|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() مع سورة الكهف في طريق الرحلة الطويل موضوع متجدد (1) الدكتور طه الدليمي عالم وباحث عراقي وإلى جانبي صديق، أغمض بعد قليل عينيه، ولوى رقبته و.. تركني وحيداً. ومن سقف السيارة تتدلى شاشات تعرض فلماً سمجاً. كان اليوم يوم جمعة، وقد جاء في الأثر فضل قراءة سورة (الكهف) في هذا اليوم المبارك من أيام الأسبوع. قلت في نفسي لأقرأ هذه السورة، على أن أصارع الضجيج وأجتهد في تدبرها رغم كل شيء. لم أكن متأكداً هل يمكنني ذلك أم لا؟ بهذه النية بدأت أتلو الآيات الأولى، وإذا أنا يفتح لي في معانيها مغاليق لم تفتح لي من قبل! وبين هنيهة وأخرى يفتح صديقي عينيه ويعدِّل من رقبته قليلاً، فأغتنم الفرصة لمناقشته قبل أن يلقي برقبته إلى جانبه، ويغمض عينيه ثانيةً ليعود إلى ما كان عليه. كانت بين يدي ورقة أقتنص فيها عناوين الأفكار، خشية أن تضيع مني، وأن عسى أن أجد الفرصة في قابل الأيام لكتابتها بشيء من التفصيل. وهكذا كان، فكانت هذه السطور، التي لا تمثل سوى إشارات دالة على بعض ما كان في ذلك اليوم الثقيل، الذي عانيته وأنا على كرسيي ذاك في تلك الحافلة الضيقة الطويلة، بضوضائها المزعج، كأنني في كهف ضيق كثرت فيه الهوام والحشرات؛ فأنا أريد الخروج منه بأسرع وقت، وإلى أي مكان: الحمد لله ما قرأت هذه الحمدلة الرائعة في أول السورة يوماً: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا) (الكهف:1) إلا وشعرت بنعمة الله تعالى تهجم علي من كل جانب، ووجدت لهذه الكلمات الثلاث طعماً لا أجده لها في موضع آخر، وأفكر: ماذا لو لم يكن بين يدي هذا الكتاب؟ أيَّ إنسان أكون؟ وما مدى القلق الذي يستبد بي جراء الشك وعدم الاستقرار على حال؟ الحقَّ أقول لكم: أنا لا أستطيع تخيل نفسي لحظة من دون هذا القرآن. لو كان ذلك كذلك لكنت غارقاً في بحر من الضياع، وتائهاً في صحراء مترامية من التشتت والتخبط واللهاث وراء السراب. لا شيء في الحياة يمنحك اليقين كآيات هذا الكتاب؛ فالحمد لله الذي أنزل هذا الكتاب، والحمد له أن هدانا إليه. الحقيقة أنني عاجز عن تصوير ما يدور في خَلَدي من معانٍ لهذه الجملة التي تأخذ بمجامع لبي (الْحَمْدُ لِلَّهِ) في هذا الموضع على وجه الخصوص. لا تعجب وبينما كنت أغوص وراء لآلئ المعاني فأَجْني منها على قدر طاقتي وامتداد يدي، فتح صاحبي عينيه فتدحرجت في حجره بعض حباتها الجميلة: - (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً) (الكهف:9). هل العجب هنا يقتصر على ناحية الفعل الإلهي من حيث النوم الطويل لأصحاب الكهف، وحفظ النائمين أحياء طيلة هذه المدة، وحفظهم من تسلط الآخرين أيضاً؟ أم العجب من ناحية الفعل البشري كذلك؟ فأن يُؤْثر مجموعة من الشباب ضيق الكهف مع الله على سعة الحياة مع غيره! فيعرضوا عن الدنيا وما فيها من لذائذ ومتع، ويلجأوا إلى ذلك المكان الخشن الموحش الخالي من كل أسباب الحياة: شيء يدعو للإعجاب والعجب! ولكن لم العجب ولله في كل زمان ومكان عباد يأتون ذلك راضين شاكرين مطمئنين؟ وتأمل كيف كان العبور إلى الآية التي بعدها بواسطة الظرف (إذ) المرتبط بفعل الفتية (أوى): (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً) (الكهف:10). تلقف صاحبي مني هذه الدرة ليضعها في مكانها من العقد فقال: - الكهف: كهف الخلوة. ألم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخلو في كهف؟ وهذا توجيه خفي من حبيب لحبيه حتى لا يداخله العجب مما فعل من ذلك. وهو بطبيعة الحال درس للأمة جميعاً إلى يوم القيامة. وتذكرت قوله تعالى يوصي نبيه صلى الله عليه وسلم : (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) (المدثر:6). فقال: - نعم هذا بالضبط ما كنت أريد أن أقوله. الرشَد ولوى صديقي رقبته مرة أخرى، بينما كنت أتأمل في دعاء الفتية: (رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً)، وفي استجابة المدعو كيف كانت: (فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً) (الكهف:16)! والنشر عكس الطي، وهي كلمة تحمل من معاني السعة والامتداد الكثير، والناشر هو الله جل في علاه. وإذا كان العبد يتمرغ في سعة من رحمة الله فمن أين يتسلل إليه الشعور بالضيق حتى لو كان في كهف ضيق مهجور بعيد عن الإنسان والعمران! وهم طلبوا (الرشد) لكن الكريم زادهم (مرفقاً)، وهو ما يحتاجون إليه مما يرتفق وينتفع به من وسائل العيش، ومنه المُتَّكأ والمخدة، مأخوذ من مرفق اليد. واللفظ يشي بالرفق واللين، رغم وعورة الصخر في ذلك الجبل! وهكذا هو خلق الكريم تطلب منه شيئاً فيزيدك فوق ما تريد: (آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً) (الكهف:13). ثم انظر إلى هذا الذكر المتكرر لكلمة الرشد (وهو الهداية) وتصريفاتها. وأول ذلك جاء على لسان الفتية طالبين من ربهم أن يهيئ لهم من أمرهم (رَشَداً) (الكهف:10)، فكانت الاستجابة بأن أنجاهم من فتنة قومهم وأسكنهم ذلك الكهف الآمن، وأن هذا هو الرشد.. الرشد الذي لا يؤتاه كل أحد: (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُرْشِداً) (الكهف:17). يا لله! ما هذا الكهف! فيه الرحمة، وفيه الرشد والهداية، وفيه الأمن والحماية، وفيه مرتفق للعيش والبقاء! وإن هذه النعمة الموفورة والرحمة المنشورة لا تتهيأ لكل إنسان، ولا يمنحها الله لكائن من كان. فلا تستهن بما آتاك الله منها وإن كنت في قلة وإقلال، ولا يغرنك ما عند الناس من مال ومتاع. ليس هذا هو مقياس الكرامة عند الله، إنما المقياس هو الرشد والهداية ولو كان صاحبها فقيراً مُعدماً تضطره الحال إلى أن يلجأ ليعيش في كهف خالٍ من الزاد والزينة والمتاع! والرشَد هو غاية مطلوب رسول الله: (وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً) (الكهف:24) وهو الهدف الذي من أجله كانت رحلة موسى u مع فتاه إلى مجمع البحرين: (قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً) (الكهف:66). حسن العمل وحسن الأجر ثم عدت إلى أول السورة عندما وصلت بقراءتي هذه الآية: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) (الكهف:30) فقد شدني هذا التناسب بين حسن العمل في الآية السابقة وحسن الأجر في الآية التي سبقتها: (وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً) (الكهف:2)! هل تمليت هذا الحسن في قوله تعالى: (أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً) (الكهف:31)؟ وهل أدركت على أي عمل حسن كان هذا الأجر الحسن؟ وهل وقفت أمام أولئك الفتية كيف لم يلتفتوا إلى الحسن الزائل إيثاراً للحسن الخالد: (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً *وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً) (الكهف:7،8)؟ الزينة وتكرر ورود الزينة في السورة مراراً: (وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) (الكهف:28) (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً) (الكهف:46). والزينة ذكرت في عموم القرآن الكريم كقيمة أساسية من القيم التي تصد الناس عن الإيمان وتدفعهم إلى الكفر، حين يساء التعامل معها: (وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ) (يونس:88). (زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (البقرة:212). (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) (آل عمران:14). لكن الذين سبقت لهم السعادة لا يلتفتون إلى كل هذا. إنهم يعرفون جيداً أنه عرَض زائل، ونعيم منقطع: (وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً)، وضع للابتلاء: (لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً). ويعرفون جيداً قيمة الوصية الربانية: (وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا). التعديل الأخير تم بواسطة أم عبد الله ; 15-11-2009 الساعة 03:01 AM. سبب آخر: كتابة صلى الله عليه وسلم |
#2
|
||||
|
||||
![]() جزاكم الله خيرا
__________________
![]() حرام عليكم يا عرب سوريا تستغيث يا عرب ويحكم كإنما عقمت كرامتكم عن الإنجاب قبح الله صمتكم ![]() غـــــــــــــــــــزة وســــــــــــــوريا فخر الأمة
|
#3
|
||||
|
||||
![]() جزاك الله خيرا اخي عبد الله سورة الكهف فيها من الدروس الكثير والكثير
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
![]() الدكتور : طه الدليمي من يصبر على من ؟! كنت أشعر بالغبطة لهذه المعاني التي صارت تتداعى ويأخذ بعضها بعنق بعض، وسررت لما رأيت صديقي يرجع إليّ من إغفاءته، فصرت أحدثه في بعض ما عرض لي منها، وأناقشه، وأتبادل معه المعاني والأفكار. ثم قادنا سياق الحديث إلى العدد وقيمته في ميزان الله جل وعلا، لاسيما إذا استحضرنا الظرف الذي نزلت فيه السورة من حيث الضعف والقلة والحصار المضروب حول الثلة المؤمنة مع قائدها ونبيها صلى الله عليه وسلم ، وكيف أن الله تعالى يوصي هذا القائد العظيم والنبي الكريم بالصبر معهم وعدم تركهم لقلتهم وضعفهم، وحاجتهم وفقرهم، وعطلهم من المَكِنة وكل أداة من أدوات الزينة: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) (الكهف:28). اللافت للنظر أن الوصية هنا هي للقائد أن يصبر على أتباعه وقلتهم - وهي مسألة عظيمة بحيث يخاطب بها النبي صلى الله عليه وسلم نفسه - وليس للأتباع أن يصبروا على قلة وضعف إمكانيات قائدهم! وهذا ملحظ لطيف لأصحاب الدعوات في سيرهم وهم يقطعون المراحل باتجاه الهدف المرسوم. فقد وجدنا من البعض شعوراً بالمنة يطوقون به رقبة صاحبهم أن كانوا من أتباعه. وعلاج هذا الخلل أن لا يمنّ أحد على أحد (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (الحجرات:17). الموقف وليس العدد ثمة مشكلة اجتماعية خطيرة هي افتتان الكثير من الناس - خصوصاً في وقت الاستضعاف والأزمات - بالأرقام والأعداد والأحجام! لكن الله جل وعلا حين يذكر لنا أصحاب الكهف يبين لنا أن العدد ليس هو المهم، إنما المهم هو الموقف سواء صدر من فرد كمؤمن آل فرعون، أو مجموعة قليلة كأصحاب الكهف: (سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلا قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلا مِرَاءً ظَاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً) (الكهف:22). نعم ليس المهم هو العدد: ثلاثة، خمسة، سبعة، واحد! فلا تمار في هذا ولا تجادل إلا بأقل قدر، ولا تسأل عن ذلك أحداً. وكتطبيق لهذا المقياس جاءت وصيته سبحانه بعد هذه الآية بقليل لرسوله صلى الله عليه وسلم بالصبر على القلة المؤمنة التي نهضت معه ولم يلتفتوا إلى زينة الحياة الدنيا: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا). الغريب أن الله تعالى يؤكد على الموقف وإن صدر من فرد، ويبرزه ويمدحه ويمجده ويدعو إلى تمثله والاقتداء به، بل ويرفع من قيمته ولو صدر من حيوان: طيراً كان كالهدهد، أو حشرة كالنملة! وجمع المثلين في سورة سماها باسم تلك الحشرة! وهل لاحظتم تكرر اقتران الكلب مع كل عدد يذكر؟ فالكلب إن كانوا ثلاثة فهو رابعهم، وإن كانوا خمسة فهو سادسهم، وإن كانوا سبعة فهو ثامنهم، فلو كانوا ألفاً أو أكثر هو معهم!!! إن كلباً تابعاً يحمي أهل القضية - مهما كان عددهم – خير من إنسان متبوع بالآلاف لا يعرف له هدفاً سامياً في هذه الدنيا. يا لله!!! ما أعظم هذا..! وما أعظم ديننا..! ما أعظم ربنا..! ولكن الأغرب هو أنه مع كل هذا الإيضاح، وهذا الوضوح تخفى هذه القيمة على بعض المطموسين في بصيرتهم! ولله في خلقه شؤون! اللهم ثبتنا بفضلك ومنك وكرمك على الطريق القويم، ولا تفتنا برحمتك يا أرحم الراحمين. لو كان القلب قادراً على أن يتناول القلم، فيكتب بنفسه ما عجزت اليد عن ترجمته! أصول الفتنة وأنواعها ويلتفت إليّ صاحبي لأناقشه في الأمثلة المضروبة في السورة لهذه المعاني العظيمة، وتساوقها مع المحور الأساسي للسورة، وهو الثبات على الحق، وعدم الافتتان عنه بأي صورة من الصور، أو سبب من الأسباب التي عادة ما يفتتن بها عامة الناس. فكان قوله تعالى عن صاحب الجنتين: (وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً) (الكهف:34) ظاهراً من بين الآيات التي تناولها النقاش. هل لاحظتم أثر الافتتان بكثرة المال والرجال: (أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً)! وهل لاحظتم بأي شيء أجابه صاحبه وهو يناقشه ويحاوره وكيف ركز على قلة المال والولد لديه في مقابل ذلك قائلاً له بكل ثقة واعتزاز دون تأثر ولا تراجع ولا اهتزاز: (وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالاً وَوَلَداً) (الكهف:39). لقد نظر إلى العاقبة فلم يتأثر ولم يهتز ولا تراجع: (فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَاناً مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً) (الكهف:40). وتجمع السورة أصول الفتنة وكيف يكون الثبات في مواجهتها: الفتنة بقوة الباطل وانتشاره، وما لديه من أسباب الحياة وزينتها، وكيف واجهها أصحاب الكهف. الفتنة بالمال والضياع والبساتين والأهل والولد، وكيف واجهها ذلك الرجل الفقير. وقد أخذه صاحب الجنتين ليريه ما هو فيه من قصور ومكاتب وآلات، وأبهة وهيبة وهيلمان، وحدائق وبساتين وجنان، فلم يلتفت إليه. الفتنة بالعلم، وكيف واجهها نبي الله موسى عليه السلام . الفتنة بالمنصب والتمكين في الأرض، وكيف واجهها ذو القرنين. وكل أصل من هذه الأصول في حاجة إلى وِقفةٍ طويلة أتركها لأهل القرآن الذين يعرفون كيف يتدبرون القول وينتفعون بما فيه من معانٍ وإشارات وأسرار. علاج الفتنة وجماع علاج هذه الفتن جميعاً أمران: الإخلاص في طلب وجه الله جل في علاه: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ) (الكهف:110). والنظر في العاقبة: (هُوَ خَيْرٌ ثَوَاباً وَخَيْرٌ عُقْباً) (الكهف:44). وإذا كان في مقابل هذه الزينة الزائلة: (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً * وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً) (الكهف:7،8)ذلك النعيم الخالد في الفردوس الأعلى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً * خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً) (الكهف:108): الزينة الظاهرة الزائفة في مقابل الفردوس! والصعيد الجرز الأجرد في مقابل النعيم الخالد! إذا كان ذلك كذلك فكيف تتطرق الفتنة إلى القلوب، ويتسلل الضعف إلى النفوس مهما كانت القلة وضعف المَكِنة؟! اللهم نسألك الثبات على الحق، وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين يا الله! روى الإمام البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سألتم الله، فاسألوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة ". التوحيد التوحيد - ملخصاً بالدعاء - كان حاضراً بشدة في هذه السياحة الإيمانية الممتعة. لقد كان الهوية التي شخصت أولئك القلة المؤمنة من أصحاب الكهف: (إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهاً لَقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً * هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً * وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً) (الكهف:14-16). وكذلك القلة المؤمنة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : (الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) (الكهف:28). لاحظوا كيف أن التوحيد هو الذي حدد هويتهم: فأولئك هويتهم أنهم يدعون ربهم وحده لا شريك له، وهؤلاء - كذلك - هويتهم أنهم يدعون ربهم وحده لا شريك له. وظل التوحيد يرفرف على السورة من أولها: (الْحَمْدُ لِلَّهِ) (الكهف:1) (وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ) (الكهف:2) (وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً) (الكهف:4)... إلى أن اختتمها جل وعلا بقوله: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) (الكهف:110). ومع كل هذه الحقائق تجد من يعرض ويفتن ويسلك الطريق العوج، ويدافع عما هو فيه من فتنة. إنها طبيعة الإنسان حين تتمرد عليه بعيداً عن الناحية التي فيها القرآن: (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الأِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً) (الكهف:54). صدقوني.. لم أقل شيئاً وبعد.... أتحسبونني إلى الآن قلت شيئاً عن هذه السورة العظيمة؟ لا والله! بل ما قلت ما أريد قوله مما جال ويجول في خاطري عنها من معانٍ وأفكار. كيف لي بذلك؟ من أنا؟ وما أنا؟ وماذا يغني علمي إزاء علم الله الذي أنزله في كتابه ؟! (قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً) (الكهف:109). هوتِ المشاعرُ والمداركُ عنْ معارجِ كبريائِكْ يا حيُّ يا قيومُ قدْ بهرَ العقولَ سنا ضيائِــكْ أُثني عليكَ بما علمتُ فأينَ علمي منْ ثنائــكِ وجميعُ ما في الكونِ فانٍ مستمدٌّ من بقائِــكْ بل كلُّ ما فيهِ فقيرٌ مستميحٌ من عطائِــــكْ ما في العوالمِ ذرةٌ في جنبِ أرضِكَ أو سمائِكْ إلا ووجهتُها إليكَ بالافتقارِ إلى غَنائــــكْ تسبحُ روحي بحمدِكْ ويلهجُ ثغري بذكــرِكْ إلهي فهبْ لي ضياءً ينيرُ فؤادي بحبِّــــكْ أنا من أنا يا إلهي ؟! سوى ذرةٍ فيْ رِحابِــكْ أزفُّ ابتهالاتِ روحي خَشوعاً ذليلاً ببابِـــكْ أناديكَ أرجوكَ أبكي وأهوى رفيفَ ضيائِـــكْ إلهيَ فاغمـرْ فـؤادي بلطفِـكَ أو بحنانِـــكْ فإني وهبتُكَ روحــي وإنْ تكُ بعضَ عطائِـكْ ولم أخشَ غيرَ عذابِـكْ ولم أهوَ غيرَ جمالِــكْ الخميس 5/ 11/2009 |
#5
|
||||
|
||||
![]() شكرا لكم اخواتي الفاضلات مروركم العطر
وبارك الله فيكم عطرتم الصفحة اختي الفاضلة المتميزة اطياف حماس والشكر موصول للاخت الفاضلة والمراقبة المتميزة ام عبدالله لكم مني كل تقدير واحترام جزاكم الله خيرا ونفع بكم اللهم انك عفو كريم تحب العفو فاعفو عني |
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |