تأخر سن الزواج مشكلة المجتمع المعاصر

[بشرى فلسطين]

بسم الله الرحمن الرحيم
ارتفعت في الآونة الأخيرة نسبة الفتيات العازبات اللائي تجاوزن سن الثلاثين ، وأصبح من المألوف أن تجد في كل بيت فتاة تجاوزت سن الزواج المتعارف عليه أو مرّت بتجربة زواج فاشلة انتهت بحملها لقب مطلقة ، ذلك اللقب الذي تخشاه الكثير من النساء ؛ وينظر إليه المجتمع نظرة ريبة ، متجاهلين الأسباب التي أدّتْ إلى تفشيه .
أنا لا أظن أن هناك امرأة تتمنى أن تكون مطلقة ،وأن تتحمل نظرات المجتمع القاتلة، بكل تأكيد الأسباب كانت أقوى من قدرتها على الاحتمال.
ولا أظن أنّ لقب عانس ستسعد به الفتاة ، هذا اللقب يلقيه المجتمع على من فاتها قطار الزواج غير آبه بقسوة معناه، وأثره المدمر في النفوس.
برأيي كل فتاة تحلم بالثوب الأبيض ، وفارس الأحلام ، والعش الهانيء
إذن ما السبب الذي أدى إلى ارتفاع نسبة العنوسة وازدياد حالات الطلاق في الوطن العربي ؟
في إحدى المرات كنت أتبادل أطراف الحديث مع صديقتي وتطرقنا إلى الحديث عن السن المناسب لزواج الشباب ، فكان لها رأي أوقعني في حيرة !
فقد قالت لي إن الشباب في بلادها لا يتزوجون قبل الثلاثين ، قاطعتها وقلت إن فلان تزوج وله من العمر خمسة وعشرون عاما ً
قالت لي : لو سمعنا عن شاب سيتزوج وعمرة خمسة وعشرون عاما لذهبنا لحضور زفافه باعتبارها فرصة لا تعوض لحضور حفل زفاف لأطفال صغار!
قلت لها : طفل في الخاسة والعشرين ، إذن متى سيكبر!
قالت لي : إن الشباب في مجتمعنا لا يفكرون بالزواج قبل الثلاثينات ؛ فالمعيشة والغلاء والبطالة ، كلها عوامل أسهمت في تأخر سن الزواج
أجبتها : وستكون العروس بلا شك بالخامسة والعشرين أو قريبة من هذا العمر .
أجابت : بكل تأكيد ولكن في الغالب عندما يبحث الشاب عن زوجة يطلب أن تكون تحت العشرين ، لأن الصغيرة فيها البركة!
انتهى الحديث
ما رأيكم ؟ معادلة صعبة ؟ أليس كذلك ؟!
إذا كان هذا هو الواقع فبكل تأكيد على الفتاة أن تقف أمام خيارين كليهما مرّ.
إما أن تُكمل تعليمها لتكون امرأة فاعلة في مجتمعها مثقفة على حساب استقرارها ، أو أن تختار الطريق الأقصر وهو أن ترمي بطموحها وحقها بالتعليم عرض الحائط لتتزوج قبل أن يفوتها قطار الزواج ، عدا قلة من المحظوظات اللواتي استطعن أن يحصلن على العلم والزوج في الوقت نفسه.
ثم إن كثير من الزيجات التي يكون فارق السن بين الزوجين كبيرا تبوء بالفشل
فالزوج رجل ناضج تعدى سن الصبا ، وبدأ سن النضج ، والزوجة فتاة ودّعتْ المراهقة بسنوات قلائل حالمة بالمثالية ، والحب الذي قرأت عنه في الأساطير ، وإذا بها تواجه مسؤليات أكبر من طاقتها ، وأعباء لا تستطيع حملها ، فكل كلمة يجب أن تكون مدروسة قبل أن تُلفظ ، وكل حركة محسوبة عليها ،وذلك الرجل يريد امرأة قوية تتحمل معه مصاعب الحياة ، وتستمع لمشكلاته ، وتتفهم عصبيته.... وضغوط كثيرة تمارس عليها دون النظر إلى فارق السن الذي سينتج عنه فروقات كبيرة في التفكير والنظرة العامة للحياة .
والنتيجة الحتمية إما أن تُهمش وتعيش على أمل أن يكون الحال في الغد أفضل ، وإما أن ينتهي هذا الزواج بالطلاق.
وللأسف الشديد كلمة طالق اعتاد لسان الكثير من الشباب عليها ؛ لتجد شابا لم يتزوج بعد يحلف على أمور تافهة ، ليلقي بالكلمة المشهورة - علي الطلاق - للأسف .
أحد أقرباء زوجي معتاد على التلفظ بها ، وذات مرة تجرأت وقلت له : لو انتظرت حتى يصير عندك زوجة لتحلف عليها بالطلاق
وكانت ردة فعله ابتسامة بلهاء؛ لا تحمل في طياتها أي شعور أو احساس بثقل هذه الكلمة التي جدها جد وهزلها جد .!
فقد أفرز لنا المجتمع شباب لا يشعر بالمسؤلية ، وفتيات ليس لديهن القدرة على التحمل و التعايش مع واقع فُرِض عليهن، فكلما بعُد المجتمع عن الدين كلما كثرت المشكلات وانعدمت الحلول .
إخوتي ، أخواتي ... لنعُد مرة أخرى إلى مشكلة العنوسة ، فكل عام يفرز لنا المجتمع فتيات ضاعت زهرة شبابهن وهن في انتظار ، حتى طغى اليأس عليهن واسودت الدنيا في عيونهن ، ونظرن إلى المجتمع بحنق وضغينة .
أعرف أن الأخوة الأفاضل يرون في التعدد حل جذري لهذه المشكلة ، فلو كان هناك تعدد لن يكن هناك عنوسة ،
بكل تأكيد في التعدد حل للمشكلة ، ولكن الكثير من الرجال لا يعرف ماهي شروط التعدد ، ويظن أن الزواج أكثر من مرة ليس إلا افتخار ورجولة !
***
في إحدى المرات قابلتني سيدة معها ابنتها المتزوجة حديثا ، باركت لها زواج ابنتها ؛ فأردفت قائلة : هو متزوج قبل ذلك
تبسمت وقلت : المهم أن يكون رجلا ذا دين وخلق ويعدل بين زوجتيه .
فإذا بها ترُد بكل ثقة : ومن قال لك أن ابنتي تقبل بضرة
قلت: أنت من أخبرتيني بذلك
أجابت بفخر : لم يمض على زواجها سوى شهور حتى جعلتْه يطلق زوجته الأولى ، بعد أن أقنعته أنها ستكون أما حنونا على أبنائه .
تمالكت نفسي وصمتت ، وقلت في قرارتي سيعود لرشده ويرجع لزوجته فهي أم أبنائه
ولن تصدقوا أني التقيت بها بعد خمسة أعوام ، وسألتها عن حال ابنتها، فقالت لي : إنها سعيدة جدا فزوجها يسعى لإرضائها وأبناؤه كذلك ، ولكنها قامت بتزويج الكبرى وعمرها خمسة عشر عاما لأنها عنيدة ولا تسمع كلمتها!
شعرت باشمئزاز وقلت لها باندفاع : ماذا لو تزوج زوج ابنتك من أخرى وطلبت منه أن يفارق ابنتك
اتسعت عيناها وقالت : لن أسمح له بذلك ، فابنتي ليست مثل باقي البنات
كدت أفقد أعصابي وقررت الانسحاب احتراما لامرأة بعمر والدتي
ولكن ....
أليست مشكلة وجود زوجة أب مثل هذه الزوجة وبشخصية هذا الزوج تفوق المنافع الناتجة عن التعدد
كم قرأنا عن جرائم تعذيب وضرب راح ضحيتها أطفال أبرياء ، والمتهم الأول هي زوجة الأب ، كم سمعنا عن أسر تفككت وضاع أبناؤها بسبب أب لا هم له سوى تعداد الزوجات وكثرة الأبناء، حتى أصبح لا يعرف أسماءهم !!
والكثير الكثير الذي لا يسعني ذكره في هذه الصفحة الضيقة
ولكن بقي الموضوع معلقا بين التعدد ، و التيسير وتقديم المساعدات للشباب العازف عن الزواج بسبب ضيق ذات اليد
وبين إنتشار العنوسة وتفشي الإنحلال في مجتمعنا الذي أصبح يحاكي المجتمعات الغربية بمعدل الجريمة والإنحطاط الأخلاقي
إخوتي الأفاضل ...
أخواتي العزيزات ...
طرحت لكم وجهة نظري وناقشتها من كل جوانبها وأنا بانتظار آرائكم التي تهمني فمجتمعنا يحتاج منا الكثير الكثير
تقبلوا تحياتي
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أختكم
حب ربي ملأ قلبي