حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح ... [حسين بن محمود] من القديم الجميل

[ahmad12]

حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح

الحمد لله المتفرد بالكمال والجمال ، العزيز المتعال .. والصلاة والسلام على من كمل خَلْقه وخُلُقه محمد مضرب الأمثال .. أما بعد :

انشغلت النفس بهذه الأحداث التي عصفت بالأمة منذ أوقات ، وتاقت بعد كل هذه الملمات إلى ساعة تهرب منها إلى ما ليس منها .. أصبحت نفسي كلها أتراح .. أردت لها أن ترتاح ، فأخذتها مع "حادي الأرواح ، إلى بلاد الأفراح" ، فكانت سياحة في زمان غير هذا الزمان ، ومكان غير هذا المكان ، بين الكؤوس والوِلْدان ، في صحبة الأحباب والخلّان ، تحت نخلٍ ورُمّان ..

لبنات من فضة وذهب ، لؤلؤةٍ مجوّفةٍ دون خشب .. ونهر خمرٍ ولبنٍ وماء ، وأسراب طيرٍ تسبح في الهواء .. جلستُ تحت ظل شجرة عظيمة جليلة ، قطوفها دانية ، أوراقها جميلة .. غاب التعب ، ولّى النَّصَب ، ليس في ذاك المكان للحزن سبب !!

وبينا أنا من عجبٍ إلى عجب !! أبصرت ضبية بانٍ عن كثب .. ليس لها بين الغواني توأمِ ، فركت عيني خشية التوهُّم .. أغضضتُ طرفاً علّي أسلم ، أحسستُ ناراً في القلبِ تُضرَم ، أنشدتُ شعراً ليس يُذمم ، حُقَّ للجمال أن يُكرَّم .. طارت أحرفٌ مرصوصةٌ من فمي ، ما لقيت في وردها تَحَمْحُمِ :

عَروبٌ رَشوفٌ إن نطقت .......... غابت حروف المُعْجمِِ (1)
شَمُوعٌ رَصُوفٌ إذا خَلَتْ ........... بفَصـيحٍ صيّرته أبكمِ (2)
غادةٌ عبْقرَةٌ إذا انثَنَت .......... تساقَطَت من السماء الأنجُمِ (3)
حوريَّة مليحة إن برَزت ........... ظنَّ الورى أنَّهمُ في حُلمِ (4)
رائعةٌ باهرةٌ إذا التَقَتْ ................... بالبَدْر غابت أنجُمِِ (5)
عبقَرةٌ هِركَولةٌ إن أدبرتْ ........... أَرَتْكَ دِعْصَ رملٍ أيْهَمِ (6)
مَمْكُورةٌ ممشوقةٌ إن أقبلت ........... رأيتَ بدرَ ليلٍ أسْحَمِ (7)
غانيةٌ وسيمةٌ إن لَحَظَتْ ....... بطَرفها عبداً صحيحاً يَسْقُمِ (8)
رَخيمةٌ خريدَةٌ إذا بدتْ ........... مِنها الظِّلالُ عُدَّت مغْنَمِ (9)
بَهْنَكةٌ وبَضَّةٌ إذا مشَتْ ..... خافت هوىً لجِلدِها أنْ يَكْلُمِ (10)
حَوَرْوَرٌ قسيمةٌ إن أسْفَرت ........... فغيرُها جمالها توَهُّمِ (11)
رداحُ يا صاحِ إذا تقَلَّبت ......... فلا يُرى إلا سَنامً فافهَمِ (12)
حَوَلْوَلٌ مبتَلَّةٌ في نحرها .................. دواءُ سُقْمٍ فاعلَمِ (13)
رَجْراجَةٌ لَفَّاءُ وصفُ فخذها ..... كأنه مُصْقولُ عاجٍ فَخِمِ (14)
دَهْثَمةٌ بَلهاءُ كمْ أدَّبها ............... صَرْفُ الزَّمان الأقْدَمِ (15)
سَمْسَامةٌ سُرْعُوفَةٌ لؤلؤها .…........... بريقُ ثلجِ الموسِمِ (16)
مُنيفَةٌ شَموسٌ خَوْدٌ فُنُقٌ ......... رحيقُها في الوجومِ بلسَمِ (17)

فأقبلتْ وطرفها ناعسٌ من غير نصب ، والقلب مني يهتزّ من طرب وعجبْ ..

قالت وأبدت عجبا بلا عجب : ما السبب ؟؟

زاد العجب !!

قلتُ لها : يا خَوْد هل لي بسبب ؟؟

أبدت ثغراً منها مُلتهب : المهرُ ، عُبَيدالله ، لا النَّسب !!

قلتُ : وما المهر يا ذات الوشاح من ذهب !!

قالت : إقبالٌ في ساح الوغى ، رصاصة ، قنبلة ذات لهب ..

طار عقلي فرحاً ، ورحت أشدو في صخب :

يا نفس قد كُفيتِ النَّصَبْ : غُزيَّةٌ ، ثم الحبيب المرتَقَب !!

ضحِكَت ، وصكَّت بالبنان ثغراً من عنب ،

ثم قالت ، وقد زانها الحياء والأدب : من يخطب الحسناء يأتي بالعجب .. ولا عجب !!

الهامش:

* عنوان كتاب لابن قيم الجوزية في وصف الجنة ونعيمها .. وهو مطبوع ..

(1) عَروب : إذا كانت محبة لزوجها متحببة إليه .. رشوفٌ : طيبة الفم ..
(2) شَمُوعٌ : لَعوبٌ ضَحوك : اللتي تُقبّلك ، ولا تُطاوعك على ما سوى ذلك .. رصوف : طيبة الخُلوة ..
(3) غادة : متثنِّية من اللين والنعمة .. عبقَرة : ناعمة جميلة ..
(4) حورية : متميزة بجمال خاص عن جميع النساء ..مليحة : تملك جاذبية للناظر لا تُملّ ..
(5) رائعة : تبعث على السرور والروعة عند النظر .. باهرة : غالبة لجمال النساء ..
(6) عبْقَرةٌ : ناعمة جميلة .. هِرْكولة : عظيمة الوركين .. أيهم : العالي والمُرتفع
(7) ممكورَة : دقيقة المحاسن .. ممشوقة : لطيفة الخصر مع امتداد القامة ..
(8) غانية : مستغنية بجمالها عن الزينة .. وسيمة : ذات حُسنٍ ثابتٍ كأنه موسوم .. يسقُم : يمرض ..
(9) رخيمة : منخفضة الصوت .. خريدة : شديدة الحياء ..
(10) بهنكة : جميلة الوجه حسنة المُعرى .. بضَّة : رقيقة الجلد ناعمة البشرة .. يكلم : يجرح ..
(11) حَوَرْوَرٌ : بيضاء .. قسيمة : ذات حظ وافر من الحسن في تقاسيمها ..
(12) رَدَاح : عظيمة العجيزة ..
(13) حَوَلوَل : المرأة الكَيِّسة .. مُبْتَلَّة : كل شيء منها حسَنٌ على حياله ، كأنها مقطَّعة الحُسن ..
(14) الرَّجراجة : الرَّقيقة الجلد ، الملأى الخَلق ، اللَّينة .. لَفَّاء : ضاق مُلتقى فخذيْها لكثرة لحمها ، في صلابة وحُسن ..
(15) الدَّهْثمة : الماجدة السَّهلة الحُرَّة .. البلهاء : الظريفة الكريمة المُغفَّلة عن الشر اللتي لا تجربة لها ..
(16) سمسامة : الخفيفة اللطيفة .. سُرْعُوفة : الناعمة الطويلة ..
(17) المُنيفة : التَّامة .. الشَموس : اللتي لا تُطالع الرِّجال ولا تُطمِعُهم .. الخَوْد : الشابة الحَسِنة الخُلُق .. الفُنُق : العظيمة الحسناء .. الوُجوم : الحُزن المُسكِت لصاحبه ..

نسأل الله من فضله ...


كتبه
حسين بن محمود