روي له الستة، مضى برقم: 11408. وسيأتي تخريج الأثر في التعليق على رقم: 12850. 12849 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن أبي الأشهب، عن الحسن قال: ذكر عند ابن مسعود (1) "يا أيها الذين آمنوا" ، ثم ذكر نحوه. 12850- حدثنا يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن يونس، عن الحسن قال: قال رجل لابن مسعود: ألم يقل الله: "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضَلّ إذا اهتديتم" ؟ قال: ليس هذا بزمانها، قولوها ما قُبلت منكم، فإذا رُدَّت عليكم فعليكم أنفسكم. (2) 12851 - حدثنا الحسن بن عرفة قال، حدثنا شبابة بن سوار قال، حدثنا الربيع بن صبيح، عن سفيان بن عقال قال: قيل لابن عمر: لو جلست في هذه الأيام فلم تأمر ولم تنه، فإن الله تعالى ذكره يقول: "عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم" ؟ فقال ابن عمر: إنها ليست لي ولا لأصحابي، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا فليبلِّغ الشاهد الغائبَ" ، فكنَّا نحن الشهودَ وأنتم الغَيَب، (3) ولكن هذه الآية لأقوام يجيئون من بعدنا، إن قالوا لم يقبل منهم. (4) (1) في المطبوعة: "ذكر ابن مسعود" ، بإسقاط "عند" ، والصواب من المخطوطة. (2) في الأثر: 12848 - 12850 - خبر الحسن، عن ابن مسعود، خرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 7: 19، وقال: "رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح، إلا أن الحسن البصري لم يسمع من ابن مسعود" . (3) "الغيب" (بفتح الغين والياء) جمع "غائب" ، مثل "خادم" و "خدم" . (4) الأثر: 12851 - "الحسن بن عرفة العبدي البغدادي" ، شيخ الطبري، مضى برقم: 9373. و "شبابة بن سوار الفزازي" ، مضى برقم: 37، 6701، 10051. و "الربيع بن صبيح السعدي" ، مضى برقم: 6403، 6404، 10533. و "سفيان بن عقال" ، مترجم في الكبير2/2/94، وابن أبي حاتم 2/1/219، وكلاهما قال: "روي عن ابن عمر، روى عنه الربيع" ، ولم يزيدا. وخرجه في الدر المنثور 2: 340، وزاد نسبته لابن مردويه. 12852 - حدثنا أحمد بن المقدام قال، حدثنا المعتمر بن سليمان قال، سمعت أبي قال، حدثنا قتادة، عن أبي مازن قال: انطلقت على عهد عثمان إلى المدينة، فإذا قومٌ من المسلمين جلوس، فقرأ أحدهم هذه الآية: "عليكم أنفسكم" ، فقال أكثرهم: لم يجئ تأويل هذه الآية اليوم. (1) 12853- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عمرو بن عاصم قال، حدثنا المعتمر، عن أبيه، عن قتادة، عن أبي مازن، بنحوه. (2) 12854 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر وأبو عاصم قالا حدثنا عوف، عن سوّار بن شبيب قال، كنت عند ابن عمر، إذ أتاه رجل جليدٌ في العين، شديد اللسان، فقال: يا أبا عبد الرحمن، نحن ستة كلهم قد قرأ القرآن فأسرع فيه، (3) وكلهم مجتهد لا يألو، وكلهم بغيضٌ إليه أن يأتي دناءةً، (4) وهم في ذلك يشهد بعضهم على بعض بالشرك! فقال رجل من القوم: وأيَّ دناءة تريد، أكثرَ من أن يشهد بعضهم على بعض بالشرك! (5) قال: فقال الرجل: إني لستُ إيّاك أسأل، أنا أسأل الشيخ! فأعاد على عبد الله (1) الأثر: 12852، 12853 - "أبو مازن الأزدي الحداني" ، كان من صلحاء الأزد، قدم المدينة في زمن عثمان رضي الله عنه. روى قتادة، عن صاحب له، عنه. هكذا قال ابن أبي حاتم 4/2/44. ولم يرد في هذين الإسنادين ذكر "الرجل" الذي روى عنه قتادة، كما قال أبو حاتم. وسيأتي في الإسناد رقم: 12856 "عن قتادة، عن رجل قال: كنت في خلافة عثمان بالمدينة" ، فهذا "الرجل" هو "أبو مازن" ، ولا شك. ثم يأتي في رقم: 12857 "عن قتادة، حدثنا أبو مازن، رجل من صالحي الأزد، من بني الحدان" ، فصرح قتادة في هذا الخبر بالتحديث عنه، ليس بينهما "رجل" كما قال أبو حاتم. فأخشى أن يكون في كلام أبي حاتم خطأ. وهذا الخبر خرجه السيوطي في الدر المنثور 2: 340، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وأبي الشيخ. (2) الأثر: 12852، 12853 - "أبو مازن الأزدي الحداني" ، كان من صلحاء الأزد، قدم المدينة في زمن عثمان رضي الله عنه. روى قتادة، عن صاحب له، عنه. هكذا قال ابن أبي حاتم 4/2/44. ولم يرد في هذين الإسنادين ذكر "الرجل" الذي روى عنه قتادة، كما قال أبو حاتم. وسيأتي في الإسناد رقم: 12856 "عن قتادة، عن رجل قال: كنت في خلافة عثمان بالمدينة" ، فهذا "الرجل" هو "أبو مازن" ، ولا شك. ثم يأتي في رقم: 12857 "عن قتادة، حدثنا أبو مازن، رجل من صالحي الأزد، من بني الحدان" ، فصرح قتادة في هذا الخبر بالتحديث عنه، ليس بينهما "رجل" كما قال أبو حاتم. فأخشى أن يكون في كلام أبي حاتم خطأ. وهذا الخبر خرجه السيوطي في الدر المنثور 2: 340، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وأبي الشيخ. (3) في المطبوعة: "قد قرأوا" بالجمع، وأثبت ما في المخطوطة، وهو الصواب. (4) في ابن كثير 3: 259، رواه عن هذا الموضع من التفسير، وزاد فيه هنا: ". . . أن يأتي دناءة، إلا الخير" ، وليست في مخطوطتنا. (5) في المطبوعة: "وأي دناءة تزيد" ، وصواب قراءتها ما أثبت. الحديث، فقال عبد الله بن عمر: لعلك ترى لا أبا لك، إني سآمرك أن تذهب أن تقتلهم! (1) عظهم وانههم، فإن عصوك فعليك بنفسك، فإن الله تعالى يقول: "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون" . (2) 12855- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الحسن: أن ابن مسعود سأله رجل عن قوله: "عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم" ، قال: إن هذا ليس بزمانها، إنها اليوم مقبولة، (3) ولكنه قد أوشك أن يأتي زمانٌ تأمرون بالمعروف فيصنع بكم كذا وكذا = أو قال: فلا يقبل منكم = فحينئذ: عليكم أنفسكم، لا يضركم من ضلّ ". (4) " 12856- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة، عن رجل قال: كنت في خلافة عثمان بالمدينة، في حلقة فيهم أصحابُ النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا فيهم شيخ يُسْنِدون إليه، (5) فقرأ رجل: "عليكم" (1) في المطبوعة، وابن كثير: "فتقتلهم" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو صواب قديم. (2) الأثر: 12854 - "سوار بن شبيب السعدي الأعرجي" ، و "بنو الأعرج" ، حي من بني سعد. و "الأعرج" هو "الحارث بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم" ، قطعت رجله يوم "تياس" ، فسمي "الأعرج" . وهو ثقة، كوفي، روى عن ابن عمر، روى عنه عوف، وعكرمة بن عمار. مترجم في الكبير 2/2/168، وابن أبي حاتم 2/1/270. وهذا الخبر نقله ابن كثير في تفسيره 3: 259، وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2: 341، واقتصر على نسبته إلى ابن مردويه. (3) قوله: "إنها اليوم مقبولة" ، يعني: كلمة الحق في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. (4) الأثر: 12855 - انظر التعليق على الآثار: 12848 - 12850. وكان في المطبوعة هنا: ". . . من ضل إذا اهتديتم" ، بالزيادة، وأثبت ما في المخطوطة. (5) قوله: "يسندون إليه" أي: ينتهون إلى عمله ومعرفته وفقهه، ويلجئون إليه في فهم ما يشكل عليهم. ويقال: "أسندت إليه أمري" ، أي: وكلته إليه، واعتمدت عليه. وقال الفرزدق: إلَى الأَبْرَشِ الكَلْبِيّ أَسْنَدْتُ حَاجَةً ... تَوَاكَلَها حَيًّا تَمِيمٍ ووَائِلِ وهذا كله مما ينبغي تقييده في كتب اللغة، فهو فيها غير بين. أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم "، فقال الشيخ: إنما تأويلها آخرَ الزمان." 12857- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال، حدثنا أبو مازن، رجل من صالحي الأزد من بني الحُدَّان، (1) قال: انطلقت في حياة عثمان إلى المدينة، فقعدت إلى حلقة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، (2) فقرأ رجل من القوم هذه الآية "لا يضركم من ضل إذا اهتديتم" ، قال فقالَ رجلٌ من أسنِّ القوم: دَعْ هذه الآية، فإنما تأويلها في آخر الزمان. (3) 12858 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا ابن فضالة، عن معاوية بن صالح، عن جبير بن نفير قال: كنت في حلقة فيها أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنّي لأصغر القوم، فتذاكروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقلت أنا: أليس الله يقول في كتابه: "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم" ؟ فأقبلوا عليَّ بلسان واحد وقالوا: أتنتزِع بآية من القرآن لا تعرفها، (4) ولا تدري ما تأويلها!! حتى تمنيت أني لم أكن تكلمت. ثم أقبلوا يتحدثون، فلما حضر قيامهم قالوا: "إنك غلام" (1) في المطبوعة: "بني الجدان" بالجيم، وهو خطأ. (2) في المطبوعة: "فيها أصحاب رسول الله:، وفي المخطوطة:" فيها من أصحاب رسول الله "، فضرب بالقلم على" فيها "فأثبتها على الصواب." (3) الأثران: 12856، 12857 - انظر التعليق على الأثرين السالفين رقم: 12852، 12853. (4) في المطبوعة: "تنزع بآية من القرآن" ، غير ما في المخطوطة، وما غيره صواب. ولكن يقال: "انتزع معنى جيدًا، ونزعه" ، أي: استخرجه واستنبطه ويقال: "انتزع بالآية والشعر" ، أي: تمثل به. حدَثُ السن، وإنك نزعت بآية لا تدري ما هي، وعسى أن تدرك ذلك الزمان، إذا رأيت شحًّا مطاعًا، وهوًى متبعًا وإعجابَ كل ذي رأي برأيه، فعليك بنفسك، لا يضرك من ضل إذا اهتديت. (1) 12859 - حدثنا هناد قال، حدثنا ليث بن هارون قال، حدثنا إسحاق الرازي، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن عبد الله بن مسعود في قوله: "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعًا فينبئكم بما كنتم تعملون" ، قال: كانوا عند عبد الله بن مسعود جلوسًا، فكان بين رجلين ما يكون بين الناس، حتى قام كل واحد منهما إلى صاحبه، فقال رجل من جلساء عبد الله: ألا أقوم فآمرُهما بالمعروف وأنهاهما عن المنكر؟ فقال آخر إلى جنبه: عليك بنفسك، فإن الله تعالى يقول: "عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم" ! قال: فسمعها ابن مسعود فقال: مَهْ، (2) لَمَّا يجئ تأويل هذه بعد! (3) إن القرآن أنزل حيث أنزل، ومنه آيٌ قد مضى تأويلهن قبل أن ينزلن، ومنه ما وقع تأويلهن (1) الأثر: 12858 - "ابن فضالة" هو: "مبارك بن فضالة بن أبي أمية" ، أبو فضالة البصري. وفي تفسير ابن كثير: "حدثنا أبو فضالة" ، ومضى برقم: 154، 597، 611، 1901. و "معاوية بن صالح بن حدير الحضرمي" ، أحد الأعلام، مضى مرارًا منها: 186، 187، 2072، 8472، 11255، ولم تذكر لمعاوية بن صالح، رواية عن جبير بن نفير، بل روى عنه ابنه عبد الرحمن بن جبير. و "جبير بن نفير" إسلامي جاهلي، مضى برقم: 6656، 7009. وهذا الخبر منقطع الإسناد، ونقله ابن كثير في تفسيره 3: 260، والسيوطي في الدر المنثور 2: 340، ولم ينسبه لغير ابن جرير. (2) "مه" ، هكذا في المطبوعة، وابن كثير، والدر المنثور و "مه" كلمة زجر بمعنى: كف عن هذا. وفي المخطوطة مكانها: "مهل" ، وأخشى أن تكون خطأ من الناسخ، ولو كتب "مهلا" ، لكان صوابًا، يقال: "مهلا يا فلان" أي: رفقًا وسكونًا، لا تعجل. (3) في المطبوعة: "لم يجئ" ، ومثلها في ابن كثير والدر المنثور، وأثبت ما في المخطوطة. على عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم، ومنه آيٌ وَقع تأويلهن بعد النبيّ صلى الله عليه وسلم بيسير، (1) ومنه آي يقع تأويلهن بعد اليوم، ومنه آي يقع تأويلهنّ عند الساعة على ما ذكر من الساعة، (2) ومنه آي يقع تأويلهن يوم الحساب على ما ذكر من الحساب والجنة والنار، (3) فما دامت قلوبكم واحدة، وأهواؤكم واحدة، ولم تُلبَسوا شيعًا، ولم يَذُق بعضكم بأس بعض، فأمروا وانهوا. فإذا اختلفت القلوب والأهواء، وأُلبستم شيعًا، وذاق بعضكم بأس بعض، فامرؤ ونفسه، فعند ذلك جاء تأويل هذه الآية. (4) 12860- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن ابن مسعود: أنه كان بين رجلين بعض ما يكون بين الناس، حتى قام كل واحد منهما إلى صاحبه، ثم ذكر نحوه. (5) 12861- حدثني أحمد بن المقدام قال، حدثنا حرمي قال: سمعت الحسن يقول: تأوّل بعضُ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية: "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم" ، فقال بعض (1) في المطبوعة: "آي قد وقع" بالزيادة، وأثبت ما في المخطوطة. (2) في المطبوعة: "على ما ذكر من أمر الساعة" ، بزيادة "أمر" ، وفي المخطوطة أسقط الناسخ "على" ، وإثباتها هو الصواب. (3) في المطبوعة: "من أمر الحساب" بالزيادة، وأثبت ما في المخطوطة. (4) الأثر: 12859 - "ليث بن هرون" ، لم أجد له ترجمة ولا ذكرًا. و "إسحق الرازي" ، هو: "إسحق بن سليمان الرازي" ، مضى برقم: 6456، 102338، 11240. وانظر الإسناد الآتي رقم: 12866. وهذا الخبر نقله ابن كثير في تفسيره 3: 258، 259، والسيوطي في الدر المنثور 2: 339، 340، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، ونعيم بن حماد في الفتن، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب. وسيأتي بإسناد آخر في الذي يليه. (5) الأثر: 12860 - انظر الأثر السالف. أصحابه: دعوا هذه الآية، فليست لكم. (1) 12862 - حدثني إسماعيل بن إسرائيل اللآل الرّملي قال، حدثنا أيوب بن سويد قال، حدثنا عتبة بن أبي حكيم، عن عمرو بن جارية اللخمي، عن أبي أمية الشعباني قال: سألت أبا ثعلبة الخشني عن هذه الآية: "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم" ، فقال: لقد سألت عنها خبيرًا، سألتُ عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أبا ثعلبة، ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، فإذا رأيت دنيا مؤثَرة، وشحًّا مطاعًا، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك نفسك! إنّ من بعدكم أيام الصبر، (2) للمتمسك يومئذ بمثل الذي أنتم عليه كأجر خمسين عاملا! قالوا: يا رسول الله، كأجر خمسين عاملا منهم؟ قال: لا كأجر خمسين عاملا منكم. (3) (1) الأثر: 12861 - هذا إسناد ناقص لا شك في ذلك. "أحمد بن المقدام بن سليمان العجلي" ، أبو الأشعث. روى عنه البخاري والترمذي والنسائي، وغيرهم. صالح الحديث. ولد في نحو سنة 156، وتوفي سنة 253. و "حرمي بن عمارة بن أبي حفصة العتكي" ، مضى برقم: 8513. ومات سنة 201، ومحال أن يكون أدرك الحسن وسمع منه. فإن "الحسن البصري" مات في نحو سنة 110 فالإسناد مختل، ولذلك وضعت بينه وبين الحسن نقطًا، دلالة على نقص الإسناد. (2) في المطبوعة: "أرى من بعدكم" ، والصواب من المخطوطة. وفي المخطوطة: "المتمسك" بغير لام الجر، وكأن الصواب ما في المطبوعة. (3) الأثر: 12862 - سيأتي بإسناد آخر في الذي يليه. "إسمعيل بن إسرائيل اللآل الرملي" ، مضى برقم: 10236، 12213، وذكرنا هناك أنه في ابن أبي حاتم "السلال" ، ومضى هناك "10236" الدلال "، وجاء هنا" اللآل "، صانع اللؤلؤ وبائعه، ولا نجد ما يرجح واحدة من الثلاث." و "أيوب بن سويد الرملي" ، ثقة متكلم فيه. مضى برقم: 12213. و "عتبة بن أبي حكيم الشعباني الهمداني، ثم الأردني" ، ثقة، ضعفه ابن معين. مضى برقم: 12213. و "عمرو بن جارية اللخمي" ، ثقة، مترجم في التهذيب. وكان في المطبوعة "عمرو بن خالد" وهو خطأ محض. وفي المخطوطة كتب "خالد" ثم جعلها "جارية" ، وهو الصواب. و "أبو أمية الثعباني" اسمه "يحمد" (بضم الياء وكسر الميم) وقيل: اسمه "عبد الله بن أخامر" . ثقة. مترجم في التهذيب. و "أبو ثعلبة الخشني" اختلف في اسمه واسم أبيه اختلافًا كثيرًا. صحابي. وسيأتي تخريجه في الذي يليه. 12863- حدثنا علي بن سهل قال، أخبرنا الوليد بن مسلم، عن ابن المبارك وغيره، عن عتبة بن أبي حكيم، [عن عمرو بن جارية اللخمي] ، عن أبي أمية الشعباني قال: سألت أبا ثعلبة الخشني: كيف نَصنع بهذه الآية: "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم" ؟ فقال أبو ثعلبة: سألت عنها خبيرًا، سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحًّا مطاعًا، وهوًى متبعًا، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بِخُوَيصة نفسك، (1) وذَرْ عوامَّهم، فإن وراءكم أيامًا أجر العامل فيها كأجر خمسين منكم. (2) https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الحادى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة الحلقة (584) صــ 146 إلى صــ 155 وقال آخرون: معنى ذلك أنّ العبد إذا عمل بطاعة الله لم يضره من ضَلَّ بعده وهلك. (1) "خويصة" تصغير "خاصة" . (2) الأثر: 12863 - "عتبة بن أبي حكيم" ، في المخطوطة: "عبدة بن أبي حكيم" ، وهو خطأ ظاهر. وفي المخطوطة والمطبوعة، أسقط: [عن عمرو بن جارية اللخمي] ، فوضعتها بين قوسين. وهذا هو نفسه إسناد الترمذي. وهذا الخبر، رواه الترمذي في كتاب التفسير من طريق سعيد بن يعقوب الطالقاني، عن عبد الله بن المبارك، عن عقبة بن أبي حكيم، بنحو لفظه هنا. ثم قال الترمذي: "قال عبد الله بن المبارك: وزادني غير عتبة = قيل: يا رسول الله، أجر خمسين رجلا منا أو منهم؟ قال: لا، بل أجر خمسين رجلا منكم" . ثم قال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب" . وأخرجه ابن ماجه في سننه رقم: 4014 من طريق هشام بن عمار، عن صدقة بن خالد، عن عتبة بن أبي حكيم، بنحو لفظه. ورواه أبو داود في سننه 4: 174، رقم: 4341، من طريق أبي الربيع سليمان بن داود العتكي، عن ابن المبارك، بمثله. وخرجه ابن كثير في تفسيره 3: 258، والسيوطي في الدر المنثور 2: 339، وزاد نسبته إلى البغوي في معجمه، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وأبي الشيخ، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب، والحاكم في المستدرك وصححه. * ذكر من قال ذلك: 12864 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلَ" ، يقول: إذا ما العبد أطاعني فيما أمرته من الحلال والحرام، فلا يضره من ضل بعدُ، إذا عمل بما أمرته به. 12865 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم" ، يقول: أطيعوا أمري، واحفظوا وصيَّتي. 12866 - حدثنا هناد قال، حدثنا ليث بن هارون قال، حدثنا إسحاق الرازي، عن أبي جعفر الرازي، عن صفوان بن الجون قال: دخل عليه شابّ من أصحاب الأهواء، فذكر شيئًا من أمره، فقال صفوان: ألا أدلك على خاصة الله التي خصَّ بها أولياءه؟ "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل" ، الآية. (1) 12867 - حدثنا عبد الكريم بن أبي عمير قال، حدثنا أبو المطرف المخزومي قال، حدثنا جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: "عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم" ، ما لم يكن سيف أو سوط. (2) (1) الأثر: 12866 - "ليث بن هرون" ، لم أجده، وانظر الإسناد السالف رقم 12859. و "إسحق" ، هو: "إسحق بن سليمان الرازي" ، وانظر رقم: 12859. وأما "صفوان بن الجون" ، فهو هكذا في المخطوطة أيضًا، ولم أجد له ترجمة. وفي الدر المنثور 2: 341، "عن صفوان بن محرز" ، ونسبه لابن جرير وابن أبي حاتم. و "صفوان بن محرز بن زياد المازني، أو الباهلي" . روى عن ابن عمر، وابن مسعود، وأبي موسى الأشعري. روى عنه جامع بن شداد، وعاصم الأحول، وقتادة. كان من العباد، اتخذ لنفسه سربًا يبكي فيه. مات سنة 74، مترجم في التهذيب. ومضى برقم: 6496. (2) الأثر: 12867 - "عبد الكريم بن أبي عمير" ، مضى برقم: 7578، 11368 و "أبو المطوف المخزومي" ، لم أجد له ذكرًا. 12868- حدثنا علي بن سهل قال، حدثنا ضمرة بن ربيعة قال، تلا الحسن هذه الآية: "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم" ، فقال الحسن: الحمد لله بها، والحمد لله عليها، ما كان مؤمن فيما مضى، ولا مؤمن فيما بقي، إلا وإلى جانبه منافق يكرَه عمله. (1) * * * وقال آخرون: بل معنى ذلك: "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم" ، فاعملوا بطاعة الله = "لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم" ، فأمرتم بالمعروف، ونهيتم عن المنكر. * ذكر من قال ذلك: 12869 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام بن سلم، عن عنبسة، عن سعد البقال، عن سعيد بن المسيب: "لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم" ، قال: إذا أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر، لا يضرك من ضل إذا اهتديت. 12870 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن يمان، عن سفيان، عن أبي العميس، عن أبي البختري، عن حذيفة: "عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم" ، قال: إذا أمرتم ونهيتم. 12871- حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع = وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي = عن ابن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم قال، قال أبو بكر: تقرءون هذه الآية: "لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم" ، وإن الناس إذا رأوا الظالم = قال ابن وكيع = فلم يأخذوا على يديه، أوشك أن يعمّهم الله بعقابه. (2) (1) الأثر: 12868- "ضمرة بن ربيعة الفلسطيني الرملي" ، ثقة، مضى برقم: 7134. وكان في المطبوعة: "مرة بن ربيعة" ، لم يحسن قراءة المخطوطة. وهذه الكلمة التي قالها الحسن، لو خفيت على الناس قديمًا، فإن مصداقها في زماننا هذا يراه المؤمن عيانًا في حيث يغدو ويروح. (2) الأثر: 12871 - خبر قيس بن أبي حازم، عن أبي بكر، رواه أبو جعفر بأسانيد، من رقم: 12871 - 12878، موقوفًا على أبي بكر، إلا رقم: 12876، 12878، فرواهما متصلين مرفوعين، وإلا رقم: 12874، فهو مرسل. وأكثر طرق أبي جعفر طرق ضعاف. ورواه من طريق "إسمعيل بن أبي خالد" ، عن قيس بن أبي حازم برقم: 12871، 12873. فمن هذه الطريق رواه أحمد في مسنده رقم: 1، 16، 29، 30، 53، متصلا مرفوعًا. وقال ابن كثير في تفسيره 3: 258: "وقد روى هذا الحديث أصحاب السنن الأربعة، وابن حبان في صحيحه، وغيرهم، من طرق كثيرة، عن جماعة كثيرة، عن إسمعيل بن أبي خالد، به متصلا مرفوعًا. ومنهم من رواه عنه به موقوفًا على الصديق. وقد رجح رفعه الدارقطني وغيره" . و "إسمعيل بن أبي خالد الأحمسي" ، ثقة. مضى برقم: 5694، 5777. و "قيس بن أبي حازم الأحمسي" ، ثقة، روى له الستة، روى عن جماعة من الصحابة، وهو متقن الرواية. مترجم في التهذيب. وهذا إسناد صحيح. 12872- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير وابن فضيل، عن بيان، عن قيس قال، قال أبو بكر: إنكم تقرءون هذه الآية: "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم" ، وإن القوم إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه، يعمُّهم الله بعقابه. (1) 12873- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن إسماعيل، عن قيس، عن أبي بكر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر نحوه. 12874 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله: "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم" ، يقول: مُروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، قال أبو بكر بن أبي قحافة: يا أيها الناس لا تغترُّوا بقول الله: "عليكم أنفسكم" ، فيقول أحدكم: عليَّ نفسي، والله لتأمرن بالمعروف وتنهوُنَّ عن المنكر، أو ليَستعملن عليكم شراركم، فليسومنّكم سوء العذاب، ثم ليدعون الله خياركم، فلا يستجيب لهم. (1) الأثر: 12872 - "ابن فضيل" هو: "محمد بن فضيل بن غزوان الضبي" ، مضى مرارًا كثيرة. و "بيان" هو: "بيان بن بشر الأحمسي" ، ثقة، مضى برقم 6501. وقد مضى تخريج الخبر في الذي قبله، وسيأتي من هذه الطريق أيضًا برقم: 12875. وهو إسناد صحيح. 12875- حدثنا أبو هشام الرفاعي قال، حدثنا ابن فضيل قال، حدثنا بيان، عن قيس بن أبي حازم قال، قال أبو بكر وهو على المنبر: يا أيها الناس، إنكم تقرءون هذه الآية على غير موضعها: "لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم" ، وإن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه، عَمَّهم الله بعقابه. 12876 - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثني عيسى بن المسيب البجلي قال، حدثنا قيس بن أبي حازم قال: سمعت أبا بكر الصديق رضي الله عنه يقرأ هذه الآية: "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم" ، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا رأى الناسُ المنكر فلم يغيِّروه، والظالم فلم يأخذوا على يديه، فيوشك أن يعمهم الله منه بعقاب. (1) 12877- حدثنا الربيع قال، حدثنا أسد بن موسى قال، حدثنا سعيد بن سالم قال، حدثنا منصور بن دينار، عن عبد الملك بن ميسرة، عن قيس بن أبي حازم قال: صَعد أبو بكر المنبرَ منبرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أيها الناس، إنكم لتتلون آية من كتاب الله وتعدُّونها رُخصة، والله ما أنزل الله في كتابه أشدَّ منها: "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم" ، والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، (1) الأثر: 12876 - "الحارث" هو: "الحارث بن محمد بن أبي أسامة" ، مضى مرارًا، آخرها رقم: 10553، وترجمته في رقم: 10295. و "عبد العزيز" ، هو: "عبد العزيز بن أبان الأموي" ، مضت ترجمته برقم: 10295، قال ابن معين: "كذاب خبيث، يضع الأحاديث" . و "عيسى بن المسيب البجلي" ، قاضي الكوفة. وكان شابًا ولاه خالد بن عبد الله القسري. ضعيف متكلم فيه، حتى قال ابن حبان: "كان قاضي خراسان، يقلب الأخبار، ولا يفهم، ويخطئ، حتى خرج عن حد الاحتجاج به" . مترجم في ابن أبي حاتم 3/1/288، وميزان الاعتدال 2: 317، وتعجيل المنفعة: 328، ولسان الميزان 4: 405. فهذا إسناد هالك، مع روايته من طرق صحاح عن قيس، عن أبي بكر. أو ليعمنكم الله منه بعقاب. (1) 12878- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا إسحاق بن إدريس قال، حدثنا سعيد بن زيد قال، حدثنا مجالد بن سعيد، عن قيس بن أبي حازم قال: سمعت أبا بكر يقول وهو يخطب الناس: يا أيها الناس، إنكم تقرءون هذه الآية ولا تدرون ما هي؟ : "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم" ، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الناس إذا رأوا منكرًا فلم يغيِّروه، عمّهم الله بعقاب. (2) * * * وقال آخرون: بل معنى هذه الآية: لا يضركم من حاد عن قصد السبيل وكفر بالله من أهل الكتاب. (1) الأثر: 12877 - "أسد بن موسى المرداني" ، "أسد السنة" ، مضى برقم: 23، 2530. و "سعيد بن سالم القداح" ، متكلم فيه، وثقه ابن معين، غير أن ابن حبان قال: "يهم في الأخبار حتى يجيء بها مقلوبة، حتى خرج عن حد الاحتجاج به" . مترجم في التهذيب. و "منصور بن دينار التميمي الضبي" ، ضعفوه. مترجم في الكبير 4/ 1/ 347، وابن أبي حاتم 4/1/171، وميزان الاعتدال 3: 201، وتعجيل المنفعة: 412، ولسان الميزان 6: 95. و "عبد الملك بن ميسرة الهلالي الزراد" ، ثقة، من صغار التابعين مضى برقم: 503، 504 فهذا خبر ضعيف الإسناد، مع روايته من طرق صحاح عن قيس، عن أبي بكر. (2) الأثر: 12878 - "محمد بن بشار" ، هو "بندار" ، مضى مئات من المرات. وكان في المطبوعة هنا "محمد بن سيار" ، أساء قراءة المخطوطة. "وإسحق بن إدريس الأسواري البصري" ، منكر الحديث، تركه الناس، قال ابن معين: "كذاب، يضع الحديث" . وقال ابن حبان: "كان يسرق الحديث" . مترجم في الكبير 1/1/382، وابن أبي حاتم 1/1/213، وميزان الاعتدال 1: 86، ولسان الميزان 1: 352. و "سعيد بن زيد بن درهم الجهضمي" ، ثقة، متكلم فيه، حتى ضعفوا حديثه. مضى برقم: 11801. و "مجالد بن سعيد بن عمير الهمداني" ، قال أحمد: "يرفع حديثًا لا يرفعه الناس" ، وهو ثقة، متكلم فيه. ومضى برقم: 1614، 2987، 2988، 11156. وهذا أيضًا إسناد ضعيف. * ذكر من قال ذلك: 12879 - حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير في قوله: "لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم" ، قال: يعني من ضلّ من أهل الكتاب. 12880- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير في هذه الآية: "لا يضركم من ضل إذا اهتديتم" ، قال: أنزلت في أهل الكتاب. * * * وقال آخرون: عنى بذلك كل من ضل عن دين الله الحق. * ذكر من قال ذلك: 12881 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضَل إذا اهتديتم" ، قال: كان الرجل إذا أسلم قالوا له: سفَّهت آباءك وضللتهم، وفعلت وفعلت، وجعلت آباءك كذا وكذا! كان ينبغي لك أن تنصرهم، وتفعل! فقال الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم" . * * * قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال وأصحّ التأويلات عندنا بتأويل هذه الآية، ما روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه فيها، وهو: "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم" ، الزموا العملَ بطاعة الله وبما أمركم به، وانتهوا عما نهاكم الله عنه = "لا يضركم من ضل إذا اهتديتم" ، يقول: فإنه لا يضركم ضلال من ضل إذا أنتم لزمتم العمل بطاعة الله، (1) وأدَّيتم فيمن ضل من الناس ما ألزمكم (1) في المطبوعة: "إذا أنتم رمتم العمل بطاعة الله" ، وهو لا معنى له، أساء قراءة ما في المخطوطة، لسوء كتابتها. الله به فيه، من فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يركبه أو يحاول ركوبه، والأخذ على يديه إذا رام ظلمًا لمسلم أو معاهد ومنعه منه فأبى النزوع عن ذلك، ولا ضير عليكم في تماديه في غيِّه وضلاله، إذا أنتم اهتديتم وأديتم حق الله تعالى ذكره فيه. وإنما قلنا ذلك أولى التأويلات في ذلك بالصواب، لأن الله تعالى ذكره أمر المؤمنين أن يقوموا بالقسط، ويتعاونوا على البر والتقوى. ومن القيام بالقسط، الأخذ على يد الظالم. ومن التعاون على البر والتقوى، الأمر بالمعروف. وهذا مع ما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمره بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولو كان للناس تركُ ذلك، لم يكن للأمر به معنًى، إلا في الحال التي رخَّص فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم تركَ ذلك، وهي حال العجز عن القيام به بالجوارح الظاهرة، فيكون مرخصًا له تركه، إذا قام حينئذ بأداء فرض الله عليه في ذلك بقلبه. وإذا كان ما وصفنا من التأويل بالآية أولى، فبيِّنٌ أنه قد دخل في معنى قوله: "إذا اهتديتم" ، ما قاله حذيفة وسعيد بن المسيب من أن ذلك: "إذا أمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر" ، ومعنى ما رواه أبو ثعلبة الخشني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. * * * القول في تأويل قوله: {إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمؤمنين من عباده: اعملوا، أيها المؤمنون، بما أمرتكم به، وانتهوا عما نهيتكم عنه، ومروا أهل الزَّيغ والضلال وما حاد عن سبيلي بالمعروف، وانهوهم عن المنكر. فإن قبلوا، فلهم ولكم، وإن تمادَوْا في غيهم وضلالهم، فإن إليّ مرجع جميعكم ومصيركم في الآخرة ومصيرهم، (1) وأنا العالم بما يعمل جميعكم من خير وشر، فأخبر هناك كلَّ فريق منكم بما كان يعمله في الدنيا، (2) ثم أجازيه على عمله الذي قَدِم به عليّ جزاءه حسب استحقاقه، فإنه لا يخفى عليَّ عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى. * * * القول في تأويل قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمؤمنين به: "يا أيها الذين آمنوا شهادةُ بينكم" ، يقول: ليشهد بينكم = "إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية" ، يقول: وقت الوصية= "اثنان ذوا عدل منكم" ، يقول: ذوا رشد وعقل وحِجًى من المسلمين، (3) كما:- 12882 - حدثنا محمد بن بشار وعبيد الله بن يوسف الجبيري قالا حدثنا مؤمل بن إسماعيل قال، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب في قوله: وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ [سورة الطلاق: 2] ، قال: ذَوَي عقل. (4) واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: "ذوا عدل منكم" . فقال بعضهم: عنى به: من أهل ملتكم. (1) انظر تفسير "المرجع" فيما سلف 6: 464/10: 391، تعليق: 2. (2) انظر تفسير "أنبأ" فيما سلف من فهارس اللغة (نبأ) . (3) انظر تفسير ألفاظ هذه الآية فيما سلف من فهارس اللغة. (4) الأثر: 12882 - "عبيد الله بن يوسف الجبيري" ، "أبو حفص البصري" ، شيخ الطبري، ثقة. روي له ابن ماجه. مترجم في التهذيب. وفي المخطوطة: "عبد الله بن يوسف" ، وهو خطأ. ومضى في رقم: 109، ولم يترجم هناك. وهذا الخبر في تفسير الآية الثانية من "سورة الطلاق" ، ولم يذكره أبو جعفر هناك في تفسير الآية. فهذا من ضروب اختصاره تفسيره. * ذكر من قال ذلك: 12883 - حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا يزيد بن زريع، عن سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب قال: شاهدان "ذوا عدل منكم" ، من المسلمين. 12884 - حدثنا عمران بن موسى القزاز قال، حدثنا عبد الوارث بن سعيد قال، حدثنا إسحاق بن سويد، عن يحيى بن يعمر في قوله: "اثنان ذوا عدل منكم" ، من المسلمين. 12885- حدثنا ابن بشار وابن المثنى قالا حدثنا ابن أبي عدي، عن سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب في قوله: "اثنان ذوا عدل منكم" ، قال: اثنان من أهل دينكم. 12886 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس، عن أشعث، عن ابن سيرين، عن عبيدة قال: سألته، عن قول الله تعالى ذكره: "اثنان ذوا عدل منكم" ، قال: من الملة. 12887- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس، عن هشام، عن ابن سيرين، عن عبيدة، بمثله = إلا أنه قال فيه: من أهل الملة. 12888- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن هشام، عن ابن سيرين قال: سألت عبيدة عن هذه الآية: "اثنان ذوا عدل منكم" ، قال: من أهل الملة. 12889- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن ابن عون، عن ابن سيرين، عن عبيدة، مثله. https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الحادى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة الحلقة (585) صــ 156 إلى صــ 165 12890- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حسين، عن زائدة، عن هشام، عن ابن سيرين قال: سألت عبيدة، فذكر مثله. 12891 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن مهدي، عن حماد، عن ابن أبي نجيح = وقال، حدثنا مالك بن إسماعيل، عن حماد بن زيد، عن ابن أبي نجيح = عن مجاهد، مثله. 12892 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: "ذوا عدل منكم" ، قال: ذوا عدل من أهل الإسلام. 12893 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "ذوا عدل منكم" ، قال: من المسلمين. 12894- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: كان سعيد بن المسيب يقول: "اثنان ذوا عدل منكم" ، أي: من أهل الإسلام. * * * وقال آخرون: عنى بذلك: ذوا عدل من حَيِّ الموصِي. وذلك قول روي عن عكرمة وعبيدة وعدّة غيرهما. * * * واختلفوا في صفة "الاثنين" اللذين ذكرهما الله في هذه الآية، ما هي، وما هما؟ فقال بعضهم: هما شاهدان يشهدان على وصية الموصي. * * * وقال آخرون: هما وصيان. * * * وتأويل الذين زعموا أنهما شاهدان. قولَه: "شهادة بينكم" ، ليشهد شاهدان ذوا عدل منكم على وصيتكم. * * * وتأويل الذين قالوا: "هما وصيان لا شاهدان" قولَه: "شهادة بينكم" ، بمعنى الحضور والشهود لما يوصيهما به المريضُ، من قولك: "شهدت وصية فلان" ، بمعنى حضرته. (1) * * * قال أبو جعفر: وأولى التأويلين بقوله: "اثنان ذوا عدل منكم" ، تأويلُ من تأوّله بمعنى أنهما من أهل الملة، دون من تأوّله أنهما من حيّ الموصي. وإنما قلنا ذلك أولى التأويلين بالآية، لأن الله تعالى ذكره، عم المؤمنين بخطابهم بذلك في قوله: "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم" فغير جائز أن يصرف ما عمَّه الله تعالى ذكره إلى الخصوص إلا بحجة يجب التسليم لها. وإذ كان ذلك كذلك، فالواجب أن يكون العائدُ من ذكره على العموم، (2) كما كان ذكرهم ابتداءً على العموم. * * * وأولى المعنيين بقوله: "شهادة بينكم" اليمين، لا "الشهادة" التي يقوم بها مَنْ عنده شهادة لغيره، لمن هي عنده، على مَن هي عليه عند الحكام. (3) لأنا لا نعلم لله تعالى ذكره حكمًا يجب فيه على الشاهد اليمين، فيكون جائزًا صرفُ "الشهادة" في هذا الموضع، إلى "الشهادة" التي يقوم بها بعض الناس عند الحكام والأئمة. (1) انظر تفسير "شهد" فيما سلف من فهارس اللغة، واختلاف معانيها. (2) في المطبوعة: "من ذكرهم" ، وما في المخطوطة صواب محض. (3) كان صدر هذه العبارة في المخطوطة: "شهادة بينكم، لأن الشهادة. . ." ، أسقط لفظ "اليمين" ، وجعل "لا الشهادة" ، "لأن الشهادة" ، وهو فاسد، والذي في المطبوعة هو الصواب المحض إن شاء الله، وهو مطابق لما رواه القرطبي في تفسيره 6: 348، عن أبي جعفر الطبري. وفي حكم الآية في هذه، اليمينَ على ذوي العدل = وعلى من قام مقامهم، باليمين بقوله (1) "تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله" = أوضحُ الدليل على صحة ما قلنا في ذلك، من أن "الشهادة" فيه: الأيمان، دون الشهادة التي يقضَى بها للمشهود له على المشهود عليه = وفسادِ ما خالفه. * * * فإن قال قائل: فهل وجدتَ في حكم الله تعالى ذكره يمينًا تجب على المدَّعي، فتوجه قولك في الشهادة في هذا الموضع إلى الصحة؟ فإن قلتَ: "لا" ، تبين فساد تأويلك ذلك على ما تأوّلت، لأنه يجب على هذا التأويل أن يكون المقسمان في قوله: "فإن عثر على أنهما استحقا إثما فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان فيقسمان بالله لشهادتنا أحقّ من شهادتهما" ، هما المدعيين. وإن قلت: "بلى" ، قيل لك: وفي أيّ حكم لله تعالى ذكره وجدتَ ذلك؟ قيل: وجدنا ذلك في أكثر المعاني. وذلك في حكم الرجل يدَّعي قِبَل رجل مالا فيقرّ به المدّعَى عليه قِبَله ذلك، ويدّعي قضاءه. فيكون القول قول ربّ الدين = (2) والرجل يعرّف في يد الرجل السلعةَ، فيزعم المعرّف في يده أنه اشتراها من المدّعِي، أو أنّ المدعي وهبها له، وما أشبه ذلك مما يكثر إحصاؤه. وعلى هذا الوجه أوجبَ الله تعالى ذكره في هذا الموضع اليمين على المدعيين اللذين عثرا على الخائنين فيما خانا فيه. (3) (1) في المطبوعة هنا "في اليمين بقوله" غير ما في المخطوطة، وأفسد الكلام. والسياق "وفي حكم الآية. . . باليمين. . . أوضح الدليل. . ." . (2) قوله: "والرجل يعترف" ، معطوف على قوله: "في حكم الرجل. . . ." . وكان في المطبوعة هنا "والرجل يعترف. . . فيزعم المعترفة" ، وهو خطأ، وصوابه ما أثبت كما في المخطوطة. (3) في المطبوعة: ". . . على الجانبين فيما جنيا فيه" ، وهو لا معنى له هنا. وفي المخطوطة: "على الجانبين فيما صاهما فيه" ، وصواب قراءتها ما أثبت. قال أبو جعفر: واختلف أهل العربية في الرافع قولَه: "شهادة بينكم" ، وقولَه: "اثنان ذوا عدل منكم" . فقال بعض نحويي البصرة: معنى قوله: "شهادة بينكم" ، شهادة اثنين ذوي عدل، ثم ألقيت "الشهادة" ، وأقيم "الاثنان" مقامها، فارتفعا بما كانت "الشهادة" به مرتفعة لو جعلت في الكلام. (1) قال: وذلك = في حذف ما حذف منه، وإقامة ما أقيم مقام المحذوف = نظيرُ قوله: وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ [سورة يوسف: 82] ، وإنما يريد: واسأل أهل القرية، وانتصبت "القرية" بانتصاب "الأهل" ، وقامت مقامه، ثم عطف قوله: "أو آخران" على "الاثنين" . * * * وقال بعض نحويي الكوفة: رفع "الاثنين" ب "الشهادة" ، أي: ليشهدكم اثنان من المسلمين، أو آخران من غيركم. * * * وقال آخر منهم: رفعت "الشهادة" ، ب "إذا حضر" . وقال: إنما رفعت بذلك، لأنه قال: "إذا حضر" فجعلها "شهادة" محذوفة مستأنفة، ليست بالشهادة التي قد رفعت لكل الخلق، لأنه قال تعالى ذكره: "أو آخران من غيركم" ، وهذه شهادة لا تقع إلا في هذا الحال، وليست مما يثبت. (2) * * * قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال في ذلك عندي بالصواب، قولُ من قال: "الشهادة" مرفوعة بقوله: "إذا حضر" ، لأن قوله: "إذا حضر" ، (1) في المطبوعة والمخطوطة: "بما كانت الشاهدة به مرتفعة" ، وهو خطأ لا شك فيه، صوابه ما أثبت. (2) في المطبوعة: "مما ثبت" ، وأثبت ما في المخطوطة. بمعنى: عند حضور أحدكم الموت، و "الاثنان" مرفوع بالمعنى المتوهَّم، وهو: أن يشهد اثنان = فاكتفي من قيل: "أن يشهد" ، بما قد جرى من ذكر "الشهادة" في قوله: "شهادة بينكم" . وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب، لأن "الشهادة" مصدر في هذا الموضع، و "الاثنان" اسم، والاسم لا يكون مصدرًا. غير أن العرب قد تضع الأسماء مواضع الأفعال. (1) فالأمر وإن كان كذلك، فصرْفُ كل ذلك إلى أصح وُجوهه ما وجدنا إليه سبيلا أولى بنا من صرفه إلى أضعفها. * * * القول في تأويل قوله: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمؤمنين: ليشهد بينكم إذا حضر أحدكم الموت، عدلان من المسلمين، أو آخران من غير المسلمين. * * * وقد اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: "أو آخران من غيركم" . فقال بعضهم: معناه: أو آخران من غير أهل ملتكم، نحو الذي قلنا فيه. * ذكر من قال ذلك: 12859 - حدثنا حميد بن مسعدة وبشر بن معاذ قالا (2) حدثنا يزيد بن زريع، عن سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب: "أو آخران من غيركم" ، من أهل الكتاب. (1) "الأفعال" : المصادر. وانظر فهارس المصطلحات فيما سلف. (2) في المطبوعة والمخطوطة: "يونس بن معاذ" ، وهو خطأ محض. و "بشر بن معاذ" عن يزيد بن زريع، عن سعيد، عن قتادة "إسناد دائر في أكثر صفحات هذا التفسير." 12896- حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى قالا حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة قال، سمعت قتادة يحدث، عن سعيد بن المسيب: "أو آخران من غيركم" ، من أهل الكتاب. 12897- حدثني أبو حفص الجبيري، عبيد الله بن يوسف قال، حدثنا مؤمل بن إسماعيل قال، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، مثله. (1) 12898 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا ابن أبي عدي، عن سعيد، عن قتادة، عن سعيد، مثله. 12899- حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم وسليمان التيمي، عن سعيد بن المسيب، أنهما قالا في قوله: "أو آخران من غيركم" ، قالا من غير أهل ملتكم. 12900- حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا مغيرة قال، حدثني من سمع سعيد بن جبير يقول، مثل ذلك. 12901 - حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا التيمي، عن أبي مجلز قال: من غير أهل ملتكم. 12902 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن مغيرة، عن إبراهيم، مثله. 12903 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم قال: إن كان قُرْبَه أحدٌ من المسلمين أشهدهم، وإلا أشهد رجلين من المشركين. 12904 - حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا أبو قتيبة قال، حدثنا هشيم، عن المغيرة، عن إبراهيم وسعيد بن جبير في قوله: "أو آخران من غيركم" ، قالا (1) الأثر: 12897 - "أبو حفص الجبيري" ، "عبيد الله بن يوسف" ، مضى قريبًا رقم: 12882. من غير أهل ملتكم. (1) 12905- حدثنا عمرو قال، حدثنا يحيى بن سعيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن سعيد: "أو آخران من غيركم" ، قال: من أهل الكتاب. 12906- حدثنا عمرو قال، حدثنا محمد بن سواء قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، مثله. (2) 12907- حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع = وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي = عن شعبة، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، مثله. 12908 - حدثنا عمران بن موسى قال، حدثنا عبد الوارث بن سعيد قال، حدثنا إسحاق بن سويد، عن يحيى بن يعمر في قوله: "اثنان ذوا عدل منكم" ، من المسلمين، فإن لم تجدوا من المسلمين، فمن غير المسلمين. 12909 - حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا داود، عن عامر، عن شريح في هذه الآية: "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموتُ حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم" ، قال: إذا كان الرجل بأرض غُرْبة ولم يجد مسلمًا يشهده على وصيته، فأشهد يهوديًّا أو نصرانيًّا أو مجوسيًّا، فشهادتهم جائزة. (3) فإن جاء رجلان مسلمان فشهدا بخلاف شهادتهما، أجيزت شهادة المسلمين، وأبطلت شهادة الآخرَيْن. (4) (1) الأثر: 12904 - "أبو قتيبة" هو "سلم بن قتيبة الشعيري الفريابي" . مضى برقم: 1899، 1924، 6395، 9714. وكان في المطبوعة: "قتيبة" ، غير كنية، والصواب من المخطوطة. (2) الأثر: 12906 - "عمرو" هو "عمرو بن علي الفلاس" ، مضى مرارًا. و "محمد بن سواء بن عنبر السدوسي العنبري" . صدوق، ثقة، متكلم فيه. مترجم في التهذيب. وكان في المطبوعة: "محمد بن سوار" وهو خطأ، وفي المخطوطة: "محمد بن سوا" ، وأساء الناشر قراءته. (3) في المطبوعة: "فشهادتها" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو الصواب، وسيأتي كذلك في رقم: 12974. (4) الأثر: 12909 - في المخطوطة والمطبوعة: "حدثني المثنى" . والصواب ما أثبته، وسيأتي هذا الخبر في موضعين بهذا الإسناد على الصواب، وذلك رقم: 12943، 12974، ولذلك رددته إلى الصواب. 12910 - حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا الأعمش، عن إبراهيم، عن شريح: أنه كان لا يجيز شهادة اليهود والنصارى على مسلم إلا في الوصية، ولا يجيز شهادتهما على الوصية إلا إذا كانوا في سفَر. 12911- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا أبو معاوية ووكيع قالا حدثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن شريح قال: لا تجوز شهادة اليهودي والنصرانيّ إلا في سفر، ولا تجوز في سفر إلا في وصية. (1) 12912 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن شريح، نحوه. 12913 - حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا محمد بن عبد الله بن الزبير الأسدي قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم قال: كتب هشام بن هُبَيرة لمسلمة عن شهادة المشركين على المسلمين، فكتب: "لا تجوز شهادة المشركين على المسلمين إلا في وصية، ولا يجوز في وصية إلا أن يكون الرجل مسافرًا" . 12914 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس، عن أشهب، عن ابن سيرين، عن عبيدة قال: سألته عن قول الله تعالى ذكره: "أو آخران من غيركم" ، قال: من غير الملة. 12915- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس، عن هشام، عن ابن سيرين، عن عبيدة، بمثله. 12916- حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن هشام، عن ابن سيرين قال: سألت عبيدة، عن ذلك فقال: من غير أهل الملة. 12917- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن هشام، عن ابن (1) في المطبوعة: "اليهود والنصارى" ، وأثبت ما في المخطوطة. سيرين، عن عبيدة قال: من غير أهل الصلاة. 12918- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن إدريس، عن هشام، عن ابن سيرين، عن عبيدة قال: من غير أهل دينكم. 12919- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حسين، عن زائدة، عن هشام، عن ابن سيرين، عن عبيدة قال: من غير أهل الملة. 12920- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا أبو داود قال، حدثنا أبو حرّة، عن محمد بن سيرين، عن عبيدة: "أو آخران من غيركم" ، قال: من غير أهل ملتكم. 12921- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا عبد الرحمن بن عثمان قال، حدثنا هشام بن محمد قال، سألت سعيد بن جبير عن [قول الله: "أو آخران من غيركم" ، قال: من غير أهل ملتكم] . (1) 12922 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا مالك بن إسماعيل، عن حماد بن زيد، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 12923- حدثنا عمرو قال، حدثنا أبو داود قال، حدثنا حماد بن زيد، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: من غير أهل ملتكم. 12924 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: "أو آخران من غيركم" ، من غير أهل الإسلام. 12925 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو بكر بن عياش قال، قال أبو إسحاق: "أو آخران من غيركم" ، قال: من اليهود والنصارى = قال (1) الأثر: 12921 - انتهى هذا الأثر في المخطوطة عند قوله: ". . . سعيد بن جبير عن" ووضع الناسخ في المخطوطة حرف (ط) بالأحمر في الهامش، دلالة على الخطأ والشك. أما المطبوعة، فزادت ما وضعته بين القوسين، وهو صواب في المعنى إن شاء الله. قال شريح: لا تجوز شهادة اليهوديّ والنصراني إلا في وصية، ولا تجوز في وصية إلا في سفر. 12926 - حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا زكريا، عن الشعبي: أن رجلا من المسلمين حضرته الوفاة بدَقوقَا هذه. (1) قال: فحضرته الوفاة ولم يجد أحدًا من المسلمين يشهده على وصيته، فأشهده رجلين من أهل الكتاب، فقدما الكوفة، فأتيا الأشعريّ فأخبراه، وقدِما بتركته ووصيته، فقال الأشعري: هذا أمر لم يكن بعدَ الذي كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم! فأحلفهما وأمضى شهادتهما. (2) 12927 - حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا أبو داود قال، حدثنا شعبة، عن مغيرة الأزرق، عن الشعبي: أن أبا موسى قضى بها بدَقوقَا. 12928 - حدثنا عمرو قال، حدثنا عثمان بن الهيثم قال، حدثنا عوف، عن محمد: أنه كان يقول في قوله: "اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم" ، شاهدان من المسلمين وغير المسلمين. 12929 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: "أو آحران من غيركم" ، من غير أهل الإسلام. 12930- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن بن سعد قال، أخبرنا أبو حفص، عن ليث، عن مجاهد قال: من غير أهل الإسلام. (1) "دقوقا" و "دقوقاء" ، مقصورًا وممدودًا؛ مدينة بين إربل وبغداد معروفة، لها ذكر في الأخبار والفتوح، كان بها وقعة للخوارج، وكثر ذكرها في بعض أشعار الخوارج. وكان في المطبوعة: ". . . بدقوقا، ولم يجد أحدًا من المسلمين" ، حذف ما أثبته من المخطوطة. وأساء. وظاهر من الخبر أن الشعبي قال هذا، وهو يومئذ بدقوقا. وهو أيضًا ثابت في سنن أبي داود. (2) الأثر: 12926 - رواه أبو داود في سننه 3: 417 رقم: 3605. 12931 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني عبد الله بن عياش قال: قال زيد بن أسلم في هذه الآية: "شهادة بينكم" الآية كلها، قال: كان ذلك في رجل تُوُفّيَ وليس عنده أحد من أهل الإسلام، وذلك في أوّل الإسلام، والأرض حرب، والناس كفار، إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالمدينة، وكان الناس يتوارثون بالوصية، ثم نُسِخت الوصية وفرضت الفرائض، وعمل المسلمون بها. (1) https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الحادى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة الحلقة (586) صــ 166 إلى صــ 175 وقال آخرون: بل معنى ذلك: أو آخران من غير حَيِّكم وعشيرتكم. * ذكر من قال ذلك: 12932 - حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا عثمان بن الهيثم بن الجهم قال، حدثنا عوف، عن الحسن في قوله: "اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم" ، قال: شاهدان من قومكم ومن غير قومكم. (2) 12933 - حدثنا عمرو قال، حدثنا أبو داود قال، حدثنا صالح بن أبي الأخضر، عن الزهري قال: مضت السُّنة أن لا تجوز شهادة كافر في حضر ولا سفر، إنما هي في المسلمين. (3) 12934- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: كان الحسن يقول: "اثنان ذوا عدل منكم" ، أي: من عشيرته = "أو آخران من غيركم" ، قال: من غير عشيرته. (1) الأثر: 12931 - "عبد الله بن عياش بن عباس القتباني" ، "أبو حفص" المصري. مضى برقم: 12177. وكان في المطبوعة: "عبد الله بن عباس" ، وهو خطأ، وهو على الصواب في المخطوطة. (2) الأثر: 12932 - "عثمان بن الهيثم بن الجهم بن عيسى العصري العبدي" ، وهو "الأشج العصري" ثقة. علق عنه البخاري. يروي عن عوف الأعرابي، مترجم في التهذيب. (3) الأثر: 12933 - "صالح بن أبي الأخضر اليمامي" ، خادم الزهري، مضى برقم: 9312. 12935 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن ثابت بن زيد، عن عاصم، عن عكرمة: "أو آخران من غيركم" ، قال: من غير أهل حيِّكم. 12936- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن مهدي، عن ثابت بن زيد، عن عاصم، عن عكرمة: "أو آخران من غيركم" ، قال: من غير حيكم. 12937- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا أبو داود قال، حدثنا ثابت بن زيد، عن عاصم الأحول، عن عكرمة في قول الله تعالى ذكره: "أو آخران من غيركم" ، قال: من غير أهل حيه = يعني: من المسلمين. 12938- حدثني الحارث بن محمد قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا مبارك، عن الحسن: "أو آخران من غيركم" ، قال: من غير عشيرتك، ومن غير قومك، كلهم من المسلمين. 12939- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن عبيدة قوله: "أو آخران من غيركم" ، قال: مسلمين من غير حيكم. 12940 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني الليث قال، حدثني عقيل قال: سألت ابن شهاب عن قول الله تعالى ذكره: "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت" ، إلى قوله: "والله لا يهدي القوم الفاسقين" ، قلت: أرأيت الاثنين اللذين ذكر الله، من غير أهل المرء الموصي، أهما من المسلمين، أم هما من أهل الكتاب؟ وأرأيت الآخرين اللذين يقومان مقامهما، أتراهما من [غير] أهل المرء الموصي، (1) أم هما من غير (1) الزيادة التي بين القوسين لا بد منها. وفي المخطوطة كما كانت في المطبوعة، إلا أن الناسخ وضع في الهامش علامة الشك، وهي هكذا (1) ، فأثبت الصواب إن شاء الله. المسلمين؟ قال ابن شهاب: لم نسمع في هذه الآية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن أئمة العامة، سنة أذكرها، وقد كنا نتذاكرها أناسًا من علمائنا أحيانًا، فلا يذكرون فيها سُنة معلومة، ولا قضاءً من إمام عادل، ولكنه يختلف فيها رأيهم. وكان أعجبهم فيها رأيًا إلينا، الذين كانوا يقولون: هي فيما بين أهل الميراث من المسلمين، يشهد بعضهم الميت الذي يرثونه، ويغيب عنه بعضهم، ويشهد من شهده على ما أوصى به لذوي القربى، فيخبرون من غاب عنه منهم بما حضرُوا من وصية. فإن سلّموا جازت وصيته، وإن ارتابوا أن يكونوا بدَّلوا قولَ الميت، وآثروا بالوصية من أرادوا ممن لم يوص لهم الميت بشيء، حَلَف اللذان يشهدان على ذلك بعد الصلاة، وهي صلاة المسلمين، فيقسمان بالله: "إن ارتبتم لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذًا لمن الآثمين" . فإذا أقسما على ذلك جازت شهادتهما وأيمانهما، ما لم يعثر على أنهما [استحقا إثمًا في شيء من ذلك، فإن عُثر على أنهما استحقا إثمًا في شيء من ذلك] ، (1) قام آخران مقامهما من أهل الميراث، من الخصم الذين ينكرون ما شهد به عليه الأوَّلان المستحلفان أول مرة، فيقسمان بالله لشهادتنا [أحق من شهادتكما] ، (2) على تكذيبكما أو إبطال ما شهدتما به = "وما اعتدينا إنا إذًا لمن الظالمين" = "ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم" ، الآية. * * * قال أبو جعفر: وأولى التأويلين في ذلك عندنا بالصواب، تأويل من تأوّله: أو آخران من غير أهل الإسلام. وذلك أن الله تعالى عرَّف عباده المؤمنين عند (1) هذه الجملة التي بين القوسين، ليست في المخطوطة، ووضع في المطبوعة مكانها: "فإن عثر" ، واقتصر على ذلك، واستظهرت الجملة من سياق أبي جعفر. (2) هذه الزيادة بين القوسين لا بد منها، استظهرتها من الآية والسياق. الوصية، شهادة اثنين من عدول المؤمنين، أو اثنين من غير المؤمنين. ولا وجه لأن يقال في الكلام صفة شهادة مؤمنين منكم، أو رجلين من غير عشيرتكم، وإنما يقال: صفة شهادة رجلين من عشيرتكم أو من غير عشيرتكم = أو رجلين من المؤمنين أو من غير المؤمنين. فإذ كان لا وجه لذلك في الكلام، فغير جائز صرف معنى كلام الله تعالى ذكره إلا إلى أحسن وجوهه. (1) وقد دللنا قبل على أن قوله تعالى: "ذوا عدل منكم" ، إنما هو من أهل دينكم وملتكم، بما فيه كفاية لمن وفق لفهمه. وإذ صح ذلك بما دللنا عليه، فمعلوم أن معنى قوله: "أو آخران من غيركم" ، إنما هو: أو آخران من غير أهل دينكم وملتكم. وإذ كان ذلك كذلك، فسواء كان الآخران اللذان من غير أهل ديننا، يهوديين كانا أو نصرانيين أو مجوسيين أو عابدَيْ وثَن، أو على أي دين كانا. لأنّ الله تعالى ذكره لم يخصص آخرين من أهل ملة بعينها دونَ ملة، بعد أن يكونا من [غير] أهل الإسلام. (2) * * * القول في تأويل قوله: {إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمؤمنين: صفة شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموتُ وقتَ الوصية، أن يشهد اثنان ذوا عدل منكم، أيها المؤمنون، أو رجلان آخران من غير أهل ملتكم، إن أنتم سافرتم ذاهبين وراجعين في الأرض. * * * (1) في المطبوعة: "صرف مغلق كلام الله" ، وفي المخطوطة: "معلق" ، وصواب قراءتها "معنى" (2) هذه الزيادة بين القوسين، لا بد منها، وإلا فسد الكلام. وقد بينا فيما مضى السبب الذي من أجله قيل للمسافر: "الضارب في الأرض" . (1) = "فأصابتكم مصيبة الموت" ، يقول: فنزل بكم الموت. (2) * * * ووجَّه أكثر التأويل هذا الموضع إلى معنى التعقيب دون التخيير، وقالوا: معناه: شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية، اثنان ذوا عدل منكم إن وجدا، فإن لم يوجدا فآخران من غيركم = وإنما فعل ذلك من فعله، لأنه وجَّه معنى "الشهادة" في قوله: "شهادة بينكم" ، إلى معنى الشهادة التي توجب للقوم قيامَ صاحبها عند الحاكم، أو يُبطلها. * ذكر بعض من تأول ذلك كذلك: 12941 - حدثنا عمران بن موسى القزاز قال، حدثنا عبد الوارث بن سعيد قال، حدثنا إسحاق بن سويد، عن يحيى بن يعمر في قوله: "ذوا عدل منكم" ، من المسلمين. فإن لم تجدوا من المسلمين، فمن غير المسلمين. 12942 - حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى قالا حدثنا ابن أبي عدي، عن سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب في قوله: "اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم" ، قال: اثنان من أهل دينكم = "أو آخران من غيركم" ، من أهل الكتاب، إذا كان ببلادٍ لا يجد غيرهم. 12943 - حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا داود، عن عامر، عن شريح في هذه الآية: "شهادة بينكم" إلى قوله: "أو آخران من غيركم" ، قال: إذا كان الرجل بأرض غربة ولم يجد مسلمًا يشهده على وصيته، فأشهد يهوديًّا أو نصرانيًّا، أو مجوسيًّا، فشهادتهم جائزة. (1) انظر تفسير "الضرب في الأرض" فيما سلف 5: 593/7: 332/9: 123. (2) انظر تفسير "الإصابة" فيما سلف 8: 514، 538، 555/10: 393، 404 12944 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم" ، قال: هذا في الحضر= "أو آخران من غيركم" ، في السفر = "إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت" ، هذا، الرجل يدركه الموت في سفره وليس بحضرته أحد من المسلمين، (1) فيدعو رجلين من اليهود والنصارى والمجوس، فيوصي إليهما. 12945 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم وسعيد بن جبير أنهما قالا في هذه الآية: "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم" الآية، قال: إذا حضر الرجلَ الوفاةُ في سفر، فيشهد رجلين من المسلمين. فإن لم يجد رجلين من المسلمين، فرجلين من أهل الكتاب. 12946 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم" إلى قوله: "ذوا عدل منكم" ، فهذا لمن مات وعنده المسلمون، فأمره الله أن يشهد على وصيته عَدْلين من المسلمين. ثم قال: "أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت" ، فهذا لمن مات وليس عنده أحد من المسلمين، فأمره الله تعالى ذكره بشهادة رجلين من غير المسلمين. * * * ووجَّه ذلك آخرون إلى معنى التخيير، وقالوا: إنما عنى بالشهادة في هذا الموضع، الأيمان على الوصية التي أوصى إليهما، وائتمانَ الميت إياهما على ما ائتمنهما عليه من مال ليؤدِّياه إلى ورثته بعد وفاته، إن ارتيب بهما. قالوا: وقد (1) في المطبوعة: "هذا الرجل" ، زاد "في" ، وأثبت ما في المخطوطة. وسيأتي على الصواب في رقم: 12954. يتَّمِن الرجلُ على ماله من رآه موضعًا للأمانة من مؤمن وكافر في السفر والحضر. (1) وقد ذكرنا الرواية عن بعض من قال هذا القول فيما مضى، وسنذكر بقيته إن شاء الله تعالى بعد. * * * القول في تأويل قوله: {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله: شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت، إن شهد اثنان ذوا عدل منكم، أو كان أوصى إليهما = أو آخران من غيركم إن كنتم في سفر فحضرتكم المنيّة، فأوصيتم إليهما، ودفعتم إليهما ما كان معكم من مال وتركة لورثتكم. فإذا أنتم أوصيتم إليهما ودفعتم إليهما ما كان معكم من مال، فأصابتكم مصيبة الموت، فأدَّيا إلى ورثتكم ما اتَّمنتموهما وادَّعوا عليهما خيانة خاناها مما اتُّمنا عليه، (2) فإن الحكم فيهما حينئذ أن تحبسوهما = يقول: تستوقفونهما بعد الصلاة. وفي الكلام محذوف اجتزئ بدلالة ما ظهر منه على ما حذف، وهو: "فأصابتكم مصيبة الموت، وقد أسندتم وصيتكم إليهما، ودفعتم إليهما ما كان معكم من مال" ، فإنكم تحبسونهما من بعد الصلاة = "فيقسمان بالله إن ارتبتم" ، يقول: فيحلفان بالله إن اتهمتموهما بخيانة فيما اُّتمنا عليه من تغيير وصية أوصى إليهما بها أو تبديلها = و "الارتياب" ، هو الاتهام (3) = "لا نشتري به ثمنًا" ، (1) في المطبوعة: "وقد يأمن الرجل على ماله" ، وفي المخطوطة: "سمى الرجل" غير منقوطة، وصواب قراءتها ما أثبت. "أمن الرجل على كذا، وائتمنه، واتمنه" (الأخيرة، مشددة التاء) . وانظر ما سلف 5: 298، تعليق: 4. (2) في المطبوعة في المواضع كلها "ائتمن" مكان "اتمن" ، وانظر التعليق السالف. (3) انظر تفسير "الارتياب" فيما سلف 6: 78، وتفسير "الريب" فيما سلف 8: 592، تعليق: 5، والمراجع هناك. يقول: يحلفان بالله لا نشتري بأيماننا بالله ثمنًا، يقول: لا نحلف كاذبين على عوض نأخذه عليه، وعلى مال نذهب به، (1) أو لحقّ نجحده لهؤلاء القوم الذين أوصى إلينا وَليُّهم وميِّتهم. (2) * * * و "الهاء" في قوله: "به" ، من ذكر "الله" ، والمعنيُّ به الحلف والقسم، ولكنه لما كان قد جرى قبل ذلك ذكر القسم به، فعُرِف معنى الكلام، اكتفي به من إعادة ذكر القسم والحلف. (3) = "ولو كان ذا قربى" ، يقول: يقسمان بالله لا نطلب بإقسامنا بالله عوضًا فنكذب فيها لأحد، ولو كان الذي نقسم به له ذا قرابة منا. (4) * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك روي الخبر عن ابن عباس. * ذكر من قال ذلك: 12947- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت" ، فهذا لمن مات وليس عنده أحد من المسلمين، فأمره الله بشهادة رجلين من غير المسلمين. فإن ارتيب في شهادتهما، استحلفا بعد الصلاة بالله: لم نشتر بشهادتنا ثمنًا قليلا. * * * وقوله: "تحبسونهما من بعد الصلاة" ، من صلاة الآخرين. ومعنى الكلام: (1) انظر تفسير "الاشتراء" و "الثمن" فيما سلف من فهارس اللغة (شرى) و (ثمن) . (2) في المطبوعة: "أوصى إلينا وإليهم وصيهم" ، غير ما في المخطوطة مع وضوحه!! (3) في المطبوعة: "فيعرف من معنى الكلام، واكتفى به. . ." ، وفي المخطوطة: "فيعرف معنى الكلام" ، والصواب ما أثبت، بجعل "فيعرف" "فعرف" ، وحذف "من" ، وحذف الواو من "واكتفى" . (4) انظر تفسير "ذو القربى" فيما سلف 2: 292/3: 344/8: 334. أو آخران من غيركم تحبسونهما من بعد الصلاة، إن ارتبتم بهما، فيقسمان بالله لا نشتري به ثمنًا ولو كان ذا قربى. * * * واختلفوا في "الصلاة" التي ذكرها الله تعالى في هذه الآية، فقال: "تحبسونهما من بعد الصلاة" . فقال بعضهم: هي صلاة العصر. * ذكر من قال ذلك: 12948 - حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا زكريا عن الشعبي: أن رجلا من المسلمين حضرته الوفاة بدقوقا، فلم يجد أحدًا من المسلمين يشهده على وصيته، فأشهد رجلين من أهل الكتاب. قال: فقدما الكوفة، فأتيا الأشعري فأخبراه، وقدما بتركته ووصيته، فقال الأشعري: هذا أمر لم يكن بعد الذي كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم! قال: فأحلفهما بعد العصر: بالله ما خانا ولا كذبا ولا بَدّلا ولا كتما، ولا غيَّرا، وإنها لوصية الرجل وتركته. قال: فأمضى شهادتهما. (1) 12949 - حدثنا ابن بشار وعمرو بن علي قالا حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير: "أو آخران من غيركم" ، قال: إذا كان الرجل بأرض الشرك، فأوصى إلى رجلين من أهل الكتاب، فإنهما يحلفان بعد العصر. 12950 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن مغيرة، عن إبراهيم، بمثله. 12951 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة (1) الأثر: 12948 - انظر الأثر السالف رقم: 12926، والتعليق عليه. والأثر التالي رقم: 12953. قوله: "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم" إلى "فأصابتكم مصيبة الموت" ، فهذا رجل مات بغُرْبة من الأرض، وترك تركته، وأوصى بوصيته، وشهد على وصيته رجلان. فإن ارتيب في شهادتهما، استحلفا بعد العصر. وكان يقال: عندها تصير الأيمان. 12952 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني هشيم قال، أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم وسعيد بن جبير: أنهما قالا في هذه الآية: "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم" ، قالا إذا حضر الرجل الوفاة في سفر، فليشهد رجلين من المسلمين. فإن لم يجد فرجلين من أهل الكتاب. فإذا قدما بتركته، فإن صدّقهما الورثة قُبِل قولهما، وإن اتهموهما أحلفا بعد صلاة العصر: بالله ما كذبنا ولا كتمنا ولا خُنَّا ولا غيَّرنا. 12953- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا يحيى بن القطان قال، حدثنا زكريا قال، حدثنا عامر: أن رجلا توفي بدَقُوقا، فلم يجد من يشهده على وصيته إلا رجلين نصرانيين من أهلها. فأحلفهما أبو موسى دُبُر صلاة العصر في مسجد الكوفة: بالله ما كتما ولا غيرا، وأن هذه الوصية. فأجازها. (1) * * * وقال آخرون: بل يستحلفان بعد صلاة أهل دينهما وملتهما. * ذكر من قال ذلك: 12954 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم" إلى قوله: "ذوا عدل منكم" ، قال: هذا في الوصية عند الموت، يوصي ويشهد رجلين من المسلمين على ما لَهُ وعليه، قال: هذا في الحضر= "أو آخران من غيركم" في السفر = "إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت" ، هذا، الرجل (1) الأثر: 12953 - انظر التعليق على رقم: 12948. https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الحادى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة الحلقة (587) صــ 176 إلى صــ 185 يدركه الموت في سفره وليس بحضرته أحد من المسلمين، فيدعو رجلين من اليهود والنصارى والمجوس، فيوصي إليهما، ويدفع إليهما ميراثه. فيقبلان به. فإن رضي أهل الميت الوصية وعرفوا مالَ صاحبهم، تركوا الرجلين. وإن ارتابوا، رفعوهما إلى السلطان. فذلك قوله: "تحبسونهما من بعد الصلاة إن ارتبتم" . قال عبد الله بن عباس: كأني أنظر إلى العِلْجين حين انتُهِى بهما إلى أبي موسى الأشعري في داره، (1) ففتح الصحيفة، فأنكر أهل الميت، وخوَّنوهما. فأراد أبو موسى أن يستحلفهما بعد العصر، فقلت له: "إنهما لا يباليان صلاة العصر، ولكن استحلفهما بعد صلاتهما في دينهما، فيوقف الرجلان بعد صلاتهما في دينهما، ويحلفان بالله: لا نشتري ثمنًا قليلا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنّا إذًا لمن الآثمين، أنّ صاحبهم لبهذا أوصى، وأنّ هذه لتركته. فيقول لهما الإمام قبل أن يحلفا: إنكما إن كنتما كتمتما أو خنتما فضحتكما في قومكما، ولم تجز لكما شهادة، وعاقبتكما! فإذا قال لهما ذلك، فإن ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها." * * * قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بالصواب عندنا، قولُ من قال: "تحبسونهما من بعد صلاة العصر" . لأن الله تعالى عرَّف "الصلاة" في هذا الموضع بإدخال "الألف واللام" فيها، ولا تدخلهما العرب إلا في معروف، إما في جنس، أو في واحد معهود معروف عند المتخاطبين. فإذا كان كذلك، وكانت "الصلاة" في هذا الموضع مجمعًا على أنه لم يُعْنَ بها جميع الصلوات، لم يجز أن يكون مرادًا بها صلاة المستحلَف من اليهود والنصارى، لأن لهم صلوات ليست واحدة، فيكون معلومًا أنها المعنيَّة بذلك. فإذْ كان ذلك كذلك، صح أنها صلاة بعينها من صلوات المسلمين. وإذ كان ذلك كذلك، وكان النبي صلى الله عليه وسلم (1) "العلج" (بكسر العين وسكون اللام) : الرجل من كفار العجم. صحيحًا عنه أنه إذْ لاعَنَ بين العَجْلانيين، لاعَن بينهما بعد العصر دون غيره من الصلوات (1) = كان معلومًا أنّ التي عنيت بقوله: "تحبسونهما من بعد الصلاة" ، هي الصلاة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخيَّرها لاستحلاف من أراد تغليظَ اليمين عليه. هذا مع ما عند أهل الكفر بالله من تعظيم ذلك الوقت، وذلك لقربه من غروب الشمس. * * * وكان ابن زيد يقول في قوله: "لا نشتري به ثمنًا" ، ما:- 12955 - حدثني به يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "لا نشتري به ثمنًا" ، قال: نأخذ به رشوة. * * * القول في تأويل قوله: {وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الآثِمِينَ (106) } قال أبو جعفر: اختلفت القرأة في قراءة ذلك. فقرأته عامة قرأة الأمصار: (ولا نكتم شهادة الله) ، بإضافة "الشهادة" إلى "الله" ، وخفض اسم الله تعالى = يعني: لا نكتم شهادة لله عندنا. * * * وذكر عن الشعبي أنه كان يقرؤه كالذي:- 12956 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن ابن عون، عن عامر: أنه كان يقرأ: (ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين) = بقطع "الألف" ، وخفض اسم الله = هكذا حدثنا به ابن وكيع. * * * وكأن الشعبي وجَّهَ معنى الكلام إلى: أنهما يقسمان بالله لا نشتري به ثمنًا، (1) انظر خبر العجلانيين في السنن الكبرى للبيهقي 7: 398، وما بعدها. ولا نكتم شهادةً عندنا. ثم ابتدأ يمينًا باستفهام: بالله أنهما إن اشتريا بأيمانهما ثمنًا أو كتما شهادته عندهما، لمن الآثمين. * * * وقد روي عن الشعبي في قراءة ذلك رواية تخالف هذه الرواية، وذلك ما:- 12957- حدثني أحمد بن يوسف التغلبي قال، حدثنا القاسم بن سلام قال، حدثنا عباد بن عباد، عن ابن عون، عن الشعبي: أنه قرأ: (ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين) = (1) قال أحمد: قال أبو عبيد: تنوّن "شهادة" ويخفض "الله" على الاتصال. قال: وقد رواها بعضهم بقطع "الألف" على الاستفهام. (2) * * * قال أبو جعفر: وحفظي أنا لقراءة الشعبي بترك الاستفهام. (3) * * * وقرأها بعضهم: (ولا نكتم شهادة الله) ، بتنوين "الشهادة" ، ونصب اسم "الله" بمعنى: ولا نكتم الله شهادةً عندنا. * * * قال أبو جعفر: وأولى القراءات في ذلك عندنا بالصواب، قراءة من قرأ: (ولا نكتم شهادة الله) ، بإضافة "الشهادة" إلى اسم "الله" ، وخفض اسم "الله" لأنها القراءة المستفيضة في قرأة الأمصار التي لا تتناكر صحَّتَها الأمة. * * * (1) في المطبوعة: "شهادة الله" ، هو خطأ، صوابه في المخطوطة. وقراءة الشعبي أو قراءاته التي رويت عنه - مذكورة في تفسير أبي حيان 4: 44، والمحتسب لابن جني، فراجعها هناك. (2) الأثر: 12957 - "أحمد بن يوسف التغلبي الأحول" ، مضى برقم: 5919، 5954، 7664، وكان في المطبوعة هنا "الثعلبي" ، وهو خطأ بيناه هناك. و "عباد بن عباد الرملي الأرسوفي" ، "أبو عتبة الخواص" . روى عن ابن عون. مترجم في التهذيب. (3) في المطبوعة: "وخفض إنا لقراءة الشعبي" ، وهو خلط لا معنى له، صوابه من المخطوطة. وكان ابن زيد يقول في معنى ذلك: ولا نكتم شهادة الله، وإن كان بعيدًا. (1) 12958 - حدثني بذلك يونس قال، أخبرنا ابن زيد، عنه. القول في تأويل قوله: {فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ} قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "فإن عُثِر" ، فإن اطُّلع منهما أو ظهر. (2) وأصل "العثر" ، الوقوع على الشيء والسقوط عليه، ومن ذلك قولهم: "عثرت إصبع فلان بكذا" ، إذا صدمته وأصابته ووقعت عليه، ومنه قول الأعشي ميمون بن قيس: بِذَاتِ لَوْثٍ عَفَرْنَاةٍ إذَا عَثَرَتْ ... فَالتَّعْسُ أَدْنَى لَهَا مِنْ أَنْ أَقُولَ لَعَا (3) (1) في المطبوعة: "وإن كان صاحبها بعيدًا" ، وأثبت ما في المخطوطة، وأنا في شك منه على كل حال، أخشى أن يكون سقط من الكلام شيء. ولم أجد مقالة ابن زيد فيما بين يدي من الكتب. (2) في المطبوعة: "فيهما" ، والصواب "منهما" . (3) ديوانه: 83، من قصيدته في هوذة بن علي الحنفي، وقد مضى خبرها 2: 94، تعليق: 1، ومضى منها أبيات في 1: 106/2: 540، وقيل البيت في ذكر أرض مخوفة الليل، وهي "البلدة" المذكورة في البيت التالي: وَبَلْدَةٍ يَرْهَبُ الجَوًّابُ دُلْجَتَهَا ... حَتَّى تَرَاهُ عَلَيْهَا يَبْتَغِي الشِّيَعَا لاَ يَسْمَعُ المَرْءُ فِيهَا مَا يُؤَنِّسُهُ ... بِاللَّيْلِ إلاَّ نَئِيمَ البُومِ والضُّوَعَا كَلَّفْتُ مَجْهُولَها نَفْسِي، وَشَايَعَنِي ... هَمِّي عَلَيْهَا، إذَا مَا آلُهَا لَمَعَا "الدلجة" : سير الليل. و "الشيع" الأصحاب. و "النئيم" : صوت البوم، أو الصوت الضعيف من صوته. و "الضوع" ، طائر من طيور الليل، إذا أحس بالصباح صدح، وقيل هو: "الكروان" . و "الآل" السراب، و "اللوث" : القوة، يصف ناقته أنها ذات لحم وشحم، قوية على السير. وقوله: "بذات لوث" ، متعلق بقوله: "كلفت" و "عفرناة" (بفتح العين والفاء) صفة للناقة بأنها قوية كأنها من نشاطها مجنونة. و "التعس" ؛ الانحطاط والعثور. وقوله: "ولعًا" ، كلمة تقال للعاثر، يدعى له بأن ينتعش من عثرته، ومعناها الارتفاع، "لعا لفلان" أي أقامه الله من عثرته، لما وصف الأعشي ناقته بالقوة والنشاط، أنكر أن يكون لها عثرة في سرعتها، فإذا عثرت، كان الدعاء عليها بأن يكبها الله لمنخريها، أولى به من أن يدعو بإقالة عثرتها. يعني بقوله: "عثرت" ، أصاب منسِمُ خُفِّها حجرًا أو غيرَه. (1) ثم يستعمل ذلك في كل واقع على شيء كان عنه خفيًّا، كقولهم: (عَثَرتْ على الغَزْل بأَخَرة* فلم تَدَعْ بنَجْدٍ قَرَدَةَ) ، بمعنى: وقعت. (2) * * * وأما قوله: "على أنهما استحقا إثمًا" ، فإنه يقول تعالى ذكره: فإن اطلع من الوصيين اللذين ذكر الله أمرهما في هذه الآية = بعد حلفهما بالله: لا نشتري بأيماننا ثمنًا ولو كان ذا قربى، ولا نكتم شهادة الله = "على أنهما استحقا إثمًا" ، يقول: على أنهما استوجبا بأيمانهما التي حلفا بها إثمًا، وذلك أن يطلع على أنهما كانا كاذبين في أيمانهما بالله ما خُنّا ولا بدَّلنا ولا غيَّرنا. فإن وجدا قد خانا من مال الميت شيئًا، أو غيرا وصيته، أو بدّلا فأثما بذلك من حلفهما بربهما (3) = "فآخران يقومان مقامهما" ، يقول، يقوم حينئذ مقامهما من ورثة الميت، الأوليان الموصَى إليهما. (1) في المطبوعة: "ميسم خفها حجر أو غيره" ، والصواب ما أثبت. و "المنسم" (بفتح فسكون فكسر) : طرف خف البعير، والنعامة والفيل. و "منسما البعير" ظفراه اللذان في يديه، وهما له كالظفر للإنسان. (2) هذا مثل. مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 181، الأمثال للميداني 1: 395، والأمثال لأبي هلال العسكري: 142. قوله "بأخرة" (بفتح الألف والخاء والراء) أي: أخيرًا. تقول: "ما عرفته إلا بأخرة" ، أي: أخيرًا. "ونجد" ، هي الأرض المعروفة. "قردة" . وجمعها "قرد" (كله بفتحات) ، هو: ما تمعط من الوبر والصوف وتلبد، وهو نفاية الصوف. وأصله أن المرأة تترك الغزل وهي تجد ما تغزل من قطن أو كتان، حتى إذا فاتها، تتبعت القرد (نفاية الصوف) في القمامات، ملتقطة لتغزله. ويضرب مثلا في التفريط مع الإمكان، ثم الطلب مع الفوت. قال أبو هلال: "وهذا مثل قول العامة: نعوذ بالله من الكسلان إذا نشط" . وروى هذا المثل صاحب لسان العرب في (قرد) ، ونصه "عكرت على الغزل. . ." ، وفسره "عكرت، أي: عطفت" . وهو بهذه الرواية لا شاهد فيه. (3) قوله "فأثما. . . بربهما" ، انظر ما قلت في "أثم بربه" فيما سلف 4: 530 تعليق: 3، / ثم 6: 92، تعليق: 2، وبيانه هناك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 12959 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير: "أو آخران من غيركم" ، قال: إذا كان الرجل بأرض الشرك، فأوصى إلى رجلين من أهل الكتاب، فإنهما يحلفان بعد العصر. فإذا اطُّلع عليهما بعد حلفهما أنهما خانا شيئًا، حلف أولياء الميت أنه كان كذا وكذا، ثم استحقوا. 12960 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن مغيرة، عن إبراهيم، بمثله. 12961 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: "أو آخران من غيركم" ، من غير المسلمين= "تحبسونهما من بعد الصلاة" ، فإن ارتيب في شهادتهما استحلفا بعد الصلاة بالله: ما اشترينا بشهادتنا ثمنًا قليلا. فإن اطلع الأولياء على أن الكافرين كذبا في شهادتهما، قام رجلان من الأولياء فحلفا بالله: "إن شهادة الكافرين باطلة، وإنا لم نعتد" . فذلك قوله: "فإن عثر على أنهما استحقا إثمًا" ، يقول: إن اطلع على أنّ الكافرَيْن كذبا = "فآخران يقومان مقامهما" ، يقول: من الأولياء، فحلفا بالله: "إن شهادة الكافرين باطلة، وإنا لم نعتد" ، فتردّ شهادة الكافرين، وتجوز شهادة الأولياء. 19262 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "فإن عثر على أنهما استحقا إثمًا" ، أي: اطلع منهما على خيانة أنهما كذبا أو كتما. * * * واختلف أهل التأويل في المعنى الذي له حَكَم اللهُ تعالى ذكره على الشاهدين بالأيمان فنقلها إلى الآخرين، (1) بعد أن عثر عليهما أنهما استحقا إثمًا. فقال بعضهم: إنما ألزمهما اليمين، إذا ارتيب في شهادتهما على الميت في وصيته أنه أوصى بغير الذي يجوز في حكم الإسلام. (2) وذلك أن يشهد أنه أوصى بماله كله، أو أوصى أن يفضل بعض ولده ببعض ماله. * ذكر من قال ذلك: 12963 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت" إلى قوله: "ذوا عدل منكم" ، من أهل الإسلام = "أو آخران من غيركم" ، من غير أهل الإسلام = "إن أنتم ضربتم في الأرض" إلى: "فيقسمان بالله" ، يقول: فيحلفان بالله بعد الصلاة، فإن حلفا على شيء يخالف ما أنزل الله تعالى ذكره من الفريضة، (3) يعني اللذين ليسا من أهل الإسلام= "فآخران يقومان مقامهما" ، من أولياء الميت، فيحلفان بالله: "ما كان صاحبنا ليوصي بهذا" ، أو: "إنهما لكاذبان، ولشهادتنا أحق من شهادتهما" . 12964 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السديّ قال: يوقف الرجلان بعد صلاتهما في دينهما، يحلفان بالله: لا نشتري به ثمنًا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذًا لمن الآثمين "، إن صاحبكم لبهذا أوصى، وإنّ هذه لتركته: فإذا شهدا، وأجاز الإمام شهادتهما على ما شهدا، قال لأولياء الرجل: اذهبوا فاضربوا في الأرض واسألوا عنهما، فإن أنتم وجدتم عليهما خيانة، أو أحدًا يطعُن عليهما، رددنا شهادتهما. فينطلق الأولياء فيسألون، فإن وجدوا أحدًا يطعُن عليهما، أو هما غير" (1) في المخطوطة: "فمن نقلها" ، والصواب ما في المطبوعة، أو شبيه بالصواب. (2) في المطبوعة والمخطوطة: "لغير الذي يجوز" ، وصواب قراءتها ما أثبت. (3) "الفريضة" ، يعني المواريث. مرضيين عندهم، أو اطُّلع على أنهما خانا شيئًا من المال وجدُوه عندهما، أقبل الأولياء فشهدوا عند الإمام، (1) وحلفوا بالله: "لشهادتنا إنهما لخائنان متهمان في دينهما مطعون عليها، أحق من شهادتهما بما شهدا، وما اعتدينا" . فذلك قوله: "فإن عُثر على أنهما استحقا إثمًا فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان" . * * * وقال آخرون: بل إنما ألزم الشاهدان اليمين، لأنهما ادَّعيا أنه أوصى لهما ببعض المال. وإنما ينقل إلى الآخرين من أجل ذلك، إذا ارتابوا بدعواهما. (2) * ذكر من قال ذلك: 12965 - حدثنا عمران بن موسى القزاز قال، حدثنا عبد الوارث بن سعد قال، حدثنا إسحاق بن سويد، عن يحيى بن يعمر في قوله: "تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله" ، قال: زعما أنه أوصى لهما بكذا وكذا = "فإن عثر على أنهما استحقا إثمًا" . أي بدعواهما لأنفسهما = "فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان" ، أنّ صاحبنا لم يوص إليكما بشيء مما تقولان. * * * قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا، أنّ الشاهدين ألزما اليمينَ في ذلك باتهام ورثة الميت إياهما فيما دفع إليهما الميت من ماله، ودعواهم قبلهما خيانةَ مالٍ معلوم المبلغ، ونقلت بعد إلى الورثة عند ظهور الريبة التي كانت من الورثة فيهما، وصحة التهمة عليهما بشهادة شاهد عليهما أو على أحدهما، فيحلف الوارث حينئذ مع شهادة الشاهد عليهما، أو على أحدهما، إنما صحح دعواه إذا حُقِّق حقه = أو: الإقرار يكون من الشهود ببعض ما ادَّعى عليهما الوارث أو بجميعه، ثم (1) في المطبوعة: "فأقبل الأولياء فشهدوا" ، وفي المخطوطة: "فأقبل الأولياء شهدوا" ، والسياق يقتضي ما أثبت. (2) في المخطوطة: "إذا ارتابا" . دعواهما في الذي أقرّا به من مال الميت ما لا يقبل فيه دعواهما إلا ببينة، ثم لا يكون لهما على دعواهما تلك بيِّنة، فينقل حينئذ اليمين إلى أولياء الميت. وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال في ذلك بالصحة، لأنا لا نعلم من أحكام الإسلام حكمًا يجب فيه اليمين على الشهود، ارتيب بشهادتهما أو لم يُرْتَبْ بها، فيكون الحكم في هذه الشهادة نظيرًا لذلك = ولا -إذا لم نجد ذلك كذلك- صحّ بخبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم، (1) ولا بإجماع من الأمة. لأن استحلاف الشهود في هذا الموضع من حكم الله تعالى ذكره، فيكون أصلا مسلمًا. والقول إذا خرج من أن يكون أصلا أو نظيرًا لأصل فيما تنازعت فيه الأمة، كان واضحًا فسادُه. وإذا فسد هذا القول بما ذكرنا، فالقول بأن الشاهدين استحلفا من أجل أنهما ادّعيا على الميت وصية لهما بمال من ماله، أفسد (2) = من أجل أن أهل العلم لا خلاف بينهم في أنّ من حكم الله تعالى ذكره أن مدّعيًا لو ادّعى في مال ميت وصية، أنّ القول قولُ ورثة المدعي في ماله الوصية مع أيمانهم، دون قول مدعي ذلك مع يمينه، وذلك إذا لم يكن للمدعي بينة. وقد جعل الله تعالى اليمين في هذه الآية على الشهود إذا ارتيب بهما، وإنما نُقِل الأيمانُ عنهم إلى أولياء الميت، إذا عثر على أن الشهود استحقوا إثمًا في أيمانهم. فمعلوم بذلك فساد قول من قال: "ألزم اليمينَ الشهودُ، لدعواهم لأنفسهم وصية أوصى بها لهم الميت من ماله" . على أن ما قلنا في ذلك عن أهل التأويل هو التأويل الذي وردت به الأخبارُ عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَضَى به حين نزلت هذه الآية، بين الذين نزلت فيهم وبسببهم. * ذكر من قال ذلك: (1) في المطبوعة: "فلم نجد ذلك كذلك صح. . ." ، وأثبت ما في المخطوطة، وسياقه "ولا. . . صح بخير عن الرسول" ، وقوله: "إذا لم نجد ذلك كذلك" اعتراض. (2) السياق: "فالقول بأن الشاهدين. . . أفسد" ، يعني: أفسد من القول السابق. 12966- حدثني ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن يحيى بن أبي زائدة، عن محمد بن أبي القاسم، عن عبد الملك بن سعيد بن جبير، عن أبيه، عن ابن عباس قال: خرج رجل من بني سهم مع تميم الداريّ وعديّ بن بدَّاء، فمات السَّهمي بأرض ليس فيها مسلم. فلما قدِما بتركته، فقدوا جامًا من فضة مخوَّصًا بالذهب، (1) فأحلفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم وُجِد الجام بمكة، فقالوا: اشتريناه من تميم الداريّ وعديّ بن بدّاء! فقام رجلان من أولياء السهمي فحلفا: "لشهادتنا أحق من شهادتهما" ، وأنّ الجام لصاحبهم. قال: وفيهم أنزلت: "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم" . (2) (1) "الجام" : إناء من فضة، وهو عربي صحيح. "مخوص بالذهب" : عليه صفائح من ذهب على هيئة خوص النخل، وهو ورقه. و "التخويص" : أن يجعل على الشيء صفائح من الذهب، على قدر عرض خوص النخل. (2) الأثر: 12966 - "محمد بن أبي القاسم" ، الطويل، الكوفي. روى عن أبيه، وعبد الله وعبد الملك، ابني سعيد بن جبير، وعن عكرمة. وروى عنه يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، وأبو أسامة، وحماد بن أسامة. وثقه ابن معين، وأبو حاتم. وقال البجيري وقال البخاري ":" لا أعرف محمد بن أبي القاسم كما أشتهي، وكان علي بن عبد الله يستحسن هذا الحديث (يعني حديث تميم الداري) قيل له: رواه غير محمد بن أبي القاسم؟ قال: لا. قال: وروى عنه أبو أسامة، إلا أنه غير مشهور ". وقال الحافظ ابن حجر، بعد ذكر محمد بن أبي القاسم:" وما له في البخاري، ولا لشيخه عبد الملك بن سعيد بن جبير، غير هذا الحديث الواحد. ورجال الإسناد الإسناد، ما بين علي بن عبد الله المديني (شيخ البخاري) ، وابن عباس، كوفيون "." و "عبد الملك بن سعيد بن جبير الأسدي" ، الكوفي، عزيز الحديث، ثقة. مضى برقم: 12776. و "تميم الداري" ، هو "تميم بن أوس بن خارجة اللخمي" ، منسوب إلى جده "الدار بن هانئ بن حبيب بن نمارة بن لخم" ، وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، سنة تسع وأسلم. وكان نصرانيا، وهو الذي قال لرسول الله: "ألا أعمل لك منبرًا كما رأيت يصنع بالشأم!" فصنع المنبر. وكان عابدًا. وأما "عدي بن بداء" (بتشديد الدال) ، فكان نصرانيا، ذكر أنه أسلم، ولكن صحح ابن حجر في ترجمته في الإصابة أنه مات نصرانيًّا. وهذا الحديث، رواه البخاري في صحيحه (الفتح 5: 307 309) ، وفي التاريخ الكبير 1/1/215، وأبو داود في سننه 3: 418، ورقم: 3606، والبيهقي في السنن الكبرى 10: 165، وأبو جعفر النحاس في الناسخ والمنسوخ: 133، وأحكام القرآن للجصاص 2: 490، والترمذي في سننه (في كتاب التفسير) ، وقال: "هذا حديث حسن غريب، وهو حديث ابن أبي زائدة" . وذكره ابن كثير في تفسيره 3: 266، نقلا عن الطبري، ولم يذكر روايته في صحيح البخاري. وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2: 342، فقصر في نسبته إلى البخاري في صحيحه، ونسبه إليه في التاريخ، ثم زاد نسبته إلى ابن المنذر، والطبراني، وأبي الشيخ، وابن مردويه. https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الحادى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة الحلقة (588) صــ 186 إلى صــ 195 12967 - حدثنا الحسن بن أحمد بن أبي شعيب الحراني قال، حدثنا محمد بن سلمة الحراني قال، حدثنا محمد بن إسحاق، عن أبي النضر، عن باذان مولى أم هانئ ابنة أبي طالب، عن ابن عباس، عن تميم الدرايّ في هذه الآية: "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت" ، قال: برئ الناس منها غيري وغير عديّ بن بدّاء = وكانا نصرانيّين يختلفان إلى الشأم قبل الإسلام. فأتيا الشأم لتجارتهما، وقدم عليهما مولى لبني سهم يقال له بريل بن أبي مريم بتجارة، ومعه جامُ فضّة يريد به الملك، وهو عُظم تجارته، (1) فمرض، فأوصى إليهما، وأمرهما أن يُبلغا ما ترك أهله. قال تميم: فلما مات أخذنا ذلك الجامَ فبعناه بألف درهم، فقسمناه أنا وعديّ بن بدّاء، [فلما قدمنا إلى أهله، دفعنا إليهم ما كان معنا، وفقدوا الجام، فسألوا عنه] ، (2) فقلنا: ما ترك غيرَ هذا، وما دفع إلينا غيره: قال تميم: فلما أسلمتُ بعد قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، تأثَّمت من ذلك، (3) فأتيت أهله فأخبرتهم الخبر، وأدّيت إليهم خمسمئة درهم، وأخبرتهم أن عند صاحبي مثلها! فوثبوا إليه، (4) فأتوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم. (1) في المخطوطة: "وهي عظم" ، وأثبت ما في المطبوعة، لمطابقته لما في المراجع الأخرى. وقوله: "عظم تجارته" ، أي: معظمها، يعني أن الجام كان أنفس ما معه وأغلاه ثمنًا. (2) هذه الجملة التي بين القوسين، ليست في المخطوطة ولا المطبوعة، وهي ثابتة في المراجع الأخرى، وأثبتها من نص الناسخ والمنسوخ. (3) "تأثم من الشيء" ، تحرج منه، ووجده إثمًا يريد البراءة منه. (4) قوله: "فوثبوا إليه" ، حذفها ناشر المطبوعة، وهي ثابتة في المخطوطة، وفي الناسخ والمنسوخ. فسألهم البينة، فلم يجدوا. فأمرهم أن يستحلفوه بما يُعَظَّم به على أهل دينه، فحلف، فأنزل الله تعالى ذكره: "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم" إلى قوله: "أن ترد أيمان بعد أيمانهم" ، فقام عمرو بن العاص ورجل آخر منهم فحلفا، (1) فنزعتُ الخمسمئة من عدي بن بدَّاء. (2) 12968 - حدثنا القاسم، حدثنا الحسين قال، حدثنا أبو سفيان، عن معمر، عن قتادة وابن سيرين وغيره = قال، وثنا الحجاجُ، عن ابن جريج، عن عكرمة = دخل حديث بعضهم في بعض: "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم" الآية، قال: كان عدي وتميم الداري، وهما من لَخْم، نصرانيَّان، يتَّجران إلى مكة في الجاهلية. فلما هاجرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم حوَّلا متجرهما إلى المدينة، فقدم ابن أبي مارية، مولى عمرو بن العاص المدينة، وهو يريد الشأم تاجرًا، فخرجوا جميعًا، حتى إذا كانوا ببعض الطريق، مرض ابن أبي مارية، فكتب وصيَّته بيده تم دسَّها في متاعه، ثم أوصى إليهما. فلما مات فتحا متاعه، فأخذا ما أرادا، ثم قدما على أهله فدفعا ما أرادا، ففتح أهله متاعه، فوجدوا كتابه وعهده وما خرج به، وفقدوا شيئًا، فسألوهما عنه، فقالوا: هذا الذي قبضنا له ودفع إلينا. قال لهما أهله: فباع شيئًا أو ابتاعه؟ قالا لا! قالوا: فهل استهلك من متاعه شيئًا؟ (3) قالا لا! قالوا: فهل تَجَر (1) في المخطوطة: "حلفا" ، بغير فاء، وأثبت ما في المطبوعة والمراجع. (2) الأثر: 12967 - "الحسن بن أحمد بن أبي شعيب الحراني" ، "أبو مسلم الحراني" ، ثقة مأمون، مضت ترجمته برقم: 10411، وكان في المطبوعة هنا: "الحسن بن أبي شعيب" أسقط "بن أحمد" ، مع ثبوتها في المخطوطة، وعذره أنه رأى الناسخ كتب "الحسن بن يحيى أحمد قال ابن أبي شعيب" ، وضرب على "يحيى" وعلى "قال" ، فضرب هو أيضا على "بن أحمد" فحذفها! ! وهو تساهل رديء. و "محمد بن سلمة الحراني الباهلي" ، ثقة، مضت ترجمته برقم: 175، وقد ورد في إسناد محمد ابن إسحق، مئات من المرات. و "أبو النضر" هو "محمد بن السائب الكلبي" ، ضعيف جدًا، رمي بالكذب. وقد روى الثوري عن الكلبي نفسه أنه قال: "ما حدثت عني، عن أبي صالح، عن ابن عباس، فهو كذب، فلا تروه" . مضت ترجمته برقم: 72، 246، 248. وأما "باذان، مولى أم هانئ" ، أو "باذام" فهو "أبو صالح" ، ثقة، مضى برقم: 112، 168 وغيرها. وهو مترجم في التهذيب، والكبير 1/2/144، وابن أبي حاتم 1/1/431. وكان في المطبوعة والمخطوطة، والناسخ والمنسوخ جميعًا "زاذان، مولى أم هانئ" ، وهذا شيء لم يقله أحد، ولذلك غيرته إلى الصواب الذي أجمعوا عليه، وكأنه خطأ من الناسخ. وأما "تميم الداري" ، و "عدي بن بداء" فقد سلفا في الأثر السابق. وأما "بريل بن أبي مريم" ، مولى بني سهم، أو مولى عمرو بن العاص السهمي، صاحب هذه التجارة، فقد ترجم له ابن حجر في الإصابة في "بديل" بالدال، وكذلك ابن الأثير في أسد الغابة. وكان بديل مسلمًا من المهاجرين. يقال في اسمه "بديل بن أبي مريم" ، و "بديل بن أبي مارية" ، ثم اختلف في "بديل" ، فروي بالدال، وروي "بريل" بالراء، وروي "بزيل" بالزاي، وروي "برير" ، وقال ابن الأثير: "والذي ذكره الأئمة في كتبهم: يزيل، بضم الباء وبالزاي، ونحن نذكره في موضعه إن شاء الله تعالى" . هكذا قال ووعد، ثم لم أجد له ذكرًا في كتابه بعد ذلك، فلا أدري أنسي ابن الأثير، أم في كتابه خرم أو نقص!! وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري 5: 308، ما لم يذكره في الإصابة، فقال: "بزيل" بموحدة، وزاي، مصغر. وكذا ضبطه ابن ماكولا، ووقع في رواية الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، عن تميم نفسه عنه الترمذي والطبري (يعني هذا الخبر) : بديل، بدال، بدل الزاي. ورأيته في نسخة من تفسير الطبري: بريل، براء بغير نقطة. ولابن مندة من طريق السدي، عن الكلبي: بديل بن أبي مارية ". ثم قال:" ووهم من قال فيه: بديل بن ورقاء، فإنه خزاعي، وهذا سهمي، وكذا وهم من ضبطه بذيل، بالذال المعجمة "." وكان في المطبوعة "بديل" ، ولكني أثبت ما في المخطوطة، وأخشى أن تكون مخطوطتنا هذه، هي "النسخة الصحيحة من تفسير الطبري" التي ذكرها الحافظ ابن حجر، أو هي منقولة عن النسخة التي ذكرها ووصفها وصححها. وهذا الخبر، رواه أبو جعفر النحاس في الناسخ والمنسوخ: 133، والترمذي في سننه في كتاب التفسير؛ بهذا الإسناد نفسه. وقال الترمذي: "هذا حديث غريب، وليس إسناده بصحيح. وأبو النضر، الذي روى عنه محمد بن إسحق هذا الحديث، هو عندي: محمد بن السائب الكلبي، يكنى أبا النضر، وقد تركه أهل العلم بالحديث، وهو صاحب التفسير. سمعت محمد بن إسمعيل. يقول: محمد بن سائب الكلبي، يكنى أبا النضر، ولا نعرف لسالم أبي النضر المديني رواية عن أبي صالح (باذان) مولى أم هانئ. وقد روي عن ابن عباس شيء من هذا على الاختصار، عن غير هذا الوجه" ، ثم ساق الترمذي الأثر السالف بإسناده. وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2: 341، وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم، وأبي الشيخ، وابن مردويه، وأبي نعيم في المعرفة. (3) قولهم: "فهل استهلك من متاعه شيئًا" ، أي: أضاعه وافتقده، وهذا حرف لم تقيده كتب اللغة، استظهرت معناه من السياق. وقد جاء في حديث عائشة (صحيح مسلم 2: 59، وتفسير الطبري رقم: 9640) أن عائشة: "استعارت من أسماء قلادة فهلكت" ، أي: ضاعت، كما فسرته فيما سلف 8: 404، رقم: 2. فقوله: "استهلك" هنا، من معنى هذا الحرف الذي لم تقيده كتب اللغة ببيان واضح، وهو "استفعل" ، بمعنى: وجده قد ضاع. وهو من صحيح القياس وجيده، وهذا شاهده إن شاء الله. تجارة؟ (1) قالا لا! قالوا: فإنا قد فقدنا بعضَه! فاتُّهما، فرفعوهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية: "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت" إلى قوله: "إنا إذا لمن الآثمين" . قال: فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستحلفوهما في دُبُر صلاة العصر: بالله الذي لا إله إلا هو، ما قبضنا له غيرَ هذا، ولا كتمنا ". قال: فمكثنا ما شاء الله أن يمكثَا، (2) ثم ظُهِرَ معهما على إناء من فضةٍ منقوش مموَّه بذهب، (3) فقال، أهله: هذا من متاعه؟ قالا نعم، ولكنا اشترينا منه، ونسينا أن نذكره حين حلفنا، فكرهنا أن نكذِّب أنفسنا! (4) فترافعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت الآية الأخرى:" فإن عثر على أنهما استحقا إثمًا فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان "، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين من أهل الميت أن يحلفا على ما كتما وغيَّبا ويستحقَّانه. ثم إنّ تميمًا الداري أسلم وبايع النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يقول: صدق الله ورسوله: أنا أخذت الإناء! (5) " 12969- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، في قوله: "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم" ، الآية كلها. قال: هذا شيء [كان] حين لم يكن الإسلام إلا بالمدينة، (6) وكانت الأرض كلها كفرًا، (7) فقال الله تعالى ذكره: "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم" ، من المسلمين = "أو آخران من غيركم" ، من غير أهل الإسلام = "إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت" ، قال: كان الرجل يخرج مسافرًا، والعرب أهلُ كفر، فعسى أن يموت في سفره، فيُسند وصيته إلى رجلين منهم = "فيقسمان بالله إن ارتبتم" ، في أمرهما. إذا قال الورثة: كان مع صاحبنا كذا وكذا، فيقسمان بالله: ما كان معه إلا هذا الذي قلنا = "فإن عثر على أنهما استحقا إثمًا" ، أنما حلفا على باطل وكذب = "فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان" بالميت = "فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا إنا إذًا لمن الظالمين" ، ذكرنا أنه كان مع صاحبنا كذا وكذا، قال هؤلاء: لم يكن معه! قال: ثم عثر على بعض المتاع عندهما، فلما عثر على ذلك رُدّت القسامة على وارثه، (8) فأقسما، ثم ضمن هذان. قال الله تعالى: "ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم" ، (9) فتبطل أيمانهم = "واتقوا الله واسمعوا والله لا يهدي القوم الفاسقين" ، الكاذبين، الذين يحلفون على الكذب. وقال ابن زيد: قدم تميمٌ الداريّ وصاحب له، وكانا يومئذ مشركين، ولم يكونا أسلما، فأخبرا أنهما أوصى إليهما رجلٌ، وجاءا بتركته. فقال أولياء الميت: (1) "تجر يتجر تجرًا وتجارة" (على وزن: نصر ينصر) : باع وشرى. وأرادوا به هنا معنى الشراء بالعوض، فيما أستظهر، فإنهم قد سألوه قبل عن البيع والابتياع. (2) في المطبوعة: "فمكثنا ما شاء الله أن نمكث" ، غير الناشر ما في المخطوطة، وأفسد. (3) "ظهر" (بالبناء للمجهول) ، أي: عثر معها على إناء. (4) في المخطوطة: "نفسا" غير منقوطة، ولو شئت قرأتها: "نفسينا" ، مكان "أنفسنا" ، وهما صواب. (5) الأثر: 12968 - "أبو سفيان" هو: المعمري، "محمد بن حميد اليشكري" ، مضى برقم: 1787، 8829. و "الحسين" الراوي عنه، هو "سنيد بن داود" ، مضى مرارًا. و "ابن أبي مارية" ، هو "بديل بن أبي مارية" ، وقد بينت ذلك في التعليق على الأثر السالف. وهذا الخبر خرجه السيوطي في الدر المنثور 2: 342، وزاد نسبته إلى ابن المنذر. (6) الزيادة بين القوسين، لا بد منها للسياق، وكان في المخطوطة: ". . . لم يكن السلام" ، والصواب ما في المطبوعة. (7) في المطبوعة: "كفر" بالرفع، وأخشى أن يكون الأصل: "وكانت الأرض كلها دار كفر" ، أو ما أشبه ذلك، وتركت ما في المطبوعة على حاله، وهو صواب أيضًا. (8) "القسامة" (بفتح القاف) ، أراد بها هنا: اليمين. (9) قوله تعالى: "بعد أيمانهم" لم تكن في المخطوطة ولا المطبوعة، والصواب إثباتها. كان مع صاحبنا كذا وكذا، وكان معه إبريق فضة! وقال الآخران: لم يكن معه إلا الذي جئنا به! فحلفا خَلْف الصلاة، ثم عثر عليهما بعدُ والإبريق معهما. فلما عثر عليهما، رُدَّت القسامة على أولياء الميت بالذي قالوا مع صاحبهم، ثم ضمنهما الذي حلف عليه الأوليان. 12970- حدثنا الربيع قال، حدثنا الشافعي قال، أخبرنا أبو سعيد معاذ بن موسى الجعفري، عن بكير بن معروف، عن مقاتل بن حيان = قال بكير، قال مقاتل: أخذت هذا التفسير عن مجاهد والحسن والضحاك = في قول الله: "اثنان ذوا عدل منكم" ، أن رجلين نصرانيين من أهل دارِين، أحدهما تميمي، والآخر يماني، صاحَبهما مولًى لقريش في تجارة، فركبوا البحر، ومع القرشي مال معلومٌ قد علمه أولياؤه، من بين آنية وبزّ ورِقَة. (1) فمرض القرشي، فجعل وصيته إلى الداريّين، فمات، وقبض الداريّان المال والوصية، فدفعاه إلى أولياء الميت، وجاءا ببعض ماله، وأنكر القوم قلّة المال، فقالوا للداريَّين: إن صاحبنا قد خرج معه بمال أكثر مما أتيتمونا به، فهل باع شيئًا أو اشترى شيئًا، فوُضِع فيه، (2) وهل طال مرضه فأنفق على نفسه؟ قالا لا! قالوا: فإنكما خنتمانا! فقبضوا المال، ورفعوا أمرهما إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم" إلى آخر الآية. فلما نزل: أن يُحْبسا من بعد الصلاة، أمر النبي صلى الله عليه وسلم، فقاما بعد الصلاة، فحلفا بالله رب السموات: "ما ترك مولاكم من المال إلا ما أتيناكم به، وإنا لا نشتري بأيماننا" (1) "البز" : الثياب، أو ضروب منها، وبائعها يقال له: "البزاز" . و "الرقة" (بكسر الراء وفتح القاف) : الفضة، وأصلها "الورق" (بفتح الواو وكسر الراء) ، ثم حذفت الواو، وجعلت الهاء في آخرها عوضًا عن الواو. (2) يقال: "وضع في تجارته يوضع ضعة، ووضيعة فهو موضوع فيها" ويقال: "أوضع" (كلاهما بالبناء للمجهول) ، ويقال: "وضع في تجارته وضعًا" (مثل: فرح فرحًا) : غبن فيها، وخسر من رأس المال. ثمنًا قليلا من الدنيا، ولو كان ذا قربى، ولا نكتم شهادة الله إنا إذًا لمن الآثمين ". فلما حلفا خلَّى سبيلهما. ثم إنهم وجدوا بعد ذلك إناءً من آنية الميت، فأُخذ الداريَّان، فقالا اشتريناه منه في حياته! وكذبا، فكلِّفا البينة، فلم يقدرا عليها. فرفعوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى ذكره:" فإن عثر "، يقول: فإن اطُّلع =" على أنهما استحقا إثمًا "، يعني الداريين، إن كتما حقًّا =" فآخران "، من أولياء الميت =" يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان "، فيقسمان بالله:" إنّ مال صاحبنا كان كذا وكذا، وإن الذي يُطلب قبل الداريين لحقّ، وما اعتدينا إنا إذًا لمن الظالمين "، هذا قول الشاهدين أولياء الميت =" ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها "، يعني: الداريَّين والناس، أن يعودوا لمثل ذلك. (1) " * * * قال أبو جعفر: ففيما ذكرنا من هذه الأخبار التي روينا، دليلٌ واضح على صحة ما قلنا، من أنّ حكم الله تعالى ذكره باليمين على الشاهدين في هذا الموضع، إنما هو من أجل دعوى وَرَثته على المسنَد إليهما الوصية، خيانةً فيما دفع الميت من ماله إليهما، أو غير ذلك مما لا يبرأ فيه المدعي ذلك قِبَله إلا بيمين = وأن نقل اليمين إلى ورثة الميت بما أوجبه الله تعالى ذكره، بعد أن عثر على الشاهدين [أنهما استحقا إثمًا] ، في أيمانهما، (2) ثم ظُهِر على كذبهما فيها، إن القوم ادَّعوا (1) الأثر: 12970 - "معاذ بن موسى الجعفري" ، "أبو سعيد" ، لم أجد له ترجمة إلا في تعجيل المنفعة: 406، لم يزد على أن قال: "معاذ بن موسى، عن بكير بن معروف." وعند الشافعي، رحمه الله تعالى ". وكان في المطبوعة:" سعيد بن معاذ بن موسى "وهو خطأ، مخالف للمخطوطة." و "بكير بن معروف الأسدي" ، "أبو معاذ النيسابوري، الدامغاني" صاحب التفسير، وهو صاحب مقاتل. قال ابن عدي: "ليس بكثير الرواية، وأرجو أنه لا بأس به، وليس حديثه بالمنكر جدًا" ، مترجم في التهذيب، والكبير 1/2/117، وابن أبي حاتم 1/1/406. وكان في المطبوعة: "بكر" ، وهو خطأ صرف. وهذا الخبر رواه البيهقي في السنن الكبرى 10: 164 من طريق إسمعيل بن قتيبة، عن أبي خالد يزيد بن صالح، عن بكير بن معروف، عن مقاتل بن حيان. ثم رواه (10: 165) من طريق أبي العباس الأصم، عن الربيع بن سليمان، عن الشافعي، ثم أحال لفظه على الذي قبله. (2) هذه الزيادة بين القوسين، لا بد منها، استظهرتها من نص الآية. فيما صَحَّ أنه كان للميت دعوًى من انتقال ملك عنه إليهما ببعض ما تزول به الأملاك، مما يكون اليمينُ فيها على ورثة الميت دون المدَّعَى، وتكون البينة فيها على المدعي= وفسادِ ما خالف في هذه الآية ما قلنا من التأويل. (1) وفيها أيضًا، (2) البيانُ الواضح على أن معنى "الشهادة" التي ذكرها الله تعالى في أول هذه القصة إنما هي اليمين، كما قال الله تعالى في مواضع أُخر: والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين، [سورة النور:6] . فالشهادة في هذا الموضع، معناها القَسم، من قول القائل: "أشهد بالله إني لمن الصادقين" ، (3) وكذلك معنى قوله: "شهادة بينكم" إنما هو: قسَم بينكم = "إذا حضر أحدكم الموتُ حين الوصية" ، أن يقسم اثنان ذوا عدل منكم، إن كانا اتُّمنا على مال فارتيب بهما، أو اتُّمِنَ آخران من غير المؤمنين فاتُّهما. (4) وذلك أن الله تعالى ذكره، لما ذكر نقل اليمين من اللذين ظُهر على خيانتهما إلى الآخرين، قال: "فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما" . ومعلومٌ أنّ أولياء الميت المدعين قِبل اللذين ظُهر على خيانتهما، غير جائز أن يكونا شهداء، بمعنى الشهادة التي يؤخذ بها في الحكم حق مدعًى عليه لمدّع. لأنه لا يعلم لله تعالى ذكره حكم قضى فيه لأحد بدعواه ويمينه على مدعًى عليه بغير بينة ولا إقرار من المدعَى عليه ولا برهان. فإذ كان معلومًا أن قوله: "لشهادتنا أحق من شهادتهما" ، إنما معناه: قسمُنا أحق من قَسَمهما = وكان قسم اللذين عُثر على أنهما أثِمَا، هو الشهادة التي ذكر (1) في المطبوعة: "مما قلنا من التأويل" ، وفي المخطوطة: "ما قبلنا من التأويل" ، وصواب القراءة ما أثبت. (2) قوله: "وفيها أيضًا" ، الضمير عائد على قوله في أول الفقرة السالفة: "ففيما ذكرنا من هذه الأخبار التي روينا" ، وهي عطف عليه. (3) في المطبوعة: "إنه لمن الصادقين" ، وأثبت ما في المخطوطة. (4) انظر ما كتبه في "اتمن" فيما سلف ص: 172، تعليق: 1، 2 الله ذكره تعالى في قوله: "أحق من شهادتهما" = صحَّ أن معنى قوله: "شهادة بينكم" ، بمعنى: "الشهادة" في قوله: "لشهادتنا أحق من شهادتهما" ، وأنها بمعنى القسم. * * * قال أبو جعفر: واختلفت القرأة في قراءة قوله: "من الذين استحق عليهم الأوليان" . فقرأ ذلك قرأة الحجاز والعراق والشأم: مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ، بضم "التاء" . * * * وروي عن علي، وأبيّ بن كعب، والحسن البصري أنهم قرءوا ذلك: مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ، بفتح "التاء" . * * * واختلفت أيضًا في قراءة قوله: "الأوليان" . فقرأته عامة قراء أهل المدينة والشأم والبصرة: (الأَوْلَيَان) . * * * وقرأ ذلك عامة قرأة أهل الكوفة: (الأَوَّلِينَ) . * * * وذكر عن الحسن البصري أنه كان يقرأ ذلك: (مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ الأَوَّلانِ) . * * * قال أبو جعفر: وأولى القراءتين بالصواب في قوله: "من الذين استحق عليهم" ، قراءة من قرأ بضم "التاء" ، لإجماع الحجة من القرأة عليه، مع مشايعة عامة أهل التأويل على صحة تأويله، (1) وذلك إجماع عامتهم على أن تأويله: فآخران من أهل الميت، الذين استحق المؤتمنان على مال الميت الإثم فيهم، (1) في المطبوعة: "مع مساعدة أهل التأويل" ، وفي المخطوطة: "مع مساعه" غير منقوطة، وآثرت قراءتها كما كتبتها. و "المشايعة" ، الموافقة والمتابعة. يقومان مقام المستحقَّيْ الإثم فيهما، بخيانتهما ما خانَا من مال الميت. وقد ذكرنا قائلي ذلك، أو أكثر قائليه، فيما مضى قبل، ونحن ذاكُرو باقيهم إن شاء الله ذلك: 12971 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره: "شهادة بينكم" ، أن يموت المؤمن فيحضر موته مسلمان أو كافران، لا يحضُره غير اثنين منهم. فإن رضي ورَثته ما عاجل عليه من تركته فذاك، وحلف الشاهدان إن اتُّهما: إنهما لصادقان = "فإن عثر" وُجد، (1) حلف الاثنان الأوليان من الورثة، فاستحقّا وأبطَلا أيمانَ الشَّاهدين. * * * وأحسب أن الذين قرءوا ذلك بفتح "التاء" ، أرادوا أن يوجهوا تأويلَه إلى: "فآخران يقومان مقامهما" ، مقام المؤتمنين اللذين عُثِر على خيانتهما في القَسم، و "الاستحقاق به عليهما" ، دعواهما قِبَلهما = من "الذين استحقَّ" على المؤتمنين على المالِ على خيانتهما القيامَ مقامهما في القَسَم والاستحقاق، الأوليان بالميت. (2) وكذلك كانت قراءة من رُوِيت هذه القراءة عنه، فقرأ ذلك: مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ بفتح "التاء" = و "الأوليان" ، (3) على معنى: الأوليان بالميت وماله. وذلك مذهبٌ صحيحٌ، وقراءةٌ غير مدفوعة صحَّتها، غير أنا نختار الأخرى، (1) في المطبوعة: "فإن عثر، وجد لطخ حلف الاثنان. . ." ، وقوله: "لطخ" هنا من عجائب الكلام، وفي المخطوطة بعد: "فإن عثر وجد" بياض إلى آخر السطر، مع علامات بعد الكلام بالحمرة. والظاهر أن النسخة التي نقل عنها ناشر المطبوعة، كان فيها في هذا الموضع حرف (ط) دلالة على الخطأ، فكتب مكانها ما كتب. ووضعت أنا مكان البياض في المخطوطة نقطًا، والظاهر أن سياق الكلام كان: "فإن عثر، وجد أنها استحقا إثمًا" حلف الاثنان. . . "، ولكني آثرت ترك البياض كما هو في المخطوطة، والمعنى ظاهر." (2) في المطبوعة: "في الأوليان" بزيادة "في" ، أثبت ما في المخطوطة، وهو الصواب. (3) في المطبوعة، حذف قوله: "والأوليان" ، وساق الكلام على سياق واحد. وأثبت ما في المخطوطة. https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الحادى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة الحلقة (589) صــ 196 إلى صــ 205 لإجماع الحجة من القرأة عليها، مع موافقتها التأويل الذي ذكرْنا عن الصحابة والتابعين. 12972- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبد الرحمن وكريب، عن علي: أنه كان يقرأ: (مِنَ الَّذِينَ اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمْ الأَوْلَيَانْ) . (1) 12973 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا مالك بن إسماعيل، عن حماد بن زيد، عن واصل مولى أبي عُيينة، عن يحيى بن عقيل، عن يحيى بن يعمر، عن أبيّ بن كعب: أنه كان يقرأ: (مِنَ الَّذِينَ اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمْ الأَوْلَيَان) . (2) * * * قال أبو جعفر: وأما أولى القراءات بالصَّواب في قوله: "الأوليان" عندي، (1) الأثر: 12972 - "أبو إسحق" ، هو السبيعي. و "أبو عبد الرحمن" هو "السلمي" القارئ، "عبد الله بن حبيب" مضى برقم: 82. و "كريب" هو "كريب بن أبي كريب" ، روى عن علي. وروى عنه أبو إسحق، مترجم في الكبير4/1/231، وابن أبي حاتم 3/2/168، ولم يذكرا فيه جرحا. وترجمه في لسان الميزان، وقال: "يروي المقاطيع، من ثقات ابن حبان" . (2) الأثر: 12973 - "مالك بن إسمعيل بن درهم النهدي" ، "أبو غسان" ، مضى برقم: 2989، 4433، 4926، 8292. وأخشى أن يكون راوي هذا الخبر هو "مؤمل بن إسمعيل العدوي" ، لا "مالك بن إسمعيل" ، ولكن هكذا ثبت في المخطوطة. و "حماد بن زيد بن درهم الأزدي" ، مضى برقم: 856، 1682، 5454. و "واصل مولى أبي عيينة بن المهلب بن أبي صفرة" ، ثقة، روى عن يحيى بن عقيل الخزاعي، والحسن البصري، ورجاء بن حيوة، وأبي الزبير المكي. روى عنه هشام بن حسان من أقرانه، ومهدي بن ميمون، وحماد بن زيد، وغيرهم. مترجم في التهذيب، والكبير 4/2/172، وابن أبي حاتم 4/2/30. وكان في المطبوعة والمخطوطة: "وائل بن أبي عبيدة" ، وهو خطأ لا شك فيه، بيانه في التاريخ الكبير للبخاري. و "يحيى بن عقيل الخزاعي البصري" ، روى عن يحيى بن يعمر، وابن أبي أوفى، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن معين: "ليس به بأس" ، مترجم في التهذيب، والكبير 4/2/292 وابن أبي حاتم 4/2/176. وأما "يحيى بن يعمر القيس الجدلي" ، فهو ثقة جليل، يروي عن الصحابة والتابعين. كان نحويًا صاحب علم بالعربية والقرآن، وهو أول من نقط المصاحف. مترجم في التهذيب، والكبير 4/2/311، وابن أبي حاتم 4/2/196. فقراءة من قرأ: (الأَوْلَيَانِ) لصحة معناها. (1) وذلك لأن معنى: "فآخران يقومان مقامهما من الذين استُحِقّ عليهم الأوليان" :فآخران يقومان مقامهما من الذي استُحقّ] فيهم الإثم، (2) ثم حذف "الإثم" ، وأقيم مقامه "الأوليان" ، لأنهما هما اللذان ظَلَما وأثِما فيهما، بما كان من خيانة اللذين استحقا الإثم، وعُثر عليهما بالخيانة منهما فيما كان اُّتمنهما عليه الميت، (3) كما قد بينا فيما مضى من فعل العرب مِثل ذلك، من حذفهم الفعل اجتراء بالاسم، (4) وحذفهم الاسم اجتزاء بالفعل. (5) ومن ذلك ما قد ذكرنا في تأويل هذه القصة، وهو قوله: "شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان" ، ومعناه: أن يشهد اثنان، وكما قال: "فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشتري به ثمنًا" ، فقال: "به" ، فعاد بالهاء على اسم الله، وإنما المعنى: لا نشتري بقسمنا بالله، فاجتزئ بالعود على اسم الله بالذكر، والمراد به: "لا نشتري بالقسم بالله" ، استغناء بفهم السامع بمعناه عن ذكر اسم القسم. وكذلك اجتزئ، بذكر "الأوليين" من ذكر "الإثم" الذي استحقه الخائنان لخيانتهما إيَّاهما، إذ كان قد جرى ذكر ذلك بما أغنى السامع عند سماعه إياه عن إعادته، وذلك قوله: "فإن عثر على أنَّهما استحقا إثمًا" . * * * وأما الذين قرءوا ذلك (الأَوَّلِينَ) ، فإنهم قصدوا في معناه إلى الترجمة به عن "الذين" ، فأخرجوا ذلك على وجه الجمع، إذْ كان "الذين" جميعًا، (6) وخفضًا، (1) في المطبوعة والمخطوطة: "بصحة معناها" بالباء، والصواب ما أثبته. (2) الذي وضعته بين الأقواس، هو حق السياق والمعنى، فإن السياق يقتضي أن يذكر الآية، ثم يذكر تأويلها، وهكذا فعلت، وهو الصواب إن شاء الله. (3) في المطبوعة: "ائتمنهما" ، وانظر ما كتبته سالفًا ص: 172، تعليق 1، 2، وص: 193 تعليق: 4. (4) "الفعل" ، هو المصدر، كما سلف مرارًا، وانظر فهارس المصطلحات. (5) انظر ما سلف ص: 160. (6) في المطبوعة: "جمعا" ، وأثبت ما في المخطوطة. إذ كان "الذين" مخفوضًا، وذلك وجه من التأويل، غير أنه إنما يقال للشيء "أوّل" ، إذا كان له آخر هو له أوّل. وليس للذين استحق عليهم الإثم، آخرهم له أوّل. بل كانت أيمان اللذين عثر على أنهما استحقَّا إثمًا قبل أيمانهم، فهم إلى أن يكونوا = إذ كانت أيمانهم آخرًا = أولى أن يكونوا "آخرين" ، من أن يكونوا "أوّلين" ، وأيمانهم آخرة لأولى قبلها. * * * وأما القراءة التي حكيت عن الحسن؛ فقراءةٌ عن قراءَة الحجة من القرأة شاذة، وكفى بشذوذها عن قراءتهم دليلا على بُعدها من الصواب. * * * واختلف أهل العربية في الرافع لقوله: "الأوليان" ، إذا قرئ كذلك. فكان بعض نحويي البصرة (1) يزعم أنه رفع ذلك، بدلا من: "آخران" في قوله: "فآخران يقومان مقامهما" . وقال: إنما جاز أن يبدل "الأوليان" ، وهو معرفة، من "آخران" وهو نكرة، لأنه حين قال: "يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم" ، كان كأنه قد حدَّهما حتى صارا كالمعرِفة في المعنى، فقال: "الأوليان" ، فأجرى المعرفة عليهما بدلا. قال: ومثل هذا = مما يجري على المعنى = كثير، واستشهد لصحة قوله ذلك بقول الراجز: (2) عَلَيَّ يَوْمَ يَمْلِكُ الأُمُورَا ... صَوْمُ شُهُورٍ وَجَبَتْ نُذُورَا وَبَادِنًا مُقَلَّدًا مَنْحُورَا (3) (1) في المخطوطة والمطبوعة: "فقال بعض نحويي. . ." ، والصواب ما أثبت. (2) لم أعرف قائله. (3) "البادن" : الضخم السمين المكتنز، ولم أجدهم قالوا: "البادن" وأرادوا به "البدنة" (بفتح الباء والدال) ، وهي الناقة التي كانوا يسمنونها ثم تهدى إلى البيت، ثم تنحر عنده. ولعل الراجز استعملها على الصفة، ومع ذلك فهي عندي غريبة تقيد. و "المقلد" ، الذي وضعت عليه القلائد، إشعارًا بأنه هدي يساق إلى الكعبة. ذكر الراجز ما نذره إذا ولى هذا الرجل أمور الناس. قال: فجعله: عليَّ واجب، لأنه في المعنى قد أوجب. (1) * * * وكان بعض نحويي الكوفة ينكر ذلك ويقول: لا يجوز أن يكون "الأوليان" بدلا من: "آخران" ، من أجل أنه قد نَسَق "فيقسمان" على "يقومان" في قوله (2) "فآخران يقومان" ، فلم يتمّ الخبر بعد "مِنْ" . (3) قال: ولا يجوز الإبدال قبل إتمام الخبر. (4) وقال: غير جائز: "مررت برجل قام زيدٍ وقَعَد" ، و "زيد" بدل من "رجل" . * * * قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: "الأوليان" مرفوعان بما لم يسمَّ فاعله، وهو قوله: (اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمْ) وأنهما وُضِعا موضع الخبر عنهما، (5) فعمل فيهما ما كان عاملا في الخبر عنهما. وذلك أن معنى الكلام: "فآخران يقومان مَقامهما من الذين استُحِقَّ عليهم الإثم بالخيانة" ، فوضع "الأوليان" موضع "الإثم" كما قال تعالى ذكره في موضع آخر: أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [سورة التوبة: 19] ، ومعناه: أجعلتم سقاية الحاجِّ وعمارةَ المسجد الحرام كإيمان من آمن بالله واليوم الآخر (1) تركت هذه الجملة كما هي في المخطوطة والمطبوعة. وإن كنت أرجح أنه استشهد بالرجز على أنه نصب "صوم شهور" ، وعطف عليه "وبادنًا مقلدًا منحورًا" ، على معنى: قد أوجبت على نفسي صوم شهور، وبادنًا مقلدًا منحورًا. فإن صح ذلك فيكون صواب هذه العبارة: "فجعله: على واجب = لأنه في المعنى: قد أوجبت" . (2) "نسق" ، أي: عطف. (3) في المطبوعة: "فلم يتم الخبر عند من قال. . ." ، غير ما في المخطوطة، وهذا خطأ محض. الصواب ما في المخطوطة، يريد: بعد "من الذين استحق عليهم الأوليان" . (4) في المطبوعة والمخطوطة: "قال" بغير واو، والصواب إثباتها كما يدل عليه السياق. ثم كتب في المطبوعة بعد ذلك "كما قال: غير جائز. . ." ، بزيادة "كما" ، وهي في المخطوطة، مكتوبة متصلة بالراء، فآثرت قراءتها "وقال" ، لأنه حق السياق. (5) في المطبوعة: "وأنهما موضع الخبر" أسقط "وضعا" ، وهي ثابتة في المخطوطة. = وكما قال: وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ، [سورة البقرة: 93] ، وكما قال بعض الهذليين. (1) يُمَشِّي بَيْنَنَا حَانُوتُ خَمْرٍ ... مِنَ الخُرْسِ الصَّرَاصِرَةِ الْقِطَاطِ (2) وهو يعني: صاحب حانوت خمر، فأقام "الحانوت" مقامه، لأنه معلوم أن "الحانوت" ، لا يمشي! ولكن لما كان معلومًا عنده أنَّه لا يخفى على سامعه ما قصد إليه من معناه، حذف "الصاحب" ، واجتزأ بذكر "الحانوت" منه. فكذلك قوله: "من الذين استُحِقّ عليهم الأوليان" ، إنما هو من الذين استُحِقّ فيهم خيانتهما، فحذفت "الخيانة" وأقيم "المختانان" ، مقامها. فعمل فيهما ما كان يعمل في المحذوف ولو ظهر. * * * وأما قوله: "عليهم" في هذا الموضع، فإن معناها: فيهم، كما قال تعالى: وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ، [سورة البقرة: 102] ، يعني: في (1) هو المنخل الهذلي (2) ديوان الهذليين 2: 21، والمعاني الكبير: 472. واللسان (حنت) (قطط) (خرص) ، من قصيدة له طويلة، يذكر مواضي أيامه، ثم يقول بعد البيت في صفة الخمر: رَكُودٍ في الإنَاءِ لَهَا حُمَيَّا ... تَلَذُّ بأَخْذِها الأَيْدِي السَّوَاطِي مُشَعْشَعَةٍ كَعَيْنِ الدَّيكِ، لَيْسَتَْتْ، ... إذَا ذِيقَتْ، مِنَ الخَلِّ الخِمَاطِ وقوله: "الخرس" ، جمع "أخرس" ، وهو الذي ذهب كلامه عيًا أو خلقة. ويعني به: خدمًا من العجم لا يفصحون، فلذلك سماهم "خرسًا" . وروى بعضهم "من الخرص" ، وهو خطأ، فيه نبّه عليه الأزهري رحمه الله. و "الصراصرة" نبط الشأم. وعندي أنهم سموا بذلك، لشيء كان في أصواتهم وهم يتكلمون، في أصواتهم صياح وارتفاع وامتداد، كأنه صرصة البازي. و "القطاط" جمع "قطط" (بفتحتين) و "قط" (بفتح وتشديد) : وهو الرجل الشديد جعودة الرأس. وقوله: "ركود في الإناء" ، يعني أنها صافية ساكنة. و "حميا الخمر" ، سورتها وأخذها بالبدن. و "الأيدي السواطي" ، التي تسطو إليها، أي: تتناولها معجلة شديدة الرغبة فيها. و "مشعشعة" : قد أرقها مزجها بالماء. و "الخماط" من الخمر: التي أصابتها ريح، فلم تستحكم ولم تبلغ الحموضة. ملك سليمان، وكما قال: وَلأصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ [سورة طه: 71] . ف "في" توضع موضع "على" ، و "على" في موضع "في" ، كل واحدة منهما تعاقب صاحبتها في الكلام، (1) ومنه قول الشاعر: (2) مَتَى مَا تُنِْكرُوها تَعْرِفُوهَا ... عَلَى أَقْطَارِهَا عَلَقٌ نَفِيثُ (3) وقد تأوّلت جماعة من أهل التأويل قول الله تعالى ذكره: "فإن عثر على أنهما استحقا إثمًا فآخران يقومان مقامهما من الذين استحقّ عليهم الأوليان" ، أنهما رجلان آخرَان من المسلمين، أو رجلان أعدل من المقسمين الأوَّلَين * ذكر من قال ذلك: 12974 - حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا داود بن أبي هند، عن عامر، عن شريح في هذه الآية: "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم" ، قال: إذا كان الرجل بأرض غُرْبة ولم يجد مسلمًا يشهده على (1) انظر ما سلف 1: 299/2: 411، 412، وغيرها من المواضع في باب تعاقب الحروف. (2) هو أبو المثلم الهذلي. (3) ديوان الهذليين 2: 224، مشكل القرآن: 295، 430، والمعاني الكبير: 969، 970، والاقتضاب: 451، والجواليقي: 373، واللسان (نفث) وغيرها. من أبيات في ملاحاة بينه وبين صخر الغي، من جراد دم كان أبو المثلم يطلب عقله، أي ديته، وقبل البيت: لَحَقٌ بَنِي شُغَارَةَ أن يَقُولوا ... لِصَخْرِ الغَيِّ: مَاذَا تَسْتَبِيثُ? أي: ماذا تستثير؟ وإنما أراد الحرب، فقال له بعد: "متى ما تنكروها. . ." ، أي: إذا جاءت الحرب أنكرتموها، ولكن ما تكادون تنكرونها، حتى تروا الدم يقطر من نواحيها، يعني كتائب المحاربين. و "العلق" : الدم، و "الأقطار" : النواحي. و "النفيث" ، الدم الذي تنفثه القروح والجروح. وقد خلط البطليوسي في شرح هذا الشعر، فزعم أن الضمير في قوله: "متى ما تنكروها" ، عائد "إلى المقالة" ، يعني هذا الهجاء بينهما، وأتى في ذلك بكلام لا خير فيه، أراد به الإغراب كعادته. وصيته، فأشهد يهوديًّا، أو نصرانيًّا، أو مجوسيًّا، فشهادتهم جائزة. فإن جاء رجلان مسلمان فشهدَا بخلاف شهادتهم، أجيزت شهادة المسلمين، وأبطلت شهادة الآخرين. (1) 12975 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "فإن عثر" ، أي: اطلع منهما على خيانة، على أنهما كذبا أو كَتما، فشهد رجلان هما أعدل منهما بخلافِ ما قالا أجيزت شهادة الآخرين، وأبطلت شهادة الأوَّلين. 12976 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن عبد الملك، عن عطاء قال: كان ابن عباس يقرأ: (مِنَ الَّذِينَ اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمُ الأوَّلَيْنِ) قال، كيف يكون "الأوليان" ، أرأيت لو كان الأوليان صغيرين؟ 12977- حدثنا هناد وابن وكيع قالا حدثنا عبدة، عن عبد الملك، عن عطاء، عن ابن عباس قال: كان يقرأ: (مِنَ الَّذِينَ اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمُ الأوَّلَيْنِ) قال، وقال: أرأيت لو كان الأوليان صغيرين، كيف يقومان مقامهما؟ قال أبو جعفر: فذهب ابن عباس، فيما أرى، إلى نحو القول الذي حكيتُ عن شريح وقتادة، من أنّ ذلك رجلان آخران من المسلمين، يقومان مقام النَّصرانيين، أو عَدْلان من المسلمين هما أعدل وأجوزُ شهادة من الشاهدين الأولين أو المقسمين. وفي إجماع جميع أهل العلم على أنْ لا حكم لله تعالى ذكره يجب فيه على شاهدٍ يمينٌ فيما قام به من الشهادة، دليلٌ واضح على أنّ غير هذا التأويل = الذي قاله الحسن ومن قال بقوله في قول الله تعالى ذكره: "فآخران يقومان مقامهما" = أولى به. (1) الأثر: 12974 - مضى هذا الخبر برقم: 12909، 12943، وانظر التعليق على رقم: 12909. وأما قوله "الأوليان" ، فإن معناه عندنا: الأوْلى بالميت من المقسمين الأولين فالأولى. (1) وقد يحتمل أن يكون معناه: الأولى باليمين منهما فالأولى = ثم حذف "منهما" ، (2) والعرب تفعل ذلك فتقول: "فلان أفضل" ، وهي تريد: "أفضل منك" ، وذلك إذا وضع "أفعل" موضع الخبر. وإن وقع موقع الاسم وأدخلت فيه "الألف واللام" ، فعلوا ذلك أيضًا، إذا كان جوابًا لكلام قد مضى، فقالوا: "هذا الأفضل، وهذا الأشرف" ، يريدون: هو الأشرف منك. * * * وقال ابن زيد: معنى ذلك: الأوليان بالميت. 12978 - حدثني يونس، عن ابن وهب، عنه. * * * القول في تأويل قوله: {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (107) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فيقسم الآخران اللذان يقومان مقام اللَّذين عثر على أنهما استحقا إثمًا بخيانتهما مالَ الميت، الأوْليان باليمين والميِّت من الخائنين: = "لشهادتنا أحقُّ من شهادتهما" ، يقول: لأيماننا أحقُّ من أيمان المقسمَين المستحقَّين الإثم، وأيمانِهما الكاذبة = في أنَّهما قد خانا في كذا وكذا من مال ميّتنا، وكذا في أيمانِهما التي حلفا بها= "وما اعتدينا" ، يقول: وما تجاوزنا الحقَّ في أيماننا. * * * وقد بينا أن معنى "الاعتداء" ، المجاوزة في الشيء حدَّه. (3) * * * (1) السياق: "الأولى بالميت. . . فالأولى" . (2) في المطبوعة: "ثم حذف فيهما" ، وهو خطأ صرف، وهي في المخطوطة غير منقوطة. (3) انظر تفسير "الاعتداء" فيما سلف من فهارس اللغة (عدا) . "إنا إذًا لمن الظالمين" يقول: "إنّا إن كنا اعتدينا في أيماننا، فحلفنا مبطلين فيها كاذبين =" لمن الظالمين "، يقول: لَمِنْ عِدَادِ مَنْ يأخذ ما ليس له أخذه، (1) ويقتطع بأيمانه الفاجرة أموال الناس. (2) " * * * القول في تأويل قوله: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ} قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "ذلك" ، هذا الذي قلت لكم في أمر الأوصياء = إذا ارتبتم في أمرهم، واتهمتموهم بخيانة لمالِ من أوصى إليهم، من حبسهم بعد الصلاة، واستحلافكم إيَّاهم على ما ادَّعى قِبَلهم أولياء الميت = "أدنى" لهم "أن يأتوا بالشهادة على وجهها" ، يقول: هذا الفعل، إذا فعلتم بهم، أقربُ لهم أن يصدُقوا في أيمانهم، (3) ولا يكتموا، ويقرُّوا بالحق ولا يخونوا (4) = "أو يخافوا أن تردّ أيمان بعد أيمانهم" ، يقول: أو يخاف هؤلاء الأوصياء إن عثر عليهم أنهم استحقُّوا إثمًا في أيمانهم بالله، أن تردَّ أيمانهم على أولياء الميت، بعد أيمانهم التي عُثِر عليها أنها كذب، فيستحقُّوا بها ما ادّعوا قِبَلهم من حقوقهم، فيصدقوا حينئذٍ في أيمانهم وشهادتهم، مخافةَ الفضيحة على أنفسهم، وحذرًا أن يستحقّ عليهم ما خانُوا فيه أولياء الميِّت وورثته. * * * (1) في المطبوعة: "لمن عدا ومن يأخذ" ، غير ما في المخطوطة، وأساء أقبح الإساءة. (2) انظر تفسير "الظلم" فيما سلف من فهارس اللغة. (3) انظر تفسير "أدنى" فيما سلف 6: 78/7: 548. (4) انظر تفسير "على وجهه" فيما سلف 2: 511. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. وقد تقدّمت الروايةُ بذلك عن بعضهم، نحن ذاكرو الرواية في ذلك عن بعضِ من بَقي منهم. 12979 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: "فإن عُثر على أنهما استحقّا إثمًا" ، يقول: إن اطُّلع على أنّ الكافرين كذبَا = "فآخران يقومان مقامهما" ، يقول: من الأولياء، فحلفا بالله أنّ شهادة الكافرين باطلة، وأنا لم نعتد، فتردّ شهادة الكافرين، وتجوز شهادة الأولياء. يقول تعالى ذكره: ذلك أدنى أن يأتي الكافرون بالشهادة على وجهها، أو يخافوا أن تردّ أيمان بعد أيمانهم. وليس على شُهود المسلمين أقسْام، وإنما الأقسام إذا كانوا كافرين. 12980 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة" الآية، يقول: ذلك أحرَى أن يصدقوا في شهادتهم، وأن يخافوا العَقِب. (1) 12981 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "أو يخافوا أن تردَّ أيمان بعد أيمانهم" ، قال: فتبطل أيمانهم، وتؤخذ أيمانُ هؤلاء. * * * وقال آخرون: [معنى ذلك تحبسونهما من بعد الصلاة. ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها، على أنهما استحقا إثمًا، فآخران يقومان مقامهما] . (2) * ذكر من قال ذلك: (1) في المطبوعة: "وأن يخافوا العقاب" ، والصواب ما في المخطوطة و "العقب" (بفتح فكسر) : العاقبة، وذلك عاقبة أمرهما في وبطلان أيمانهم، وعاقبة رد الفضيحة على أنفسهم. (2) هذه الجملة كلها مضطربة المعنى، ولا تطابق الأثر التالي، وظني أن في الكلام سقطًا، أسقط الناسخ سطرًا أو نحوه، وتركتها على حالها في المخطوطة والمطبوعة، ولكني وضعتها بين قوسين، شكًّا مني في صحتها. https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الحادى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة الحلقة (590) صــ 206 إلى صــ 215 12982 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: يوقف الرجلان بعد صلاتهما في دينهما، فيحلفان بالله: "لا نشتري به ثمنًا قليلا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذًا لمن الآثمين، أنّ صاحبكم لبهذا أوصى، وأنّ هذه لتركته" . فيقول لهما الإمام قبل أن يحلفا: "إنكما إن كنتما كتمتما أو خنتما، فضحتكما في قومكما، ولم أجز لكما شهادة، وعاقبتكما" . فإن قال لهما ذلك، فإنّ ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها. * * * القول في تأويل قوله: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (108) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وخافوا الله، أيها الناس، وراقبوه في أيمانكم أن تحلفوا بها كاذبةً، وأن تُذْهبوا بها مال من يَحْرم عليكم ماله، وأن تخونوا من اتَّمنكم (1) = "واسمعوا" ، يقول: اسمعوا ما يقال لكم وما توعظون به، فاعملوا به، وانتهوا إليه = "والله لا يهدي القوم الفاسقين" ، يقول: والله لا يوفِّق من فَسَق عن أمر ربّه، فخالفه وأطاع الشيطانَ وعصى ربَّه. * * * وكان ابن زيد يقول: "الفاسق" ، في هذا الموضع، هو الكاذب. (2) 12983 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: "والله لا يهدي القومَ الفاسقين" ، الكاذبين، يحلفون على الكذب. * * * (1) انظر ما كتبته في "اتمن" فيما سلف ص: 197، تعليق: 3. (2) انظر تفسير "الفاسق" بهذا المعنى من تفسير ابن زيد، فيما سلف رقم: 12103 في الجزء 10: 376. ثم انظر تفسير "الفسق" فيما سلف من فهارس اللغة (فسق) . وليس الذي قال ابن زيد من ذلك عندي بمدفُوعٍ، إلا أن الله تعالى ذكره عَمَّ الخبر بأنه لا يهدي جميع الفسَّاق، ولم يخصص منهم بعضًا دون بعض بخبر ولا عقلٍ، فذلك على معاني "الفسق" كلها، حتى يخصِّص شيئًا منها ما يجب التسليمُ له، فيُسلِّم له. * * * ثم اختلف أهل العلم في حكم هاتين الآيتين، هل هو منسوخ، أو هو مُحكَم ثابت؟ فقال بعضهم: هو منسوخ * ذكر من قال ذلك: 12984 - حدثنا أبو كريب قال، ثنا ابن إدريس، عن رجل قد سماه، عن حماد، عن إبراهيم قال: هي منسوخة. 12985 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: هي منسوخة = يعني هذه الآية: "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم" ، الآية. * * * وقال جماعة: هي محكمة وليست بمنسوخة. وقد ذكرنا قولَ أكثرهم فيما مضَى. * * * قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن حكم الآية غيرُ منسوخ (1) وذلك أن من حكم الله تعالى ذكره الذي عليه أهل الإسلام، من لدن بعث الله تعالى ذكره نبيّه محمدًا صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، أنّ من ادُّعِي عليه (1) في المطبوعة والمخطوطة: "أن حكم الآية منسوخ" ، وهو خطأ فاحش، فإن أبا جعفر يقول بعد ذلك أنها غير منسوخة، كما سترى، فالصواب ما أثبته. دَعْوى ممَّا يملكه بنو آدم، أنّ المدَّعَى عليه لا يبرئه مما ادُّعي عليه إلا اليمين، إذا لم يكن للمدَّعِي بيّنة تصحح دَعواه = وأنه إن اعترف في يَدِ المدَّعى [عليه] سلعةً له، (1) فادَّعَى أنها له دون الذي في يده، فقال الذي هي في يده: "بل هي لي، اشتريتها من هذا المدَّعِي" ، أنّ القول قول من زَعَم الذي هي في يده أنه اشتراها منه، دون من هي في يده مع يمينه، إذا لم يكن للذي هي في يده بيّنة تحقق به دعواه الشراءَ منه. فإذ كان ذلك حكم الله الذي لا خلافَ فيه بين أهل العلم، وكانت الآيتان اللتان ذكر الله تعالى ذكره فيهما أمرَ وصية الموصِي إلى عدلين من المسلمين، أو إلى آخرين من غيرهم، إنما ألزَم النبي صلى الله عليه وسلم، فيما ذكر عنه، الوصيَّين اليمينَ حين ادَّعَى عليهما الورثة ما ادَّعوا، ثم لم يلزم المدَّعَى عليهما شيئًا إذ حلفا، حتى اعترفت الورثة في أيديهما ما اعترفُوا من الجام أو الإبريق أو غير ذلك من أموالهم، فزعما أنهما اشترياه من ميتهم، فحينئذ ألزم النبيُّ صلى الله عليه وسلم ورثَة الميِّت اليمين، لأن الوصيين تحوَّلا مُدَّعِيين بدعواهما ما وجدَا في أيديهما من مال الميِّت أنه لهما، اشتريَا ذلك منه، فصارَا مُقِرَّين بالمال للميِّت، مدَّعيين منه الشراء، فاحتاجا حينئذ إلى بيِّنةٍ تصحِّح دعواهما، وصارتْ وورثة الميتِ ربِّ السلعة، (2) أولى باليمين منهما. فذلك قوله تعالى ذكره: "فإن عثر على أنهما استحقا إثمًا فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما" ، الآية. (1) في المطبوعة: "وأنه إن اعترف وفي يدي المدعي سلعة" ، غير ما في المخطوطة، وفيها: "وأنه إن اعترف في يد المدعي سلعة" ، فأثبت ذلك، وهو الصواب، وزدت "عليه" بين القوسين، لأنه حق المعنى. وقوله: "اعترف" بمعنى: عرفها وميزها، كما سيأتي في سائر الفقرة. (2) في المطبوعة: ". . . تصحح دعواهما، وورثة الميت رب السلعة" ، حذف قوله "وصارت" ، مع أن الكلام لا يستقيم إلا بها، وهي في المخطوطة ثابتة، إلا أن الناسخ أساء كتابتها. فإذ كان تأويل ذلك كذلك، فلا وجه لدعوَى مدَّعٍ أن هذه الآية منسوخة، لأنه غير جائز أن يُقْضَى على حُكم من أحكام الله تعالى ذكره أنه منسوخ، إلا بخبَرٍ يقطع العذرَ: أمّا من عند الله، أو من عند رسوله صلى الله عليه وسلم، أو بورود النَّقل المستفيض بذلك. فأمَّا ولا خبر بذلك، ولا يدفع صحته عقل، فغير جائز أن يقضى عليه بأنه منسوخ. * * * القول في تأويل قوله: {يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ (109) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: واتقوا الله، أيها الناس. واسمعوا وَعْظه إياكم وتذكيرَه لكم، واحذروا يَوْم يَجْمع الله الرسل = ثم حذف "واحذروا" ، واكتفى بقوله: "واتقوا الله واسمعوا" ، عن إظهاره، كما قال الراجز: عَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا ... حَتَّى شَتَتْ هَمَّالَةً عَيْنَاهَا (1) يريد: "وسقيتها ماء باردًا" ، فاستغنى بقوله "علفتها تبنًا" من إظهار "سقيتها" ، إذ كان السامع إذا سَمِعه عرف معناه. فكذلك في قوله: "يوم يجمع الله والرسل" ، حذف "واحذروا" لعلم السامع معناه، اكتفاءً بقوله: "واتقوا الله واسمعوا" ، إذ كان ذلك تحذيرًا من أمر الله تعالى ذكره، خلقَه عقابَه على معاصيه. * * * وأما قوله: "ماذا أُوجبتم" ، فإنه يعني به: ما الذي أجابتكم به أممكم، (2) حين (1) مضى تخريج البيت وتفسيره فيما سلف 1: 264، وكان في المطبوعة هنا: "حتى غدت همالة" ، غير ما في المخطوطة. (2) انظر تفسير "ماذا" فيما سلف 4: 292، 346، 347/8: 359. دعوتموهم إلى توحيدي، والإقرار بي، والعمل بطاعتي، والانتهاء عن معصيتي؟ = "قالوا لا علم لنا" . * * * فاختلف أهل التأويل في تأويل ذلك. فقال بعضهم: معنى قولهم: "لا علم لنا" ، لم يكن ذلك من الرسل إنكارًا أن يكونوا كانوا عالمين بما عملت أممهم، ولكنهم ذَهِلوا عن الجواب من هَوْلِ ذلك اليوم، ثم أجابوا بعد أن ثَابَتْ إليهم عقولهم بالشَّهادة على أممهم. * ذكر من قال ذلك: 12986 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل. قال، حدثنا أسباط، عن السديّ: "يوم يجمع الله الرسل فيقول مَاذا أجبتم قالوا لا علم لنا" ، قال: فذلك أنهم نزلوا منزلا ذَهِلت فيه العقول، (1) فلما سئلوا قالوا: "لا علم لنا" ، ثم نزلوا منزلا آخر، فشهدوا على قومهم. 12987 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عنبسة قال: سمعت الحسن يقول في قوله: "يوم يجمع الله الرسل" ، الآية، قال: من هول ذلك اليوم. (2) 12988 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن الأعمش، عن مجاهد في قوله: "يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم" ، فيفزعون، فيقول: ماذا أجبتم؟ فيقولون: لا علم لنا! * * * وقال آخرون: معنى ذلك: لا علم لنا إلا ما علّمتنا. (1) في المطبوعة: "ذلك أنهم لما نزلوا" ، وفي المخطوطة: "فذلك أنهم لما نزلوا" وأثبت ما في المخطوطة، وحذفت "لما" لأنه لا موضع لها هنا، وكأنها زيادة من عجلة الناسخ. (2) الأثر: 12987 - هذا إسناد ناقص بلا شك، بين "عتبة" ، و "الحسن البصري" ، فوضعت مكانه النقط، وقد أعجلت أن أجد مثله فيما سلف، فتركته حتى أجد تمامه. * ذكر من قال ذلك: 12989- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن مجاهد في قوله: "يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم" ، فيقولون: = لا علم لنا إلا ما علمتنا = "إنك أنتَ علام الغيوب" . * * * وقال آخرون: معنى ذلك: قالوا لا علم لنا، إلا علمٌ أنت أعلَمُ به منَّا. * ذكر من قال ذلك: 12990- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا" ، إلا علم أنت أعلم به منا. * * * وقال آخرون: معنى ذلك: "ماذا أجبتم" ، ماذا عملوا بعدكم؟ وماذا أحدثوا؟ * ذكر من قال ذلك: 12991 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: "يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم" ، ماذا عملوا بعدكم؟ وماذا أحدثوا بعدكم؟ = "قالوا قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب" . * * * قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصواب، قولُ من قال: "معناه: لا علم لنا، إلا علم أنت أعلم به منّا" ، لأنه تعالى ذكره أخبر عنهم أنهم قالوا: "لا علم لنا إنَّك أنتَ علام الغيوب" ، أي: إنك لا يخفى عليك ما عندنا من علم ذلك ولا غيره من خفيِّ العلوم وجليِّها. فإنما نَفى القومُ أن يكون لهم بما سُئلوا عنه من ذلك علم لا يعلمه هو تعالى ذكره = لا أنَّهم نَفَوا أن يكونوا علموا ما شاهدُوا. كيف يجوز أن يكون ذلك كذلك، وهو تعالى ذكره يخبر عنهم أنَّهم يُخْبرون بما أجابتهم به الأمم، وأنهم يسْتشهدون على تبليغهم الرسالة شهداء، (1) فقال تعالى ذكره: وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا [سورة البقرة:143] . * * * وأما الذي قاله ابن جريج، من أن معناه: "ماذا عملت الأمم بعدكم؟ وماذا أحدثوا؟" فتأويل لا معنَى له. لأن الأنبياء لم يكن عندها من العلم بما يَحدُث بعدها إلا ما أعلمها الله من ذلك، وإذا سئلت عَمَّا عملت الأمم بعدها والأمر كذلك، فإنما يقال لها: ماذا عَرَّفناك أنه كائن منهم بعدك؟ وظاهرُ خَبر الله تعالى ذكره عن مسألته إيّاهم، يدلّ على غير ذلك. * * * القول في تأويل قوله: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لعباده: احذروا يومَ يجمع الله الرسلَ فيقول لهم: ماذا أجابتكم أممكم في الدنيا = "إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس" . * * * ف "إذْ" من صلة "أجبتم" ، كأنّ معناها: ماذا أجابت عيسى الأمم التي أرسل إليها عيسى. * * * (1) في المطبوعة: "سيشهدون على تبليغهم" ، حرف ما في المخطوطة وأساء. فإن قال قائل: وكيف سئلت الرسل عن إجابة الأمم إيَّاها في عهد عيسى، ولم يكن في عهد عيسى من الرُّسل إلا أقلُّ ذلك؟ (1) قيل: جائزٌ أن يكون الله تعالى ذكره عنى بقوله: "فيقول ماذا أجبتم" ، الرسلَ الذين كانوا أرسلوا في عهد عيسى، فخرَج الخبر مخرج الجميع، والمراد منهم من كان في عهد عيسى، كما قال تعالى ذكره: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ [سورة آل عمران: 173] ، والمراد واحدٌ من الناس، وإن كان مخرج الكلام على جميع الناس. (2) قال أبو جعفر: ومعنى الكلام: "إذ قال الله" ، حين قال = "يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس" ، يقول: يا عيسى اذكر أياديّ عندك وعند والدتك، (3) إذ قوّيتك برُوح القُدس وأعنتُك به. (4) * * * وقد اختلف أهل العربية في "أيدتك" ، ما هو من الفعل. فقال بعضهم: هو "فعّلتك" ، [ "من الأيد" ] ، كما قولك: "قوّيتك" "فعّلت" من "القوّة" . (5) * * * وقال آخرون: بل هو "فاعلتك" من "الأيد" . (1) في المطبوعة: "إلا أقل من ذلك" ، زاد "من" ، فأفسد الكلام، والصواب ما في المخطوطة. (2) انظر ما سلف: 405 413. (3) انظر تفسير "النعمة" فيما سلف من فهارس اللغة (نعم) . (4) انظر تفسير "أيد" فيما سلف 2: 319/5: 379/6: 242. (5) الزيادة بين القوسين، لا بد منها. وفي المطبوعة: "كما في قوله" بزيادة "في" ، والصواب ما في المخطوطة بحذفها. وروي عن مجاهد أنه قرأ: (إذْ آيَدْتُك) ، بمعنى "أفعلتك" ، من القوّة والأيد. (1) . * * * وقوله: "بروح القدس" ، يعني: بجبريل. يقول: إذ أعنتك بجبريل. * * * وقد بينت معنى ذلك، وما معنى "القدس" ، فيما مضى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (2) * * * القول في تأويل قوله: {تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأكْمَهَ وَالأبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ (110) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره، مخبرًا عن قِيله، لعيسى: "اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس" ، في حال تكليمك الناسَ في المهدِ وكهلا. * * * وإنما هذا خبر من الله تعالى ذكره: أنه أيده بروح القدس صغيرًا في المهد، (1) انظر معاني القرآن للفراء 1: 325. وهذا الذي ذكره هنا في "أيدتك" تفصيل أغفله في بيانه السالف في: 2: 319، وهذا من ضروب اختصاره في التفسير، وهو دال أيضًا على طريقته في تأليف هذا التفسير. (2) انظر تفسير "روح القدس" فيما سلف 2: 320، 321/5: 379. وكهلا كبيرًا = فردّ "الكهل" على قوله "في المهد" ، لأن معنى ذلك: صغيرًا، كما قال الله تعالى ذكره: دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا، [سورة يونس: 12] . * * * وقوله: "وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل" ، يقول: واذكر أيضًا نعمتي عليك "إذ علمتك الكتاب" ، وهو الخطّ = "والحكمة" ، وهي الفهم بمعاني الكتاب الذي أنزلته إليك، وهو الإنجيل = "وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير" ، يقول: كصورة الطير (1) = "بإذني" ، يعني بقوله "تخلق" تعمل وتصلح - "من الطين كهيئة الطير بإذني" ، يقول: بعوني على ذلك، وعلمٍ منّي به = "فتنفخ فيها" ، يقول: فتنفخ في الهيئة، قتكون الهيئة والصورة طيرًا بإذني = "وتبرئ الأكمه" ، يقول: وتشفي "الأكمهَ" ، وهو الأعمى الذي لا يبصر شيئًا، المطموس البصر= "والأبرص بإذني" . * * * وقد بينت معاني هذه الحروف فيما مضى من كتابنا هذا مفسرًا بشواهده، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (2) * * * (1) مكان هذا النقط بياض في المخطوطة، وفي هامشها حرف (ط) ، دلالة على موضع خطأ. فأثبتها كذلك. وإن كنت أرجح أن سياق أبي جعفر يقتضي أن تكون عبارته هكذا: وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير، يعني بقوله: "تخلق" ، تعمل وتصلح "من الطين كهيئة الطير" ، يقول: كصورة الطير: "بإذني" ، يقول: بعوني على ذلك. . . ومع ذلك، فقد تركت ما في المخطوطة على ما هو عليه. (2) انظر تفسير "المهد" فيما سلف 6: 417 = وتفسير "الكهل" 6: 417، 418 = وتفسير "الكتاب" ، و "الحكمة" فيما سلف من فهارس اللغة (كتب) و (حكم) = وأما تفسير "خلق" و "هيأة" بهذا المعنى، فلم يذكره فيما سلف، وإن كان ذلك مضى في 6: 424 وتفسير "أبرأ" 6: 428 = وتفسير "الأكمه" 6: 428 - 430 = وأما "الأبرص" فلم يفسره = وتفسير "الإذن" فيما سلف 10: 145، تعليق: 3، والمراجع هناك. https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الحادى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة الحلقة (591) صــ 216 إلى صــ 225 وقوله "وإذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات" ، يقول: واذكر أيضًا نعمتي عليك بكفِّي عنك بني إسرائيل إذ كففتهم عنك، (1) وقد هموا بقتلك = "إذ جئتهم بالبينات" ، يقول: إذ جئتهم بالأدِلة والأعلام المعجزة على نبوّتك، (2) وحقيقة ما أرسلتك به إليهم. (3) = "فقال الذين كفروا منهم" ، يقول تعالى ذكره: فقال الذين جحدُوا نبوَّتك وكذبوك من بني إسرائيل= "إن هذا إلا سحر مبين" . * * * واختلفت القرأة في قراءة ذلك. فقرأته قرأة أهل المدينة وبعض أهل البصرة: إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ يعني: يبين عمَّا أتى به لمن رأه ونظر إليه، أنه سحر لا حقيقةَ له. * * * وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفة: (إن هذا إلا ساحر مبين) ، بمعنى: "ما هذا" ، يعني به عيسى، "إلا ساحر مبين" ، يقول: يبين بأفعاله وما يأتي به من هذه الأمور العجيبة عن نفسه، أنه ساحرٌ لا نبيٌّ صادق. (4) * * * قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أنَّهما قراءتان معروفتان صحيحتَا المعنى، متفقتان غير مختلفتين. وذلك أن كل من كان موصوفًا بفعل "السحر" ، فهو موصوف بأنه "ساحر" . ومن كان موصوفًا بأنه "ساحر" ، فأنه موصوف بفعل (1) انظر تفسير "الكف" فيما سلف 8: 548، 579/ 9: 29/10: 101 (2) انظر تفسير "البينات" فيما سلف من فهارس اللغة (بين) . (3) في المطبوعة: "وحقية ما أرسلتك" ، غيرها كما فعل مرارًا كثيرة فيما سلف، والصواب ما في المخطوطة، وانظر ما سلف 10: 242، تعليق: 1، والمراجع هناك. (4) انظر تفسير "مبين" فيما سلف من فهارس اللغة (بين) . "السحر" . فالفعل دالٌ على فاعله، والصفة تدلُّ على موصوفها، والموصوف يدل على صفته، والفاعلُ يدلُّ على فعله. فبأي ذلك قرأ القارئ فمصيبٌ الصوابَ في قراءته. * * * القول في تأويل قوله: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ (111) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: واذكر أيضًا، يا عيسى، إذ ألقيت (1) = "إلى الحواريين" ، وهم وزراء عيسى على دينه. * * * وقد بينا معنى ذلك، ولم قيل لهم "الحواريون" ، فيما مضى، بما أغنى عن إعادته. (2) * * * وقد اختلفت ألفاظ أهل التأويل في تأويل قوله: "وإذ أوحيت" ، وإن كانت متفقة المعاني. فقال بعضهم، بما:- 12992 - حدثني به محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل (1) انظر تفسير "أوحى" فيما سلف 6: 405، 406/9: 399. (2) انظر تفسير "الحواريون" فيما سلف 6: 449 - 451. قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وإذ أوحيت إلى الحواريين" ، يقول: قدفت في قلوبهم. * * * وقال آخرون: معنى ذلك: ألهمتهم. * * * قال أبو جعفر: فتأويل الكلام إذًا: وإذْ ألقيتُ إلى الحواريين أنْ صدّقوا بي وبرسولي عيسى، فقالوا: "آمنا" ، أي: صدقنا بما أمرتنا أن نؤمنَ يا ربنا = "واشهد" علينا "بأننا مسلمون" ، يقول: واشهد علينا بأننا خاضِعُون لك بالذّلة، سامعون مطيعُون لأمرك. * * * القول في تأويل قوله: {إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنزلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (112) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: واذكر، يا عيسى، أيضًا نعمتي عليك، إذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي، إذ قالوا لعيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء - ف "إذ" ، الثانية من صلة "أوحيت" . * * * واختلفت القرأة في قراءة قوله: "يستطيع ربك" فقرأ ذلك جماعة من الصحابة والتابعين: (هَلْ تَسْتَطِيعُ) بالتاء (رَبَّكَ) بالنصب، بمعنى: هل تستطيع أن تسأل ربك؟ أو: هل تستطيع أن تدعوَ ربَّك؟ أو: هل تستطيع وترى أن تدعوه؟ وقالوا: لم يكن الحواريون شاكِّين أن الله تعالى ذكره قادرٌ أن ينزل عليهم ذلك، وإنما قالوا لعيسى: هل تستطيع أنت ذلك؟ (1) 12993 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن بشر، عن نافع، عن ابن عمر، عن ابن أبي مليكة قال: قالت عائشة: كان الحواريون لا يشكّون أن الله قادر أن ينزل عليهم مائدة، ولكن قالوا: يا عيسى هل تَسْتطيع ربَّك؟ 12994- حدثني أحمد بن يوسف التَّغْلِبيّ قال، حدثنا القاسم بن سلام قال، حدثنا ابن مهدي، عن جابر بن يزيد بن رفاعة، عن حسّان بن مخارق، عن سعيد بن جبير: أنه قرأها كذلك: (هَلْ تَسْتَطِيعُ رَبَّكَ) ، وقال: تستطيع أن تسأل ربَّك. وقال: ألا ترى أنهم مؤمنون؟ (2) * * * وقرأ ذلك عامة قرأة المدينة والعراق: (هَلْ يَسْتَطِيعُ) بالياء (رَبُّكَ) ، بمعنى: أن ينزل علينا ربُّك، كما يقول الرجل لصاحبه: "أتستطيع أن تنهض معنا في كذا" ؟ وهو يعلم أنه يستطيع، ولكنه إنما يريد: أتنهض معنا فيه؟ وقد يجوز أن يكون مرادُ قارئه كذلك: هل يستجيب لك ربك ويُطِيعك أنْ تنزل علينا؟ * * * (1) انظر معاني القرآن للفراء 1: 325. (2) الأثر: 12994 - "أحمد بن يوسف التغلبي" ، مضى قريبًا برقم: 12957، وكان في المطبوعة هنا أيضًا: "الثعلبي" ، وهو خطأ. و "جابر بن يزيد بن رفاعة العجلي" ، ثقة عزيز الحديث. مترجم في التهذيب، والكبير 1/2/210، وابن أبي حاتم 1/1/498. "حسان بن مخارق" . قال البخاري: "أراه: الشيباني" ، مترجم في الكبير 2/1/31، وابن أبي حاتم 1/2/235، وقال المعلق على تاريخ البخاري: "في الثقات رجلان، أحدهما في التابعين: حسان بن مخارق الكوفي، يروي عن أم سلمة. روى عنه أبو إسحق الشيباني = والآخر في أتباع التابعين: حسان بن مخارق الشيباني، وقد قيل: حسان بن أبي المخارق، أبو العوام، يروي عن سعيد بن جبير أنه كان يقرأ: هل تستطيع ربك. روى عنه جابر بن يزيد، وجعلهما ابن أبي حاتم واحدًا" . وكان في المطبوعة: "حيان بن مخارق" حرف ما هو صواب في المخطوطة. قال أبو جعفر: وأولى القراءتين عندي بالصواب، قراءة من قرأ ذلك: (هَلْ يَسْتَطِيعُ) بالياء (رَبُّكَ) برفع "الربّ" ، بمعنى: هل يستجيب لك إن سألته ذلك ويطيعك فيه؟ وإنما قلنا ذلك أولى القراءتين بالصواب، لما بيّنّا قبلُ من أن قوله: "إذ قال الحواريون" ، من صلة: "إذ أوحيت" ، وأنَّ معنى الكلام: وإذ أوحيت إلى الحواريون أن آمنوا بي وبرسولي، إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربَّك؟ فبيِّنٌ إذ كان ذلك كذلك، أن الله تعالى ذكره قد كرِه منهم ما قالوا من ذلك واستعظمه، وأمرهم بالتوبة ومراجعة الإيمان من قِيلهم ذلك، والإقرارِ لله بالقدرة على كل شيء، وتصديقِ رسوله فيما أخبرهم عن ربِّهم من الأخبار. وقد قال عيسى لهم، عند قيلهم ذلك له، استعظامًا منه لما قالوا: "اتقوا الله إن كنتم مؤمنين" . ففي استتابة الله إيّاهم، ودعائه لهم إلى الإيمان به وبرسوله صلى الله عليه وسلم عند قيلهم ما قالوا من ذلك، واستعظام نبيِّ الله صلى الله عليه وسلم كلمتهم = (1) الدلالةُ الكافيةُ من غيرها على صحة القراءة في ذلك بالياء ورفع "الرب" ، إذ كان لا معنى في قولهم لعيسى، لو كانوا قالوا له: "هل تستطيع أن تسأل ربَّك أن ينزل علينا مائدة من السماء" ؟ أن يُستكبر هذا الاستكبار. فإن ظنّ ظانّ أنّ قولهم ذلك له إنما استُعظِمَ منهم، (2) لأنّ ذلك منهم كان مسألة آيةٍ، [فقد ظنّ خطأ] . (3) فإن الآيةَ، إنّما يسألها الأنبياء مَنْ كان بها مكذّبًا (1) السياق: ". . . ففي استتابة الله إياهم. . . الدلالة الكافية. . ." ، وما بينهما عطوف. (2) في المطبوعة: "إنما هو استعظام منهم" ، غير ما في المخطوطة وزاد على نصها، فضرب على الكلام فسادا لا يفهم!! و "استعظم" بالبناء للمجهول. (3) هذه الزيادة بين القوسين، لا بد منها، لا أشك أن الناسخ قد أسقطها غفلة، فاضطرب سياق الكلام، وسياق حجة أبي جعفر، فاضطر الناشر أن يعبث بكلمات أبي جعفر لكي تستقيم معه، فأفسد الكلام إفسادًا بينًا لا يحل له. وقد رددت الكلام إلى أصله، كما سترى في التعليقات التالية. ليتقرَّر عنده حقيقةُ ثبوتها وصحَّة أمرها، كما كانت مسألة قريش نبيَّنا محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يحوِّل لهم الصَّفَا ذهبًا، ويفجر فجَاج مكة أنهارًا، مَنْ سأله من مشركي قومه = وكما كانت مسألة صالح الناقةَ من مكذّبي قومه = ومسألة شُعَيْب أن يسقط كِسْفًا من السماءِ، من كفّار من أرسل إليه. (1) فإنْ وكان الذين سألوا عيسى أن يسأل ربه أن ينزل عليهم مائدة من السماء، (2) على هذا الوجه كانت مسألتهم، فقد أحلّهم الذين قرءوا ذلك ب "التاء" ونصب "الرب" محلا أعظم من المحلِّ الذي ظنوا أنَّهم يحيدون بهم عنه (3) = أو يكونوا سألوا ذلك عيسى وهم موقنون بأنه لله نبي مبعوث ورسول مرسلٌ، وأن الله تعالى ذكره على ما سألوا من ذلك قادر. فإن كانوا سألوا ذلك وهم كذلك، وإنما كانت مسألتهم إيَّاه ذلك على نحو ما يسأل أحدُهم نبيَّه، إذا كان فقيرًا، أن يسأل له ربه أن يُغْنيه = وإن عرضتْ له حاجة، (4) أن يسأل له ربه أن يقضيَها، فليسَ ذلك من مسألةَ الآية في شيء، (5) بل ذلك سؤال ذي حاجة عرضت له إلى ربه، فسأل نبيَّه مسألةَ ربه أن يقضيها له. وخبر الله تعالى ذكره عن القوم، ينبئ بخلاف ذلك. وذلك أنهم قالوا لعيسى، إذ قال لهم: "اتقوا الله إن كنتم مؤمنين" = "نُريد أن نأكل منها وتطمئنَّ" (1) في المطبوعة: "من أرسل إليهم" ، وأثبت ما في المخطوطة، فهو صواب محض. (2) في المطبوعة: "وكان الذين سألوا. . ." ، حذف "فإن" ، وعطف الكلام بعضه على بعض فاضطرب اضطرابًا فاحشًا. (3) في المطبوعة: "الذي ظنوا أنهم نزهوا ربهم عنه" ، سبحانه وتعالى، ولكن ما فعله الناشر بنص المخطوطة جعل هذا الكلام كله لا معنى له. وكان في المخطوطة: "يحمدوا ربهم" ، مضطربة الكتابة، فأساء الناشر قراءتها، وأبلغ في الإساءة حين غير الكلام على الوجه الذي نشره به. (4) في المطبوعة والمخطوطة: "إن عرضت به حاجة" ، وهو غير عربي، عربيته ما أثبت (5) في المطبوعة: "فأنى ذلك من مسألة الآية" ، وفي المخطوطة: "فإن ذلك" وصواب ذلك ما أثبت. قلوبنا ونعلم أنْ قد صدقتنا ". فقد أنبأ هذا من قِيلهم، (1) أنهم لم يكونوا يعلمون أن عيسى قد صدَقهم، ولا اطمأنت قلوبهم إلى حقيقة نبوّته. فلا بيان أبين من هذا الكلام، في أن القوم كانوا قد خالط قلوبَهم مرضٌ وشك فى دينهم وتصديق رسولهم، وأنهم سَألوا ما سألوا من ذلك اختبارًا." * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 12995 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ليث، عن عقيل، عن ابن عباس: أنه كان يحدِّث عن عيسى صلى الله عليه وسلم: أنه قال لبني إسرائيل: هل لكم أن تصوموا لله ثلاثين يومًا، ثم تسألوه فيعطيكم ما سألتم؟ فإن أجرَ العامل على من عمل له! ففعلوا، ثم قالوا: يا معلِّم الخير، قلت لنا: "إن أجر العامل على من عمل له" ، وأمرتنا أن نصوم ثلاثين يومًا، ففعلنا، ولم نكن نعمل لأحدٍ ثلاثين يومًا إلا أطعمنا حين نفرُغ طعامًا، فهل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء؟ قال عيسى: "اتقوا الله إن كنتم مؤمنين" = "قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبُنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين" ، إلى قوله: "لا أعذبه أحدًا من العالمين" . قال: فأقبلت الملائكة تطير بمائدةٍ من السماء عليها سبعةُ أحواتٍ وسبعة أرغفة، حتى وضعتها بين أيديهم، فأكل منها آخر الناس كما أكل منها أوّلهم. 12996 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء" ، قالوا: هل يطيعك ربُّك، إن سألته؟ فأنزل الله عليهم مائدة من السماء فيها جميع الطَّعام إلا اللحم، فأكلوا منها. * * * (1) في المطبوعة والمخطوطة: "فقد أنبأ هذا عن قيلهم" ، وهو خطأ محض، مخل بالسياق. وأما "المائدة" فإنها "الفاعلة" من: "ماد فلان القوم يَميدهم مَيْدًا" ، إذا أطعمهم ومارهم، ومنه قول رؤبة: نُهْدِي رُؤُوسَ المتْرَفينَ الأنْدَادْ ... إلَى أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ المُمْتَادْ (1) يعني بقوله: "الممتاد" ، المستعْطَى. ف "المائدة" المطعِمة، سميت "الخوان" بذلك، لأنها تطعم الآكل ممّا عليها. و "المائد" ، المُدَار به في البحر، يقال: "مادَ يَمِيدُ مَيْدًا" . * * * وأما قوله: "قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين" ، فإنه يعني: قال عيسى للحواريّين القائلين له: "هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء" = راقبوا الله، أيها القوم، وخافوه (2) أن يَنزل بكم من الله عقوبة على قولكم هذا، فإن الله لا يعجزه شيء أراده، وفي شكّكم في قدرة الله على إنزال مائدة من السماء، كفرٌ به، فاتقوا الله أن يُنزل بكم نقمته = "إن كنتم مؤمنين" ، يقول: إن كنتم مصدقيَّ على ما أتوعدكم به من عقوبة الله إياكم على قولكم: "هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء" ؟ * * * (1) ديوانه: 40، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 183، واللسان (ميد) ، وسيأتي في التفسير 12: 84 (بولاق) ، من رجز تمدح فيه بنفسه، ومدح قومه تميما وسعدًا وخندفًا. ثم قبله في آخرها يذكر قومه: نَكْفِي قُريشًا مَنْ سَعَى بِالإفْسَادْ ... مِنْ كُلِّ مَرْهُوبِ الشِّقَاقِ جَحَّادْ ومُلْحِدٍ خَالَطَ أَمْرَ الإلْحَادْ وقوله: "نهدي" بالنون، لا بالتاء كما في لسان العرب، وكما كان في المطبوعة هنا. و "المترفون" : المتنعمون المتوسعون في لذات الدنيا وشهواتها. و "الأنداد" جمع "ند" (بكسر النون) وهو هنا بمعنى "الضد" ، يقال للرجل إذا خالفك، فأردت وجهًا تذهب إليه، ونازعك في ضده: "هو ندى، ونديدي" . ويأتي أيضًا بمعنى "المثل والشبيه" . ورواية الديوان، ورواية أبي جعفر في المكان الآتي بعد: "الصداد" ، جمع "صاد" ، وهو المعرض المخالف. يقول: نقتل الخارجين على أمير المؤمنين، ثم نهدي إليه رؤوسهم، وهو المسئول دون الناس. (2) في المطبوعة: "وخافوا" ، وأثبت ما في المخطوطة. القول في تأويل قوله: {قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ (113) } قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: قال الحواريون مجيبي عيسى على قوله لهم: "اتقوا الله إن كنتم مؤمنين" ، في قولكم لي "هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء" =: إنا إنما قلنا ذلك، وسألناك أن تسأل لنا ربنا لنأكل من المائدة، فنعلم يقينًا قدرته على كل شيء = "وتطمئن قلوبنا" ، يقول: وتسكن قلوبنا، وتستقرّ على وحدانيته وقدرته على كل ما شاء وأراد، (1) "ونعلم أن قد صدقتنا" ، ونعلم أنك لم تكذبنا في خبرك أنك لله رسول مرسل ونبيّ مبعوث = "ونكون عليها" ، يقول: ونكون على المائدة = "من الشاهدين" ، يقول: ممن يشهد أن الله أنزلها حجةً لنفسه علينا في توحيده وقدرته على ما شاء، ولك على صدقكَ في نبوّتك. (2) * * * (1) انظر تفسير "الاطمئنان" فيما سلف 5: 492/9: 165. (2) انظر تفسير "الشاهد" فيما سلف من فهارس اللغة (شهد) . القول في تأويل قوله: {قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لأوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ (114) } قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن نبيه عيسى صلى الله عليه وسلم، أنه أجاب القوم إلى ما سألوا من مسألة ربه مائدةً تنزل عليهم من السماء. ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: "تكون لنا عيدًا لأولنا وآخرنا" . فقال بعضهم: معناه: نتخذ اليومَ الذي نزلت فيه عيدًا نُعَظِّمه نحن ومن بعدَنا. * ذكر من قال ذلك: 12997 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله: "تكون لنا عيدًا لأولنا وآخرنا" ، يقول: نتخذ اليوم الذي نزلت فيه عيدًا نعظِّمه نحن ومن بعدنا. 12998 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله "تكون لنا عيدًا لأولنا وآخرنا" ، قال: أرادوا أن تكون لعَقِبهم من بعدهم. 12999 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: "أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدًا لأولنا" ، قال: الذين هم أحياء منهم يومئذ = "وآخرنا" ، من بعدهم منهم. 13000- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، قال سفيان: "تكون لنا عيدًا" ، قالوا: نصلي فيه. نزلت مرتين. * * * وقال آخرون: معناه: نأكل منها جميعًا. * ذكر من قال ذلك: 13001 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ليث، عن عقيل، عن ابن عباس أنه قال: أكل منها = يعني: من المائدة = حين وضعت بين أيديهم، آخر الناس، كما أكل منها أولهم. * * * وقال آخرون: معنى قوله "عيدًا" ، عائدة من الله تعالى ذكره علينا، وحجة وبرهانًا. * * * https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الحادى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة الحلقة (592) صــ 226 إلى صــ 235 قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصواب، قولُ من قال: "معناه: تكون لنا عيدًا، نعبد ربنا في اليوم الذي تنزل فيه، ونصلي له فيه، كما يعبد الناس في أعيادهم" ، لأن المعروف من كلام الناس المستعمل بينهم في "العيد" ، ما ذكرنا، دون القول الذي قاله من قال: "معناه: عائدة من الله علينا" . وتوجيه معاني كلام الله إلى المعروف من كلام من خوطب به، أولى من توجيهه إلى المجهول منه، ما وجد إليه السبيل. * * * وأما قوله: "لأولنا وآخرنا" ، فإن الأولى من تأويله بالصواب، قولُ من قال: "تأويله: للأحياء منا اليوم، ومن يجيء بعدنا منا" ، للعلة التي ذكرناها في قوله: "تكون لنا عيدًا" ، لأن ذلك هو الأغلب من معناه. * * * وأما قوله: "وآية منك" ، فإن معناه: وعلامةً وحجة منك يا رب، على عبادك في وحدانيتك، وفي صدقي على أنّي رسولٌ إليهم بما أرسلتني به (1) = "وارزقنا وأنت خير الرازقين" ، وأعطنا من عطائك، فإنك يا رب خير من يعطي، وأجود من تفضَّل، لأنه لا يدخل عطاءه منٌّ ولا نكَد. (2) * * * وقد اختلف أهل التأويل في "المائدة" ، هل أنزلت عليهم، أم لا؟ وما كانت؟ فقال بعضهم: نزلت، وكانت حوتًا وطعامًا، فأكل القوم منها، ولكنها رفعت بعد ما نزلت بأحداثٍ منهم أحدثوها فيما بينهم وبين الله تعالى ذكره. ذكر من قال ذلك: 13002 - حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا (1) انظر تفسير "آية" فيما سلف من فهارس اللغة (أيي) . (2) وانظر تفسير "الرزق" فيما سلف من فهارس اللغة (رزق) . شعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: نزلت المائدة، خبزًا وسمكًا. 13003 - حدثني الحسين بن علي الصدائي قال، حدثنا أبي، عن الفضيل، عن عطية قال: "المائدة" ، سمكة فيها طعم كلِّ طعام. 13004- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبيد الله، عن فضيل، عن مسروق، عن عطية قال: "المائدة" ، سمك فيه من طعم كل طعام. 13005- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبد الرحمن قال: نزلت المائدة خبزًا وسمكًا. 13006 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: نزلت على عيسى ابن مريم والحواريين، خِوانٌ عليه خبز وسمك، يأكلون منه أينما نزلوا إذا شاؤوا. 13007 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا المنذر بن النعمان، أنه سمع وهب بن منبه يقول في قوله: "أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدًا" ، قال: نزل عليهم قرصة من شعير وأحوات = قال الحسن، قال أبو بكر: (1) فحدَّثت به عبد الصمد بن معقل فقال: سمعت وهبًا، وقيل له: وما كان ذلك يُغْني عنهم؟ فقال: لا شيء، ولكن الله حَثَا بين أضعافهن البركة، فكان قوم يأكلون ثم يخرجون، ويجيء آخرون فيأكلون ثم يخرجون، حتى أكلوا جميعهم وأفضَلُوا. 13008 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد قال: هو الطعام ينزل عليهم حيث نزلوا. 13009 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا (1) "أبو بكر" هو "عبد الرزاق" ، وهو: "عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري" . عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره: "مائدة من السماء" ، قال: مائدة عليها طعام، أُتوا بها؛ حين عرض عليهم العذاب إن كفروا. ألوان من طعام ينزل عليهم. (1) 13010 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن أبي معشر، عن إسحاق بن عبد الله: أن المائدة نزلت على عيسى ابن مريم، عليها سبعة أرغفة وسبعة أحْوات، يأكلون منها ما شاؤوا. قال: فسرق بعضهم منها وقال: "لعلها لا تنزل غدًا!" ، فرفعت. 13011 - حدثنا المثنى قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا داود، عن سماك بن حرب، عن رجل من بني عجل قال: صليت إلى جنب عَمار بن ياسر، فلما فرغ قال: هل تدري كيف كان شأن مائدة بني إسرائيل؟ قال فقلت: لا! قال: إنهم سألوا عيسى ابن مريم مائدة يكون عليها طعام يأكلون منه لا ينفد. قال: فقيل لهم: فإنها مقيمة لكم ما لم تخبئوا، أو تخونوا، أو ترفعوا، فإن فعلتم فإنّي أعذبكم عذابًا لا أعذّبه أحدا من العالمين! قال: فما تمّ يومهم حتى خبئوا ورَفعوا وخانوا، فعذبوا عذابًا لم يعذبه أحد من العالمين. وإنكم معشر العرب، كنتم تتْبعون أذنابَ الإبل والشاء، فبعث الله فيكم رسولا من أنفسكم، تعرفون حسبه ونسبه، وأخبركم على لسان نبيكم أنكم ستظهارون على العرَب، ونهاكم أن تكنزوا الذهبَ والفضة. وايمْ الله. لا يذهبُ الليلُ والنهارُ حتى تكنزوهما، ويعذِّبكم عذابًا أليمًا. 13012 - حدثنا الحسن بن قزعة البصري قال، حدثنا سفيان بن حبيب قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن خلاس بن عمرو، عن عمار بن ياسر (1) في المطبوعة، غير هذه العبارة تغيرًا شاملا مزيلا لمعناها، فكتب: مائدة عليها طعام، أبوها حين عرض عليهم العذاب إن كفروا، فأبوا أن تنزل عليهم "، وأثبت ما في المخطوطة." أما المعنى الذي صحح الناشر الأول عليه هذا الأثر، فهو مخالف لهذا كل المخالفة، لأنه من قول من قال: "لم تنزل على بني إسرائيل مائدة" ، وهو قول مروي عن مجاهد فيما سيأتي رقم: 13021. قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نزلت المائدة خبزًا ولحمًا، وأُمروا أن لا يخونوا ولا يدَّخروا ولا يرفعوا لغدٍ، فخانوا وادّخروا ورفعوا، فمسخوا قردة وخنازير. (1) 13013- حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع قال، حدثنا يوسف بن خالد قال، حدثنا نافع بن مالك، عن عكرمة، عن ابن عباس في المائدة قال: كانت طعامًا ينزل عليهم من السماء حيثما نزلوا. * * * * ذكر من قال ذلك: 13014- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا ابن أبي عدي، عن سعيد، عن قتادة، عن خلاس بن عمرو، عن عمار قال: نزلت المائدة وعليها ثمرٌ من ثمر الجنة، فأمروا أن لا يخبئوا ولا يخونوا ولا يدخروا، قال: فخان القوم وخبئوا وادَّخروا، فحوّلهم الله قردة وخنازير. (2) 13015 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: ذُكر لنا أنها كانت مائدة ينزل عليها الثمرُ من ثمار الجنة، وأمروا أن لا (1) الأثر: 13012 - "الحسن بن قزعة بن عبيد الهاشمي البصري" ، ثقة. مضى برقم: 8281. و "سفيان بن حبيب البصري" ، ثقة، مضى برقم: 11302، 11321. و "خلاس بن عمرو الهجري" ، مضى مرارًا، منها: 4557، 5134، وغيرهما. وكان في المطبوعة: "جلاس بن عمرو" ، وهو خطأ. وهذا الخبر، رواه الترمذي في كتاب التفسير من سننه، بإسناده عن الحسن بن قزعة، ثم قال: "هذا حديث رواه أبو عاصم وغير واحد، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن خلاس، عن عمار، موقوفًا. ولا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث الحسن بن قزعة = حدثنا حميد بن مسعدة، حدثنا سفيان بن حبيب، عن سعيد بن أبي عروبة، نحوه، ولم يرفعه. وهذا أصح من حديث الحسن بن قزعة، ولا نعرف للحديث المرفوع أصلا" . وانظر الأثر التالي رقم: 13014، وهو الخبر الموقوف. (2) الأثر: 13014 - انظر التعليق على رقم: 13012، وكان في المطبوعة هنا أيضًا "جلاس بن عمرو" وهو خطأ. يخبئوا ولا يخونوا ولا يدخروا لغد، بلاء ابتلاهم الله به، (1) وكانوا إذا فعلوا شيئًا من ذلك، أنبأهم به عيسى، فخان القوم فيه فخبئوا وادّخروا لغدٍ. * * * وقال آخرون: كان عليها من كلّ طعام إلا اللحم. * ذكر من قال ذلك: 13016 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا جرير، عن عطاء، عن ميسرة قال: كانت إذا وضعت المائدة لبني إسرائيل، اختلفت عليها الأيدي بكل طعام. 13017 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن شريك، عن عطاء، عن ميسرة وزاذان قالا كانت الأيدي تختلف عليها بكل طعام. 13018- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا سفيان الثوري، عن عطاء بن السائب، عن زاذان وميسرة، في: "هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدةً من السماء" ، قالا رأوا الأيدي تختلف عليها بكل شيء إلا اللحم. (2) * * * وقال آخرون: لم ينزل الله على بني إسرائيل مائدة. * * * ثم اختلف قائلو هذه المقالة. فقال بعضهم: إنما هذا مثل ضربه الله تعالى ذكره لخلقه، نهاهم به عن مسألة نبيّ الله الآيات. * ذكر من قال ذلك: 13019 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن شريك، (1) في المطبوعة والمخطوطة: "أبلاهم الله به" ، وهو لا يصح، صواب قراءته ما أثبت. (2) الأثران: 13017، 13018 - "زاذان الكندي الضرير" ، مضى برقم: 9508. عن ليث، عن مجاهد في قوله: "أنزل علينا مائدة من السماء" ، قال: مثل ضُرب، لم ينزل عليهم شيء. * * * وقال آخرون: إنّ القوم لما قيل لهم: "فمن يكفر بعدُ منكم فإني أعذِّبه عذابًا لا أعذِّبه أحدًا من العالمين" ، استعفَوْا منها فلم تنزل. * ذكر من قال ذلك: 13020 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: كان الحسن يقول: لما قيل لهم: "فمن يكفر بعد منكم" ، إلى آخر الآية، قالوا: لا حاجة لنا فيها فلم تنزل. 13021- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن منصور بن زاذان، عن الحسن: أنه قال في المائدة: لم تنزل. (1) 13022 - حدثني الحارث قال، حدثنا القاسم بن سلام قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قال: مائدة عليها طعام، أبوها حين عرض عليهم العذاب إن كفروا، فأبوا أن تَنزل عليهم. * * * قال أبو جعفر: والصواب من القول عندنا في ذلك أن يقال: إن الله تعالى ذكره أنزل المائدة على الذين سألوا عيسى مسألتَه ذلك ربَّه. وإنما قلنا ذلك، للخبر الذي روينا بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأهل التأويل من بعدهم، غير من انفرد بما ذكرنا عنه. وبعدُ، فإن الله تعالى ذكره لا يخلف وعدَه، ولا يقع في خبره الْخُلف، وقد قال تعالى ذكره مخبرًا في كتابه عن إجابة نبيه عيسى صلى الله عليه وسلم حين سأله ما سأله من ذلك: "إني منزلها عليكم" ، وغير جائز أن يقول تعالى ذكره: (1) الأثر: 13021 - "منصور بن زاذان الثقفي الواسطي" ، أبو المغيرة. ثقة، روى عن أبي العالية، وعطاء بن أبي رباح، والحسن، وابن سيرين. مترجم في التهذيب. "إني منزلها عليكم" ، ثم لا ينزلها، لأن ذلك منه تعالى ذكره خبر، ولا يكون منه خلاف ما يخبر. ولو جاز أن يقول: "إني منزلها عليكم" ، ثم لا ينزلها عليهم، جاز أن يقول: "فمن يكفر بعد منكم فإنّي أعذبه عذابًا لا أعذبه أحدًا من العالمين" ، ثم يكفر منهم بعد ذلك، فلا يعذّبه، فلا يكون لوعده ولا لوعيده حقيقة ولا صحة. وغير جائز أن يوصف ربنا تعالى ذكره بذلك. * * * وأما الصواب من القول فيما كان على المائدة، فأن يقال: كان عليها مأكول. وجائز أن يكون كان سمكًا وخبزًا، وجائزٌ أن يكون كانَ ثمرًا من ثمر الجنة، وغيرُ نافع العلم به، ولا ضارّ الجهل به، إذا أقرَّ تالي الآية بظاهر ما احتمله التنزيل. * * * القول في تأويل قوله: {قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنزلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (115) } قال أبو جعفر: وهذا جواب من الله تعالى ذكره القومَ فيما سألوا نبيّهم عيسى مسألةَ ربهم، من إنزاله مائدة عليهم. فقال تعالى ذكره: إني منزلها عليكم، أيها الحواريون، فمطعمكموها = "فمن يكفر بعد منكم" ، يقول: فمن يجحد بعد إنزالها عليكم، وإطعاميكموها - منكم رسالتي إليه، وينكر نبوة نبيِّي عيسى صلى الله عليه وسلم، ويخالفْ طاعتي فيما أمرته ونهيته = "فإني أعذبه عذابًا لا أعذبه أحدا من العالمين" ، من عالمي زمانه. ففعل القوم، فجحدوا وكفروا بعد ما أنزلت عليهم، فيما ذكر لنا، فعذبوا، فيما بلغنا، بأن مُسِخوا قردة وخنازير، كالذي:- 13023 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "إني منزلها عليكم" الآية، ذكر لنا أنهم حوِّلوا خنازير. 13024- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الوهاب ومحمد بن أبي عدي، ومحمد بن جعفر، عن عوف، عن أبي المغيرة القوّاس، عن عبد الله بن عمرو قال: إن أشدّ الناس عذابًا ثلاثة: المنافقون، ومن كفر من أصحاب المائدة، وآل فرعون. (1) 13025- حدثنا الحسن بن عرفة قال، حدثنا المعتمر بن سليمان، عن عوف قال: سمعت أبا المغيرة القوّاس يقول: قال عبد الله بن عمرو: إنّ أشد الناس عذابًا يوم القيامة: من كفر من أصحاب المائدة، والمنافقون، وآل فرعون. (2) 13026 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله: "فمن يكفر بعد منكم" ، بعد ما جاءته المائدة = "فإني أعذبه عذابًا لا أعذبه أحدًا من العالمين" ، يقول: أعذبه بعذاب لا أعذبه أحدًا من العالمين غير أهل المائدة. * * * القول في تأويل قوله: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: "يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم" ، "إذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمِّيَ إلهين من دون الله" . * * * (1) الأثران: 13025، 13026 - "أبو المغيرة القواس" ، روى عن عبد الله بن عمرو. روى عنه عوف. وسئل أبو زرعة عن اسمه فقال: "لا أعلم أحدًا يسميه" . ضعفه سليمان التيمي، ووثقه ابن معين. مترجم في الكنى للبخاري: 70، وابن أبي حاتم 4/2/439. (2) الأثران: 13025، 13026 - "أبو المغيرة القواس" ، روى عن عبد الله بن عمرو. روى عنه عوف. وسئل أبو زرعة عن اسمه فقال: "لا أعلم أحدًا يسميه" . ضعفه سليمان التيمي، ووثقه ابن معين. مترجم في الكنى للبخاري: 70، وابن أبي حاتم 4/2/439. وقيل: إن الله قال هذا القولَ لعيسى حين رفعه إليه في الدنيا. * ذكر من قال ذلك: 13028 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله" ، قال: لما رفع الله عيسى ابن مريم إليه، قالت النصارى ما قالت، وزعموا أنّ عيسى أمرَهم بذلك، فسأله عن قوله فقال: "سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب" إلى قوله: "وأنت على كل شيء شهيد" . * * * وقال آخرون: بل هذا خبر من الله تعالى ذكره عن أنه يقول لعيسى ذلك في القيامة. * ذكر من قال ذلك: 13029 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: "وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله" ، قال: والناس يسمعون، فراجعه بما قد رأيت، وأقرَّ له بالعبودية على نفسه، فعلم من كان يقول في عيسى ما يقول: أنه إنما كان يقول باطلا. 13030 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن عطاء، عن ميسرة قال: قال الله: يا عيسى، أأنت قلت للناس اتخذوني وأمّي إلهين من دون الله؟ فأُرْعِدت مفاصله، وخشي أن يكون قد قال، فقال: سبحانك، إن كنت قلته فقد علمته = الآية. 13031 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: "يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله" ، متى يكون ذلك؟ قال: يوم القيامة، ألا ترى أنه يقول: "هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم" ؟ = فعلى هذا التأويل الذي تأوَّله ابن جريج، يجب أن يكون "وإذ" بمعنى: و "إذا" ، كما قال في موضع آخر: وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا، [سورة سبأ: 51] ، بمعنى: يفزعون، وكما قال أبو النجم: ثُمَّ جَزَاهُ اللهُ عَنَّا إذْ جَزَى ... جَنَّاتِ عَدْنٍ فِي العَلالِيِّ العُلا (1) والمعنى: إذا جزى، وكما قال الأسود: (2) فَالآنَ، إذْ هَازَلْتُهُنَّ، فإنَّمَا ... يَقُلْنَ: ألا لَمْ يَذْهَبِ الشَّيْخُ مَذْهَبَا!! ٌٌ (3) بمعنى: إذا هازلتهن. (1) الأضداد لابن الأنباري: 102، والصاحبي: 112، واللسان (طها) وسيأتي بعد قليل في هذا الجزء ص: 317، بزيادة بيت. وقوله: "العلالي" ، جمع "علية" (بكسر العين، وتشديد اللام المكسورة، والياء المشدودة) : وهي الغرفة العالية من البيت. وأرد بذلك: "في عليين" ، المذكورة في القرآن. وقد قال هدبة من خشرم أيضًا، فتصرف: كأنَّ حَوْطًا، جزاهُ اللهُ مَغْفِرَةً ... وَجَنَّةً ذاتَ عِلِّيٍّ وأشْرَاعِ و "الأشراع" ، السقائف. (2) هو الأسود بن يعفر النهشلي، أعشى بني نهشل. (3) ديوان الأعشين: 293، والأضداد لابن الأنباري: 101، من قصيدة له، ذهب أكثرها فلم يوجد منها في الكتب المطبوعة، غير هذا البيت، وخمسة أبيات أخرى، في ديوانه، وفي العيني (هامش خزانة الأدب 4: 103) ، وهي أبيات جياد: صَحَا سَكَرٌ مِنْه طَوِيلٌ بِزَيْنَيَا ... تَعَاقَبَهُ لَمَّا اسْتَبَانَ وجَرَّبَا وَأَحْكَمَهُ شَيْبُ القَذَالِ عَنِ الصِّبَا ... فَكَيْفَ تَصَابِيه وَقَدْ صَار أَشْيَبَا? وَكَان لَهُ، فِيمَا أَفَادَ، خَلاَئِلٌ ... عَجِلْنَ، إذَا لاقَيْنَهُ، قُلْنَ: مَرْحَبَاٌ!! فأَصْبَحْنَ لا يَسْأَلْنَهُ عَنْ بِمَا بهِ ... أصَعَّدَ فَي عُلْوِ الهَوَى أم تَصَوَّبَا? طَوَامِحُ بالأَبْصَارِ عَنْه، كَأَنَّمَا ... يَرَيْنَ عَلَيْهِ جُلَّ أَدْهَمَ أجْرَبَا https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الحادى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة الحلقة (593) صــ 236 إلى صــ 245 وكأنّ من قال في ذلك بقول ابن جريج هذا، وجَّه تأويل الآية إلى: "فمن يكفر بعدُ منكم فإنّي أعذبه عذابًا لا أعذبه أحدًا من العالمين" في الدنيا = وأعذبه أيضًا في الآخرة: "إذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله" . * * * قال أبو جعفر: وأولى القولين عندنا بالصواب في ذلك، قولُ من قال بقول السدي، وهو أن الله تعالى ذكره قال ذلك لعيسى حين رفعه إليه، وأن الخبرَ خبرٌ عما مضى، لعلَّتين: إحداهما: أن "إذْ" إنما تصاحب = في الأغلب من كلام العرب المستعمل بينها = الماضيَ من الفعل، وإن كانت قد تدخلها أحيانًا في موضع الخبر عما يحدث، إذا عرف السامعون معناها. وذلك غير فاشٍ، ولا فصيح في كلامهم، (1) وتوجيه معاني كلام الله تعالى إلى الأشهر الأعرف ما وجد إليه السبيل، (2) أولى من توجيهها إلى الأجهل الأنكر. والأخرى: أن عيسى لم يشك هو ولا أحد من الأنبياء، أن الله لا يغفر لمشرك مات على شركه، فيجوز أن يُتَوهم على عيسى أن يقول في الآخرة مجيبًا لربه تعالى ذكره: إن تعذّب من اتخذني وأمي إلهين من دونك فإنهم عبادك، وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم. * * * فإن قال قائل: وما كان وجه سؤال الله عيسى: أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله "، وهو العالم بأن عيسى لم يقل ذلك؟" قيل: يحتمل ذلك وجهين من التأويل: (1) انظر ما سلف من القول في "إذ" و "إذا" 1: 349 - 444، 493/3: 92، 98/6: 407، 550/7: 333/9: 627. وانظر ما سيأتي ص: 317. (2) في المطبوعة والمخطوطة: "فتوجيه" بالفاء، والجيد ما أثبت. أحدهما: تحذير عيسى عن قيل ذلك ونهيُه، كما يقول القائل لآخر: "أفعلت كذا وكذا" ؟ مما يعلم المقولُ له ذلك أن القائل يستعظم فعل ما قال له: "أفعلته" ، على وجه النهي عن فعله، والتهديد له فيه. والآخر: إعلامه أنّ قومه الذين فارقهم قد خالفوا عهده، وبدّلوا دينهم بعده. فيكون بذلك جامعًا إعلامَه حالَهم بعده، وتحذيرًا له قيله. (1) * * * قال أبو جعفر: وأما تأويل الكلام، فإنه: أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين "، أي: معبودين تعبدونهما من دون الله. قال عيسى: تنزيهًا لك يا رب وتعظيمًا أن أفعل ذلك أو أتكلم به (2) = ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق" ، يقول: ليس لي أن أقول ذلك، لأني عبد مخلوق، وأمي أمَةٌ لك، وكيف يكون للعبد والأمة ادّعاء ربوبية؟ = (3) "إن كنت قلته فقد علمته" ، يقول: إنك لا يخفى عليك شيء، وأنت عالم أني لم أقل ذلك ولم آمُرهم به. * * * القول في تأويل قوله: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ (116) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره، مخبرًا عن نبيه عيسى صلى الله عليه وسلم: أنه يبرأ إليه مما قالت فيه وفي أمه الكفرةُ من النصارى، أن يكون دعاهم إليه أو أمرهم به، فقال: "سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت" (1) في المطبوعة: "وتحذيره" ، غير ما كان في المخطوطة لغير طائل. (2) انظر تفسير "سبحان" فيما سلف 1: 474 - 476، 495/2: 537/6: 423. (3) في المطبوعة: "فهل يكون للعبد" ، وفي المخطوطة: "فيكون يكون للعبد" ، هكذا ورجحت قراءتها كما أثبتها. قلته فقد علمته ". ثم قال:" تعلم ما في نفسي "، يقول: إنك، يا رب، لا يخفى عليك ما أضمرته نفسي مما لم أنطق به ولم أظهره بجوارحي، فكيف بما قد نطقتُ به وأظهرته بجوارحي؟ يقول: لو كنت قد قلت للناس: ا" تخذوني وأمي إلهين من دون الله "، كنت قد علمته، لأنك تعلم ضمائر النفوس مما لم تنطق به، فكيف بما قد نطقت به؟ =" ولا أعلم ما في نفسك "، يقول: ولا أعلم أنا ما أخفيته عني فلم تطلعني عليه، لأني إنما أعلم من الأشياء ما أعلمتنيه =" إنك أنت عَلام الغيوب "، يقول: إنك أنت العالم بخفيّات الأمور التي لا يطلع عليها سواك، ولا يعلمها غيرك. (1) " * * * القول في تأويل قوله: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) } قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن قول عيسى، يقول: ما قلت لهم إلا الذي أمرتني به من القول أن أقوله لهم، وهو أن قلت لهم: "اعبدوا الله ربي وربكم" = "وكنت عليهم شهيدًا ما دمت فيهم" ، يقول: وكنت على ما يفعلونه وأنا بين أظهرهم شاهدًا عليهم وعلى أفعالهم وأقوالهم (2) = "فلما توفيتني" ، (1) انظر تفسير "علام الغيوب" فيما سلف قريبًا: 211 = وتفسير "الغيب" 1: 236، 237/6: 405/10: 585. (2) انظر تفسير: "شهيد" فيما سلف من فهارس اللغة (شهد) = وتفسير "ما دام" فيما سلف 10: 185/ 11: 74. يقول: فلما قبضتني إليك (1) = "كنت أنت الرقيب عليهم" ، يقول: كنت أنت الحفيظ عليهم دوني، (2) لأني إنما شهدت من أعمالهم ما عملوه وأنا بين أظهرهم. وفي هذا تبيانُ أن الله تعالى ذكره إنما عرّفه أفعالَ القوم ومقالتهم بعد ما قبضه إليه وتوفاه بقوله: "أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله" . = "وأنت على كل شيء شهيد" يقول: وأنت تشهد على كل شيء، لأنه لا يخفى عليك شيء، وأما أنا، فإنما شهدت بعض الأشياء، وذلك ما عاينت وأنا مقيم بين أظهر القوم، فإنما أنا أشهد على ذلك الذي عاينت ورأيتُ وشهدت. * * * وبنحو الذي قلنا في قوله: "كنت أنت الرقيب عليهم" ، قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 13032 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدى: "كنت أنت الرقيب عليهم" ، أما "الرقيب" ، فهو الحفيظ. 13033 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: "كنت أنت الرقيب عليهم" ، قال: الحفيظ. * * * وكانت جماعة من أهل العلم تقول: كان جواب عيسى الذي أجاب به ربَّه من الله تعالى، توقيفًا منه له فيه. (3) * ذكر من قال ذلك: 13034 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن يمان، عن سفيان، عن معمر، (1) انظر تفسير "توفاه" فيما سلف 6: 455 - 461/8: 73/9: 100. (2) انظر تفسير "الرقيب" فيما سلف 7: 523. (3) في المطبوعة والمخطوطة: "توفيقًا" (بالفاء قبل القاف) ، في هذا الموضع وما يليه. وهو خطأ من الناسخ والناشر لا شك فيه، صوابه ما أثبت. يقال: "وقفت الرجل على الكلمة توقيفًا" ، إذا علمته الكلمة لم يكن يعلمها، أو غابت عنه. أي أنها كانت من تعليم الله إياه، لم يقلها من عند نفسه. عن ابن طاوس، عن أبيه: "أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق" ، قال: الله وقَّفَه. (1) 13035- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو داود الحفري قال، قرئ على سفيان، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه طاوس قال: احتج عيسى، والله وقّفه: "أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله" ، الآية. 13036 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن عطاء، عن ميسرة قال: قال الله تعالى ذكره: "يا عيسى أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله" ؟ قال: فأُرعدت مفاصله، وخشى أن يكون قد قالها، فقال: "سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب" . * * * القول في تأويل قوله: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إنْ تعذب هؤلاء الذين قالوا هذه المقالة، بإماتتك إياهم عليها = "فإنهم عبادك" ، مستسلمون لك، لا يمتنعون مما أردت بهم، ولا يدفعون عن أنفسهم ضرًّا ولا أمرًا تنالهم به = "وإن تغفر لهم" ، بهدايتك إياهم إلى التوبة منها، فتستر عليهم = "فإنك أنت العزيز" ، (2) في (1) في المطبوعة والمخطوطة: "الله وفقه" ، وانظر التعليق السالف، وكذلك ما سيأتي في الأثر التالي. (2) انظر تفسير "العباد" ، و "المغفرة" ، و "العزيز" ، و "الحكيم" فيما سلف من فهارس اللغة (عبد) ، (غفر) ، (عزز) ، (حكم) . انتقامه ممن أراد الانتقام منه، لا يقدر أحدٌ يدفعه عنه = "الحكيم" ، في هدايته من هدى من خلقه إلى التوبة، وتوفيقه من وفَّق منهم لسبيل النجاة من العقاب، كالذي:- 13037 - حثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي في قوله: "إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم" ، فتخرجهم من النصرانية، وتهديهم إلى الإسلام = "فإنك أنت العزيز الحكيم" . وهذا قول عيسى في الدنيا. 13038 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: "إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم" ، قال: والله ما كانوا طعَّانين ولا لعَّانين. * * * القول في تأويل قوله: {قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} قال أبو جعفر: اختلفت القرأة في قراءة قوله: "هذا يوم ينفع الصادقين" . فقرأ ذلك بعض أهل الحجاز والمدينة: (هَذَا يَوْمَ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ) ، بنصب "يوم" . * * * وقرأه بعض أهل الحجاز وبعض أهل المدينة، وعامة قرأة أهل العراق: هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ، برفع "يوم" . فمن رفعه رفعه ب "هذا" ، وجعل "يوم" اسمًا، وإن كانت إضافته غير محضة، لأنه قد صار كالمنعوت. (1) (1) في المطبوعة: "لأنه صار" ، أسقط "قد" . وكان بعض أهل العربية يزعم أن العرب يعملون في إعراب الأوقات مثل "اليوم" و "الليلة" ، عملهم فيما بعدها. إن كان ما بعدها رفعًا رفعوها، كقولهم: "هذا يومُ يركب الأمير" ، و "ليلةُ يصدر الحاج" ، و "يومُ أخوك منطلق" . وإن كان ما بعدها نصبًا نصبوها، وذلك كقولهم: "هذا يومَ خرج الجيش، وسار الناس" ، و "ليلةَ قتل زيد" ، ونحو ذلك، وإن كان معناها في الحالين "إذ" و "إذا" . * * * وكأن من قرأ هذا هكذا رفعًا، وجَّه الكلام إلى أنه من قيل الله يوم القيامة. * * * وكذلك كان السدي يقول في ذلك. 13039 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال الله: "هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم" ، هذا فصل من كلام عيسى، وهذا يوم القيامة. * * * يعني السدي بقوله: "هذا فصل من كلام عيسى" : أن قوله: "سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق" إلى قوله: "فإنك أنت العزيز الحكيم" ، من خبر الله عز وجل عن عيسى أنه قاله في الدنيا بعد أن رفعه إليه، وأن ما بعد ذلك من كلام الله لعباده يوم القيامة. * * * وأما النصب في ذلك، فإنه يتوجه من وجهين: أحدهما: أن إضافة "يوم" ما لم تكن إلى اسم، تجعله نصبًا، لأن الإضافة غير محضة، وإنما تكون الإضافة محضة، إذا أضيف إلى اسم صحيح. ونظير "اليوم" في ذلك: "الحين" و "الزمان" ، وما أشبههما من الأزمنة، كما قال النابغة: عَلَى حِيْنَ عَاتَبْتُ المَشِيبَ عَلَى الصِّبَا ... وَقُلْتُ ألَمَّا تَصْحُ وَالشَّيْبُ وَازِعُ (1) والوجه الآخر: أن يكون مرادًا بالكلام: هذا الأمر وهذا الشأن، يومَ ينفع الصادقين = فيكون "اليوم" حينئذ منصوبًا على الوقت والصفة، بمعنى: هذا الأمر في يوم ينفع الصادقين صدقهم. * * * قال أبو جعفر: وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب: (هَذَا يَوْمَ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ) ، بنصب "اليوم" ، على أنه منصوب على الوقت والصفة. لأن معنى الكلام: إنّ الله جل وتعالى ذكره أجاب عيسى حين قال: "سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته" ، إلى قوله: "فإنك أنت العزيز الحكيم" ، فقال له عز وجل: هذا القولُ النافعُ = أو هذا الصدق النافع = يوم ينفع الصادقين صدقهم. ف "اليوم" وقت القول والصدق النافع. * * * فإن قال قائل: فما موضع "هذا" ؟ قيل: رفع. فإن قال: فأين رَافعه؟ (1) ديوانه: 38، ومعاني القرآن للفراء 1: 327، وسيبويه 1: 369، والخزانة 3: 151 والعيني (هامش الخزانة) 3: 406/ 4: 357، وسيأتي في هذا التفسير 19: 88/ ثم 30: 57، (بولاق) ، ورواية أبي جعفر هنا "ألما تصح" كرواية الفراء، وفي سائر المراجع "ألما أصح" . وهما روايتان صحيحتا المعنى. وهذا البيت من قصيدته التي قالها معتذرا إلى النعمان بن المنذر، متنصلا مما قذفه به مرة بن ربيعة عند النعمان، يقول قبله: فَكَفْكَفْتُ مِنِّي عَبْرَةً فَرَدَدْتُهَا ... على النَّحْرِ، مِنْها مُسْتَهِلٌّ ودامِعٌ يقول: عاقبت نفسي على تشوقها إلى ما فات من صباي، فقد شبت وشابت لداتي، وقلت لنفسي: ألم تفق بعد من سكرة الصبا، وعهد الناس بالمشيب أنه يكف من غلواء الشباب! قيل: مضمر. وكأنه قال: قال الله عز وجل: هذا، هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم، كما قال الشاعر: (1) أَمَا تَرَى السَّحَابَ كَيْفَ يَجْرِي ? ... هذا، وَلا خَيْلُكَ يَا ابْن بِشْرِ يريد: هذا هذا، ولا خيلك. * * * قال أبو جعفر: فتأويل الكلام، إذ كان الأمر على ما وصفنا لما بينا: قال الله لعيسى: هذا القول النافع في يوم ينفع الصادقين في الدنيا صدقهم ذلك، في الآخرة عند الله = "لهم جنات تجري من تحتها الأنهار" ، يقول: للصادقين في الدنيا، جنات تجري من تحتها الأنهار في الآخرة، ثوابًا لهم من الله عز وجل على ما كان من صدقهم الذي صدقوا الله فيما وعدوه، فوفوا به لله، فوفى الله عز وجل لهم ما وعدهم من ثوابه = "خالدين فيها أبدًا" ، يقول: باقين في الجنات التي أعطاهموها = "أبدًا" ، دائمًا، لهم فيها نعيم لا ينتقل عنهم ولا يزول. (2) * * * وقد بينا فيما مضى أن معنى "الخلود" ، الدوام والبقاء. (3) * * * القول في تأويل قوله: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: رَضي الله عن هؤلاء الصادقين الذين (1) لم أعرف هذا الراجز (2) انظر تفسير "أبدًا" فيما سلف 9: 227/10: 185. (3) انظر فهارس اللغة فيما سلف (خلد) . صدقوا في الوفاء له بما وعدوه، من العمل بطاعته واجتناب معاصيه = "ورضوا عنه" ، يقول: ورضوا هم عن الله تعالى ذكره في وفائه لهم بما وعدهم على طاعتهم إياه فيما أمرهم ونهاهم، من جزيل ثوابه (1) = "ذلك الفوز العظيم" ، يقول: هذا الذي أعطاهم الله من الجنات التي تجري من تحتها الأنهار، خالدين فيها، مرضيًّا عنهم وراضين عن ربهم، هو الظفر العظيم بالطَّلِبة، (2) وإدراك الحاجة التي كانوا يطلبونها في الدنيا، ولها كانوا يعملون فيها، فنالوا ما طلبوا، وأدركوا ما أمَّلوا. * * * القول في تأويل قوله: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (120) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: أيها النصارى، "لله ملك السموات والأرض" ، يقول: له سلطان السموات والأرض (3) = "وما فيهن" ، دون عيسى الذين تزعمون أنه إلهكم، ودون أمه، ودون جميع من في السموات ومن في الأرض، فإن السموات والأرض خلق من خلقه وما فيهن، وعيسى وأمُّه من بعض ذلك بالحلول والانتقال، يدلان بكونهما في المكان الذي هما فيه بالحلول فيه والانتقال، أنهما عبدان مملوكان لمن له ملك السموات والأرض وما فيهن. ينبِّههم وجميعَ خلقه على موضع حجته عليهم، ليدَّبروه ويعتبروه فيعقلوا عنه = "وهو على كل شيء" (1) انظر تفسير "الرضا" فيما سلف 6: 262/9: 480/10: 144. (2) انظر تفسير "الفوز" . فيما سلف 7: 452، 472/8: 71. (3) انظر تفسير "الملك" فيما سلف 8: 480، تعليق: 3، والمراجع هناك. https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الحادى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة الحلقة (594) صــ 246 إلى صــ 255 قدير "، (1) يقول تعالى ذكره: والله الذي له ملك السموات والأرض وما فيهن، قادرٌ على إفنائهن وعلى إهلاكهن، وإهلاك عيسى وأمه ومن في الأرض جميعًا كما ابتدأ خلقهم، لا يعجزه ذلك ولا شيء أراده، لأن قدرته القدرةُ التي لا تشبهها قدرة، وسلطانه السلطان الذي لا يشبهه سلطان ولا مملكة." * * * (آخر تفسير سورة المائدة) (2) (1) انظر تفسير "قدير" فيما سلف من فهارس اللغة (قدر) . (2) عند هذا الموضع انتهى جزء من التقسيم القديم الذي نقلت عنه نسختنا، وفيها ما نصه: "آخر تفسير سورة المائدة صَلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وآلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلا بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيم يَتْلُوهُ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، تَفْسِيرُ سُورَةِ الأَنْعَامِ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمينَ" تفسير سورة الأنعام القول في تفسير السورة التي يذكر فيها الأنعام بسم الله الرحمن الرحيم رَبِّ يسِّرْ * * * القول في تأويل قوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ} قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "الحمد لله" ، الحمدُ الكامل لله وحده لا شريك له دون جميع الأندادِ والآلهة، ودون ما سواه مما تعبده كَفَرةُ خلْقه من الأوثان والأصنام. وهذا كلام مخرجه مَخرج الخبر يُنْحَى به نحو الأمر. يقول: أخلصوا الحمد والشكر للذي خَلَقَكم، أيها الناس، وخلق السماوات والأرض، ولا تشركوا معه في ذلك أحدًا أو شيئًا، (1) فإنه المستوجب عليكم الحمدَ بأياديه عندكم ونعمة عليكم، لا من تعبدونه من دونه، وتجعلونه له شريكًا من خَلْقه. * * * وقد بينا الفصل بين معنى "الحمد و" الشكر "بشواهده فيما مضى قبل. (2) " * * * القول في تأويل قوله: {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض، وأظلم الليلَ، وأنارَ النَّهار، كما:- (1) في المطبوعة والمخطوطة: "أحدا شيئًا" ، والسياق يقتضي ما أثبت. (2) انظر تفسير "الحمد" فيما سلف 1: 135 - 141. 13040 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وجعل الظلمات والنور" ، قال: الظلمات ظلمة الليل، والنور نورُ النهار. 13041 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: أمّا قوله: "الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور" ، فإنه خلق السَّماوات قبل الأرض، والظلمةَ قبل النور، والجنّة قَبل النار. * * * فإن قال قائل: فما معنى قوله إذًا: "جعل" . قيل: إن العرب تجعلها ظرفًا للخبرِ والفِعْل فتقول: "جعلت أفعل كذا" ، و "جعلت أقوم وأقعد" ، تدل بقولها "جعلت" على اتصال الفعل، كما تقول "علقت أفعل كذا" = لا أنها في نفسها فِعْلٌ. يدلُّ على ذلك قول القائل: "جعلت أقوم" ، وأنه لا جَعْلَ هناك سوى القيام، وإنما دَلَّ بقوله: "جعلت" على اتّصال الفعل ودوامه، (1) ومن ذلك قول الشاعر: (2) وَزَعَمْتَ أنَّكَ سَوْفَ تَسْلُكُ فَارِدًا ... وَالمَوْتُ مُكْتَنِعٌ طَرِيقَيْ قَادِرِ فَاجْعَلْ تَحَلَّلْ مِنْ يَمِينِكَ إنَّمَا ... حِنْثٌ اليَمِينِ عَلَى الأثِيمِ الفَاجِرِ (3) (1) انظر ما كتبته على الأثر رقم: 8317، ج 7: 547، تعليق: 6/ ثم الأثر: 12834، ج: 11: 128، تعليق: 1، في قوله: "فذهب ينزل" وقوله: "تذهب فتختلط" ، وقد سميتها هناك ألفاظ الاستعانة. وقد أجاد أبو جعفر العبارة عن هذا المعنى، فقيده وحفظه. (2) لم أعرف قائله. (3) لم أجد البيتين فيما بين يدي من الكتب، وإن كنت أذكر أني قرأتهما قبل، ثم لا أدري أين؟ وكان البيت الأول في المطبوعة: وَزَعَمْتَ أَنَّكَ سَوفَ تَسْلُك قادِرًا ... وَالموتُ مُتَّسِعٌ طَرِيقي قادِرِ وهو كلام صفر من المعنى. وكان في المخطوطة هكذا. وزعمتَ أنك سوف تسلك مال را ... الموت ملسع طريقي قادرِ ورجحت قراءته كما أثبته، وكما أتوهم أني أذكر من معنى الشعر، وأظنه من كلام شاعر يقوله لأخيه أو صاحبه، أراد أن ينفرد في طريقه وحلف ليفعلن ذلك، فسخر منه، وقال له ما قال. وقوله: "فارد" ، أي منفردًا منقطعًا عن رفيقك وصاحبك. وقوله: "والموت مكتنع" ، أي: دان قد أشرف عليك. يقال "كنع الموت واكتنع" دنا وقرب، قال: الراجز: وَاكْتَنَعَتْ أُمُّ اللُّهَيْمِ وَاكْتَنَعْ و "أم اللهيم" ، كنية الموت، لأنه يلتهم كل شيء. هذا اجتهادي في تصحيح الشعر، حتى يوجد في مكان غيره. يقول: "فاجعل تحلّل" ، بمعنى: تحلل شيئًا بعد شيء = لا أن هناك جَعْلا من غير التحليل. فكذلك كل "جَعْلٍ" في الكلام، إنما هو دليل على فعلٍ له اتصال، لا أن له حظًّا في معنى الفعْل. * * * فقوله: "وجعل الظلمات والنور" ، إنما هو: أظلم ليلَهما، وأنارَ نَهارَهُما. * * * القول في تأويل قوله: {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره، معجِّبًا خلقَه المؤمنين من كفَرة عباده، ومحتجًّا على الكافرين: إنّ الإله الذي يجبُ عليكم، أيها الناس، حمدُه، هو الذي خلَق السماوات والأرض، الذي جعل منهما معايشَكم وأقواتكم، وأقواتَ أنعامكم التي بها حياتكم. فمن السماوات ينزل عليكم الغيثُ، وفيها تجري الشمس والقمر باعتِقابٍ واختلاف لمصالحكم. ومن الأرض ينبُتُ الحب الذي به غذاؤكم، والثمارُ التي فيها ملاذُّكم، مع غير ذلك من الأمور التي فيها مصالحكم ومنافعكم بها = والذين يجحدون نعمة الله عليهم بما أنعم به عليهم من خلق ذلك لهم ولكم، أيها الناس = "بربهم" ، الذي فعل ذلك وأحدثه = "يعدلون" ، يجعلون له شريكًا في عبادتهم إياه، فيعبدون معه الآلهة والأنداد والأصنام والأوثانَ، وليس منها شيء شرِكه في خلق شيءٍ من ذلك، ولا في إنعامه عليهم بما أنعم به عليهم، بل هو المنفرد بذلك كله، وهم يشركون في عبادتهم إيّاه غيره. فسبحان الله ما أبلغها من حجة، وأوجزها من عظة، لمن فكَّر فيها بعقل، وتدبرها بفهم! * * * ولقد قيل: إنها فاتحة التوراة. * ذكر من قال ذلك: 13042 - حدثنا سفيان بن وكيع قال، حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد العَمّي، عن أبي عمران الجوني، عن عبد الله بن رباح، عن كعب قال: فاتحة التوراة فاتحة "الأنعام" : "الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجَعَل الظلمات والنور ثم الذين كَفَروا بربِّهم يعدلون" . (1) 13043 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا زيد بن حباب، عن جعفر بن سليمان، عن أبي عمران الجوني، عن عبد الله بن رباح، عن كعب، مثله = وزاد فيه: وخاتمة التوراة خاتمة "هود" . * * * يقالُ من مساواة الشيء بالشيء: "عدلتُ هذا بهذا" ، إذا ساويته به، "عَدْلا" . وأما في الحكم إذا أنصفت فيه، فإنك تقول: "عَدَلت فيه أعدلُ عَدْلا" . (2) (1) الأثر: 13042 - "عبد العزيز بن عبد الصمد العمي" ، "أبو عبد الصمد" ، ثقة حافظ، من شيوخ أحمد، روى له أصحاب الكتب الستة. مترجم في التهذيب. و "أبو عمران الجوني" هو "عبد الملك بن حبيب الأزدي" ، ثقة، مضى برقم: 80. و "عبد الله بن رباح الأنصاري" ، ثقة، مضى برقم: 4810. و "كعب" ، هو كعب الأحبار المشهور بأخباره الإسرائيلية. (2) انظر تفسير "العدل فيما سلف 2: 35/11: 43، 44." وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله: "يعدلون" ، قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 13044 - حدثني ابن محمد عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "يعدلون" ، قال: يشركون. * * * ثم اختلف أهل التأويل فيمن عُني بذلك: فقال بعضهم: عُني به أهل الكتاب. * ذكر من قال ذلك: 13045 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يعقوب القمي، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن ابن أبزى قال: جاءه رجل من الخوارج يقرأ عليه هذه الآية: "الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربِّهم يعدِلون" ، قال له: أليس الذين كفروا بربِّهم يعدلون؟ قال: بلى! قال: وانصرف عنه الرجل، فقال له رجل من القوم: يا ابن أبزى، إن هذا قد أراد تفسيرَ هذه غير هذا! إنه رجلٌ من الخوارج! فقال: ردّوه عليّ. فلما جاءه قال: هل تدري فيمن نزلت هذه الآية؟ قال: لا! قال: إنها نزلت في أهل الكتاب، اذهبْ، ولا تضعها على غير حدِّها. (1) (1) الأثر: 13045 - "يعقوب القمي" ، هو "يعقوب بن عبد الله الأشعري القمي" ، ثقة، مضى برقم: 617، 7269، 8158. و "جعفر بن أبي المغيرة الخزاعي القمي" ، ثقة، مضى برقم: 87، 617، 4347، 7269. و "ابن أبزى" هو: "سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى الخزاعي" ، ثقة، مضى برقم: 9656، 9657، 9672. وأراد السائل من الخوارج بسؤاله، الاستدلال بالآية على تكفير أهل القبلة، في أمر تحكيم علي بن أبي طالب. وذلك هو رأي الخوارج. وقال آخرون: بل عُنى بها المشركون من عبدةِ الأوثان. * ذكر من قال ذلك: 13046 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "ثم الذين كفروا بربهم يعدلون" ، قال: [هؤلاء: أهل صراحيه] . (1) 13047- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "ثم الذين كفروا بربهم يعدلون" ، قال: هم المشركون. 13048 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "ثم الذين كفروا بربهم يعدلون" ، قال: الآلهة التي عبَدوها، عدلوها بالله. قال: وليس لله عِدْلٌ ولا نِدٌ، وليس معه آلهة، ولا اتخذ صاحبةً ولا ولدًا. * * * قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي أن يقال: إنّ الله تعالى ذكره أخبر أنّ الذين كفروا بربهم يعدلون، فعمّ بذلك جميع الكفّار، ولم يخصص منهم بعضًا دون بعض. فجميعهم داخلون في ذلك: يهودهم، ونصاراهم، ومجوسهم، وعبدة الأوثان منهم ومن غيرهم من سائر أصناف الكفر. * * * القول في تأويل قوله: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ} قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "هو الذي خلقكم من طين" ، أن الله الذي خلق السماوات والأرض، وأظلم ليلهما وأنَار نهارهما، ثم كفر به مع (1) في المطبوعة: "هؤلاء أهل صراحة" ، وهو كلام لا معنى له، وفي المخطوطة ما أثبته بين القوسين، لم أستطع أن أحل رموزه، فلعله يوجد بعد في كتاب غير الكتب التي في أيدينا، فتبين صحته. إنعامه عليهم الكافرون، (1) وعدلوا به من لا ينفعهم ولا يضرُّهم. هو الذي خلقكم، أيها الناس، من طين. وإنما يعني بذلك تعالى ذكره: أنَّ الناس وَلدُ مَنْ خلقه من طين، فأخرج ذلك مخرج الخطاب لهم، إذ كانوا وَلَده. * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 13049- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "هو الذي خلقكم من طين" ، بدءُ الخلق، خلقَ الله آدم من طين. 13050 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "هو الذي خلقكم من طين" ، قال: هو آدم. 13051- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: أمّا "خلقكم من طين" ، فآدم. 13052 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا أبو تميلة، عن عبيد بن سليمان، عن الضحاك بن مزاحم قال: خلق آدم من طين، وخلق الناس من سُلالةٍ من ماءٍ مَهين. 13053 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "خلقكم من طين" ، قال: خلق آدم من طين، ثم خلقنا من آدم حين أخذَنا من ظهره. * * * (1) في المطبوعة: "فكفر به" ، أما المخطوطة، ففيها الذي أثبته إلا أنه كتب "ثمكفر به" ووصل "ثم" بقوله: "كفر" ، وهذا من عجب الكتابة ولطائف النساخ. https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الحادى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة الحلقة (595) صــ 256 إلى صــ 265 القول في تأويل قوله: {ثُمَّ قَضَى أَجَلا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ} قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك. فقال بعضهم: معنى قوله: "ثم قضى أجلا" ، ثم قضى لكم، أيها الناس، "أجلا" . وذلك ما بين أن يُخْلق إلى أن يموت = "وأجل مسمى عنده" ، وذلك ما بين أن يموت إلى أن يبعث. * ذكر من قال ذلك: 13054- حدثنا ابن وكيع وهناد بن السري قالا حدثنا وكيع قال، حدثنا أبي، عن أبي بكر الهذلي، عن الحسن في قوله: "قضى أجلا" ، قال: ما بين أن يخلق إلى أن يموت = "وأجل مسمى عنده" ، قال: ما بين أن يموت إلى أن يبعث. (1) 13055 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "ثم قضى أجلا وأجلٌ مسمى عِنده" ، كان يقول: أجل حياتك إلى أن تموت، وأجل موتك إلى أن تُبْعث. فأنت بين أجَلين من الله تعالى ذكره. 13056 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا أبو تميلة، عن عبيد بن سليمان، عن الضحاك بن مزاحم: "قضى أجلا وأجل مسمى عنده" ، قال: قضى أجل الموت، وكل نفسٍ أجلها الموت. قال: ولن يؤخر الله نفسًا (1) الأثر: 13054 - "وكيع" هو "وكيع بن الجراح بن مليح الرؤاسي" . وأبوه: "الجراح بن مليح الرؤاسي" ، مضيا في مواضع مختلفة. و "أبو بكر الهذلي" مختلف في اسمه قيل هو: "سلمى بن عبد الله بن سلمى" ، وقيل: "روح بن عبد الله" . ومضى برقم: 597، 8376، وهو ضعيف. إذا جاء أجلها = "وأجل مسمى عنده" ، يعني: أجل الساعة، ذهاب الدنيا، والإفضاءُ إلى الله. * * * وقال آخرون: بل معنى ذلك: ثم قضى الدنيا، وعنده الآخرة. * ذكر من قال ذلك: 13057 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن سفيان، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قوله: "أجلا" ، قال: الدنيا = "وأجل مسمى عنده" ، الآخرة. 13058 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو عاصم، عن زكريا بن إسحاق، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "قضى أجلا" ، قال: الآخرة عنده = "وأجل مسمى" ، الدنيا. 13059- حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "أجلا" ، قال: الآخرة عنده = "وأجل مسمًّى" ، قال: الدنيا. 13060- حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "أجلا" ، قال: الآخرة عنده = "وأجل مسمى" ، قال: الدنيا. 13061- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة والحسن: "ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده" ، قالا قضى أجل الدنيا، من حين خلقك إلى أن تموت = "وأجل مسمى عنده" ، يوم القيامة. 13062 - حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن جابر، عن مجاهد وعكرمة: "ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده" ، قال: قَضَى أجل الدنيا = "وأجل مسمى عنده" ، قال: هو أجل البعث. 13063- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن مجاهد وعكرمة: "ثم قضى أجلا" ، قال: الموت = "وأجل مسمى عنده" ، الآخرة. 13064- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة والحسن في قوله: "قضى أجلا وأجل مسمى عنده" ، قالا قضى أجل الدنيا، منذ يوم خلقت إلى أن تموت = "وأجل مسمى عنده" ، يوم القيامة. 13065- حدثنا ابن وكيع وابن حميد قالا حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد: "قضى أجلا" ، قال: أجل الدنيا = "وأجل مسمى عنده" ، قال: البعث. 13066- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: "ثم قضى أجلا وأجلٌ مسمى عنده" ، يعني: أجل الموت = "والأجل المسمى" ، أجلُ الساعة والوقوفِ عند الله. 13067 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "قضى أجلا" ، قال: أمّا "قضى أجلا" ، فأجل الموت = "وأجل مسمى عنده" ، يوم القيامة. * * * وقال آخرون في ذلك بما:- 13068 - حدثني به محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس في قوله: "ثم قضى أجلا وأجل" مسمى عنده "، قال: أمّا قوله:" قضى أجلا "، فهو النومُ، تُقْبض فيه الروح، ثم ترجع إلى صاحبها حين اليقظة =" وأجل مسمى عنده "، هو أجل موت الإنسان." * * * وقال آخرون بما:- 13069 - حدثني به يونس قال، أخبرنا ابن وهب في قوله: "هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده ثم أنتم تمترون" ، قال: خلق آدم من طين، ثم خلقنا من آدم، أخذنا من ظهره، ثم أخذ الأجل والمِيثاق في أجلٍ واحد مسمًّى في هذه الحياة الدنيا. * * * قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب، قولُ من قال: معناه: ثم قضى أجلَ الحياة الدنيا = "وأجلٌ مسمى عنده" ، وهو أجل البَعْث عنده. وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب، لأنه تعالى ذكره نبَّه خلقَه على موضع حُجَّته عليهم من أنفسهم فقال لهم: أيها الناس، إن الذي يعدِلُ به كفارُكم الآلهةَ والأندادَ، هو الذي خلقكم فابتدأكم وأنشأكم من طين، فجعلكم صورًا أجساًما أحياءً، بعد إذ كنتم طينًا جمادًا، ثم قضى آجال حياتكم لفنائكم ومماتكم، ليعيدكم ترابًا وطينًا كالذي كنتم قبل أن ينشئكم ويخلقكم = وأجل مسمى عندَه لإعادتكم أحياءً وأجسامًا كالذي كنتم قبل مماتكم. (1) وذلك نظير قوله: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ، [سورة البقرة: 28] . * * * (1) انظر تفسير "الأجل" فيما سلف 5: 7/6: 43، 76/8: 548. = وتفسير "مسمى" فيما سلف 6: 43. القول في تأويل قوله: {ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (2) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ثم أنتم تَشكُّون في قدرة من قَدَر على خلق السماوات والأرض، وإظلام الليل وإنارة النهار، وخلقكم من طين حتى صيَّركم بالهيئة التي أنتم بها = على إنشائه إياكم من بعد مماتكم وفنائكم، (1) وإيجاده إيّاكم بعد عدمكم. * * * و "المرية" في كلام العرب، هي الشك. وقد بيّنت ذلك بشواهده في غير هذا الموضع فيما مضى قبل، بما أغنى عن إعادته. (2) * * * وقد:- 13070 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: "ثم أنتم تمترون" ، قال: الشك. قال: وقرأ قول الله: فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ [سورة هود: 17] ، قال: في شكٍّ منه. 13071 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "ثم أنتم تمترون" ، بمثله. * * * (1) في المطبوعة: "وعلى إنشائه" بزيادة الواو، وهي مفسدة وهي خطأ صرف، لم يفهم سياق أبي جعفر، فإن قوله: "على إنشائه إياكم" متعلق بقوله: "ثم أنتم تشكون في قدرة من قدر. . ." ، أي: تشكون في قدرة من فعل ذلك، على إنشائه إياكم. (2) انظر تفسير "الامتراء" فيما سلف 3: 190، 191/6: 472. القول في تأويل قوله: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ (3) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن الذي له الألوهةُ التي لا تنبغي لغيره، المستحقَّ عليكم إخلاصَ الحمد له بآلائه عندكم، أيها الناس، الذي يعدل به كفاركم مَن سواه، هو الله الذي هو في السماوات وفي الأرض يعلم سِرَّكم وجَهْركم، فلا يخفى عليه شيء. يقول: فربكم الذي يستحقُّ عليكم الحمدَ، ويجب عليكم إخلاصُ العبادة له، هو هذا الذي صفته = لا من لا يقدر لكم على ضرّ ولا نفع، ولا يعمل شيئًا، ولا يدفع عن نفسه سُوءًا أريد بها. * * * وأما قوله: "ويعلم ما تكسبون" ، يقول: ويعلم ما تَعمَلون وتجرَحُون، فيحصي ذلك عليكم ليجازيكم به عند معادكم إليه. (1) * * * القول في تأويل قوله: {وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (4) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وما تأتي هؤلاء الكفار الذين بربهم يعدِلون أوثانَهم وآلهتهم = "آية من آيات ربهم" ، يقول: حجّة وعلامة ودلالة من حُجج ربهم ودلالاته وأعلامه على وحدانيته، وحقيقة نبوتك، يا محمد، وصدق ما أتيتهم به من عندي (2) = "إلا كانوا عنها معرضين" ، يقول: إلا (1) انظر تفسير "كسب" فيما سلف 10: 297، تعليق: 2، والمراجع هناك. (2) انظر تفسير "الآية" فيما سلف من فهارس اللغة (أيي) . أعرضوا عنها، يعني عن الآية، فصدّوا عن قَبُولها والإقرار بما شهدت على حقيقته ودلّت على صحته، جهلا منهم بالله، واغترارًا بحلمه عنهم. (1) * * * القول في تأويل قوله: {فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (5) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فقد كذب هؤلاء العادلون بالله، الحقَّ لما جاءهم، وذلك "الحق" ، هو محمد صلى الله عليه وسلم (2) كذّبوا به، وجحدوا نبوَّته لما جاءهم. قال الله لهم متوعّدًا على تكذيبهم إياه وجحودِهم نبوَّته: سوف يأتي المكذّبين بك، يا محمد، من قومِك وغيرهم = "أنْباء ما كانوا به يستهزءون" ، يقول: سوف يأتيهم أخبارُ استهزائهم بما كانوا به يستهزئون من آياتي وأدلَّتي التي آتيتهم. (3) ثم وفى لهم بوعيده لمّا تمادَوا في غيِّهم، وعَتْوا على ربهم، فقتلتهم يوم بدرٍ بالسَّيف. * * * (1) انظر تفسير "الإعراض" فيما سلف 9: 310، تعليق: 1، والمراجع هناك. (2) انظر تفسير "الحق" فيما سلف 10: 377، تعليق: 1، والمراجع هناك. (3) انظر تفسير "النبأ" فيما سلف 10: 391، تعليق: 2، والمراجع هناك. = وتفسير "الاستهزاء" فيما سلف 1: 301 - 303. القول في تأويل قوله: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ (6) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمدٍ صلى الله عليه وسلم: ألم يرَ هؤلاء المكذبون بآياتي، الجاحدون نبوّتك، كثرةَ من أهلكت من قبلهم من القُرون = وهم الأمم = الذين وطَّأت لهم البلادَ والأرض توطئة لم أوطِّئها لهم، (1) وأعطيتهم فيها ما لم أعطهم؟ كما:- 13072 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: "مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم" ، يقول: أعطيناهم ما لم نعطكم. * * * قال أبو جعفر: أمطرت فأخرجت لهم الأشجارُ ثمارها، وأعطتهم الأرض رَيْع نَباتها، وجابوا صخورَ جبالها، ودرَّت عليهم السماء بأمطارها، وتفجرت من تحتهم عيون المياه بينابيعها بإذني، فغمَطُوا نعمة ربهم، وعصوا رسولَ خالقهم، وخالفوا أمرَ بارئهم، وبغَوْا حتى حقَّ عليهم قَوْلي، فأخذتهم بما اجترحوا من ذنوبهم، وعاقبتهم بما اكتسبت أيديهم، وأهلكت بعضهم بالرَّجفة، وبعضهم بالصيحة، وغير ذلك من أنواع العذاب. * * * ومعنى قوله: "وأرسلنا السماء عليهم مدرارًا" ، المطرَ. ويعني بقوله: "مدرارًا" ، غزيرة دائمةً = "وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين" ، يقول: وأحدثنا من بعد (1) في المطبوعة: "وطأة لم أوطئها" ، وأثبت ما في المخطوطة. الذين أهلكناهم قرنًا آخرين، فابتدأنَا سِواهم. * * * فإن قال قائل: فما وجهُ قوله: "مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم" ؟ ومن المخاطب بذلك؟ فقد ابتدأ الخبر في أول الآية عن قوم غَيَبٍ بقوله: "ألم يروا كم أهلكنا من قَبَلهم من قرن" ؟ قيل: إن المخاطب بقوله: "ما لم نمكن لكم" ، هو المخبر عنهم بقوله: "ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن" ، ولكن في الخبر معنى القول = ومعناه: قُلْ، يا محمد، لهؤلاء القوم الذين كذبوا بالحقِّ لما جاءهم: ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قَرْن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم. والعرب إذا أخبرت خبرًا عن غائبٍ، وأدخلت فيه "قولا" ، فعلت ذلك، فوجهت الخبرَ أحيانًا إلى الخبر عن الغائب، وأحيانًا إلى الخطاب، فتقول: "قلت لعبد الله: ما أكرمه" ، و "قلت لعبد الله: ما أكرمك" ، وتخبر عنه أحيانًا على وجه الخبر عن الغائب، ثم تعود إلى الخطاب. وتخبر على وجه الخطاب له، ثم تعود إلى الخبر عن الغائب. وذلك في كلامها وأشعارها كثيرٌ فاشٍ. وقد ذكرنا بعض ذلك فيما مضى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (1) * * * وقد كان بعض نحويي البصرة يقول في ذلك: كأنه أخبرَ النبي صلى الله عليه وسلم، ثم خاطبه معهم. وقال: حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ [سورة يونس: 22] ، فجاء بلفظ الغائب، وهو يخاطب، لأنه المخاطَب. * * * (1) انظر ما سلف 1: 153 - 154/ 2: 293، 294، 357، 388/ 3: 170/ 6: 564. القول في تأويل قوله: {وَلَوْ نزلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) } قال أبو جعفر: وهذا إخبار من الله تعالى ذكره نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم، عن هؤلاء القوم الذين يعدلون بربهم الأوثانَ والآلهة والأصنام. يقول تعالى ذكره: وكيف يتفقهون الآيات، أم كيف يستدِلُّون على بُطْلان ما هم عليه مُقِيمون من الكفر بالله وجحودِ نبوتك، بحجج الله وآياته وأدلته، وهم لعنادهم الحقَّ وبعدِهم من الرشد، لو أنزلت عليك، يا محمد، الوحيَ الذي أنزلته عليك مع رسولي، في قِرْطاس يعاينونه ويمسُّونه بأيديهم، (1) وينظرون إليه ويقرءونه منه، معلَّقًا بين السماء والأرض، بحقيقة ما تدعوهم إليه، وصحَّةِ ما تأتيهم به من توحيدي وتنزيلي، لقال الذين يعدلُون بي غيري فيشركون في توحيدِي سواي: "إنْ هذا إلا سحرٌ مبينٌ" ، أي: ما هذا الذي جئتنا به إلا سحر سحرتَ به أعيننا، ليست له حقيقة ولا صحة (2) = "مبين" ، يقول: مبين لمن تدبّره وتأمَّله أنه سحر لا حقيقة له. (3) * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 13073 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره: "كتابًا في قرطاس فلمسوه بأيديهم" ، قال: فمسوه ونظروا إليه، لم يصدِّقوا به. (1) انظر تفسير "لمس" فيما سلف 8: 399/ 10: 83. (2) انظر تفسير "السحر" فيما سلف 2: 436 - 442. (3) انظر تفسير "مبين" فيما سلف 10: 575، تعليق: 3، والمراجع هناك. https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الحادى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة الحلقة (596) صــ 266 إلى صــ 275 13074 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "ولو نزلنا عليك كتابًا في قرطاس فلمسوه بأيديهم" ، يقول: فعاينوه معاينة = "لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحرٌ مبين" . 13075 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "ولو نزلنا عليك كتابًا في قرطاس فلمسوه بأيديهم" ، يقول: لو نزلنا من السماء صُحُفًا فيها كتاب فلمسوه بأيديهم، لزادهم ذلك تكذيبًا. 13076- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "ولو نزلنا عليك كتابًا في قرطاس" ، الصحف. 13077- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: "في قرطاس" ، يقول: في صحيفة = "فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إنْ هذا إلا سحرٌ مبين" . * * * القول في تأويل قوله: {وَقَالُوا لَوْلا أُنزلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الأمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ (8) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال هؤلاء المكذبون بآياتي، العادلون بي الأندادَ والآلهةَ، يا محمد، لك لو دعوتهم إلى توحيدي والإقرار بربوبيتي، وإذا أتيتهم من الآيات والعبر بما أتيتهم به، واحتججت عليهم بما احتججت عليهم مما قطعتَ به عذرَهم: هَلا نزل عليك ملك من السماء في صورته، (1) يصدّقكَ على ما جئتنا به، ويشهد لك بحقيقة ما تدَّعي من أنَّ الله أرسلك إلينا! (1) انظر تفسير "لولا" فيما سلف 2: 552، 553/10: 448 وما سيأتي ص: 343. كما قال تعالى ذكره مخبرًا عن المشركين في قِيلهم لنبي الله صلى الله عليه وسلم: وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأسْوَاقِ لَوْلا أُنزلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا [سورة الفرقان: 7] ، = "ولو أنزلنا مَلَكًا لقضي الأمر ثم لا ينظرون" ، يقول: ولو أنزلنا ملكًا على ما سألوا، ثم كفروا ولم يؤمنوا بي وبرسولي، لجاءهم العذابُ عاجلا غيرَ آجل، (1) ولم يُنْظروا فيؤخَّروا بالعقوبة مراجعةَ التوبة، (2) كما فعلت بمن قبلهم من الأمم التي سألت الآيات، ثم كفرت بعد مجيئها، من تعجيل النقمة، وترك الإنظار، كما:- 13078 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "ولو أنزلنا ملكًا لقضي الأمر ثم لا ينظرون" ، يقول: لجاءهم العذاب. 13079 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "ولو أنزلنا ملكًا لقضي الأمر ثم لا ينظرون" ، يقول: ولو أنهم أنزلنا إليهم ملكًا، ثم لم يؤمنوا، لم يُنْظَروا. 13080 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره: "لولا أنزل عليه ملك" في صورته = "ولو أنزلنا ملكًا لقضي الأمر" ، لقامت الساعة. 13081 - حدثنا ابن وكيع، عن أبيه قال، حدثنا أبو أسامة، عن سفيان الثوري، عن عكرمة: "لقضي الأمر" ، قال: لقامت الساعة. 13082- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة: "ولو أنزلنا ملكًا لقضي الأمر" ، قال يقول: لو أنزل الله ملكًا (1) انظر تفسير "قضى" فيما سلف 2: 542/4: 195/9: 164. (2) انظر تفسير "انظر" فيما سلف 3: 264/6: 577. ثم لم يؤمنوا، لعجل لهم العذاب. * * * وقال آخرون في ذلك بما:- 13083- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن سعيد قال، أخبرنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس قوله: "ولو أنزلنا ملكًا لقضي الأمر ثم لا ينظرون" ، قالا لو آتاهم ملك في صورته لماتوا، ثم لم يؤخَّرُوا طرفةَ عينٍ. * * * القول في تأويل قوله: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلا} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولو جعلنا رسولنا إلى هؤلاء العادلِين بي، القائلين: لولا أنزل على محمّدٍ ملك بتصديقه- ملكًا ينزل عليهم من السماء، يشهد بتصديق محمد صلى الله عليه وسلم، ويأمرهم باتباعه = "لجعلناه رجلا" ، يقول: لجعلناه في صورة رجل من البشر، لأنهم لا يقدرون أن يروا الملك في صورته. يقول: وإذا كان ذلك كذلك، فسواء أنزلت عليهم بذلك ملكًا أو بشرًا، إذ كنت إذا أنزلت عليهم ملكًا إنما أنزله بصورة إنسيّ، وحججي في كلتا الحالتين عليهم ثابتة: بأنك صادق، وأنّ ما جئتهم به حق. * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال بعض أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 13084 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن سعيد قال، حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس: "ولو جعلناه" ملكًا لجعلناه رجلا "، يقول: ما آتاهم إلا في صورة رجل، لأنهم لا يستطيعون النظر إلى الملائكة." 13085 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "ولو جعلناه ملكًا لجعلناه رجلا" ، في صورة رجل، في خَلْق رجل. 13086 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "ولو جعلناه ملكًا لجعلناه رجلا" ، يقول: لو بعثنا إليهم ملكًا لجعلناه في صورة آدم. (1) 13087 - حدثني محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: "ولو جعلناه ملكًا لجعلناه رجلا" ، يقول: في صورة آدمي. 13088 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة، مثله. 13089 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "ولو جعلناه ملكًا لجعلناه رجلا" قال: لجعلنا ذلك الملك في صورة رجل، لم نرسله في صورة الملائكة. * * * القول في تأويل قوله: {وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ (9) } قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "وللبسنا عليهم" : ولو أنزلنا ملكًا من السماء مصدِّقًا لك، يا محمد، شاهدًا لك عند هؤلاء العادلين بي، الجاحدين آياتِك على حقيقة نبوّتك، فجعلناه في صورة رجل من بني آدم، (1) في المطبوعة: "آدمي" ، وأثبت ما في المخطوطة. إذ كانوا لا يُطيقون رؤية الملك بصورته التي خلقتُه بها= التبس عليهم أمرُه، فلم يدروا أملك هو أمْ إنسيّ! فلم يوقنوا به أنَّه ملك، ولم يصدّقوا به، وقالوا: "ليس هذا ملكًا" ! وللبسنا عليهم ما يلبسونه على أنفسهم من حقيقة أمرك، وصحة برهانك وشاهدك على نبوّتك. * * * يقال منه: "لَبَست عليهم الأمر أَلْبِسُه لَبْسًا" ، إذا خلطته عليهم = "ولبست الثوبَ ألبَسُه لُبْسًا" . و "اللَّبوس" ، اسم الثياب. (1) * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. (2) 13089- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "وللبسنا عليهم ما يلبسون" ، يقول: لشبَّهنا عليهم. 13090 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "وللبسنا عليهم ما يلبسون" ، يقول: ما لبَّس قوم على أنفسهم إلا لَبَّس الله عليهم. واللَّبْس إنما هو من الناس. 13091- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وللبسنا عليهم ما يلبسون" ، يقول: شبَّهنا عليهم ما يشبِّهون على أنفسهم. * * * وقد روي عن ابن عباس في ذلك قول آخر، وهو ما:- 13092 - حدثني به محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي (1) انظر تفسير "اللبس" فيما سلف 1: 567، 568/6: 503 - 505 = وتفسير "اللباس" فيما سلف 1: 567، 568/ 3: 489، 490. (2) انظر أثرًا آخر في تفسير هذه الآية فيما سلف رقم: 882 (ج 1: 567) ، لم يذكره في الآثار المفسرة، وهو باب من أبواب اختصاره لتفسيره. قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "وللبسنا عليهم ما يلبسون" ، فهم أهل الكتاب، فارقوا دينهم، وكذَّبوا رسلهم، وهو تحريفُ الكلام عن مواضعه. 13093 - حدثت عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك في قوله: "وللبسنا عليهم ما يلبسون" ، يعني: التحريفَ، هم أهل الكتاب، فرقوا كتبهم ودينَهم، وكذَّبوا رسلهم، فلبَّس الله عليهم ما لبَّسوا على أنفسهم. * * * وقد بينا فيما مضى قبل أن هذه الآيات من أوّل السورة، بأن تكون في أمر المشركين من عبدة الأوثان، أشبهُ منها بأمرِ أهل الكتاب من اليهود والنصارى، بما أغنى عن إعادته. (1) * * * القول في تأويل قوله: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (10) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيّه محمد صلى الله عليه وسلم، مسليًّا عنه بوعيده المستهزئين به عقوبةَ ما يلقى منهم من أذىَ الاستهزاء به، والاستخفاف في ذات الله: هَوِّنْ عليك، يا محمد، ما أنت لاقٍ من هؤلاء المستهزئين بك، المستخفِّين بحقك فيّ وفي طاعتي، وامضِ لما أمرتك به من الدُّعاء إلى توحيدي والإقرار بي والإذعان لطاعتي، فإنهم إن تمادوا في غيِّهم، وأصَرُّوا على المقام على كفرهم، نسلك بهم سبيلَ أسلافهم من سائر الأمم من غيرهم، من تعجيل النقمة (1) انظر ما سلف ص: 254. لهم، وحلول المَثُلاثِ بهم. فقد استهزأت أمم من قبلك برسلٍ أرسلتهم إليهم بمثل الذي أرسلتك به إلى قومك، وفعلوا مثل ما فعل قومُك بك = "فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزءون" ، يعني بقوله: "فحاق" ، فنزل وأحاط بالذين هزئوا من رسلهم = "ما كانوا به يستهزئون" ، يقول: العذابُ الذي كانوا يهزءون به، وينكرون أن يكون واقعًا بهم على ما أنذرتهم رسلهم. * * * يقال منه: "حاق بهم هذا الأمر يَحِيقُ بهم حَيْقًا وحُيُوقًا وحَيَقَانًا" . * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 13094- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "فحاق بالذين سخروا منهم" ، من الرسل = "ما كانوا به يستهزئون" ، يقول: وقع بهم العذاب الذي استهزءوا به. * * * القول في تأويل قوله: {قُلْ سِيرُوا فِي الأرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: "قل" ، يا محمد = لهؤلاء العادلين بيَ الأوثانَ والأندادَ، المكذِّبين بك، الجاحدين حقيقة ما جئتهم به من عندي= "سيروا في الأرض" ، يقول: جولوا في بلاد المكذِّبين رسلَهم، الجاحدين آياتي مِنْ قبلهم من ضُرَبائهم وأشكالهم من الناس = "ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين" ، يقول: ثم انظروا كيف أعقَبَهم تكذيبهم ذلك، الهلاكَ والعطبَ وخزيَ الدنيا وعارَها، وما حَلَّ بهم من سَخَط الله عليهم، من البوار وخراب الديار وعفوِّ الآثار. فاعتبروا به، إن لم تنهكم حُلُومكم، ولم تزجركم حُجج الله عليكم، عمَّا أنتم [عليه] مقيمون من التكذيب، (1) فاحذروا مثل مصارعهم، واتقوا أن يحلّ بكم مثلُ الذي حلّ بهم. * * * وكان قتادة يقول في ذلك بما:- 13095- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين" ، دمَّر الله عليهم وأهلكهم، ثم صيَّرهم إلى النار. * * * القول في تأويل قوله: {قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمّد صلى الله عليه وسلم: "قل" ، يا محمد، لهؤلاء العادلين بربهم = "لمن ما في السماوات والأرض" ، يقول: لمن ملك ما في السماوات والأرض؟ ثم أخبرهم أن ذلك لله الذي استعبدَ كل شيء، وقهر كل شيء بملكه وسلطانه = لا للأوثان والأنداد، ولا لما يعبدونه ويتخذونه إلهًا من الأصنام التي لا تملك لأنفسها نفعًا ولا تدفع عنها ضُرًّا. وقوله: "كتب على نفسه الرحمة" ، يقول: قضى أنَّه بعباده رحيم، لا يعجل عليهم بالعقوبة، ويقبل منهم الإنابة والتوبة. (2) وهذا من الله تعالى ذكره استعطاف للمعرضين عنه إلى الإقبال إليه بالتوبة. (1) الزيادة بين القوسين لا بد منها حتى يستقيم الكلام. (2) انظر تفسير "كتب" فيما سلف 10: 359، تعليق: 1. يقول تعالى ذكره: أن هؤلاء العادلين بي، الجاحدين نبوّتك، يا محمد، إن تابوا وأنابوا قبلت توبتهم، وإني قد قضيت في خَلْقي أنّ رحمتي وسعت كل شيء، كالذي:- 13096 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن ذكوان، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لما فرغ الله من الخلق، كتب كتابًا:" إنّ رحمتي سَبَقَتْ غضبي ". (1) " 13097 - حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا داود، عن أبي عثمان، عن سلمان قال: إنّ الله تعالى ذكره لما خلق السماء والأرض، خلق مئة رحمةٍ، كل رحمة ملء ما بين السماء إلى الأرض. فعنده تسع وتسعون رحمةً، وقسم رحمة بين الخلائق. فبها يتعاطفون، وبها تشرب الوَحْش والطير الماءَ. فإذا كان يوم ذلك، (2) قصرها الله على المتقين، وزادهم تسعًا وتسعين. (3) 13098- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا ابن أبي عدي، عن داود، عن أبي عثمان، عن سلمان، نحوه = إلا أن ابن أبي عدي لم يذكر في حديثه: "وبها تشرب الوحش والطير الماء" . (4) (1) الأثر: 13096 - إسناده صحيح. وهو حديث مشهور. "ذكوان" ، هو "أبو صالح" . ورواه البخاري (الفتح 13: 325) من طريق أبي حمزة، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، بغير هذا اللفظ، مطولا. وانظر تعليق أخي السيد أحمد على المسند رقم: 7297، 7491، 7520. (2) في المطبوعة: "فإذا كان يوم القيامة، قصرها" ، وأثبت ما في المخطوطة. وأما سائر المراجع فذكرت ما كان في المطبوعة. والذي في المخطوطة جائز، فإن "ذلك" إشارة إلى معهود معروف، وهو يوم القيامة. (3) الأثران: 13097، 13098 - "داود" ، هو "داود بن أبي هند" مضى مرارًا. و "أبو عثمان" ، هو "أبو عثمان النهدي" : "عبد الرحمن بن مل بن عمرو بن عدي النهدي" ، تابعي ثقة، أدرك الجاهلية. مترجم في التهذيب. (4) الأثران: 13097، 13098 - "داود" ، هو "داود بن أبي هند" مضى مرارًا. و "أبو عثمان" ، هو "أبو عثمان النهدي" : "عبد الرحمن بن مل بن عمرو بن عدي النهدي" ، تابعي ثقة، أدرك الجاهلية. مترجم في التهذيب. 13099- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن عاصم بن سليمان، عن أبي عثمان، عن سلمان قال: نجد في التوراة عطفتين: أن الله خلق السماوات والأرض، ثم خلق مئة رحمة = أو: جعل مئة رحمة = قبل أن يخلق الخلق. ثم خلق الخلق، فوضع بينهم رحمة واحدة، وأمسك عنده تسعًا وتسعين رحمة. قال: فبها يتراحمون، وبها يتباذلون، وبها يتعاطفون، وبها يتزاورون، (1) وبها تحنُّ الناقة، وبها تثُوجُ البقرة، (2) وبها تيعر الشاة، (3) وبها تتَّابع الطير، وبها تتَّابع الحيتان في البحر. (4) فإذا كان يوم القيامة، جمع الله تلك الرحمة إلى ما عنده. ورحمته أفضل وأوسع. 13100- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن عاصم بن سليمان، عن أبي عثمان النهدي، عن سلمان في قوله: "كتب على نفسه الرحمة" ، الآية قال: إنا نجد في التوراة عَطْفتين= ثم ذكر نحوه إلا أنه قال: (5) "وبها تَتَابع الطير، وبها تَتَابع الحيتان في البحر" . (6) (1) في المخطوطة، فوق "يتزاورون" ، حرف (ط) ، دلالة على الشك أو الخطأ. ولا أدري ما أراد بذلك، والذي في المخطوطة والمطبوعة، مثله في الدر المنثور. (2) في المطبوعة: "تنئج البقرة" ، وفي الدر المنثور: "تنتج البقرة" ، وهو خطأ. والذي في المطبوعة، صواب في المعنى. يقال: "نأج الثور ينئج" ، إذا صاح. وأما الذي في المخطوطة، فهو صواب أيضًا، ولذلك أثبته، يقال: "ثاجت البقرة تثاج وتثوج، ثوجًا وثواجًا" : صوتت. قال صاحب اللسان: "وقد يهمز، وهو أعرف. إلا أن ابن دريد قال: ترك الهمز أعلى" . (3) "يعرت الشاة تيعر يعارًا" : صاحت. (4) أنا في شك في قوله "تتابع الطير" و "تتابع الحيتان" ، ولكن هكذا هو المطبوعة والمخطوطة، وهو معنى شبيه بالاستقامة. وانظر التعليق التالي. (5) في المطبوعة: "إلا أنه ما قال" ، زاد "ما" ، لأنه استشكل عليه الكلام، فإن الذي قاله في هذا الخبر، هو الذي قاله في الخبر السالف. والظاهر والله أعلم أن الأولى كما ضبطتها هناك "تتابع" (بفتح ثم تاء مفتوحة مشددة) وأن هذه الثانية "تتابع" (بفتح التاء الثانية غير مشددة) على حذف إحدى التاءات الثلاث. (6) الأثران: 13099، 13100 - خرجهما السيوطي في الدر المنثور 3: 6، وقال: "أخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن سلمان. . ." ، وساق الخبر. https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الحادى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة الحلقة (597) صــ 276 إلى صــ 285 13101 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر قال، قال ابن طاوس، عن أبيه: إن الله تعالى ذكره لما خلق الخلق، لم يعطف شيء على شيء، حتى خلق مئة رحمة، فوضع بينهم رحمة واحدة، فعطف بعضُ الخلق على بعض. 13102- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، بمثله. 13103 - حدثنا ابن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر قال، وأخبرني الحكم بن أبان، عن عكرمة، حسبته أسنده قال: إذا فرغ الله عز وجلّ من القضاء بين خلقه، أخرج كتابًا من تحت العرش فيه: "إن رحمتي سبقت غضبي، وأنا أرحم الراحمين" ، قال: فيخرج من النار مثل أهل الجنة = أو قال: "مِثلا أهل الجنة" ، ولا أعلمه إلا قال: "مثلا" ، وأما "مثل" فلا أشك = مكتوبًا ها هنا، وأشار الحكم إلى نحره، "عتقاء الله" ، فقال رجل لعكرمة: يا أبا عبد الله، فإن الله يقول: يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ [سورة المائدة: 37] ؟ قال: ويلك! أولئك أهلها الذين هم أهلها. 13104- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، حسبت أنه أسنده قال: إذا كان يوم القيامة، أخرج الله كتابًا من تحت العرش = ثم ذكر نحوه، غير أنه قال: فقال رجل: يا أبا عبد الله، أرأيت قوله: "يريدون أن يخرجوا من النار" ؟ = وسائر الحديث مثل حديث ابن عبد الأعلى. 13105- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن همام بن منبه قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما" قضى الله الخلق، كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش: "إنّ رحمتي سبقت غضبي" . (1) 13106 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أبي أيوب، عن عبد الله بن عمرو: أنه كان يقول: إن لله مئة رحمة، فأهبط رحمةً إلى أهل الدنيا، يتراحم بها الجن والإنس، وطائر السماء، وحيتان الماء، ودوابّ الأرض وهوامّها. وما بين الهواء. واختزن عنده تسعًا وتسعين رحمة، حتى إذا كان يوم القيامة، اختلج الرحمةَ التي كان أهبطها إلى أهل الدنيا، (2) فحواها إلى ما عنده، فجعلها في قلوب أهل الجنة، وعلى أهل الجنة. (3) 13107 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة قال: قال عبد الله بن عمرو: إن لله مئة رحمة، أهبط منها إلى الأرض رحمة واحدة، يتراحم بها الجنّ والإنس، والطير والبهائم وهوامُّ الأرض. 13108 - حدثنا محمد بن عوف قال، أخبرنا أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج قال، حدثنا صفوان بن عمرو قال، حدثني أبو المخارق زهير بن سالم قال، قال عمر لكعب: ما أوَّل شيء ابتدأه الله من خلقه؟ فقال كعب: كتب الله كتابًا لم يكتبه بقلم ولا مداد، ولكنه كتب بأصبعه يتلوها الزبرجد واللؤلؤ والياقوت (4) "أنا الله لا إله إلا أنا، سبقت رحمتي غضبي" . (5) * * * (1) الأثر: 13105 - رواه أحمد في مسنده بهذا الإسناد رقم: 8112، ولفظه: "غلبت غضبي" . وانظر تعليق أخي السيد أحمد عليه هناك. وانظر التعليق على الأثر السالف رقم: 13096. (2) "اختلج الشيء" : جذبه وانتزعه. (3) الأثر: 13106 - خرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 6، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد، وأبي الشيخ. (4) هكذا في المطبوعة، وفي الدر المنثور، "يتلوها" ، وهي في المخطوطة كذلك، إلا أنها غير منقوطة، وأنا في ريب من أمر هذا الحرف، أخشى أن يكون محرفًا عن شيء آخر لم أتبينه، وإن كان المعنى مستقيما على ضعف فيه. (5) الأثر: 13108 - "محمد بن عوف بن سفيان الطائي" ، شيخ الطبري مضى، برقم: 5445، 12194. و "أبو المغيرة" : عبد القدوس بن الحجاج الخولاني "، مضى برقم: 10371، 12194." و "صفوان بن عمرو بن هرم السكسكي" ، مضى برقم: 7009، 12807. و "أبو المخارق" : "زهير بن سالم العنسي" . ذكره ابن حبان في الثقات، "روى له أبو داود وابن ماجه حديثًا واحدًا" . وقال الدارقطني: "حمصي، منكر الحديث" ، مترجم في التهذيب، والكبير 2/1/390، وابن أبي حاتم 1/2/587، وميزان الاعتدال 1: 353. وهذا الخبر، خرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 6، ولم ينسبه لغير ابن جرير. وهو خبر كما ترى، عن كعب الأحبار، مشوب بما كان من دأبه في ذكر الإسرائليات. القول في تأويل قوله: {لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ} قال أبو جعفر: وهذه "اللام" التي في قوله: "ليجمعنكم" ، لام قسم. * * * ثم اختلف أهل العربية في جالبها، فكان بعض نحويي الكوفة يقول: إن شئت جعلت "الرحمة" غاية كلام، ثم استأنفت بعدها: "ليجمعنكم" . قال: وإن شئت جعلتَه في موضع نصب = يعني: كتب ليجمعنكم = كما قال: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ [سورة الأنعام: 54] ، يريد: كتب أنه من عمل منكم = قال: والعرب تقول في الحروف التي يصلح معها جوابُ كلام الأيمان ب "أن" المفتوحة وب "اللام" ، (1) فيقولون: "أرسلت إليه أن يقوم" ، "وأرسلت إليه ليقومن" . قال: وكذلك قوله: ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ، [سورة يوسف: 35] . قال: وهو في القرآن كثير. ألا ترى أنك لو قلت: "بدا لهم أن يسجنوه" ، لكان صوابًا؟ (2) (1) هكذا في المطبوعة والمخطوطة، وهو في معاني القرآن "جواب الأيمان" ، وهو الأجود. (2) انظر معاني القرآن للفراء 1: 328. وهذا نص كلامه. وكان بعض نحويي البصرة يقول: نصبت "لام" "ليجمعنكم" ، لأن معنى: "كتب" [: فرضَ، وأوجب، وهو بمعنى القسم] ، (1) كأنه قال: والله ليجمعنكم. * * * قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي، أن يكون قوله: "كتب على نفسه الرحمة" ، غايةً، وأن يكون قوله: "ليجمعنكم" ، خبرًا مبتدأ = ويكون معنى الكلام حينئذ: ليجمعنكم الله، أيها العادلون بالله، ليوم القيامة الذي لا ريب فيه، لينتقم منكم بكفركم به. وإنما قلت: هذا القول أولى بالصواب من إعمال "كتب" في "ليجمعنكم" ، لأن قوله: "كتب" قد عمل في الرحمة، فغير جائز، وقد عمل في "الرحمة" ، أن يعمل في "ليجمعنكم" ، لأنه لا يتعدَّى إلى اثنين. * * * فإن قال قائل: فما أنت قائل في قراءة من قرأ: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ، [سورة الأنعام: 54] بفتح "أنّ" ؟ قيل: إن ذلك إذ قرئ كذلك، فإن "أنّ" بيانٌ عن "الرحمة" ، وترجمة عنها. لأن معنى الكلام: كتب على نفسه الرحمة أن يرحم [من تاب] من عباده بعد اقتراف السوء بجهالة ويعفو، (2) و "الرحمة" ، يترجم عنها ويبيَّن معناها بصفتها. وليس من صفة الرحمة "ليجمعنكم إلى يوم القيامة" ، فيكون مبينًا به عنها. فإذ كان ذلك كذلك، فلم يبق إلا أن تنصب بنية تكرير "كتب" مرة أخرى معه، ولا ضرورة بالكلام إلى ذلك، فيوجَّه إلى ما ليس بموجود في ظاهره. (1) الزيادة التي بين القوسين، استظهرتها من سياق التفسير، ليستقيم الكلام. وهي ساقطة من المخطوطة والمطبوعة. (2) هذه الزيادة بين القوسين لا بد منها حتى يستقيم الكلام، استظهرتها من معنى الآية. وانظر ما سيأتي في تفسيرها ص: 392، 393. وأما تأويل قوله: "لا ريب فيه" ، فإنه لا شك فيه، (1) يقول: في أنّ الله يجمعكم إلى يوم القيامة، فيحشركم إليه جميعًا، ثم يؤتى كلَّ عامل منكم أجرَ ما عمل من حسن أو سيئ. * * * القول في تأويل قوله: {الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (12) } قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "الذين خسروا أنفسهم" ، العادلين به الأوثانَ والأصنامَ. يقول تعالى ذكره: ليجمعن الله = "الذين خسروا أنفسهم" ، يقول: الذين أهلكوا أنفسهم وغبنوها بادعائهم لله الندَّ والعَدِيل، فأوبقوها بإستيجابهم سَخَط الله وأليم عقابه في المعاد. (2) * * * وأصل "الخسار" ، الغُبْنُ. يقال منه ": خسر الرجل في البيع" ، إذا غبن، كما قال الأعشى: لا يَأخُذُ الرِّشْوَةَ فِي حُكْمِهِ ... وَلا يُبَالِي خَسَرَ الخَاسِر (3) (1) انظر تفسير "الريب" فيما سلف 8: 592، تعليق: 5، والمراجع هناك. (2) في المطبوعة والمخطوطة "بإيجابهم سخط الله" وهو لا يستقيم صوابه ما أثبت. (3) ديوانه: 105، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 187. وهكذا جاء في المخطوطة والمطبوعة "خسر الخاسر" ، ورواية ديوانه وغيره: "غَبَنَ الْخَاسِر" بتحريك الباء بالفتح. والذي نص عليه أصحاب اللغة أن "الغبن" بفتح وسكون، في البيع، وأن "الغبن" (بفتحتين) في الرأي، وهو ضعفه. فكأن ما جاء في رواية ديوان الأعشى، ضرورة، حركت الباء وهي ساكنة إلى الفتح. وأما رواية أبي جعفر، فهي على الصواب يقال: "خسر خسرًا (بفتح فسكون) ، وخسرًا (بفتحتين) ." وهذا البيت من قصيدته في هجاء علقمة بن علاثة ومدح عامر بن الطفيل، ذكرت خبرها في أبيات سلفت منها 1: 474/2: 131/5: 477، 478. وقبل البيت: حَكَّمْتُمُونِي، فَقَضَى بَيْنَكُمْ ... أَبْلَجُ مِثْلُ القَمَرِ البَاهِرِ وقد بينا ذلك في غير هذا الموضع، بما أغنى عن إعادته. (1) * * * وموضوع "الذين" في قوله: "الذين خسروا أنفسهم" ، نصبٌ على الرد على "الكاف والميم" في قوله: "ليجمعنكم" ، على وجه البيان عنها. وذلك أنّ الذين خسروا أنفسهم، هم الذين خوطبوا بقوله: "ليجمعنّكم" . * * * وقوله: "فهم لا يؤمنون" ، يقول: "فهم" ، لإهلاكهم أنفسهم وغَبْنهم إياه حظَّها = "لا يؤمنون" ، أي لا يوحِّدون الله، ولا يصدِّقون بوعده ووعيده، ولا يقرُّون بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم. * * * القول في تأويل قوله: {وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (13) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: لا يؤمن هؤلاء العادلون بالله الأوثانَ، فيخلصوا له التوحيد، ويُفْرِدوا له الطاعة، ويقرّوا بالألوهية، جهلا = "وله ما سكن في الليل والنهار" ، يقول: وله ملك كل شيء، لأنه لا شيء من خلق الله إلا وهو ساكنٌ في الليل والنهار. فمعلوم بذلك أن معناه ما وصفنا= "وهو السميع" ، يقول: وهو السميع ما يقول هؤلاء المشركون فيه، من ادّعائهم له شريكًا، وما يقول غيرهم من خلقه (2) = "العليم" ، بما يضمرونه في أنفسهم، وما يظهارونه بجوارحهم، لا يخفى عليه شيء من ذلك، فهو يحصيه عليهم، ليوفّي كل (1) انظر تفسير "الخسار" فيما سلف 10: 409، تعليق: 3، والمراجع هناك. (2) في المطبوعة: "من خلاف ذلك" ، غير ما في المخطوطة بسوء رأيه. إنسان ثوابَ ما اكتسبَ، وجزاء ما عمل. * * * وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله: "سكن" ، قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 13109 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وله ما سكن في الليل والنهار" ، يقول: ما استقرَّ في الليل والنهار. * * * القول في تأويل قوله: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: "قل" ، يا محمد، لهؤلاء المشركين العادلين بربهم الأوثانَ والأصنامَ، والمنكرين عليك إخلاص التوحيد لربك، الداعين إلى عبادة الآلهة والأوثان: أشيئًا غيرَ الله تعالى ذكره: "أتخذ وليًّا" ، أستنصره وأستعينه على النوائب والحوادث، (1) كما:- 13110 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "قل أغير الله اتخذ وليًّا" ، قال: أما "الولي" ، فالذي يتولَّونه ويقرّون له بالربوبية. * * * = "فاطر السماوات والأرض" ، يقول: أشيئًا غير الله فاطر السماوات والأرض أتخذ وليًّا؟ ف "فاطر السماوات" ، من نعت "الله" وصفته، ولذلك خُفِض. (2) (1) انظر تفسير "الولي" فيما سلف 10: 424، تعليق: 1، والمراجع هناك. (2) انظر معاني القرآن للفراء 1: 328، 329. ويعني بقوله: "فاطر السماوات والأرض" ، مبتدعهما ومبتدئهما وخالقهما، كالذي:- 13111 - حدثنا به ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن سعيد القطان، عن سفيان، عن إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد قال: سمعت ابن عباس يقول: كنت لا أدري ما "فاطر السماوات والأرض" ، حتى أتاني أعرابيّان يختصمان في بئر، فقال أحدهما لصاحبه: "أنا فَطَرتها" ، يقول: أنا ابتدأتها. 13112 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "فاطر السماوات والأرض" ، قال: خالق السماوات والأرض. 13113 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: "فاطر السماوات والأرض" ، قال: خالق السماوات والأرض. * * * يقال من ذلك: "فطرها الله يَفطُرُها وَيفطِرها فَطرًا وفطورًا" (1) = ومنه قوله: هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ [سورة الملك: 3] ، يعني: شقوقًا وصدوعًا. يقال: "سيف فُطارٌ" ، إذا كثر فيه التشقق، وهو عيب فيه، ومنه قول عنترة: وَسَيْفِي كَالْعَقِيقَةِ فَهْوَ كِمْعِي، ... سِلاحِي، لا أَفَلَّ وَلا فُطَارَا (2) (1) هذه العبارة عن معنى "فطر" ، فاسدة جدًا، ولا شك عندي في أن الكلام قد سقط منه شيء، فتركته على حاله، مخافة أن يكون في نص أبي جعفر شيء لم تقيده كتب اللغة. ومن شاء أن يستوفي ذلك، فليراجع كتب اللغة. (2) ديوانه، في أشعار الستة الجاهلين: 384، وأمالي ابن الشجري 1: 19، واللسان (فطر) (عقق) (كمع) (فلل) ، من أبياته التي قالها وتهدد بها عمارة بن زياد العبسي، وكان يحسد عنترة على شجاعته، ويظهر تحقيره، ويقول لقومه بني عبس: "إنكم قد أكثرتم من ذكره، ولوددت أني لقيته خاليا حتى أريحكم منه، وحتى أعلمكم أنه عبد" ! فقال عنترة: أحَوْلِي تَنْفُضُ اسْتُكَ مِذْرَوَيهَا ... لِتَقْتُلَنِي? فَهَا أنَا ذَا، عُمَارَا! مَتَى ما تَلْقَنِى خِلْوَينَ، تَرْجُفْ ... رَوَانِفُ ألْيَتَيْكَ وتُسْتَطَارَا وَسَيْفِي صَارِمٌ قَبَضَتْ عَلَيْهِ ... أشَاجِعُ لا تَرَى فِيهَا انْتِشَارَا وسَيْفِي كالعَقِيقِة. . . . . ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . و "العقيقة" : شقة البرق، وهو ما انعق منه، أي: تشقق. و "الكمع" و "الكميع" الضجيع. و "الأفل" : الذي قد أصابه الفل، وهو الثلم في حده. ومنه يقال: "فَطَر ناب الجمل" ، إذا تشقق اللحم فخرج، ومنه قوله: تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ [سورة الشورى: 5] ، أي: يتشققن، ويتصدعن. * * * وأما قوله: "وهو يطعم ولا يطعم" ، فإنه يعني: وهو يرزق خلقه ولا يرزق، كما:- 13114 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وهو يطعم ولا يطعم" ، قال: يَرْزق، ولا يُرزق. * * * وقد ذكر عن بعضهم أنه كان يقرأ ذلك: (1) (وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يَطْعَمُ) ، أي: أنه يُطعم خلقه، ولا يأكل هو = ولا معنى لذلك، لقلة القراءة به. * * * (1) في المطبوعة والمخطوطة: "أنه كان يقول ذلك" ، وهو خلط شديد، صواب قراءته ما أثبت. وهذه القراء التالية، ذكرها ابن خالويه في شواذ القراءات: 36، ونسبها إلى الأعمش، وذكرها أبو حيان في تفسيره 4: 85، 86، ونسبها أيضًا إلى مجاهد وابن جبير، وأبي حيوة، وعمرو بن عبيد، وأبي عمرو، في رواية عنه. القول في تأويل قوله: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (14) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: "قل" ، يا محمد، للذين يدعونك إلى اتخاذ الآلهة أولياء من دون الله، ويحثّونك على عبادتها: أغير الله فاطر السماوات والأرض، وهو يرزقني وغيري ولا يرزقه أحد، أتخذ وليًّا هو له عبد مملوك وخلق مخلوق؟ وقل لهم أيضًا: إني أمرني ربي: "أن أكون أول من أسلم" يقول: أوّل من خضع له بالعبودية، وتذلّل لأمره ونهيه، وانقاد له من أهل دهرِي وزماني = "ولا تكوننَّ من المشركين" ، يقول: وقل: وقيل لي: لا تكونن من المشركين بالله، الذين يجعلون الآلهة والأنداد شركاء. = وجعل قوله: "أمرت" بدلا من: "قيل لي" ، لأن قوله "أمرت" معناه: "قيل لي" . فكأنه قيل: قل إني قيل لي: كن أول من أسلم، ولا تكونن من المشركين= فاجتزئ بذكر "الأمر" من ذكر "القول" ، إذ كان "الأمر" ، معلومًا أنه "قول" . * * * القول في تأويل قوله: {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل لهؤلاء المشركين العادلين بالله، الذين يدعونك إلى عبادة أوثانهم: إنّ ربي نهاني عن عبادة شيء سواه = "وإني أخاف إن عصيت ربي" ، فعبدتها = "عذاب يوم عظيم" ، يعني: عذاب يوم القيامة. ووصفه تعالى ب "العظم" لعظم هَوْله، وفظاعة شأنه. * * * https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الحادى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة الحلقة (598) صــ 286 إلى صــ 295 القول في تأويل قوله: {مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (16) } قال أبو جعفر: اختلف القرأة في قراءة ذلك. فقرأته عامة قرأة الحجاز والمدينة والبصرة: مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ، بضم "الياء" وفتح "الراء" ، بمعنى: من يُصرف عنه العذاب يومئذ. * * * وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفة: (مَنْ يَصْرِفْ عَنْهُ) ، بفتح "الياء" وكسر "الراء" ، بمعنى: من يصرف الله عنه العذاب يومئذ. * * * وأولى القراءتين في ذلك بالصواب عندي، قراءة من قرأه: (يَصْرِفْ عَنْهُ) ، بفتح "الياء" وكسر "الراء" ، لدلالة قوله: "فقد رحمه" على صحة ذلك، وأنّ القراءة فيه بتسمية فاعله. ولو كانت القراءة في قوله: "من يصرف" ، على وجه ما لم يسمَّ فاعله، كان الوجه في قوله: "فقد رحمه" أن يقال: "فقد رُحِم" غير مسمى فاعله. وفي تسمية الفاعل في قوله: "فقد رحمه" ، دليل بيِّن على أن ذلك كذلك في قوله: "من يَصرف عنه" . * * * وإذا كان ذلك هو الوجه الأولَى بالقراءة، فتأويل الكلام: منْ يصرف عنه من خلقه يومئذ عذابه فقد رحمه = "وذلك هو الفوز المبين" ، ويعني بقوله: "وذلك" ، وصرفُ الله عنه العذاب يوم القيامة، ورحمته إياه = "الفوز" ، أي: النجاة من الهلكة، والظفر بالطلبة (1) = "المبين" ، يعني الذي بيَّن لمن رآه أنه الظفر بالحاجة وإدراك الطَّلِبة. (2) (1) انظر تفسير "الفوز" فيما سلف ص: 245، تعليق: 2، والمراجع هناك. (2) انظر تفسير "مبين" فيما سلف ص: 265، تعليق 3، والمراجع هناك. وبنحو الذي قلنا في قوله: "من يصرف عنه يومئذ" قال أهل التأويل: * ذكر من قال ذلك: 13115 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله "من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه" ، قال: من يصرف عنه العذاب. * * * القول في تأويل قوله: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: يا محمد، إن يصبك الله (1) = "بضر" ، يقول: بشدة في دنياك، وشظَف في عيشك وضيق فيه، (2) فلن يكشف ذلك عنك إلا الله الذي أمرك أن تكون أوّل من أسلم لأمره ونهيه، وأذعن له من أهل زمانك، دون ما يدعوك العادلون به إلى عبادته من الأوثان والأصنام، ودون كل شيء سواها من خلقه = "وإن يمسسك بخير" ، يقول: وإن يصبك بخير، أي: برخاء في عيش، وسعة في الرزق، وكثرة في المال، فتقرّ أنه أصابك بذلك = "فهو على كل شيء قدير" ، يقول تعالى ذكره: والله الذي أصابك بذلك، فهو على كل شيء قدير (3) هو القادر على نفعك وضرِّك، وهو على كل شيء يريده قادر، لا يعجزه شيء يريده، ولا يمتنع منه شيء طلبه، ليس كالآلهة الذليلة المَهينة التي لا تقدر على اجتلاب نفع على أنفسها ولا غيرها، ولا دفع ضر عنها ولا غيرها. يقول تعالى ذكره: فكيف (1) انظر تفسير "المس" فيما سلف 10: 482، تعليق: 3، والمراجع هناك. (2) انظر تفسير "الضر" فيما سلف 7: 157/10: 334. (3) انظر تفسير "قدير" فيما سلف من فهارس اللغة (قدر) . تعبد من كان هكذا، أم كيف لا تخلص العبادة، وتقرُّ لمن كان بيده الضر والنفع، والثواب والعقاب، وله القدرة الكاملة، والعزة الظاهرة؟ * * * القول في تأويل قوله: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (18) } قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "وهو" ، نفسَه، يقول: والله الظاهر فوق عباده (1) = ويعني بقوله: "القاهر" ، المذلِّل المستعبد خلقه، العالي عليهم. وإنما قال: "فوق عباده" ، لأنه وصف نفسه تعالى ذكره بقهره إياهم. ومن صفة كلّ قاهر شيئًا أن يكون مستعليًا عليه. فمعنى الكلام إذًا: والله الغالب عبادَه، المذلِّلهم، العالي عليهم بتذليله لهم، وخلقه إياهم، فهو فوقهم بقهره إياهم، وهم دونه = "وهو الحكيم" ، يقول: والله الحكيم في علِّوه على عباده، وقهره إياهم بقدرته، وفي سائر تدبيره (2) = "الخبير" ، بمصالح الأشياء ومضارِّها، الذي لا يخفي عليه عواقب الأمور وبواديها، ولا يقع في تدبيره خلل، ولا يدخل حكمه دَخَل. (3) * * * (1) في المطبوعة: "والله القاهر" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو الصواب في التفسير. (2) انظر تفسير "الحكيم" فيما سلف من فهارس اللغة (حكم) . (3) انظر تفسير (الخبير "فيما سلف من فهارس اللغة (خبر) ." القول في تأويل قوله: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، لهؤلاء المشركين الذين يكذّبون ويجحدون نبوَّتك من قومك: أيُّ شيء أعظم شهادة وأكبر؟ ثم أخبرهم بأن أكبر الأشياء شهادة: "الله" ، الذي لا يجوز أن يقع في شهادته ما يجوز أن يقع في [شهادة] غيره من خلقه من السهو والخطأ، والغلط والكذب. (1) ثم قل لهم: إن الذي هو أكبر الأشياء شهادة، شهيدٌ بيني وبينكم، بالمحقِّ منا من المبطل، والرشيد منا في فعله وقوله من السفيه، وقد رضينا به حكمًا بيننا. * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة أهل التأويل: * ذكر من قال ذلك: 13116 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره: "أيّ شيء أكبر شهادة" ، قال: أمر محمد أن يسأل قريشًا، ثم أمر أن يخبرهم فيقول: "الله شهيد بيني وبينكم" . 13117- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، نحوه. * * * (1) الزيادة بين القوسين لا بد منها للسياق. القول في تأويل قوله: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل لهؤلاء المشركين الذين يكذبونك: "الله شهيد بيني وبينكم" = "وأوحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به" عقابَه، وأُنذر به من بَلَغه من سائر الناس غيركم = إن لم ينته إلى العمل بما فيه، وتحليل حلاله وتحريم حرامه، والإيمان بجميعه = نزولَ نقمة الله به. (1) وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 13118 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "أيّ شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم وأحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ" ، ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: يا أيها الناس، بلِّغوا ولو آية من كتاب الله، فإنه من بَلَغه آيةٌ من كتاب الله، فقد بلغه أمر الله، أخذه أو تركه. (2) 13119- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: "لأنذركم به ومن بلغ" ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بلِّغوا عن الله، فمن بلغه آيه من كتاب الله، فقد بلغه أمر الله. 13120 - حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع = وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي (1) قوله: "نزول" منصوب، مفعول به لقوله قبله: "وأنذر به من بلغه" . = وانظر تفسير "الوحي" فيما سلف ص: 217، تعليق: 1، والمراجع هناك. (2) في المخطوطة: "أخذه أو تاركه" ، وجائر أن تقرأ: "آخذه أو تاركه" . = عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب القرظي: "لأنذركم به ومن بلغ" ، قال: من بلغه القرآن، فكأنما رأى النبي صلى الله عليه وسلم. ثم قرأ: "ومن بلغ أئنكم لتشهدون" . 13121 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حميد بن عبد الرحمن، عن حسن بن صالح قال: سألت ليثًا: هل بقي أحدٌ لم تبلغه الدعوة؟ قال: كان مجاهد يقول: حيثما يأتي القرآنُ فهو داعٍ، وهو نذير. ثم قرأ: "لأنذركم به ومن بلغ أئنكم لتشهدون" . 13122 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "ومن بلغ" ، من أسلم من العجم وغيرهم. 13123- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 13124- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا خالد بن يزيد قال، حدثنا أبو معشر، عن محمد بن كعب في قوله: "لأنذركم به ومن بلغ" ، قال: من بلغه القرآن، فقد أبلغه محمد صلى الله عليه وسلم. 13125 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "وأوحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به" ، يعني أهل مكة = "ومن بلغ" ، يعني: ومن بلغه هذا القرآن، فهو له نذير. 13126- حدثنا يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال: سمعت سفيان الثوري يحدّث، لا أعلمه إلا عن مجاهد: أنه قال في قوله: "وأوحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به" ، العرب = "ومن بلغ" ، العجم. 13127 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "لأنذركم به ومن بلغ" ، أما "من بلغ" ، فمن بلغه القرآن فهو له نذير. 13128 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: "وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ" ، قال يقول: من بلغه القرآن فأنا نذيره. وقرأ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [سورة الأعراف: 158] . قال: فمن بلغه القرآن، فرسول الله صلى الله عليه وسلم نذيره. * * * قال أبو جعفر: فمعنى هذا الكلام: لأنذركم بالقرآن، أيها المشركون، وأنذر من بلغه القرآن من الناس كلهم. * * * ف "من" في موضع نصب بوقوع "أنذر" عليه، "وبلغ" في صلته، وأسقطت "الهاء" العائدة على "من" في قوله: "بلغ" ، لاستعمال العرب ذلك في صلات "مَن" و "ما" و "الذي" . (1) * * * القول في تأويل قوله: {أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (19) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل لهؤلاء المشركين، الجاحدين نبوَّتك، العادلين بالله، ربًّا غيره: "أئنكم" ، أيها المشركون = "لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى" ، يقول: تشهدون أنّ معه معبودات غيره من الأوثانَ والأصنام. * * * وقال: "أُخْرَى" ، ولم يقل "أخَر" ، و "الآلهة" جمع، لأن الجموع يلحقها، (1) انظر معاني القرآن 1: 329. التأنيث، (1) كما قال تعالى: فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأولَى [سورة طه: 51] ، ولم يقل: "الأوَل" ولا "الأوَّلين" . (2) * * * ثم قال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: "قل" ، يا محمد = "لا أشهد" ، بما تشهدون: أن مع الله آلهة أخرى، بل أجحد ذلك وأنكره = "قل إنما هو إله واحد" ، يقول: إنما هو معبود واحد، لا شريك له فيما يستوجب على خلقه من العبادة = "وإنني برئ مما تشركون" ، يقول: قل: وإنني بريء من كلّ شريك تدعونه لله، وتضيفونه إلى شركته، وتعبدونه معه، لا أعبد سوى الله شيئًا، ولا أدعو غيره إلهًا. * * * وقد ذكر أن هذه الآية نزلت في قوم من اليهود بأعيانهم، من وجه لم تثبت صحته، وذلك ما:- 13129 - حدثنا به هناد بن السري وأبو كريب قالا حدثنا يونس بن بكير قال، حدثني محمد بن إسحاق قال، حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال، حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس قال، جاء النحَّام بن زيد، وقردم بن كعب، وبحريّ بن عمير فقالوا: يا محمد، ما تعلم مع الله إلهًا غيرَه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا إله إلا الله، بذلك بعثت، وإلى ذلك أدعو! فأنزل الله تعالى فيهم وفي قولهم: "قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم" إلى قوله: "لا يؤمنون" . (3) * * * (1) انظر تفسير "أخرى" فيما سلف 3: 459/6: 173. (2) انظر معاني القرآن للفراء 1: 329. (3) الأثر: 13129 - سيرة ابن هشام 2: 217، وهو تابع الأثر السالف رقم: 12284.هذا، وقد مر هذا الإسناد مئات من المرات، وهو إسناد أبي جعفر إلى ابن إسحق، ثم من ابن إسحق إلى ابن عباس، وهذه أول مرة يذكر أبو جعفر أن هذا الإسناد لم تثبت صحته عنده، كما قدم قبل ذكره. القول في تأويل قوله: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (20) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: الذين "آتيناهم الكتاب" ، التوراة والإنجيل = يعرفون أنما هو إله واحد =، لا جماعة الآلهة، وأن محمدًا نبيُّ مبعوث = "كما يعرفون أبناءهم" . وقوله: "الذين خسروا أنفسهم" ، من نعت "الذين" الأولى. * * * ويعنى بقوله: "خسروا أنفسهم" ، أهلكوها وألقوها في نار جهنم، بإنكارهم محمدًا أنه لله رسول مرسل، وهم بحقيقة ذلك عارفون (1) = "فهم لا يؤمنون" ، يقول: فهم بخسارتهم بذلك أنفسهم لا يؤمنون. * * * وقد قيل: إنّ معنى "خسارتهم أنفسهم" ، أن كل عبد له منزل في الجنة ومنزل في النار. فإذا كان يوم القيامة، جعل الله لأهل الجنة منازلَ أهل النار في الجنة، وجعل لأهل النار منازلَ أهل الجنة في النار، فذلك خسران الخاسرين منهم، لبيعهم منازلهم من الجنة بمنازل أهل الجنة من النار، بما فرط منهم في الدنيا من معصيتهم الله، وظلمهم أنفسهم، وذلك معنى قول الله تعالى ذكره: الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ، [سورة المؤمنون: 11] . (2) * * * (1) انظر تفسير "خسر" فيما سلف قريبًا ص: 281، تعليق: 1، والمراجع هناك. (2) انظر معاني القرآن للفراء 1: 329، 230. وبنحو ما قلنا في معنى قوله: "الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم" قال أهل التأويل. (1) * ذكر من قال ذلك: 13130 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم" ، يعرفون أنّ الإسلام دين الله، وأن محمدًا رسول الله، يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل. 13131- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة في قوله: "الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم" ، النصارى واليهود، يعرفون رسول الله في كتابهم، كما يعرفون أبناءهم. 13132 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم" ، [يعني: النبي صلى الله عليه وسلم: (2) = "كما يعرفون أبناءهم" ، لأن نَعْته معهم في التوراة] . 13133- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: "الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم" ، يعني النبي صلى الله عليه وسلم. قال: زعم أهل المدينة عن أهل الكتاب ممن أسلم، أنهم قالوا: والله لنحن أعرف به من أبنائنا، من أجل الصفة والنعت الذي نجده (1) انظر تأويل نظيرة هذه الآية فيما سلف 3: 187، 188، [سورة: البقرة 146] . (2) الأثر: 13132 - هذا الأثر مبتور في المطبوعة والمخطوطة، والزيادة بين القوسين من الدر المنثور 3: 8، من تفسير السدي، من رواية أبي الشيخ، والظاهر أن هذا النقص قديم في نسخ تفسير أبي جعفر، وأن نسخة السيوطي، كانت مبتورة هنا أيضًا، ولذلك لم ينسب هذا الأثر إلا إلى أبي الشيخ وحده، دون ابن جرير. https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الحادى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ المائدة الحلقة (599) صــ 296 إلى صــ 305 في الكتاب، وأما أبناؤنا فلا ندري ما أحدثَ النساء! (1) * * * القول في تأويل قوله: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (21) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ومن أشدُّ اعتداءً، وأخطأ فعلا وأخطأ قولا = "ممن افترى على الله كذبًا" ، يعني: ممن اختلق على الله قيلَ باطل، (2) واخترق من نفسه عليه كذبًا، (3) فزعم أن له شريكًا من خلقه، وإلهًا يعبد من دونه - كما قاله المشركون من عبدة الأوثان - أو ادعى له ولدًا أو صاحبةً، كما قالته النصارى = "أو كذب بآياته" ، يقول: أو كذب بحججه وأعلامه وأدلته التي أعطاها رسله على حقيقة نبوتهم، كذّبت بها اليهود (4) = "إنه لا يفلح الظالمون" ، يقول: إنه لا يفلح القائلون على الله الباطل، ولا يدركون البقاءَ في الجنان، والمفترون عليه الكذب، والجاحدون بنبوة أنبيائه. (5) * * * (1) يعني: لا يدرون أسلم لهم أبناؤهم من أصلابهم، أم خالطهم سفاح من سفاحهن! وانظر رواية ذلك في خبر عمر بن الخطاب، وسؤاله عبد الله بن سلام، والله أعلم بصحيح ذلك = في معاني القرآن للفراء 1: 329. (2) انظر تفسير "الافتراء" فيما سلف ص: 136، تعليق: 2، والمراجع هناك. (3) "اخترق" و "اختلق" و "افترى" : ابتدع الكذب، وفي التنزيل: "وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه وتعالى عما يصفون" (الأنعام: 100) . (4) انظر تفسير "الآية" فيما سلف من فهارس اللغة (أيي) . (5) انظر تفسير "الفلاح" فيما سلف ص: 97، تعليق: 2، والمراجع هناك. القول في تأويل قوله: {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (22) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إن هؤلاء المفترين على الله كذبًا، والمكذبين بآياته، لا يفلحون اليومَ في الدنيا، ولا يوم نحشرهم جميعًا- يعني: ولا في الآخرة. ففي الكلام محذوف قد استغني بذكر ما ظَهر عما حذف. * * * وتأويل الكلام: إنه لا يفلح الظالمون اليوم في الدنيا، "ويوم نحشرهم جميعًا" ، فقوله: "ويوم نحشرهم" ، مردود على المراد في الكلام. لأنه وإن كان محذوفًا منه، فكأنه فيه، لمعرفة السامعين بمعناه = "ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم" ، يقول: ثم نقول، إذا حشرنا هؤلاء المفترين على الله الكذب، بادِّعائهم له في سلطانه شريكًا، والمكذِّبين بآياته ورسله، فجمعنا جميعهم يوم القيامة (1) = "أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون" ، أنهم لكم آلهة من دون الله، افتراء وكذبًا، وتدعونهم من دونه أربابًا؟ فأتوا بهم إن كنتم صادقين! * * * القول في تأويل قوله: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (23) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ثم لم يكن قولهم إذ قلنا لهم: "أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون" ؟ = إجابة منهم لنا عن سؤالنا إياهم ذلك، إذ فتناهم فاختبرناهم، (2) (1) انظر تفسير "الحشر" فيما سلف ص: 89، تعليق: 2، والمراجع هناك. (2) انظر تفسيره "الفتنة" فيما سلف 10: 478، تعليق: 2، والمراجع هناك. "إلا أن قالوا والله ربّنا ما كنا مشركين" ، كذبًا منهم في أيمانهم على قِيلهم ذلك. * * * ثم اختلف القرأة في قراءة ذلك. فقرأته جماعة من قرأة المدينة والبصرة وبعض الكوفيين: (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتَهُمْ) بالتاء، بالنصب، (1) بمعنى: لم يكن اختبارَناهم لهم إلا قيلُهم (2) "والله ربنا ما كنا مشركين" = غير أنهم يقرءون "تكن" بالتاء على التأنيث. وإن كانت للقول لا للفتنة، لمجاورته الفتنة، وهي خبر. (3) وذلك عند أهل العربية شاذٌ غير فصيح في الكلام. وقد روي بيتٌ للبيد بنحو ذلك، وهو قوله: فَمَضَى وَقَدَّمَهَا، وكانت عادةً ... مِنْهُ إذا هيَ عَرَّدَتْ إقْدَامُهَا (4) فقال: "وكانت" بتأنيث "الإقدام" ، لمجاورته قوله: "عادة" . * * * وقرأ ذلك جماعة من قراء الكوفيين: (ثُمَّ لَمْ يَكُنْ) بالياء، (فِتْنَتَهُمْ) بالنصب، (إلا أَنْ قَالُوا) ، بنحو المعنى الذي قصده الآخرون الذين ذكرنا قراءتهم. غير أنهم ذكَّروا "يكون" لتذكير "أن" . (5) قال أبو جعفر: وهذه القراءة عندنا أولى القراءتين بالصواب، لأن "أنْ" أثبت في المعرفة من "الفتنة" . (6) * * * (1) في المطبوعة، حذف قوله: "بالتاء" ، لغير طائل. (2) في المطبوعة: "اختبارنا لهم" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو فصيح العربية. (3) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 188. (4) من معلقته الباهرة. وانظر ما قاله ابن الشجري في الآية والبيت في أماليه 1: 130. والضمير في قوله: "فمضى" إلى حمار الوحش، وفي قوله: "وقدمها" إلى أتنه التي يسوقها إلى الماء. و "عردت" : فرت، وعدلت عن الطريق التي وجهها إليها. وشعر لبيد لا يفصل بعضه عن بعض في هذه القصيدة، فلذلك لم أذكر ما قبله وما بعده. فراجع معلقته. (5) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 188. (6) أغفل أبو جعفر قراءة الرقع في "فتنتهم" ، وهي قراءتنا في مصحفنا، قراءة حفص. وأنا أرجح أن أبا جعفر أغفلها متعمدًا، وقد استوفى الكلام في هذه الآية ونظائرها فيما سلف 7: 273-275. وانظر تفسير أبي حيان 4: 95. واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: "ثم لم تكن فتنتهم" . فقال بعضهم: معناه: ثم لم يكن قولهم. * ذكر من قال ذلك: 13134 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر قال، قال قتادة في قوله: "ثم لم تكن فتنتهم" ، قال: مقالتهم = قال معمر: وسمعت غير قتادة يقول: معذرتهم. 13135 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس قوله: "ثم لم تكن فتنتهم" ، قال: قولهم. 13136- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبى، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا" ، الآية، فهو كلامهم = "قالوا والله ربنا ما كنا مشركين" . 13137 - حدثنا عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد يقول، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك: "ثم لم تكن فتنتهم" ، يعني: كلامهم. * * * وقال آخرون: معنى ذلك: معذرتهم. * ذكر من قال ذلك: 13138 - حدثنا ابن بشار وابن المثنى قالا حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن قتادة: "ثم لم تكن فتنتهم" ، قال: معذرتهم. 13139- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين" ، يقول: اعتذارهم بالباطل والكذب. * * * قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: معناه: ثم لم يكن قيلهم عند فتنتنا إياهم، اعتذارًا مما سلف منهم من الشرك بالله = "إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين" ، فوضعت "الفتنة" موضع "القول" ، لمعرفة السامعين معنى الكلام. = وإنما "الفتنة" ، الاختبار والابتلاء (1) = ولكن لما كان الجواب من القوم غيرَ واقع هنالك إلا عند الاختبار، وضعت "الفتنة" التي هي الاختبار، موضع الخبر عن جوابهم ومعذرتهم. * * * واختلفت القرأة أيضًا في قراءة قوله: "إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين" . فقرأ ذلك عامة قرأة المدينة وبعض الكوفيين والبصريين: وَاللَّهِ رَبِّنَا، خفضًا، على أن "الرب" نعت لله. * * * وقرأ ذلك جماعة من التابعين: (وَاللهِ رَبَّنَا) ، بالنصب، بمعنى: والله يا ربنا. وهي قراءة عامة قرأة أهل الكوفة. (2) * * * قال أبو جعفر: وأولى القراءتين عندي بالصواب في ذلك، قراءةُ من قرأ: (وَاللهِ رَبَّنَا) ، بنصب "الرب" ، بمعنى: يا ربَّنا. وذلك أن هذا جواب من المسئولين المقول لهم: "أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون" ؟ وكان من جواب القوم لربهم: والله يا ربنا ما كنا مشركين = فنفوا أن يكونوا قالوا ذلك في الدنيا. يقول الله تعالى ذكره لمحمد صلى الله عليه وسلم: انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ. * * * (1) انظر تفسير "الفتنة" فيما سلف قريبًا ص 297، رقم: 2، والمراجع هناك. (2) انظر معاني القرآن للفراء 1: 330. ويعني بقوله: "ما كنا مشركين" ، ما كنا ندعو لك شريكًا، ولا ندعو سواك. (1) * * * القول في تأويل قوله: {انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: انظر، يا محمد، فاعلم، كيف كذَب هؤلاء المشركون العادلون بربهم الأوثانَ والأصنامَ، في الآخرة عند لقاء الله = على أنفسهم بقيلهم: "والله يا ربنا ما كنا مشركين" ، واستعملوا هنالك الأخلاق التي كانوا بها يتخلّقون في الدنيا، (2) من الكذب والفرية. * * * ومعنى "النظر" في هذا الموضع، النظر بالقلب، لا النظر بالبصر. وإنما معناه: تبين فاعلم كيف كذبوا في الآخرة. * * * وقال: "كذبوا" ، ومعناه: يكذبون، لأنه لما كان الخبر قد مضى في الآية قبلها، صار كالشيء الذي قد كانَ ووُجد. * * * = "وضل عنهم ما كانوا يفترون" ، يقول: وفارقهم الأنداد والأصنام، وتبرءوا منها، فسلكوا غير سبيلها، لأنها هلكت، [وأعيد الذين كانوا يعبدونها اجتراء] ، (3) (1) انظر ما سلف رقم: 9520 - 9522 (ج 8: 373، 374) . (2) في المطبوعة: "بها متخلقين" ، وفي المخطوطة: "بها متخلقون" ، وهذا صواب قراءتها. (3) هكذا جاء في المطبوعة ما وضعته بين القوسين، وهو في المخطوطة: "وعبدوا الذين كانوا يعبدونها إصرا" ، غير منقوطة. ولم أهتد إلى الصواب، وأخشى أن يكون سقط من الكلام سطر أو بعضه، فلذلك آثرت أن أضع ما في المطبوعة بين قوسين، ولأني في ريبة من أمره. ثم أخذوا بما كانوا يفترونه من قيلهم فيها على الله، وعبادتهم إياها، وإشراكهم إياها في سلطان الله، فضلت عنهم، وعوقب عابدُوها بفريتهم. * * * وقد بينا فيما مضى أن معنى "الضلال" ، الأخذ على غير الهدى. (1) * * * وقد ذكر أن هؤلاء المشركين يقولون هذا القول عند معاينتهم سَعةَ رحمة الله يومئذ. ذكر الرواية بذلك: 13140 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام قال، حدثنا عمرو، عن مطرّف، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير قال: أتى رجلٌ ابنَ عباس فقال: سمعت الله يقول: "والله ربنا ما كنا مشركين" ، (2) وقال في آية أخرى: وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا، [سورة النساء: 42] ؟ قال ابن عباس: أما قوله: "والله ربنا ما كنا مشركين" ، فإنه لما رأوا أنه لا يدخل الجنة إلا أهل الإسلام: قالوا: "تعالوا نجحد" ، فقالوا: "والله ربنا ما كنا مشركين" ، فختم الله على أفواههم وتكلمت أيديهم وأرجلهم، "ولا يكتمون الله حديثًا" . (3) (1) انظر تفسير "الضلال" فيما سلف 10: 124، تعليق: 1، والمراجع هناك. (2) في المطبوعة: "أتى رجل ابن عباس فقال، قال الله: والله ربنا. . ." ، أما المخطوطة ففيها خرم، كان فيها: "أتى رجل ابن عباس وقال في آية أخرى" ، ولذلك تصرف ناشر المطبوعة. والذي أثبته هو الصواب، وهو نص الأثر الذي رواه أبو جعفر قديمًا، كما سيأتي في التخريج. وقد صححت حروفًا في هذا الخبر من الأثر السالف ولم أشر إليها هنا. (3) الأثر: 13140 - مضى هذا الخبر برقم: 9520 (ج 8: 373) .هذا وقد اختصر أبو جعفر أخبار ابن عباس هذه، فإنه روى هناك خبرين آخرين رقم: 9521، 9522، تبين منهما أن السائل هو نافع بن الأزرق، وكان يأتي ابن عباس ليلقى عليه متشابه القرآن. وهذا من ضروب اختصار أبي جعفر في تفسيره هذا. وأيضًا فإنه سيأتي هنا آثار في تفسير آية سورة النساء: 42 (ج 8: 371 - 375) لم يذكرها هناك، كما سترى في الآثار التالية. 13141 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره: "والله ربنا ما كنا مشركين" ، قال: قول أهل الشرك، حين رأوا الذنوب تغفر، ولا يغفر الله لمشرك = "انظر كيف كذبوا على أنفسهم" ، بتكذيب الله إياهم. 13142- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه. 13143 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "والله ربنا ما كنا مشركين" ، ثم قال: وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا، [سورة النساء "42] ، بجوارحهم." 13144 - حدثنا ابن وكيع، قال، حدثنا أبي، عن حمزة الزيات، عن رجل يقال له هشام، عن سعيد بن جبير: "ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين" ، قال: حلفوا واعتذروا، قالوا: "والله ربنا" . (1) 13145- حدثني المثنى قال، حدثنا قبيصة بن عقبة قال، حدثنا سفيان، عن سعيد بن جبير قال، أقسموا واعتذروا: "والله ربنا" . 13146- حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع، عن حمزة الزيات، عن رجل يقال له هشام، عن سعيد بن جبير، بنحوه. 13147- حدثنا هناد قال، حدثنا أبو معاوية، عن سفيان بن زياد العُصْفري، عن سعيد بن جبير في قوله: "والله ربنا ما كنا مشركين" ، قال: لما أمر بإخراج رجال من النار من أهل التوحيد، قال من فيها من المشركين: "تعالوا نقول: لا إله إلا الله، لعلنا نخرج مع هؤلاء" . قال: فلم يصدَّقوا. قال: فحلفوا: "والله ربنا ما كنا مشركين" . قال: فقال الله: "انظر كيف كذبوا" (1) الأثر: 13144 - "هشام" ، الذي يروي عنه "حمزة الزيات" ، لم أعرفه. على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون ". (1) " 13148 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "وضل عنهم ما كانوا يفترون" أي: يشركون. (2) 13149- حدثنا الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا المنهال بن عمرو، عن سعيد عن جبير، عن ابن عباس في قوله: "والله ربنا ما كنا مشركين" ، قال: لما رأى المشركون أنه لا يدخل الجنة إلا مسلم، قالوا: تعالوا إذا سئلنا قلنا: "والله ربنا ما كنا مشركين" . فسئلوا، فقالوا ذلك، فختم الله على أفواههم، وشهدت عليهم جوارحهم بأعمالهم، فودَّ الذين كفروا حين رأوا ذلك: "لو تسوّى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثًا" . 13150- حدثني الحارث قال، حدثني عبد العزيز قال، حدثنا مسلم بن خلف، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: يأتي على الناس يوم القيامة ساعة، لما رأوا أهلُ الشرك أهلَ التوحيد يغفر لهم (3) فيقولون: "والله ربنا ما كنا مشركين" ، قال: "انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضلّ عنهم ما كانوا يفترون" . (4) 13151- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز، قال حدثنا سفيان عن رجل، عن سعيد بن جبير: أنه كان يقول: "والله ربِّنا ما كنا مشركين" ، يخفضها. قال: أقسموا واعتذروا = قال الحارث قال، عبد العزيز، قال سفيان مرة أخرى: حدثني هشام، عن سعيد بن جبير. * * * (1) الأثر: 13147 - "سفيان بن زياد العصفري" ، مضى برقم: 2331. (2) في المطبوعة: "يشركون به" بالزيادة، وأثبت ما في المخطوطة. (3) في المطبوعة: "لما رأى أهل الشرك" ، وأثبت ما في المخطوطة، وهو لغة من لغات العرب جائزة. (4) الأثر: 13150 - "مسلم بن خلف" ، لم أجد له ترجمة، وأخشى أن يكون في اسمه تحريف. القول في تأويل قوله: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا} قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ومن هؤلاء العادلين بربِّهم الأوثانَ والأصنامَ من قومك، يا محمد = "من يستمع إليك" ، يقول: من يستمع القرآن منك، ويستمع ما تدعوه إليه من توحيد ربك، وأمره ونهيه، ولا يفقه ما تقول ولا يُوعِيه قلبَه، ولا يتدبره، ولا يصغي له سمعه، ليتفقهه فيفهم حجج الله عليه في تنزيله الذي أنزله عليك، إنما يسمع صوتك وقراءَتك وكلامك، ولا يعقل عنك ما تقول، لأن الله قد جعل على قلبه "أكنّة" . * * * = وهي جمع "كنان" ، وهو الغطاء، مثل: "سِنان" ، "وأسنة" . يقال منه: "أكننت الشيءَ في نفسي" ، بالألف، "وكننت الشيء" ، إذا غطيته، (1) = ومن ذلك: بَيْضٌ مَكْنُونٌ، [سورة الصافات: 49] ، وهو الغطاء، (2) ومنه قول الشاعر: (3) تَحْتَ عَيْنٍ، كِنَانُنَا ... ظِلُّ بُرْدٍ مُرَحَّلُ (4) (1) انظر ما سلف 5: 102، 103. (2) الأجود أن يقال: "وهو المغطى" ، وكأنه كان كذلك، وكأن الذي في المطبوعة والمخطوطة تحريف. ولكن ربما عبر القدماء بمثل هذا التعبير، ولذلك تركته على حاله. وقد قال الطبري في ج 5: 102، وذكر الآية: "أي: مخبوء" . (3) هو عمر بن أبي ربيعة. (4) ليس في ديوانه، ولكنه من قصيدته التي في ديوانه: 125 - 126، وهو في الأغاني 1: 184، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 46، 188، واللسان (كنن) ، وغيرها. من أبياته التي أولها: هَاجَ ذَا القَلَبَ مَنْزِلُ ... دَارِسُ الآيِ مُحْوِلُ وقبله في رواية أبي الفرج في أغانيه. أرْسَلَتْ تَسْتَحِثّى وَتُفَدِّي وتَعْذُل ... أَيُّنَا بَاتَ لَيْلَةً بَيْنَ غُصْنَيْنِ يُوبَلُ وروايته للبيت: تَحْتَ عَيْنٍ، يُكِنُّنَا ... بُرْدُ عَصْبٍ مُهَلْهَل ورواية ابن بري، وصحح رواية أبي عبيدة وأبي جعفر: تَحْتَ عَيْنٍ، كِنَانُنَا ... بُرْدُ عَصْبٍ مُرَحَّلُ "العين" في البيت السحاب. و "المرحل من الثياب، الذي عليه تصاوير الرحال." https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد
https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...083cc77a21.gif تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن الإمام محمد بن جرير الطبري الجزء الحادى عشر تَفْسِيرِ سُّورَةِ الأنعام الحلقة (600) صــ 306 إلى صــ 315 يعني: غطاؤُهم الذي يكنُهم. (1) * * * = "وفي آذانهم وقرًا" ، يقول تعالى ذكره: وجعل في آذانهم ثِقلا وصممًا عن فهم ما تتلو عليهم، والإصغاء لما تدعوهم إليه. * * * والعرب تفتح "الواو" من "الوَقْر" في الأذن، وهو الثقل فيها= وتكسرها في الحمل فتقول: "هو وِقْرُ الدابة" . ويقال من الحمل: "أوقرْتُ الدَّابة فهي مُوقَرة" = ومن السمع: "وَقَرْتُ سمعه فهو موقور" ، ومنه قول الشاعر: (2) وَلِي هَامَةٌ قَدْ وَقَّر الضَّرْبُ سَمْعَهَا وقد ذكر سماعًا منهم: "وُقِرَتْ أذنه" ، إذا ثقلت "فهي موقورة" = "وأوقرتِ النخلةُ، فهي مُوقِر" كما قيل: "امرأة طامث، وحائض" ، لأنه لا حظّ فيه للمذكر. فإذا أريد أن الله أوقرها، قيل "مُوقَرةٌ" . * * * (1) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 188، وهو شبيه بنص كلامه. (2) لم أهتد إلى قائله، وإن كنت أذكر أني قرأت هذا الشعر في مكان. وقال تعالى ذكره: "وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه" ، بمعنى: أن لا يفقهوه، كما قال: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا [سورة النساء: 176] ، بمعنى: أن لا تضلوا، (1) لأن "الكنّ" إنما جعل على القلب، لئلا يفقهه، لا ليفقهه. (2) * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: 13152 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة: "وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرًا" ، قال: يسمعونه بآذانهم ولا يعون منه شيئًا، كمثل البهيمة التي تسمع النداء، ولا تدري ما يُقَال لها. 13153 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال: حدثنا أسباط، عن السدي: "وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرًا" ، أما "أكنة" ، فالغطاءُ أكنّ قلوبهم، لا يفقهون الحق = "وفي آذانهم وقرًا" ، قال: صمم. 13154 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: "ومنهم من يستمع إليك" ، قال: قريش. 13155 - حدثني المثنى قال، حدثنا حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. * * * (1) انظر ما سلف 9: 445، 446. (2) انظر تفسير "فقه" فيما سلف 8: 557. القول في تأويل قوله: {وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ (25) } قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وإن ير هؤلاء العادلون بربهم الأوثان والأصنام، الذين جعلت على قلوبهم أكنة أن يفقهوا عنك ما يسمعون منك = "كل آية" ، يقول: كل حجة وعلامة تدلُّ أهل الحجَا والفهم على توحيد الله وصدق قولك وحقيقة نبوتك (1) = "لا يؤمنوا بها" ، يقول: لا يصدّقون بها، ولا يقرّون بأنها دالّة على ما هي عليه دالة = "حتى إذا جاؤوك يجادلونك" ، يقول: حتى إذا صاروا إليك بعد معاينتهم الآيات الدالة على حقيقة ما جئتهم به = "يجادلونك" ، يقول: يخاصمونك (2) = "يقول الذين كفروا" ، يعنى بذلك: الذين جحدوا آيات الله وأنكروا حقيقتها، يقولون لنبيِّ الله صلى الله عليه وسلم إذا سمعوا حجج الله التي احتجَّ بها عليهم، وبيانَه الذي بيَّنه لهم = "إن هذا إلا أساطير الأوّلين" ، أي: ما هذا إلا أساطير الأوّلين. * * * و "الأساطير" جمع "إسْطارة" و "أُسطُورة" مثل "أفكوهة" و "أضحوكة" = وجائز أن يكون الواحد "أسطارًا" مثل "أبيات" ، و "أبابيت" ، و "أقوال وأقاويل" ، (3) من قول الله تعالى ذكره: وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ، [سورة الطور: 2] . من: "سَطَرَ يَسْطُرُ سَطْرا" . * * * (1) انظر تفسير "آية" فيما سلف من فهارس اللغة (أيي) . (2) انظر تفسير "جادل" فيما سلف 4: 141/9: 190، 193. (3) يعني بقوله: "أسطارًا" ، جمع "سطر" ، كما هو بين. فإذ كان من هذا: فإن تأويله: ما هذا إلا ما كتبه الأوَّلون. * * * وقد ذكر عن ابن عباس وغيره أنهم كانوا يتأوّلونه بهذا التأويل، ويقولون: معناه: إنْ هذا إلا أحاديث الأوّلين. 13156 - حدثني بذلك المثنى بن إبراهيم قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس. 13157 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي، أمّا "أساطير الأوّلين" ، فأسَاجيع الأولين. (1) * * * وكان بعض أهل العلم = وهو أبو عبيدة معمر بن المثنى = بكلام العرب يقول: "الإسطارةُ" لغةٌ، ومجازُها مجازُ الترهات. (2) * * * وكان الأخفش يقول: قال بعضهم: واحده "أسطورة" . وقال بعضهم: "إسطارة" . قال: ولا أراه إلا من الجمع الذي ليس له واحد، نحو "العباديد" (3) و "المَذَاكير" ، و "الأبابيل" . (4) قال: وقال بعضهم: واحد "الأبابيل" ، "إبِّيل" ، وقال بعضهم: "إبَّوْل" مثل "عِجَّوْل" ، (5) ولم أجد العرب تعرف له واحدًا، وإنما هو مثل "عباديد" لا واحد لها. وأما "الشَّماطيط" ، فإنهم يزعمون (1) "الأساجيع" جمع "أسجوعة" : يراد به الكهان على هيئة كلامهم. (2) في المطبوعة: "لغة، الخرافات والترهات" غير ما في المخطوطة، وهو نص أبي عبيدة في مجاز القرآن 1: 189. وهذا من سيئ العبث بالكتب! (3) في المطبوعة: "عباييد" ، وهو صواب، إلا أني أثبت ما في المخطوطة. يقال: "جاء القوم عباديد، وعبابيد" ، أي متفرقون. (4) "المذاكير" ، يقال في الفرد أيضًا. وفي الخبر أن عبدًا أبصر جارية لسيده، فجب السيد مذاكيره = فاستعمله لرجل واحد، وأراد به شيئه، وما تعلق به. و "أبابيل" : جماعات من هنا، وجماعات من هنا. (5) يقال: "عجل" و "عجول" (بكسر العين، وتشديد الجيم المفتوحة، وسكون الواو) : ولد البقرة، وجمعه "عجاجيل" . أن واحده "شمطاط" . (1) قال: وكل هذه لها واحد، إلا أنه لم يستعمل ولم يتكلم به، لأن هذا المثال لا يكون إلا جميعًا. (2) قال: وسمعت العرب الفصحاء تقول: "أرسل خيله أبابيل" ، تريد جماعات، فلا تتكلم بها بواحدة. (3) وكانت مجادلتهم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم التي ذكرها الله في هذه الآية، فيما ذُكِر، ما:- 13158 - حدثني به محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "حتى إذا جاءوك يجادلونك" الآية، قال: هم المشركون، يجادلون المسلمين في الذَّبيحة، يقولون: "أما ما ذبحتم وقتلتم فتأكلون، وأما ما قتل الله فلا تأكلون! وأنتم تتَّبعون أمرَ الله تعالى ذكره" ! (4) * * * (1) "شماميط" : قطع متفرقة، يقال: "ذهب القوم شماميط" : إذا تفرقوا أرسالا. (2) في المطبوعة: "جمعا" ، وأثبت ما في المخطوطة. (3) في المطبوعة: "فلا تتكلم بها موحدة" ، وأثبت ما في المخطوطة، وقد كرهت عبث الناشر بنص أبي جعفر!! (4) عند هذا الموضع، انتهى جزء من التقسيم القديم الذي نقلت منه نسختنا، وفيها ما نصه: "يتلوه القولُ في تأويل قوله" {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَونَ عَنْهُ وَإنْ يُهْلِكُونَ} {إلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} وَصَلَّى اللهُ على مُحَمدٍ النبيِّ وَعَلى آلِهِ وَسَلّم كثيرًا الحمدُ للهِ ربِّ العالَمينِ "ثم يتلوه ما نصه: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرحيمِ رَبِّ يَسِّرْ" .رْ "" القول في تأويل قوله: {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (26) } قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: "وهم ينهون عنه وينأون عنه" . فقال بعضهم: معناه: هؤلاء المشركون المكذبون بآيات الله، ينهونَ الناس عن اتباع محمّد صلى الله عليه وسلم والقبول منه = "وينأَوْن عنه" ، يتباعدون عنه. * ذكر من قال ذلك: 13159 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حفص بن غياث وهانئ بن سعيد، عن حجاج، عن سالم، عن ابن الحنفية: "وهم ينهون عنه وينأون عنه" ، قال: يتخلفون عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يجيبونه، وينهون الناس عنه. (1) 13160 - حدثنا المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "وهم ينهون عنه وينأون عنه" ، يعني: ينهون الناس عن محمد أن يؤمنوا به = "وينأون عنه" ، يعني: يتباعدون عنه. 13161 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وهم ينهون عنه وينأون عنه" ، أن يُتَّبع محمد، ويتباعدون هم منه. (1) الأثر: 13159 - "هانئ بن سعيد النخعي" ، صالح الحديث، مترجم في الكبير 4/2/233، وابن أبي حاتم 4/2/102. و "حجاج" هو "حجاج بن أرطاة" ، مضى مرارًا. و "سالم" ، هو "سالم بن أبي الجعد" ، مضى أيضًا. و "ابن الحنفية" هو: "محمد بن علي بن أبي طالب" ، مضى أيضًا. 13162 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "وهم ينهون عنه وينأون عنه" ، يقول: لا يلقونَه، ولا يَدَعُون أحدًا يأتيه. 13163 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول في قوله: "وهم ينهون عنه" ، يقول: عن محمد صلى الله عليه وسلم. 13164 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "وهم ينهون عنه وينأون عنه" ، جمَعُوا النهي والنأي. و "النأي" ، التباعد. (1) وقال بعضهم: بل معناه: "وهم ينهون عنه" عن القرآن، أن يسمع له ويُعمَل بما فيه. ذكر من قال ذلك: 13165 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: "وهم ينهون عنه" ، قال: ينهون عن القرآن، وعن النبي صلى الله عليه وسلم = "وينأون عنه" ، ويتباعدون عنه. 13166 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: "وهم ينهون عنه" ، قال: قريش، عن الذكر = "وينأون عنه" ، يقول: يتباعدون. 13167- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "وهم ينهون عنه وينأون عنه" ، قريش، عن الذكر. = "ينأون عنه" ، يتباعدون. 13168- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: "وهم ينهون عنه وينأون عنه" ، قال: ينهون عن القرآن، (1) في المخطوطة: "والنهي التباعد" ، وهو خطأ، صوابه ما في المطبوعة بلا شك. وعن النبي صلى الله عليه وسلم، ويتباعدون عنه. 13169- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "ينأون عنه" ، قال: "وينأون عنه" ، يباعدونه. (1) * * * وقال آخرون: معنى ذلك: وهم ينهون عن أذى محمد صلى الله عليه وسلم = "وينأون عنه" ، يتباعدون عن دينه واتّباعه. * ذكر من قال ذلك: 13170 - حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع وقبيصة = وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي = عن سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عمن سمع ابن عباس يقول: نزلت في أبي طالب، كان ينهى عن محمد أن يُؤذَى، وينأى عما جاء به أن يؤمن به. 13171- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت قال، حدثني من سمع ابن عباس يقول: "وهم ينهون عنه وينأون عنه" ، قال: نزلت في أبي طالب، ينهى عنه أن يؤذى، وينأى عما جاء به. 13172- حدثنا الحسن بن يحيى، قال أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن حبيب بن أبي ثابت، عمن سمع ابن عباس: "وهم ينهون عنه وينأون عنه" ، قال: نزلت في أبي طالب، كان ينهى المشركين أن يؤذُوا محمدًا، وينأى عمّا جاء به. 13173- حدثنا هناد قال، حدثنا عبدة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن القاسم بن مخيمرة قال: كان أبو طالب ينهى عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يصدِّقه. (2) (1) في المطبوعة: "يبعدون" ، وفي المخطوطة: "يبعدونه" ، وآثرت قراءتها كما أثبتها. (2) الأثر: 13173 - "القاسم بن مخيمرة الهمداني" ، "أبو عروة" ، روى عن عبد الله بن عمرو، وأبي سعيد الخدري، وأبي أمامة، وغيرهم من التابعين. ثقة. مترجم في التهذيب. والكبير 4/1/167، وابن أبي حاتم 3/2/120. 13174 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي ومحمد بن بشر، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن القاسم بن مخيمرة في قوله: "وهم ينهون عنه وينأون عنه" ، قال: نزلت في أبي طالب = قال ابن وكيع، قال ابن بشر: كان أبو طالب ينهي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤذَى ولا يصدّق به. 13175- حدثنا هناد قال، حدثنا يونس بن بكير، عن أبي محمد الأسدي، عن حبيب بن أبي ثابت قال، حدثني من سمع ابن عباس يقول في قول الله تعالى ذكره: "وهم ينهون عنه وينأون عنه" ، نزلت في أبي طالب، كان ينهى عن أذى محمد، وينأى عما جاء به أن يتّبعه. (1) 13176 - حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن القاسم بن مخيمرة في قوله: "وهم ينهون عنه وينأون عنه" ، قال: نزلت في أبي طالب. 13177 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبيد الله بن موسى، عن عبد العزيز بن سياه، عن حبيب قال: ذاك أبو طالب، في قوله: "وهم ينهون عنه وينأون عنه" . (2) 13178 - حدثنا يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، حدثني سعيد بن أبي أيوب قال، قال عطاء بن دينار في قول الله: "وهم ينهون عنه وينأون عنه" ، (1) الأثر: 13175 - "أبو محمد الأسدي" ، لم أعرف من هو، ولم أجد من يكنى به. وأخشى أن يكون هو "عبد العزيز بن سياه الأسدي" ، الآتي في الأثر رقم: 13177 و "عبد العزيز" يروي عنه يونس بن بكير. (2) الأثر: 13177 - "عبيد الله بن موسى بن أبي المختار العبسي" ، مضى مرارًا كثيرة. وكان في المطبوعة والمخطوطة: "عبد الله بن موسى" ، وهو خطأ محض. و "عبد العزيز بن سياه الأسدي" ، ثقة، محله الصدق، وكان من كبار الشيعة. وروى عنه عبيد الله بن موسى، ويونس بن بكير، ووكيع، وغيرهم. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم 2/2/383. وانظر التعليق على الأثر السالف، فإني أرجح أن "أبا محمد الأسدي" ، كنية: "عبد العزيز بن سياه الأسدي" . أنها نزلت في أبي طالب، أنه كان ينهى الناسَ عن إيذاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينأى عما جاء به من الهدى. (1) * * * قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية، قولُ من قال: تأويلُه: "وهم ينهون عنه" ، عن إتباع محمد صلى الله عليه وسلم مَنْ سواهم من الناس، وينأون عن اتباعه. وذلك أن الآيات قبلَها جرت بذكر جماعة المشركين العادِلين به، والخبرِ عن تكذيبهم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، والإعراض عما جاءهم به من تنزيل الله ووحيه، فالواجب أن يكون قوله: "وهم ينهون عنه" ، خبرًا عنهم، إذ لم يأتنا ما يدُلُّ على انصراف الخبر عنهم إلى غيرهم. بل ما قبل هذه الآية وما بعدها، يدلّ على صحة ما قلنا، من أن ذلك خبر عن جماعة مشركي قوم رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، دون أن يكون خبرًا عن خاصٍّ منهم. * * * وإذ كان ذلك كذلك، فتأويل الآية: وإن يرَ هؤلاء المشركون، يا محمد، كلَّ آية لا يؤمنوا بها، حتى إذا جاؤوك يجادلونك يقولون: "إن هذا الذي جئتنا به إلا أحاديث الأوَّلين وأخبارهم" ! وهم ينهون عن استماع التنزيل، وينأون عنك فيبعدون منك ومن اتباعك = "وإن يهلكون إلا أنفسهم" ، يقول: وما يهلكونَ بصدّهم عن سبيل الله، وإعراضهم عن تنزيله، وكفرهم بربهم - إلا أنفسهم لا غيرها، وذلك أنهم يكسِبُونها بفعلهم ذلك، سخط الله وأليم عقابه، (1) الأثر: 13178 - "سعيد بن أبي أيوب الخزاعي المصري" ، وهو "سعيد بن مقلاص" ، ثقة ثبت. ومضى في الأثرين رقم: 5615، 6743، غير مترجم. مترجم في التهذيب، والكبير2/1/419، وابن أبي حاتم 2/1/66. و "عطاء بن دينار المصري" ، من ثقات أهل مصر، مضى برقم: 160. https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...efe9a72437.gif |
الساعة الآن : 04:01 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour