غزوة حنين دروس وعبر - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1329 - عددالزوار : 137761 )           »          شرح كتاب الحج من صحيح مسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 57 - عددالزوار : 42196 )           »          حكم من تأخر في إخراج الزكاة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          حكم من اكتشف أنه على غير وضوء في الصلاة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          المسيح ابن مريم عليه السلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 20 - عددالزوار : 5453 )           »          يا ربيعة ألا تتزوج؟! وأنتم أيها الشباب ألا تتزوجون؟! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          فضائل الحسين بن علي عليهما السلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          سودة بنت زمعة - رضي الله عنها - (صانعة البهجة في بيت النبوة) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          حجة الوداع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          التشريع للحياة وتنظيمها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 07-05-2010, 04:37 AM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,883
الدولة : Egypt
73 73 غزوة حنين دروس وعبر

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



ما أجمل أن نداوي الجراح المكلومة الغائرة بالسيرة العطرة المعطرة لرسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه،فسيرته بلسم للجراح وملاذ للخائف وحصٌن للراجي ، والعوذ عندما تدلهم المصائب والأزمات.
و هذه الأمة أمة منصورة من ربها، موعودة بالتمكين والاستخلاف في الأرض بوعد الحق الذي لا يخلف، في آيات كثيرة من القرآن، كما قال الله تعالى: ﴿وكان حقا علينا نصر المؤمنين[1]. وقال: ﴿ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين * إنهم لهم المنصورون * وإن جندنا لهم الغالبون[2]. وقال: ﴿إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد[3]. وقال: ﴿وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا[4] .
ومهما تكالب أعداؤها، وأحكموا كيدهم، وأجمعوا أمرهم؛ لإطفاء نور الحق والهدى فلن يحظوا بذلك، وهيهات وقد قال الله تعالى: ﴿يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون * هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون[5] .
وقد بشرّنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن هذا الدين سينتشر في أنحاء الأرض قاطبة حتى يدخل كل بيت في المعمورة كما في حديث تميم الداري t قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيزا أو بذل ذليلا، عزا يعز الله به الإسلام، وذلا يذل الله به الكفر» .
إن هذه النصوص المبشرة جزء من عقيدتنا التي يجب أن نؤمن بها إيمانا تاما لا تخالطه الشكوك ولا تساوره الظنون مهما طال ليل المحنة؛ فإن وعد الله آت عما قريب ﴿ألا إن نصر الله قريب[6] .
بل إن هذا اليقين الكامل بنصر الله هو أحد عوامل النصر المهمة، ولذا ترى النبي صلى الله عليه وسلم حينما تشتد الكروب وتلم الخطوب يُذكّر بهذه الحقيقة؛ فذلك يبعث الأمل ويحيى الهمم، ويجدد العزم على العمل، كما فعل في غزوة الأحزاب وقد رمتهم العرب عن قوس واحدة؛ فقد بشر أصحابه بفتح بلاد فارس والروم، كما بشر في حادثة الهجرة وهو مطارد خائف بفتح بلاد فارس، وكما طمأن صاحبه الصديق رضي الله عنهوهما في الغار بقوله: ﴿لا تحزن إن الله معنا[7] .
إن المؤمنين حينما تحيط بهم الملمات لا تزيدهم إلا ثباتا ويقينا وتسليما: ﴿ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما[8] [الأحزاب: 22] .
أما المنافقون والذين في قلوبهم مرض فما أسرع ما يتزلزلون ويشكون بصدق وعد الله عند أدنى محنة أو نازلة: ﴿وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا﴾ .
غير أن النصر الذي وعِدت به هذه الأمة لا يناله إلا من أدّى ثمنه وقام بأعبائه؛ فإذا وجدت أسبابه وانتفت موانعه تحقق النصر بإذن الله، وإن تخلف منها شيء فربما تخلف النصر، ولله عاقبة الأمور.
فالمتأمل في غزواته صلى الله عليه وسلم يجد أنها مصباحاً يضيء للأمة لتعرف عوامل النصر وعوامل الهزيمة ,وتتعلم الدروس والعبر التي تملأ أفراد الأمة ثقة بنصر الله وحبا لنبيها صلى الله عليه وسلم.

وهانحن ضمن السلسلة المباركة:

(غزوات النبي المصطفى دروس وعبر)
(نستشف هذه الدروس والعبر ونتأمل مواقفه صلى الله عليه وسلم ومواقف صحابته الكرام نقف مع الغزوة الخامسة ((غزوة حنين))
أسأل الله أن ينفع بها كل موحد إنه ولي ذلك والقادر عليه.





غزوة حنين
`غزوة حنين :
هي الغزوة التي تبين فيها أن القوة من عند الله تبارك وتعالى, وأنه هو الذي يهدي وينصر, ويسدد فلا قوة تأتي من غيره جل جلاله .
`غزوة حنين :
فيها الدرس العظيم, في الرضا عن الله, والاستبشار بنصر الله, وإعلاء جنده وحزبه, فيها الفأل الحسن مقرونًا بفعل السبب وبذل الوسع.
`غزوة حنين :
فيها الدرس العظيم في صدق التوكل على الله, والإيمان بموعوده وفتحه.
`غزوة حنين :
إذا كانت غزوة بدر الكبرى هي أولى معارك الإسلام مع مشركي العرب، وبـها كُسرَت حدتـهم وقلت هيبتهم، فقد كانت غزوة حنين وما تلاها من غزو أهل الطائف هي آخر تلك المعارك، وبـها استُفرِغت قوى أولئك المشركين، واستُنفِدت سهامهم، وأُذل جمعهم حتى لم يجدوا بداً من الدخول في دين الله، كما يقول الإمام ابن القيم - رحمه الله.[9]
`غزوة حنين :
كانت غزوة حنين في العاشر من شوال من العام الثامن للهجرة منصرفَ النبي صلى الله عليه وسلم من مكة بعد أن منَّ الله عليه بفتحها، وقد انصرف رسول الله من مكة لست خلت من شوال، وكان وصوله إلى حنين في العاشر منه[10]
`غزوة حنين :
دارت هذه الغزوة في موضع يقال له حنين، وهو واد إلى جنب ذي المجاز بينه وبين مكة بضعة عشر ميلاً من جهة عرفات .[11]
`غزوة حنين :
كان سبب هذه الغزوة أن مالكاً بن عوف النضري جمع القبائل من هوازن ووافقه على ذلك الثقفيون، واجتمعت إليه مضر وجشم كلها وسعد بن بكر وناس من بني هلال، وقصدوا محاربة المسلمين، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فخرج إليهم.[12]
`غزوة حنين :
إذا كانت وقعة بدر قررت للمسلمين أن القلة لا تضرهم شيئاً في جنب كثرة أعدائهم إذا كانوا صابرين متقين، فإن غزوة حنين قد قررت للمسلمين أن الكثرة أيضاً لا تفيدهم إذا لم يكونوا صابرين ومتقين)[13]








دروس وعبر من غزوة حنين

1- القوة لله جميعا:
لا عبرة بالكثرة فالنصر من عند الله عز وجل، أكبر جيش جمعه الرسول صلى الله عليه وسلم جيش حنين كانوا اثني عشر ألفا، فلما رآهم أبو بكر الكتيبة تتدفق بعد الكتيبة، قال: " لا نهزم اليوم من قلة " والمسلمون بشر أتاهم ضعف واتكلوا على قوتهم المادية, فأراد الله أن يلقنهم درس عقيدة لا ينسونه, وهو أن القوة من عند الله, وأن النصر من عند الواحد الأحد, فيقول الله عز وجل:
﴿ لقد نصركم الله في مواطن كثيرة[14] يقول: اذكروا كم نصركم الله في مواطن كثيرة.
إن الكرام إذا ما أيسروا ذكروا
من كان يألفهم في الموطن الخشن
﴿ لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم[15] فهنا درس لكل إنسان ألا يغتر بقوته وألا يعتمد على حوله وذكائه وفطنته.
قال ابن القيم في كلام معناه: فوض الأمر إلى الله عز وجل, وأعلن عجزك, فإن أقرب العباد من الله الذين يعلنون الانكسار بين يديه.
فأقرب العباد إلى الله أشدهم انكساراً إليه، وأقربهم إلى النصر أشدهم تواضعاً لله, وكلما ذل العبد وتواضع لله رفعه الله, وكلما تكبر، قال الله: اخسأ فلن تعدو قدرك, وعزتي وجلالي لا أرفعك أبدا.
فكان هذا الدرس في العقيدة: أن القوة من عنده تبارك وتعالى, وأنه هو الذي يهدي وينصر, ويسدد فلا قوة تأتي من غيره مهما أجلبوا بخيل ورجل وقوى واتصلوا بأمور فإنها كبيت العنكبوت: ﴿ وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون ﴾.[16]

2- إرسال العيون لطلب أخبار العدو:
فإن الرسول عليه الصلاة والسلام أرسل ابن أبي حدرد وقال: اجلس بينهم وخذ أخبارهم وائتني بأعلامهم -هذا قبل المعركة- فجلس بينهم في الليل، فسمع مالك بن عوف النصري يقول: إذا أتينا غداً فصبحوهم واضربوهم ضربة رجل واحد، فأخبر الرسول عليه الصلاة والسلام بذلك ، فإرسال العين لصالح المسلمين لا بالإضرار بالمسلمين, لكن لتقصي الحقائق ولنصرة الإسلام, ولتأييد كتاب الله ولرفعة لا إله إلا الله لا بأس به.

[1] ) [الروم: 47]

[2] ) [الصافات: 171 - 173]

[3] ) [غافر: 51]

[4] ) [النور: 55]

[5] ) [التوبة: 32 - 33]

[6] ) [البقرة: 214]

[7] ) [التوبة: 40]

[8] ) [الأحزاب: 12]

[9] ) ] زاد المعاد: (3/479]

[10] ) ]. فتح الباري: )8/27 (

[11] ) [المصدر السابق: (8/27)]

[12] ) ]. فتح الباري (8/27)، وزاد المعاد (3/465.

[13] ) [ فقه السيرة للبوطي (ص: 424)

[14] ) [التوبة:25]

[15] ) [التوبة:25]

[16] ) [العنكبوت:41].


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 07-05-2010, 04:40 AM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,883
الدولة : Egypt
افتراضي رد: غزوة حنين دروس وعبر

3- أخذ السلاح من المشرك :
فالرسول عليه الصلاة السلام لما أراد حنيناً قال لـ صفوان بن أمية وقد كان طلب مهلة أربعة أشهر حتى يفكر في دخول الإسلام- قال: « يا أبا وهب : أتعيرنا مائة درع وسلاحها؟ قال: غصباً يا محمد، قال: بل عارية مضمونة » فأخذها صلى الله عليه وسلم عارية مضمونة، فلا بأس باستعارة السلاح من المشرك, فلو قاتل المسلمين كافر فلا بأس أن يأخذوا من كافر آخر سلاحاً آخر يقاتلون به هذا الكافر, فإن الرسول عليه الصلاة والسلام فعله سواءً بشراء, أو عارية, أو على مصالح مشتركة يتبادلها الفريقان فلا بأس بذلك.
هذا وقد وجدت للشيخ ناصر الدين الألباني - رحمه الله - كلاماً يفيد أنه لا يرى شراء السلاح من دول الكفر الآن؛ فإنه يقول في معرض دعوتـه للاهتمام بالتصفية والتربية وإنكاره على دعاة الجهاد في هذه الأيام: "لو أن هناك جهاداً قام بين المسلمين وبين الكفار، فهؤلاء المسلمون سوف لا يستطيعون أن يتابعوا إمداد جيوشهم بالأسلحة اللازمة لهم إلا بالشراء من أعدائهم، وهل يكون نصر وجهاد بشراء الأسلحة من أعداء المسلمين؟[1]
، وكأنه - رحمه الله - يقول بأنه لا يجوز شراء السلاح من الكفار إلا بشروط لا تتوافر في عصرنا فقد سئل بعد ذلك عن الفرق بين شراء السلاح من الكفار الآن وبين استعارة النبي صلى الله عليه وسلم- السلاح من صفوان فقال: "الفرق كبير.. أولاً هو فرد، وثانياً هو مطمئن إليه، ثم رسول الله صلى الله عليه وسلم- حينما طلب كان هو أقوى منه، اليوم الأمر معكوس تماماً؛ فالمسلمون حكاماً، فضلاً عمن هم دونـهم هم أضعف من أعدائهم الذين يستوردون الأسلحة منهم، فشتان ما بين هذا وذاك"[2]
غير أن من الشروط المهمة في هذا المجال أن لا يؤدي شراء السلاح من الكفار إلى تنازل المسلمين عن شيء من عقيدتـهم ودينـهم، فأمر العقيدة أعلى من كل اعتبار، وبكل حال فهذا الأمر هو من أمور السياسة الشرعية التي تخضع لقياس المصالح والمفاسد، ومعرفة الأنسب في كل حين، ونحن اليوم نرى أن أمم الكفر ليست بدرجة واحدة في عدائها للمسلمين فمنـهم من يعلن الحرب على المسلمين ومنهم من ليس كذلك، فلا بأس بالشراء من غير المحاربين لقتال المحاربين، ويمكن للمسلمين أن يستغلوا بعض التناقضات بين دول الكفر في شراء السلاح من بعضها لمحاربة البعض الآخر، بل على المسلمين أن يستغلوا ما قد يحدث في بعض بلاد الكفر من الأزمات المالية لمحاولة شراء السلاح بل وتقنيات تصنيعه منهم، كما هو حادث في روسيا الآن، وقد كان المجاهدون في الشيشان - وربما لا يزالون -يشترون السلاح من الجنود الروس بأسعار زهيدة ثم يقاتلونـهم به.
وهذا كله لا يعني رضانا بحال المسلمين وتخلفهم وعدم قدرتـهم على صنع ما يحتاجونه من السلاح، بل الواجب عليهم السعي الحثيث في امتلاك أدوات التصنيع والعمل على الاكتفاء الذاتي، وإلى أن يتحقق ذلك فليس هناك مانع من شرائهم السلاح من الكافرين والله - تعالى - أعلم.

4- ضمان العارية إذا تلفت:
فإن صفوان عندما طلب منه النبي صلى الله عليه وسلم سلاحاً قال : غصباً يا محمد؟ قال: «إ بل عارية مضمونة » أي إذا تلفت هذه الدروع والسلاح نضمنها لك, فلما تلفت بعض السيوف وتكسرت في أيدي الأنصار ،فالصحابة تثلمت سيوفهم وثلموا سيوف صفوان بن أمية , فأتى يقلب السيوف وهي مثلمة فيقول: للرسول صلى الله عليه وسلم أهذا سلاحي؟ فيقول صلى الله عليه وسلم نضمنها لك، قال: لا لقد أسلمت والإسلام خير لي لا آخذ منها شيئا، فرزقه الله الإسلام, وهو خير من الدروع والسيوف، وقبل المعركة كان صفوان وراء الزبير بن العوام .
5- مشابهة هذه الأمة الأمم السابقة:
هذا الحديث علّق عليه ابن تيمية في الرسائل والمسائل يقول: لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في حنين نزل الناس في الظهيرة ومعهم سيوفهم وسلاحهم -وهذا الحديث عند أبي داود من حديث أبي واقد الليثي - قالوا: يا رسول الله! إن للمشركين ذات أنواط -أي: ذات معاليق يعلقون فيها سلاحهم- فاجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط؛ فقال عليه الصلاة والسلام: «إ الله أكبر! إنها السنن، قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ».
فيقول ابن تيمية : "سوف يقع في هذه الأمة ما وقع في اليهود والنصارى؛ فإن علماءنا إذا فسدوا كان فيهم شبه من اليهود -نعوذ بالله من ذلك- فإن اليهود تعلموا العلم ولم يعملوا به؛ فختم الله على قلوبهم ولعنهم وغضب عليهم، قال جل ذكره: ﴿ فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية[3] ومن فسد من عبادنا ففيه شبه من النصارى؛ فإنهم يعبدون الله بلا علم, لا يتفقهون في الدين؛ فلهم صلاة وصيام وذكر لكن على ضلالة: ﴿ ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها[4] .
يقول ابن تيمية : وسوف يقع في هذه الأمة ما وقع بين اليهود والنصارى لهذا الحديث؛ ولقوله تعالى: ﴿ وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء[5] قال ابن تيمية : "سوف تأتي طوائف وأحزاب في هذه الأمة تقول: ليست الطائفة الأخرى على شيء ونحن على الحق، وتقول الأخرى: لستم على شيء ونحن على الحق فهي السنن".


6- التكبير عند التعجب والاستغراب:
فالرسول صلى الله عليه وسلم لما قالوا: اجعل لنا ذات أنواط قال: الله أكبر! وهذه من أحسن الكلمات التي تقال في النوادي والمحافل, فنحن لا نعرف التصفيق وليس في ديننا تصفيق، ولا يصفق إلا اللاهون اللاغون إذا أعجبوا بمقولة أو كلمة.
فعلى المسلمين أن يكبروا, فإن التصفيق والمكاء والتصدية من علامات الجاهلية ومن شعائر الوثنية , والله ذكر المشركين وطوافهم بالبيت فقال: ﴿ وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاءً وتصدية [6] أي: صفيرا وتصفيقا, فذم التصفيق سبحانه وتعالى، وقال ابن مسعود : " كان أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أعجبهم شيء كبروا " وربما كبر عليه الصلاة والسلام فكبروا خلفه, ولذلك يقول: « أترضون أن تكونوا ثلث الجنة؟ قالوا: بلى، قال: ألا ترضون أن تكونوا نصف الجنة؟ قالوا: بلى، قال: فإنكم ثلثا أهل الجنة، فكبروا جميعا ».
فالتكبير مطلوب عند التعجب والاستغراب، أو من حدث أو كلمة حماسية، أو من بيت أو قصة, فسنتنا أن نكبر وألا نتشبه بأهل الكتاب الذين أضلهم الله على علم وطبع على قلوبهم.

7- لا رجعة للوثنية:
خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين بعض حديثي العهد بالجاهلية, وكانت لبعض القبائل شجرة عظيمة خضراء يقال لها ذات أنواط يأتونها كل سنة، فيعلقون أسلحتهم عليها، ويذبحون عندها، ويعكفون عليها يوما، وبينما هم يسيرون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ وقع بصرهم على الشجرة، فتحلبت أفواههم على أعياد الجاهلية التي هجروها، ومشاهدها التي طال عهدهم بها، فقالوا: يا رسول الله, اجعل لنا (ذات أنواط) كما لهم (ذات أنواط), فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الله أكبر! قلتم -والذي نفس محمد بيده- كما قال قوم موسى لموسى: ﴿ اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قال إنكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ﴾ لتركبن سنن من كان قبلكم»([7]).
وهذا يعبر عن عدم وضوح تصورهم للتوحيد الخالص رغم إسلامهم،ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أوضح لهم ما في طلبهم من معاني الشرك, وحذرهم من ذلك, ولم يعاقبهم أو يعنفهم؛ لعلمه بحداثة عهدهم بالإسلام([8])، وقد سمح لهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالمشاركة في الجهاد؛ لأنه لا يشترط فيمن يخرج للجهاد أن يكون قد صحح اعتقاده تماما من غبش الجاهلية، وإنما الجهاد عمل صالح يثاب عليه فاعله، وإن قصر في بعض أمور الدين الأخرى، بل الجهاد مدرسة تربوية تعليمية يتعلم فيه المجاهدون كثيرًا من العقائد والأحكام والأخلاق؛ وذلك لما يتضمنه من السفر وكثرة اللقاءات التي يحصل فيها تجاذب الأحاديث وتلاقح الأفكار([9]).
8- الحراسة في الغزو:
إن الرسول عليه الصلاة والسلام إذا كان في الأسفار أو الغزو جعل حارساً يحرس الناس، وما كان يعطيه راتباً عليه الصلاة والسلام، بل كان يعدهم بالجنة, جنة عرضها السماوات والأرض, فكانوا يتسارعون إلى هذا، كما فعل حذيفة في الليلة الظلماء عند أهل الأحزاب، وضمن له صلى الله عليه وسلم الجنة.
وكما حرس بلال بن رباح المسلمين في غزوة من الغزوات فقال له ^: «يا بلال ! ارمق لنا فجر هذه الليلة»، فقام بلال فرمق من أول الليل, فلما قرب الفجر صلى الليل ما شاء الله، ثم جلس برمحه عند الناقة، فاعتمد عليها فنام، فلما نام جاء الفجر, ثم طلعت الشمس حتى أصاب الناس حر الشمس, فاستيقظ عمر رضي الله عنه أول الناس، فاستحيا عمر أن يذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: قم صل، ومن عمر حتى يوقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟! وله ذلك فإنها من المصالح والفوائد لكنه استحيا.
فأتى بجانب أذن الرسول عليه الصلاة والسلام، وقال: الله أكبر، الله أكبر، فاستيقظ عليه الصلاة والسلام وقد استيقظ أكثر الناس وأصابهم من الخوف ما الله به عليم, تذكروا أنهم ما صلوا, وأن الشمس قد طلعت وارتفعت, فقال صلى الله عليه وسلم: لا عليكم، ثم أمرهم أن يقوموا، وقال يا بلال : أين رمقك الفجر هذه الليلة، فقال بلال : أخذ بنفسي يا رسول الله ما أخذ بأنفسكم، فتبسم عليه الصلاة والسلام.
يقول: أنتم وقعتم فيما وقعت أنا فيه, فلماذا تعاتبونني على هذا؟ فصلى عليه الصلاة والسلام فصلوا، والشاهد أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يجعل حارساً من الصحابة في الغزو وفي الأسفار لفوائد:
1- أن يوقظ المصلي والموتر في الليل.
2- أن يخبر الناس بهجوم طارئ على جيشهم وعلى متاعهم وعلى أهلهم.
3- تدريب الرسول عليه الصلاة والسلام أصحابه على هذا العمل الجهادي الشاق.
4- أن يجعل أجورا لأهل هذه الأعمال ليتباروا في عمل الآخرة وليتقدموا عند الله.
قال عمار بن ياسر : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال: فلما أمسينا ذات ليلة، قال: من يحرسنا هذه الليلة؟ فسكتنا، فقال: ليقم رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار، قال: فقمت، وقام عباد بن بشر رضي الله عنه وعن عمار , الشاب الصادق الذي قتل يوم صفين ضرب على وجهه حتى سقط لحم وجهه من كثرة السيوف, ولما رآه الصحابة قالوا: نشهد أنك عند الله من الشهداء.
فبدأ عباد بالحراسة ثم قام يصلي, فبدأ يقرأ في سورة الكهف، فأخذ الأعداء ينظرون إليه وهو حارس يقرأ في الليل, وهم لا يعرفون الصلاة ولا القراءة فأخذوا يرمونه بالسهام, وما أراد أن يقطع القراءة، فأخذ كلما انغمس السهم في جسمه يخرجه وينزله في الأرض, ويستمر في القراءة، وكلما أتى السهم الآخر أخرجه ودماؤه تنصب من جسمه, وأتى السهم الآخر ويخرجه, فلما غلبته الدماء خفف في الصلاة, وقام وزحف إلى عمار ، وقال: والله الذي لا إله إلا هو لولا أن أقتل فتفتح ثغرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين ما ختمت هذه الصلاة حتى أتم سورة الكهف، فقال عمار : رحمك الله، ألا كنت أيقظتني؟! فأخبره، فقام عمار رضي الله عنه وأدركوا هذا, فأيقظوا الرسول عليه الصلاة والسلام، وهذا يوضح لنا كيفية حراسة الصحابة للرسول عليه الصلاة والسلام وللمسلمين.
وكان حارسه عليه الصلاة والسلام ربما حرسه عند باب بيته قبل أن ينزل الله تعالى: ﴿ والله يعصمك من الناس[10] يقول أنس : رجعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر فلما اقتربنا من المدينة دخل صلى الله عليه وسلم بيتا له -أي خيمة- قال: فسمعته بالليل يقول: « ليت رجلا صالحا يحرسنا هذه الليلة » قال: فأتى سعد بن أبي وقاص فسمع من بعض الناس أن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: « ليت رجلا صالحا يحرسنا هذه الليلة » فتوضأ سعد بن أبي وقاص ولبس سلاحه وأخذ سيفه ووقف عند باب الخيمة من صلاة العشاء إلى صلاة الفجر، فلما علم صلى الله عليه وسلم بـ سعد قال: « اللهم اغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر » فكان من الحراس الصادقين.


[1] ) "([23] [23] - فتاوى الشيخ الألباني ومقارنتها بفتاوى العلماء لعكاشة عبد المنان (ص: 300) .
[2] ) المصدر السابق
[3]) [المائدة:13]
[4] ) [الحديد:27]
[5] ) [البقرة:113]
[6] ) [الأنفال:35]
([7]) انظر: السيرة النبوية للندوي ص349، سنن الترمذي, الفتن (4/475) رقم 2180.
([8]) انظر: السيرة النبوية الصحيحة (2/497). (3) انظر: التاريخ الإسلامي للحميدي (8/62).

[10] ) [المائدة:67]


يتبع إن شاء الله

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 83.14 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 81.01 كيلو بايت... تم توفير 2.13 كيلو بايت...بمعدل (2.56%)]