|
|||||||
| الملتقى العام ملتقى عام يهتم بكافة المواضيع |
![]() |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
|
هل يعقل البطل ؟! محمد جلال القصاص بسم الله الرحمن الرحيم لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم هل يعقل البطل ؟! يَلْتَفُ الناس حول العظماء ، والناس حول كل عظيم فريقان ، فريق من المحبين وفريق من المبغضين ، فريق ينصره ويتبعه وفريق يرده ويدفعه . والمعتدلون قليل !! وما استطاع أحد أن ينال من عظيم قط ، أو أن يذهب بذكره من صفحات التاريخ أو من صدور العارفين ، لم يحدث هذا قط ، فكلُّ مَنْ شمر واجتهد وكان ممن حباه الله بصفاتٍ قيادية وَجَدَ مَن أحبه واتبع هديه . وإن تدبرت وجدت أن التاريخ تكتبه يدان ، يدُ محبٍ ويَدُ مبغضٍ . كتب عن الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ المحبون وكتبه عنه المبغضون . وكتب عن صحابته الكرام من أحبهم وعرف قدرهم ، وكتب عنهم من أبغضهم وأعمى الله بصيرته عن قدرهم وعلو منزلتهم . وهكذا باقي الشرفاء ومَنْ برزوا في الناس . فمثلاً المتنبي كتبَ عنه من جرده من الشعر وكتب عنه من قال عنه أشعر الناس...!! واليوم إحدى الكبر ، يصنع ( الأبطال ) ليلتف حولهم الناس ، ثم تُسوَّق المفاهيم والأفكار ، أو تحارب العقائد ، من خلال هؤلاء ( الأبطال ) المصنوعين .. بالأمس التفوا حول ( محمد عبده ) ، فزعموا أنه ثورياً ، ثائراً على الملك ، رافضاً للتواجد الأجنبي في بلده ، يستنفر الشباب لتكون كلمة الله هي العليا ، فحبسوه ( نفوه ) في بلده ـ وما كانت يومها لبنان ، كانت كلها شام وخاضعة للإدارة المصرية ، وهناك مدوا معه الجسور ، وحصل ( تفاهم ) مشترك بينه وبينهم ، وعاد الرجل يعمل من خارج المؤسسة الدينية بصفة مستقلة ، ثم أوجدوا له صفة رسمية جديدة ( مفتي ) ، وراح يفتي ، وراحوا يحملون فتواه إلى كل مكان ، حتى صار قوله ( الفصل ) ، و(له الحكم ) فيما ينزل بالناس . وصار محمد عبده ( بطلاً ) كَبُرَ في حسِّ الصغار من أهل زمانه ، ومضى التاريخ ، وكتبت يدان ، يد لا تزال تحاول أن تفرضه علينا وهي تدعي أنها أختنا ، تنشر ( أعمال محمد عبده الكاملة ) ، ويد حبيبة كشفت أن الرجل كان مخدوعاً ، وأنهم نفخوه واستعملوه للوصول إلى أهدافهم . واليوم لا زالت صناعة الأبطال قائمة . كانت السينما الهندية تعرض ( بطلها ) أميتاب باتشان ، يَغلب الدبابات ، ويقفز من الأرض للطائرات ، ويصارع الوحوش ، ويصرع العذارى بنظرات من عينيه !! وصدَّق الغافلون فحين جاء إلى مصر قامت الألوف بين يديه وارتمت العذارى تحت قدميه ، ووقف عبد البقرةِ هذا يقول : الخيالُ ينسي الشعوب المتخلفة الحقيقة !! وصَدَقَ عبدُ البقرة . فكلُّه خيال . واليوم يُصنع محمد عبده جديد من جديد . أحدهم حجمه كبير .. جَدُّ كبير .. يُحدث الناس من كبرى القنوات الفضائية .. وفي أفضل الأوقات ، وتحته مواقع عنكبوتيه تبث مواد مرئية وصوتية وكتابية باللغة العربية واللغات الأجنبية ، وتتبعه قناة خاصة !! أسأل : رصيده هذا ؟!! لا . والله لا . ولا هو هذا . هناك من يصنع ( البطل ) ، مَكَّنَهُ من المنبر العالي ، وألبسه ثوباً من الذكاء ، ووضع أمامه سلة من الزهور تبشر الناس بأن البطل سَمْحٌ يريد الخير في الدنيا ، ويضع خلفه لوحة تُذكر الناس بـ ( كفاحه ) ، ويُجْلِس معه من يوقره وكأن هذا حال كل من يجالسه ،.. هذا الذي ينفخ في المشهد هو ( البطل ) الحقيقي ، هو الفاعل الحقيقي ، وغيره هو المفعول به . هم الفاعلون وهم يفعلون به ما يشاءون من أهداف . ولن يمشوا للبعيد . فلن يكتبوا وحدهم التاريخ . ولن يكتب التاريخ فقط عنهم ويترك غيرهم . هؤلاء ( الأبطال ) ، وتيك الجعجعة تخرج من أرضنا وتمر بنا ، ولكنها ليست لنا ، إنها لقومهم . يظن الصغار والعجلى أنها تُراد للداخل العربي ، والحمقى يظنون أنها تراد للداخل الوطني ، وكنَّا مثلهم ، نقول بقولهم ، ثم تبين أن المكر كبار . إنهم يخاطبون قومهم . يبعثون لهم من أفواه ( الأبطال ) برسالة من كلمتين اثنين : ( كلنا سواء ) ، ( كله إيمان ) ، و( كلنا بني الإنسان ) . ( فلا النصرانية كفر ، ولا العلمانية إلحاد ) ، ( ولا تفاضل على الدين ) ، وأن هذا قول ( الأبطال ) ، وهي نفس الجملة التي تراد من الحوار بين الأديان ، فيقر ( يستقر ) العامي على ما هو عليه ، ولا يفكر في الخروج من ظلام الكفر البهيم ومستنقع المعاصي الآسن ، بل لا يرى ظلاماً ولا عَفَنَاً ، إذْ كله صواب !! المراد فقط صد العامة هناك عن دين الله الإسلام . وقد وقف المد الإسلامي في هذه البلاد تقريباً منذ بدأت صناعة (الأبطال ) ، منذ ظهرت مطالب المستشرقين على يد المستغربين ، أو ( الأذكياء ) الغافلين ، وقف مَدُّ الإسلام عندهم مع أنهم عندنا وأننا عندهم ، يختلطون بنا ونختلط بهم . و يستعملون ( الأبطال ) في تأجيج الصراع الداخلي ، فالملاحظ أن مع كل ( فتوى ) تهيج الساحة الفكرية ، وأن مع أطروحات ( الأبطال ) يذهب جهد كثير من الطيبين الأخيار رداً عليها وإزالة لآثارها . إنهم يصارعوننا ( بالأبطال ) ، فالملاحظ أن هؤلاء هم الفاعلون الحقيقيون ، وما ( الأبطال ) إلا مُفعلين . فهل يعقل الأبطال ؟ وإن كنت في شك من قولي ، فتش عن فراخ محمد عبده ، ستجدهم زعماء العلمانية .. سعد زغلول ، ولطفي السيد ، وعلي عبد الرازق .. الخ .. هذا ما أنتجه رجل الدين الثائر .!! وفتش عن قضايا اليوم المطروحة ستجدها هي هي بأم عينها القضايا التي تناولها ( أبطال ) الأمس ، وفتش حواليهم ستجد مَن لا خلاق لهم قد التفوا حولهم ، وأشادوا بذكرهم . فهل يعقل البطل ؟!
__________________
|
|
#2
|
||||
|
||||
|
احذرا التراكمات !! د. فيصل بن سعود الحليبيلم يعد من المستغرب اليوم أن تلتقي أحدًا من أحبابك المتزوجين فتجده مهمومًا ، يدعوك بزفراته الملتهبة ونظراته المعبرة لتفتح معه ملفات همومه الزوجية ، فإن استجبت لهذه الدعوة ، فإنه لن يتردد أن يلقي بثقل مشكلاته على قلبك ، بل ربما لم يرحم فيك وقتًا ولا قلبًا ، ولا تعتقد أنه يريد منك حلاً أو مشورة يستفيد منها بالدرجة الأولى ، بل غرضه ـ من حيث لا يشعر ـ أن ينفس عن خاطره ، ويخفف عن صدره ، ولذا فأرجو أن يسعك الحلم إذا لم يدع لك فرصة للحديث أو المقاطعة ، ولا تعجب إذا كنت أصغيت بدقة لحديثه المحزون وترى نفسك في نهايته أنك أمسكت بخيوط المشكلة وجاء الآن دورك في طرح حلولك عليه .. أن تراه يلقي بنظرته على ساعته ليقول لك : (( لقد سرقنا الوقت .. أستأذنك .. لعلي أراك في وقت آخر !! )) ثم يمضي بوجهٍ غير الذي أتى به ، وروح غير التي أتت به إليك ، ثم يدعك .. وأفكارك .. ومشورتك .. مضافة عليها بعض همومه وأحزانه !! وإذا جئت تحلل هذا المشهد المتكرر تجده باختصار : قلبًا محبًا ، مرهف الحس ، أقدم على حياته الزوجية بكل آمال السعادة ، ويحمل معه حقيبة من الطباع ، ثم يجد نفسه مع شريكه المحبوب ، فيجده إنسانًا مثله ، لا أشك أنه جاء به مثل الذي أتى به ، غير أن أي اجتماع بشري يولد الاختلاف في الرأي ، الذي يجب أن لا يفسد للود قضية ، و الاختلاف الزوجي من أسمى هذه الاجتماعات وأنقاها ، لأنه قائم على أساس المودة والرحمة والسكن ، قال سبحانه : { وَمِنْ ءَايَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } [ الروم : (21) ] . فإذا كان لابد من الاختلاف في الرأي ، مع بقاء أساس المودة والرحمة والسكن ، فلماذا يثقل الزوجان كاهليهما بهمومهما ، التي يستطيع كل واحد منهما أن ينفك عنها ، ويتخلص من قيودها الثقيلة : فإن كانت زلة الآخر خفيفة ، أو وقعت من غير قصد ، أو جاءت بحسن نية ، أو أنها مقصودة ولكنها المرة الأولى ، فعليه أن لا يفسح لهذه الزلة مكانًا في قلبه ، بل يتغافل عنها ، ويُشعِرُ صاحب الزلة أنه ما انتبه لها ، وهنا يقضى على المشكلة في مهدها دون أن تنال من فكره أو وقته ، وحتمًا سيُكبِر المخطئ هذه العظمة في صاحبه !! وأما إن كانت الزلة كبيرة عليه ، أو وجد صاحبه مستمرًا في استفزازه بما يكره ، أو رآه مقصرًا في أكثر حقوقه ، فإن الموضوع لا يتجاوز جلسة تكون خارج نطاق المنزل ، في جو هادئ ، مفعم بالحب والتفاؤل ، ثم يبدأ صاحب الهم من زوج أو زوجة يبث لصاحبه شجنه وحزنه ، كما لو لم يكن من يحدثه هو من أشجاه وأحزنه ، مبينًا له فرط حبه له ، وتعلق فؤاده به ، غير أنه ضايقه منه كذا .. وكذا ، من غير تشقيق للمشكلة ، ولا الدخول في عميق تاريخها وتبعاتها ، بل يحصرها في نقطة صغيرة ، حتى لا يأخذ الحديث فيها كل وقت الجلسة الجميلة ، وجميل أن يعطي صاحبه فرصة للحديث ، وأن يقبل منه عذره من غير إذلال ولا استكبار ، وأن يفكر الزوجان في ختام حميم للجلسة قبل البدء فيها ، ليعودا كأوراق الورد المتآلفة يلف بعضها بعضا ، لا يظهر جمال إحداها إلا بالأخرى . أما التراكمات النفسية ، فإنها لا تورث إلا السقم في البدن ، والشرود في التفكير ، ومزيدًا من الفرقة والاختلاف ، وسقيًا لجذور المشكلة وتعميقًا لها ، وإنها لتهدم في بناء الحب ، وتشوه سموقه ، حتى لتغدو كالبركان الثائر .. لا يدرى متى سينفجر .. فلتحذرا هذه التراكمات !!
__________________
|
|
#3
|
||||
|
||||
|
التدين الفكري !! يقول الإمام الغزالي – يرحمه الله - : (( اعلم أن آداب الظواهر عنوان آداب البواطن ، و حركات الجوارح ثمرات الخواطر ، و الأعمال نتائج الأخلاق ، و الآداب رشح المعارف ، و سرائر القلوب هي مغارس الأفعال و منابعها ، و أنوار السرائر هي التي تشرق على الظواهر فتزينها و تحليها . و من لم يخشع قلبه ، لم تخشع جوارحه ، و من لم يكن صدره مشكاة الأنوار الإلـٰهية ، لم يفض على ظاهره جمال الآداب النبوية )) . إن ما قاله الإمام الغزالي لهو كلام دقيق و عميق ، أوحى لي بما قد يكون مفتاحاً لحل مشكلة الانفصال الذي يعيشه المسلم أحياناً بين سلوكه و عقيدته ، أو بعبارة أخرى الانفصال بين التدين الفكري و التدين العملي ؛ فلماذا لا يعطي الإيمان أو العلم الشرعي أحياناً ثمراته ؟ ما هي الموانع يا ترى ؟ ، فلإيمان كما يقول سيد قطب : (( قوة دافعة ، و طاقة مجمعة ، فما تكاد حقيقته تستقر في القلب حتى تتحرك لتعمل ، و لتحقق ذاتها في الواقع ، و لتوائم بين صورتها المضمرة و صورتها الظاهرة ، كما أنها تستولي على مصادر الحركة في الكائن البشري كلها ، و تدفعها في الطريق .. )) . لابد أن نتفق ابتداءً على أن العلم المجرد لا يأخذ باليد ؛ فالعلم بلا عمل جنون ، و العمل بلا علم لا يكون ، إذن فلابد من العلم و العمل معاً . يقول الإمام ابن القيم : (( العمل لقاح العلم ، فإذا اجتمعا كان الفلاح و السعادة ، و إن انفرد أحدهما عن الآخر لم يفد شيئاً )) . و قال الخطيب البغدادي في كتابه القيم " اقتضاء العلم العمل " : (( ثم إني أوصيك يا طالب العلم بإخلاص النية في طلبه ، و إجهاد النفس على العمل بموجبه ، فإن العلم شجرة ، و العمل ثمرة ، و ليس يُعَدُّ عالماً من لم يكن بعلمه عاملاً .. ، فلا تأنسْ بالعمل ما دمت مستوحشاً من العلم ، و لا تأنس بالعلم ما كنت مقصراً في العمل ، و لكن اجمع بينهما و إن قَلَّ نصيبك منهما .. ، و ما شيء أضعف من عالم ترك الناس علمَه لفساد طريقته ، و جاهلٍ أخذ الناس بجهله لنظرهم إلى عبادته )) . كم إلى كم أغدو إلى طلب العلـ --- ـم مُجِدّاً في جَمْعِ ذاك حَفيـّا و العلم لا يُطلبُ لذاته ، و لا للتجمل و التباهي به بين الخلق ، و إنما هو وسيلة إلى البر و التقوى الذي به يستحق المسلم الكرامة عند الله و السعادة الأبدية . قال الثّوري : (( إنما يُتعلم العلم ليتقى به الله .. )) ، و قال : (( زينوا العلم ، و لا تزينوا به )) ، و قال أبي بن كعب : (( تعلموا العلم و اعملوا به ، و لا تتعلموه لتتجملوا به ، فإنه يوشك إن طال بكم زمان أن يُتجمل بالعلم كما يتجمل الرجل بثوبه )) .طالباً منه كل نوع و فــــنٍّ --- و غريبٍ و لستُ أعملُ شيّـا و إذا كان طالب العلم لا يعــ ـملُ بالعلم كان عبداً شقيّــا إنما تنفع العلومُ لمن كــــا --- ن بها عاملاً و كـان تقيــّـا تفقه فـإن الفقه أفضل قائـــدٍ --- إلى البر و التقوى و أعدلُ قاصــد هذا هو جوهر المسألة ؛ أن العلم وسيلة و ليس غاية ، فقد قال عليه و آله الصلاة و السلام : " من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً ، سهَّل الله له طريقاً إلى الجنة " [ صحيح ، الألباني – صحيح الترمذي : 2646 ] ، إذن فالعلم وسيلة و طريق إلى الجنة ، و لا يكون هذا إلا بالعمل بمقتضى هذا العلم . و قال تعالى : ﴿ و لِيعْلَمَ الَّذينَ أُوتُوا العلْمَ أَنَّهُ الحقُّ مِن رَّبِّكَ فيُؤْمِنوا بِهِ فتُخْبِتَ لَهُ قُلوبُهُمْـ .. ﴾..{ الحج : 54 } : علم فإيمان فإخبات ؛ أي خشوع و سكينة و انقياد ، فعندما تخالط بشاشة العلم القلب ، يدرك ما فيه من حقيقة و صدق . فكيف لنا أن نصل بالعلم إلى درجة الخشوع و الانقياد ؟ كيف لنا أن ننتقل من عالم الأفكار إلى عالم السلوك العملي ؟ فالسلوك يكمن وراءه دوافع رسخت و تعمقت في نفس الإنسان ، فكيف لنا أن نترجم هذه الدوافع إلى واقع عملي ملموس ؟ .هو العلَمُ الهادي إلى سَنن الهُدى --- هو الحصن ينجي من جميع الشدائد فإن فقيهاً واحداً متورعــــاً --- أشد على الشيطان من ألف عابــد يقول الإمام الشاطبي : (( إنما يكون العلم باعثاً على العمل إذا صار للنفس وصفاً و خلقاً .. ، على أن المثابرة على طلب العلم ، و التفقه فيه ، و عدم الاجتزاء باليسير منه ، يجر إلى العمل به و يلجئ إليه )) . هذه هي القاعدة التي يمكن أن تلخص كل ما يمكن أن يقال في هذه المسألة . و لكن كيف يصير العلم للنفس وصفاً و خُلُقاً ؟ ما هي السبيل التي ينبغي أن نسلكها في طلب هذا العلم ؟ . يقول الإمام أبو حامد الغزالي : (( .. العلم عبادة النفس ، و في لسان الشرع عبادة القلب ، فلا يصح إلا بطهارة القلب عن خبائث الأخلاق ، و أنجاس الصفات .. فإن قلتَ : فكم طالب رديء الأخلاق حصل العلوم ؟ .. فما أبعدك عن فهم العلم الحقيقي الديني الجالب للسعادة !! فما يحصله صاحب الأخلاق الردية حديث ينظمه بلسانه مرة ، و بقلبه أخرى ، و كلام يردده ، و لو ظهر نور العلم على قلبه لحسنت أخلاقه ، فإن أقل درجات العلم أن يعرف أن المعاصي سموم مهلكة )) . و قال ابن عاشور – يرحمه الله - : (( ليس العلم رموزاً تُحَل ، و لا كلمات تُحفظ ، و لا انقباضاً و تكلفاً ، و لكنه نور العقل و اعتداله ، و صلوحيته لاستعمال الأشياء فيما يحتاج إليه منها ، فهو استكمال النفس ، و التطهر من الغفلة و التأهل للاستفادة و الإفادة ، و ما كانت العلوم المتداولة بين الناس إلا خادمة لهذين الغرضين ، و هما : ارتقاء العقل لإدراك الحقائق ، و اقتدار صاحبه على إفادة غيره بما أدركه هو . إذن فالعلوم التي تدرس إن لم تكن الغاية منها ما ذكرنا فهي عبارة عن إضاعة العمر و امتلاء الدماغ ، و لا يكاد يبلغ المتعلم الغاية المذكورة إلا متى تلقى العلم بيقظة ، و راقب غاياته في أعماله ، كمراقبة قواعد النحو في التكلم ، و قواعد الفقه في المعاملة .. ، فإن هو لم يفعل و تعاطى العلم عن ذهول بما تقرر كان قد أضاع زمناً في التعلم من غير استثمار إلا ألفاظاً حفظها )) . و قال الإمام الشافعي : (( الطبع أرض ، و العلم بذر ، و لا يكون العلم إلا بالطلب ، فإذا كان الطبع مساعداً زكا ريع العلم و تفرعت معانيه )) . و يقول سيد قطب : (( فالعلم الحق هو المعرفة .. هو إدراك الحق .. هو تفتح البصيرة .. هو الاتصال بالحقائق الثابتة في هذا الوجود ، و ليس العلم هو المعلومات المفردة المنقطعة التي تزحم الذهن و لا تؤدي إلى حقائق الكون الكبرى ، و لا تمتد وراء الظاهر المحسوس .. و هذا هو الطريق إلى العلم الحقيقي و المعرفة المستنيرة .. القنوت لله )) . من هذه الأقوال نلحظ أنه لابد من طهارة و استنارة القلب و تزكية النفس حتى يستقيم الخلق ، و ما الخلق إلا السلوك الناشئ عن أفكار متعمقة ثابتة و راسخة في النفس .. أي العلم ، و الخلق قابل لتأثير التربية الحسنة و السيئة فيه ، فإذا ما رُبِّيَ المرء و رُوِّضَ على حب الجميل و كراهية القبيح ، أصبح ذلك طبعاً له ، و صدرت عنه الأفعال الإرادية الجميلة و دون تكلف ، لأنه أصبح هيئة راسخة في النفس . و استكمال فضائل النفس أمر يحتاج إلى مجاهدة ، و لكن في بعض الأحيان تكون بيئة المرء عائقاً يحول دون تحقيق ذلك ، فيحتاج الأمر هنا إلى العزلة الكلية أو النسبية ، و أحياناً إلى العزلة الشعورية ؛ فيجعل لنفسه عالماً آخر يعيش و يحلق فيه ، فهو له شأن و من حوله لهم شأن آخر ، يعيش معهم بجسده و لكنه يحلق في عالم وجداني و قيمي مختلف عما هم فيه ، فهذا سيعينه على الارتقاء ، كالعزلة الشعورية التي كان يعيشها الصحابة – رضي الله عنهم – في صلاتهم بالمجتمع الجاهلي . و في هذا السياق يقول الشيخ سعيد حوى – يرحمه الله – في شرح حكم ابن عطاء : (( قد يكون الإنسان في الأصل في بيئة سيئة ، فهذا يجب عليه أن يتخلص من شرورها و سيئاتها ، فما دام هو فيها و يخالطها فهو عاجز ، فلا حل إلا أن يعتزل الإنسان للخلاص منها . و قد تكون البيئة بيئة عادية فيها خير و فيها شر ، لكنه ما دام فيها فهو ينجذب إلى مواقف ، فالخلاص من هذا يقتضي نوعاً من أنواع الانقطاع )) . لعل هذا الأمر هو ما دفع العلماء إلى اشتراط أن يتتلمذ طالب العلم على العلماء لا على الكتب ، حتى يسري إليه حال العلماء ، و يظهر عليه سمت العلم و أدب العلم و نور العلم . و هو كذلك ما دفع و يدفع الآباء و الأمهات إلى أن يدفعوا بأولادهم إلى المؤدبين و العلماء ليُحفظوهم القرآن ، و ليعلموهم العلم الشرعي ، حتى يقبسوا من أخلاقهم و آدابهم ، فيربطوا العلم و القرآن مع السلوك ، فطلب العلم كما يقول الشوكاني : (( له ركنان : أدب النفس ، و أدب الدرس )) ، و يقول أيضاً : (( .. و لعل اشتراط العلماء أن يكون طالب العلم قد تلقى علمه عن شيوخ لا عن كتب ، كي يتأكدوا من تخلقه بأخلاق العلماء ، و تحليه بأدبهم ، و هذا لا يحصل إلا بالمعرفة و المصاحبة و الاختبار ، و بعده يكون التوثيق و التعديل ، إذ العلم لا يؤخذ عن مجهول أو مستور )) . و لذلك قالوا : (( لا تصاحب من لا ينهض بك حاله ، و لا يدلك على الله مقاله )) . بعد هذا نقول .. إن البقاء في مرحلة التدين الفكري ربما يؤدي إلى فقدان التوازن عند المرء ، فانفصال الفكرة عن السلوك يجعل صاحبه يحاول أن يجد مسوّغاً عقلياً بل و شرعياً أيضاً لتصرفه السلوكي ، و هذا أمر متعب للنفس ، لأنه لا يستطيع أن يعيش حياة مزدوجة بين تصوره الإيماني و واقعه العملي ، فلابد من الصدق و الوضوح ، و هذا لا يكون إلا بانسجام الفكرة مع السلوك . يقول سيد قطب : (( .. فالقلب متى تذوق حلاوة هذا الإيمان و اطمأن إليه و ثبت عليه ، لابد مندفع لتحقيق حقيقته في خارج القلب .. في واقع الحياة ، في دنيا الناس ، يريد أن يوحد بين ما يستشعره في باطنه من حقيقة الإيمان ، و ما يحيط به في ظاهره من مجريات الأمور و واقع الحياة ، و لا يطيق الصبر على المفارقة بين الصورة الإيمانية الوضيئة التي في قلبه و حسه ، و الصورة الواقعية من حوله ، لأن هذه المفارقة تؤذيه و تصدمه في كل لحظة )) . اللهم علمنا ما ينفعنا ، و انفعنا بما علمتنا ، و زدنا علماً .... ، اللهم آمين ، و الحمد لله رب العالمين .
__________________
|
|
#4
|
||||
|
||||
|
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته بارك الله فيك أخي الكريم موضوع مهم لك جزيل الشكر على النقل الطيب |
![]() |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |