|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||
|
|||
![]() ![]() فليس سببُ هذا الطردِ والإخراجِ والاضطهادِ؛ أنهم أنجاسٌ في أفكارِهم أو عقائدِهم أو أخلاقِهم أو تعامُلِهم! ولكنْ لأنهم (قومٌ يتطهَّرُون)! قال القرطبي: "قال قتادة: عابوهم واللهِ بغيرِ عيبٍ؛ بأنهم يتطهَّرون من أعمالِ السوء". (3) وقال ابن عاشور: "لكن القوم لما تمردوا على الفسوق؛ كانوا يَعُدُّون الكمالَ مُنافِراً لطباعِهم؛ فلا يُطِيقُون مُعاشرةَ أهلِ الكمال، ويذمُّون ما لهم من الكمالات... وهذا من قلبِ الحقائق لأجل مشايعةِ العوائد الذميمة". (4) أيُّ انقلابٍ في المعاييرِ؟ وأي ردةٍ في المقاييس يمكن أن يرتكسَ فيها الإنسان إذا جرَتْ به الأهواءُ فصار من الأشقياء؟! كما قال صاحبُ الظلال في تفسير قولِ الله تعالى: (وإذا قيل لهم لا تُفسِدوا في الأرضِ قالوا إنما نحن مُصلحون ألا إنهم هم المفسِدُون ولكنْ لا يشعرون) (5) : "الذين يُفسِدون أشنعَ الفساد، ويقولون: إنهم مُصلِحون كثيرون جدّاً في كل زمانٍ؛ يقولونها لأنَّ الموازينَ مُختَلَّةٌ في أيدِيهم! ومتى اختلَّ ميزانُ الإخلاصِ والتجرُّدِ في النفسِ اختلَّتْ سائرُ الموازينِ والقيم؛ والذين لا يُخلِصُون سَريرتَهم لله يَتعذَّرُ أن يَشعُروا بفسادِ أعمالِهم؛ لأنَّ ميزانَ الخيرِ والشرِّ والصلاحِ والفسادِ في نفوسِهم يتأرجحُ مع الأهواء الذاتية ولا يثُوب إلى قاعدةٍ ربّانية". (6) ومَن يُشاهِد اليومَ هذه الحربَ الظالمة التي يَشُنُّها الصَّلِيبيُّون واليهودُ الأشقياء على الأنقياء الأتقياء من المسلمين؛ فيحتلون ديارَهم وينتهكون مُقدساتهم ويُظهِرون في الأرضِ الفسادِ؛ ثم يقولون: إنما نُحارب (الإرهاب)، ويرى الأشرارَ المجرمين في تحالفِهم مع الصليبيين والصهاينة الحاقدين على الإسلام وهم يُصنِّفون حلفاءَهم في معسكرِ الخيرِ وأعداءَهم من الأحرارِ في معسكرِ الشر؛ يتذكَّر قولَ الظالمين: (إنهم أناسٌ يتطهَّرون)! ومن المحزنِ أنَّ كثيراً من المسلمين في زماننا ما زالوا يهتمُّون بانقلابٍ في دولةٍ من دُولِ (مُلوكِ الطوائفِ) يُودِي بطائفةٍ ويأتي بأُخرى؛ كلما دخلتْ أمةٌ لعنتْ أُختَها! ولكنْ قَلَّما ينتبهون إلى أخطرِ انقلابٍ على الإطلاق: ألا وهو انقلابُ المعاييرِ؛ الذي يؤدِّي إلى الانحرافِ عن الثوابتِ. فهذه الحربُ التي تتعمد تحريفَ المعاييرِ وإعطاءَ الأسماءِ مُسمَّياتٍ جديدةً مُزوَّرةً؛ تهدف إلى تغييرِ المفاهيم الإسلامية وزلزلةِ الأسُسِ الفكريّة، وهَزِّ الثوابت الدينية؛ حتى لا تترك ثابتاً من الثوابتِ يثوبُ الناسُ إليه ولا ضابطاً من الضوابط تحتكم الأمة إليه! إنها معركة المفاهيم بين الحقِّ والباطل.. منذ فجرِ التاريخ؛ ألم يقل قومُ نوح وهم في غيِّهم سادِرُون لنبيِّهم عليه السلام الذي جاء لإنقاذِهم من الضلال: (إنا لنراك في ضلالٍ مبين)! (7) ألم تقل عادٌ لهودٍ عليه السلام: (إنا لنراك في سفاهةٍ وإنا لَنَظُنُّك مِن الكاذبين)! (8) ألم يقل الملأُ المفسِدون في الأرضِ من قومِ فرعون عليهم لعائنُ الله: (أتذرُ موسى وقومَه ليُفسِدُوا في الأرضِ ويذَرَ وآلهتَك)؟! (9) فـ"هكذا تنقلب الموازينُ، وتبطل الضوابط، ويحكم الهوى؛ ما دام أنَّ الميزان ليس هو ميزانَ اللهِ الذي لا ينحرف ولا يميل... وماذا تقول الجاهلية اليومَ عن المهتدين بهدى الله؟ إنها تُسمِّيهم الضالِّين... وماذا تقول الجاهلية اليومَ للفتاةِ التي لا تكشف عن لحمِها؟ وماذا تقول للفتى الذي يستقذر اللحمَ الرخيص؟ إنها تُسمِّي ترفُّعَهما هذا ونظافتَهما وتطهُّرَهما رَجْعِيةً وتخلُّفاً وجموداً"! (10) ألمْ يقلْ فرعونُ إمامُ المفسدين وهو يسعى إلى القضاءِ على نبي الله موسى عليه السلام؛ فيتهمه بتهمة هي أقرب ما تكون إلى (تهمة الإرهاب) في زماننا؛ باعتبارِها إظهاراً للفسادِ في الأرض، (وقال فرعونُ ذروني أقتلْ موسى وليدعُ ربَّه إني أخاف أن يُبدِّلَ دينَكم أو أن يُظهرَ في الأرضِ الفساد)! (11) سبحان الله.. المقالة واحدة، والتهمة واحدة، والحكم واحدٌ.. فقد صارتْ شعارًا لكلِّ الظالمين، كلما خلت منهم أمةٌ خلفتْ أخرى: (أخرِجُوهم من قريِتكم إنهم أُناسٌ يتطهَّرون)! (12) وسُنَّةُ الله تمضي عليهم جميعا: (كذلك ما أتى الذين من قبلِهم من رسولٍ إلا قالوا ساحرٌ أو مجنونٌ أتواصوا به بل هم قومٌ طاغون)! (13) فهذه الحرب الفكرية التي تستهدف ثوابتَنا الدينية ومبادئنا الشرعية لا يمكن أن نَصُدَّها بالسلاحِ وحدَه، ولكن بالوعيِ بطبيعةِ هذه الحرب على الإسلام، والتمسكِ بالمفاهيم الشرعية؛ وأن لا ندع أعداءَ الإسلام يَسْتَخِفُّون بنا؛ "وما كان فرعونُ بقادرٍ على أن يَستخِفَّ قومَه فيُطيعوه؛ لو لم يكونوا فاسِقين عن دينِ الله؛ فالمؤمن بالله لا يستخفه الطاغوتُ ولا يُمكن أن يُطيعَ له أمراً وهو يعلم أنَّ هذا الأمرَ ليس من شرعِ الله"! (14) إنَّ أعظمَ ما يُثبِّتنا في هذه الحرب الضارية ويُنجينا في الآخرة هو استمساكُنا بدينِنا وثوابتِنا، وتمييزُنا بين الحقِّ والباطلِ؛ ورحم اللهُ أسماءَ ذاتَ النطاقين فقد سألها عدوُّ الله الحجاج بن يوسف بعد أن قتلَ ولدَها عبدَ الله بن الزبير: (ما ترينني فعلتُ بعدوِّ الله؟) فأجابتْه رضي الله عنها بقولِ كلِّ مؤمنٍ ثابتٍ يعلم طبيعةَ المعركة ومآلَها في النهاية: (رأيتُك قد أفسدتَ عليه دنياه؛ وأفسدَ عليك آخرتَك)! (15) وإن أشدَّ ما يتهدَّدنا في الدَّارَيْن هو انحرافُنا عن هذه الثوابتِ والمبادىء؛ فلْنحذَرْ عاقبةَ المنحرفين من أهلِ القرى في شعابِ التاريخ الطويل، الذين قال الله تعالى فيهم: (وما وَجَدْنا لأكثرِهم مِن عهدٍ وإنْ وَجَدْنا أكثرَهم لَفاسِقين) (16)؛ فـ"هذه ثمرةُ التقلُّبِ ونقضِ العهدِ واتباعِ الهوى؛ ومن لم يُمسِكْ نفسَه على عهدِه مع الله مستقيماً على طريقتِه مُسترشِداً بهداه؛ فلا بد أن تتفرَّقَ به السُّبُلُ، ولا بد أن ينحرفَ، ولا بد أن يفسق؛ وكذلك كان أهلُ تلك القرى؛ وكذلك انتهى بهم المطاف"(17). ---------- |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |