|
|||||||
| ملتقى الحوارات والنقاشات العامة قسم يتناول النقاشات العامة الهادفة والبناءة ويعالج المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية |
![]() |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
|
دستور النقد وتقويم الأفكار د. محمد أنس سرميني لطائف من آداب المناقشة العلمية والجدل البناء إنَّ أي جدال علمي، ونقاش فكري، لا بد له من آداب وشروط يجب الالتزام بها، ليحقق الغاية منه، ألا وهي الوصول إلى الحق، وإقامة الحجَّة على الباطل، وأهم هذه الشروط كما ذكر العلماء الذين كتبوا في "آداب المناظرة": الالتزام بالعدل وعدم الحيف والجور في الحوار؛ وهذا مأخوذ من المفردة القرآنية: ? اعْدِلُوا ? في قوله تعالى: ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ? [المائدة: 8]. إلا أن هناك الكثير من الصوارف عن هذه الغاية، والتي تحوِّل الحوارَ عن حقيقته وغايته؛ بحيث تُظلم الحقيقة وتُجرف في سيل المهاترة والانحراف والشنآن كما ذَكر تعالى، والابتعاد عن هذه الصوارف والمزالق يَحتاج إلى الإنصاف والتربية والتواضع، مع التجرُّد عن الشخصنة، والالتزام بمبدأ البحث عن الحقيقة، وفي سبيل تحويل هذه المفاهيم إلى نِقاط وركائز عملية واضحة قرَّرتُ أن أعرض نقاطًا عشرًا في آداب المناقشة والجدل العلمي، وركائز الجدل العلمي البناء، عسى أن تكون دستورًا مُرَكَّزًا في النقد وفي تقويم الأفكار. النقطة الأولى: لتكن البداية بطرح الأفكار والمسائل المشتركة بين الطرفين: تأليفًا للقلوب وحملًا لها على الاستماع والتفهُّم والتلقِّي بحسن النية، ولعلَّ هذا من معاني القول الليِّن الذي أُمِر به موسى عليه السلام في مخاطبة خصمه فرعون في قوله تعالى: ? اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ? [طه: 43، 44]. النقطة الثانية: لا بد من تَحديد المسألة الخلافية بأكبر قدر ممكن من الدقة: كيلا يفرغ النقد من محتواه، وتختلط المسائل بغيرها، وهي العملية التي سمَّاها الفقهاء "تحرير محل النِّزاع"، وبها تضيق هوَّة الخلاف،[1] ثم عليك أن تعالج تلك النقطة بمِبضَع الجراح الدقيق، الذي لا يزهق النفوس في سبيل إنجاح العملية فحسب. النقطة الثالثة: تجنَّب الانطباعات المسبقة والتصنيفات الجاهزة للأشخاص التي تغمض العيون عن رؤية الحقِّ في كلام المنتقَد؛ فهذا بعيدٌ عن العدل المذكور في الآية الكريمة، ويدخل فيها التأثُّر بأقوال من حكم على المنتقَد بهذه الانطباعات والتصنيفات، كذا يدخل فيها فرز الشخص المنتقَد بحسب التيارات الفكريَّة، بحيث يُحمَّل تبعات التيار بأكمله، في حين أن المقصود تقويم فكرة أو جانب معين فحسب. النقطة الرابعة: تجنَّب النظرة القاصرة المبنية على الاستقراء الناقص أو على الانطباعات العامَّة، التي تشكَّلَت من خلال النظر السطحي المتسرع، الذي يرى الأمورَ من منظار مشوش، فالمكتوب لا يُعرف دائمًا من عنوانه، بل لا بد من الدخول في التفاصيل والتعمُّق في فهم كلام المنتَقَد. النقطة الخامسة: اجتنب البحث في نوايا المُنتَقَد ولا تبذل جهدًا في شقِّ قلبه والاطلاع على ما فيه؛ فهذا من الظلم البواح، بل دليل عند أهل العلم والمعرفة على جهل النَّاقد بما يقول؛ إذ إنَّه لو امتلك الدليل والبرهان العلمي، لما لجأ إلى العواطف والبحث في النوايا والسرائر، وقد أُمرنا - نحن المسلمين - بحُسن الظن بجَميع المسلمين، وبالتماس الأعذار لهم قدر الإمكان. النقطة السادسة: إياك والشَّخصنة وإياك وتحويلَ النقد إلى تجريح شخصي يبحث في تاريخ الناس وأعمالهم وأفعالهم - وأي منا الإنسان المعصوم؟ فلن تعدم جرحًا في أي شخص لو تتبَّعتَ حياته وسيرته - فهذا أمر يُخرج النَّقد عن موضوعه وغايته ومراميه، ويجعله إلى أشكال التجريح وتصفية الحسابات أقرب. النقطة السابعة: لا يجوز لك تحميلُ كلام المنتقَد ما لا يحتمله ولا يجوز لك إلزامه بما لم يلتزم به ولم يصرِّح بالقول به، "فلازم المذهب ليس بمذهب" على التحقيق، ولكن لك التنبيه والإشارة إلى ما يلزم كلامه من تَبعات، عليه أن يتنبَّه إليها ويبتعد عنها؛ فإنك بالتَّنبيه تترك له مجالًا واسعًا لأن يدافع عن نفسه بإنكارها والتبرؤ منها والالتزام بالحق، وهذه هي الغاية أصلًا من النقد. النقطة الثامنة: لا تغص في بحرٍ أنت لست من أهل السِّباحة فيه فالنقد لا يصدر إلا من متمكِّن في العلم الذي يتحدَّث فيه، ومن متمرِّس بالأفكار والمواضيع المتصلة به، وهو عملية عقليَّة أرفع من مجرد القراءة والفهم والتحليل؛ لأنه يتألَّف منها جميعًا، فالنَّقدُ قراءةٌ وتفكيكٌ وبِنَاءٌ جديد، لا يتأتَّى من متعلم مبتدئ؛ لأن النقد يتبعه الرَّدُّ ونقدُ النقد، فكن على أرض صلبة من المعارف والأدلة التي تسوقها، وتذكَّر أنه لو سكت الذين لا يعلمون لقَلَّ الخِلاف. النقطة التاسعة: تواضع لله، ثم تواضَع للعلم وللحقيقة وللمعرفة وللخصم أيضًا فلا تصادِر الحقَّ لنفسك فحَسب، فلست وحدك مَن يبحث عنه، ولا تدَّعي الحفاظ على المقدسات فلست وحدك المخوَّل بالحفاظ عليها، ولا تكن غيورًا على الحق أكثر من النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ يقول: ? وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ? [سبأ: 24]، فالهدى بلا ريب هدى الله تعالى وما جاء على لسان نبيه، ولكنه التواضع مع الخصم أمام ميزان الحقيقة والبرهان. النقطة العاشرة: أضفها أنت... واحرص فيها على الإخلاص وصدق النية، وعلى التقييد بالعدالة المذكورة في قوله تعالى: ? وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ? [المائدة: 8]. فإذا ما وعينا هذه النِّقاط العشر والتزمنا بها، لصحَّ أن يوصف عمَلنا بالإنصاف وبالعدل، وبذلك تتحقَّق الفائدة للنَّاقد والقارئ والمنتقد معًا؛ فالمنتقَد هو إنسان ذو أحاسيس ومشاعر، والإنسان أسير الإنصاف في خصمه، ولهذا أُمرنا بالعدالة معه، وأُمرنا بتجنُّب الظلم والتحامل والغضب في الجدال والنقاش؛ ? ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ? [النحل: 125].
__________________
|
![]() |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |