|
|||||||
| الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
|
من أدلة صدقه عليه الصلاة والسلام: تبتُّلهُ وكثرةُ عبادتهِ لربه جلّ وعلا الشيخ عبدالله محمد الطوالة الحمدُ للهِ وكفى، وصلاةً وسلامًا على عباده الذين اصطفى، أما بعد: فمن طبيعةِ العقولِ السليمةِ أنها لا تُسلِّمُ للدعاوى إلا بحجةٍ بيّنة، ولا تقبلُ مسألةً فيها خلافٌ إلا بدليلٍ صحيح وبرهانٍ قاطعٍ، يورثُ اليقين ويُزيلُ الشك.. وكلما عظُمَت الدعوى، عظمت المطالبةُ بالدليل. وحين يأتي رجلٌ فيقوُلُ إنه رسولٌ من عندِ الله، وأنه مؤيّدٌ بالوحي، وأن طاعتهُ فريضة، وأنَّ النجاةَ مُعلّقةٌ بتصديقه واتباعه، فللعقل أن يقفَ ليسأل سؤالاً بديهياً: وما الدليل على صحة هذه الدعوى العظيمة؟ وحيثُ أنَّ الأدلةَ التي تثبتُ صدقَ الرسولِ صلى الله عليه وسلم كثيرةٌ ومتنوعة، فقد اخترتُ منها اثنا عشرَ دليلاً مختلفاً.. أفردتُ كلًّ منها في مقالٍ مستقل، لتُشكلَ في النهاية سلسلةً من المقالات المتآزرة، تشهدُ على صدق الرسولِ صلى الله عليه وسلم شهادةً لا يبقى معها أدنى ريبٍ ولا شك.. (والسلسلةُ كلها منشورةٌ في هذا الموقع المباركِ بحمد الله).. وفي هذا المقالِ سأتناولُ الدليلَ السابعَ منها وهو: تبتُّلهُ عليه الصلاة والسلام وكثرةُ عبادتهِ لربه جلّ وعلا. أيّها القارئُ الكريم: إنَّ من أعجب ما يُستَدلُ به على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم أنَّ اللهَ لم يجعلهُ مشرِّعًا للدين فقط، بل جعلهُ صورةً مُجسِدةً للشريعة.. فمحافظةُ النبيّ صلى الله عليه وسلم الشديدةِ على أداء العباداتِ والقُرباتِ لم تكن مجردَ أداءٍ لواجب، ولا استجابةً لأمرٍ إلهي فحسب، بل كانت تجسيدًا حيًا لمهمته في تزكيةِ النفوس، وتعليمِ الدين، كما قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِين ﴾ [الجمعة:2].. فكانت حياتهُ صلى الله عليه وسلم صورةً عمليةٍ لتوجيهات الوحي، كأنما هو قرآنٌ يمشي على الأرض، وكأنما جاءت سيرتهُ لتقول: هذا هو الإنسانُ كما يريدهُ الله تعالى.. وليُغلق بذلك البابَ على كلّ مقصرٍ يتعللُ بأنّ العباداتِ شاقةٌ أو أنَّ المواظبةَ عليها غير ممكنة. فمع أنه صلى الله عليه وسلم عاشَ في قمة الانشغال: يؤسسُ دولةً، ويربي أمةً، ويدير أمور الناس، ويواجه أعداءً متربصين في الداخل والخارج، ويتحملُ الكثير من الأعباء والمسؤوليات، إلا أنه كان أكثر الناس عبادةً لربه جلَّ وعلا. ومما يلفتُ النظرَ أنّ كثرةَ عبادتهِ صلى الله عليه وسلم لم تكن مجردَ تعلقٍ روحيٍ منفصلٍ عن عملهِ ودعوته، بل كانت العبادةُ أعظمَ معينٍ له على القيام بمهامه الدعوية والدنيوية.. وهذا ما بيّنهُ الله تعالى بقوله: ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ﴾ [البقرة:45]، فالصلاةُ ليست مجردَ شعيرة، بل مصدرُ طاقةٍ للثبات، وقوةٌ على مواجهة الشدائد والملمات.. وحتى حين يضيقُ صدرهُ بما يلقاهُ من الإعراض والأذى، كان يفزعُ للصلاة، تأمل: ﴿ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ ﴾ [الحجر:97]، وهكذا الذكر والتسبيح، قال تعالى: ﴿ فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاء اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى ﴾ [طه:130]. ولقد كانت محافظة الرسول صلى الله عليه وسلم الشديدةِ على أداء جميع العباداتِ والقُرباتِ، سمةٌ ظاهرةٌ جداً، ثمَّ إنَّ كلَّ الصّلواتِ لا تُؤدى إلا في المسجد جماعةً، بالإضافة إلى المحافظة على النّوافل القبليةِ والبعدية، وقيامِ الليلِ قياماً طويلاً، حتى أنه ربما قرأ في الركعة الواحدةِ بالبقرة والنساءِ وآل عمران، يقرأُ مترسلاً، إذا مرّ بآية رحمةٍ سأل، وإذا مرّ بآية عذابٍ استعاذ، وإذا مرّ بآية تسبيحٍ سبح.. ثمَّ مواصلةٌ للصومِ يومينِ أو ثلاثة، يصومُ حتى يُقال لا يفطر، ويفطرُ حتى يُقالُ لا يصوم، فيصومُ شعبان كله، ومحرم كله، ويصومُ من كل شهرٍ ثلاثة أيام، ويصومُ الإثنين والخميس.. ثمَّ منظومةٌ كبيرةٌ من الأذكار التي كان يُحافِظُ عليها على مدار اليومِ والليلة، فعِندَ النومِ والاستيقاظِ أذكار، وعِندَ الأكلِ والفراغِ منهُ أذكار، وللصباحِ أذكار، وللمساءِ أذكار، وعِندَ دخول البيت أو الخروجِ منه، وعِندَ دخولِ المسجدِ أو الخروجِ منه، وعِندَ دخولِ الخلاء أو الخروجِ منه، وعِندَ ركوبِ الدابة، وعِندَ السَّفرِ أو الرجوعِ منه، وعِندَ ارتداءِ الملابسِ أو خلعِها، وهكذا فكلُّ نشاطٍ من أنشطة الحياةِ لهُ ذكرٌ، حتى أخصّ خُصوصياتِ الإنسانِ وهو الجِماعُ أيضًا لهُ ذكرٌ.. تقول أم المؤمنين عائشةُ رضي الله عنها: «كان يُعدّ له في المجلس الواحد أكثر من سبعين استغفارًا»، ويقول: «يا أيها الناس توبوا إلى الله، فإني أتوب إليه في اليوم مئة مرة».. وكان له وِردٌ من القرآن لا يتركه. ثمَّ انظر إلى حاله في الخلوة: فلو كانت العبادةُ مجردَ مظهرٍ اجتماعي لسقطَ القناعُ في الليل، حيث لا يراه أحد، ولا يسمعُ أنينه بشر.. ومعلومٌ أنّ الإنسانَ إذا خلا بنفسه، فإنه يكونُ حينها أبعدَ ما يكونُ عن الرياء والتصنع.. وهناك يتمايزُ الصادقُ من المدّعي، وهنالك كان محمدٌ صلى الله عليه وسلم أعبدَ الناس لربه، وأصدقهم مناجاة، وأشدهم تعلقًا بمولاه جلَّ في علاه.. ولو كانّ صلى الله عليه وسلم مفترِياً كما يزعمُ الزاعمون وحاشاه، لكان أوّلَ من يتركُ العبادةَ في خلوته.. لكنه على العكس من ذلك تمامًا: ففي صلاة الليل كان بكاؤه وضراعتهُ، وفي الخلوة مُناجاتهُ ومناشدته.. يقول الصحابي عبداللهِ بن الشّخِير رضي الله عنه: "أتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وهو يُصلي، ولجوفه أزيزٌ كأزيز المرجلِ من البكاء". فهل من تتورمُ قدماهُ من طول القيام، وتبتلُ لحيتهُ ومكانُ سجودهِ من كثرة دموعه، ويُسمعُ لصدره أزيزٌ كأزيز المرجلِ من البكاء.. هل يحتاجُ بعد هذا إلى برهان يثبت صدقه؟.. أم أنَّ الحالَ أبلغُ من أيّ مقال؟ وهل يُعقلُ أن تكونَ هذه الطاعاتُ الكثيرة، والعباداتُ المتواصلة من رجلٍ كاذب؟ إنَّ العقلَ والمنطقَ يرفضُ ذلك بشدة، وما من مبررٍ منطقي مقبولٍ إلا أن تكونَ مُهمتهُ صلى الله عليه وسلم هي أن يَصِلَ النّاسَ بخالِقهم، وأن يُعبِّدَهم لربهم، وأن يزكيَ أخلاقهم، ويرتقيَ بسلوكياتهم، وأن يكونَ هو القُدوةُ الحسنةُ لهم في كلّ ذلك.. وأن تكونَ العبادةُ عوناً له على أداء مهامهِ الدعوية، وواجباتهِ الاجتماعية، وأن يكونَ هو كما قال عن نفسه: "أفلا أكونُ عبداً شكورا". ولا شك أنَّ أيَّ منهجٍ تربويٍ لن يكونَ له أثرٌ حَقِيقيٌ، إلا بوجُودِ نماذجَ بشريةٍ (قُدوات) تُثبِتُ مِصداقِيةَ المَنهجِ وجدارته، وتظهرُ محاسنهُ وتُؤكِدُ واقِعِيَتهُ.. ولا شكَّ أنّ القُدوةَ الحسنةَ يبلغُ بلسَانِ حالِهِ ما لا يَبلُغهُ بلسَانِ مَقالِهِ.. فهو يَعكِسُ تَصوراً واضِحاً، وتجسِيداً صادِقاً للمنهجِ الذي يدعو إليه، ويَترُكُ انطِباعاً حَسناً يؤثرُ في الآخرينَ ويُغرِيهم بالتعرُفِ عليه.. ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب:21]. وهكذا يتبيَّنُ لكل منصفٍ أنَّ تبتلَ الرسولِ صلى الله عليه وسلم وكثرةُ عبادتهِ لربة، برهانٌ من أعظم البراهين القاطعةِ على صدقه، وأنه نبيٌّ مرسلٌ ومؤيدٌ من ربه، ومن لم يقنعه هذا، فلن يقنعهُ برهان، ولن يهديه بيان.. ومع ذلك ففي المقال التالي، سنعيشُ مع شاهدٍ آخر من شواهد الصدق النبوي. فنسألُ اللهَ أن يشرح صدورنا جميعًا للحق، وأن يهدينا سواء السبيل.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.. ولو أردا الاعتذارَ بكثرة الأشغالِ لكان أولى المعذورين، لكنه كان يمثلُ البرهانَ العملي على أنَّ العبادةَ يمكنُ أن تكونَ حياةً كاملةً لا مجرد أوقاتٍ مجتزأة.
__________________
|
![]() |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |