|
الملتقى العام ملتقى عام يهتم بكافة المواضيع |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() أخي الحبيب /
أعلم أن في قلبك من الهموم ما يكفيك أعمارا ًمديدة ، وأنك قرأت كثيراً ، وفكَّرتَ طويلاً ، وسرت في طريقٍ ممتدٍ ؛ أوَّلُه : زيف الشعارات ، وآخره : فقدان الأمل !! وأشعر بما تشعر به من السأم وأنت ترى يومك يَمُرُّ أمام عينيك كأمسِك ، لا يُقّرِّبُك من رجاء ، ولا يباعدك عن مخافة . وأراك تلهث طيلة يومك ، ثم لا يكون جزاؤك إلا الكفاف من القوت ، بعد أن تنفق ساعاتِ عمرك ، ودفقاتِ مشاعرك ، وزخَّاتِ دمك . وألمحُك تُقَلِّبُ بأصابعك قنواتِ الإعلام ، وتنثر صفحاتِ الجرائد ، وتسير في طرقاتِ المدينة .. لا يطالعك في كل ما تفعل إلا وجوه من خانوك !! أرى كل حبلٍ مددت إليه يدك وقد قطعوه ، وكل دربٍ سرت فيه وقد أغلقوه ، وكل نافذة تستروح منها أنسام الحياة ، وتستهدي بخيوط النور وقد أرصدوا لها الرصَد ؛ فلا ينفذ إليك إلا ما أرادوه . أرى كل ذلك .. وأراك تذوي مع حُلمِك الذاوي ، ثم تتوارى عن الأنظار ، مستدبراً ماضياً لا تعرف له معنى ، ومستقبَلاً لا تجد إليه أملاً ، وتقف على أرض حاضر مليء بالسأم . ************* واحدٍ فحسب !! فرصة واحدة : جاءتنا من غير أن نطلب ، غير أننا لن نغادرها إلا مطلوبين بها . فرصة واحدة فحسب .. هل تستشعر الآن حجم الألم ؟؟!! ************* خمس عشرة سنة تتفتح فيها أزهارك على الحياة بكل سذاجة البدايات . ثلث عمرك الباقي تقضيه نائماً : ثمانية ساعات في اليوم ؛ تلتهم خمس عشرة سنة مما تبقى من حسابك . كم بقي لي ولك ؟! ثلاثون سنة فحسب !! ثلاثون سنة .. ينبغي أن تتسع لتؤَمِّلَ آمالك العِراضَ .. ثم تتسع لتحقيقها !! ثلاثون سنة .. تتعلم فيها ، وتعمل ، وتتزوج ، وتنجب ، وتبحث عن رزق من أنجبتهم ، وتفرغ من قبل كل هذا أو بعده لِهَمِّ أُمَّتِكَ ، والاستعدادِ لآخِرَتِك .. ثلاثون سنة فحسب .. ثم تمضي إلى جنة الأبد .. أو نار الأبد !! ************* مَن هذا الذي غَرَّني وغَرَّك ، فاتسعت آمالنا لتمتد ستين سنة ؟؟ مَن ؟؟ مَن ؟؟ وأنَّى لنا أن نطمئن إلى الحياة وهي زَيفٌ مُتَخَيَّلٌ ، والموتُ يقينٌ مُتَرقَّبٌ ؟!! الموت زائر يترصدني وإياك عند كل منحنى ، وينظر إلينا من خلال كل فرجة ، ويتعقبنا في كل مسير .. لن يمكنك الفكاك منه .. لأنه يعيش في أعماقك يَتَرَقَّبُ ساعتَك !! فجأةً تنكمش الستون عاماً لتبلغ لحظةً واحدةً .. لحظةً واحدةَ لا تدري أَتُتِمُّهَا أم ينتهبك الموت وأنت على أبوابها الأولى !! ************* أَيُّ وعيدٍ يا سفيه .. وأنت لا تملك أن تضيف إلى عُمرِك ثانية واحدة .. أنت أعجز من أن تتوعد أحداً .. الموت يتوعدك .. والموعد : القيامة !! ************* والموت عند الجميع بابٌ إلى اليأس .. غير أن الله تعالى لم يجعله إلا باباً إلى الأمل !! ذلك أنَّ الموت يُضيِّق من الدنيا ما ينبغي أن يَضيقَ مما وسَّعَه الناس ، ويُوَسِّعُ على القلب أبواباً إلى سماواتٍ مَفتُوحَةٍ أغلقتها الغفلة . يحدد لك طريقك الحق ، ويحميك من كثيرٍ من الزخرف الذي لن تجني من ورائه غير الهم ، ثم يَعِدُكَ أنَّ ما تَركتَهُ من سفاسف اللَّذاتِ ستُدرِك خيراً منه هُنَاكَ .. هناك حين تنقلك عربة الموت إلى مستقر الرحمة . ولا يجتمع في القلب أبداً : يأس من الحياة ، ويقين بالموت . أنت لا تيأس إلا إذا أُغلِقَت أمامك جميع الأبواب ، ونفدت جميع الخيارات .. كيف تيأس إذن وأن تعلم أن الموت ما يزال خياراً مفتوحاً , وأنه هو الخيار الحق ، وما سواه باطل ؟!! كيف تيأس إذا علمت أن ما يتنافس عليه الناس إنما هو لذة ساعة ؟؟ قال صالح بن الإمام أحمد بن حنبل : دخلت على أبي يوما أيام الواثق - واللهُ يَعلَمُ على أيِّ حالٍ نحن- وقد خرج لصلاة العصر , وكان له لِبْدٌ يجلس عليه , قد أتى عليه سنون كثيرة حتى بَلِيَ , وإذا تحته كتاب كاغد فيه : بلغني يا أبا عبد الله ما أنت فيه من الضيق , وما عليك من الدين , وقد وجهت إليك بأربعة آلاف درهم على يدي فلان , وما هي من صدقة ولا زكاة , وإنما هو شيء ورثته من أبي . فقرأت الكتاب , ووضعته . فلما دخل , قلت : يا أَبَتِ , ما هذا الكتاب ؟ فاحمرَّ وجهه , وقال : رَفعتُه مِنك . ثم قال : تذهب لجوابه ؟ فكتب إلى الرجل : وصل كتابك إليّ , ونحن في عافية . فأما الدين , فإنه لرجل لا يرهقنا , وأما عيالنا , ففي نعمة الله . فذهبت بالكتاب إلى الرجل الذي كان أوصل كتاب الرجل , فلما كان بعد حين , ورد كتاب الرجل مثل ذلك , فرد عليه بمثل ما رد . فلما مضت سنة أو نحوها , ذكرناها , فقال : لو كنا قبلناها , كانت قد ذهبت . ************* ذلك قانون صاحب البصيرة ، إنما هي لذة ساعة أو ألم ساعة .. ثم الموت . وعلى الطريق الآخر قوم غفلوا : فشيَّدُوا ما لم يسكنوا ، وبعثروا كنوز الأرض في غير ما خُلِقَت له ، كانوا يظنون أنَّ في الحياة مُتَّسَعاً لِلسَّفَهِ ، وأن أبواب الأمل المفتوحة هي الأبواب التي تسير بك إلى لَذَّتِك .. وناداهم ربهم على لسان نبيهم : " أَتَبنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيةً : تَعبَثُونَ ، وتَتَّخِذونَ مَصَانِعَ لعلَّكُم تخلُدُونَ ، وإذَا بَطَشتُم بَطَشتُم جَبَّارين ، فاتقوا الله وأطيعون " ( سورة الشعراء : 128-131 ) سَمَّى ما شيَّدوه من قصور وقِلاعٍ " عبثاً " .. لأنه لم يكن له هدف إلا المزايدة والمفاخرة ، بَنَوا .. فهل ضمنوا أن يسكنوا ما بنوه ؟؟!! ذهب هؤلاء مع من ذهب .. وأنت تقرأ الآن ما أكتبه إليك بعد مرور آلاف الأعوام على أخذ الله لهم وكأن لم يكونوا .. أتُراك تتمنى أن لو كان لك ما كان لهم ، وأن يحل عليك من العقاب ما حلَّ بهم ؟؟!! ************* وقد أنبأك نبيك صلوات الله وسلامه عليه في الحديث الذي رواه عنه ثَوْبَانَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوشِكُ الأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا . فَقَالَ قَائِلٌ : وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ ؟؟ قَالَ بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ ، وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمْ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ . فَقَالَ قَائِلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا الْوَهْنُ ؟ قَالَ : حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ . " رواه أحمد . ولقد ذكر ربك جل وعلا اليهود في كتابه فكان من شر ما وصفهم به قوله " ولَتَجِدَنَّهُم أحرصَ النَّاسِ على حياةٍ " ذلك أن الحياة ليست ذات قيمة إلا بغاياتها ، فإن ذهبت الغاية فما جدوى الحرص على حياةٍ .. أيِّ حياة ؟!! وقد جعل ربك معيار ولايته تمني لقائه ، حين خاطب بني يهود بقوله : " قل يا ايها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين " . ************* يشغل ؟! الذي جرَّنا إليه : أن اليقين بالموت هو نافذة الحياة السامية .. الحياة التي تتاسقط السفاسف عنها لأنها لا تجد لها في قلبها مكاناً .. الحياة التي توقن أنها ساعةٌ ، ثم عِزُّ الدهرِ ، أو ذُلُّ الأبد !! و الذي جرَّنا إليه : أني رأيتك بائساً يائساً ، كلما نعق ناعقهم وقال : " ما أُرِيكُم إلا ما أرى " لملمت أجزاء نفسك ، وأغلقت أبواب الأمل عليك ، وظننت بالله الظنون . أراك تسمعهم يتهددون العراق ويعيثون في فلسطين الفساد وَيُضَيِّقُونَ على مَن آمن الخناق ، تسمع ذلك فتنكر نفسك ، وتقول : متى نصر الله ؟ .. وهل ينزل نصر الله على يائس ؟؟!!! عُمرٌ واحد تعيشه .. ثم الموت !!! عُمرٌ واحد ينتظر منك أن تفعل .. لا أن تندب حظك العاثر الذي أخرجك في غير زمنك ، وأنبتك في غير أرضك ، وأحلَّك في الأرض ومكانُكَ في السماء ، وجعلك من دهماء الناس وإنما الأحرى بك أن تكون من سادتهم . عمرٌ واحد فحسب .. لا يَتَّسِعُ لِلتَّسويف ، ولا يقبل المماطلةَ ، ولا يمنحُكَ من نفسه فُرصةً أُخرى . ثم إن لك من الله ضماناً : أن لا تُقبض روحك إلا إذا أذن هو . فإن لم يكفك ، فإن لك منه ضماناً : أن لا تصيبك مصيبة حتى الشوكة تُشَاكُها إلا كفَّر الله من سيئاتك ، ورفع من درجاتك . وما طلب الله منك شيئاًَ يُعجزك ، ما طلب إلا كرامة نفسك وعلو همتك ، اشترى منك نفسك ليرفعها ، وقد باعها غيرك إلى الشيطان فما أشقاه في دنيا وآخرة . تأسى على بغداد .. وكأنهم يملكون من أمرها ما لا يملكه الله ، فقد هدم التتار بغداد ، وقتلوا من أهلها ثمانمائة ألفاً ، ثم دارت دورة الزمان ، وحكمت سنة الله أن يغزو الإسلام قلب من غزوا دياره ، فإذا التتار وقد أسلموا ، وإذا بغداد عامرة بأمر الله ، " وتلك الأيام نداولها بين الناس . تأسى على بغداد .. وتنسى نفسك .. قد يصيبك الموت قبل أن يسقط على أرض بغداد أول شهيد .. أو ترفرف في سماء فلسطين أجنحة طير مهاجر .. أنت المطلوب لا بغداد .. وأنت الذي إن وقفت أوقفت سيلهم ، وشتت شملهم .. أنت .. أنت .. أنت .. ààà أنت فارس هذا الزمان الوحيد .. وسواك المسوخ . |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |