|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() تأملات بين الواقع وبعض معاني سورة الحجرات آية عادل تأمُّلات مررت بها اليوم جمعَتْ بين الواقع ومعاني سورة الحجرات، ولا أدري كيف أصِفُها؛ أهي جميلة لما ألقاه الله- عز وجل- في قلبي من معانٍ، أم مؤسفة لما وصلنا إليه؟! كنت أستمع إلى مدارسة سورة الحجرات للدكتور أحمد عبدالمنعم، وحين بلغ قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ﴾ [الحجرات: 9]، وكأن القدر أراد أن يضرب لي مثالًا حيًّا؛ إذ بي أسمع أصوات مشاجرة تتعالى، وصراخًا يزداد، وأناسًا يندفعون لنصرة طرف على الآخر دون تبيُّن أو تحقُّق، كلٌّ متحمسٌ لصاحبه، مستعدٌّ للدفاع عنه حتى دون معرفة أصل الخلاف، وما هي إلا لحظات حتى اشتعلت المشاجرة كالنار في الهشيم، وإما أن يطفئها لطف الله فتنتهي - كما حدث بفضل الله - أو أن ينفخ فيها الشيطان فتتفاقم، وربما تصل إلى قتال! لكن العجيب في زمننا هذا أن كثيرًا من الناس لا يسعون إلى الإصلاح، بل صاروا وقودًا للفتن! تجد أحدهم يسمع عن مشكلة، فينقلها محرفةً أو مزيدةً، وآخر يشحن النفوس ويوغر الصدور، وثالثًا يصنع من الحبة قُبَّة، وكأنهم يقتاتون على إشعال الخلافات لا على إخمادها؛ بل بلغ الأمر أن أصبح البعض يتلذذ برؤية الناس يتخاصمون، وكأن الفتنة مشهد مُسَلٍّ يتابعونه عن بعد! وهذا كله منافٍ لمعاني الأخوَّة الإيمانية التي جاءت بها سورة الحجرات، والتي شددت على ضرورة الإصلاح، والعدل، والقسط في الحكم بين الناس، كما قال تعالى: ﴿ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ [الحجرات: 9]. فأين القسط والعدل فيمن ينقل الكلام دون تثبُّت؟ وأين الإصلاح فيمن يحرِّض ويشحن النفوس؟ بل أين الأخوة حين يصبح أقرب الناس إلى بعضهم أول من يخذلهم في أزماتهم؟ إن الفتن لا تقوم إلا حين يُترك العدل، وتُستبدل به الإشاعات، ويُفضَّل التعصب على الإنصاف. وقد ذمَّ الله الظلم وأهله في مواضع كثيرة، وبيَّن عاقبته الوخيمة، فقال: ﴿ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ﴾ [فاطر: 43]. فمَنْ سعى في الفتنة، لم يجلب الضرر إلا لنفسه في الدنيا والآخرة، ومن عدل وأصلح، كان من المقسطين الذين يحبهم الله. وما كان يومًا يقتصر على المجالس الضيقة والمواجهات المباشرة، أصبح اليوم أشد خطرًا؛ فقد خرجت الفتن من دائرة المشاجرات والمجالس الخاصة، وانتشرت في فضاءٍ مفتوحٍ بلا ضوابط. لم يَعُد الشيطان بحاجة إلى مجلس فتنة أو جلسة نميمة، فاليوم صار بوسعه أن يُحرك الفتنة بضغطة زر، تحوَّلت وسائل التواصل الاجتماعي إلى ساحةٍ للمعارك الافتراضية، حيث تُلقى الكلمات سهامًا مسمومة، لا تصيب الجسد، ولكنها تمزِّق القلوب. وهنا يأتي التوجيه الإلهي في سورة الحجرات، حين ربط الله بين الإيمان الحقيقي والأخوة الصادقة، فالمؤمنون كالبنيان، إن تماسك اشتد وصلب، وإن ضعف وتهاوى، سقط وتهشَّم. إن أول خطوة نحو الإصلاح أن ندرك خطورة الكلمة التي نقولها أو ننقلها، فالفتنة تبدأ بشرارة، وقد تكون أنت من يشعلها دون أن تشعر. فلنكن ممن يطفئون النيران، لا ممن يشعلها! وفي النهاية، يبقى الإصلاح خُلقًا نبيلًا لا يقوم به إلا من امتلك الحكمة والعدل، أما الفتنة، فهي طريق سهل لكل من أراد أن يشعلها، لكنها لا تحرق إلا أصحابها أولًا، فهل نكون ممن يحبهم الله بإنصافنا وإصلاحنا، أم نقع في فخ الشيطان ونصبح وقودًا للنزاعات؟
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |