أعلى النعيم رؤية العلي العظيم - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         أنواع الغدد ووظائفها: كل ما عليك معرفته! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          أعراض الكوليرا: لا تتجاهلها! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          علاج التهاب القصبة الهوائية: دليلك للتعافي من السعال المستمر! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          كل ما تود معرفته عن الحليب المكثف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          عشبة البرينجراج: اكتشف فوائدها لشعرك وصحتك! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          أطعمة لزيادة الوزن: 9 خيارات مغذية وصحية! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          ما هي أعراض فشل الكبد؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          مشاكل المرارة أثناء الحمل: كيف تؤثر على جنينك وصحتك؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          أعراض التهاب الشعب الهوائية: أكثر من مجرد سعال! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          ما هي أسباب الإصابة بانفصام الشخصية؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13-08-2025, 11:58 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,665
الدولة : Egypt
افتراضي أعلى النعيم رؤية العلي العظيم

أعلى النعيم رؤية العلي العظيم

د. محمود بن أحمد الدوسري


الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِهِ الْكَرِيمِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، أَمَّا بَعْدُ: فَمِمَّا ثَبَتَ أَنَّ: رُؤْيَةَ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْظَمُ نَعِيمٍ لِلْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ عَبَدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ، وَهِيَ أَعْلَى اللَّذَّاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ، وَأَجَلُّهَا قَدْرًا، وَأَقَرُّهَا لِعُيُونِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَأَشَدُّهَا عَلَى أَهْلِ الْبِدْعَةِ وَالْفُرْقَةِ، وَهِيَ الْغَايَةُ الَّتِي شَمَّرَ إِلَيْهَا الْمُشَمِّرُونَ، وَتَنَافَسَ فِيهَا الْمُتَنَافِسُونَ، وَتَسَابَقَ إِلَيْهَا الْمُتَسَابِقُونَ، وَلِمِثْلِهَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ. إِذَا نَالَهَا أَهْلُ الْجَنَّةِ نَسُوا مَا هُمْ فِيهِ مِنَ النَّعِيمِ، وَحِرْمَانُهَا وَالْحِجَابُ عَنْهَا لِأَهْلِ الْجَحِيمِ أَشَدُّ عَلَيْهِمْ مِنْ عَذَابِ الْجَحِيمِ.

وَقَدِ اتَّفَقَ عَلَى الرُّؤْيَةِ: الْأَنْبِيَاءُ وَالْمُرْسَلُونَ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَجَمِيعُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَالتَّابِعُونَ، وَأَئِمَّةُ الْإِسْلَامِ عَلَى تَتَابُعِ الْقُرُونِ. وَأَنْكَرَهَا: أَهْلُ الْبِدَعِ الْمَارِقُونَ، وَالْجَهْمِيَّةُ الْمُتَهَوِّكُونَ، وَالْبَاطِنِيَّةُ الَّذِينَ هُمْ مِنْ جَمِيعِ الْأَدْيَانِ مُنْسَلِخُونَ، وَالرَّافِضَةُ الَّذِينَ هُمْ بِحَبَائِلِ الشَّيْطَانِ مُتَمَسِّكُونَ، وَلِلسُّنَّةِ وَأَهْلِهَا مُحَارِبُونَ، وَلِكُلِّ عَدُوٍّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَدِينِهِ مُسَالِمُونَ، وَكُلُّ هَؤُلَاءِ عَنْ رَبِّهِمْ مَحْجُوبُونَ، وَعَنْ بَابِهِ مَطْرُودُونَ[1].

عِبَادَ اللَّهِ.. وَمِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى رُؤْيَةِ الْمُؤْمِنِينَ رَبَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ:
1- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [يُونُسَ: 26]. فَالْحُسْنَى: هِيَ الْجَنَّةُ. وَالزِّيَادَةُ: النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ الْكَرِيمِ[2].

2- وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾ [الْقِيَامَةِ: 22، 23]. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ: (أَنْتَ إِذَا أَجَرْتَ هَذِهِ الْآيَةَ مِنْ تَحْرِيفِهَا عَنْ مَوَاضِعِهَا وَالْكَذِبِ عَلَى الْمُتَكَلِّمِ بِهَا سُبْحَانَهُ فِيمَا أَرَادَ مِنْهَا؛ وَجَدْتَهَا مُنَادِيَةً نِدَاءً صَرِيحًا: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يُرَى عِيَانًا بِالْأَبْصَارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِنْ أَبَيْتَ إِلَّا تَحْرِيفَهَا -الَّذِي يُسَمِّيهِ الْمُحَرِّفُونَ تَأْوِيلًا؛ فَتَأْوِيلُ نُصُوصِ الْمَعَادِ، وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَالْمِيزَانِ وَالْحِسَابِ، أَسْهَلُ عَلَى أَرْبَابِهِ مِنْ تَأْوِيلِهَا، وَتَأْوِيلُ كُلِّ نَصٍّ تَضَمَّنَهُ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ كَذَلِكَ، وَلَا يَشَاءُ مُبْطِلٌ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَنْ يَتَأَوَّلَ النُّصُوصَ وَيُحَرِّفَهَا عَنْ مَوَاضِعِهَا؛ إِلَّا وَجَدَ إِلَى ذَلِكَ مِنَ السَّبِيلِ مَا وَجَدَهُ مُتَأَوِّلُ مِثْلِ هَذِهِ النُّصُوصِ، وَهَذَا الَّذِي أَفْسَدَ الدِّينَ وَالدُّنْيَا)[3].

3- وَقَوْلُهُ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: ﴿ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ﴾ [ق: 35]. قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «يَظْهَرُ لَهُمُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ»[4]. فَهَذَا يَوْمُ الْمَزِيدِ، وَمَا أَدْرَاكُمْ مَا يَوْمُ الْمَزِيدِ، فَفِيهِ زِيَارَةُ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، وَرُؤْيَةُ وَجْهِهِ الْمُنَزَّهِ عَنِ التَّمْثِيلِ وَالتَّشْبِيهِ.

4- وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ﴾ [الْمُطَفِّفِينَ: 14، 15]. عَنْ أَشْهَبَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ - صَاحِبِ مَالِكٍ قَالَ: (قَالَ رَجُلٌ لِمَالِكٍ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، هَلْ يَرَى الْمُؤْمِنُونَ رَبَّهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: "لَوْ لَمْ يَرَ الْمُؤْمِنُونَ رَبَّهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَمْ يُعَيِّرِ اللَّهُ الْكُفَّارَ بِالْحِجَابِ؛ فَقَالَ: ﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ﴾"، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، فَإِنَّ قَوْمًا يَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّهَ لَا يُرَى؟! قَالَ مَالِكٌ: "السَّيْفَ السَّيْفَ")[5].

5- وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 223]؛ ﴿ تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا ﴾ [الْأَحْزَابِ: 44]. قَالَ ابْنُ تَيْمِيَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (أَمَّا اللِّقَاءُ: فَقَدْ فَسَّرَهُ طَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ بِمَا يَتَضَمَّنُ الْمُعَايَنَةَ وَالْمُشَاهَدَةَ، وَقَالُوا: إِنَّ لِقَاءَ اللَّهِ يَتَضَمَّنُ رُؤْيَتَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَاحْتَجُّوا: بِآيَاتِ اللِّقَاءِ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ رُؤْيَةَ اللَّهِ فِي الْآخِرَةِ)[6]. وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ: (أَجْمَعَ أَهْلُ اللِّسَانِ: عَلَى أَنَّ اللِّقَاءَ مَتَى نُسِبَ إِلَى الْحَيِّ، السَّلِيمِ مِنَ الْعَمَى وَالْمَانِعِ؛ اقْتَضَى الْمُعَايَنَةَ وَالرُّؤْيَةَ)[7].

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ.. وَمِنَ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى رُؤْيَةِ الْمُؤْمِنِينَ رَبَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ[8]:
1- عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ نَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ[9] قَالَ: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ؛ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ، لَا تُضَامُّونَ[10] فِي رُؤْيَتِهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. أَيْ: أَنْكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ، رُؤْيَةً مُحَقَّقَةً لَا شَكَّ فِيهَا.

2- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ أَنَّ النَّاسَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ تُضَارُّونَ[11] فِي الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ؟»قَالُوا: لَا، يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «فَهَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ؟»قَالُوا: لَا، يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ[12]» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. وَهَذَا مِنْ تَشْبِيهِ الرُّؤْيَةِ بِالرُّؤْيَةِ؛ كَمَا تُرَى الشَّمْسُ فِي الظَّهِيرَةِ، وَالْقَمَرُ لَيْلَةَ الْبَدْرِ. وَلَيْسَ تَشْبِيهًا لِلْمَرْئِيِّ بِالْمَرْئِيِّ؛ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ سُبْحَانَهُ.

3- وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ، إِلَّا رِدَاءُ الْكِبْرِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. وَهَذَا أَعْظَمُ نَعِيمِ أَهْلِ الْجَنَّةِ؛ عِنْدَمَا يَكْشِفُ الرَّحْمَنُ لَهُمْ عَنْ وَجْهِهِ، فَيَتَمَتَّعُونَ بِلَذَّةِ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وَصِفَةُ الْكِبْرِيَاءِ مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهِ تَعَالَى.

4- وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ، الْجَنَّةَ؛ قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ، فَيَقُولُونَ: أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا؟ أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ، وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ[13]، فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. قَالَ ابْنُ تَيْمِيَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (فبَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ مَعَ كَمَالِ تَنَعُّمِهِمْ بِمَا أَعْطَاهُمُ اللَّهُ فِي الْجَنَّةِ، لَمْ يُعْطِهِمْ شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهِ. وَإِنَّمَا يَكُونُ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ تَنَعُّمَهُمْ وَتَلَذُّذَهُمْ بِهِ أَعْظَمُ مِنَ التَّنَعُّمِ وَالتَّلَذُّذِ بِغَيْرِهِ)[14]. وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ: (عَذَابُ الْحِجَابِ[15] مِنْ أَعْظَمِ أَنْوَاعِ الْعَذَابِ الَّذِي يُعَذَّبُ بِهِ أَعْدَاؤُهُ. وَلَذَّةُ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ أَعْظَمُ أَنْوَاعِ اللَّذَّاتِ الَّتِي يُنَعَّمُ بِهَا أَوْلِيَاؤُهُ)[16]. وَلِهَذَا كَانَ مِنْ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الصَّلَاةِ: «أَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ» صَحِيحٌ – رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.

الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ... أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ.. يَجِبُ أَنْ نَتَلَقَّى هَذِهِ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثَ بِالْقَبُولِ وَالتَّسْلِيمِ، وَانْشِرَاحِ الصَّدْرِ، لَا بِالتَّحْرِيفِ وَالتَّبْدِيلِ، وَضِيقِ الْعَطَنِ، وَلَا بِالتَّكْذِيبِ. فَمَنْ كَذَّبَ بِهَا؛ لَمْ يَكُنْ إِلَى وَجْهِ رَبِّهِ مِنَ النَّاظِرِينَ، وَكَانَ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمَحْجُوبِينَ، نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ وَالْعَافِيَةَ.

وَالْخُلَاصَةُ: أَنَّ كَمَالَ نَعِيمِ أَهْلِ الْجَنَّةِ بِرُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَسَمَاعِ كَلَامِهِ، وَقُرْبِهِ، وَرِضْوَانِهِ، وَالتَّلَذُّذِ وَالتَّمَتُّعِ بِالنَّظَرِ إِلَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وَجَمَالِهِ الْبَاهِرِ، الَّذِي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، فَإِذَا رَأَوْهُ؛ نَسُوا مَا هُمْ فِيهِ مِنَ النَّعِيمِ، وَحَصَلَ لَهُمْ مِنَ اللَّذَّةِ وَالسُّرُورِ مَا لَا يُمْكِنُ التَّعْبِيرُ عَنْهُ، وَنَضَرَتْ وُجُوهُهُمْ فَازْدَادُوا جَمَالًا إِلَى جَمَالِهِمْ، فَنَسْأَلُ اللَّهَ الْكَرِيمَ أَنْ يَجْعَلَنَا مَعَهُمْ[17].
‌فَحَيَّ عَلَى جَنَّاتِ عَدْنٍ فَإِنَّهَا
مَنَازِلُكَ الْأُولَى وَفِيهَا الْمُخَيَّمُ
وَحَيَّ عَلَى يَوْمِ الْمَزِيدِ الَّذِي بِهِ
زِيَارَةُ رَبِّ الْعَرْشِ، فَالْيَوْمُ مَوْسِمُ
يَرَوْنَ بِهِ الرَّحْمَنَ جَلَّ جَلَالُهُ
كَرُؤْيَةِ بَدْرِ التِّمِّ لَا يُتَوَهَّمُ
إِذَا هُمْ بِنُورٍ سَاطِعٍ قَدْ بَدَا لَهُمْ
فَقِيلَ: ارْفَعُوا أَبْصَارَكُمْ، فَإِذَا هُمُ
بِرَبِّهِمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَهْوَ قَائِلٌ:
سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمُ وَسَلِمْتُمُ
سَلَامٌ عَلَيْكُمْ، يَسْمَعُونَ جَمِيعُهُمْ
بِآذَانِهِمْ تَسْلِيمَهُ إِذْ يُسَلِّمُ
يَقُولُ: سَلُونِي مَا اشْتَهَيْتُمْ، فَكُلُّ مَا
تُرِيدُونَ عِنْدِي، إِنَّنِي أَنَا أَرْحَمُ
فَقَالُوا جَمِيعًا: نَحْنُ نَسْأَلُكَ الرِّضَا
فَأَنْتَ الَّذِي تُولِي الْجَمِيلَ وَتَرْحَمُ
فَيُعْطِيهُمُ هَذَا، وَيَشْهَدُ جَمْعُهُمْ
عَلَيْهِ، تَعَالَى اللَّهُ، فَاللَّهُ أَكْرَمُ
فَيَا بَائِعًا هَذَا بِبَخْسٍ مُعَجَّلٍ
كَأَنَّكَ لَا تَدْرِي، بَلَى سَوْفَ تَعْلَمُ
فَإِنْ كُنْتَ لَا تَدْرِي؛ فَتِلْكَ مُصِيبَةٌ
وَإِنْ كُنْتَ تَدْرِي؛ فَالْمُصِيبَةُ أَعْظَمُ[18]



[1] انظر: حادي الأرواح إِلى بلاد الأفراح، لابن القيم (2/ 605)؛ مجموع فتاوى ابن تيمية، (6/ 485).

[2] انظر: تفسير الطبري، (15/ 63)؛ تفسير البغوي، (3/ 174).

[3] حادي الأرواح إِلى بلاد الأفراح، (2/ 222).

[4] تفسير ابن كثير، (7/ 407).

[5] شرح أصول اعتقاد أهل السنة، اللالكائي (3/ 518)، رقم: (808).

[6] مجموع الفتاوى، (6/ 426).

[7] حادي الأرواح إِلى بلاد الأفراح، (2/ 608).

[8] قال اللالكائي رحمه الله – بعدَ سردِه لأحاديث الرؤية: (‌فتحَصَّلَ ‌في ‌الباب مِمَّنْ روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصحابة حَدِيثَ الرُّؤية ثلاثٌ وعشرون نَفْسًا). وقال يحيى بن معين رحمه الله: (‌عندي ‌سبعة ‌عشر حديثًا في الرؤية، كلها صِحاح). شرح أصول اعتقاد أهل السنة، (3/ 548).

[9] لَيْلَةَ الْبَدْرِ: هي ليلةُ الرابع عَشَر من الشهر الهجري.

[10] (لا تَضامُّونَ): رُوِيَبفَتحِ التاءِ والميمِ المُشدَّدةِ، ومَعناه: لا يَنضَمُّ بَعضُكم إِلى بَعضٍ في وَقتِ النَّظَرِ، كما تَفعَلونَ في وَقتِ النَّظَرِ لإِشكالِه وخَفائِه كما تَفعَلون عندَ النَّظَرِ إِلى الهلالِ ونحْوِه، ويُروَى: «تُضامُونَ» بضَمِّ التَّاءِ وتَخفيفِ المِيمِ، أيْ: لا يُصيبُكم ظُلمٌ في رُؤيَتِه ولا تَعَبٌ، فلا يَراه بَعضُكم دُونَ بَعضٍ، بل كُلُّكم تَشتَرِكونَ في الرُّؤيةِ، ويُروَى: «تُضامُّونَ» بضَمِّ التاءِ وتَشديدِ الميمِ، أي: لا تَتزاحمون ولا تَختلِفون. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، (3/ 101).

[11] (هَلْ تُضَارُّونَ): أي: هلْ يُصيبُ بعضُكم بعضًا بالضَّررِ مِن المزاحَمةِ والمدافَعةِ عند النَّظرِ إِلى القمرِ والشمسِ، أمْ أنَّ كُلًّا منكم يَنظرُ إِلَيهما بسُهولةٍ دونَ أن تَتدافَعوا أو تَتزاحَموا؟ في حالِ كانتِ الشَّمسُ والقمرُ لَيْسَتا في سَحابٍ أو غُيومٍ تَحجُبها عن الرُّؤيةِ، قالوا: «لا»؛ فالجميعُ يَرى الشَّمسَ والقمرَ دونَ أنْ يَحجُبَها وُجودُ النَّاسِ. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، (3/ 82).

[12] (فَإِِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ): رَدَّ عليهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم ببَيانٍ واضحٍ، لا يَترُكُ شُبهةً في رُؤيتِهم للهِ عزَّ وجلَّ يومَ القيامةِ.

[13] (فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ): فيَكشِفُ الحِجابَ عن أعيُنِ النَّاظِرين، وحِجابُه – تَعالَى - منَ النُّورِ؛ كَما جاءَ في حَديثٍ لِمُسلِمٍ. والمَعنى: أنَّ هناكَ حاجِزًا بينَ اللهِ عزَّ وجلَّ وبينَ خَلقِهِ، مادَّتُه الَّتي يَتكوَّنُ مِنها النُّورُ، وحاصِلُ جَوابِهم: أنَّهم لمَّا رَأوا منَ النَّعيمِ في تِلكَ الدَّارِ، فَهِمُوا أن لا مَزيدَ عَلى ذلكَ النَّعيمِ الَّذي أُوتُوهُ، وظنُّوا أن لا أفضَلَ مِمَّا أُعطُوهُ، فحينَئذٍ يُنجِزُ اللهُ تَعالَى لهُم وعدَه، عَلى لِسانِ نَبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في قَولِهِ: «إِنَّكمْ سَتَرَونَ رَبَّكمْ» مُتَّفَقٌ عَليهِ. فما أُعطوا شيئًا أحبَّ إِليهم من النَّظر إِلى ربِّهم عزَّ وجلَّ.

[14] مجموع الفتاوى، (1/ 26).

[15] لأن الله تعالى قال – في حق الكفار: ﴿ كَلَّا إِِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ﴾ [المطففين: 15].

[16] طريق الهجرتين وباب السعادتين، (1/ 124).

[17] انظر: تفسير السعدي، (ص899).

[18] هذه الأبيات قِطْعَةٌ من "القصيدة الميميَّة" لابن القيم، وقد ذَكَرَ قطعةً كبيرةً منها في "طريق الهجرتين" (ص15-55)، وقُرِئَتْ عليه؛ كما في ذيل طبقات الحنابلة، لابن رجب الحنبلي (2/ 451، 452).






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 64.59 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 62.91 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.59%)]