شفاء المقدسي أم فلسطينية من مدينة طولكرم شمال الضفة الغربية. كانت تعمل في صالون تجميل، راضية بما قسم الله لها، تسهر على رعاية طفلتها البالغة من العمر7 سنوات. وجاءت ما تسمى بحملة السور الواقي عام 2002، وما انطوت عليه من إعادة احتلال المدن الفلسطينية التنكيل بأهلها ومجزرة مخيم جنين وحصار الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في مقره في رام الله وعمليات الاغتيال لأناس تعرفهم، الى مشروع انتحارية. فلجأت لابن عمها من كتائب شهداء الأقصى ـ الجناح العسكري لحركة فتح، الذي وافق مترددا على طلبها لتنفيذ عملية انتحارية تلحق فيها الضرر والقتل بأكبر عدد من الإسرائيليين.
وقبل ساعتين فقط من الانطلاق الى تنفيذ العملية في منتجع نتانيا الإسرائيلي القريب من طولكرم، داهمت قوة عسكرية إسرائيلية في ساعات الفجر الأولى منزلها وهي نائمة وفي حضنها ابنتها، واعتقلتها ونكلت بها. وبعد قضاء عامين في المعتقلات الإسرائيلية المختلفة، صدر الحكم ضدها بالسجن لمدة ست سنوات.
وأفرج عنها بعد أن قضت مدة محكوميتها بالكامل حرمت خلالها من رؤية ابنتها لأكثر من عامين، ولكنها خرجت من السجن إنسانة مختلفة، تدعو للحوار والسلام وتقول ان ذلك قد تكون أجدى من «العمليات الاستشهادية». وعقب الإفراج عنها شكلت لجنة تحمل اسم «مقاتلون من اجل السلام» تضم العشرات من الإسرائيليين والفلسطينيين والأجانب، تدعو إلى الحوار والسلام بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي. عندما سألتها «الشرق الأوسط» عن أسباب هذا التحول الكبير في موقفها قالت «خرجت من السجن بعقلية جديدة، بل مختلفة وهي نشل السلام من بين الركام ومساعدة الفلسطينيين في الضفة الغربية والقابعين في سجون الاحتلال». وأضافت أن الفكرة تبلورت لديها قبل سنتين من الإفراج عنها. وترجع ذلك إلى سببين، احدهما التأثر بالزعيم الهندي المهاتا غاندي وفلسفته في المقاومة اللاعنفية. والسبب الثاني «هو إحدى السجينات التي قتل شقيقها في إحدى العمليات الانتحارية، وعندما عادت إلى السجن بعد فترة العزاء، قالت لنا بإمكاني ان انتقم له منكم.. لكن لن افعل ذلك لأنني اشعر أنكم انتم مظلومون، كما نحن مظلومون.. ومن يلعب بمصائرنا هم الرؤساء». وهذا الكلام ترك اثرا كبيرا في نفسي وجذبني إليها.. كل هذه الأمور بلورت لدى أمرا واحدا وهو انه لا بد من عمل شيء يمكن أن يحرك عملية السلام بشكل صريح وجدي وليس من تحت الطاولة».