|
|||||||
| ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
![]() |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
|
أفلا شققت عن قلبه؟ د. حسام العيسوي سنيد المقدمة: في الحديث الذي رواه مسلم عن أسامة بن زيد رضي الله عنه: ((إن أسامة قتل رجلًا، بعد أن شهِد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم: أقال: لا إله إلا الله، وقتلته؟ قال: قلت: يا رسول الله، إنما قالها خوفًا من السلاح، قال: أفلا شققتَ عن قلبه، حتى تعلم أقالها أم لا؟)). في الحديث فوائد وعِبَرٌ ينبغي أن ينتبه لها المسلم: 1- إجراء الأحكام على الظاهر: فالمسلم إذا أصدر حكمًا فإنما يُصدره تبعًا لمشاهدته، لا يصدر حكمًا يتبع فيه ظنه، ويسير فيه مع هواه، فهذا بعيدٌ كلَّ البعد عن الجادَّة والصواب. يُعضد هذا الفهمَ حديثٌ آخر؛ فقد روى البيهقي في شعب الإيمان، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد، فاشهدوا عليه بالإيمان))، وفي رواية أخرى رواها ابن ماجه: ((فاشهدوا له بالإيمان)). ولعل الحكمة من ذلك: التفرقة بين صفات الربوبية وصفات العبودية؛ فالله يعرف الظواهر والبواطن، والمخلوقات ليس لها من بواطن الأمور شيئًا. في سورة البقرة يحكي الله عز وجل هذا الحوار بينه وبين الملائكة: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ﴾ [البقرة: 30 - 33]. فالفرق بين العبد وبين ربه أن الله يعلم السرائر والبواطن، والعبد لا يعلم إلا الظاهر. وقد نهانا ديننا الحنيف عن التجسس وتتبع عورات الناس: روى البيهقي في شعب الإيمان، عن البراء بن عازب، قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أسمع العواتق في بيوتها - أو قال: في خدورها - ثم قال: ((يا معشر من آمن بلسانه ولم يؤمن بقلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم؛ فإن من تتبَّع عورة أخيه تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته)). وروى البيهقي في شعب الإيمان عن زيد بن وهب، قال: "قيل لعبدالله: هل لك في فلان تقطر لحيته خمرًا؟ فقال: إن الله عز وجل قد نهى أن نتجسس، فإن ظهر لنا نأخذه". فالمسلم يُجري أحكامه على الظاهر، ولا يتكلف البواطن، فهي غاية لا تُدرك، ووسيلة صعبة الوصول. 2- حسن الظن وأخذ الأمور على محمل الخير: فالمسلم لا يحمل في صدره الرِّيبة لغيره، ولا يحمل كلامَ غيره على محمل السوء والشك والشر، فهذا مسلكٌ لا يليق بالمسلمين، وليس من أخلاقهم. قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ﴾ [الحجرات: 12]. وقد عبر بالكثير؛ ليحتاط الإنسان في كل ظنٍّ، ولا يسارع فيه، بل يتأمل ويتحقق[1]. قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري عن أبي هريرة: ((إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث)). تكملة الحديث: ((ولا تجسسوا، ولا تحسسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولكن كونوا عبادَ الله إخوانًا))، فقد قدم الظن؛ لأنه أساس لهذه الأمراض كلها، وفي دفعه من البداية وقاية من شرورها. قال عمر رضي الله عنه: ((لا تظننَّ بكلمةٍ خرجت من أخيك المؤمن إلا خيرًا، وأنت تجد لها في الخير محملًا))[2]. وروى البيهقي في شعب الإيمان: قال جعفر بن محمد: "إذا بلغك عن أخيك الشيء تنكره، فالتمس له عذرًا واحدًا إلى سبعين عذرًا، فإن أصبته وإلا قل: لعل له عذرًا لا أعرفه". 3- عدم التجرؤ في إصدار الأحكام: التجرؤ في إصدار الاحكام على الناس مصيبة كبيرة، ينبغي أن يتنزه عنها المسلم. قال تعالى: ﴿ وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [البقرة: 111]. فما قاله اليهود والنصارى مجرد خيالات وأحلام؛ لأن هذا الحكم لله وحده، لا يشاركه فيه أحد: ﴿ بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 112]. في موقف آخر: يعلمهم هذا الدرس، ويُوقظهم من أحلامهم: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾ [المائدة: 18]. ويعلِّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الدرس؛ روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر؛ فقد باء به أحدهما)). وفي البخاري أيضًا: لمَّا قال عمر رضي الله عنه لحاطب: إنه منافق، فقال صلى الله عليه وسلم: ((وما يدريك؟ لعل الله قد اطلع إلى أهل بدر، فقال: قد غفرت لكم)). وفي البخاري أيضًا، عن أم العلاء امرأة من الأنصار قالت لما تُوفيَ عثمان بن مظعون وغُسِّل وكُفن في أثوابه: ((رحمة الله عليك أبا السائب، فشهادتي عليك لقد أكرمك الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وما يدريكِ أن الله أكرمه؟ فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! فمن يكرمه الله؟ فقال عليه السلام: أما هو فقد جاءه اليقين، والله إني لَأرجو له الخير، والله ما أدري وأنا رسول الله ما يُفعل بي)). فالمسلم لا يتسرع في أحكامه؛ فالحكم لله، وليس للمسلم أن يقوم بعمل الله تبارك وتعالى. 4- عدم الانشغال بعيوب الناس، والانشغال بعيوب النفس: فالمسلم الحق لا يجد وقتًا للتفتيش عن عيوب الناس؛ فهو مشغول بعيوبه يعالجها، وبنفسه يقوِّمها ويهذِّبها. قال تعالى: ﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 44]. وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: 2، 3]. قال صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه البزار بإسناد حسن: ((طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس)). وروى البيهقي عن أحمد بن إبراهيم بن عبدالحكم يقول: سمعت ذا النون بن إبراهيم يقول: "ثلاثة من أعلام الخير في المتعلم: تعظيم العلماء يُحسن التواضع لهم، والعمى عن عيوب الناس بالنظر في عيب نفسه، وبذل المال في طلب العلم إيثارًا له على متاع الدنيا". وليس معنى ذلك أن يرى المسلم عيبًا في أخيه، فيسكت عنه، ولا يرشده إليه؛ قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود عن أبي هريرة: ((المؤمن مرآة أخيه، والمؤمن أخو المؤمن؛ يكف عليه ضيعته[3]، ويحوطه من ورائه[4])). هذه بعض الدروس المستفادة من حديث النبي صلى الله عليه وسلم، اللهَ نسأل أن يجعلنا لسُنته من المقتدين، ولنهجه من المتبعين، ولحوضه من الشاربين، ولرِفقته من الفائزين. [1] الصابوني، صفوة التفاسير، (3/ 235). [2] الصابوني، مختصر تفسير ابن كثير، (3/ 364). [3] والمعنى: يمنع تلفَه وخسرانه. [4] والمعنى: يحفظه ويصونه ويذُبُّ عنه بقدر الطاقة.
__________________
|
![]() |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |