رد: المبسوط فى الفقه الحنفى محمد بن أحمد السرخسي
الكتاب: المبسوط فى الفقه الحنفى المؤلف: محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي (ت ٤٨٣ هـ) عدد الأجزاء: ٣١ (الأخير فهارس) المجلد الخامس صـــ 120 الى صـــ 129 (101) بأن زوجها منه حر على أنها حرة، فهذا وما تقدم سواء إلا أن الأب يرجع بقيمة الولد على المزوج في الحال؛ لأن ضمان الغرور كضمان الكفالة، والحر يؤاخذ بضمان الكفالة في الحال، وإن كان الذي غره فيها عبدا أو مكاتبا فلا رجوع له عليهم حتى يعتقوا سواء كان العبد مأذونا أو لم يكن؛ لأن المأذون إنما يؤاخذ بضمان التجارة في الحال لا بضمان الكفالة فيتأخر إلى عتقهم إلا أن يكون المولى أمر العبد أو المدبر بذلك فحينئذ يؤاخذ به في الحال؛ لأن كفالة العبد بإذن المولى موجب للضمان عليه في الحال، فأما المكاتب لا يؤاخذ به حتى يعتق سواء فعله بإذن المولى أو بغير إذنه؛ لأن المولى ليس له حق التصرف في كسبه، فلا يعتبر إذنه فيه، وإن كان المتزوج المغرور عبدا أو مدبرا أو مكاتبا بأن تزوج أحد من هؤلاء بإذن المولى امرأة على أنها حرة فولدت له ثم ظهر أنها أمة فالولد رقيق في قول أبي حنيفة وأبي يوسف الآخر - رحمهما الله تعالى -، نص على قول أبي يوسف - رحمه الله تعالى - في كتاب الدعوى، وفي قوله الأول وهو قول محمد - رحمه الله تعالى - الولد حر بقيمته على الأب إذا عتق، ويرجع بذلك على الذي غره، وجه قول محمد - رحمه الله تعالى - أن السبب الموجب للحرية الغرور، واشتراط الحرية فيها عند النكاح، وهذا يتحقق من الرقيق كما يتحقق من الحر، وكما يحتاج الحر إلى حرية الولد فالمملوك محتاج إلى ذلك بل حاجته أظهر؛ لأنه ربما يتطرق به إلى حرية نفسه، توضيحه أنه لا معتبر برق الزوج وحريته في رق الولد بل المعتبر فيه جانب الأم. ألا ترى أن الحر إذا تزوج أمة وهو يعلم بحالها كان ولده رقيقا، فإذا كان المعتبر رق الأم وقد سقط اعتبار رقها في حق الولد عند اشتراط الحرية إذا كان الزوج حرا فكذلك إذا كان الزوج عبدا؛ لأن ما شرط من الحرية يجعل كالمتحقق في حرية الولد، فأما أبو حنيفة وأبو يوسف - رحمهم الله تعالى - قالا: هذا الولد مخلوق من ماء رقيقين فيكون رقيقا، وهذا لأن الولد متفرع من الأصل، فإنما يتفرع بصفة الأصل، وإذا كان الأصلان رقيقين لا تثبت الحرية للولد من غير عتق، وأما إذا كان الزوج حرا فقد ثبت حرية الولد هناك باتفاق الصحابة - رضي الله عنهم -، بخلاف القياس، وهذا ليس في معنى ذاك؛ لأن ماء الرجل هناك بصفته حر، فإنه جزء منه، وإنما يصير رقيقا باتصاله برحم الأمة فتأثير الغرور في المنع من ثبوت الرق في مائه بالاتصال برحم الأمة، وهنا ماء العبد رقيق كنفسه، فالحاجة إلى إثبات الحرية لمائه وما لا يصلح لإبقاء ما كان على ما كان لا يصلح لإيجاب ما لم يكن، يوضحه أن الحاجة هناك إلى الترجيح عند التعارض؛ لأن اعتبار جانب مائه يوجب حرية الولد، واعتبار جانب مائها يوجب رق الولد فجعلنا الغرور دليلا مرجحا، وهنا الحاجة إلى إثبات الحرية دون الترجيح، وما يصلح مرجحا لا يصلح موجبا، توضيحه أنه هناك ثبت حرية الولد بضمان قيمته على الأب في الحال فيندفع الضرر به عنه، وهنا لو ثبت حرية الولد إنما تثبت بضمان قيمته بعد العتق فيتضرر به المستحق في الحال، فإذا ثبت أن هذا ليس في معنى المنصوص وجب الرجوع فيه إلى الأصل فكان الولد رقيقا بمنزلة أمه ثم على قول محمد - رحمه الله تعالى - إن كان التزوج من هؤلاء بإذن السيد فعليهم قيمة الولد والمهر في الحال، وإن كان بغير إذن السيد فعليهم قيمة الولد والمهر بعد العتق؛ لأن كل دين وجب على المملوك بسبب مأذون من جهة المولى يؤاخذ به في الحال، وكل دين وجب عليه بسبب غير مأذون فيه، فإنما يؤاخذ به بعد العتق. (قال وإذا تزوجها وهو يعلم أنها أمة أو تزوجها وهو يحسب أنها حرة ولم يغره فيها أحد فأولاده أرقاء؛ لأن هذا ظن منه والظن لا يغني من الحق شيئا، ولأن الموجب لحرية الولد الغرور ولم يتحقق الغرور هنا، ولو كانت أمة بين رجلين زوجها أحدهما من رجل ودخل الزوج بها فللآخر أن يبطل النكاح؛ لأن المزوج لا يملك إلا نصفها، وملك نصف الأمة ليس بسبب لولاية التزويج، فلم ينفذ عقده عليها، وقد تناول عقده نصيب الشريك فكان له أن يفسخ عقده دفعا للضرر عن نفسه وقد سقط الحد عن الزوج لشبهة النكاح فيجب المهر عليه، إلا أن في نصيب المزوج يجب الأقل من نصف المسمى، ومن نصف مهر مثلها؛ لأنه راض بالمسمى ورضاه صحيح في نصيب نفسه، فأما في نصيب الشريك يجب نصف مهر المثل بالغا ما بلغ؛ لأنه لم يرض بسقوط شيء من حقه، وإن كان إبطال النكاح قبل الدخول، فلا مهر لواحد منهما سواء خلا بها الزوج أو لم يخل؛ لأن الخلوة إنما تعتبر في النكاح الصحيح، وهذا العقد لم يكن صحيحا، فلا تعتبر الخلوة فيه. (قال وإذا زوج أمة ابنه الصغير فذلك جائز، وكذلك الوصي إذا زوج أمة اليتيم، وكذلك المكاتب إذا زوج أمته، وكذلك المفاوض إذا زوج أمة من الشركة؛ لأن تزويج الأمة من عقود الاكتساب، فإنه يكتسب به المهر ويسقط به نفقتها عنه، وهؤلاء الأربعة يملكون الاكتساب، أما المكاتب فهو منفك الحجر عنه في اكتساب المال، وأما الأب والوصي، فإنهما أمرا بالنظر للصغير، وعقد اكتساب المال من النظر، وأما المفاوض فإن المتفاوضين إنما عقدا المفاوضة لاكتساب المال، ولا يملك هؤلاء تزويج العبد؛ لأنه ليس فيه اكتساب المال بل فيه تعييب العبد وشغل ذمته بالمهر والنفقة من غير منفعة لهم في ذلك. (قال ولو زوج الأب أو الوصي أمة الصبي من عبده لا يجوز ذلك أيضا نص عليه في المأذون، وعند أبي يوسف - رحمه الله تعالى - أنه يجوز؛ لأنه لا ضرر فيه على الصبي، فإن المهر لا يجب بهذا العقد، ونفقتهما عليه بعد النكاح كما كانا قبله، وفيه منفعة للصبي من حيث النسل فيجوز ذلك من الأب والوصي كإنزاء الفحل من مال الصبي على أتانه، ووجه ظاهر الرواية أن في هذا تعييبا لهما؛ لأن النكاح عيب في العبيد والإماء جميعا، ومنفعة النسل موهوبة والمنفعة الموهوبة لا تكون جائزة للضرر المتحقق، فلهذا لا يصح هذا العقد منهما، وأما العبد المأذون أو المضارب أو الشريك شركة عنان إذا زوج واحد منهما الأمة لم يجز ذلك في قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله تعالى - وفي قول أبي يوسف - رحمه الله تعالى - يجوز؛ لأنه عقد اكتساب المال وهؤلاء يملكون ذلك، ولأن المستوفى بالوطء في الحقيقة منفعة، ولهذا سمى الله تعالى المهر أجرا، وهؤلاء يملكون الإجارة فكذلك يملكون التزويج وأبو حنيفة ومحمد - رحمهما الله تعالى - قالا: المأذون إنما كان منفك الحجر عنه في التجارة، والتزويج ليس من جملة التجارة، فإن التجار لا يعتادون اكتساب المال بتزويج الإماء، والدليل عليه أن المرأة لو زوجت نفسها من رجل بعبد ونوت التجارة عند العقد لا يصير العبد به للتجارة، ولو كان النكاح من التجارة لصار العبد به للتجارة، فإن نية التجارة متى اقترنت بعمل التجارة يصير للتجارة وإذا لم يكن النكاح من التجارة، فلا يملكه هؤلاء كالكتابة وبه فارق الأربعة التي تقدمت، فإن أولئك يملكون الكتابة فعرفنا أن تصرفهم غير مقصور على التجارة، وهؤلاء الثلاثة لا يملكون الكتابة فعرفنا أن تصرفهم مقصور على التجارة، ولا شك أن هؤلاء الثلاثة لا يزوجون العبد؛ لأن تزويج العبد ليس من الاكتساب، ولا من التجارة. (قال وإذا تزوج الحر أمة ابنه جاز النكاح عندنا، ولا يجوز عند الشافعي - رحمه الله تعالى -، وقيل هذا بناء على الأصل الذي تقدم أن عنده لا يجوز للحر نكاح الأمة إلا عند عدم طول الحرة، وعلى الابن أن يعف أباه فيستغني به عن نكاح الأمة، ولكن هذا ليس بصحيح، فإنه لو تزوج أمة غيره صح النكاح إذ لم يكن في ملكه ما يتزوج به الحرة، والأصح أنه هذه مسألة مبتدأة، فوجه قوله أن للأب حق الملك في مال ولده حتى لو وطئ جارية ابنه مع علمه بحرمتها لا يلزمه الحد، فلا يجوز له أن يتزوجها، كالمولى إذا تزوج أمة من كسب مكاتبه بل أولى؛ لأن حق الملك في مال ولده أظهر. ألا ترى أن استيلاده في جارية الابن صحيح، واستيلاد المولى أمة مكاتبه لا يصح، توضيحه أن الولد كسبه قال - صلى الله عليه وسلم: «إن أطيب ما يأكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه» فجارية الابن كسب كسبه، فلا يملك التزوج كأمة عبده، ولكنا نقول: ليس له في جارية ولده ملك، ولا حق ملك، فيجوز له أن يتزوجها كأمة أبيه وأخيه، وإنما قلنا ذلك؛ لأنه يحل للابن أن يطأ جاريته بالاتفاق، ولو كان لأبيه فيها حق الملك لم يحل له وطؤها كالمكاتب، فإنه لا يحل له أن يطأ أمته لما كان للمولى فيها حق الملك، فأما سقوط الحد، فليس لقيام حق الملك له في الجارية، ولكن لظاهر الإضافة في قوله - صلى الله عليه وسلم: «أنت ومالك لأبيك» وهذا الظاهر وإن كان لم يكن معمولا به في إيجاب ملك أو حق ملك له فيها يصير شبهة في إسقاط الحد كالبيع بشرط الخيار لا يوجب الملك ولا حق الملك للمشتري ثم يسقط الحد به، وكذلك العقد الفاسد من نكاح أو بيع قبل القبض، والولد وإن كان كسبا له فهو كسب حر، فلا يثبت له حق الملك في كسبه، بمنزلة مال المعتق لا حق للمعتق فيه، وإن كان المعتق كسبا له؛ لأنه كسب حر، فأما صحة الاستيلاد ليس باعتبار حق الملك له فيها بل بولاية التملك عند الحاجة وتقرر حاجته إلى صيانة مائه كي لا يضيع نسله، فإن تزوجها فولدت له ولدا كان الولد حرا؛ لأن الولد يتبع الأم في الملك فمولى الجارية هنا ملك أخاه فيعتق عليه بالقرابة، ولا تصير الجارية أم ولد له عندنا، وعند زفر - رحمه الله تعالى - تصير أم ولد له، وكذا إذا استولدها بنكاح فاسد أو وطء بشبهة عندنا لا تصير أم ولد له خلافا لزفر - رحمه الله تعالى -، وحجته أنه لو استولدها بفجور صارت أم ولد له، فإذا استولدها بنكاح أو بشبهة نكاح أولى أن تصير أم ولد له، ولكنا نقول إذا استولدها بغير شبهة فهناك يصير متملكا لحاجته إلى ذلك كي لا يضيع ماؤه، فإن إثبات النسب غير ممكن بدون التملك؛ لأنه ليس له فيها ملك ولا حق ملك، فإذا تملكها سابقا على الاستيلاد كان الاستيلاد في ملك نفسه، فلهذا صارت أم ولد له وهنا غير محتاج إلى تملكها لإثبات النسب بل النكاح أو شبهة النكاح يكفي؛ لذلك فلم يصر متملكا لها، فلهذا لا تصير أم ولد له. (قالhttps://forum.ashefaa.com/images/smi...xM_f3u022S.gif ولو كان الابن هو الذي تزوج أمة أبيه بتزويج الأب إياها منه جاز النكاح، فإذا ولدت فالولد حر؛ لأن الأب ملك الابن أمته، ولا تصير الجارية أم ولد له؛ لأنه لا ملك له فيها، وإن كان الابن وطئها بغير نكاح أو شبهة نكاح لم يثبت نسبه منه، وإن ادعاه لأنه ليس له حق التملك في جارية أبيه، ولكن لا حد عليه إن قال: ظننت أنها تحل لي، وإن قال: علمت أنها علي حرام فعليه الحد؛ لأن عند الظن اشتبه عليه ما يشتبه فيسقط الحد به، وعند العلم بالحرمة لا شبهة له في المحل حقيقة ولا صورة ولم يشتبه عليه أمرها فلزمه الحد، وإن صدقه الأب في أنه وطئها وأن الولد منه عتق الولد بإقراره؛ لأنه إذا ملك ابنه من الزنا عتق عليه، فكذلك إذا ملك ابن ابنه من الزنا، ولكن لا يثبت النسب لما بينا، بخلاف الأب إذا كان هو الذي استولد جارية ابنه، فإنه لا حاجة إلى تصديق الولد؛ لأن الأب له ولاية تملك جارية الابن، فإنما يكون مستولدا لها في ملك نفسه، ولهذا ضمن قيمتها لابنه، وليس للابن هذه الولاية في جارية أبيه، فلهذا لا يعتق الولد إلا إذا صدقه الأب فيه. (قال ولا يتزوج العبد أكثر من اثنتين، وقال مالك - رحمه الله تعالى - له أن يتزوج أربعا؛ لأن الرق لا يؤثر في مالكية النكاح حتى لا يخرج من أن يكون أهلا لملك النكاح وما لا يؤثر فيه الرق فالعبد والحر فيه سواء كملك الطلاق وملك الدم في الإقرار بالعقود، ومذهبنا مروي عن عمر - رضي الله عنه - قال: لا يتزوج العبد أكثر من اثنتين ولأن الرق مؤثر في تنصيف ما كان متعددا في نفسه كالجلدات في الحدود وعدد الطلاق وأقراء العدة، وهذا لأن ملك النكاح مبني على الحل الذي يصير به أهلا للنكاح، وذلك الحل يتسع بزيادة الفضيلة ويتضيق بنقصان الحال. ألا ترى «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان مخصوصا بإباحة تسع نسوة» لفضيلة النبوة التي اختص بها، فكان الحل في حقه متسعا لتسع نسوة، ولا يجوز لأحد غيره أكثر من أربع نسوة، فكذلك يتسع الحل لفضيلة الحرية فيتزوج الحر أربعا، ولا يتزوج العبد إلا اثنتين، يوضحه أن الرق ينصف الحل، ألا ترى أن في جانب الأمة يتنصف حلها بالرق، حتى أن ما ينبني على الحل وهو القسم يكون حالها فيه على النصف من حال الحرة، وكذلك ما يجب على المستوفي لهذا الحل بغير طريقه وهو الحل يتنصف بالرق حتى يجب على العبد بالزنا خمسون جلدة، وعلى الحر مائة جلدة، وإذا ثبت أن الحل يتنصف بالرق وعليه ينبني عدد المنكوحات فقلنا: حال العبد فيه على النصف من حال الحر فيتزوج ثنتان الحرتان والأمتان في ذلك سواء والشافعي - رحمه الله تعالى - هنا لا يخالفنا؛ لأن في حق العبد نكاح الأمة أصل وليس ببدل، إذ ليس فيه تعريض شيء للرق، فإنه رقيق بجميع أجزائه، فلهذا جوز له نكاح الأمتين، وعلى هذا الأصل يقول الشافعي - رضي الله تعالى عنه - للعبد أن يتزوج أمة على حرة، ولكنا نقول: لا يجوز؛ لأن الأمة ليست من المحللات مضمومة إلى الحرة في حق الحر فكذلك في حق العبد والمدبر والمكاتب، وابن أم الولد في هذا كالعبد لأن الرق المنصف للحل فيهم قائم. (قال ولا يجوز للعبد أن يتزوج بغير إذن مولاه عندنا، وعلى قول مالك - رحمه الله تعالى - يجوز؛ لأن الرق لم يؤثر في مالكية النكاح فيستبد العبد به كالطلاق، وأصحابنا - رحمهم الله تعالى - استدلوا بظاهر قوله تعالى: {ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء} [النحل: 75] والنكاح شيء، فلا يملكه العبد بنفسه، ومذهبنا مروي عن عمر - رضي الله تعالى عنه - قال: أيما عبد تزوج بغير إذن مولاه فهو عاهر والمعنى فيه أن في النكاح تعييبه، وفيه شغل ماليته بالمهر والنفقة وماليته ملك مولاه، فلا يملك شغل ذلك بتصرفه بغير إذن المولى، يوضحه أنه لو باع رقبته أو رهنه بمال لم يجز، وإن كان منفعة ذلك ترجع إلى المولى، فإذا تزوج ولا منفعة في عقده للمولى أولى أن لا يجوز، وكذلك المدبر وابن أم الولد والمكاتب لا يتزوج أحد من هؤلاء بغير إذن المولى؛ لأن الرق الموجب للحجر فيهم، فإن أذن المولى لهم في ذلك جاز العقد، فإن المولى لو باشر تزويجهم جاز فكذلك إذا أذن لهم فيه، إلا أن في المكاتب يحتاج إلى رضاه إذا باشره المولى، فإن أذن له المولى فباشره المكاتب يجوز أيضا، وهذا بخلاف تزويج الأمة، فإن المكاتب يزوج أمته بغير رضا المولى؛ لأن أمته غير مملوكة للمولى وتزويجها من عقود الاكتساب فيملكه المكاتب، فأما تزويجه لنفسه ليس من عقود الاكتساب ورقبته مملوكة، وعلى هذا لو أن المكاتبة زوجت أمتها جاز ذلك، ولو تزوجت بنفسها لم يجز إلا بإذن المولى لقيام ملك المولى في رقبتها. (قال ولو تزوج العبد بغير إذن مولاه فأجازه جاز؛ لأن الإجازة في الانتهاء كإذنه في الابتداء، فإن طلقها العبد ثلاثا بعد إجازة المولى طلقت ثلاثا ولم يجز للعبد أن يتزوج حتى تنكح زوجا غيره؛ لأن النكاح لما صح كان العبد في إيقاع الطلاق عليها كالحر، ولو طلقها ثلاثا قبل إجازة المولى النكاح لم يقع النكاح، ولكن يكون هذا متاركة للنكاح؛ لأن وقوع الطلاق يختص بنكاح صحيح، ونكاحه بغير إذن المولى لم يكن صحيحا، فلا يقع الطلاق، ولكن إيقاع الطلاق يؤثر في إزالة الحل عن المحل وإيقاع الفرقة إذا كان صحيحا، فإذا لم يكن النكاح نكاحا صحيحا، فلا يؤثر في هذين الحكمين، ولكن يؤثر في رفع الشبهة حتى لو وطئها قبل الطلاق لا يلزمه الحد، ولو وطئها بعد الطلاق يلزمه الحد، وإن لم يجز المولى ذلك العقد، ولكن أذن له أن يتزوجها ابتداء، فلا بأس بأن يتزوجها؛ لأن حرمة المحل بوقوع التطليقات على المحل ولم يقع هنا، فلا بأس بأن يتزوجها كالصبي والمجنون إذا طلق امرأته ثلاثا لا يثبت به حرمة المحل، ولأن النكاح لما لم يصح كان هذا طلاقا قبل النكاح، وقال - عليه الصلاة والسلام: «لا طلاق قبل النكاح» ولو أجاز المولى ذلك النكاح فإجازته باطلة؛ لأن الإجازة إنما تعمل في حال توقف العقد وقد ارتفع العقد بما أوقعه العبد؛ لأنه يستبد بالطلاق لو أوقعه في نكاح صحيح ارتفع النكاح، فإذا أوقعه في العقد الموقوف أولى أن يرتفع العقد به، فإن أذن له أن يتزوجها بعد هذا كرهت له أن يتزوجها. ولو فعل لم يفرق بينهما في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى، وفي قول أبي يوسف - رحمه الله تعالى - لا يكره ذلك، وجه قوله ظاهر، فإن الطلاق غير واقع على المحل، وحرمة المحل باعتبار وقوع الطلاق، ولأن إجازة المولى للعقد باطل فوجوده كعدمه، ولو لم يجز العقد كان له أن يتزوجها بإذنه فكذلك بعد إجازته، وجه قولهما أن الطلاق تصرف ينبني على النكاح، وإجازة العقود يتضمن إجازة ما ينبني عليه، فاعتبار هذا المعنى يوجب نفوذ الطلاق وحرمة المحل فجعلناه معتبرا في الكراهة، وإن لم يكن معتبرا في حقيقة حرمة المحل، ولكن هذا على أصل محمد - رحمه الله تعالى - غير صحيح، فإن عنده المشترى من الغاصب إذا أعتق ثم أجاز المولى لا ينفذ عتقه، وعلى أصل أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - إنما يصح هذا أن لو كان الطلاق يتوقف على إجازة المولى، وقد بينا أن طلاق العبد لا يتوقف على إجازة المولى، لكن الوجه فيه أن نقول: الإجازة في الانتهاء كالإذن في الابتداء، والإذن في الابتداء لو كان موجودا تثبت به حرمة المحل حقيقة فكذلك بوجود صورة الإجازة في الانتهاء تثبت الكراهة، توضيحه أن العبد أهل للنكاح في حق نفسه، ولهذا لو أعتق قبل إجازة المولى نفذ نكاحه فاعتبار هذا الجانب يوجب نفوذ طلاقه، واعتبار جانب حق المولى يمنع نفوذ طلاقه، فلتعارض الأدلة قلنا لا تثبت الحرمة حقيقة، ولكن تثبت صفة الكراهة احتياطا؛ لأنه إن ترك نكاح امرأة تحل له كان خيرا له من أن يتزوج امرأة لا تحل له. (قالhttps://forum.ashefaa.com/images/smi...xM_f3u022S.gif وإذا تزوج العبد حرة بغير إذن مولاها ثم أعتقه المولى جاز النكاح؛ لأنه مخاطب له قول ملزم، وإنما امتنع نفوذ نكاحه لحق مولاه، فإذا أسقط المولى حقه بالعتق فينفذ النكاح لزوال المانع، وكذلك لو باعه فأجاز المشتري؛ لأن المشتري قام مقام البائع في ملكه رقبته فكذلك في إجازة عقده، وهذا لأنه ما طرأ بالبيع حل نافذ على الحل الموقوف، فإن العبد لا يحل للمشتري فلهذا كانت إجازته كإجازة البائع، وعند زفر - رحمه الله تعالى - لا ينفذ بإجازة المشتري وقد بينا هذا، وكذلك لو أجاز وارثه بعد موته. (قال ولو أذن لعبده في النكاح لم يملك أن يتزوج إلا امرأة واحدة عندنا، وعند الشافعي - رحمه الله تعالى - له أن يتزوج اثنتين، وهذا بناء على الأصل الذي تقدم بيانه أن النكاح مملوك للمولى على عبده عندنا حتى يزوجه من غير رضاه فيكون العبد فيه نائبا عن مولاه، فهو كالحر يأمر غيره أن يزوجه فلا يزوجه بمطلق الوكالة إلا امرأة واحدة، وعندهما النكاح غير مملوك للمولى على عبده، ولكن العبد هو المالك له إلا أنه لا ينفذ منه بدون إذن المولى؛ لأن ضرره يتعدى إلى حق المولى، فإذا أذن المولى له في ذلك فقد رضي بالتزام هذا الضرر وأسقط حق نفسه فكان للعبد أن يتزوج اثنتين، ولو تزوج امرأتين في عقدة لا يجوز نكاح واحدة منهما إلا في قول أبي يوسف - رحمه الله تعالى - الأول، فإنه يقول: يجوز نكاح إحداهما والبيان فيه إلى العبد بمنزلة من وكل وكيلا أن يزوجه امرأة فزوجه امرأتين عنده يصح نكاح إحداهما والخيار إلى الزوج، وقد تقدم بيان هذه المسألة، فإن قال المولى: عنيت نكاح امرأتين جاز نكاحهما؛ لأنه لو أجاز نكاح امرأتين جاز، فكذلك إذا قال: نويت ذلك عند الإذن؛ لأن المنوي من محتملات لفظه وهو غير متهم في هذا البيان. (قال وإذا أذن له أن يتزوج واحدة فتزوجها نكاحا فاسدا ودخل بها أخذ بالمهر في حالة الرق في قول أبي حنيفة - رحمه الله تعالى -، وفي قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله تعالى - لا يؤخذ به حتى يعتق، وأصل المسألة أن عندهما إذن المولى لعبده في النكاح ينصرف إلى العقد الصحيح دون الفاسد؛ لأن مقصوده تحصيل العفة به للعبد، وذلك إنما يحصل بالعقد الصحيح دون الفاسد، واستدلالا بما لو حلف أن لا يتزوج ينصرف يمينه إلى العقد الصحيح دون الفاسد، فعرفنا به أن الفاسد ليس بنكاح فلا يتناوله إذن المولى وأبو حنيفة - رحمه الله تعالى - يقول: الفساد والصحة صفة العقد والإذن من المولى في أصل العقد، فلا يتقيد بصفة دون صفة، كالإذن في البيع والشراء للوكيل أو للعبد يتناول الفاسد والصحيح جميعا، وهذا لأن بعض المقاصد يثبت بالعقد الفاسد نحو النسب والمهر والعدة عند الدخول، وهذا لو حلف أنه ما تزوج في الماضي وقد كان تزوج فاسدا أو صحيحا كان حانثا في يمينه، وفي المستقبل إنما حملناه على العقد الصحيح لدلالة العرف، فإن الأيمان تنبني على العرف، فأما هنا اعتبار إذن المولى لدفع الضرر عنه، وذلك يعم العقد الصحيح والفاسد، إذا عرفنا هذا فنقول: عند أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - إذا دخل بها بالنكاح الفاسد فقد لزمه المهر بسبب كان مأذونا فيه من جهة المولى فيؤاخذ به في الحال، وعندهما إذن المولى لا يتناول العقد الفاسد، فإنما لزمه المهر بسبب غير مأذون فيه من جهة المولى فيتأخر إلى ما بعد العتق وعلى هذا لو تزوجها نكاحا صحيحا بعد هذا يجوز عندهما؛ لأن حكم إذن المولى ما انتهى بالعقد الفاسد فيكون مباشرا العقد الثاني بإذنه، وعند أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - لا يصح العقد الثاني؛ لأن حكم إذن المولى انتهى بالعقد الأول فيحتاج في العقد الثاني إلى إذن جديد. (قال وإذا تزوج العبد بغير إذن مولاه ودخل بها ثم أجاز المولى ذلك النكاح فعليه مهر واحد وهو الذي سماه لها استحسانا؛ لأن الإجازة في الانتهاء كالإذن في الابتداء، وفي القياس عليها مهران مهر المثل بالدخول والمسمى بنفوذ العقد بالإجازة، وقد بينا نظير هذا في جانب الأمة فهو كذلك في العبد، وعلى هذا لو أعتقه المولى حتى نفذ العقد بعد عتقه. (قال وإذا تزوج المكاتب بغير إذن السيد أو العبد أو المدبر ودخل بها ثم فرق بينهما السيد، فلا مهر عليها حتى يعتق؛ لأن النكاح في حق المكاتب ليس من عقود التجارة ولا من اكتساب المال، والمهر عند الدخول إنما يجب بسبب ذلك العقد، فإذا لم يكن عقد الكتابة متنا، ولا لذلك العقد يتأخر المال الواجب بسببه إلى ما بعد العتق، وهذا بخلاف جناية المكاتب، فإن موجبه في كسبه يثبت في الحال؛ لأن وجوب ذلك باعتبار الفعل، والرق لا يؤثر في الحجر عن الأفعال، وأما وجوب المهر هنا باعتبار العقد؛ لأن الدخول بدون العقد غير موجب للمهر، ولأنها راضية بهذا الدخول فلهذا يتأخر الواجب إلى ما بعد العتق، بمنزلة المال الواجب عليه بسبب الكفالة. (قال وإذا زوج الرجل عبده أمته بشهود فهو جائز، ولا مهر لها عليه؛ لأن المهر لو وجب كان للمولى، وإنما يجب في مالية العبد وماليته مملوكة للمولى، فلا فائدة في وجوبه أصلا، وقد بينا أن على طريق بعض أصحابنا يجب ابتداء لحق الشرع ثم يسقط لقيام ملك المولى في رقبة الزوج، فإن كان العبد نصرانيا أذن له مولاه في التزوج فأقامت عليه امرأة نصرانية شاهدين من النصارى أنه تزوجها وهو جاحد أجزت ذلك عليه؛ لأن الخصم هو العبد. ألا ترى أنه لو أقر بهذا النكاح ثبت بإقراره فكذلك يثبت بشهادة النصارى عليه؛ لأنه نصراني، ألا ترى أنهم لو شهدوا عليه بيع أو شراء وهو مأذون له في التجارة كانت الشهادة مقبولة فكذلك بالنكاح، فإن قيل النكاح مملوك للمولى على العبد، فهذه الشهادة إنما تقوم على المولى وهو مسلم، قلنا: أصل العقد مملوك للمولى عليه، ولكن حكمه وهو ملك الحل يثبت للعبد، والشهود إنما يشهدون لها بذلك على العبد فلهذا اعتبرنا فيه دين العبد، وقلنا: لو كان المولى كافرا والعبد مسلما لم تجز شهادتهما لأنها تقوم على العبد وهو مسلم، وشهادة الكافر ليس بحجة على المسلم. (قال ، ولا يحل للعبد أن يتسرى، وإن أذن له مولاه عندنا، وعلى قول مالك - رحمه الله تعالى - يحل؛ لأن ملك المتعة يثبت بطريقين إما عقد النكاح أو التسري، فإذا كان العبد أهلا لملك المتعة بأحد الطريقين وهو النكاح فكذلك بالطريق الآخر بل أولى؛ لأن ملك المتعة الذي يثبت بالنكاح أقوى مما يثبت بملك اليمين، وحجتنا في ذلك قوله تعالى: {والذين هم لفروجهم حافظون} [المؤمنون: 5] {إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم} [المؤمنون: 6] وهذه ليست بزوجة له ولا مملوكة له، وعن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: لا يحل فرج مملوكة إلا لمن إذا أعتق أو وهب جاز، والعبد لا يجوز عتقه ولا هبته، فلا يحل الفرج له بملك اليمين، وهذا لأن العبد مملوك مالا، فلا يجوز أن يكون مالكا للمال لما بين المالكية والمملوكية من المنافاة، وملك المتعة لا يثبت إلا بثبوت سببه، فإذا كان سببه وهو ملك الرقبة لا يثبت في حق العبد فكذلك حكمه، بخلاف النكاح ولأن العبد ليس بأهل لملك المال قبل إذن المولى، ولا تأثير للإذن في جعل من ليس بأهل أهلا، وإنما تأثير إذن المولى في إسقاط حقه عند قيام أهلية العبد فكان ينبغي أن لا يجعل العبد أهلا لملك المتعة أصلا؛ لأن بين المالكية والمملوكية منافاة، ولكن الشرع جعله أهلا لملك المتعة بسبب النكاح لضرورة حاجته إلى قضاء الشهوة وإبقاء النسل، وهذه الضرورة ترتفع بثبوت الحل له بالنكاح، فلا حاجة هنا إلى أن نجعله أهلا لملك المتعة بسبب ملك الرقبة، وكذلك المدبر والمكاتب والمستسعى في قول أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - كالمكاتب. (قال ولو أن عبدا بين رجلين زوجه أحدهما بغير إذن الآخر لم يجز لما بينا أن ولاية النكاح إنما تستفاد بملك رقبة العبد، وكل واحد منهما غير مالك لما يسمى عبدا. (قال ولا يحل للعبد أن يتزوج مولاته ولا امرأة لها في رقبته شقص عندنا، وعلى قول نفاة القياس - رضي الله عنهم - يجوز، وكذلك الحر إذا تزوج أمته أو أمة له فيها شقص فهو على هذا الخلاف، واستدلوا بظاهر قوله تعالى: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء} [النساء: 3] وبقوله: {فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات} [النساء: 25] وحجتنا في ذلك قوله تعالى: {وأنكحوا الأيامى منكم} [النور: 32] الآية، فإنما خاطب الله تعالى الموالي بإنكاح الإماء لا بنكاحهن، ولأن العبد إذا تزوج بمولاته فهي تستوجب عليه النفقة بالنكاح وهو يستوجب عليها النفقة بملك اليمين فيتقاصان ويموتان جوعا، وفي هذا من الفساد ما لا يخفى، والحر إذا تزوج أمته، فهذا العقد غير مفيد؛ لأن موجب النكاح ملك الحل، ومحل الحل ثابت له تبعا لملك الرقبة، ولأن النكاح إنما شرع في الأصل لضرورة الحاجة إليه، وعند ملكه رقبتها لا حاجة فلم يكن مشروعا أصلا، ثم قيام الملك في شقص منها ينزل منزلة قيام الملك في جميعها في حرمة النكاح احتياطا، وإن كان لا ينزل منزلة ذلك في حل الوطء، وعلى هذا لو تزوج مكاتبته فالنكاح باطل لقيام الملك له في رقبتها، وإن كان هو ممنوعا من وطئها بسبب الكتابة، فإن وطئها كان لها المهر بمنزلة ما لو وطئها قبل النكاح، وهذا لأن الحد يسقط للشبهة فيجب المهر، وهي بعقد الكتابة صارت أحق بنفسها ومكاسبها، والمستوفى بالوطء في حكم جزء من عينها، ولو قطع المولى يدها كان الأرش لها فكذلك إذا وطئها. |
رد: المبسوط فى الفقه الحنفى محمد بن أحمد السرخسي
الكتاب: المبسوط فى الفقه الحنفى المؤلف: محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي (ت ٤٨٣ هـ) عدد الأجزاء: ٣١ (الأخير فهارس) المجلد الخامس صـــ 130 الى صـــ 139 (102) ألا ترى أن الواطئ لو كان غير المولى كان المهر لها، فإن عتقت بعد هذا النكاح لم يجز ذلك النكاح؛ لأنه تعين فيه جهة البطلان لملكه رقبتها، فلا ينقلب صحيحا، وإن زال ذلك الملك، وكذلك إن تزوج المكاتب مولاته ودخل بها فعليه المهر لسقوط الحد بشبهة النكاح، ولا يجوز النكاح، وإن عتق لما قلنا، وإن تزوج المكاتب أو العبد بنت مولاه بإذنه جاز النكاح؛ لأنه لا ملك لها في رقبته، ولا حق ملك ما دام الأب حيا، فإن مات المولى فسد نكاح العبد لأنها ملكت رقبة زوجها إرثا، وملكها رقبة الزوج لو اقترن بالنكاح منع صحة النكاح، فإذا طرأ على النكاح يرفع النكاح أيضا؛ لأن المنافي يؤثر سواء كان طارئا أو مقارنا، فأما نكاح المكاتب لا يفسد بموت المولى عندنا وعند الشافعي - رحمه الله تعالى - يفسد وهو بناء على أن رقبة المكاتب لا تورث عندنا وعند الشافعي - رحمه الله تعالى - تورث، وأصل المسألة أن المشغول بحاجة المورث لا يملكه الوارث عندنا كالتركة المستغرقة بالدين، والمكاتب أيضا مشغول بحاجته، وعند الشافعي - رحمه الله تعالى - كل ما كان مملوكا للمورث، فإذا لم يخرج بموته من أن يكون مملوكا للمورث يصير مملوكا لوارثه، وحجته على سبيل الابتداء في هذه المسألة أنها لو تزوجت به ابتداء بعد موت المولى لا يصح النكاح، فكذا لا يبقى النكاح كما في العبد، وتقريره أن الوارث خلافة، ورقبة المكاتب كانت مملوكة للمولى فيخلفه وارثه فيه بعد الموت. ألا ترى أنه لو عجز كان مملوكا للوارث وعجزه ليس بموجب ملك الرقبة للوارث ابتداء، فعرفنا أنه كان مالكا قبل ذلك، وحجتنا في ذلك أن المكاتب لا يملك بسائر أسباب الملك فكذلك لا يملك بالإرث كالمدبر، والدليل عليه أنه لو أدى بدل الكتابة كان ولاؤه للمولى، وإنما يثبت الولاء لمن يعتق على ملكه، فتبين بهذا أنه باق على ملك المولى لحاجته إلى ذلك واستحقاقه ولاءه بعقد الكتابة، ولهذا يملك بعد العجز؛ لأن المانع حق المولى وقد زال فيكون ذلك السبب عاملا في إيجاب الملك بعد زوال المانع، وأما إذا تزوجت به ابتداء بعد موت المولى إنما لا يجوز؛ لأنه ثبت لها حق أن تتملك رقبته عند زوال المانع، وحق الملك يمنع ابتداء النكاح، ولا يمنع بقاءه، ولهذا لو اشترى المكاتب امرأة مولاه لا يفسد النكاح، ولو تزوج أمة مكاتبه لا يجوز، وكذلك لو اشترى المكاتب امرأة نفسه لا يفسد النكاح، ولو تزوجها ابتداء لم يصح، وكذلك لو كفل رجل عن المكاتب بمال لابن مولاه فهو جائز، فإن مات أبوه كانت الكفالة على حالها، ولو كفل له بمال مستقبل عنه بعد موت أبيه لم يجز، ومن غير هذا الباب العدة تمنع ابتداء النكاح ولا تمنع البقاء، والإباق يمنع ابتداء البيع ولا يمنع البقاء، فالقياس في هذا كثير، وإذا ثبت بقاء النكاح قلنا: إن أعتق المكاتب فهي امرأته؛ لأنه بالعتق ازداد بعدا عنها، وإن عجز ورد في الرق بطل النكاح، ولا مهر لها إن لم يكن دخل بها؛ لأن بطلان النكاح يقرر المنافي، وذلك إذا وجد قبل الدخول أبطل النكاح من الأصل، فلا يوجب شيئا من المهر كالمحرمية، وإن كان قد دخل بها فلها المهر في رقبته يبطل منه بقدر حصتها؛ لأنها ملكت بعض رقبته، والمولى لا يستوجب على مملوكه دينا. (قال رجل تزوج أمة رجل ثم اشترى بعضها قبل أن يدخل بها أو ملكها بوجه من الوجوه فسد النكاح لتقرر المنافي وهو ملكه جزءا من رقبتها، ولا مهر عليه إن لم يكن دخل بها، وإن كان قد دخل بها فعليه المهر لمولاها، وقد انتقض النكاح لملكه جزءا من رقبتها وإن أتى العبد المرأة الحرة فأخبرها أنه حر فتزوجها على ذلك ثم علمت أنه عبد قد أذن له مولاه في التزوج فهي بالخيار إن شاءت أقامت معه، وإن شاءت فارقته؛ لأنه غرها، ولأنها ما رضيت أن يستفرشها مملوك، ولأنه ليس بكفء لها، وقد بينا أنه إذا كتم نسبه ثم ظهر أن نسبه المكتوم دون ما أظهره يكون لها الخيار، فإذا أظهر الحرية وتبين الرق لأن يثبت لها الخيار كان أولى، فإن اختارت الفرقة لا تكون هذه الفرقة إلا عند القاضي بمنزلة الرد بالعيب، والفسخ بعدم الكفاءة لا يثبت إلا بقضاء القاضي، ولا مهر لها عليه إن لم يكن دخل بها؛ لأنه فسخ لأصل النكاح بينهما. (قالhttps://forum.ashefaa.com/images/smi...xM_f3u022S.gif عبد تزوج امرأة بإذن مولاه ولم يخبرها أنه حر أو عبد، ثم علمت أنه عبد، فإن كان أولياء المرأة زوجوها منه برضاها فلا خيار لهم ولا لها؛ لأن مباشرة الأولياء العقد يكون مسقطا حقهم في طلب الكفاءة، والزوج ما شرط لها من نفسه شيئا فات عليها ذلك إنما ظنت أنه حر وظنها لا يلزم الزوج شيئا، فلهذا لا خيار لها، وإن كانت فعلته بدون الأولياء فلهم أن يفرقوا بينهما؛ لأنه غير كفء، والمرأة إذا زوجت نفسها من غير كفء فللأولياء حق الاعتراض دفعا للعار عن أنفسهم والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب [باب الرضاع] (قال بلغنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» وذكر عروة عن عائشة - رضي الله عنهما - هذا الحديث قال: «يحرم بالرضاع ما يحرم بالولادة»، وفيه دليل على أن الرضاع من أسباب التحريم، وأنه بمنزلة النسب في ثبوت الحرمة؛ لأن ثبوت الحرمة بالنسب لحقيقة البعضية أو شبهة البعضية، وفي الرضاع شبهة البعضية بما يحصل باللبن الذي هو جزء الآدمية في إنبات اللحم وإنشاز العظم وإليه أشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «الرضاع ما أنبت اللحم وأنشز العظم» وفيه دليل على أن الحرمة بالرضاع كما تثبت من جانب الأمهات تثبت من جانب الآباء وهو الزوج الذي نزل لبنها بوطئه، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شبهه بالنسب في التحريم، والحرمة بالنسب تثبت من الجانبين فكذلك بالرضاع، بخلاف ما يقوله بعض العلماء - رحمهم الله تعالى - أن لبن الفحل لا يحرم وهو أحد قولي الشافعي - رحمه الله تعالى -، احتجوا بأن الله تعالى ذكر حرمة الرضاع في جانب النساء فقال: {وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة} [النساء: 23] فلو كانت الحرمة تثبت من جانب الرجال لبينها الله تعالى كما بين الحرمة بالنسب، ولأن الحرمة في حق الرجل لا تثبت بحقيقة فعل الإرضاع، فإنه لو نزل اللبن في ثندوة الرجل فأرضع به صبيا لا تثبت الحرمة، فلأن لا تثبت في جانبه بإرضاع زوجته أولى، وحجتنا ذلك حديث عمرة عن عائشة - رضي الله عنهما - «قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيتي فسمعت صوت رجل يستأذن على حفصة - رضي الله عنها - فقلت هذا رجل يستأذن في بيتك يا رسول الله فقال: صلوات الله عليه ما أراه إلا فلانا - عما لحفصة من الرضاع - فقلت: لو كان فلان عمي من الرضاع حيا أكان يدخل علي.؟ فقال: نعم الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة» وفي حديث آخر عن عائشة - رضي الله عنها - «قالت: يا رسول الله إن أفلح بن أبي قعيس يدخل علي وأنا في ثياب فضل فقال - صلى الله عليه وسلم: ليلج عليك أفلح، فإنه عمك من الرضاعة، فقلت: إنما أرضعتني المرأة لا الرجل، فقال صلوات الله عليه: ليلج عليك فإنه عمك» والعم من الرضاعة لا يكون إلا باعتبار لبن الفحل، والمعنى فيه أن سبب هذا اللبن فعل الواطئ، فالحرمة التي تنبني عليه تثبت من الجانبين كالولادة، فأما ما قالوا: إن الله تعالى بين حرمة الرضاع في جانب النساء قلنا: من الأحكام ما يثبت بالقرآن، ومنها ما يثبت بالسنة، فحرمة الرضاع في جانب الرجل مما يثبت بالسنة، والمعنى الذي لأجله تثبت الحرمة بسبب الرضاع لا يوجد في إرضاع الرجل، فإن ما نزل في ثندوته لا يغذي الصبي، فلا يحصل به إنبات اللحم، فهذا نظير وطء الميتة في أنه لا يوجب الحرمة. (قال ولا ينبغي للرجل أن يتزوج امرأة ابنه من الرضاعة، ولا امرأة أبيه من الرضاعة، وكذلك أجداده ونوافله وهو نظير الحرمة الثابتة بالنسب، وعلى هذا الأخوات من الرضاعة، أما إذا أرضعت امرأة واحدة ثنتين فهما أختان، فإن كان زوجها واحدا فهما أختان لأب وأم من الرضاعة، وإن كان زوجها مختلفا عن الإرضاعين فهما أختان لأم، وإن كان تحت الرجل امرأتان لكل واحدة لبن منه فأرضعت كل واحدة منهما صبية فهما أختان لأب من الرضاعة؛ لأن لبنهما من رجل واحد، وعموم قوله تعالى: {وأخواتكم من الرضاعة} [النساء: 23] يتناول ذلك كله، وكذلك بنات الأخ من الرضاع كبنات لأخ من النسب، ألا ترى أنه لما «عرض على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زينب بنت أبي سلمة - رضي الله تعالى عنها - قال: لو لم تكن ربيبتي في حجري ما كانت تحل لي أرضعتني وأباها ثويبة، فقال علي - رضي الله تعالى عنه - يا رسول الله إنك ترغب في قريش وترغب عنا، فقال: هل فيكم شيء.؟ قال: نعم ابنة حمزة - رضي الله تعالى عنه -، فقال - صلى الله عليه وسلم: إنها ابنة أخي من الرضاعة». (قال وإذا كان للمرأة لبن وطلقها زوجها وتزوجت آخر فحبلت من الآخر ونزل لها اللبن فاللبن من الأول حتى تلد في قول أبي حنيفة - رحمه الله تعالى -، فإذا ولدت فاللبن بعد ذلك يكون من الثاني، وقال أبو يوسف - رحمه الله تعالى - إذا عرف أن هذا اللبن من الحبل الثاني فهو من الآخر، وقد انقطع اللبن الأول، وعنه في رواية إذا حبلت من الثاني انقطع حكم لبن الأول، وقال محمد - رحمه الله تعالى - أستحسن أن يكون منهما جميعا حتى تضع من الآخر، وجه قوله أن ما كان بها من اللبن فهو من الأول وما ازداد بسبب الحبل فهو من الثاني، وباب الحرمة مبني على الاحتياط فتثبت الحرمة منهما جميعا، كما إذا حلب لبن امرأتين في قارورة وأوجر صبيا، فإذا وضعت من الثاني فقد انتسخ سبب لبن الأول باعتراض مثله عليه، فلهذا كان اللبن من الثاني بعده وأبو يوسف يقول: اللبن ينزل تارة بعد الولادة وتارة بعد الحبل قبل الولادة، فإذا عرف نزول اللبن من الثاني انتسخ به حكم اللبن من الأول كما ينتسخ بالولادة من الثاني، وعلى الرواية الأخرى يقول: لما كان الحبل سببا لنزول اللبن، وحقيقة نزول اللبن من الثاني باطل فيقام السبب الظاهر مقام المعنى الباطن تيسيرا فينتسخ به حكم لبن الأول وأبو حنيفة - رحمه الله تعالى - يقول: كون اللبن من الأول ثابت بيقين، واللبن يزداد تارة وينقص أخرى باعتبار الغذاء، فهذه الزيادة تحتمل أن تكون من قوة الغذاء لا من الحبل الثاني، فلا ينتسخ به حكم اللبن من الأول حتى يتعرض مثل ذلك السبب من الثاني، وذلك يكون بالولادة. (قال ولا يجتمع حكم الرضاع لرجلين على امرأة واحدة في حالة واحدة؛ لأن سببهما لا يجتمع حلالا شرعا فكذلك ما ينبني على ذلك السبب، ولكن ما بقي الأول لا يثبت الثاني وإذا ثبت الثاني انتفى الأول. (قال ولا يجوز له أن يتزوج امرأة أرضعته رضاعا قليلا أو كثيرا عندنا، وقال الشافعي - رحمه الله تعالى - لا تثبت الحرمة إلا بخمس رضعات يكتفي الصبي بكل واحدة منها، ومن أصحاب الظواهر من اعتبر ثلاث رضعات لإيجاب الحرمة، واستدل من شرط العدد بقوله - صلى الله عليه وسلم: «لا تحرم المصة ولا المصتان، ولا الإملاجة ولا الإملاجتان.» وفي حديث عمرة عن عائشة - رضي الله تعالى عنهما - قالت: كان فيما أنزل في القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن فنسخ بخمس رضعات معلومات يحرمن، وكان ذلك مما يتلى بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا نسخ بعد ذلك، وحجتنا قوله تعالى: {وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم} [النساء: 23] أثبت الحرمة بفعل الإرضاع فاشتراط العدد فيه يكون زيادة على النص، ومثله لا يثبت بخبر الواحد. وفي حديث علي - رحمه الله تعالى - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الرضاع قليله وكثيره سواء» يعني في إيجاب الحرمة، ولأن هذا سبب من أسباب التحريم، فلا يشترط فيه العدد كالوطء، أما حديث عائشة - رضي الله تعالى عنها - فضعيف جدا؛ لأنه إذا كان متلوا بعد رسول الله، ونسخ التلاوة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يجوز فلماذا لا يتلى الآن.؟ وذكر في الحديث «فدخل داجن البيت فأكله» وهذا يقوي قول الروافض الذين يقولون: كثير من القرآن ذهب بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يثبته الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - في المصحف وهو قول باطل بالإجماع، ولو ثبت أن هذا كان في وقت من الأوقات، فإنما كان في الوقت الذي كان إرضاع الكبير مشروعا وعليه يحمل الحديث الثاني، فإن إنبات اللحم وإنشاز العظم في حق الكبير لا يحصل بالرضعة الواحدة، فكان العدد مشروعا فيه ثم انتسخ بانتساخ حكم إرضاع الكبير على ما نبينه إن شاء الله تعالى. (قال والسعوط والوجور يثبت الحرمة؛ لأنه مما يتغذى به الصبي، فإن السعوط يصل إلى الدماغ فيتقوى به، والوجور يصل إلى الجوف فيحصل به إنبات اللحم وإنشاز العظم، فأما الإقطار في الأذن لا يوجب الحرمة؛ لأن الظاهر أنه لا يصل إلى الدماغ لضيق ذلك الثقب، وكذلك الإقطار في الإحليل، فإن أكثر ما فيه أنه يصل إلى المثانة، فلا يتغذى به الصبي عادة، وكذلك الحقنة في ظاهر الرواية إلا في رواية عن محمد - رحمه الله تعالى - قال: إذا احتقن صبي بلبن امرأة تثبت به الحرمة؛ لأن ذلك يصل إلى الجوف، ألا ترى أنه يفسد به الصوم، ولكنا نقول: ليس الموجب للحرمة عين الوصول إلى الجوف بل حصول معنى الغذاء ليثبت به شبهة البعضية، وذلك إنما يحصل من الأعالي لا من الأسافل ثم بين من يحرم بسبب الرضاعة، والحاصل فيه ما بينا أنه بمنزلة النسب، فكما أن الحرمة الثابتة بالنسب في حق الأمهات والبنات تتعدى إلى الجدات والنوافل والعمات والخالات فكذلك بسبب الرضاع. (قال ولا رضاع بعد الفصال بلغنا ذلك عن علي وابن مسعود - رضي الله عنهما -، وهكذا رواه جابر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا رضاع بعد الفصال، ولا يتم بعد الحلم، ولا صمات يوم إلى الليل، ولا وصال في صيام، ولا طلاق قبل النكاح، ولا عتق قبل الملك، ولا وفاء في نذر في معصية، ولا يمين في قطيعة رحم، ولا تغرب بعد الهجرة، ولا هجرة بعد الفتح» والكلام هنا في فصول أحدها أن الحرمة لا تثبت بإرضاع الكبير عندنا، وعلى قول بعض الناس تثبت الحرمة لحديث «سهلة امرأة أبي حذيفة - رضي الله عنهما -، فإنها جاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ما انتسخ حكم التبني بقوله تعالى: {ادعوهم لآبائهم} [الأحزاب: 5] فقالت: يا رسول الله إن أبا حذيفة تبنى سالما فكنا نعده ولدا له، وإن لنا بيتا واحدا فماذا ترى في شأنه» وفي رواية «وإنه يدخل علي وأنا أرى الكراهة في وجه أبي حذيفة - رضي الله عنه -، فقال - صلى الله عليه وسلم: أرضعي سالما خمسا تحرمين بها عليه» وبهذا الحديث أخذت عائشة - رضي الله عنها - حتى كان إذا أراد أن يدخل عليها أحد من الرجال أمرت أختها أم كلثوم - رضي الله عنها - أو بعض بنات أختها أن ترضعه خمسا، ثم كان يدخل عليها إلا أن غيرها من نساء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كن يأبين ذلك ويقلن لا نرى هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا رخصة لسهلة خاصة، ثم هذا الحكم انتسخ بقوله - صلى الله عليه وسلم: «الرضاع ما أنبت اللحم وأنشز العظم» وذلك في الكبير لا يحصل، وقال - صلى الله عليه وسلم: «الرضاعة من المجاعة» يعني ما يرد الجوع، وذلك بإرضاع الكبير لا يحصل، وفي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: «الرضاع ما فتق الأمعاء وكان قبل الطعام» والصحابة - رضي الله عنهم - اتفقوا على هذا، فقد ذكر في الكتاب عن علي وابن مسعود - رضي الله عنهم - قالا: لا رضاع بعد الفصال، وروي أن أعرابيا ولدت امرأته ومات الولد فانتفخ ثديها من اللبن فجعل يمصه ويمج، فدخل بعض اللبن في حلقه فجاء إلى أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - وسأله عن ذلك، فقال: حرمت عليك، فجاء إلى ابن مسعود - رضي الله عنه - وسأله عن ذلك فقال: هي حلال لك، فأخبره بفتوى أبي موسى فقام معه إلى أبي موسى ثم أخذ بأذنه وهو يقول: أرضيع فيكم هذا للحياني، فقال أبو موسى - رضي الله عنه - لا تسألوني عن شيء مادام هذا الحبر بين أظهركم وجاء رجل إلى عمر - رضي الله عنه - فقال: إن لي جارية فأرضعتها امرأتي فدخلت البيت فقالت: خذها دونك فقد والله أرضعتها، فقال عمر - رضي الله تعالى عنه - عزمت عليك أن تأتي امرأتك فتضربها ثم تأتي جاريتك فتطأها، وروي نحو هذا عن ابن عمر - رضي الله عنهما - فثبت بهذه الآثار انتساخ حكم إرضاع الكبير ثم اختلف العلماء في المدة التي تثبت فيها حرمة الرضاع، فقدر أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - بثلاثين شهرا وأبو يوسف ومحمد - رحمهما الله تعالى - قدرا ذلك بحولين وزفر قدر ذلك بثلاث سنين، فإذا وجد الإرضاع في هذه المدة تثبت الحرمة وإلا فلا، واستدلا بظاهر قوله تعالى {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة} [البقرة: 233] ، ولا زيادة بعد التمام والكمال، وقال الله تعالى: {وفصاله في عامين} [لقمان: 14] ، ولا رضاع بعد الفصال، ولأن الظاهر أن الصبي في مدة الحولين يكتفي باللبن وبعد الحولين لا يكتفي به فكان هو بعد الحولين بمنزلة الكبير في حكم الرضاع وأبو حنيفة - رحمه الله تعالى - استدل بقوله تعالى: {وحمله وفصاله ثلاثون شهرا} [الأحقاف: 15] وظاهر هذه الإضافة يقتضي أن يكون جميع المذكور مدة لكل واحدة منهما إلا أن الدليل قد قام على أن مدة الحبل لا تكون أكثر من سنتين فبقي مدة الفصال على ظاهره، وقال الله تعالى: {فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور} [البقرة: 233] الآية فاعتبر التراضي والتشاور في الفصلين بعد الحولين فذلك دليل على جواز الإرضاع بعد الحولين، وقال الله تعالى: {وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم} [البقرة: 233] قيل بعد الحولين إذا أبت الأمهات، ولأن اللبن كما يغذي الصبي قبل الحولين يغذيه بعده والفطام لا يحصل في ساعة واحدة لكن يفطم درجة فدرجة حتى ينسى اللبن ويتعود الطعام، فلا بد من زيادة على الحولين بمدة، وإذا وجبت الزيادة قدرنا تلك الزيادة بأدنى مدة الحبل، وذلك ستة أشهر اعتبارا للانتهاء بالابتداء، وبهذا يحتج زفر - رحمه الله تعالى - أيضا إلا أنه يقول: لما وجب اعتبار بعض الحول وجب اعتبار كله، وتقدر مدة الفطام بحول؛ لأنه حسن للاختبار والتحول به من حال إلى حال. (قالhttps://forum.ashefaa.com/images/smi...xM_f3u022S.gif فإن فطم الصبي قبل الحولين ثم أرضع في مدة ثلاثين شهرا عند أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - أو في مدة الحولين عندهما فالظاهر من مذهبهما وهو قول أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - أنه تثبت به الحرمة لوجود الإرضاع في المدة، فصار الفطام كأن لم يكن، وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى قال: هذا إذا لم يتعود الصبي الطعام حتى لا يكتفي به بعد هذا الفطام، فأما إذا صار بحيث يكتفي بالطعام لا تثبت الحرمة برضاعه بعد ذلك؛ لأنه بعد ما صار بحيث يكتفي بالطعام فاللبن بعده لا يغذيه، فلا يحصل به معنى البعضية، بيانه في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: وكان قبل الطعام أي قبل أن يكتفي بالطعام. (قال ولا بأس بأن يتزوج الرجل أم ابنه التي أرضعته؛ لأنه لا بأس بذلك من النسب فكذلك من الرضاعة، وكذلك لا بأس بأن يتزوج ابنتها، وهذا من النسب لا يحل أن يتزوج أخت ابنه لا لأجل النسب، ولكن لأنها ربيبته؛ لأنه وطئ أمها، وهذا لا يوجد في الرضاع فلهذا جاز له أن يتزوجها، وكذلك يتزوج أخت أخته من الرضاع ومثله من النسب يحل؛ لأنه إذا تزوج أخت أخته من النسب يحل ذلك بأن كان له أخ لأب وأخت لأم فلأخيه لأبيه أن يتزوج أخته لأمه؛ لأنه لا نسب بينهما موجب للحرمة فكذلك في الرضاع، وكذلك لا بأس بأن يتزوج ابنة عمه من الرضاعة أو ابنة عمته أو ابنة خاله أو ابنة خالته كما لا بأس به من النسب، وكذلك لا بأس بأن يتزوج التي أرضعت أخاه أو ما بدا له من ولدها؛ لأنه لا رضاع بينه وبينهم. (قال ولا يجمع الرجل بين أختين من الرضاعة، ولا بين المرأة وابنة أختها أو ابنة أخيها، وكذلك كل امرأة ذات رحم محرم منها من الرضاعة للأصل الذي بينا في النسب أن كل امرأتين لو كانت إحداهما ذكرا، والأخرى أنثى لم يجز للذكر أن يتزوج الأنثى، فإنه يحرم الجمع بينهما بالقياس على حرمة الجمع بين الأختين فكذلك من الرضاعة وتبين بهذا أن حرمة هذا الجمع ليس لقطيعة الرحم، فإنه ليس بين الرضيعتين رحم، وحرمة الجمع بينهما ثابتة. (قال وإذا ولدت المرأة من الرجل ثم طلقها وتزوجت بزوج آخر وأرضعت بلبن الأول ولدا وهي تحت الزوج الثاني فالرضاع من الزوج الأول دون الثاني؛ لأن المعتبر من كان نزول اللبن منه لا من هي تحته، ونزول هذا اللبن كان من الأول. (قال ولا يجوز شهادة امرأة واحدة على الرضاع أجنبية كانت أو أم أحد الزوجين، ولا يفرق بينهما بقولها، ويسعه المقام معها حتى يشهد على ذلك رجلان أو رجل وامرأتان عدول، وهذا عندنا، وقال الشافعي - رحمه الله تعالى - يثبت الرضاع بشهادة أربع نسوة بناء على مذهبه أن فيما لا يطلع عليه الرجال يعتبر فيه أربع نسوة لتقوم كل امرأتين مقام رجل، وزعم أن الرضاع مما لا يطلع عليه الرجال؛ لأنه يكون بالثدي، ولا تحل مطالعته للأجانب، ولكنا نقول الرضاع مما يطلع عليه الرجال؛ لأن ذا الرحم المحرم ينظر إلى الثدي وهو مقبول الشهادة في ذلك، ولأن الحرمة كما تحصل بالإرضاع من الثدي تحصل بالإيجار من القارورة، وذلك يطلع عليه الرجال، فلا تقبل فيه شهادة النساء وحدهن، وكان مالك - رحمه الله تعالى - يقول: تثبت حرمة الرضاع بشهادة امرأة واحدة إذا كانت عدلا، وهكذا روي عن عثمان - رضي الله تعالى عنه - واستدل بحديث عقبة بن الحارث - رحمه الله تعالى - «أنه تزوج ابنة أبي هانئ فجاءت امرأة سوداء وأخبرت أنها أرضعتهما فذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعرض عنه ثم ذكر ثانيا فأعرض عنه ثم ثالثا فقال فارقها إذن، فقال: إنها سوداء يا رسول الله، قال كيف وقد قيل» وحجتنا في ذلك حديث عمر - رضي الله تعالى عنه - قال: لا يقبل في الرضاع إلا شهادة رجلين أو رجل وامرأتين ولأن سبب نزول هذه الحرمة مما يطلع عليه الرجال، فلا يثبت إلا بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين كالحرمة بالطلاق، وحديث عقبة بن الحارث - رحمه الله تعالى - دليلنا، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «أعرض عنه في المرة الأولى والثانية» فلو كانت الحرمة ثابتة لما فعل ذلك، ثم لما رأى منه طمأنينة القلب إلى قولها حيث كرر السؤال أمره أن يفارقها احتياطا، والدليل عليه أن تلك الشهادة كانت عن ضغن، فإنه قال: «جاءت امرأة سوداء تستطعمنا فأبينا أن نطعمها فجاءت تشهد على الرضاع» وبالإجماع بمثل هذه الشهادة لا تثبت الحرمة فعرفنا أن ذلك كان احتياطا على وجه التنزه وإليه أشار - صلى الله عليه وسلم - في قوله: «كيف وقد قيل» وعندنا إذا وقع في قلبه أنها صادقة فالأحوط أن يتنزه عنها ويأخذ بالثقة، سواء أخبرت بذلك قبل عقد النكاح أو بعد عقد النكاح، وسواء شهد به رجل أو امرأة، فأما القاضي لا يفرق بينهما ما لم يشهد به رجلان أو رجل وامرأتان؛ لأن خبر الواحد إذا كان ثقة حجة في أمور الدين، وليس بحجة في الحكم والقاضي لا يفرق بينهما إلا بالحجة الحكمية، فأما إذا قامت عنده حجة دينية يفتي له بأن يأخذ بالاحتياط؛ لأنه إن ترك نكاح امرأة تحل له خير من أن يتزوج امرأة لا تحل له. (قال وإذا نزل للمرأة لبن وهي بكر لم تتزوج فأرضعت شخصا صغيرا فهو رضاع؛ لأن المعنى الذي يثبت به حرمة الرضاع حصول شبهة الجزئية بينهما والذي نزل لها من اللبن جزء منها سواء كانت ذات زوج أو لم تكن، ولبنها يغذي الرضيع فتثبت به شبهة الجزئية. (قال وإذا حلب اللبن من ثدي المرأة ثم ماتت فشربه صبي تثبت به الحرمة لحصول المعنى الموجب للحرمة بهذا اللبن، ولا معتبر بفعلها في الإرضاع، ألا ترى أنها لو كانت نائمة فارتضع من ثديها الصبي تثبت الحرمة، وكذلك الإيجار لو حصل في حياتها تثبت الحرمة فكذلك بعد موتها. (قال وكذلك لو حلب اللبن من ثديها بعد موتها فأوجر الصبي تثبت به الحرمة عندنا، وعند الشافعي - رحمه الله تعالى - لا تثبت وهو بناء على أصلين: أحدهما أن اللبن لا يموت عندنا؛ لأنه لا حياة فيه، ألا ترى أنه يحلب في حالة الحياة من الحيوان فيكون طاهرا وما فيه الحياة إذا بان من الحي يكون ميتا، فإذا لم يكن في اللبن حياة لا يتنجس بالموت بل عند أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - يبقى طاهرا وعندهما يتنجس بنجاسة الوعاء كما في إنفحة الميتة، فكأنه حلب لبن امرأة في قارورة نجسة فأوجر الصبي به فيثبت به الحرمة، وعند الشافعي - رحمه الله تعالى - اللبن يموت فيكون نجس العين، وثبوت حرمة الرضاع باعتبار معنى الكرامة، فلا تثبت بما هو نجس العين، والأصل الثاني أن عنده الفعل الذي هو حرام بعينه وهو الزنا لا يوجب حرمة المصاهرة؛ لأن ثبوتها بطريق الكرامة فكذلك إيجار لبن الميتة حرام، فلا تثبت به الحرمة، ثم قاس لبن الميتة بوطء الميتة، ولكن عندنا، وإن كان الفعل حراما تثبت به الحرمة إذا تحقق فيه المعنى الموجب للحرمة، ولهذا أثبتنا الحرمة بالزنا؛ لأن معنى البعضية لا ينعدم به حقيقة فكذا هنا ثبوت الحرمة باعتبار أن اللبن يغذي الصبي فيتقوى به، ولو سلمنا له حرمة اللبن بالموت فبالحرمة لا يخرج من أن يكون مغذيا. ألا ترى أن لحم الميتة مغذ فكذلك لبنها وبه فارق وطء الميتة؛ لأن معنى البعضية ينعدم منه أصلا وهو معنى ما قال في الكتاب: الجماع بعد الموت ليس بجماع، وإيجار لبن الميتة رضاع، وشبه اللبن بالبيضة، فإن بالموت لا تخرج البيضة أن تكون مغذية فكذا اللبن. (قالhttps://forum.ashefaa.com/images/smi...xM_f3u022S.gif ولو أرضع الصبيان من بهيمة لم يكن ذلك رضاعا، وكان بمنزلة طعام أكلاه من إناء واحد، ومحمد بن إسماعيل صاحب الأخبار - رحمه الله تعالى - يقول، يثبت به حرمة الرضاع، فإنه دخل بخارى في زمن الشيخ الإمام أبي حفص - رحمه الله تعالى - وجعل يفتي فقال له الشيخ: - رحمه الله تعالى - لا تفعل فلست هنالك، فأبى أن يقبل نصحه حتى استفتي عن هذه المسألة، إذا أرضع صبيان بلبن شاة فأفتى بثبوت الحرمة، فاجتمعوا وأخرجوه من بخارى بسبب هذه الفتوى، وهذا لأن ثبوت الحرمة بسبب الكرامة، وذلك يختص بلبن الآدمية دون لبن الأنعام، وشبهة الجزئية لا يثبت بين الآدمي والأنعام بشرب لبنها فكذلك لا تثبت بين الآدميين بشرب لبن بهيمة، وهذا قياس حرمة المصاهرة التي تثبت بالوطء، ولا تثبت بوطء البهائم فكذلك هنا. |
رد: المبسوط فى الفقه الحنفى محمد بن أحمد السرخسي
الكتاب: المبسوط فى الفقه الحنفى المؤلف: محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي (ت ٤٨٣ هـ) عدد الأجزاء: ٣١ (الأخير فهارس) المجلد الخامس صـــ 140 الى صـــ 149 (103) (قال ولو صنع لبن امرأة في طعام فأكله الصبي، فإن كانت النار قد مست اللبن وأنضجت الطعام حتى تغير، فليس ذلك برضاع، ولا يحرم؛ لأن النار غيرته فانعدم بها معنى التغذي باللبن، وإنبات اللحم، وإنشاز العظم، وإن كانت النار لم تمسه، فإن كان الطعام هو الغالب لا تثبت به الحرمة أيضا؛ لأن المغلوب في حكم المستهلك، ولأن هذا أكل والموجب للحرمة شرب اللبن دون الأكل، وإن كان اللبن هو الغالب فكذلك في قول أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - لا تثبت به الحرمة، وعلى قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى تثبت به الحرمة؛ لأن الحكم للغالب، والغالب هو اللبن ولم يغيره شيء عن حاله وأبو حنيفة - رحمه الله تعالى - يقول: إلقاء الطعام في اللبن يغيره، ألا ترى أنه يرق به وربما يتغير به لونه فكان بمنزلة ما لو غيرته النار، وقيل هذا إذا كان لا يتقاطر اللبن من الطعام عند حمل اللقمة، وأما إذا كان يتقاطر منه اللبن تثبت به الحرمة عنده؛ لأن القطرة من اللبن إذا دخلت حلق الصبي كانت كافية لإثبات الحرمة، والأصح أنه لا تثبت على كل حال عنده؛ لأن التغذي كان بالطعام دون اللبن. (قال وإذا جعل لبن امرأة في دواء فأوجر منه صبيا أو أسعط منه واللبن غالب، فهذا رضاع؛ لأنه إنما يجعل في الدواء ليصل بقوة الدواء إلى ما لا يصل إليه وحده فكان هذا أبلغ في حصول معنى التغذي به فلهذا تثبت به الحرمة. (قال وإن جعل اللبن في ماء فشربه الصبي، فإن كان اللبن هو الغالب تثبت به الحرمة، وإن كان الماء غالبا لا تثبت به الحرمة، وكذلك إن خلط لبن الآدمية بلبن الأنعام، وعند الشافعي - رحمه الله تعالى - قدر ما يحصل به خمس رضعات من اللبن، إذا جعل في جب من الماء فشربه الصبي تثبت به الحرمة فأما إذا خلط لبن امرأة بلبن امرأة أخرى ثم أوجر منه صبيا فعلى قول محمد - رحمه الله تعالى - تثبت الحرمة منهما جميعا؛ لأن الشيء يكثر بجنسه، ولا يصير مستهلكا به، وعند أبي يوسف - رحمه الله تعالى - تثبت به الحرمة بينه وبين من يكون لبنها غالبا؛ لأن المغلوب لا يظهر حكمه في مقابلة الغالب، وعن أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - فيه روايتان في إحداهما اعتبر الأغلب كما هو قول أبي يوسف - رحمه الله تعالى -، وفي الأخرى قال: تثبت الحرمة منهما وهو قول زفر - رحمه الله تعالى -، وأصل المسألة فيما إذا حلف لا يشرب من لبن هذه البقرة فخلط لبنها بلبن بقرة أخرى فشربه فهو على هذا الخلاف. (قال الرضاع بمنزلة النسب والوطء في إثبات حرمة المصاهرة لا فرق بين أن يوجد في دار الحرب أو في دار الإسلام. (قال وإذا جامع الرجل المرأة أو لمسها بشهوة أو نظر إلى فرجها بشهوة لم تحل لابنه، ولا لأبيه من الرضاعة، ولا تحل له أمها، ولا ابنتها من الرضاعة كما لا تحل لابنه وأبيه نسبا، فإن هذه الحرمة تعلقت بأسام تثبت تلك الأسامي بالرضاعة وهي الأبوة والأمومة، وكذلك لا يتزوج على المعتدة منه أختها من الرضاعة، ولا ذات رحم محرم منها؛ لأن حرمة الجمع متعلقة باسم الأختية، وذلك يتحقق بالرضاع كما يتحقق بالنسب، والعدة تعمل عمل صلب النكاح في المنع من النكاح. (قال وإذا تزوج الرجل الصبية فأرضعتها أمه من الرضاعة أو أمه التي ولدته أو أخته من نسب أو رضاع أو امرأة ابنه بلبن ابنه من نسب أو رضاع حرمت عليه؛ لأن المحرمية تمنع النكاح بعلة المنافاة، فإن بين الحل والحرمة في المحل منافاة والمنافي كما يؤثر إذا اقترن بالنسب ينافي البقاء إذا طرأ عليه، فإذا حرمت عليه لزمه بذلك نصف المهر لها؛ لأن الفرقة قبل الدخول حصلت لا بمعنى من جهتها أو حصلت بمعنى من جهة الزوج وهي المحرمية، فيجب نصف الصداق لها ويرجع بذلك على التي أرضعتها إن كانت أرادت الفساد أو عمدت ذلك، وإن كانت أخطأت أو أرادت الخير بأن خافت على الرضيع الهلاك من الجوع لم يرجع به عليها، والقول فيه قولها إن لم يظهر منها تعمد الفساد؛ لأنه شيء في باطنها لا يقف عليه غيرها، فلا بد من قبول قولها فيه، وإنما يختلف الجواب في نيتها إذا أرادت الفساد أو لم ترد؛ لأنها مسببة لهذه الفرقة لا مباشرة، فإنها مباشرة للإرضاع وهو ليس بسبب موضوع للفرقة، والمسبب إذا كان متعديا في تسببه يكون ضامنا، وإن لم يكن متعديا لا يضمن كحافر البئر في ملك نفسه لا يضمن ما يسقط فيه، بخلاف الحافر في ملك الغير، فإذا أرادت الفساد كانت متعدية في السبب وإذا لم ترد الفساد لم تكن متعدية في السبب، وقد روي عن محمد - رحمه الله تعالى - أنه يرجع عليها بنصف الصداق على كل حال، فإن من أصله أن المتسبب كالمباشر، ولهذا جعل فتح باب القفص والإصطبل وحل قيد الآبق موجبا للضمان، وفي المباشرة المتعدي وغير المتعدي سواء فكذلك في التسبب على قوله، وعلى قول الشافعي - رحمه الله تعالى - يرجع بمهر مثل المنكوحة؛ لأنها أتلفت ملك نكاحه فيها، وملك النكاح عنده مضمون بالإتلاف حتى قال في شاهدي الطلاق بعد الدخول إذا رجعا ضمنا مهر المثل، وهذا لأن ملك البضع يتقوم عند دخوله في ملك الزوج بمهر المثل فكذلك عند خروجه عن ملكه، ولكنا نقول: إن ملك النكاح ليس بمتقوم في نفسه؛ لأنه ليس بملك عين، ولا منفعة إنما هو ملك ضروري لا يظهر إلا في حق الاستيفاء. ألا ترى أنه لا يظهر في حق النقل إلى الغير والانتقال إلى الورثة فكذلك في حق التقوم بالمال، ولأنه ليس بمال في نفسه، فلا يكون مضمونا بالمال؛ لأن ضمان الإتلاف مقدر بالمثل بالنص، وتقوم البضع عند دخوله في ملك الزوج للضرورة؛ لأنه تملك للبضع وهو محترم، فلا يثبت إلا بعوض، وهذه الضرورة لا توجد عند الخروج من ملكه؛ لأنه إبطال للملك لا تمليك منها، وإبطال الملك لا يستدعي التقوم، والدليل على الفرق أن الأب يزوج ابنه الصغير بمال الصغير، وليس له أن يخلع ابنته الصغيرة بمالها، فإذا ثبت أنه غير متقوم عند خروجه من ملكه لم يجب الضمان عليها بإتلاف البضع، ولكنها قررت عليه ما كان على شرف السقوط، فإن الصداق وإن وجب بالعقد فهو بعرض السقوط ما لم يدخل بها إذا جاءت الفرقة من قبلها فهي قررت النصف عليه بما فعلته وهي متسببة في ذلك متعدية إذا تعمدت الفساد فلهذا رجع عليها بذلك. (قال وإذا تزوج الرجل الصبية ثم تزوج عمتها فنكاح العمة باطل للنهي، فإن أرضعت أم العمة الصبية لم يفرق بينه وبينها؛ لأن الصبية وإن صارت أختا للعمة بالرضاعة، ولكن لم يصح نكاح العمة فلم يتحقق الجمع الحرام فلهذا بقي نكاح الصبية. (قال وإذا تزوج صبيتين رضيعتين فأرضعتهما امرأة معا أو إحداهما بعد الأخرى بانتا جميعا لأنهما صارتا أختين حين أرضعت الثانية منهما فتقرر الجمع المنافي، وليست إحداهما ببطلان نكاحها بأولى من الأخرى، فإذا بانتا فلكل واحدة منهما نصف الصداق يرجع بذلك على المرضعة إن تعمدت الفساد لما قلنا، ولو كن ثلاثا فأرضعتهن معا بأن حلبت لبنها في قارورة وألقمت إحدى ثدييها إحداهن والأخرى للأخرى، وأوجرت الثلاثة معا بن جميعا منه؛ لأنهن صرن أخوات معا، وإن أرضعتهن واحدة بعد الأخرى بانت الأوليان والثالثة امرأته؛ لأنها حين أرضعت الثانية فقد تحققت الأختية بينها وبين الأولى فتقع الفرقة بينه وبينهما، ثم أرضعت الثالثة، وليس في نكاحه غيرها ففي نكاحها، وإن كن أربعا فأرضعتهن معا أو واحدة ثم الثلاث معا بن جميعا، وكذلك إن أرضعتهن جميعا واحدة بعد الأخرى؛ لأنه حين أرضعت الثانية بانت الأوليان للأختية وحين أرضعت الثالثة والرابعة بانت الأخريان أيضا للأختية، وإن أرضعت الثلاث أولا معا ثم الرابعة بانت الثلاثة الأول دون الرابعة؛ لأنها حين أرضعتها فليس في نكاحه غيرها. (قال وإن تزوج امرأة وصبيتين فأرضعتهما المرأة إحداهما قبل الأخرى ولم يدخل بالمرأة حرمت المرأة والصبية الأولى؛ لأنها حين أرضعت إحداهما فقد صارتا أما وابنة فتقع الفرقة بينه وبينهما ثم أرضعت الثانية، وليس في نكاحه غيرها فبقي نكاحها؛ لأن السابق مجرد العقد على الأم، وذلك لا يوجب حرمة البنت ثم لا مهر للكبيرة؛ لأن الفرقة جاءت من قبلها قبل الدخول وللصغيرة نصف المهر؛ لأن الفرقة ليست من قبلها إنما كانت من جهة الكبيرة حين أرضعتها، فإن اللبن يصل إلى جوفها من غير فعل منها في الارتضاع، ويرجع بذلك على الكبيرة إن كانت تعمدت الفساد لما قلنا، ولا تحل له هذه الكبيرة أبدا؛ لأن مجرد العقد على البنت يوجب حرمة الأم، وأما الصبية فإنها تحل له إذا فارقته التي عنده؛ لأن العقد على الأم لا يوجب حرمة البنت، وإن كان بعد ما دخل بالكبيرة حرمن عليه لأنهما صارتا ابنتها من الرضاعة، والدخول بالأم يحرم البنت ثم للكبيرة مهرها ولكل واحدة من الصغيرتين نصف المهر، ولا يحل له واحدة منهن أبدا لوجود الدخول بالأم وصحة العقد على البنت. (قال وإذا تزوج كبيرتين وصغيرتين فأرضعت كل واحدة من الكبيرتين صغيرة وقعت الفرقة بينه وبينهن؛ لأن كل صغيرة صارت بنتا لمن أرضعتها، والجمع بين الأم والبنت في النكاح حرام، فإن كانت أرضعت إحدى الكبيرتين الصغيرتين ثم أرضعت الكبيرة الأخرى الصغيرتين، وذلك قبل الدخول بالكبيرتين، فأما الكبيرة الأولى مع الصغيرة الأولى فقد بانتا لما قلنا، والصغيرة الثانية لم تبن منه بإرضاع الكبيرة الأولى، فأما بإرضاع الكبيرة الثانية، فإن بدأت بإرضاعها بانت منه، وإن بدأت بإرضاع الأولى فالصغيرة الثانية امرأته لأنها حين أرضعت الأولى صارت أما لها وفسد نكاحها لصحة العقد على الصغيرة الأولى فيما سبق ثم أرضعت الثانية، وليس في نكاحه غيرها فلهذا لا تقع الفرقة بينه وبينها. (قال وإذا أقر الرجل أن هذه المرأة أخته أو أمه أو ابنته من الرضاعة ثم أراد بعد ذلك أن يتزوجها، وقال: أوهمت أو أخطأت أو نسيت وصدقته المرأة فهما مصدقان على ذلك وله أن يتزوجها، وإن ثبت على قوله الأول، وقال: هو حق كما قلت ثم تزوجها فرق بينهما، ولا مهر لها عليه إن لم يكن دخل بها، وهذا استحسان، وفي القياس الجواب في الفصلين سواء؛ لأنه أقر بأنها محرمة عليه على التأبيد، والمقر به يجعل في حق المقر كالثابت بالبينة أو بالمعاينة، والرجوع عن الإقرار باطل؛ لأنه ملزم بنفسه فسواء رجع أو ثبت كان النكاح باطلا بزعمه فيفرق بينهما، ولا مهر لها عليه، ولكنه استحسن فقال: هذا شيء يقع فيه الاشتباه فقد يقع عند الرجل أو بينه وبين امرأته رضاع فيخبر بذلك ثم يتفحص عن حقيقة الحال فيتبين له أنه قد غلط في ذلك، وفيما يقع الاشتباه إذا أخبر أنه غلط فيه يجب قبول قوله شرعا لوجهين: (أحدهما) أن الحل والحرمة من حق الشرع، فإذا تصادقا على أنهما قد غلطا، فليس هنا من يكذبهما في خبرهما. (والثاني) أن إقراره في الابتداء لم يكن على نفسه إنما كان عليها بحرمتها عليه والحل والحرمة صفة المحل وإقرار الإنسان على الغير لا يكون لازما، فإذا ذكر أنه غلط فيه فهو لا يريد بهذا إبطال شيء لزمه فلهذا قبل قوله في ذلك، وإن أقرت المرأة بذلك وأنكر الزوج ثم أكذبت المرأة نفسها، وقالت أخطأت فالنكاح جائز، وكذلك لو تزوجها قبل أن تكذب نفسها فالنكاح جائز، ولا تصدق المرأة على قولها؛ لأن حقيقة المحرمية لا تثبت بالإقرار، فإنه خبر محتمل متمثل بين الصدق والكذب، ولكن الثابت على الإقرار كالمجدد له بعد العقد، وإقرارها بالمحرمية بعد العقد باطل فكذلك إقرارها به قبل العقد، وأما إقراره بالحرمة بعد العقد صحيح موجب للفرقة، وكذلك إذا أقر به قبل العقد وثبت على ذلك حتى تزوجها، فإن قيل كان ينبغي أن يجب لها نصف المهر كما لو ابتدأ بعد النكاح قلنا إنما لا يجب لوجود التصديق منها على بطلان أصل النكاح، أو لأنه غير متهم بالقصد إلى إسقاط المهر إذ سبق الإقرار منه بوجوب المهر بالنكاح، يوضح الفرق بينهما أن الإقرار إنما يصح إذا كان مؤثرا في الملك، إما بالمنافاة أو بالإزالة، وإقرار الرجل مؤثر في ذلك فكان معتبرا في المنع من صحة النكاح إذا ثبت عليه، وإقرار المرأة غير مؤثر في ذلك، فلا يمنع صحة النكاح. (قال وإذا أقر الزوج بهذه المقالة وثبت عليها وأشهد الشهود ثم تزوجته المرأة ولم يعلم بذلك ثم جاءت بهذه الحجة بعد النكاح فرق بينهما، ولا ينفعه جحوده؛ لأنه لما ثبت على مقالته في الابتداء وزعم أنه حق لا غلط فيه فقد لزمه حكم إقراره وصار كالمجدد لذلك الإقرار بعد النكاح فيفرق بينهما، ولا ينفعه الجحود، ولو أقرا بذلك جميعا ثم كذبا أنفسهما، وقالا: أخطأنا ثم تزوجها فالنكاح جائز، وكذلك هذا الباب في النسب ليس يلزم من هذا إلا ما بينا عليه؛ لأن الغلط والاشتباه فيه أظهر، فإن سبب النسب أخفى من سبب الرضاع فكما أن هناك الإقرار بدون الثبات عليه لا يوجب الحرمة فكذلك هنا. (قال ولو تزوج امرأة ثم قال لها بعد النكاح هي أختي أو ابنتي أو أمي من الرضاعة ثم قال: أخطأت أو أوهمت فالنكاح باق استحسانا، ولو ثبت على هذا النطق، وقال هو حق فشهدت عليه الشهود بذلك فرق بينهما، ولو جحد ذلك لم ينفعه جحوده؛ لأن إقراره إنما كان موجبا للفرقة بشرط الثبات عليه، فإن قال: أوهمت فقد انعدم ما هو شرطه، فلا يوجب الفرقة، وإذا ثبت على ذلك وجد ما هو شرط الإقرار فثبت حكمه وهو الفرقة ثم لا ينفعه جحوده بعد ذلك، وكذلك لو قال: هذه أختي أو هذه ابنتي، وليس لها نسب معروف ثم قال: أوهمت يصدق في ذلك، بخلاف ما إذا قال لعبده أو أمته هذا ابني أو هذه ابنتي ثم قال: أوهمت، فإنه يعتق عليه، ولا يصدق في ذلك والفرق من وجهين: أحدهما أن إقراره بالنسب في عبده وأمته ملزم بنفسه؛ لأن لما أقر به موجبا في ملكه وهو زوال الملك، فإن من اشترى ابنه يصح الشراء ويعتق عليه، فإذا كان لما أقر به موجب في ملكه كان هو مقرا به في ملك نفسه، وإقرار الإنسان في ملك نفسه ملزم فلهذا يتم بنفسه ثبت عليه أو لم يثبت، فأما إقراره بنسب زوجته لا موجب له في ملكه؛ لأن من تزوج ابنته لا يصح النكاح أصلا لا أن يثبت النكاح ثم يزول، وإنما لا يصح النكاح بحرمة المحل، فموجب إقراره هنا لا يظهر في ملكه، وإنما يظهر في المحل، ولا حق له في المحل؛ لأن الحل والحرمة صفة المحل فلم يكن إقراره متناولا لملكه ابتداء، فلا يكون ملزما إلا إذا ثبت عليه فحينئذ بحكم الثبات عليه يتعدى ضرره إلى ملكه فيلزمه من هذا الوجه. والثاني أن الاشتباه لا يقع بين العبد والابن بل عبده في الغالب مباين لابنه في المطعم والملبس والمجلس، فإذا كان الاشتباه يندر فيه لا يعتبر، فأما الاشتباه قد يقع بين زوجته وابنته لتقاربهما في المطعم والملبس والمجلس فلهذا يعذر إذا قال: أوهمت. (قال ولو قال لامرأته: هذه ابنتي وثبت على ذلك ولها نسب معروف لم يفرق بينهما، وكذلك لو قال: هي أمي وله أم معروفة؛ لأنه مكذب شرعا فيما أقر به وتكذيب الشرع إياه أقوى من تكذيبه نفسه، ولو كذب نفسه، وقال: أوهمت لم يفرق بينهما فكذا إذا أكذبه الشارع وبه فارق العبد؛ لأن هناك لو أكذب نفسه كان حرا فكذلك إذا أكذبه الشرع بأن كان ثابت النسب من غيره، والمعنى ما قلنا إن إقراره بنسب العبد مصادف ملكه وهو مصدق فيما يقر به في ملك نفسه فيثبت به العتق، وإن امتنع بثبوت النسب لكونه معروف النسب من الغير، فأما إقراره بنسب امرأته لا يصادف ملكه ابتداء، وإنما يصادف المحل فيثبت به حرمة المحل ثم ينبني عليه انتفاء الملك وهنا حرمة المحل لم تثبت حين كانت معروفة النسب من الغير فلهذا لا يبطل النكاح، وإن لم تكن معروفة النسب من الغير، ومثلها يولد لمثله وثبت على ذلك فرق بينهما، ولكنه لا يثبت النسب حقيقة إلا بتصديق المرأة إياه بذلك؛ لأن المقر يعامل في حقه وكأن ما أقر به حق، ولكن لا يصدق في حق الغير فيجعل النسب في حقه كالثابت حتى ينتفي ملكه عنها، ولكنه لا يثبت في حقها إلا بتصديقها، فلا يلزمها الانتساب إليه إلا أن تصدقه في ذلك، وإذا كان مثلها لا يولد لمثله لم يثبت النسب، ولا يفرق بينهما؛ لأن تكذيب الحقيقة إياه أقوى من تكذيبه نفسه، والفرق لأبي حنيفة - رحمه الله تعالى - بين هذا وبين العتق ما قلنا إن لإقراره بالنسب في ملكه موجبا فيجعل ذلك الإقرار كناية عن موجبه مجازا، وليس لإقراره بالنسب في ملك النكاح موجب من حيث الإزالة، فلا يمكن إعماله بطريق المجاز، وأكثر ما في الباب أن يقال: موجبه نفي أصل النكاح فيجعل كأنه صرح بذلك، وجحوده لأصل النكاح لا يكون موجبا للفرقة فكذلك إقراره بذلك، وكذلك لو قال: أرضعتني ومثلها لا يرضع، ولا لبن لها، فإنه مكذب في ذلك حقيقة فينزل في ذلك منزلة تكذيبه نفسه، فلهذا لا يفرق بينهما، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب. [باب الإحصان] (قال لا يحصن الرجل المسلم إلا المرأة الحرة المسلمة إذا دخل بها، هكذا نقل عن الشعبي والنخعي رحمهما الله تعالى، ومعنى هذا أنه إذا تزوج أمة ودخل بها لا يصير محصنا لقوله - صلى الله عليه وسلم: «لا يحصن المسلم اليهودية، ولا النصرانية، ولا الحر الأمة، ولا الحرة العبد» وكان المعنى فيه أن ثبوت الإحصان يختص بالوطء بالنكاح حتى لا يثبت بملك اليمين، وفي معنى قضاء الشهوة لا فرق بينهما فعرفنا أن الموجب للفرق أن الإحصان إنما يثبت بوجود الوطء بين مستوى الحال في صفة الكمال، فإن النكاح في العادة يكون بين مستوى الحال، ولا مساواة بين المالك والمملوك، فلا يتحقق هذا المعنى إذا وجد الدخول بالأمة بالنكاح؛ لأنه لا مساواة بين الأمة والحر، فأما إذا دخل بالكتابية بالنكاح لم يصر محصنا في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى، وعلى قول أبي يوسف - رحمه الله تعالى - يصير محصنا قيل: هذا بناء على الرواية التي تروى عن أبي يوسف - رحمه الله تعالى - أن الكتابية محصنة، وأنها ترجم إذا زنت، وقيل: بل هي مسألة مبتدأة، فوجه قول أبي يوسف - رحمه الله تعالى - أن ملك النكاح على الكتابية، وعلى المسلمة بصفة الكمال بدليل جواز نكاح كل واحدة منهما على الأخرى والمساواة بينهما في القسم وولاية المباشرة لكل واحدة منهما بنفسها، فكما يصير محصنا بالدخول بالمسلمة، فكذلك بالكتابية، بخلاف الأمة فإنه لا مساواة بينها وبين الحرة في حكم النكاح بل حالها على النصف من حال الحرة، وبخلاف الصغيرة والمجنونة، فإنه لا مساواة بينها وبين البالغة العاقلة في ولاية المباشرة، وفي معنى قضاء الشهوة لما في طبعه من النفرة عن المجنونة، وحجتهما ما روينا، وكذلك لما «أراد حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - أن يتزوج يهودية قال له النبي - صلى الله عليه وسلم: دعها فإنها لا تحصنك» ولما أراد كعب بن مالك - رحمه الله تعالى - أن يتزوج يهودية قال له عمر - رضي الله عنه - دعها فإنها لا تحصنك ولأن الرق أثر من آثار الكفر فإذا كان الإحصان لا يثبت بوطء الأمة بالنكاح لما فيه من الرق فلأن لا يثبت بوطء الكافرة أولى، وهذا لأن معنى الازدواج لا يتم مع الاختلاف في الدين فقل ما يركن كل واحد منها إلى صاحبه فكانت بمنزلة الصغيرة والمجنونة توضيحه أن الزوجين إذا كانا كافرين لا يصيران محصنين بالدخول، ومعنى المساواة فيما بينهما أظهر، فإذا لم يثبت الإحصان بالوطء هناك فلأن لا يثبت هنا كان أولى وكذلك المسلمة لا يحصنها الزوج إذا كان كافرا بأن أسلمت المرأة ثم دخل بها الزوج الكافر قبل أن يفرق بينهما لم تصر هي بهذا الدخول محصنة في قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله تعالى - على ما قلنا، وكذلك لا يحصنها العبد والمجنون وغير البالغ اعتبارا لجانبها بجانبه، فإن الإحصان عبارة عن كمال الحال، فلا يثبت إلا بوطء موصوف بكونه نعمة كاملة من الجانبين. (قال وجماع هؤلاء يحلها للزوج الذي قد طلقها ثلاثا قبل ذلك حتى إن المطلقة ثلاثا إذا كانت ذمية فتزوجت ذميا ثم أسلمت فدخل بها زوجها قبل أن يفرق بينهما حلت للزوج الأول بهذا الدخول؛ لأن النكاح صحيح بينهما قبل تفريق القاضي، حتى لو أسلم فهما على نكاحهما، والدخول بالنكاح الصحيح يحلها للزوج الأول. وكذلك إن كان الزوج عبدا تزوجها بإذن المولى ودخل بها حلت للزوج الأول؛ لأن إصابة الزوج الثاني إنما كان مشروعا لرفع الطلقات مغايظة للزوج الأول، وذلك يحصل بدخول العبد والكافر بها كما يحصل بدخول الحر المسلم بل معنى المغايظة في هذا أكثر، بخلاف الإحصان، فإنه إنما يثبت بالوطء بالنكاح لاعتبار معنى كمال النعمة، والعبد والكافر في هذا ليس نظير الحر المسلم. وعلى هذا دخول الصبي الذي يجامع مثله بالمرأة يحلها للزوج الأول عندنا، وعند الشافعي - رحمه الله تعالى - لا يحلها للزوج الأول؛ لأن ثبوت الحل للأول يستدعي كمال الفعل، ألا ترى أنه لا يحصل بالجماع فيما دون الفرج، وفعل الصبي دون فعل البالغ فلانعدام صفة الكمال لا يثبت به الحل للزوج الأول، ولكنا نستدل بقوله تعالى: {حتى تنكح زوجا غيره} [البقرة: 230] واسم الزوج يتناول الصبي كما يتناول البالغ ثم هذا حكم مختص بالوطء بالنكاح فيتعلق بوطء الصبي كتقرير المسمى والعدة وما هو المعنى فيه وهو مغايظة الزوج الأول حاصل أيضا، فإن استدلوا بقوله - صلى الله عليه وسلم: «لا حتى تذوقي من عسيلته» قلنا: ليس المراد بذوق العسيلة الإنزال بل هي اللذة، وهي تنال ذلك بوطء الصبي الذي يجامع، ولهذا يلزمها الاغتسال بنفس الإيلاج وبه يتبين كمال فعل الصبي في الوطء. (قال وكذلك فعل هؤلاء يوجب من التحريم ما يوجبه جماع البالغ المحصن حتى إن الصبي الذي يجامع مثله يتعلق بوطئه حرمة المصاهرة، وكذا الصبية التي يجامع مثلها ثبت حرمة المصاهرة بوطئها، وإنما يختلفون فيما إذا وطئ صغيرة لا يجامع مثلها فعلى قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله تعالى - لا يثبت به حرمة المصاهرة، وعند أبي يوسف - رحمه الله تعالى - يثبت لوجود فعل الوطء حقيقة وهو كامل في نفسه حتى يتعلق به الاغتسال بالإيلاج من غير إنزال، ويثبت به سائر أحكام الوطء أيضا، واعتبر الوطء بالعقد، فكما أن العقد على الصغيرة كالعقد على البالغة في إيجاب الحرمة، فكذلك الواطئ وأبو حنيفة ومحمد - رحمهما الله تعالى - قالا: ثبوت حرمة المصاهرة ليس لعين الوطء. ألا ترى أنه لا يثبت بالوطء في غير المأتى، ولكن ثبوته باعتبار معنى البعضية، ولا تصور لذلك إذا كانت لا يجامع مثلها، بخلاف ما إذا كانت يجامع مثلها؛ لأن حقيقة البعضية وإن كانت باعتبار الماء فهو باطن لا يمكن الوقوف عليه فيقام السبب الظاهر مقامه، وهو بلوغها حد الشهوة، فإذا كانت ممن يشتهى أنزلت منزلة البالغة في ثبوت الحرمة بوطئها، بخلاف ما إذا كانت لا تشتهى. ألا ترى أن إباحة هذا الفعل شرعا لمقصود النسل ثم جعل بلوغها حد الشهوة في حكم إباحة هذا الفعل قائما مقام حقيقة البلوغ، فكذلك هنا، بخلاف وجوب الاغتسال، فإنه متعلق باستطلاق وكاء المني بمعنى الحرارة واللين في المحل، فلهذا يستوي فيه التي يجامع مثلها والتي لا يجامع، كما يستوي فيه الفعل في المأتى وغير المأتى. . (قال والخلوة بين الزوجين البالغين المسلمين وراء ستر أو باب مغلق يوجب المهر والعدة عندنا، وعند الشافعي - رحمه الله تعالى - لا يوجب لقوله تعالى {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن} [البقرة: 237] الآية والمراد بالمسيس الجماع هكذا قال ابن عباس - رضي الله عنه - إن الله تعالى يكني القبيح بالحسن كما كنى بالمس عن الجماع ولأن هذه خلوة خلت عن الإصابة، فلا توجب المهر والعدة كالخلوة الفاسدة، وهذا لأن تقرر البدل في عقود المعاوضات بقبض المعقود عليه، والمعقود عليه معنى في باطنها لا يصير مستوفى إلا بالآلة التي تصل إلى ذلك الموضع، فلا تكون الخلوة فيها قبضا كالقصاص، فإن حق من له القصاص في الباطن لا يصير مستوفى إلا بالآلة الجارحة فلم تكن الخلوة فيه قبضا، والدليل عليه حكم الرجعة وبقاء المطالبة بالوطء، فإن الخلوة في هذين الحكمين لا تجعل كاستيفاء المعقود عليه، فكذلك في حكم المهر والعدة، وحجتنا في ذلك قوله تعالى: {وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض} [النساء: 21] نهى عن استرداد شيء من الصداق بعد الخلوة، فإن الإفضاء عبارة عن الخلوة، ومنه يسمى المكان الخالي فضاء، ومنه قول القائل أفضيت إليه بشغري أي خلوت به، وذكرت له سري، وتبين بهذا أن المراد بما تلي المسيس أو ما يقوم مقامه وهي الخلوة، وعن عبد الرحمن بن ثوبان - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال «من كشف قناع امرأته وقبلها فلها المهر كاملا دخل بها أو لم يدخل» ولما فرق عمر وعلي - رضي الله عنهما - ما بين العنين وامرأته ألزماه كمال المهر، وقالا ما ذنبهن إن جاء العجز من قبلكم وعن زرارة بن أبي أوفى أنه قال: مضت السنة من الخلفاء الراشدين - رضي الله عنهم - أن من أغلق على امرأته بابا أو أرخى حجابا كان عليه المهر كاملا دخل بها أو لم يدخل بها، ولأنها أتت بتسليم المستحق عليها بالعقد فيتقرر حقها في البدل كما إذا وطئها الزوج. وهذا لأن البدل في عقود المعاوضات يتقرر بتسليم من له البدل لا باستيفاء من عليه كما في البيع والإجارة إذا خلى البائع بين المبيع والمشتري أو خلى الآجر بين الدار والمستأجر في المدة يتقرر البدل وإن لم يستوف، وهذا لأنا لو علقنا تقرر البدل بالاستيفاء امتنع من ذلك قصدا منه إلى الإضرار بمن له البدل، وإذا ثبت أن المعتبر التسليم فالمستحق بالعقد عليها ما في وسعها، وفي وسعها تسليم النفس في حال زوال المانع لا حقيقة استيفاء الوطء، فإذا أتت بما هو المستحق تقرر حقها في البدل على أن تقام نفسها مقام حقيقة المعقود عليه، كما أنها في جواز العقد أقيمت نفسها مقام المعقود عليه، فكذلك في حكم التسليم؛ لأن تقرر البدل بتسليم ما باعتباره يجوز العقد، وهذا بخلاف حق الرجعة، فإن ذلك من حق الزوج وهو متمكن من حقيقة الاستيفاء، فإذا لم يفعل فهو الذي أبطل حق نفسه وليس من ضرورة وجوب العدة ثبوت الرجعة، ألا ترى أن بالموت يتقرر المهر والعدة وليس فيه تصور الرجعة، ومطالبتها بالوطء ليستعف به ويحصل لنفسها صفة الإحصان بسببه، وذلك لا يحصل بالخلوة إذا ثبت هذا فنقول: حد الخلوة الصحيحة أن لا يكون هناك مانع يمنعه من وطئها طبعا ولا شرعا، حتى إذا كان أحدهما مريضا مرضا يمنع الجماع أو صائما في رمضان أو محرما أو كانت هي حائضا لا تصح الخلوة لقيام المانع طبعا أو شرعا، وفي صوم القضاء روايتان في أصح الروايتين تصح الخلوة؛ لأن الذي يجب بالفطر قضاء يوم وهو يسير كما في صوم النفل. |
رد: المبسوط فى الفقه الحنفى محمد بن أحمد السرخسي
الكتاب: المبسوط فى الفقه الحنفى المؤلف: محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي (ت ٤٨٣ هـ) عدد الأجزاء: ٣١ (الأخير فهارس) المجلد الخامس صـــ 150 الى صـــ 159 (104) وفي الرواية الأخرى لا تصح الخلوة اعتبارا للقضاء بالأداء، وفي صوم النفل رواية شاذة أيضا أنه يمنع صحة الخلوة بمنزلة حج النفل، وكذلك إن كانت رتقاء أو قرناء لا يحصل التسليم لقيام المانع حسا، بخلاف ما إذا كان الزوج مجبوبا أو عنينا وقد بيناه، ولو كان بينهما ثالث لا تصح الخلوة لقيام المانع إلا أن يكون الثالث ممن لا يشعر بذلك كصغير لا يعقل أو مغمى عليه أو نحو ذلك، وإن خلا بزوجته وهناك أمته وكان محمد - رحمه الله تعالى - يقول: لا تصح الخلوة، بخلاف ما إذا كان هناك أمتها؛ لأنه يحل له وطء أمته دون أمتها ثم رجع، وقال لا تصح الخلوة، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمها الله تعالى -؛ لأنه يمتنع من غشيانها بين يدي أمته طبعا، وعلى هذا لو خلا بزوجتيه لم تصح الخلوة لما قلنا، والمكان الذي لا تصح الخلوة فيه أن يأمنا فيه اطلاع غيرهما عليهما بغير إذن كالدار والبيت وما أشبه ذلك، ولهذا لا تصح الخلوة في المسجد والطريق الأعظم والسطح الذي ليس على جوانبه سترة، وبعد صحة الخلوة إذا تصادقا على أنه لم يدخل بها لا يكونا محصنين؛ لأن الخلوة إنما تجعل كالاستيفاء فيما هو من حكم العقد، والإحصان ليس من ذلك في شيء، فإن أقرا بالجماع لزمهما حكم الإحصان، وإن أقر به أحدهما صدق على نفسه دون صاحبه. ولا يحصن الخصي إذا كان لا يجامع، وكذلك المجبوب والعنين، فإن جاءت بولد حتى ثبت به النسب من الزوج ففي الخصي والعنين يكونا محصنين؛ لأن الحكم بثبوت النسب حكم بالدخول، وفي المجبوب ذكر في اختلاف زفر ويعقوب - رحمهما الله تعالى - أن على قول زفر - رحمه الله تعالى - هي تصير محصنة لما حكمنا بثبوت النسب من الزوج، وعند أبي يوسف - رحمه الله تعالى - لا تصير هي محصنة؛ لأنه لا تصور للجماع بدون الآلة، والحكم بثبوت النسب بطريق الإنزال بالسحق وليس ذلك من الجماع في شيء، وثبوت حكم الإحصان يتعلق بعين الجماع، الرتقاء لا تحصن الرجل لانعدام الجماع مع الرتق، ولا إحصان بالجماع في النكاح الفاسد؛ لأن الإحصان عبارة عن كمال الحال، فإنما يحصل بوطء هو نعمة بل نهاية في النعمة، حتى لا يحصل بالوطء بملك اليمين، والوطء بالنكاح الفاسد حرام، فلا يوجب الإحصان. (قال وإذا دخل الخنثى بامرأته أو دخل بالخنثى زوجها فهما محصنان؛ لأنه لما حكم بكونه رجلا أو امرأة فالجماع بالنكاح الصحيح تحقق بينهما فيثبت به حكم الإحصان. (قالhttps://forum.ashefaa.com/images/smi...xM_f3u022S.gif ولو دخل مسلم بامرأته المسلمة ثم ارتدا - والعياذ بالله تعالى - بطل إحصانهما؛ لأن الردة تحبط العمل ويلحق المرتد بمن لم يزل كافرا، فكما أن الكافر الأصلي لا يكون محصنا فالمرتد كذلك. فإن أسلما جميعا لم يكونا محصنين إلا بجماع جديد بمنزلة زوجين حربيين أو ذميين أسلما وكذلك العبد مع امرأته الأمة إذا أعتقها لم يكونا محصنين حتى يجامعها بعد العتق، فإن جامعها فهما محصنان علما بالعتق أو لم يعلما علمت المرأة أن لها الخيار أو لم تعلم، فإذا جامعها قبل أن تختار نفسها فقد جامعها بنكاح صحيح بعدما كمل حالهما بالعتق فكانا محصنين. (قالhttps://forum.ashefaa.com/images/smi...xM_f3u022S.gif وإذا ولدت المرأة من الرجل وهما ينكران الدخول فهما محصنان؛ لأن الولد شاهد على الدخول بينهما وهو أقوى من شهادة شاهدين، فإذا كان الإحصان يثبت بشهادة شاهدين فبثبوت النسب أولى، وهذا لأنهما مكذبان في إنكارهما الدخول شرعا، والمكذب شرعا لا يعتبر إنكاره. (قال وإذا أقرت المرأة أن زوجها قد جامعها وأنكر الزوج ثم فارقها وانقضت عدتها حل لزوجها الأول الذي كان طلقها ثلاثا أن يصدقها ويتزوجها؛ لأنها أخبرت من أمر بينها وبين ربها وهو حلها للزوج الأول، ولا حق للزوج الثاني في ذلك، فإنكاره في ذلك الحكم وجودا وعدما بمنزلة، وكذلك إن أخبره بذلك ثقة، ولو أنكرت الدخول بعد إقرارها وقد تزوجها الزوج الأول لم تصدق في ذلك لأنها مناقضة، ولو كان زوجها الذي فارقها هو الذي أقر بالجماع ولم تقر هي لم يحل للزوج الأول أن يتزوجها، ولا يصدق الزوج الثاني عليها؛ لأنه لا حق له في حلها وحرمتها للزوج الأول، ولا قول له في ذلك أصلا، ويستوي إن كان خلا بها أو لم يخل بها، ألا ترى أنها لا تصير محصنة بإقرار الزوج الثاني أنه قد جامعها إذا أنكرت هي، فكذلك لا تصير محللة للزوج الأول. (قالhttps://forum.ashefaa.com/images/smi...xM_f3u022S.gif وإذا قالت: طلقني زوجي أو مات عنى وانقضت عدتي حل لخاطبها أن يتزوجها ويصدقها؛ لأن الحل والحرمة من حق الشرع وكل مسلم أمين مقبول القول فيما هو من حق الشرع، إنما لا يقبل قوله في حق الغير إذا أكذبه من له الحق، ولا حق لأحد هنا فيما أخبرت به، فلهذا جاز قبول خبرها في ذلك، والله تعالى أعلم بالصواب. [باب نكاح المتعة] (قال بلغنا «عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه أحل المتعة ثلاثة أيام من الدهر في غزاة غزاها اشتد على الناس فيها العزوبة ثم نهى عنها»، وتفسير المتعة أن يقول لامرأته: أتمتع بك كذا من المدة بكذا من البدل، وهذا باطل عندنا جائز عند مالك بن أنس وهو الظاهر من قول ابن عباس - رضي الله عنه - واستدل بقوله تعالى: {فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن} [النساء: 24] ولأنا اتفقنا على أنه كان مباحا والحكم الثابت يبقى حتى يظهر نسخه ولكن قد ثبت نسخ هذه الإباحة بالآثار المشهورة، فمن ذلك ما روى محمد بن الحنفية عن علي بن أبي طالب «أن منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نادى يوم خيبر ألا إن الله تعالى ورسوله ينهيانكم عن المتعة» ومنه حديث الربيع بن سبرة - رضي الله عنه - قال: «أحل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المتعة عام الفتح ثلاثة أيام، فجئت مع عم لي إلى باب امرأة ومع كل واحد منا بردة وكان بردة عمي أحسن من بردتي فخرجت امرأة كأنها دمية عيطاء فجعلت تنظر إلى شبابي وإلى بردته، وقالت هلا بردة كبردة هذا أو شباب كشباب هذا ثم آثرت شبابي على بردته فبت عندها فلما أصبحت إذا منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينادي ألا إن الله تعالى - ورسوله ينهيانكم عن المتعة فانتهى الناس عنها» ثم الإباحة المطلقة لم تثبت في المتعة قط إنما ثبتت الإباحة مؤقتة بثلاثة أيام، فلا يبقى ذلك بعد مضي الأيام الثلاثة حتى يحتاج إلى دليل النسخ وكان ابن مسعود - رضي الله عنه - يقول نسختها آية الطلاق والعدة والميراث وكان عمر - رضي الله عنه - يقول لو كنت تقدمت في المتعة لرجمت، وقال جابر بن يزيد - رضي الله عنه - ما خرج ابن عباس - رضي الله عنهما - من الدنيا حتى رجع عن قوله في الصرف والمتعة فثبت النسخ باتفاق الصحابة - رضي الله عنهم -، ولما سئلت عائشة - رضي الله عنها - عن ذلك فقالت بيني وبينكم كتاب الله تعالى وتلت قوله تعالى: {والذين هم لفروجهم حافظون} [المؤمنون: 5] الآية، وهذه ليست بزوجة له، ولا ملك يمين له، وبيان أنها ليست بزوجة ما قال في الكتاب أنه لا يرث أحدهما من صاحبه بالزوجية، ولا يقع عليها الطلاق والظهار والإيلاء واستكثر من الشواهد لذلك في الكتاب، والمراد بقوله: {فما استمتعتم به منهن} [النساء: 24] الزوجات فإنه بناء على قوله {أن تبتغوا بأموالكم محصنين} [النساء: 24] والمحصن الناكح (قال وإن قال: تزوجتك شهرا فقالت: زوجت نفسي منك، فهذا متعة وليس بنكاح عندنا، وقال زفر - رحمه الله تعالى - هو نكاح صحيح؛ لأن التوقيت شرط فاسد، فإن النكاح لا يحتمل التوقيت، والشرط الفاسد لا يبطل النكاح بل يصح النكاح ويبطل الشرط، كاشتراط الخمر وغيرها، توضيحه أنه لو شرط أن يطلقها بعد شهر صح النكاح وبطل الشرط، فكذا إذا تزوجها شهرا، وحجتنا في ذلك ما روي عن عمر - رضي الله تعالى عنه - أنه قال: لا أوتى برجل تزوج امرأة إلى أجل إلا رجمته، ولو أدركته ميتا لرجمت قبره والمعنى فيه أن النكاح لا يحتمل التوقيت إنما التوقيت في المتعة، فإذا وقتا فقد وجد منهما التنصيص على المتعة، فلا ينعقد به النكاح، وإن ذكر لفظ النكاح، وهذا لأنه لا يخلو إما أن ينعقد العقد مؤبدا أو في مدة الأول باطل فإنهما لم يعقدا العقد فيما وراء المدة المذكورة، ولا يجوز الحكم بانعقاد العقد فيما وراء المدة المذكورة، ولا يجوز الحكم بانعقاد الحكم في زمان لم يعقدا فيه العقد، ألا ترى أنهما لو أضافا النكاح إلى ما بعد شهر لم ينعقد في الحال؛ لأنهما لم يعقداه في الحال فكذلك هنا، ولا يجوز أن ينعقد في المدة؛ لأن النكاح لا يحتمل ذلك، وهذا يبين أن التوقيت ليس بمنزلة الشرط، ولكن ينعدم بالتوقيت أصل العقد في الزمان الذي لم يعقداه فيه، وهذا بخلاف ما إذا شرط أن يطلقها بعد شهر؛ لأن الطلاق قاطع للنكاح فاشتراط القاطع بعد شهر لينقطع به دليل على أنهما عقدا العقد مؤبدا، ألا ترى أنه لو صح الشرط هناك لا يبطل النكاح بعد مضي شهر، وهنا لو صح التوقيت لم يكن بينهما عقد بعد مضي الوقت كما في الإجارة. وقال الحسن بن زياد - رحمه الله تعالى - إن ذكرا من الوقت ما يعلم أنهما لا يعيشان أكثر من ذلك كمائة سنة أو أكثر يكون النكاح صحيحا؛ لأن في هذا تأكيد معنى التأبيد، فإن النكاح يعقد للعمر، بخلاف ما إذا ذكرا مدة قد يعيشان أكثر من تلك المدة، وعندنا الكل سواء؛ لأن التأبيد من شرط النكاح فالتوقيت يبطله طالت المدة أو قصرت، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب. [باب الدعوى في النكاح] (قال - رضي الله عنه - وإذا ادعى الرجل نكاح امرأة وأقام عليها البينة وأقامت أختها عليه البينة أنها امرأته وأنه أتاها بزوج فالقول قول الرجل والبينة بينته صدقته أو لم تصدقه؛ لأن ملك النكاح على المرأة للزوج، ولهذا كان البدل عليه لها فالزوج يثبت ببينته ما هو حقه، والأخت الأخرى تثبت ببينتها حق لزوج وهو ملك النكاح له عليها، وبينة المرء على حق نفسه أولى بالقبول، ولأن عند تعارض البينتين لا وجه للعمل ببينة الأخت في إثبات نكاحها، فلو قبلناها إنما نقبلها في نفي النكاح على امرأة أثبت الزوج نكاحها، والبينات للإثبات لا للنفي، ومعنى هذا أن دعوى الزوج نكاح إحدى الأختين إقرار منه بحرمة الأخرى عليه في الحال، وإقراره موجب للفرقة فعرفنا أنه لا وجه للقضاء بنكاح الأخرى فبقيت تلك البينة قائمة على النفي، ولا مهر للأخرى إن لم يكن دخل بها؛ لأن أصل نكاحها لم يثبت. ولو كان الزوج أقام البينة أنه تزوج إحداهما، ولا تعرف بعينها غير أن الزوج قال هي هذه، فإن صدقته، فهي امرأته لتصادقهما، فإن تصادقهما في حقهما أقوى من البينة، فإن جحدت ذلك فلا نكاح بينه وبين واحدة منهما؛ لأن الشهود لم يشهدوا على شيء بعينه، والشهادة بالمجهول لا تكون حجة ولأنه إما أن تزوج إحداهما بغير عينها فيكون ذلك باطلا أو تزوج إحداهما بعينها ثم نسيها الشهود فقد ضيعوا شهادتهم، فإذا بطلت الشهادة بقي دعوى الزوج، ولا يثبت النكاح بدعوته، ولا يمين له على التي يدعي النكاح عليها عند أبي حنيفة - رحمه الله تعالى -؛ لأنه لا يرى الاستحلاف في النكاح، ولا مهر عليه إن لم يكن دخل بها. وكذلك لو قامت البينة لامرأة بعينها أن أحد هذين الرجلين تزوجها، ولا يعرفون أيهما هو والرجلان ينكران ذلك فهو باطل، ولا مهر على واحد منهما، فإن ادعت المرأة ذلك على أحدهما، فلا يمين عليه في قول أبي حنيفة - رحمه الله تعالى -؛ لأن دعواها دعوى النكاح. وإن ادعت أنه طلقها قبل الدخول وأن لها عليه نصف المهر استحلفته على نصف المهر؛ لأن دعواها الآن دعوى المال والاستحلاف مشروع في دعوى المال، فإن نكل عن اليمين لزمه ذلك، ولا يثبت النكاح؛ لأن الاستحلاف كان في المال لا في النكاح، وإنما يقضى عند النكول بما استحلف فيه خاصة كما في دعوى السرقة إذا استحلف فنكل يقضى بالمال دون القطع. (قال وإن ادعت أختان أنه تزوجهما جميعا وكل واحدة منهما تقيم البينة أنه تزوجها أولا كان ذلك إلى الزوج فأيهما قال هي الأولى فهي الأولى، وهي امرأته؛ لأن المعارضة بين البينتين قد تحققت والعمل بهما غير ممكن لحرمة الجمع بين الأختين نكاحا، وقد علمنا أن الثابت أحدهما وهو السابق منهما، فإما أن يكون بيان السابق منهما إلى الزوج؛ لأنه أعرف الناس بها ولأنه صاحب الملك، وإما أن يقال تصديقه إحداهما يرجح بينتها، فإذا ظهر الرجحان في بينة إحداهما قضى بنكاحها واندفعت بينة الأخرى، ولا مهر لها عليه إن لم يدخل بها، فإن جحد الزوج ذلك كله، وقال: لم أتزوج واحدة منهما أو قال: تزوجتهما جميعا، ولا أدرى أيتهما الأولى فهو سواء ويفرق بينه وبينهما؛ لأن العمل بالبينتين غير ممكن، فلا ترجيح لإحداهما فتعين التفريق بينه وبينهما وعليه نصف المهر بينهما إن كان لم يدخل بهما من قبل أنه كان يقدر على أن يبين، فإذا تجاهل في ذلك لم يبرأ من المهر، ومعنى هذا الكلام أن نكاح إحداهما صحيح بدليل أنه لو بين الزوج أن هذه هي الأولى حكمنا بصحة نكاحها، فإذا أبى أن يبين كان ذلك منه بمنزلة اكتساب سبب الفرقة بينه وبين التي صح نكاحها قبل الدخول فيلزمه نصف المهر، وليست إحداهما بأولى من الأخرى، فلهذا كان نصف المهر بينهما، ومن أصحابنا - رحمهم الله تعالى - من قال: جمع في السؤال بين فصلين وأجاب عن أحدهما، فإن هذا الجواب عما إذا قال: تزوجتهما جميعا، ولا أدري أيتهما الأولى، أما إذا قال: لم أتزوج واحدة منهما ينبغي أن لا يجب عليه شيء من المهر؛ لأن العمل بالبينتين تعذر للتعارض وهو منكر، ولا يجب المهر إلا بحجة، والأصح أن هذا جواب الفصلين؛ لأن المعارضة بين البينتين في حكم الحل دون المهر، ألا ترى أن البينتين لو قامتا بعد موت الزوج عمل بهما في حق المهر والميراث، فإذا لم يكن تعذر العمل والمعارضة في حكم المهر وجب نصف المهر في حق الزوج وليست إحداهما بأولى من الأخرى فكان بينهما، وعن أبي يوسف - رحمه الله تعالى - في الأمالي لا شيء عليه؛ لأن المقضي له بالمهر منهما مجهول، وجهالة المقضي له تمنع صحة القضاء، وعند محمد - رحمه الله تعالى - أنه قال: يقضى بجميع المهر؛ لأن النكاح لم يرتفع بجحوده فيقضى بمهر كامل للتي صح نكاحها. (قال وإن كان دخل بإحداهما كان لها المهر وهي امرأته لترجح جانبها بالدخول، فإن البينتين إذا تعارضتا على العقد تترجح إحداهما بالقبض كما لو ادعى رجلان تلقي الملك في عين من ثالث بالشراء وأحدهما قابض وأقاما البينة كانت بينة صاحب اليد أولى، ولأن فعل المسلم محمول على الصحة والحل ما أمكن، والإمكان ثابت هنا بأن يجعل نكاح التي دخل بها سابقا، فإن قال الزوج: هي الأخيرة وتلك الأولى فرق بينه وبينها لإقراره بحرمتها عليه، وكان ذلك بمنزلة اكتساب سبب الفرقة بعد الدخول بالنكاح الصحيح، حتى يلزمه المهر المسمى لها، ولا يصدق على أن ينقصها عن ذلك وكانت الأخرى امرأته أيضا لتصادقهما على النكاح بإقرار الزوج أنها هي الأولى. (قال ولو تنازع رجلان في امرأة كل واحد منهما يدعي أنها امرأته ويقيم البينة، فإن كانت في بيت أحدهما وكان قد دخل بها، فهي امرأته لما أن الترجيح يحصل باليد عند تعارض البينتين على العقد، ولأن تمكنه من الدخول بها أو من نقلها إلى بيته دليل سبق عقده ودليل التاريخ كالتصريح بالتاريخ إلا أن يقيم الآخر البينة أنه تزوجها قبله فحينئذ يسقط اعتبار الدليل في مقابلة التصريح بالسبق، فإن لم تكن في يد أحدهما فأيهما أقام البينة أنه أول فهو أحق بها؛ لأن شهوده شهدوا بسبق التاريخ في عقده والثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة أو بإقرار الخصم، وإن لم يكن لهما على ذلك بينة فأيهما أقرت المرأة أنها تزوجته قبل الآخر، فهي امرأته، إما لأن بينته تترجح بإقرارها له كما بينا في جانب الزوج، أو لأن البينتين لما تعارضتا وتعذر العمل بهما بقي تصادق أحد الرجلين مع المرأة على النكاح فيثبت النكاح بينهما بتصادقهما، وإن لم تقر بشيء من ذلك فرق بينهما وبينها؛ لأن المعارضة والمساواة قد تحققت، والعمل بالبينتين غير ممكن؛ لأن ملك الحل لا يحتمل الشركة وليس أحدهما بأولى من الآخر فيبطل نكاحهما، بخلاف ملك اليمين، فإن الملك يتحمل الشركة فيجب العمل بالبينتين هناك بحسب الإمكان، وهذا لأن مقصود الملك هو التصرف، وذلك يثبت مع الشركة وهنا المقصود استباحة الوطء والنسل، وهذا يفوت بالشركة، فإذا تعذر العمل بهما وليس أحدهما بأولى من الآخر يتعين البطلان فيهما، فإن كانا لم يدخلا بها فلا مهر لها؛ لأن نكاح واحد منهما لم يثبت، ولأن الفرقة بمعنى من جهتها، فلا مهر لها قبل الدخول، وإن كانا قد دخلا بها جميعا ولا يدرى أيهما أول فعلى كل واحد منهما الأقل مما سمى، ومن مهر المثل؛ لأن كل واحد منهما إن تقدم نكاحه تأكد المسمى بالدخول، وإن تأخر فلها مهر المثل بالدخول لسقوط الحد بشبهة العقد، غير أن المال بالشك لا يجب، وإنما يجب القدر المتيقن والمتيقن هو الأقل، فلهذا كان على كل واحد منهما الأقل من المسمى، ومن مهر المثل. (قالhttps://forum.ashefaa.com/images/smi...xM_f3u022S.gif فإن جاءت بولد لزمهما جميعا وكان ولدهما يعقلان عنه بناء على قولنا: إن النسب يثبت من رجلين خلافا للشافعي - رحمه الله تعالى -، وهي مسألة كتاب الدعوى، ويرثانه ميراث أب واحد بينهما نصفان؛ لأن الأب في الحقيقة أحدهما وهو من حق الولد من مائه فيجب ميراث أب واحد وليس أحدهما بأولى من الآخر فيكون بينهما نصفين، ويرث من كل واحد منهما ميراث ابن كامل عندنا، وقال زفر - رحمه الله تعالى - يرث من كل واحد منهما نصف ميراث ابن؛ لأنه ابن أحدهما فكما أن في جانبهما يرثانه ميراث أب واحد، فكذلك في جانبه يرث منهما ميراث ابن واحد ولكنا نقول: هو ابن لكل واحد منهما كما قال عمر وعلي - رضي الله تعالى عنهما - هو ابنهما ويرثهما، وهذا لأن البنوة لا تتحمل التجزؤ إلا أن في جانبهما تحققت المزاحمة فتثبت المناصفة، وفي جانبه لا مزاحمة فيرث من كل واحد منهما ميراث ابن كامل، حتى لو انعدمت المزاحمة في جانبهما بأن مات أحدهما قبل الغلام أحرز الثاني من مال الغلام ميراث أب كامل، وهو معنى قول عمر وعلي - رضي الله تعالى عنهما - وهو للباقي منهما، ولو كانت المرأة أقرت أن أحد الرجلين هو الزوج لزمه الولد خاصة؛ لأن نكاح المقر له قد ثبت بإقرارهما، وثبوت نسب الولد منه باعتبار الفراش، ولا معارضة بين الفراش الصحيح والفاسد، فلهذا ثبت نسب الولد منه، فإن لم تقر بذلك حتى ماتت كان على كل واحد منهما نصف ما سمى لها من المهر، وكان ميراث الزوج من تركتها بينهما نصفين؛ لأن نكاح أحدهما صحيح منته بالموت فيكون له الميراث وعليه المسمى لها وليس أحدهما بأولى من الآخر فلذلك تنصف بينهما الميراث والمهر المسمى، وهذا لأن تعذر العمل بالبينتين ووجوب التوقف لمعنى الحل، وذلك يزول بموتها، ألا ترى أنه لو كان إقامة البينة من الرجلين بعد الموت وجب العمل بهذه الصفة، فكذلك إذا ماتت بعد إقامة البينتين، وهذا لأن المقصود من النكاح بعد الموت الميراث وهو مال يحتمل الشركة، وفي حال الحياة المقصود هو الحل وهو غير محتمل للشركة. (قال ولو لم تمت هي ولكن مات أحد الرجلين، فإن قالت المرأة: هذا الميت هو الأول فلها في ماله المهر والميراث، فإن تصديقها بعد موت الزوج كتصديقها في حياته فيثبت النكاح بينهما فينتهي بالموت، ألا ترى أن رجلا لو أقر بنكاح امرأة فصدقته بعد الموت كان تصديقها صحيحا؛ لأن النكاح بموت الزوج يرتفع إلى خلف وهو العدة. (قال) وإذا تزوجت المرأة زوجين في عقدة واحدة كان النكاح باطلا؛ لأن النكاح لا يحتمل الاشتراك وليس أحدهما بأولى من الآخر، ولا خيار لها في ذلك؛ لأن ثبوت الخيار ينبني على صحة السبب ولم يصح السبب في حق كل واحد منهما لاقتران المنافي به، وكذلك لو كانت ذمية أو حربية ثم أسلموا؛ لأن هذا لا يتجه عند أحد ممن يعتقد ملة فحكم أهل الملل في ذلك سواء. (قال ولو كان أحد الزوجين له أربع نسوة كان نكاح الذي ليس له نسوة منهما جائزا؛ لأنه لو انفرد نكاح الذي له أربع نسوة لم يصح، ولو انفرد نكاح الآخر كان صحيحا، فإذا اجتمعا صح نكاح من يصح نكاحه عند الانفراد، وهذا لأن المعارضة لا تتحقق بين ما له صحة وبين ما لا صحة له، وإذا صح نكاح أحدهما فعليه جميع ما سمي لها إن كانا سميا ألف درهم، وهذا على أصل أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - ظاهر، بمنزلة ما لو تزوج امرأتين وإحداهما لا تحل له بمهر واحد وأبو يوسف ومحمد - رحمهما الله تعالى - يفرقان بين هذه وبين تلك فيقولان: الألف هنا بمقابلة بضعها وقد سلم ذلك للذي صح نكاحه بكماله، فأما هناك الألف مسمى بمقابلة بضعين، فإذا لم يسلم له إلا أحدهما لا يلزمه إلا مقدار حصته من المهر، وإن كان سمى كل واحد منهما لنفسه خمسمائة لم يلزم هذا الزوج إلا خمسمائة؛ لأنه ما التزم إلا هذا المقدار، ولا يلزم من المهر إلا قدر ما التزمه، بخلاف الأول، فإن هناك كل واحد منهما قد سمى جميع الألف بمقابلة بضعها، فإذا سلم ذلك لأحدهما لزمه جميع المهر. (قال والنكاح الفاسد إذا لم يكن فيه مسيس أو نظر لا يثبت حرمة المصاهرة؛ لأن النكاح إنما يقام مقام الوطء في إثبات حرمة المصاهرة؛ لأنه يتوصل به إلى الوطء شرعا، وذلك لا يحصل بالعقد الفاسد، فلهذا لا يثبت به الحرمة، ولأن النكاح الفاسد أصله غير منعقد فالسبب الفاسد لا يثبت إلا الملك الحرام، وموجب النكاح ملك الحل، وبين الحل والحرمة منافاة، فإذا انعدم إثبات الملك الحلال بالسبب الفاسد والملك الحرام بالنكاح لا يكون خلا السبب عن الحكم، والأسباب الشرعية إنما تعتبر لأحكامها فكل سبب خلا عن الحكم كان لغوا، وإذا أقامت المرأة البينة على النكاح والزوج جاحد يثبت نكاحها ولم يفسد بجحوده؛ لأن النكاح الثابت لا يرتفع إلا بالطلاق وجحوده ليس بطلاق، فإن الطلاق قطع للنكاح، والجحود نفي للنكاح أصلا، فلا يصير به قاطعا، فلهذا قضي بالنكاح بينهما والله تعالى أعلم بالصدق والصواب. [باب الغرور في المملوكة] (قالhttps://forum.ashefaa.com/images/smi...xM_f3u022S.gif رجل تزوج امرأة على أنها حرة فولدت له أولادا، فإذا هي مكاتبة قد أذن لها مولاها في التزوج أخذت عقرها وقيمة ولدها إلا في رواية الحسن عن أبي حنيفة - رحمهما الله تعالى - قال: لا تجب قيمة الولد أصلا لأنها تسعى لتحصيل الحرية لنفسها وولدها، وفي هذا تحصيل بعض مقصودها، وفي ظاهر الرواية يقول: هذا إن لو دخل الولد في كتابتها ولم يدخل؛ لأنه علق حرا فوجب العقر، وقيمة الولد لها كما هو الحكم في المغرور، وهي بالكتابة صارت أحق بأجزائها ومنافعها، فما هو بدل جزء منها فهو لها ثم يرجع الأب بقيمة الولد على الذي غره إن كان رجل حر غره بأن زوجها منه على أنها حرة، فإن كانت المكاتبة هي التي غرته بأن زوجت نفسها منه على أنها حرة، فلا شيء لها عليه من قيمة الولد في قول أبي يوسف - رحمه الله تعالى - الأول؛ لأنها لو رجعت عليه بقيمة الولد رجع هو عليها بذلك بسبب الغرور، فلا يكون مفيدا ثم رجع فقال لها أن تأخذ قيمة الولد وهو قول محمد - رحمه الله تعالى -؛ لأن رجوعه عليها بعد العتق، فإن ضمان الغرور بمنزلة ضمان الكفالة فيتأخر إلى ما بعد عتقها، والقيمة لها عليه في الحال فكان الرجوع مفيدا، وإن مات مولاها، وهي مكاتبة على حالها فورثه أب الولد خيرت بين أن تبطل الكتابة وبين أن تمضي عليها؛ لأنها إن أبطلت الكتابة صارت مملوكة لأب الولد بالميراث ولها منه ولد ثابت النسب فتصير أم ولد له فقد تلقاها جهتا حرية إحداهما مؤجلة بغير بدل وهو الاستيلاد والأخرى معجلة ببدل وهو الكتابة، فإن مضت على الكتابة فعتقت بالأداء، فإنما عتقت على ملك المولى الأول وكان ولاؤها له، وإن مات أب الولد قبل أن تؤدي عتقت وبطلت عنها المكاتبة؛ لأنها بمنزلة أم الولد فتعتق بموت السيد، فإن قيل: هو لم يملك رقبتها إذا اختارت المضي على الكتابة. (قلنا نعم، ولكنه صار أحق الناس بها حتى لو أعتقها نفذ عتقه، فكذلك إذا مات؛ لأن عتق أم الولد متعلق بموت المولى شرعا على أن يصير المولى كالمعتق لها، ولأنها إنما اختارت الكتابة لما في العتق بجهة الاستيلاد من التأخير، فإذا تعجل ذلك بموت المولى فالظاهر أنها تختار هذه الجهة، فإذا عتقت سقط عنها بدل الكتابة إما لانفساخ العقد برضاها أو لوقوع الاستغناء لها عن أداء البدل وهو بمنزلة ما لو وهب لها المكاتبة، ومعنى هذا أن حق المستولد فيها إلى موته فبالموت يصير مسقطا حقه، فكأنه أبرأها عن بدل الكتابة، والوارث إذا كان واحدا فإبراء المكاتب عن المكاتبة يصح إبراؤه ويعتق، ولهذا لو كان معه شريك في الميراث سعت في مكاتبتها على حالها؛ لأن إبراء أحد الوارثين عن نصيبه من بدل الكتابة لا يوجب عتق شيء منها، وإنما جعلناه كالمبرئ لتعتق، فإذا كانت لا تعتق هنا لم يكن مبرئا، ولأنه لم يسلم لها العتق مجانا في الحال فبقيت على اختيارها الأول وهو المضي على الكتابة، فلهذا سعت في مكاتبتها وكان الولاء للأول إذا أدت، ألا ترى أن المكاتب إذا ورثه رجلان فأعتقه أحدهما كان عتقه باطلا، ولو كانت المكاتبة حين ورثها رجلان اختارت أن تكون أم ولد بطلت الكتابة ويضمن أب الولد نصف قيمتها لشريكه؛ لأن حكم الاستيلاد كما ثبت في نصيبه ثبت في نصيب الشريك أيضا؛ لأنه لا يحتمل التجزؤ فصار هو متملكا نصيب شريكه بضمان القيمة، وضمان التملك لا يختلف باليسار والإعسار. |
رد: المبسوط فى الفقه الحنفى محمد بن أحمد السرخسي
الكتاب: المبسوط فى الفقه الحنفى المؤلف: محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي (ت ٤٨٣ هـ) عدد الأجزاء: ٣١ (الأخير فهارس) المجلد الخامس صـــ 160 الى صـــ 169 (105) (قال أمة غرت رجلين من نفسها فتزوجاها على أنها حرة فولدت لهما أولادا ثم ملكاها بوجه من الوجوه كانت أم ولد لهما لأنهما ملكاها ولكل واحد منهما ولد ثابت النسب منها، وإن ملكها أحدهما، فهي أم ولد له لهذا المعنى، وهذا لأن نسب الولد لما ثبت بشبهة النكاح كان هذا بمنزلة الاستيلاد بعد الملك في ثبوت حق الولد في حقيقة الحرية، فكذلك في ثبوت حقها في أمية الولد؛ لأن حقها تبع لحق الولد، فإن كانت قد ولدت عند المولى أولادا بعد ذلك فملكها أحدهما مع أولادها كان أولادها من غيره أرقاء؛ لأن ثبوت حق أمية الولد فيها بعد ما تملكها المستولد، فإن حق الحرية كحقيقة الحرية في استدعائه ملك الحل، وقد انفصل الأولاد قبل ثبوت الحق فيها، فلا يسري ذلك الحق إليهم. (قال وإذا غرت الأمة رجلا من نفسها وأخبرته أنها أمة لهذا الرجل فاشتراها منه فولدت له أولادا ثم استحقها رجل أخذها وعقرها وقيمة ولدها كان لأب الولد أن يرجع بالثمن وبقيمة الولد على الذي باعه؛ لأن سبب الغرور مباشرة البيع، وإنما كان ذلك من البائع ومتى ملكها المغرور بعد ذلك، فهي أم ولد لثبوت نسب الولد منه، والله أعلم بالصواب. [باب النكاح في العقود المتفرقة] (قال - رضي الله عنه - ولا يحل للرجل أن يجمع بين أكثر من أربع نسوة بالنكاح إلا على قول الروافض، فإنهم يجوزون الجمع بين تسع نسوة لظاهر قوله تعالى: {مثنى وثلاث ورباع} [النساء: 3] والواو للجمع، فإذا جمعت بين هذه الأعداد كان تسعا «ولأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمع بين تسع نسوة وهو قدوة الأمة - صلى الله عليه وسلم -» فما يجوز له يجوز لأمته، وحجتنا في ذلك قوله تعالى: {مثنى وثلاث ورباع} [النساء: 3] والمراد أحد هذه الأعداد قال الفراء: - رحمه الله تعالى - لا وجه لحمل هذا على الجمع؛ لأن العبارة عن التسع بهذا اللفظ من العي في الكلام، والدليل عليه قوله تعالى: {أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع} [فاطر: 1] والمراد أحد هذه الأعداد وقد بينا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان مخصوصا بسبب إباحة تسع نسوة له وهو اتساع حله بفضيلة النبوة، فإن بزيادة الفضيلة يزداد الحل كما بين الأحرار والمماليك ولم ينقل عن أحد في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا بعده إلى يومنا هذا أنه جمع بين أكثر من أربع نسوة نكاحا، وفي قوله - صلى الله عليه وسلم: «يتزوج العبد ثنتين ويطلق تطليقتين» ما يدل على أن الحر لا يتزوج أكثر من أربع؛ لأن حال المملوك على النصف من حال الحر وله أن يتسرى على الأربع ما بدا له من السراري ما خلا امرأة ذات رحم محرم منها من نسب أو رضاع لحديث عمار بن ياسر - رضي الله تعالى عنه - ما حرم الله تعالى من الحرائر شيئا إلا وقد حرم من الإماء مثله إلا رجلا يجمعهن يريد به العدد إذ التسري غير محصور بعدد؛ لأن النكاح إنما كان محصورا بعدد لوجوب العدل والتسوية بينهن في القسم، وعند كثرة العدد يعجز عن ذلك، وفي الإماء لا يلزمه التسوية بينهن في القسم، فلهذا لا يكون محصورا بالعدد وإليه أشار الله تعالى في قوله تعالى: {فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم} [النساء: 3] فأما سائر أسباب الحرمة كالرضاع والمصاهرة والمحرمية لا تختلف بالمنكوحة والمملوكة. (قال رجل تزوج أربع نسوة بالكوفة ثم طلق إحداهن بغير عينها بمكة ثم تزوج مكية ثم طلق إحدى نسائه ثم تزوج بالطائف أخرى ثم مات ولم يدخل بواحدة منهن فنقول: العقود كلها قد صحت منه لأنه إنما تزوج المكية بعد ما طلق إحدى الكوفيات قبل الدخول، فحين تزوجها لم يكن في نكاحه إلا ثلاث نسوة، فإن قيل: أليس أن الطلاق المبهم يجعل كالمتعلق بخطر البيان فينبغي أن لا يصح نكاح المكية. (قال هذا في حق المحل لوجود النكير في المحل، فأما في جانب المطلق لا إبهام؛ لأنه متعين في نفسه، وحكم العدد ينبني على العدد في جانبه وهو يعلم أنه تزوج المكية وليس في نكاحه إلا ثلاث نسوة ثم تزوج الطائفية وليس في نكاحه إلا ثلاث نسوة ثم المسألة تشتمل على حكم المهر والميراث والعدة، أما بيان حكم المهر أن للطائفية مهرا كاملا؛ لأن نكاحها قد صح ولم يحدث بعد نكاحها طلاق فيتقرر مهرها بالموت، وللمكية سبعة أثمان المهر لأنه بعد ما تزوجها طلق إحدى نسائه الأربع قبل الدخول، وذلك مسقط نصف مهر المثل متردد بينها وبين ثلاث من الكوفيات فيتوزع النقصان عليهن أرباعا فيصيبها نقصان نصف ربع صداق، وذلك ثمن صداق فبقي لها سبعة أثمان صداق، وأما الكوفيات فلهن ثلاثة أصدقة وثمن صداق بينهن سواء؛ لأنه حين طلق إحداهن أولا فقد سقط بهذا الطلاق نصف مهر، ومن الطلاق الثاني أصابهن أيضا نقصان ثلاثة أرباع نصف مهر، وذلك ثلاثة أثمان مهر، وفي الأصل لهن أربعة أصدقة، فإذا نقصت من ذلك مرة نصف صداق ومرة ثلاثة أثمان صداق بقي ثلاثة أصدقة وثمن صداق، وحالهن في ذلك سواء، فيقسم بينهن بالسوية أرباعا، وأما الميراث فللطائفية ربع ميراث النساء ثمنا كان أو ربعا؛ لأنها إحدى نسائه بيقين وللمكية ربع ما بقي؛ لأن الباقي وهو ثلاثة أرباع ميراث النساء لا يزاحمها فيه إلا ثلاث من الكوفيات وحالهن فيه سواء فلها ربع ذلك والباقي بين الكوفيات بالسوية لاستواء حالهن في ذلك، وعلى كل واحدة منهن عدة المتوفى عنها زوجها، أما في حق الطائفية فللتيقن بانتهاء نكاحها بالموت، وفي حق البواقي لاحتمال ذلك والعدة يحتاط لإيجابها. (قال ولو كان بعد ما تزوج الطائفية طلق إحدى نسائه ثم مات فنقول: أما بيان حكم المهر أن للطائفية هنا سبعة أثمان مهرها؛ لأنه طلق إحدى نسائه بعد ما تزوجها فانتقص به نصف صداق، وإنما يصيبها من ذلك النقصان الربع فبقي لها سبعة أثمان صداق، وللمكية ستة أثمان مهر وربع ثمن مهر؛ لأن من النقصان الحاصل بالتطليقة الأخيرة إنما يصيبها ربع ثلاثة أرباع نصف صداق، فإن هذا النقصان يدور بينها وبين ثلاث من الكوفيات، وربع ثلاثة أرباع النصف يكون ثلاثة أرباع ثمن الصداق فقد أصابها بالتطليقة الثانية نقصان ثمن صداق كما قلنا وبالتطليقة الثالثة ثلاثة أرباع ثمن فبقي لها ستة أثمان وربع ثمن، فإذا جمعت ذلك كان مهرا وثمن مهر وربع ثمن مهر صداق وللكوفيات مهران وستة أثمان وثلاثة أرباع ثمن صداق لأنه انتقص من مهورهن بالطلاق الأول نصف صداق وبالطلاق الثاني ثلاثة أثمان صداق وبالطلاق الثالث ثمنان وربع ثمن، فإذا جمعت ذلك كان مهرا وثمن مهر وربع ثمن مهر، فإذا نقصت ذلك من أربعة مهور بقي مهران وستة أثمان وثلاثة أرباع ثمن، وفي حكم الميراث والعدة هذا والأول في التخريج سواء. (قالhttps://forum.ashefaa.com/images/smi...xM_f3u022S.gif وإذا تزوج امرأة في عقدة وامرأتين في عقدة وثلاثا في عقدة، ولا يعلم أيتهن الأولى، فأما الواحدة فنكاحها صحيح بيقين؛ لأن الصحيح من العقدين الأخيرين أحدهما ونكاح الواحدة صحيح تقدم أو تأخر، والقول قول الزوج في الثلاث والثنتين أيتهن قال هي الأولى؛ لأن نكاح أحد الفريقين صحيح وهو السابق والزوج هو الذي يعرف ذلك لأنه باشر العقود فيعرف السابق من المتأخر ولأنه صاحب ملك فإليه بيان محل ملكه، ولأن حقوق النكاح تجب عليه فإليه بيان من يستوجب الحق عليه، وأي الفريقين مات والزوج حي فقال هي الأولى ورثهن وأعطى مهورهن وفرق بينه وبين الأواخر؛ لأن حق البيان الثابت له لا يبطل بموتهن فإن الموت منه للنكاح مقرر لإحكامه، وإن كان دخل بهن كلهن ثم قال في صحته أو عند موته لأحد الفريقين هؤلاء الأول فهو الأول ويفرق بينه وبين الأواخر ولكل واحدة الأقل من مهر مثلها، ومما سمى لها لدخوله بها بحكم نكاح فاسد، ومراده بهذا الفصل أن دخوله بهن لا يؤثر في البيان إذا لم يعلم من دخل بها أولا؛ لأن حال الفريقين في ذلك سواء، وإن قال الزوج: لا أدري أيتهن الأولى حجب عنهن إلا عن الواحدة لأنه إنما يخلى بينه وبين من صح نكاحها منهن، ونكاح الواحدة صحيح فيخلى بينه وبينها، ولم يتيقن من صح نكاحه من الفريقين الآخرين فيكون محجوبا عنهن مخيرا على أن يبين الأول من الآخر، فإن مات قبل أن يبين ففي المسألة بيان حكم الميراث والمهر والعدة. أما بيان حكم المهر إن للواحدة ما سمى لها من المهر بكماله؛ لأن نكاحها صحيح بيقين وللثلاث مهر ونصف بينهن وللثنتين مهر واحد بينهما على اختلاف الأصلين، فإن أصل أبي يوسف - رحمه الله تعالى - في جنس هذه المسائل اعتبار الجملة والتخريج على ذلك فنقول: أكثر مالهن ثلاثة مهور بأن يكون السابق نكاح الثلاث، وأقل مالهن مهران بأن يكون السابق نكاح المثنى، فالتردد في مهر واحد يثبت في حال دون حال فيتنصف، فكان لهن مهران ونصف، ثم لا خصومة للثنتين في الزيادة على مهرين فيسلم ذلك للثلاث وهو نصف مهر يبقى مهران استوت فيه منازعة الفريقين فكان بينهما نصفين فيحصل للثلاث مهر ونصف وللثنتين مهر واحد، وأصل محمد - رحمه الله تعالى - في ذلك اعتبار الأحوال في حق كل فريق على حدة فيقول: أما الثلاث فإن صح نكاحهن فلهن ثلاثة مهور، وإن لم يصح فلا شيء لهن، فلهن نصف ذلك وهو مهر ونصف، وأما المثنى فإن صح نكاحهما فلهما مهران، وإن لم يصح فلا شيء لهما، فلهما نصف ذلك ونكاحهما يصح في حال دون حال فلهما مهر واحد، وأما حكم الميراث فنقول: للواحدة سبعة أسهم من أربعة وعشرين من ميراث النساء ربعا كان أو ثمنا؛ لأن نكاحها صحيح على كل حال، فإن صح نكاحها مع الثلاث فلها ربع ميراث النساء، وإن صح مع الثنتين فلها ثلث، والربع بيقين وما زاد عليه إلى تمام الثلث يثبت في حال دون حال فيتنصف، فنحتاج إلى حساب له ثلث وربع، وذلك اثنا عشر ثم يتنصف السهم الزائد على الربع إلى تمام الثلث فيتكسر بالأنصاف فيضعف الحساب فيكون أربعة وعشرين. فإن صح نكاحها مع الثلاث فلها ستة من أربعة وعشرين، وإن صح نكاحها مع المثنى فلها ثمانية فالتردد في سهمين فيثبت أحدهما ويسقط الآخر فكان لها سبعة من أربعة وعشرين وما بقي وهو سبعة عشر سهما بين الفريقين الآخرين نصفين في قول أبي حنيفة - رحمه الله تعالى -، وفي قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله تعالى - للمثنى من ذلك ثمانية أسهم وللثلاث تسعة أسهم، وجه قولهما أن السهم الزائد على ستة عشر لا منازعة فيه للمثنى؛ لأنه إن صح نكاحهما فلهما ثلثا الميراث ستة عشر من أربعة وعشرين فيسلم ذلك السهم للثلاث، وقد استوت منازعة الفريقين في ستة عشر فكان بينهما نصفين أو يعتبر حال كل فريق فنقول: إن صح نكاح الثلاث فلهن ثلاثة أرباع الميراث ثمانية عشر، وإن لم يصح فلا شيء لهن فلهن نصف ذلك وهو تسعة، وإن صح نكاح المثنى فلهما ثلثا الميراث ستة عشر، وإن لم يصح فلا شيء لهما فلهما نصف ذلك ثمانية وأبو حنيفة - رحمه الله تعالى - يقول: ما بقي من ميراث النساء بعد ما أخذت الواحدة نصيبها بمنزلة جميع ميراث النساء إن لو لم تكن الواحدة أصلا، ولو لم تكن الواحدة أصلا كان جميع ميراث النساء بين الفريقين نصفين، فكذلك ما بقي، وهذا لأن علة الاستحقاق في حق الفريقين سواء، فإن كل واحد منهما مستحق إذا كان سابقا، محروم إذا كان مسبوقا، وقولهما إن المثنى لا يدعيان السهم الواحد، فإنما لا يدعيان ذلك باعتبار استحقاق الواحدة لذلك السهم، فأما بدون استحقاقهما فهما يدعيان جميع الميراث وقد خرج ذلك السهم من أن يكون مستحقا للواحدة فكان دعواهما دعوى الثلاث في استحقاق ما فرغ من استحقاق الواحدة سواء، فلهذا قسم بين الفريقين نصفين. (قال وعليهن عدة المتوفى عنهن أزواجهن احتياطا لما قلنا، وإن كان قد دخل بهن كلهن، ولا يعرف الأول والآخر فعلى الثلاث والثنتين عدة الوفاة والحيض جميعا على معنى أن كل واحدة تعتد أربعة أشهر وعشرا تستكمل في ذلك ثلاث حيض؛ لأنه من وجه عليهن عدة الوفاة، وهو ما إذا صح نكاحهن، ومن وجه الحيض وهو ما إذا فسد نكاحهن فتجب العدة بالحيض لأجل الدخول فيجمع بينهما احتياطا، فأما على الواحدة عدة المتوفى عنها زوجها لا حيض في ذلك؛ لأن نكاحها صحيح بيقين ثم إن كان مهر مثل كل واحدة من الثلاث والثنتين أقل من المسمى فلها مهر مثلها، ونصف الفضل إلى تمام المسمى؛ لأن في وجوب الأقل وهو مهر المثل إما بالعقد أو بالدخول يقينا ما زاد عليه إلى تمام المسمى تستحقه كل واحدة إن صح نكاحها، ونكاحها يصح في حال دون حال، فلهذا كان لكل واحدة نصف ذلك، فإن كان الزوج حيا فجامع امرأة منهن أو طلقها أو ظاهر منها كان هذا إقرارا منه بأنها، ومن معها الأولى؛ لأن البيان تارة يحصل بالتصريح وتارة بالدليل فإقدامه على الظهار والطلاق في إحداهن بيان منه أن نكاحها صحيح؛ لأن ما باشره من التصرف مختص بالنكاح الصحيح، وكذلك إن جامع؛ لأن فعل المسلم محمول على الصحة والحل ما أمكن، وإنما يكون وطؤه إياها حلالا إذا كان صح نكاحها، فلهذا كان هذا بمنزلة البيان منه أن السابق عقدها. (قالhttps://forum.ashefaa.com/images/smi...xM_f3u022S.gif وإن كانت إحدى الثلاث أم إحدى الثنتين ولم يدخل بشيء منهن فالجواب على ما تقدم أيضا؛ لأن الصحيح نكاح أحد الفريقين وهو السابق منهما، وفي هذا لا يفترق الحال بين أن يكون بينهما محرمية أو لم يكن. (قال ولو كان مع الثلاث أمة كان نكاح الأمة فاسدا على كل حال؛ لأنه إن تقدم هذا العقد فنكاح الحرائر بهذا العقد صحيح، ومتى صح نكاح الحرائر بطل نكاح الأمة المضمومة إليهن، وإن تأخر نكاحهن فهو فاسد، ولهذا كان نكاح الأمة فاسدا على كل حال. (قال وكذلك لو كانت إحدى الثنتين أمة فنكاحها فاسد بيقين لما قلنا، فإن مات الزوج قبل أن يدخل بهن وقبل أن يبين الأولى منهن وإحدى الثلاث أمة وإحدى الثنتين أمة فنكاح الأمتين فاسد ونكاح الحرائر كلهن جائز، أما فساد نكاح الأمتين لما قلنا، وعند فساد نكاحهما الحرائر أربع فيجوز نكاحهن، المتقدم والمتأخر في ذلك سواء، وإن كانت إحدى الثلاث أمة والثنتان حرتان وقد تزوج الواحدة الحرة قبلهن يعلم ذلك فنكاح الأمة فاسد لعلمنا أنه تزوجها على حرة، ونكاح الأمة على الحرة فاسد، وللحرة المنفردة المهر وثلث ميراث النساء؛ لأن نكاحها صحيح بيقين، وإنما يزاحمها في الميراث امرأتان، أما المنفردتان أو اللتان كانتا مع الأمة فلها ثلث ميراث النساء، ولكل حرتين نصف ما بقي من الميراث لاستواء حال الفريقين في ذلك، فإن كل فريق إن تقدم نكاحها استحق ذلك، وإن تأخر لا، ويكون للفريقين مهران بينهما سواء لاستواء حال الفريقين في استحقاق المهرين على ما قلنا. (قالhttps://forum.ashefaa.com/images/smi...xM_f3u022S.gif وإن كانت إحدى الثنتين أمة والثلاث حرائر، ولا يعلم أي النساء تزوج أولا فنكاح الأمة فاسد للتيقن بضمها إلى الحرة، والميراث بين الحرائر الخمس على أربعة أسهم للثلاث من ذلك سهم ونصف وللمنفردتين ن سهمان ونصف، وهذا في الحكم كرجل تزوج ثلاثا في عقدة، وواحدة في عقدة، وواحدة في عقدة، ولا يدري أيتهن أول، بل هي تلك المسألة بعينها، ووجه التخريج أن الثلاث إن صح نكاحهن بأن تقدم أو كان بعد الواحدة من المنفردتين فلهن ثلاثة أرباع ميراث النساء؛ لأن الصحيح معهن نكاح الواحدة من المنفردتين سابقا أو متأخرا وإن لم يصح فلا شيء لهن بأن كان نكاحهن بعد نكاح المنفردتين فلهن نصف ثلاثة أرباع الميراث، وذلك سهم ونصف من أربعة وما بقي بين المنفردتين لاستواء حالهما، ولأنهما يستحقان جميع الميراث في حال وهو أن يكون نكاحهما سابقا والربع في حال، وهو أن يكون نكاح الثلاث سابقا فالربع لهما بيقين وهو سهم من أربعة، وثلاثة تثبت في حال دون حال فيتنصف، فلهذا كان لهما سهمان ونصف من أربعة، وحالهما في استحقاق ذلك سواء فيكون بينهما نصفين وللثلاث مهر ونصف؛ لأنه إن صح نكاحهن فلهن ثلاثة مهور، وإن لم يصح فلا شيء لهن، فلهن نصف نصف ذلك وهو مهر ونصف وللمنفردتي ن مهر ونصف؛ لأن نكاح إحداهما صحيح بيقين تقدم أو تأخر، فيتيقن لها بمهر، والأخرى إن صح نكاحها فلها مهر، وإن لم يصح فلا شيء لها فيتنصف مهرها، وليست إحداهما بأولى من الأخرى بشيء، فما اجتمع لهما وهو مهر ونصف بينهما نصفان. (قال وإذا تزوج واحدة في عقدة وثنتين في عقدة وثلاثا في عقدة وأربعا في عقدة ثم مات ولا يعرف أيتهن أول، فنقول: ميراث النساء ربعا كان أو ثمنا بين الثنتين والثلاث والأربع أثلاثا؛ لأن الميراث إنما يتوزع على الأحوال، والأحوال ثلاثة بيقين، إما أن يصح نكاح الأربع أو نكاح الثلاث مع الواحدة أو نكاح الثنتين مع الواحدة، وليس هنا حالة رابعة، وباعتبار الأحوال كل فريق في استحقاق الميراث مساو للفريقين الآخرين على معنى أنه إن تقدم نكاحه استحق الميراث وإلا فلا، فلهذا كان الميراث بينهن أثلاثا لا مزاحمة للواحدة مع الأربع في الثلث الذي صار لهن؛ لأن نكاحها لا يجوز معهن، وإنما أخذن ما أخذن باعتبار جواز نكاحهن، ولكنها تدخل مع الثلاث فتأخذ ثمن ما أصابهن؛ لأنهن إنما أخذن ما أخذن باعتبار جواز نكاحهن، ونكاح الواحدة يجوز معهن إلا أن في نكاح الواحدة ترددا، فإنه إما أن يجوز مع الثلاث أو مع الثنتين، فإن جاز مع الثلاث كان لها ربع ما في يدي الثلاث، وإن جاز مع الثنتين لم يكن لها شيء مما في يدي الثلاث، فتأخذ مما في يدي الثلاث نصف الربع وهو الثمن والباقي بين الثلاث أثلاثا، ثم تدخل مع الثنتين فتأخذ سدس ما في يديهما؛ لأنهما أخذنا باعتبار جواز نكاحهما، ونكاح الواحدة يجوز مع نكاحهما، فإن كان جواز نكاحهما معهما كان لها ثلث ما في أيديهما، وإن كان مع الثلاث لم يكن لها شيء مما في أيديهما، فلهذا تأخذ منهما نصف الثلث وهو سدس ما في أيديهما والباقي بينهما نصفان، وأما حكم المهر فنقول: على قول أبي يوسف - رحمه الله تعالى - لهن ثلاثة مهور ونصف مهر؛ لأنه إن جاز نكاح الأربع فلهن أربعة مهور، وإن جاز نكاح الثلاث مع الواحدة فكذلك. وإن كان جاز نكاح الثنتين مع الواحدة فلهن ثلاثة مهور، فثلاثة مهور لهن بيقين والمهر الرابع يثبت في حالين، ولا يثبت في حال، ولكن أحوال الإصابة حالة واحدة فكأنه ثبت في حال دون حال فيتنصف، فلهذا كان لهن ثلاثة مهور ونصف مهر، فأما نصف مهر من ذلك فللأربع ثلاثة أرباعه وللثلاث ربعه؛ لأنه لا منازعة للثنتين في هذا النصف، والأربع يدعين ذلك لأنفسهن والثلاث يدعين ذلك بانضمام الواحدة إليهن، وانضمام الواحدة إليهن في حال دون حال، فباعتبار الحالين يكون للثلاث نصف نصف هذا وهو الربع، وللأربع ثلاثة أرباع، فأما مهر واحد فللأربع منه سدسان ونصف سدس، وللثلاث سدسان ونصف سدس، وللثنتين سدس؛ لأن الثلاث والأربع يدعين هذا المهر لأنفسهن، والثنتان لا يدعيان ذلك إلا بانضمام الواحدة إليهما، وانضمام الواحدة إليهما في حال دون حال، ففي حالة الانضمام لهما ثلث ذلك، وفي غير حالة الانضمام لا شيء لهما فلهما نصف الثلث وهو السدس، والباقي وهو خمسة أسداس استوت فيه منازعة الثلاث والأربع فكان بينهما نصفين لكل فريق سدسان ونصف سدس، وأما المهران فقد استوت في ذلك منازعة الفرق الثلاث فكان بينهن أثلاثا لكل فريق ثلثا مهر، فأما الأربع فقد أصابهن مرة ثلثا مهر ومرة سدسان ونصف سدس ومرة ثلاثة أرباع النصف، فيجمع ذلك كله ويقسم بينهن بالسوية، إذ لا مزاحمة للواحدة معهن، وأما الثلاث فقد أصابهن مرة ثمن مهر ومرة سدسان ونصف سدس ومرة ثلثا مهر فيجمع ذلك كله ثم الواحدة تأخذ ثمن جميع ذلك؛ لأنه إن صح نكاحها معهن فلها ربع ذلك. وإن لم يصح فلا شيء لها فتأخذ ثمن ذلك، والباقي بين الثلاث بالسوية، وأما الثنتان فإنهما أصابهما مرة ثلثا مهر ومرة سدس مهر فتدخل الواحدة معهما وتأخذ سدس ما في أيديهما؛ لأنه إن جاز نكاحها معها فلها ثلث ذلك وإلا فلا شيء لها، فتأخذ نصف الثلث وهو السدس ثم الباقي بينهما نصفان، وإذا أردت تصحيح الحساب فالطريق فيه ضرب هذه المخارج بعضها في بعض وهو واضح لا يشتغل به للتحرز عن التطويل، وعلى قول محمد - رحمه الله تعالى - للأربع مهر وثلث مهر وللثلاث مهر وللاثنتين ثلثا مهر وللواحدة نصف مهر، فجملة ذلك أيضا ثلاثة مهور ونصف كما هو قول أبي يوسف - رحمه الله تعالى -، ووجه التخريج أن الأحوال ثلاثة فيجب اعتبار كل حالة، فيقول: نكاح الأربع يصح في حال، ولا يصح في حالين، فإن صح نكاحهن فلهن أربعة مهور، وإن لم يصح فلا شيء لهن، وأحوال الحرمان أحوال فلهن ثلث ذلك وهو مهر وثلث مهر بينهن بالسوية، والثلاث إن صح نكاحهن فلهن ثلاثة مهور، وإن لم يصح فلا شيء لهن، ونكاحهن يصح في حال ولا يصح في حالين فلهن ثلث ذلك وهو مهر واحد، والثنتان إن صح نكاحهما فلهما مهران ونكاحهما صحيح في حال دون حالين فلهما ثلث ذلك، وذلك ثلثا مهر، والواحدة يصح نكاحها في حالين إما مع الثلاث أو مع الثنتين، ولا يصح نكاحها في حال وهو ما إذا تقدم نكاح الأربع، لكن أحوال الإصابة حالة واحدة فكان نكاحها يصح في حال دون حال فكان لها نصف المهر، وعلى كل واحدة منهن عدة المتوفى عنها زوجها احتياطا. (قال فإن كانت إحدى الأربع أمة والمسألة بحالها فنكاح الأمة فاسد بيقين لانضمامها إلى الحرائر، ولا حظ لها من المهر ولا من الميراث، ونكاح المنفردة هنا صحيح على كل حال؛ لأن الباقي في الحاصل ثلاث وثلاث واثنتان وواحدة، فيتيقن بصحة نكاح الواحدة إما مع الثنتين أو مع أحد الفريقين من الثلاث، ثم بيان حكم المهران على قول أبي يوسف - رحمه الله تعالى - لهن ثلاثة مهور ونصف لما بينا أن أكثر مالهن أربعة مهور وأقل مالهن ثلاثة مهور، فيتوزع المهر الرابع نصفين ثم للمنفردة من هذه الجملة مهر كامل؛ لأنا تيقنا بصحة نكاحها بقي مهران ونصف، فأما نصف مهر من ذلك لا منازعة فيه للثنتين، وكل فريق من الثلاث يدعين ذلك فيكون بين الفريقين نصفين، بقي مهران استوت فيهما منازعة الفرق الثلاثة فكان بينهن أثلاثا لكل فريق ثلثا مهر، فأما على قول محمد فللواحدة مهر كامل لما قلنا ولكل فريق من الثلاث مهر واحد؛ لأن نكاح كل فريق يصح في حال ولا يصح في حالين، وفي حالة الصحة لهن ثلاثة مهور، وأحوال الحرمان أحوال فكان لكل فريق ثلث ذلك وهو مهر واحد، ونكاح الثنتين يصح في حال ولا يصح في حالين، وفي حالة الصحة لهما مهران فلهما ثلث ذلك وهو ثلثا مهر، وميراث النساء بينهن للواحدة من ذلك سبعة من أربعة وعشرين؛ لأن نكاحها صحيح بيقين، فإن صح مع الثنتين فلها ثلث الميراث ثمانية من أربعة وعشرين، وإن صح مع الثلاث فلها ربع الميراث ستة من أربعة وعشرين، فقدر ستة يقين وما زاد على ذلك يثبت في حال دون حال، فلهذا كان لها سبعة، ولا يقال ستة لها في حالين بأن يصح نكاحها مع هؤلاء الثلاث أو مع الفريق الآخر، فكان ينبغي أن تعتبر الحالتان في حقها لأنهما حالتا حرمان الزيادة، وهذا لأنه لا فرق في حقها بين أن يكون صحة نكاحها مع هذا الفريق أو مع الفريق الآخر، واعتبار الأحوال لا يتفاوت، وإذا لم يكن في حقها تفاوت في هاتين الحالتين فهما حالة واحدة. (قال ولهم واحد من الباقي وهو سبعة عشر بين الثلاث نصفان؛ لأن الثنتين لا يدعيان أكثر من ثلثي الميراث، وما بقي وهو ستة عشر بينهن أثلاثا لاستواء حالهن في استحقاق ذلك، ولكن هذا الجواب على قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى، فأما على قول أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - الباقي بعد نصيب الواحدة كله مقسوم بين الفرق أثلاثا لاستواء حالهن في استحقاق ما يفرغ من حق الواحدة وقد تقدم بيان نظائره (قال ولو كان طلق اثنتين من نسائه ثم مات قبل أن يبين والمسألة بحالها كان لهن مهران ونصف؛ لأنه قد سقط بطلاق الثنتين قبل الدخول مهر واحد وقد كان الثابت لهن قبل الطلاق ثلاثة مهور ونصفا، فإذا سقط مهر كان الباقي مهرين ونصفا، فأما الواحدة فأكثر ما يكون لها ربع ثلاثة مهور بأن كان صح نكاحها مع الثلاث ووجب أربعة مهور ثم سقط مهر بالطلاق بقي ثلاثة مهور لها ربع ذلك، وأقل ما يكون لها ثلث مهرين بأن يكون نكاحها صح مع الثنتين، فكان الواجب ثلاثة مهور سقط مهر بالطلاق وبقي مهران فلها ثلث ذلك، وذلك ثلثا مهر، فقدر ثلثي مهر لها بيقين وما زاد على ذلك إلى تمام ثلاثة أرباع مهر، وذلك نصف سدس مهر يثبت في حال دون حال فيتنصف فيكون لها ثلثا مهر وربع سدس مهر، وما بقي يكون بين الفرق الثلاثة أثلاثا لاستواء حالهن في دعوى ذلك والميراث على ما وصفنا في المسألة الأولى، قال الحاكم - رحمه الله تعالى - هذا الجواب ليس بسديد في حكم المهر على مذهب أبي يوسف - رحمه الله تعالى - ولم يبين الجواب الصواب على قول أبي يوسف - رحمه الله تعالى -، ولكن بيان ذلك على مذهبه أن نقول: لما كان الواجب لهن مهرين ونصفا، فأما نصف مهر من ذلك تأخذه الواحدة؛ لأن الثنتين لا يدعيان ذلك أصلا، والثلاث إنما يدعين ذلك بالواحدة، فأما بدون الواحدة فلا يدعين شيئا من ذلك فكانت الواحدة بذلك أولى ممن يدعي الاستحقاق بها، فلهذا تأخذ الواحدة نصف مهر بقي مهران. فأما نصف مهر من ذلك فالثلاث يدعين ذلك بأنفسهن والمثنى يدعيان ذلك بالواحدة، والواحدة مضمومة إليهن في حال دون حال فكان سدس هذا النصف للمثنى ولكل فريق من الثلاث سدسان ونصف سدس، بقي مهر ونصف استوت منازعة الفرق الثلاث فيه فكان بينهن أثلاثا، فقد أصاب الثنتين مرة نصف مهر ومرة سدس النصف فذلك سبعة من اثني عشر، وأصاب كل فريق من الثلاث مرة نصف مهر ومرة سهمان ونصف سدس من ستة من النصف الآخر فذلك ثمانية ونصف، ثم الواحدة إن كان يصح نكاحها مع الثنتين فلها ثلثا مهر وقد وصل إليها نصف مهر بقي إلى تمام حقها سدس مهر، ونكاحها مع الثنتين صحيح في حال دون حالين فتأخذ منهما ثلث سدس مهر ثم تجيء إلى كل فريق من الثلاث، فإن صح نكاحها مع كل فريق من الثلاث فلها ثلاثة أرباع مهر، وقد وصل إليها نصف مهر بقي إلى تمام حقها سدس ونصف سدس فتأخذ من كل فريق ثلث ذلك، فيجتمع لها ثلثا مهر وثلث سدس مهر وما بقي في يد كل فريق مقسوم بينهم بالسوية. |
| الساعة الآن : 07:28 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour