|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
![]() واأسفا على الغيرة الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وخاتم المرسلين، عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فإنه مما لا يخفى على كل مسلم عاقل وهبه الله بصيرة، ما كانت تعاني منه البشرية قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم؛ من ضلالة في المعتقد، ووحشية في المعاملات، وتردّ في السلوك. فبعث الله جل وعلا رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم للناس كافة بشيراً ونذيراً، وليخرج الناس من ظلمات الشرك إلى نور التوحيد، ومن أخلاق الرذيلة إلى أخلاق الفضيلة؛ ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة؛ ومن جور الأديان إلى عدالة الإسلام. فكان خير مبلَّغ صلوات ربي وسلامه عليه، فأدى الأمانة، وبلَّغ الرسالة، ونصح الأمة. وما ترك طريق خير إلا دلَّ أمته عليه، وما ترك طريق شر إلا حذّر أمته منه، وما كتم شيئاً مما أمره الله به ـ وحاشاه من ذلك ـ، فنقل الأمة من ضلال الجاهلية، وذل العبودية لغير الله، إلى نقاء العقيدة، وعزة الإسلام. ومما بُعث به النبي صلى الله عليه وسلم: نشر الأخلاق الحسنة، والمعاملات الطيبة بين الناس، كما قال صلى الله عليه وسلم: "إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق"[1]. فكان ما قال حقاً.. فتممّ مكارم الأخلاق، وسار الناس على النهج السديد، وتحلّوا بهذه الأخلاق، فتغيّرت أحوالهم، وعَلَت هاماتهم، وسمَت آمالهم، فأصبح الذليل عزيزاً، وأصبح المنفِّر مبشراً؛ وأصبح الفظ الغليظ ليّناً. وربّى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه التربية التي أصبحت مضرب الأمثال، حتى أصبحوا مثلاً يُقتدى بهم. وكان من أعظم الأخلاق التي أوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم، وحثّ عليها أمته: (الغَيْرَة).. ذلك الخلق الذي افتقده كثير من المسلمين من حيث شعروا، ومن حيث لا يشعرون. وقد نبَّه النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأمة على عِظَم ومنزلة هذا الخلق الفاضل، حيث قال: "إن الله تعالى يغار، وغيرة الله أن يأتي المرء ماحرَّم الله عليه"[2]. فبيَّن أن من انتهك حرمات الله، فقد اجتاز سوراً عظيماً، وبيَّن أن ربنا ـ جل وعلا ـ يغار إذا انتهكت محارمه، وتُعدِّيَ على حدوده. ولِما لهذا الخلق الطيب من أهمية قصوى، ولأنه من قوائم الحياة الشريفة والعيش السعيد، ولِمَا له من دور في حفظ العزَّة والشرف بين الناس، فقد زرعه النبي صلى الله عليه وسلم في قلوب أصحابه، وبسبب التزامهم بهذه التربية العظيمة، ضربوا لنا أروع الأمثلة تطبيقاً لما تربّوا عليه. فهذا سعد بن عبادة رضي الله عنه يقول: "لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح"؛ فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أتعجبون من غيرة سعد، لأنا أغير من سعد، والله أغير منّي"[3]. فانظر إلى أي مدى وصل إليه أولئك النفر الطيبون، من الغيرة على الأعراض والمحارم، وانظر إلى نتائج تربية النبي صلى الله عليه وسلم، وتأمّل ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه، حتى يتمكن هذا الخلق من قلوبهم، ويأخذ مكانه في التطبيق. ومن آثار هذا الخلق ـ أيضاً ـ: حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ عندما قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يُحشر الناس يوم القيامة حفاة، عراة، غرلاً"؛ قلت: النساء والرجال جميعاً، ينظر بعضهم إلى بعض؟! قال صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة! الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض"[4]. فهالها المنظر وشد انتباهها؛ وأخذتها (الغَيْرة) على المحارم، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم بتعجّب وذهول: "النساء والرجال جميعاً، ينظر بعضهم إلى بعض؟!". فقد أخذتها الغيرة؛ ووصل الحياء منتهاه، فانتبهت لأمر لا يعدُّ شيئاً بالنسبة لهول ذلك المشهد العظيم، لكن لفرط غيرتها استحوذ الموقف على تفكيرها. وهذا علي رضي الله عنه يرسل إلى إحدى المدن يخاطب أهلها، يقول: "بلغني أن نساءكم يزاحمن العُلوج ـ كفار العجم ـ في الأسواق، ألا تغارون؟!! إنه لا خير فيمن لا يغار". وهنا السؤال: لِمَ تحركت هذه الغَيْرة في قلوبهم؟ لأنهم قد سمعوا وتعلموا، وعرفوا أهمية الأمر الذي يوصي به النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذوا به، واجتهدوا في تطبيقه، وتركوا الوقوع في خلافه. ثم بعد ذلك مضت العصور، وارتحل أولئك النفر الأطهار الأبرار، الذين رفعوا راية التوحيد خفّاقة، وأذلُُّوا الشرك وأهله، وخفضوا رايتهم. ولكن بقيت آثارهم الطيبة محفوظة، ليتعلم منها الناس، وليهتدوا بها. لذلك لم تختفِ تلك الأمثلة الطيبة حتى بعد رحيلهم، لأن الذين جاؤوا من بعدهم تمسّكوا بما كان عليه أولئك النفر الطيبون. وتأمل هذا الموقف الذي يعكس لك مدى (الغَيْرة) عند من تمسك بآثار السلف، وسار على طريقهم: |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |