رد: أفضل مئة رواية عربية - سر الروعة فيها
حنه مينه أنتم تسألون عن حياتي.. وأنا أجيبكم! بلغت الثمانين من عمري، في 9 آذار 2004م وحتى هذا التاريخ كنت أخدع نفسي، أو تخدعني نفسي، فأقول للناس، وللقراء الأعزاء أيضاً، ان السبب في شهرتي كروائي، وسعة انتشاري في وطني العربي، وفي العالم كله، مردّه إلى الحظ، فأنا محظوظ جداً، يقرؤني الفقير والأمير، وانني، في سعة الانتشار، أكاد أقترب من سعة انتشار الشاعر المرحوم نزار قباني، وفق بيانات دار الآداب، العريقة بين دور النشر في لبنان كله، وربما في الوطن العربي كله. وقد سألتني سيدة مليحة، تحمل شهادة دكتوراة في تربية الأطفال، وهي رئيسة قسم الأطفال في وزارة الثقافة السورية، عن الانتشار الواسع هذا، فأجبتها: - الحظ يا سيدتي! قالت: - وبعد الحظ؟ - الحظ ولا شيء آخر! - لا! هناك شيء آخر فما هو؟ أجبني بصدق. قلت بغرور: - ما أريده أن يكون، يكون فعلاً! سكتت السيدة، بعد أن أدهشها جوابي، لكنني أنا، عند بلوغي الثمانين شتاء أدركت أنني كاذب في امرين: الأول أن ما يقال عن ذكائي تهمة باطلة ستكشف في يوم من الأيام، والأمر الثاني انني غير محظوظ، لأنني نكبت في ثلاثة أجيال من عائلتي، ولا ازال رازحاً تحت نير اخطائي الكثيرة، غير المبررة بأي وجه، وانني احمل همي في طريقي الى، وأتألم من ثلاث عاهات: أولها معدتي التي لا ينفع فيها دواء، لأن بها كسلاً في الأمعاء، وتشنجاً في الجهاز الهضمي، وثانيها نتوءات عظمية في ظهري، أكاد أصرخ من ألمها، وثالثها ركبتي اليمنى، وما فيها من جفاف، لهذا ينصحني الأطباء أن أكتب ساعة واحدة، أستريح بعدها، وأنا أعاند وأكتب ساعات متواصلة. ماذا أسمي هذا كله!؟ وهل أحيلكم إلى رواياتي فاتعبكم!؟ الأفضل ان أعرض الأمور بإيجاز، قدر المستطاع، وأن أحدثكم عن حياتي الأدبية، وكيف بدأت، وعن نشئتي الأولى! إنني لم أكن أتصور، حتى في الأربعين من عمري، إني سأصبح كاتباً معروفاً، فقد ولدت، كما هو معروف عني، بالخطأ، ونشأت بالخطأ، وكتبت بالخطأ أيضاً، ولنبدأ بالكلام على حياة الطفولة، هذه التي أصبحت بعيدة جداً الآن، من حيث هي ترحال مأساوي في المكان، عمرها الآن ثمانون عاماً، أما رحلتي في الزمان، فهي أبعد من ذلك، وستبقى ما بقيت، بسبب أن التأمل، التلفت، الاستشراف، تمثل الوعي الأول للوجود، وكل هذه الذكريات التي تنثال في الخاطر، أصبحت مرنقة الآن، وأنا ألعنها لأنها تغتالني بلا رحمة! والدتي اسمها مريانا ميخائيل زكور، وقد رُزقت بثلاث بنات كن، بالنسبة لذلك الزمان، ثلاث مصائب، عانت منهن الكثير الكثير، فالوسط الفقير الى حد التعاسة، كان يشكل عقلية سلفية بالغة القسوة، وقد تعاون هذا الوسط، وما فيه من ظلم ذوي القربى، على اذلال والدتي، باتهامها أنها لا تلد إلا البنات، وكان المطلوب أنه تلد المرأة الصبيان، وفي الأقل الأقل، أن تلد صبياً بعد بنت، لكن القدر شاء أن تحمل وتلد البنات الثلاث بالتتابع، الأمر الذي كان يحمل إليها مرارة الشقاء، بالتتابع أيضاً. وستقول لي أمي، حين أكبر: «أسمع يا حنا! أنت ابن الشحادة، فقد شحدتك، منذ تزوجت أباك، وفي كل مرة كنت أحمل فيها، كانت تعاقبني، فأرزق ببنت، أنا التي كنت أسألها الصبي، أسألها أنت، وأنت لم تأت إلا في الحمل الرابع، الذي بكيت فيه من الفرح، بينما كنتُ، قبل ذلك، أبكي من الحزن. لقد منحتني إياك بعد طول انتظار، وطول معاناة، لكن المنحة كانت، حتى مع الشكر، منحة مهددة بالأمراض، والخوف عليك منها، ثم الدعاء إلى الله، في أن تعيش، كرمي لي، حتى لا أعيش الخيبة من جديد، وهذ ما حدث، فقد ولدت عليلاً، ونشأت عليلاً، وكان الموت والحياة يحومان حول فراشك، الذي كان طراحة على حصيرة في بيت فقير الى حد البؤس الحقيقي.. كنت شمعة تنوس ذبالتها في مهب ريح المرض، وكنت اسأل الله، وأنذر النذور، وأسأل الريح، بكل ما في الابتهال من ضراعة، ألا تنطفئ الشمعة التي كنتها، حتى لا أفجع فجيعة تودي بي إلى القبر، وشاء الله، سبحانه وتعالى، أن تعيش في قلب الخطر، وهذا الخطر لازمك حتى الشباب، وعندها تحول من خطر الموت إلى خطر الضياع، في السجون والمنافي، هذه التي أبكتني بكاءً مضاعفاً، خشية ألا أراك، وأنت تعطي نفسك للعذاب في سبيل ما كنت تسميه المتحرر من الاستعمار الفرنسي، وتحقيق العدالة الاجتماعية!». هكذا ولدت في قلب الخطر، وترعرعت في جوف حوته أيضاً، وناضلت ضد هذا الخطر بلا هوادة، فكان المبدأ الذي شببت عليه، عاملاً أساسياً في شفائي الجسدي والنفسي، لذلك قلت يوماً، بعد أن صرت كاتباً: «أنا كاتب الكفاح والفرح الإنسانيين» فالكفاح له فرحة، له سعادته، له لذته القصوى، عندما تعرف أنك تمنح حياتك فداء لحياة الآخرين، هؤلاء الذين قد لا تعرف لبعضهم وجهاً، لكنك تؤمن، في أغماقك، أن انقاذهم من براثن الخوف والمرض والجوع والذل، جدير بأن يضحى في سبيله، ليس بالهناءة وحدها، بل بالمفاداة حتى الموت معها ايضاً. إن وعي الوجود عندي، ترافق مع تحويل التجربة إلى وعي، وكانت التجربة الأولى، في حي «المستنقع» الذي نشأت فيه في اسكندرونة، مثل للتجربة الأخيرة، حين أرحل عن هذه الدنيا، ومثل تجربة الكفاح ما بينهما، منذورة كلها لمنح الرؤية للناس، لمساعدتهم على الخلاص من حمأة الجهل، والسير بهم ومعهم نحو المعرفة، هذه التي هي الخطوة الأولى في «المسيرة الكبرى» نحو الغد الأفضل. لقد تقضى العمر، في حلقاته المتتابعة، بشيء وجوهري لدي: هو تحقيق إنسانيتي، من خلال تحقيق إنسانية الناس. أنفقت طفولتي في الشقاء، وشبابي في السياسة، ولئن كان الشقاء قد فُرض علي من قبل المجتمع، فعشت حافياً، عارياً، جائعاً، محروماً من كل مباهج البراءة الأولى، فإن السياسة نقشت صورتها على أظافري بمنقاش الألم، فتعلمت، مبكراً، كيف أصعّد الألم الخاص إلى الألم العام، وكيف أنكر ذاتي، وأنتصر على رذيلة الأنانية، وكل اغراءات الراحة البليدة، التي توسوس بها النفس، فكان الإنسان في داخلي، إنساناً تواقاً الى ما يريد أن يكون، لا إلى ما يُراد له أن يكون. وكان المحيط الاجتماعي الذي نشأت فيه، بتمام الكلمة، أمياً، متخلفاً، إلى درجة لا تصدق.. لم يكن في حي المستنقع كله، من يقرأ ويكتب. كان سكان هذا الحي، والأحياء المجاورة، من المعذبين في الأرض، الباحثين، دون جدوى، عن الخلاص، وعن العدالة الاجتماعية التي لا يعرفون اسمها بعد! لكنهم سيتعلمون تدريجيا، سيعرفون الفقر ليس من الله جل جلاله، وسأقول لهم، ما قاله الصحابي عمر بن الخطاب «ما اغتنى غني الا بفقر فقير» وان الذين فوق ليسوا سيئين كلهم، وان الذين تحت ليسوا فضلاً كلهم بالمبدأ! |
رد: أفضل مئة رواية عربية - سر الروعة فيها
- حنا مينه روائي سوري ولد في 9 اذار 1924. - دخل المعترك السياسي الحزبي مبكرا وهو فتى في الثانية عشرة من عمره وناضل ضد الانتداب الفرنسي، ثم هجر الانتماء الحزبي في منتصف الستينيات، وكرّس حياته للأدب، وللرواية تخصيصاً.- عاش حنا طفولته في إحدى قرى لواء الاسكندرون علي الساحل السوري. - وفي عام 1939 عاد مع عائلته إلى مدينة اللاذقية وهي عشقه وملهمته بجبالها وبحرها. - كافح كثيراً في بداية حياته وعمل حلاقاً وحمالاً في ميناء اللاذقية، ثم كبحار على السفن والمراكب. - اشتغل في مهن كثيرة أخرى منها مصلّح دراجات، ومربّي أطفال في بيت سيد غني، إلى عامل في صيدلية إلى صحفي أحيانا، ثم إلى كاتب مسلسلات إذاعية للاذاعة السورية باللغة العامية، إلى موظف في الحكومة، إلى روائي. - في عام 1947 استقر به الحال بالعاصمة دمشق وعمل في جريدة الانشاء الدمشقية حتى أصبح رئيس تحريرها . - حنا مينا أب لخمسة أولاد، بينهم صبيان، هما سليم، توفي في الخمسينيات، في ظروف النضال والحرمان والشقاء، والآخر سعد، أصغر أولاده، وهو ممثل ناجح ومعروف الآن. - يقول أنا كاتب الكفاح والفرح الإنسانيين - وكانت التجربة الأولى في حي (المستنقع) الذي نشأت فيه في اسكندرونة، مثل التجربة الأخيرة، حين أرحل عن هذه الدنيا - يصف مسيرة حياته الطويلة بأنها كانت مشياً ، وبأقدام حافية، في حقول من مسامير، دمي سال في مواقع خطواتي، أنظر الآن إلى الماضي، نظرة تأمل حيادية، فأرتعش. كيف، كيف؟! - وقف في وجه الاستعمار الفرنسي وعمره 12 عاما وعاش حياة قاسية، وتنقل بين عدة بلدان سافر إلى أوروبا ثم إلى الصين لسنوات لكنه عاد. - عاش رحلة اغتراب قاسية بين المدن : انطلق من اللاذقية إلى سهل أرسوز قرب أنطاكية، مروراً باسكندرونة ، ثم اللاذقية من جديد، وبيروت، ودمشق، وبعد ذلك تزوج، وتشرد مع عائلته لظروف قاهرة، عبر أوربا وصولاً إلى الصين، حيث أقام خمس سنوات، وكان هذا هو المنفى الاضطراري الثالث، وقد دام العشرة من الأعوام.. - يقول بدأت رحلة التشرد وأنا في الثالثة من عمري، وهذه الرحلة من حيث هي ترحال مأساوي في المكان، عمرها الآن ثمانون عاماً، أما رحلتي في الزمان فهي أبعد من ذلك وستبقي ما بقيت . - ويقول كان أبي رحمة الله رحالة من طراز خاص، لم ينفع ولم ينتفع برحلاته كلها، أراد الرحيل تلبية للمجهول، تاركاً العائلة أغلب الأحيان، وفي الأرياف للخوف والظلمة والجوع، ولطالما تساءلت وراء أي هدف كان يسعي؟ لا جواب طبعاً، انه بوهيمي بالفطرة . - ويقول " كنت عليلاً، أمي وأخواتي الثلاث عملن خادمات، عملت أنا الصبي الوحيد، الناحل، أجيراً. - ويقول " منذ يفاعتي: اننا جياع، عاطلون عن العمل، مرضي، أميون، فماذا يريد أمثالنا؟ العمل، الخبز، المدرسة، المستشفي، رحيل الانتداب الفرنسي ومطالبة الحكومة في فجر الاستقلال أن تفي بوعودها المقطوعة لأمثالنا... - ويقول كيف اشعر بالأسف وكيف أشعر به وحياتي نفسها ضائعة؟ - اصبح سياسي مطارد - يقول "عشت عمري كلّه مع المغامرة، كنت علي موعد مع الموت ولم أهبه، الموت جبان لمن ينذر له نفسه. ثمانون عاماً تضعني علي مزلقها والموت الذي أسعي اليه يفرّ مني ! - عندما سؤل ذات يوم من أي جامعة تخرجت اجاب " "من جامعة الفقر الأسود! والفقر نوعان: أبيض كالذي اعيشه الآن، وأسود كالذي عشته في طفولتي، حين كنت جائعاً، حافياً، عارياً، - - يقول " ألقيت بنفسي في التيار الهادر لمقاومة الاحتلال الفرنسي، تمنت الأم لو لم ترسلني إلى المدرسة، وان أكون راعياً، بدل ان أكون مكافحاً في سبيل الاستقلال، - يقول "ما عانيته في السجون الفرنسية، وحتى السجون الوطنية، على امتداد عهد الاقطاع، بعد الاستقلال، كان يؤرق امه. - عمل أجيراً واجيراً وأجيراً، - تطوع في البحرية بعد دخول قوات فرنسا الحرة إلى سوريا، في الحرب العالمية الثانية، ولما لم يكن له حظ التعبئة والتسويق إلى العلمين، لقتال جيش رومل، ذئب الصحراء، فقد تركت الخدمة كجندي في البحرية، ليصبح بحاراً، لمدة قصيرة، على المراكب الشراعية، التي تنتقل بين مرافئ المتوسط العربية، - في البحر وعلى تلك المراكب واجهه العواصف، عاين الموت، في نظرات باردة، لأفعى اللجة، ومن هناك كان ولعه بالبحر، ثم الكتابة عنه، عندما تعاطى مهنة الحرف الحزينة، القذرة واللذيذة، حسب تعبير ارنست همنغواي، والتي لا انفكاك منها سوى بالموت. - قال " انني ولدت بالخطأ، ونشأت بالخطأ، وكتبت بالخطأ، فالطفل العليل، الذي تنوس حياته كذبالة الشمعة الواهنة، لم تطفئ ريح المتون ذبالة شمعته، وبعد الابحار على المراكب، غدا الرغيف خيَّالاً، وعلي، سداً لجوع العائلة، ان اركض وراءه، ولا أزال، وفي مزدلف الشوط، لم يكن لي، بعدُ، شرف الفروسية، فقد اضطررت للعمل حمالاً في المرفأ، ثم حلاقاً على باب ثكنة في مدينة اللاذقية، ومن الحلاقة إلى الصحافة، ومن الصحافة إلى كتابة المسلسلات الاذاعية، بالفصحى والعامية، ومنها إلى الوظيفة في وزارة الثقافة، - عانى المنافي، لأسباب قاهرة، حيث التشرد في أوروبا، والنوم تحت الجسور في سويسرا، وطلب العمل، لا العلم، في الصين، - يقول " حياتي الحافلة بالتجارب القاسية، قد نفعتني "أنا الحديدة التي تفولذت بالنار" في المقبل من أيامي، عندما بدأت بالكتابة الفعلية في الأربعين من عمري. - يقول "انني نصف عاقل نصف مجنون، وانني، كما أقول، أفضّل نصفي المجنون على نصفي العاقل! - يقول " نكبت في ثلاثة أجيال من عائلتي، ولا ازال رازحاً تحت نير اخطائي الكثيرة، غير المبررة بأي وجه، وانني احمل همي في طريقي الى، وأتألم من ثلاث عاهات: أولها معدتي التي لا ينفع فيها دواء، لأن بها كسلاً في الأمعاء، وتشنجاً في الجهاز الهضمي، وثانيها نتوءات عظمية في ظهري، أكاد أصرخ من ألمها، وثالثها ركبتي اليمنى، وما فيها من جفاف، لهذا ينصحني الأطباء أن أكتب ساعة واحدة، أستريح بعدها، وأنا أعاند وأكتب ساعات متواصلة. - ويقول " ولدت، كما هو معروف عني، بالخطأ، ونشأت بالخطأ، وكتبت بالخطأ أيضاً، ولنبدأ بالكلام على حياة الطفولة، هذه التي أصبحت بعيدة جداً الآن، من حيث هي ترحال مأساوي في المكان، عمرها الآن ثمانون عاماً، أما رحلتي في الزمان، فهي أبعد من ذلك، وستبقى ما بقيت، بسبب أن التأمل، التلفت، الاستشراف، تمثل الوعي الأول للوجود، وكل هذه الذكريات التي تنثال في الخاطر، أصبحت مرنقة الآن، وأنا ألعنها لأنها تغتالني بلا رحمة! - ويقول "والدتي اسمها مريانا ميخائيل زكور، وقد رُزقت بثلاث بنات كن، بالنسبة لذلك الزمان، ثلاث مصائب، عانت منهن الكثير الكثير، فالوسط الفقير الى حد التعاسة، كان يشكل عقلية سلفية بالغة القسوة، وقد تعاون هذا الوسط، وما فيه من ظلم ذوي القربى، على اذلال والدتي، باتهامها أنها لا تلد إلا البنات، وكان المطلوب أنه تلد المرأة الصبيان، وفي الأقل الأقل، أن تلد صبياً بعد بنت، لكن القدر شاء أن تحمل وتلد البنات الثلاث بالتتابع، الأمر الذي كان يحمل إليها مرارة الشقاء، بالتتابع أيضاً. - ويقول "ولدت عليلاً، ونشأت عليلاً، وكان الموت والحياة يحومان حول فراشك، الذي كان طراحة على حصيرة في بيت فقير الى حد البؤس الحقيقي.. - يقول ان امه كانت تقول له " كنت شمعة تنوس ذبالتها في مهب ريح المرض، وكنت اسأل الله، وأنذر النذور، وأسأل الريح، بكل ما في الابتهال من ضراعة، ألا تنطفئ الشمعة التي كنتها، حتى لا أفجع فجيعة تودي بي إلى القبر، وشاء الله، سبحانه وتعالى، أن تعيش في قلب الخطر، وهذا الخطر لازمك حتى الشباب، وعندها تحول من خطر الموت إلى خطر الضياع، في السجون والمنافي، هذه التي أبكتني بكاءً مضاعفاً، خشية ألا أراك، وأنت تعطي نفسك للعذاب في سبيل ما كنت تسميه المتحرر من الاستعمار الفرنسي، وتحقيق العدالة الاجتماعية!». - ويقول أنفقت طفولتي في الشقاء، وشبابي في السياسة، ولئن كان الشقاء قد فُرض علي من قبل المجتمع، فعشت حافياً، عارياً، جائعاً، محروماً من كل مباهج البراءة الأولى، فإن السياسة نقشت صورتها على أظافري بمنقاش الألم، فتعلمت، مبكراً، كيف أصعّد الألم الخاص إلى الألم العام، وكيف أنكر ذاتي، وأنتصر على رذيلة الأنانية، وكل اغراءات الراحة البليدة، التي توسوس بها النفس، فكان الإنسان في داخلي، إنساناً تواقاً الى ما يريد أن يكون، لا إلى ما يُراد له أن يكون. - ويقول كان المحيط الاجتماعي الذي نشأت فيه، بتمام الكلمة، أمياً، متخلفاً، إلى درجة لا تصدق.. لم يكن في حي المستنقع كله، من يقرأ ويكتب. كان سكان هذا الحي، والأحياء المجاورة، من المعذبين في الأرض، الباحثين، دون جدوى، عن الخلاص، وعن العدالة الاجتماعية التي لا يعرفون اسمها بعد! - لا يعرف متى وات والديه . واضح ان هناك عوامل كثيرة جعلت حنه منيه ينصهر في بوتقة الالم كما قال مرة، ومن ذلك المرض والترتيب في الاسرة الفقر، والسفر والترحال الدائم، وغياب الاب الذي لم يكن منه نفع كما يقول الكاتب، والسجن ، والبحر، والموت الذي ظل يحوم منذ الطفولة المبكرة. وحيث اننا لا نعرف متى مات والداه يمكننا اعتباره مأزوما وهو حتما وحسب الوصف يتيم اجتماعي |
رد: أفضل مئة رواية عربية - سر الروعة فيها
والان مع الروعة في رواية : 15- الزيني بركات – جمال الغيطاني – مصر بقلم: ابراهيم عادل تعد رواية" الزينيبركات لجمال الغيطاني من الروايات البارزة في الروايات العربية التي عالجت ظاهرةالقمع والخوف واتكأت على أسبابها وبينت مظاهرها المرعبة في الحياة العربية،فالغيطاني حين يحاصره الراهن بقمعه واستبداده وقهره، حين يمارس أقسى أشكال العنفوالرعب والقهر في السجن المعاصر يعود بنا مستنطقاً تاريخ ابن إياس بدائع الزهورليجد صورة مرعبة لكبير البصاصين الشهاب الأعظم زكريا بن راضي ووالي الحسبة الزينيبركات، ويكفي أن نقرأ عن تعذيب التاجر علي أبي الجود وتدرج الزيني في التفنن بتعذيبهليحصل من على المال، والأدهى أن وسيلة إرغامه على الإقرار كانت بتعذيب الفلاحينأمامه عذاباً منكراً بغية إخافته وترويعه،على مدى سبعة أيام منها تعذيب فلاح أمامعينيه:" أظهروا حدوتين محميتين لونهما أحمر لشدة سخونتهما، بدأ يدقهما في كعبالفلاح المذعور، نفذ صراخ الفلاح إلى ضلوع علي، وكلما حاول إغلاق عينه يصفعه عثمانبقطعة جلد على قفاه." وفي اليوم الرابع والخامس " ذبح ثلاثة من الفلاحين المنسيين،أسندت رقابهم إلى صدر علي بن أبي الجود والزيني يدخل ويخرج محموماً مغتاظاً يسأل" ألم يقر بعد؟" لا يجيب أحد. يضرب الحجر بيديه." يسقطهذه الصورة على الحاضر بل يسقط الحاضر عليها فيبني منها ما هو أقل إيلاماً منالحاضر فقدمت لنا نماذج مرعبة ولكنها مشوهة منخورة في الوقت نفسه لأنها من وجهة نظرالرواية فيما أحسب لا تتسلح بقيم تجعلها قادرة على مواجهة التغيرات المحتملة. من دراسة لإبراهيم السعافين . ويذكر د. محمد رضوان : الزيني بركات"، تستخلص عبرةً من مرحلة تاريخية،أسّست لهزيمةٍ محققة، نتيجة للعسف والقمع والاستبداد، إنما أنتجتْ بنية روائية خاصةبها، تدخل في عداد التجارب الروائية العربية المتميزة، والمغايرة للتجربة الروائيةوخبراتها، المكتسبة من الغرب، مما يعيد إثارة السؤال المزمن حول الشكل الروائيللرواية العربية، ولعلّ رواية الغيطاني هذه- إلى جانب بعض أعماله الروائية الأخرى- قد ساهمت في تقديم إجابة ما، عملية، على أسئلة الرواية العربية، التي بدأت تشقطريقها نحو شكل متميز، يواكب الرواية العالمية، وربما يتفوق عليها. إن موضوع القمع الذي تناوله الغيطاني في "الزينيبركات" ليس جديداً في الرواية العربية ، وإنّما الجديد المتميز الذي بناه الغيطاني،هو الشكل الذي يستعيد تاريخاً ثقافياً وسياسياً، يقرأ فيه الماضي بوعي راهن، أييجعل من ثقافة الماضي، بعد تحويلها فنياً، ثقافة راهنة، من أجل الحاضر. أخيراً، يمكن القول أن الغيطاني قد أنجز روايةتاريخية تثير الحاضر، كما ترهّن الماضي. وهو بذلك يعيد ترتيب السلسلة التاريخية أوالاجتماعية، والثقافية، عبر المأساة الوجودية للراهن العربي، وطقوس القمع الشموليةالتي يخضع لها، لتكون حافزاً استفزازياً، لتغيير هذا الوجود وآلياته القاهرة. == ويتحدث عنها كاتبها (جمـالالغيـطـاني ) فيقول : .......... جاءت (( الزينيبركات)) نتيجة لعوامل عديدة. أهمها في تقديري, تجربة معاناة القهر البوليسي في مصرخلال الستينيات.كانت هناك تجربة ضخمة تهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية. تهدف إلىتحقيق أحلام البسطاء. يقودها زعيم كبير هو جمال عبد الناصر. ولكن كان مقتل هذهالتجربة في رأيي, هو الأسلوب الذي تعاملت به مع الديمقراطية. وأحيانا كنا نحجم عنالحديث بهذا الشكل لأن هذه التجربة بعد انتهائها, تعرضت وما تزال تتعرض لهجوم حادمن خصوم العدالة الاجتماعية, ومن خصوم إتاحة الفرص أمام الفقراء. ولكن أنا أتصور أنالشهادة يجب أن تكون دقيقة الآن, خاصة وأن جيلنا, جيل الستينات الذي ننتمي إليه أناوالأستاذ البساطي قد بدأ يدنو من مراحله الأخيرة. لذا يجب أن نترك كلمة حق حتى لاتتكرر تلك الأخطاء. عانينا من الرقابة فيالستينيات. وأسلوب التعامل البوليسي. وأتصور أن هذا كان أحد أسباب علاقتي القويةبالتاريخ. كنت مهموما بالبحث في تاريخ مصر, وبقراءة هذا التاريخ خاصة الفترةالمملوكية, التي وجدت تشابها كبيرا بين تفاصيلها وبين الزمن الراهن الذي نعيش فيه. وأنا عندما أقول الفترة المملوكية, أعني الفترة المملوكية التي كانت مصر فيها سلطنةمستقلة تحمي البحرين والحرمين. وقد انتهت هذه السلطنة في عام 1517 بهزيمة عسكريةكبيرة في مرج دابق شمال حلب. وعندما طالعت مراجع شهود العيان الذين عاشوا هذهالفترة, ذهلت من تشابه الظرف بين هزيمة 67 والأسباب التي أدت إليها وبين هزيمةالقرن السادس عشر. وأوصلني هذا فيما بعد, إلى ما يمكن أن يسمى باكتشاف وحدة التجربةالإنسانية في مراحل كثيرة من التاريخ حتى وإن بعدت المسافة. على سبيل المثال : الألم الإنساني واحد. فالشعور بالحزن هو نفسه الذي كان يعبر عنه المصري القديم أوالبابلي القديم. ومصر نتيجة لاستمرارية تاريخها وعدم انقطاعه تتشابه فيها الظروف منفترة إلى أخرى. سياحتي في التاريخ استقرت في العصر المملوكي. وكنت مهموما بهاجسالرقابة وهاجس المطاردة قبل أن أدخل المعتقل إلى درجة أنني كتبت عددا من القصصالقصيرة عن السجن, نشرت منها قصة ؛رسالة فتاة من الشمال« في مجلة الآداب في يوليو 1964, وقصة أخرى اسمها ؛القلعة« في مجلة الأديب اللبنانية أيضا عام 1964. وكتبترواية كاملة عن فكرة المطاردة وظروف المطاردة, ف ق د ت عندما اعتقلت في عام 1966. والغريب أنني عندما دخلت المعتقل لم أفاجأ بالتفاصيل. فقد كنت أسمعها من زملائيالذين سبقوني في تلك التجربة. ولكن عندما خرجت قبل وقوع الهزيمة بشهرين عام 1967 معزملائي, الذين يمثلون جيل الستينيات من الكتاب — فأكبر كتاب الستينيات كانوا في هذهالحبسة –, كتبت قصة اسمها »هداية أهل الورى لبعض ما جرى في المقشرة« وقد افترضتفيها أنني عثرت على مذكرات آمر سجن المقشرة. وهو من السجون الشديدة البشاعة فيالعصر المملوكي. وكنت قد وصلت بعض قراءة طويلة — بل لا أقول قراءة ولكن معايشة — لابن إياس وابن زمبل الرمال والمقريزي وابن تغري بردي إلى اكتشاف بلاغة جديدة, لميكن الأدب العربي يتعامل معها. بلاغة يمكن الآن أن أقول إنها بلاغة مصرية, تجمع مابين الفصحى وخلفية العامية المصرية في التراكيب اللغوية. وهذه نجدها عند المؤرخينوليس عند الأدباء. عند المقريزي وابن إياس ثم الجبرتي فيما بعد. وربما يرجع ذلك إلىأنهم كانوا يكتبون الأحداث بسرعة, فلا يتأنقون ولا يغوصون في أساليب البلاغةالمستقرة من زمن قديم. هذه البلاغة شعرت أنها تمسك بالواقع أكثر من الأساليبالسردية السائدة. |
رد: أفضل مئة رواية عربية - سر الروعة فيها
الزيني بركات" لجمال الغيطاني: بين التخييل التاريخي والتأصيل التراثي د. جميل حمداوي - المغرب يعد جمال الغيطاني من أبرز كتاب الرواية التراثية في العالم العربي بروايته "الزيني بركات " 1 إلى جانب كل من محمود المسعدي وبنسالم حميش وأحمد توفيق ورضوى عاشور وواسيني الأعرج وإميل حبيبي وشغموم الميلودي... ويتخذ جمال الغيطاني الشكل التاريخي نمطا للإبداع و التخييل لسد الثغرات ومساءلة الواقع والبحث عن الأسباب و النتائج بالغوص في أعماق الزمن واستقراء لحظات التاريخ و نبش أغواره العميقة واستنطاق ملامح الخارجية. إذاً، ماهي خصائص " الزيني بركات" لجمال الغيطاني المناصية والدلالية ؟ وما مقوماتها الفنية والمرجعية؟ 1. البنيــــة المناصيـــــة: ترتكز الرواية ذات العنونة الشخوصية على الزيني بركات باعتباره شخصية مركزية تحوم حولها الشخصيات الأخرى وتلتقي عندها الأحداث المتشابكة لتصوغ بنية روائية متوترة . وتنبني الأحداث السردية المتعلقة بالزيني بركات على النحو التالي: أ- تعيين الزيني بركات واليا للحسبة الشريفة بعد إعدام علي بن أبي الجود . ب- الزيني بركات يأمر بالمعروف و ينهي عن المنكر . ج- الزيني يخطب كل مرة في المسجد لتبرير ولايته و أعماله . د- الزيني يعلق الفوانيس في القاهرة . ه- الزيني ينضم بتنسيق مع منافسه زكرياء بن راضي إلى جهاز البصاصة. و- حدة الصراع بين الزيني و نائب الحسبة و كبير البصاصين زكرياء بن راضي حول التفرد بالسلطات . ز- مظالم الزيني بركات و قمعه للرعية لإرضاء السلطان والأمراء. ح- ازدياد سلطات الزيني بركات الدينية و المدنية و العسكرية على حساب الشعب . ط- هزيمة السلطان الغوري أمام السلطان سليم قائد الجيش العثماني . ي- موالاة الزيني بركات للعثمانيين و مساندة الأمير خايربك خائن سلطان المماليك و الخروج عن طاعة الأمير طومانباي. ك- تعيين الزيني بركات بن موسى محتسبا للقاهرة من جديد في عهد الدولة العثمانية و إحلال العملة العثمانية الجديدة بدل العملة المملوكية القديمة . و يمكن تكثيف هذه اللحظات السردية في الأفعال الحدثية التالية : 1- تعيين 2- حكم 3- لقاء 4- صراع 5- ظلم 6- خيانة 7- تعيين 8- حكم . و يحمل عنوان الرواية مفارقة بين الشعار الاسمي (الزيني بركات) و الممارسة الفعلية .فالزيني لقب أطلقه السلطان على موسى بن بركات ليصاحبه مدى حياته دلالة على ورعه و تقواه و تفانيه في خدمة السلطان و امتناعه عن تولية الحسبة إلا بتدخل علي بن أبي الجود باعتباره شيخا عارفا بالأصول و الفروع يمثل السلطة الدينية و الصوفية . و تعتبر تزكية علي بن أبي الجود شهادة كبرى في حق تعيين موسى بن بركات واليا للحسبة على القاهرة. و مع ذلك نجد أن هذا الامتناع الوهمي الذي شاع بين الناس يغطي حقيقة جوهرية و هي أن الزيني بركات اشترى هذا المنصب بثلاثة آلاف دينار رشوة بعد أن تدخل له أحد الأمراء عند السلطان . وبالتالي ، فكل أعماله الدالة في الظاهر على الخير كتعليق الفوانيس وتسعير البضائع ، والضرب على يد المحتكرين والوسطاء و إزالة الضرائب و تثبيت الاستقرار و الأمن .... و التي تزين صورته بين الخلق حتى اعتبر شخصية أسطورية خارقة مثالية ، انقلبت إلى الشر و الظلم و ايذاء الرعية و تخريب بيوت الأبرياء و تعذيب الفلاحين و نشر الرعب و الخوف بين الناس بجهازه الخطير في البصاصة و قمع المثقفين (سعيد الجهيني) والتنكيل بالمظلومين بدون قضاء ولا محاسبة . إنه رمز السلطة القمعية و الإرهاب السياسي و العنف والطغيان و الاستبداد والتضحية بالشعب من أجل خدمة السلطة والمصالح الشخصية. وقد بني المتن الروائي على سبع سرادقات و مقدمة و خاتمة. والسرادق هو المكان الذي تعقد فيه الحفلات مثل خيمة يجمع فيها الناس، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على التركيب السينمائي لهذه الرواية ، إذ يمكن توزيعها إلى سبع مناظر مشهدية أو فصول درامية إما أنها متعلقة بالمكان (كوم الجارح في السرادق السابع ) أو الشخوص (ظهور الزيني بركات في السرادق الثاني و السرادق الأول و السرادق الرابع ) أو الأحداث (انعقاد مؤتمر البصاصين في القاهرة في السرادق الخامس ...). و تتوالى السرادقات السبع على الشكل التالي: - المقدمة: لكل أول آخر و لكل بداية نهاية (12 صفحة)؛ - السرادق الأول : ما جرى لعلي بن أبي الجود و بداية ظهور الزيني بركات بن موسى (شوال 912هـ)؛ - السرادق الثاني : شروق نجم الزيني بركات ، و ثبات أمره ، وطلوع سعده ، و اتساع حظه ( 58 صفحة ) . - السرادق الثالث: و أوله: وقائع حبس علي بن أبي الجود (56 صفحة )؛ - السرادق الرابع: (بدون عنوان ) (36 صفحة )؛ - السرادق الخامس: (بدون عنوان ) ( 49 صفحة)؛ - السرادق السادس: ( كوم الجارح ) ( 7 صفحات )؛ - السرادق السابع : ( سعيد الجهيني : آه ، أعطبوني ، و هدموا حصوني ...)؛ - الخاتمة : خارج السرادقات : مقتطف أخير من مذكرات الرحالة البندقي فياسكونتي جانتي – 913 هــ ( ثلاث صفحات ). و تبلغ عدد صفحات الرواية مائتين و سبعا و ثمانين (287) صفحة من الحجم المتوسط. و يتبين لنا أن الغيطاني لم يقسم روايته إلى فصول ، بل اختار السرادقات بمثابة لوحات فنية مستقلة يمكن بسهولة تقطيعها و تركيبها في مونتاج روائي يخلخل السرد ويكسر خطية الزمن واستمراريته الرتيبة لخلق أفق جديد لقارئ الرواية. و قد أخذ الغيطاني طريقة تقسيم المتن إلى السرادقات من ابن إياس الذي وزع كتابه تاريخ مصر المشهور بـــاسم"بدائع الزهور في عجائب الدهور" حسب السرادقات . أما لماذا اختار الغيطاني ابن إياس دون غيره من المؤرخين لمحاكاته و التخييل من خلال ما كتبه؟ فيرجع ذلك إلى سببين ، الأول : إن ابن إياس كان يتمتع باستقلال الرأي نظرا لأنه ميسور الحال، كما أنه لم يتقلد وظيفة من وظائف السلطنة ، كما أنه كان ينحدر من أصل جركسي ما سهل له الاتصال برجال الدولة و كبرائها.2 و الثاني : أن ابن إياس " ينفرد عن غيره من مؤرخي ذلك العصر في أنه عاش عصرين وشهد أحداث جيلين : أواخر العصر المملوكي و مستهل العصر العثماني . و كان شاهد عيان لما وقع فيهما من أحداث، و تمتد الفترة التي أرخ وقائعها من سنة 872 م /1468هــ إلى سنة 928م/1522هــ "3. إذاً، فقد اختار الغيطاني كتاب ابن إياس للتفاعل معه حوارا ومساءلة قصد بناء تاريخ حقيقي لفهم الحاضر و ذلك بالسفر إلى قلب الزمن المملوكي لتصوير المجتمع و الإنسان و التاريخ في علاقة بالسلطة لمعرفة أوجه التشابه و الاختلاف بين الماضي والحاضر . ومن هنا، يسقط المبدع الماضي على الحاضر و يقرأ الماضي بالحاضر و العكس صحيح أيضا ما دامت هناك جدلية الأزمنة و تقاطعها وظيفيا و فنيا. و يستعير جمال الغيطاني من ابن إياس المادة التاريخية المتعلقة بالهزيمة و معركة مرج دابق كما يأخذ منه البنية السردية التراثية لغة و بناء و تركيبا و تفضية و تزامنا . و يقوم التفاعل بين النصين : النص الأصلي ( كتاب ابن إياس حول تاريخ الديار المصرية )، و النص الفرعي ( الزيني بركات لجمال الغيطاني ) على المحاكاة الساخرة والباروديا والتهجين و التناص و الحوارية و المفارقة والمعارضة و السخرية و التحويل و التشرب الإيديولوجي من خلال استعارة التركيب و الصيغ المسكوكة للبنية السردية التراثية . و هو بذلك لا يعيد كتابة تاريخ مصر المملوكية بل يسائل هذا التاريخ و يبين فجواته و ثغراته و يقرأ لا شعور السلطة و خلفيات الاستبداد و يفترض الأسئلة و الأجوبة من خلال منطق الافتراض و التصور و التقدير على الرغم من حقيقة الأحداث و الشخصيات التاريخية و دقة صحة المعلومات الواردة في متن الرواية. و يختلف هذا النمط من الكتابة عن الرواية التاريخية المعروفة كما تقول سيزا قاسم في أن هذا النص : " يقيم موازاة نصية من خلال المعارضة الشكلية اللغوية للنص التاريخي، فجمال الغيطاني يحاكي قول ابن إياس التاريخي ، أي إنه لا يلجأ إلى استخدام " محتوى" تاريخي يصوغه في لغة عصره ، بل ينتقل بنصه الخاص إلى الحقبة التاريخية السالفة"4 . و ترى سامية أحمد أن"الزيني بركات رواية – لا رواية تاريخية – (....) تتناول أحداثا وقعت في عهد السلطان قنصوه الغوري ". 5 هذا، و يصرح الغيطاني في شهاداته أنه لم يكتب " زيني بركات" كرواية تاريخية ، و هي لم تعتبر كذلك رواية تاريخية " في كل اللغات التي ترجمت إليها هذه الرواية سواء في الروسية أم الفرنسية أم الانگليزية، لم يعاملها أحد على أنها رواية تاريخية ، إنما عوملت على أساس أنها رواية ضد القمع و ضد قمع الإنسان في أي زمان و مكان "6. و من ثم ، فرواية ( الزيني بركات ) رواية التخييل التاريخي تستعير التاريخ مادة و صياغة لتحويله إلى أسئلة و أجوبة باستقراء العلاقة الموجودة بين المتسلط والمحكوم من النواحي النفسية و الاجتماعية و الإنسانية و افتراض مجموعة من العلاقات خاصة ما يتعلق بالجوانب الجنسية و الشذوذ و الحب و الإجرام وزيف الدين ، و فهم النواحي الخفية عند السلاطين والأمراء والمستبدين و نقط ضعفهم إلى غير ذلك من الأمور التي لا تذكر في التاريخ الرسمي ، و يركز عليها التاريخ الشعبي والمجتمعي على حد سواء . استنتاج تركيبي: و عليه ، فرواية "الزيني بركات" لجمال الغيطاني رواية تراثية تندرج ضمن التخييل التاريخي، وتتخذ من زمن المماليك قناعا رمزيا لإدانة حاضر الستينيات في مصر . و هي – بالتالي- رواية طليعية و جديدة لبنيتها السردية التراثية التي تقوم على خلخلة البناء المنطقي والزمني للأحداث و اللجوء إلى تعدد الرواة و الرؤى السردية والإثراء اللغوي الأسلوبي لخلق رواية بوليفونية ، وتوظيف الوثائق و الخطابات السردية و عتاقة الأسلوب التراثي لخلق حداثة سردية و صوت فني متميز . ويبدو لنا أن الغيطاني لم يكتب رواية تاريخية حرفية أو موثقة من أجل التوثيق الموضوعي، بل استحضر التاريخ ليسائله و يحاوره ويبرز نقط ضعفه و يحدد الأسباب و يشخص المظاهر ليصل إلى النتائج بطريقة جمالية و فنية رائعة |
رد: أفضل مئة رواية عربية - سر الروعة فيها
جمال أحمد الغيطاني علي
صدر أول كتاب له عام 1969، "أوراق شاب عاش منذ ألف عام" صدر متضمنا لخمس قصصقصيرة كتبت كلها بعد هزيمة الجيش المصري في سيناء عام 1967. لاقى الكتاب ترحيباواسعا من القراء والنقاد. |
رد: أفضل مئة رواية عربية - سر الروعة فيها
أمنيتيالمستحيلة أن أمنح فرصة أخري للعيش أن أولد من جديد لكن في ظروف مغايرة أجئ مزوداًبتلك المعارف التي اكتسبتها من وجودي الأول الموشك علي النفاد . كلمات بسيطة تعكسمضمونا عميقا كتبه روائي تفرعت جذوره الأدبية من أعماق التربة المصرية وقسمات وجههتعلن وحدها عن مصريته أنه الروائي والأديب الكبير جمال أحمد الغيطاني الذي تماعتقاله عام 1962 بتهمة الانتماء لتنظيم ماركسي سري وأمضي ستة أشهر في المعتقل تعرضخلالها للتعذيب والحبس الانفرادي . وكان الغيطاني قد عمل كمحرر عسكري لجريدة الأخبارحتي عام 1976 شهد خلالها حرب الاستنزاف 1969 ثم حرب أكتوبر 1973 . ومنذ عام 1985 أصبحمحررا أدبيا لجريدة الأخبار ثم رئيسا لتحرير كتاب اليوم ثم رئيسا لتحرير أخبارالأدب مع صدورها في 1993 وقد التقته الغد فكان لنا معه هذا الحوار. الغد - محمد بهلول Gamal el-Ghitani, (Arabic: جمال الغيطانى, IPA (born May 9, 1945) is an Egyptian author of historical and political novels and cultural and political commentaries and was the editor-in-chief of the literary periodical Akhbar Al-Adab ("Cultural News")till 2011. Biography Gamal El-Ghitani was born to a poor family in the town of Guhayna, Sohag Governorate in Upper Egypt and moved with his family to Cairo as a child. He began writing at a young age and had his first short story published when he was only 14. He was originally trained to be a carpet designer and received his diploma in 1962. He continued to write on the side and was imprisoned from October 1966 through March 1967 for his critical commentary on the regime of Gamal Abd el-Nasser. In 1969 he switched careers and became a journalist for the Egyptian newspaper Akhbar El Yom ("The Day's News |
رد: أفضل مئة رواية عربية - سر الروعة فيها
مقابلة مع الكاتب جمال الغطاني يلقي فيها الضوء على كثير من جوانب حياته وطفولته: روافد 27/04/2007 مقدم البرنامج: أحمد علي الزين ضيف الحلقة: جمال الغيطاني نص الحلقة أحمد علي الزين: عندما تقرأ كاتباً روائياً لا تعرفه ترسم له صورةً ما، أو تتماهى صورته مع ملامح أبطال رواياته حتى تنسى المؤلف أحياناً وتصبح صورة البطل صورةً له أو شيئاً منها، "زيني بركات" أول رواية قرأتها لجمال الغيطاني صادرةً عن مطبعة وزارة الثقافة في دمشق عام 1974 تتحدث عن حقبة مملوكية في ظاهرها ورواية في كل حال هي حياة وتاريخ وأحداث وناس، بدا الكاتب لي حينها رحالةً أو مؤرخاً أو وثّاقاً لم أعثر على ملامحه تماماً، وكرّت الأيام كتب جمال الغيطاني خلالها ما يقارب الـ 50 عملاً كنت أرى صورته غائمةً تتوضح في جريدةٍ أحياناً أو مجلة أو كتاب على شاشةٍ أو في حوارٍ ما في أسفارٍ أو نثر أو مقالٍ أو شطحات خيال، ومرّ أكثر من 30 عاماً لم ألتقِ به سوى في الكتب يصف: الأمكنة، الحارات، المقاهي، الشوارع، الأبنية، يعيد بناء الصورة ويؤلف بشراً وأمكنةً ومصائر. تظنه هو معمارياً لو قرأت "شطح المدينة" أو "المسافر خانة" وفي كتابٍ ثانٍ متصوفاً وفي كتابٍ آخر تشكيلياً. يبدو هو البلديٌّ الصعيدي المنبت مزيج من شغف وحنين ورغبات وحارات جمالية في الحسين وصندوق كتب جده.. أشياءٌ حولته إلى متأمل ونثّار نثر عمره في تجارب عديدة، وصرف جلّه في الكتاب حتى تظن إن دخلت بيته أنك في مكتبةٍ عامة شديدة الأناقة وعالية القيمة والنوع والتنوّع تحتوي على نفائس الأعمال، هي خلاصة حياته بما ضمته، خصّص جانباً منها لمؤلفاته الكثيرة، فهذا هو جمال الغيطاني متعددٌ في الكتابة والحكايات. طيب جمال الغيطاني أكثر من 50 مؤلفاً وكتاباً بين رواية وأشياء أخرى. وأكثر تقريباً من 62 سنة - العمر كله طبعاً - عمّ كنت تبحث في هذه الرحلة من الحياة؟ يعني كنت تؤلف أمكنة وناس وأحداث وأمزجة وتتعامل معها ثم تذهب إلى مرآتك خاصة، عمّ كنت تبحث؟ عمّ.. يعني على شو عثرت إذا كنت عثرت على شيء؟ جمال الغيطاني: والله يعني أنت سؤالك بينفذ إلى الصميم، أنا أذكر في أثناء شبابي أو في فتوتي عندما كنت أعدّ حقيبة للسفر فكان الإحساس فيه توثب أنه أنك سترى شيئاً مجهولاً لم تره من قبل، وكان الرصيد أقصد رصيد الوقت أكثر فكان الإنسان بيتطلع إلى الأمام، منذ سنوات يراودني شعور نفس هذا الشعور ولكن شعور المقبل على رحلة غامضة، لأنني أنا فوجئت الحاجات طويت بسرعة فتسألني عماذا كنت أبحث؟ ربما عن للأسف الشديد سنخرج من هذه القصة بدون أن نعرف بالضبط.. أحمد علي الزين: إلى أين؟ جمال الغيطاني: ما البداية؟ وإلى أين المصير فيما بعد؟ أحمد علي الزين: يعني الكتابة كانت نوع من العزاء أو نوع من المقارعة مع الزمن؟ جمال الغيطاني: أو الكتابة الآن أنا لا أدعي أنني كنت أعرف ذلك منذ البداية الآن لكن في الأعوام الأخيرة أيضاً أكتشف أن الكتابة كانت مجاهدة ضد النسيان، ضد المحو ضد الطيّ لأنه لا شيء يبقى، والآن في حقب كاملة أنا عشتها أنا أحياناً أنظر إلى بعض الصورالتي التقطت في لحظات حميمة فأتعرف على بعض الوجوه التي كنت أرتبط بها بعلاقات، فيه ستائر بتنزل مع الزمن الزمن يطوي ما هو الشيء الوحيد الذي توصل إليه الإنسان لكي يحتفظ باللحظة التي تفنى هي الكتابة، الفوتوغرافيا هي نوع من الكتابة طبعاً الانشغال بالزمن بيقود إلى الانشغال بأمور أخرى منها قضية الموت ده عرض من أعراض الزمن يعني.. وأنا أعني الموت الطبيعي أو الموت.. لكن الكتابة هنا قيمتها تبرز أنها تسجّل مضمون اللحظة التي تفنى وبالتالي هي فعل مقاومة ضد النسيان.. أحمد علي الزين: يعني طالما هيك تحدتت عن الموت وعن.. ربما هالسؤال هذا يجرني لأسأل سؤال آخر يمكن نهرب من الوجود إلى السياسة اليومية يعني عن الموت العربي اليومي هذا الموت هذا القتل يعني هذا السبي والتخلف والعودة إلى الكهوف كهوف الفكر المظلمة، شو سببه هذا بتقديرك؟ ما الذي يحدث؟ ما الذي يحدث لهذا العالم؟ يعني إلى أين يذهب؟ عالمنا العربي تحديداً؟ جمال الغيطاني: يعني أنا لا أميل إلى منطق الضحية، ولكن قبل أن نفكر في مسؤولية الغير بالنسبة لما يجري يجب أنه نفحص أنفسنا أولاً، أنا أعتقد بـ"التخلف" هو مفتاح المأساة الموجود الآن في الساحة العربية، وهو السبب الذي يعطي الآخرين فرصة للتدخل، فرصة لمحاولة فرض المفاهيم أو الوجود، هناك أشياء لا بد من فحصها لا بد من مراجعتها.. أحمد علي الزين: وهي قائمة بثقافتنا وفي تراثنا؟ جمال الغيطاني: موجودة بثقافتنا، والآن أنا يعني أشاهد بعض الفضائيات هذا شيء مذهل في التخلف وفي.. يعني ولن يقبلك العالم بهذا المنطق، ولذلك نحن في حاجة إلى مجددين شجعان يدخلون بنا إلى صميم العصر، وإلا سيكون المصير مخيفاً. أحمد علي الزين: يبدو ما عشنا كما ينبغي عصر تنوير أو هيك فترة ثانية.. جمال الغيطاني: لا والله كان كان في.. أحمد علي الزين: كانت محاولة وانتهت مع بداية القرن يعني. جمال الغيطاني: أنا تصوري المشكلة في الأنظمة الدكتاتورية التي فرضت نوعاً من التخلف وفي صميم البنية.. أحمد علي الزين: صحيح. على سيرة الأنظمة أنت عايشت كذا مرحلة يعني ربما ولادتك بدأت مع العصر الملكي إلى حد ما عايشتها ثم مع الناصرية ثم مع تجربة السادات وحتى الآن، يعني عقدت شي مرة هيك بهالرحلة أملاً على تجربة ما.. جمال الغيطاني: طبعاً. على تجربة عبد الناصر رغم أنني كنت.. أحمد علي الزين: سجنت في أيامه؟ جمال الغيطاني: أنا اعتقلت لكن كان الاعتقال على أرضية مختلفة بمعنى كان عبد الناصر يقول أنه أنا أبني الإشتراكية وكنت أرى أنها أن ما يجري ليس بناءً للإشتراكية وكنت يعني مؤمن أن الإشتراكية هي الإشتراكية العلمية يعني بالمفهوم.. أحمد علي الزين: الماركسي. جمال الغيطاني: الماركسي، طبعاً كان ممنوعاً أي تنظيم طبقاً للقانون في ذلك الوقت فاعتقلنا في عام 1966، وهذه مرحلة لم يُكشف عنها النقاب بعد، لأنه كان فيه ظروف سياسية كثيرة في مصر كان في الحزب الشيوعي الكبير حلّ نفسه في سنة 1964 راضياً مرضياً ودخل في طاعة الاتحاد الإشتراكي، ونحن كشباب كنا نرفض ذلك.. أحمد علي الزين: كنتم في أقصى اليسار. جمال الغيطاني: نحن كنا نحلم بتغيير العالم يا سيدي، يظهر أن العالم هو اللي غيرنا (ضاحكاً). أحمد علي الزين (يضحك): نعم.. جمال الغيطاني: ولذلك كانت فترة مليئة بالطموحات والآمال."عندما كنت أرى متسولاً كنت أبكي، ربما هذا دفعني إلى اعتناق الإشتراكية والذهاب للبحث عن حلول في الماركسية مثلاً كنت أبحث عن العدالة، البكاء شكل من أشكال الاحتجاج". جمال الغيطاني: وأنا طفل كان عندي سبع سنوات كنت أقرأ أرسين لوبين وأحلم بأن آخذ من الأغنياء وأعطي للفقراء أصبح لصاً شريفاً، اللص الشريف أصبح إشتراكياً ماركسياً، ثم يعني فكرة العدالة الاجتماعية جمال عبد الناصر أنا بدأت التعلق به بعد رحيله، فقد أصبح.. |
رد: أفضل مئة رواية عربية - سر الروعة فيها
تابع : مقابلة الكاتب الكبير جمال الغيطاني
أحمد علي الزين: بكي كثير من اليساريين والمثقفين.. جمال الغيطاني: ولكن خذ بال حضرتك أن جمال عبد الناصر لم يكن يكتمل العيد إلا برؤيته، هو كان يفضل صلاة العيد في سيدنا الحسين، فكنا نخرج لكي نقابله ونراه فجمال عبد الناصر لن يتكرر، وهو بالمناسبة أحد مآسي العالم العربي، أقول لك إزاي لأنه بعد رحيله تصور حكّام بعض الأقطار العربية وحتى الآن أنه يمكن أن يصبح جمال عبد الناصر، ونسوا أن عبد الناصر هو محصلة تاريخ زائد جغرافيا، يعني لو وجد عبد الناصر نفسه في العراق لم يكن سيصبح هو عبد الناصر الذي عرفته مصر، هذا الآن أصبح تاريخاً بعيداً ولذلك تجربة جيلي تجربة عنيفة، يعني نحن انتقلنا.. أحمد علي الزين: فيها مرارة وفيها أحلام وكذا.. هي مرحلة كلها كانت حاملة الكثير من الأحلام.. جمال الغيطاني: بالزبط ثم جاء أنور السادات فمع عبد الناصر أنت كنت تختلف على نفس الأرضية، وخلاف مع فتوة فتوة عادل كبير وجميل لكن مع أنور السادات أنا مرت عليّ أيام في حكم أنور السادات كانت أسوأ من أيام المعتقل أيام عبد الناصر. أحمد علي الزين: أديش بت في المعتقل مش كثير. جمال الغيطاني: فترة قصيرة حوالي ست شهور. أحمد علي الزين: كانت تجربة.. جمال الغيطاني: نعم. أحمد علي الزين: شو بتذكر من تلك المرحلة يعني؟ جمال الغيطاني: أنا ما أذكره طبعاً كان فيه يعني لا أريد أن أتحدث عن.. طبعاً كان فيه تحقيق والتحقيقات كان فيها نوع من الضغوط.. أحمد علي الزين: الجسدية.. جمال الغيطاني: الجسدية العنيفة، لكن اكتشفت أن الضغط النفسي أبشع.. أحمد علي الزين: أشد وطأةً. جمال الغيطاني: يعني أن تسمع شخصاً يتألم بسبب التعذيب أكثر فداحةً بكثير جداً عندما يبدأ تعذيبك أنت ينتهي كل شيء، لأنه ماذا سيحدث أكثر من ذلك؟ فانتهت القصة، ولذلك كنت أحياناً بعد أن.. هو كان المطلوب أن أعترف أنه في تنظيم وكان الموقف هو عدم.. وحتى الآن لم نعترف، طبعاً مش حأعترف معاك. أحمد علي الزين: "الكتابة هي جوهر حياتي اكتشفتها في نفسي كالغريزة علماً أن ظروف النشأة ما كانت لتنتج كاتباً على الإطلاق، وأستطيع القول أن لحظة البداية كانت عام 1959 عندما وجدت نفسي راغباً في تدوين قصةٍ سمعتها من والدي، كان جمال الغيطاني مفتوناً بالكتاب ولم يزل مفتوناً بالكتاب وبالكلمة يقرأ كل ما يقع بين يديه تقريباً وينسخ الكتب، كان نسّاخاً ينسخ الكتب التي لا يستطيع شرائها، يقرأ الترجمات وما تيسر من كتب التراث في صندوق جده، وشغفه هذا أدّى به في نهاية المطاف إلى دار الكتب حيث كان الكتاب باباً يفضي إلى باب آخر أو سؤال آخر بدأ يبحث عن إجابات له في مرآته الخاصة".....طيب خلينا نرجع شوي للكتابة أو لحي الحسين للمنطقة التي ولدت فيها ونشأت يعني كيف حبوت إلى السرد إلى الكتابة، يعني شو اللي خلاك تصير كاتب؟ جمال الغيطاني: مش عارف (يضحك)، يعني أنا طبعاً الأمور بدأت تلقائياً، بمعنى أنني كنت طفلاً أميل للانطواء، خياله واسع كنت أعود من المدرسة وأحكي لأمي عن أشياء لم تقع، بمعنى يعني مثلاً.. أحمد علي الزين: تؤلف كنت.. جمال الغيطاني: وهي كانت تقوم بعمل البيت أو تغسل الغسيل أجلس بجوارها وأؤلف لها حكايات عن سرداب انفتح فجأة فنزلت ووجدت مدينة تحت الأرض، فهي كانت تبدي.. أحمد علي الزين: بدأ معك الشطح من آنذاك يعني الشطح بالمدينة. جمال الغيطاني: فبدأ هي كانت تبدي يعني توافقني وتسألني طيب هة وبعدين (تعبير عن انشداه)، وكانت تأخذني إلى قد عقلي أو كانت تجاريني وتسلي نفسها.. أحمد علي الزين: كانت القارئة الأولى لك.. جمال الغيطاني: هي القارئ الأول وهي المساعد الأول لأنه الوالد كان مصراً أن يعلمنا حتى النهاية، فكان رؤية رواية في يدي تزعجه، فهي كانت تتستر عليّ بالمدد المادي والمعنوي لأنها كانت تحب أن أفعل ما يسعدني، فاختلاق الحكايات اللي هو الكذب الأبيض ثم بدأ انفتح لي الباب عندما تعلمت القراءة لما دخلت المدرسة، أنا كنت أتمثل القراءة يعني ده العصر الذهبي للقراءة، يعني أضرب لك مثالاً عندما قرأت: "أحدب نوتردام" مشيت ثلاث أيام محدودب.. أحمد علي الزين: مثلت دور البطل. جمال الغيطاني: أنا ماشي أنا أحدب.. ومثلاً كان في رواية اسمها: "الفرسان الثلاثة" لإسكندر ديماس وكان فيه تقليد المبارزة فيقول لك إيه يلقي القفاز في وجهه ويدعوه للمبارزة ويقول له: إحضر شاهدك، فكنت عندما أتشاجر مع زميل لي في المدرسة أقول له: أنا أقلت قفازي وجهك، أقسم لك ما كنت أعرف يعني إيه قفاز لأنه مكونتي ده كنا بنشوفه في السينما بس. أحمد علي الزين: طبعاً.[فاصل إعلاني] أحمد علي الزين: ولدت في جهينة بسهاج محفوفاً بنخيل الصعيد وظلاله وشموخه وأصالته، لكنني نموت وشببت في الخلاء القاهري ومنه أستمد أقدم صور لي، أقامت أسرتي في المنزل رقم واحد في عطفة متفرعة من درب الطبلاوي بيتٌ ربما بُني في القرن التاسع عشر مكوّن من 5 طوابق وهذا ارتفاع له شأن في الأربعينات عندما بدأ وعيي يلتقي أول مظاهر الوجود، كان الأفق القاهري رحيماً بالنظر: خلاء ممتد وتاريخ واضح الأهرام في الغرب ومآذن السلطان حسن والرفاعي ومحمد علي والمحمودي ومإذنة سيدنا ومولانا الحسين كلها تشمخ في الجنوب والمقطم الذي لم نعرف جبلاً أكثر من ارتفاعه يحد المدينة من الشرق، كنت أشبّ على قدمي لأتطلع إلى الأفق الفسيح وأصلح البيوت المجاورة والمعالم، ولو أنني اخترت من حياتي لحيظات حانية لكان أولها لحظات العصاني في المدينة القديمة، ومن العبارات التي تتردد كثيراً في ذاكرتي منذ الطفولة: "عايزة أشم الهوا يا سلام على نسمة العصاري". أحمد علي الزين : أنت بلشت حياتك المهنية أو العملية مصمماً للسجاد صح؟ جمال الغيطاني: أنا لم أختر، يعني أنا بعد حصولي إتمامي لمرحلة الشهادة الإعدادية الوالد كان مصراً أن أواصل تعليمي حتى الشهادة الكبيرة كما نسميها، يعني الدكتوراه في الجامعة، لكنني شعرت أنه قد بدأ ينهك مالياً فقررت أن أختصر المسافة وأحقق رغبته وأتخرج في فترة مبكرة لكي أساعده، هكذا دخلت يعني اخترت التعليم الفني، ولكن هذا تم بشرط جعلني أقسم على المصحف أن أتم تعليمي.. أحمد علي الزين: لاحقاً. جمال الغيطاني: لاحقاً، وفعلاً أنا دخلت.. أنا تخرجت عام 1962 وكان سني صغيراً جداً بالنسبة للتوظف فيعني حصلت على الثانوية العامة وقبلت في كلية الفنون التطبيقية لكن اكتشفت أنني أنا أكوّن نفسي بنفسي عن طريق القراءة والاطلاع والتكوين.. أحمد علي الزين: عمرت نفسك يعني؟ جمال الغيطاني: لم أوفِ بوعدي لأني كنت انطلقت في عالم التكوين الحرّ وطبعاً دراستي للسجاد أفادتني جداً، فهذا فن فيه فلسفة وفيه يعني أنا عندي مشروع كبير بيخص هذا الفن بالتحديد، أنا أعيد اكتشاف السجاد الآن، ليس كحرفة فقط ولكن كفن له رمزياته وله فلسفته. أحمد علي الزين: جميل. طيب إلى الصحافة ربما أنت تقول أنه كان محمود أمين العالم هو سبب قدومك يمكن إلى أخبار اليوم. جمال الغيطاني: نعم. أحمد علي الزين: نتيجة قراءته لك أول كتاب نشرته يمكن بعد.. جمال الغيطاني: بعد صدور أول كتاب: "أوراق شاب عاش منذ ألف عام" صدر في بداية عام 1969 وقد طبعته بنقودي ونقود صديق العمر يوسف القعيد، والكتاب أحدث ضجة كبيرة جداً، في ذلك الوقت كانت الحياة الثقافية في مصر منظومة لها مقاييس، بمعنى يعني عندما صدر مثلاً أول كتاب ليوسف إدريس: "أرخص ليالي" عُمّد كاتباً كبيراً، بمن؟ بعدد من النقاد كانت لهم مصداقية كبيرة، فعندما يكتب "لويس عوض" عن كاتب بشكل إيجابي أو "لطيفة الزيات" أو "علي الراعي" أو "محمود أمين العالم" في ذلك الوقت فهذا ما نفتقده الآن، الكتاب أحدث ضجة كبيرة جداً بالإضافة أن الكتاب كان يتضمن نوعاً من الرد الروحي على هزيمة يونيو 1967 يعني ليس صدفةً أنه "أمل دنقل" كتب: "البكاء بين يدي زرقاء اليمامة" في نفس العام صدر: "أوراق شاب" في نفس العام اتجه الأبنودي إلى قناة السويس ليكتب: "وجوه على الشط"، الرد الروحي عالهزيمة نحن الذين قمنا به قبل المعركة العسكرية الكبيرة في حرب الاستنزاف، كتب الأستاذ محمود أمين العالم مقالاً عن كتابي وهو الذي أول من أطلق على ما قمت به: "القصة التاريخ" قلب النص أن جمال الغيطاني اكتشف شكلاً جديداً من أشكال القصة، طبعاً أنا قرأت المقال ويعني أنا في هذا الوقت كنت أدرب لكن صدقني لم أكن.. أنا كنت منقاداً لصوتي الخاص لكن عندما قرأته هل من معقول أنا اكتشفت شكل، طبعاً.. أحمد علي الزين: فأتيت إلى الأخبار. جمال الغيطاني: أنا ذهبت لم أكن أعرفه، فذهبت إليه لأشكره فعرض عليّ العمل في أخبار اليوم، وهكذا دخلت الصحافة في عام 1969. أحمد علي الزين: منذ حوالي 15 عاماً يعمل جمال الغيطاني في هذا المكان رئيساً لتحرير أخبار الأدب جريدة أدبية أسبوعية، ولكنه منذ عام 1969 بدأ حياته الصحفية بدأها مراسلاً حربياً في الجبهة، وكان آنذاك قد نشر أول تجربة له قصصية بعنوان: "أوراق شاب عاش منذ ألف عام" لفتت هذه المجموعة انتباه المفكر "محمود أمين العالم" فتناولها في مقالةٍ نقدية كانت فاتحةً لتجربةٍ أصبح عمرها ما يقارب الأربعين سنةً في عالم الصحافة والكتابة الإبداعية.طيب أستاذ جمال هيك من جملة التجارب المثيرة يمكن اللي اشتغلتها بحياتك هو بدأت حياتك الصحفية مراسل حربي بمعنى أنه فوراً إلى الجبهة، وقضيت سنوات طوال من الـ 1969 حتى الـ 1973 يمكن أو أكثر شوي.. جمال الغيطاني: لغاية الـ 1974. أحمد علي الزين: طبعاً كنت تشهد.. يعني جاورت الموت إذا صح التعبير، جاورت الموت كان جارك الموت يومياً، ماذا يعني لك أن يعني هيك تشوف زميل لك أو جندي يسقط بالقرب منك؟ جمال الغيطاني: يعني أنا أعيش بالصدفة، مرة في مقهى في السويس كان مدينة السويس كلها كان فيها مقهى واحد هو بعد التهجير، فأنا جاء لي سكن بجواري جندي مطافي ولم يكن هناك حالة اشتباك، لكن سمي بعض القذائف من قرب، ففجأة وجدت الجندي بيميل وبينهار مرة وحدة على الأرض، فأنا استغربت يعني وبدأت مع زميلي مكرم جاد الكريم اللي هو يعتبر أشجع مصوّر صحفي في هو الذي التقط صورة المنصة يوم اغتيال الرئيس السادات، فبدأنا نقلبه ما فيش ثم وجدنا خيطاً رفيعاً من الدم خلف الأذن، شظية طايرة من بعيد تخيل لو غيرت المكان يعني هذا حدث كثيراً فهنا أنت ذكرت الموت، الموت في الجبهة مواجهته مرة يشجع على مواجهته في المرات التالية، وهذا ما يسمونه في العسكرية التطعيم يعني في البداية الواحد بيبقى خائف، وبعدين بواجه الموت فبيحصل إحساس غريب جداً عندي: الله ده أنا كان المفروض أموت يوم الأربعاء اللي فات الساعة واحدة في غارة الطيران ده أنا عايش وقت إضافي فده بيخليني أشجع على مواجهة.. يعني أنت عارف الواحد زي ما يقولوا قلبه بموت شوي بشوي، طبعاً هذا موت قادم من الخارج، لكن في فرق بين الموت الذي يأتي من الخارج والموت الذي يأتي من الداخل. |
رد: أفضل مئة رواية عربية - سر الروعة فيها
تابع : مقابلة الكاتب الغزير جمال الغيطاني
أحمد علي الزين: الكتابة فعل ضد النسيان أو محاولة على الأقل لتأبيد اللحظة أو تخليص الحياة من الإندثار من الإندثار الكلي، ولعل الصورة لاحقاً لبّت بشكل أدق هذه الرغبة، والحياة شريط طويل من الصور وكتاب يخطه الزمان، ونساهم به على قدر استطاعتنا. أول صورة تطالع الداخل إلى مكتب جمال الغيطاني صورة لنجيب محفوط التقطها الغيطاني بعدسته هاوياً. جمال الغيطاني: أنا استمرت فترة غير مصدق، أنا كنت يعني أنا حملت نعشه وظلت بصحبته حتى وري الثرى، لكن كان عندي إحساس أنه اللي في الصندوق مش هو نجيب محفوظ، لأن نجيب محفوظ جزء من كياني أنا، يعني كان في محبة إنسانية غير الصلة ككاتب، وهو من الكتّاب الذين تعلمت منهم بالفعل، يعني العلاقة بالكتابة العلاقة بالوقت وبعدين الصحبة، أنا يعني مثلاً لقاء الثلاثاء ده كان لا يمنعني عنه إلا مرض أو سفر، فظللت فترة لعدة شهور في الفترة الأخيرة بدأت أتأكد أن نجيب محفوظ لم يعد في هذا العالم.. أحمد علي الزين: على أساس هو راح مشوار وبده يرجع وما رجع.. جمال الغيطاني: بالزبط، وأنك لن تلتقي به فجأة في تلك الفترة كنت يخيل رغم أنه لم يكن يمشي في الشارع من عام 94.. أحمد علي الزين: بس كان ظلاله أو طيفه بالمقهى.. جمال الغيطاني: دا صحيح، الأستاذ نجيب قدر لي أن أكون آخر من يراه لترتيب في الظروف ليس لميزة، ويخيل إلي أنه ظل يكتب حتى توقف عن الحياة. أحمد علي الزين: يبدو في مكان حميم على قلبك هو المقهى مقهى الفيشاوي بعدك ترتاد هذا المقهى بشكل رسمي أو بشكل دايم مثل ما كنت ترتاده بالسابق؟ أم أن حلقة الأصدقاء تفرفطت.. جمال الغيطاني: شوف حضرتك القاهرة القديمة تكون يعني المحصورة ما بين باب النصر وصولاً إلى ميدان القلعة، أنا أحفظها ليس شبراً شبراً ولكن حجراً حجراً، وكما رأيت أنا اعتبر يعني فيه علاقة حميمة جداً مع الناس ومع المكان، هذا المكان أنا عشت فيه ثلاثين سنة، نصف عمري قُضي هناك والنصف الآخر أنا لم أعش فيه فقط لكن عشت رأسياً وأفقياً، جزء من بحثي أو همي الأساسي في الكتابة ألا هو تحقيق الخصوصية علاقتي بالجمالية، فطبعاً دي منظومة من المشاعر ومن العمر لها علاقة بقضية الزمن، الزمن كثيف في هذه المنطقة نتيجة القدم ونتيجة عدد ضخم من المباني والفنون مرتبطة بالعصور السابقة. أحمد علي الزين: على مستوى التجليات التي كتبتها.. طيب بتقديرك الواحد مع تراكم التجربة وتراكم العمر يعني بيصير ميال أكثر للتأمل والحكمة.. جمال الغيطاني: أكيد طبعاً.. أحمد علي الزين: وأنت هلأ على كل حال بمعظم أعمالك فيه منسوب من التأمل هيك.. الكتابة نوع من التأمل لكن عندك الدوز شوي عالي؟ جمال الغيطاني: شوف أستاذ أحمد لما بدأت الكتابة، أنت طبعاً تكتب في ظل أشكال معينة يحددها النقد تحددها المدارس الفنية المختلفة، أنا لم أكن أشعر براحة، يعني على سبيل المثال كانوا من ضمن قوانين الرواية يُشترط أن يختفي المؤلف طيب أختفي إزاي وأنا اللي كتبت! يعني كيف.. لم أكن مقتنعاً بذلك، وعندما كنت أقرأ كتاباً مثل الحيوان للجاحظ أجده يوقف السرد في لحظة معينة ويورد شعراً أو يفتح هامش أو يذكر حكاية قديمة، لماذا لا أستمتع أنا بهذه الحرية؟ هذا ما بدأت يعني كانت الانطلاقة في الزيني بركات تأكدت أكثر في كتاب التجليات الآن لا يعنيني أي قانون مسبّق، العمل يولد قانونه معه، فأحياناً.. أحمد علي الزين: من الصعب أن توجز حياة وتجارب الناس بسطور، فكيف إذا كانت حياة هؤلاء متقاطعة مع أحداث ومراحل دراماتيكية وشاهدة على تجارب غيرت في الرؤى والمفاهيم والمسارات، لعلنا مع جمال الغيطاني أضأنا بعض نواحي في مسار عمره وتجربته. |
رد: أفضل مئة رواية عربية - سر الروعة فيها
ابرز عناصر التأثير في حياة الكاتب الفذ غزير الانتاج جمال أحمد الغيطاني
-صدر أول كتاب له عام 1969، "أوراق شاب عاش منذ ألف عام" صدر متضمنا لخمس قصصقصيرة كتبت كلها بعد هزيمة الجيش المصري في سيناء عام 1967. لاقى الكتاب ترحيباواسعا من القراء والنقاد. - أمنيتيالمستحيلة أن أمنح فرصة أخري للعيش أن أولد من جديد لكن في ظروف مغايرة أجئ مزوداًبتلك المعارف التي اكتسبتها من وجودي الأول الموشك علي النفاد . - في رده على سؤال عما كنت تبحث في رحلت حياتك؟ اجاب الغيطاني: ربما عن للأسف الشديد سنخرج من هذه القصة بدون أن نعرف بالضبط - وفي رده على سؤال ان كانت الكتابة نوع من العزاء؟ اجاب الغيطاني : أو الكتابة الآن أنا لا أدعي أنني كنت أعرف ذلك منذ البداية الآن لكن في الأعوام الأخيرة أيضاً أكتشف أن الكتابة كانت مجاهدة ضد النسيان، ضد المحو ضد الطيّ لأنه لا شيء يبقى. - ويقول "الانشغال بالزمن بيقود إلى الانشغال بأمور أخرى منها قضية الموت ده عرض من أعراض الزمن يعني.. وأنا أعني الموت الطبيعي أو الموت.. لكن الكتابة هنا قيمتها تبرز أنها تسجّل مضمون اللحظة التي تفنى وبالتالي هي فعل مقاومة ضد النسيان..". - ويقول : عندما كنت أرى متسولاً كنت أبكي، ربما هذا دفعني إلى اعتناق الإشتراكية والذهاب للبحث عن حلول في الماركسية مثلاً كنت أبحث عن العدالة، البكاء شكل من أشكال الاحتجاج -ويقول : وأنا طفل كان عندي سبع سنوات كنت أقرأ أرسين لوبين وأحلم بأن آخذ من الأغنياء وأعطي للفقراء أصبح لصاً شريفاً، اللص الشريف أصبح إشتراكياً ماركسياً، ثم يعني فكرة العدالة الاجتماعية ..............جمال عبد الناصر أنا بدأت التعلق به بعد رحيله، فقد أصبح.. - يقول ايضا: مرت عليّ أيام في حكم أنور السادات كانت أسوأ من أيام المعتقل أيام عبد الناصر. يقول : أن تسمع شخصاً يتألم بسبب التعذيب أكثر فداحةً بكثير جداً عندما يبدأ تعذيبك أنت ينتهي كل شيء. -يقول: أنني كنت طفلاً أميل للانطواء، خياله واسع كنت أعود من المدرسة وأحكي لأمي عن أشياء لم تقع، وهي كانت تقوم بعمل البيت أو تغسل الغسيل أجلس بجوارها وأؤلف لها حكايات عن سرداب انفتح فجأة فنزلت ووجدت مدينة تحت الأرض، فهي كانت تبدي.. - يقول : بعد حصولي إتمامي لمرحلة الشهادة الإعدادية الوالد كان مصراً أن أواصل تعليمي حتى الشهادة الكبيرة كما نسميها، يعني الدكتوراه في الجامعة، لكنني شعرت أنه قد بدأ ينهك مالياً فقررت أن أختصر المسافة وأحقق رغبته وأتخرج في فترة مبكرة لكي أساعده، هكذا دخلت يعني اخترت التعليم الفني، ولكن هذا تم بشرط جعلني أقسم على المصحف أن أتم تعليمي.. - اول كتاب له أحدث ضجة كبيرة جداً كونه كان يتضمن نوعاً من الرد الروحي على هزيمة يونيو 1967 - بدأ حياته الصحفية مراسل حربي بمعنى أنه ارسل فوراً إلى الجبهة، وقضى سنوات طوال من الـ 1969 حتى الـ 1974 يمكن أو أكثر شوي..وجاور الموت يوميا إذا صح التعبير ووصف سقوط زميل له على انه "يعني أنا أعيش بالصدفة يعني أنا عايش وقت إضافي ، يعني زي ما يقولوا قلبه بموت شوي بشوي، طبعاً هذا موت قادم من الخارج، لكن في فرق بين الموت الذي يأتي من الخارج والموت الذي يأتي من الداخل. - يصف أحمد علي الزين حياة جمال الغظاني بقوله "من الصعب أن توجز حياة وتجارب الناس بسطور، فكيف إذا كانت حياة هؤلاء متقاطعة مع أحداث ومراحل دراماتيكية وشاهدة على تجارب غيرت في الرؤى والمفاهيم والمسارات، لعلنا مع جمال الغيطاني أضأنا بعض نواحي في مسار عمره وتجربته". للأسف لا يعرف تفصيلا تاريخ طفولة الغيطاني لكن واضح أن أهم العوامل التي أثرت فيه هي انتقاله من الصعيد إلى القاهرة، حياة الفقر واضطراره للتعليم المهني لمساعدة الوالد، ثم ألمه لمشاهدة الفقر والظلم الاجتماعي حتى انه كان يحلم بأن يتحول الى لص يسرق من الأغنياء ليعطي الفقراء، ثم انضمامه إلى الحزب الشيوعي، ورفضه للاشتراكية الناصرية على اعتبار إنها غير كافية مما أدى إلى سجنه ، وربما أن أهم عناصر التأثير هي مجاورته للموت على الجبهة ومشاهدته للموت عن قرب....ولا شك أن كلامه بأن الموت الداخلي أعظم أثرا من الموت الذي يأتي من الخارج مؤشر إلى أن الذي صنع عبقرية الغياطني الفذة هو الموت ولكننا لا نعرف طبيعة ذلك الموت اختبره الغيطاني صغيرا وتحدث عنه بوصفه الموت الداخلي ربما بصورة غير واعية. سنعتبره مأزوم لاغراض هذه الدراسة وسبب ازمته هو السجن ومن ثم العمل بجوار الموت. |
الساعة الآن : 09:43 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.5
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd By AliMadkour