|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() كونوا أنصار الله: دعوة خالدة للتمكين والنصرة من كتاب: إتمام الرصف بذكر ما حوته سورة الصف من الأحكام والوصف أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب الحمد لله الذي جعل نُصرة دينه شرفًا للمؤمنين، ورفَع منازل الأنصار في الدنيا والآخرة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. في هذا المقال الذي يُعد خاتمة هذا الكتاب المبارك، نتأمل في قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ ﴾ [الصف: 14]، وهذه الآيات تناولها فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور أحمد عبد الرحمن النقيب، أستاذ اللغة العربية والدراسات الإسلامية بكلية التربية، جامعة المنصورة، مصر، بتفسير جميل رائع في كتابه "إتمام الرصف بذكر ما حوته سورة الصف من الأحكام والوصف". نسلِّط الضوء هنا على دعوة الله للمؤمنين بأن يكونوا أنصارًا لدينه، متَّبعين سنة الأنبياء والصالحين، مستلهمين من هذه الآيات دلالاتِ النصرة والتمكين، ونختم بالدعاء للشيخ النقيب وللأمة الإسلامية بالرفعة والنصر. قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ ﴾، قال المصنف حفظه الله: أنصار: جمع نصير، وهو المُعَاون القائم برعاية وحفظ حدود وعهود من ينصره بالقول والفعل، ومنه سُميت الأنصار أنصارًا، وهذا المعنى تدور عليه طائفة من الآيات؛ كقوله تعالى: ﴿ إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ ﴾ [آل عمران:160]؛ يعني إن يؤيدكم ويحفظكم فلا غالب لكم، وقوله تعالى: ﴿ فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ ﴾ [القمر:10]، ونص هذه الآية فيه لفتة طيبة، أنه قال: ﴿ فانتصر ﴾، ولم يقل: ﴿ انْصُر ﴾؛ تنبيهًا إلى أن ما يلحقُني يَلْحَقُك، من حيث إني جئتُهُم بأمرك، فإذا نصرتني فقد انتصرتَ لنفسك. وقيل: سُميت النصارى بذلك لِما فيهم من معنى التناصر والتعاون والقيام بالحقوق، وظاهر هذه الآية قد يُوَجِّه هذا المعنى، لا سيما في هذه السياقات الممدوحة، وقيل: سُمُّوا بذلك انتسابًا إلى قرية يقال لها نَصْران، فيقال نَصْرَانِي، وجمعه نَصَارى[1]، والله أعلم. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع "أنصارًا لله" بالتنوين قالوا: لأن معناه اثبُتوا وكونوا أعوانًا لله بالسيف والحجة على أعدائه، وقرأ الباقون من أهل البصرة والكوفة والشام أنصار الله بلا تنوين[2]. ومعنى التنوين متوجه، ويسمى في العربية "تنوين تمكين"، ويلحق الأسماء المعربة [3]، وفي هذه الآية تأكيد للجهاد وزيادة أمرٍ به، وأن التمكين لن يأتي إلا بنصر دين الله تعالى. قوله تعالى: ﴿ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ ﴾ [الصف: 14]: الحواريون: جمع حَوَارِي، وحَوَّرت الشيء: بَيَّضْتَه ودَوَّرْته، ومنه سُمِّي الخُبْرُ الحُوَّار، ومنه اشتق الاسم "حواريون"[4] - لِما فيه من معنى الطهر ونظافة السريرة - والله أعلم. قال بعض العلماء: سُمُّوا بذلك لأنهم كانوا يُطهرون نفوس الناس بإفادتهم الدين والعلم، والحواري: الناصر، أو المبالغ في النصرة، والخليل، والخالص[5]، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "لكل نبي حَوَارِي وحوارِيَّ الزبير"[6]. وأخرج مسلم من حديث ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من نبي بعثه الله في أمته قبلي إلا كان له من أُمته حواريون وأصحابٌ يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلُف من بعدهم خُلُوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن …"؛ الحديث. ونخلُص من ذلك إلى أن الحواريين هم خواصُّ الرسل، وكان الأنصار الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة العقبة سبعين؛ كذا قال مَعْمَر، وقيل: كانوا نفرًا من السابقين الأول من قريش؛ كأبي بكر وعمر وعلي وطلحة وغيرهم، وكان حواريو عيسى اثني عشر رجلًا. قوله تعالى: ﴿ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ ﴾: هذه الياء ياء الإضافة، وقد قرأها نافع بالتحريك ﴿ من أنصاري ﴾، وقرأها الباقون بالإسكان ﴿ من أنصاري ﴾[7]، وأداة الخفض "إلى" تأتى لانتهاء الغاية[8]، وذلك مثل قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْل ﴾ [البقرة: 187]؛ أي: إن الصوم نهايته الليل، وقولك: سافرت إلى القاهرة؛ أي إن نهاية سفري القاهرة، وهنا في هذه الآية (مَنْ) الدالة على المخاطبين العاقلين، والاستفهام بها يُراد منه حثُّ المقصودين بالخطاب على تلقِّيه وامتثاله، ويكون المقصود: مَن يكون نصيرًا لي في الطريق إلى الله [9]؟ والله أعلم. كما تأتي (إلى) بمعنى (مع)؛ كقوله تعالى: ﴿ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ ﴾ [النساء: 2]، وهذا قول الكوفيين وجماعة من البصريين، ومنه في المثل "الذَّوْد إلى الذود إبل"، والذود: من ثلاثة إلى عشرة، والمعنى: إذا جُمِع القليل إلى مثله صار كثيرًا[10]، والمعنى والله أعلم: إن الله تعالى ناصري، فمن يوالي الله تعالى فينصُرني؟ قوله تعالى: ﴿ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ ﴾ [الصف: 14]: وذلك في زمن عيسى عليه السلام [11]؛ ذلك أنهم لما اختلفوا بعد رفعه تفرَّقوا وتقاتَلوا؛ فقال تعالى: ﴿ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ ﴾ [الصف: 14]، وهم الذين كفروا بعيسى؛ والمعنى قوَّينا المحقين منهم على المبطلين، ﴿ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ ﴾؛ أي عالين غالبين، وقيل: أيدنا الآن المسلمين على الفرقتين الضالتين، (من قال: كان الله فارتفع، ومن قال: كان ابن الله فرفعه الله إليه)؛ لأن عيسى عليه السلام لم يقاتل أحدًا، ولم يكن في دين أصحابه بعد قتال[12]. وهنا إشكال ذلك أن عدة المؤمنين زمن المسيح اثنا عشر رجلًا[13]، فكيف تسنَّى لهم غلبة الكافرين؟ ويمكن الجواب بأن هذه الغلبة كانت من جهة العلم والبرهان، ولا عبرة فيها بالعدد، فانظر إلى إبراهيم الخليل وإلى موسى كليم الله، كيف أقاما الحجة على أمم الضلالة![14] ، وقد يكون المقصود أن آخر هذه الأمة ممن آمَن وأسلَم سيقاتل مع عيسى ابن مريم الدجال ويظهر عليه؛ كما وردت بذلك الأحاديث الصحيحة، والله أعلم[15]. خاتمة المصنف: إن هذه السورة سِلوان لمسلمي آخر الزمان، فإن الله تعالى غالب على أمره، وإن الله تعالى مُتم نوره، لكن يتحقق هذا الوعد بتحقيق المؤمنين ما يُحبه ربهم منهم من العلم النافع والعمل الصالح، والاستمساك بمنهج الأنبياء والمرسلين صلوات ربي وسلامه عليهم، وعندها يكون ما بشَّر الله به المؤمنين في الدنيا والآخرة. اللهم اغفِر لنا وارحَمنا، ومكِّن لدينك في الأرض، واشرَح له صدور العباد، والحمد لله أولًا وآخرًا. الخاتمة: وفي ختام هذا المقال الذي يُعد آخر مقالات هذا الكتاب المبارك، أتوجَّه بخالص الدعاء لله تعالى أن يجعلنا من أنصاره المخلصين الذين يُعلون كلمته، ويقتدون بهدي أنبيائه. إن دعوة الله للمؤمنين بأن يكونوا أنصاره ليست مجرَّد أمرٍ، بل إنها شرفٌ عظيم لكل مَن لبَّى النداء، وسار على درْب الأنبياء وأتباعهم الصالحين. ولا شك أن هذا الكتاب، "إتمام الرصف بذكر ما حوته سورة الصف من الأحكام والوصف"، له مكانة خاصة في قلبي، فقد أضاء فضيلة الشيخ الدكتور أحمد عبد الرحمن النقيب الكثيرَ من جوانب هذه السورة المباركة بتفسير عميق وتحليل إيماني متميز، نسأل الله أن يَجزيه خيرَ الجزاء على جهده العلمي، وأن يُبارك في علمه وعمله. هذا الكتاب ليس مجرَّد عمل علمي، بل دعوة للتفكر والتدبر العميق في تفسير كتاب الله تعالى، يجب أن يكون القرآن الكريم منهجَ حياة عمليًّا، يُستقى منه التوجيه، ويُبنى عليه العمل، فالتفكر في آياته هو الطريق الأمثل لفَهْم رسالته العظيمة، وتحويلها إلى واقع يضيء دروب حياتنا. نسأل الله أن يوفِّق أمة الإسلام لنُصرة دينه والتمكين له، وأن يجعل هذا الكتاب المبارَك وما فيه من علمٍ نافع ذخرًا في ميزان حسنات الشيخ الحبيب القريب فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور أحمد عبد الرحمن النقيب، وكل مَن عمِل على نشر الخير. اللهم انصُر الإسلام وأعزَّ المسلمين، ووفِّقنا جميعًا لما تُحب وترضى، واجعَل القرآن ربيعَ قلوبنا ونورَ حياتنا، يا أرحمَ الراحمين، وصلِّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله ربِّ العالمين. [1] انظر مفردات الراغب: (ص/ 809). [2] انظر لابن مجاهد: القراءات السبع (ص/ 635)، والقرطبي: الجامع (18/ 89)، وقمحاوي: طلائع البشر (ص/ 200). [3] انظر لابن عقيل: شرح الألفية (1/ 17). [4] انظر الشوكاني: فتح القدير (1/ 395). [5] انظر القاسمي: محمد جمال الدين بن محمد (ت 1332هـ)، محاسن التأويل (2/ 322)، تحقيق: محمد باسل عيون السود، دار الكتب العلمية–بيروت، ط. الأولى -1418هـ. [6] صحيح. أخرجه البخاري (2846) كتاب الجهاد عن جابر – رضي الله عنه - مرفوعًا، وفي المسند (1/ 102،203) عن على رضي الله عنه مرفوعًا به. [7] انظر لابن مجاهد: كتاب القراءات السبعة (ص/ 635). [8] انظر حول هذا المفهوم الشوكاني: فتح القدير (1/ 569). [9] السابق. [10] انظر ابن هشام: مغنى اللبيب (1/ 104)، وانظر هذا المثل عند العسكري: أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل (ت593هـ) جمهرة الأمثال (1/ 462)، دار الفكر – بيروت. [11] انظر القرطبي: الجامع (18/ 90). [12] انظر القرطبي: الجامع (18/ 90) وابن كثير: التفسير (8/ 113). والشوكاني: فتح القدير (5/ 266). [13] انظر ما ذكره في هذا ابن إسحاق (2/ 62 – السيرة النبوية) بإسناد مرسل عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم. [14] انظر حول هذا القرطبي: الجامع (18/ 90). [15] ابن كثير: التفسير (3/ 497).
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |