|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() منهـج النبي صلى الله عليه وسلم في محاربة الغلوّ
من الآفات التي نالت نصيبًا وافرًا من التحذيرات النبوية: آفة الغلو، وهذه الآفة مبعثها تجاوز الحد الشرعي في الحرص على الطاعة والعبادة والإفراط في ذلك، ولذلك عاب الله على أهل الكتاب من قبلنا هذه الآفة، فقال -جل في علاه-: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ} (النساء: 171)، يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية: «أي: لا تجاوزوا الحد في اتباع الحق، ولا تطروا من أُمرتم بتعظيمه فتبالغوا فيه، حتى تخرجوه عن حيز النبوة إلى مقام الإلهية، كما صنعتم في المسيح وهو نبي من الأنبياء، فجعلتموه إلهًا من دون الله، وما ذاك إلا لاقتدائكم بشيوخ الضلال، الذين هم سلفكم ممن ضل قديمًا»، فالذي أوقع أهل الكتاب في الكفر والضلال هو الغلو، وهذا الغلو دافعه تجاوز الحد، من التعظيم إلى الإطراء المبالغ فيه، حتى نقلوا الأنبياء من مقام النبوة إلى مقام الألوهية. والمتأمل في حال هذه الأمة، سيجد أنّ هذا الغلو المنهي عنه قد تغلغل في أوصال كثير من الفِرق والتجمعات، ولك أن تتأمل في حال أتباع بعض غلاة الصوفية مع مشايخهم وعلمائهم، وكذلك صنع الخوارج قديمًا وحديثًا حينما غلّبوا جانب الوعيد والخوف فكفروا الأمة واستحلوا دماءها، وغير ذلك من الأمثلة، وهذا مصداق لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - حينما قال: «لتتبعن سنن من قبلكم، شبرًا بشبر، وذراعًا بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه»، فقلنا: يا رسول الله: اليهود والنصارى؟ قال النبي -صلى الله عليه وسلم -: (فمن؟!)، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (فمن؟) أي فمن غير اليهود والنصارى. وقد وقعت في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعض الحوادث التي كان مبعثها حرص الصحابة على الخير والطاعة؛ ولكن لكون هذا الحرص تجاوز هدي النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقد أنكره - صلى الله عليه وسلم - وردّه على أصحابه، فكانت له توجيهات صارمة وطريقة واضحة في معالجة هذه الحالات. قصة سلمان وأبو الدرداء -رضي الله عنهما- ثبت في صحيح البخاري أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - آخى بين سلمان وأبي الدرداء، فزار سلمانُ أبا الدرداء، فرأى أم الدرداء متبذِّلة، فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا، فجاء أبو الدرداء فصنع طعامًا، فقال له: كل، قال: فإني صائم، قال: ما أنا بآكل حتى تأكل، قال: فأكل. فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم، قال: نم، فنام، ثم ذهب يقوم، فقال: نم، فلما كان آخر الليل، قال سلمان: قم الآن. فصَلّيَا، فقال له سلمان: إن لربك عليك حقًا، ولنفسك عليك حقًا، ولأهلك عليك حقًا، فأعط كل ذي حق حقه. فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «صدق سلمان». فأبو الدرداء - رضي الله عنه - كان حريصًا على الطاعة، لكنّ حرصه هذا جعله يتجاوز الحدّ في ضياع حق زوجته -رضي الله عنها-، فجاء سلمان - رضي الله عنه - فصحح له هذا السلوك، وبين له أنّ الاقتصاد في الصوم والصلاة والقيام على السّنة يحفظ الحقوق، للزوجة والأبناء والعمل والوظيفة والضيف، ولنفسه قبل ذلك، وإقرار النبي - صلى الله عليه وسلم - لتصرف سلمان دلّ على أنه هدي نبوي مرْضي. قصة الرهط الثلاثة وثبت في صحيح البخاري أيضًا عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - يقول: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يسألون عن عبادة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما أخبروا كأنهم تقالُّوها! فقالوا: وأين نحن من النبي - صلى الله عليه وسلم - قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟! قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدًا، وقال آخر: وأنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا. فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم فقال: «أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني». يقول الحافظ ابن حجر في كتابه فتح الباري: قوله: (فمن رغب عن سنتي فليس مني): المراد من ترك طريقتي وأخذ بطريقة غيري فليس مني، ولمح بذلك إلى طريق الرهبانية، فإنهم الذين ابتدعوا التشديد كما وصفهم الله -تعالى-، وقد عابهم بأنهم ما وفوا بما التزموه. مواقف وأحداث والمواقف والأحداث التي وقعت في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - في مثل هذا المعنى كثيرة جدا، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات مرةً صحابيا حينما نذر ألا يتكلم ولا يستظل ولا يقعد بأن يتكلم، ويستظل، ويقعد، ويتم صومه. (رواه البخاري). وأخرى نذرت أن تمشي إلى بيت الله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لتمش ولتركب». (متفق عليه). وأمر زينب -رضي الله عنها- أن تحل حبلاً ممدودًا بين ساريتين كانت -رضي الله عنها- تتعلق به إذا أعياها قيام الليل، وأمرها أن تنام، وتصلي ما تطيق فقط. (متفق عليه). وقال ابن عباس: أتيت لرسول الله بحصيات -هن حصى الخذف-، فلما وضعتهن في يده، قال: «بأمثال هؤلاء، وإياكم والغلو في الدين! فإنما أهلك من قبلكم الغلو في الدين»، ونهى معاذًا - رضي الله عنه - أن يطيل بالناس في الصلاة حينما يكون إمامًا وأمره بالتخفيف، خشية التنفير، وغير ذلك من الأحاديث كثير. النهي عن التشدد وذكر الإمام ابن القيم في كتابه إغاثة اللهفان: (وقال أنس - رضي الله عنه -: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تشددوا على أنفسكم فيشدد الله عليكم؛ فإن قومًا شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم، فتلك بقاياهم في الصوامع والديارات: رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم»، فنهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن التشديد في الدين، وذلك بالزيادة على المشروع، وأخبر أن تشديد العبد على نفسه هو السبب لتشديد الله عليه إما بالقدر وإما بالشرع، فالتشديد بالشرع: كما يشدد على نفسه بالنذر الثقيل فيلزمه الوفاء به، وبالقدر كفعل أهل الوسواس، فإنهم شددوا على أنفسهم فشدد عليهم القدر حتى استحكم ذلك وصار صفة لازمة لهم). مفاهيم باطلة حول مفهوم الغلو إن من نافلة القول: أن المعيار الدقيق، والقسطاس المستقيم، في تحديد (الغلوّ) و(التشدد) النص والدليل، لا الأمزجة الشخصية، ولا العرف الاجتماعي، ولا الاعتبارات الآنية، فليس لأحد سوى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ينصب نفسه في مركز الوسط، ويرى القاصر عنه مفرّطًا، والمتجاوز غاليًا، فإن خير الكلام كلام الله -عزوجل-، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله، فإنه لا يضر إلا نفسه، ولن يضر الله شيئًا. التزام السُنَّة ليس غلوا وتأسيسًا على ما مضى، فربما أدخل بعض الناس في الغلو ما ليس منه، وربما أخرجوا منه ما هو من أعظمه وأشده بسبب الجهل بالشرع، أو بسبب الإلف والعادة، فالتزام السنة النبوية في المأكل والمشرب والملبس والهيئة وسائر السلوك ليس من الغلو في شيء، بل هو عين التوسط، ولا يحلّ نبز الملتزمين بالسنة بألقاب السوء، كالتزمّت والتطرف والأصولية والغلو، ونحوها، كما أن ما ألفه بعض عوام المسلمين من دعاء غير الله، والمبالغة في مدح الصالحين، وتقديس الذوات: عين الغلو، الذي نهى الله عنه أهل الكتاب، ونهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عنه أمته. دعاوى الغلو إنّ دين الله -تعالى- بريء من كل ما ألصق به من دعاوى الغلو، سواءٌ كان غلوًا عقديا كتكفير المسلمين، واستحلال دمائهم وأموالهم، والخروج على أئمتهم، أو كان غلوا عمليا بابتداع أقوال، وأوضاع، وأحوال محدثة، لم يأت بها الشرع، وبذلك يتبين خطأ بعض الكُتَّاب في التعبير، حين يطلقون مصطلح (الغلو الديني)، فإن هذه النسبة تضفي على الغلو نوعا من الصبغة الدينية، والدين منه براء، لكن قد يقع الغلو في التدين نفسه، الذي هو فعل العبد، لا دين الرب -عز وجل-؛ لذا قال الله -تعالى-: {لا تغلوا في دينكم}، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إياكم والغلو في الدين!» كما تقدم، فنهى أن يتخذ الدين ظرفًا للغلو، ولم ينسبه إليه. اعداد: اللجنة العلمية في الفرقان
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 4 ( الأعضاء 0 والزوار 4) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |