|
ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم قسم يختص بالمقاطعة والرد على اى شبهة موجهة الى الاسلام والمسلمين |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() من ذكريات المحرم: هجرة في سبيل الله وشهادة في سبيل الحق بقلم: أحمد حسن الزّيات بعث الله النبي الكريم على فترة من الرسل في عصر غير ذي دين، وجيل غير ذي خلق، وبلد غير ذي زرع: فلقي صلوات الله علىه من سفه الجاهلية وكلَب الماديَّة وكيد العصبية وحرمان الفقر وخذلان القلة ما لا يسعه طوق بشر إلا بروح من الله تعالى وسند من الإيمان وعون من الخلق. حمل محمد صلى الله عليه وسلم رسالة الله وهو فقير ضعيف، وحمل أبو جهل رسالة الشيطان وهو غني مسلط، فحوَّل مكة المشركة جبلاً من السَّعير سدَّ على الرسول صلى الله عليه وسلم طريق الدعوة، فكان يخطو في طرقها وشعابها على أرض تمور بالفتون وتفور بالعذاب، وتفجُر عليه في كل خطوة سفاهة أبي لهب بالأذى والهون والمعاياة والمعارضة- وكل قرشي كان يومئذ أبا جهل أو أبا لهب إلا من حفظ الله. وافتنَّ كفار مكة ومشركو الطائف في أذى الرسول صلى الله عليه وسلم فعذبوه في نفسه وفي أهله وفي صحبه ليحملوه على ترك الدعوة فما لان ولا استكان ولا خضع صلى الله عليه وسلم. وحينئذ تدخل الشيطان بنفسه في(دار الندوة) فقرر القتل، وتدخل الله تعالى بروحه في(غار ئور) فقدَّر النجاة!. كانت ليالي الغار أحلك ليالي الهم في تاريخ الدعوة: سيوف الغدر مصلتة في أكف الفتية المختارين من قبائل قريش يرقبون مثوى الرسول صلى الله عليه وسلم بعيون لا تغفل; وعلي رضي الله عنه نائم في فراش ابن عمِّه متسجياً ببرده يوهم القوم أن طُلبتهم بين أيديهم حتى لا يطلبوها في مكان آخر. والمهاجر الفار بدينه من صولة الكفر لائذ بالغار في أسفل مكة يحصِّن نفسه بذكر الله، ويطمئن قلبه بسكينة الصبر، ويقول لصاحبه وهولا يقارُ من الخوف ولا يتماسك من الأسى: [إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا] {التوبة:40} . والمؤتمرون حين كشف لهم الصباح عن وجه الخديعة يطلبونه في كل مكان ، ويرصدونه بكل سبيل، حتى إذا لم يبق بينهم وبين الرسول صلى الله عليه وسلم والصدّيق رضي الله عنه إلا نظرة وخطوة، أراد الله أن تدرك قدرته كلمته ،فطمس عين الباطل فلم ير، وزلزل قدم الشرك فلم يلحق، وانطلق محمد صلى الله عليه وسلم هو وصاحبه رضي الله عنه ودليله وخادمه على عيون المشركين في الطريق الموحش الوعر حتى بلغوا طيبة. وهنالك بالصبر والصدق والإيمان والرجولة أتمر غرس الدعوة وتمَّ نور الله سبحانه. جمع الرسول صلى الله عليه وسلم شتات الجماعة، ووثق عقدة الدين، وأعدَّ أُهبة الجهاد، فألف بين الأوس والخزرج، وآخى بين المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم، وعاهد بين المسلمين واليهود، حتى تكتّب في يثرب جيش الله الذي فتح الدنيا بفتح مكة. لم تكن هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم هرباً من وجه الموت كما يسميها كتاب الفرنج. فإن الأمر لو كان أمر الحياة لترك الرسول صلى الله عليه وسلم الدعوة وظل عزيزاً في قومه آمنا في سربه. ولكنه أمر الله تعالى الذي قال فيه لعمه أبي طالب: (والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أنأترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلكدونه ما تركته). إنما كانت الهجرة خروجاً من أرض نبت على الغراس الإلهي فلم تدعه ينبت، وتحولاً عن قوم صدوا عن سبيل الله فلم يدعوها تؤدي. وما كانت دعوة الحق في مكة إلا غيثاً أنزله الله في يباب القفر فغاض بعضه في سباخ الأرض واحتبس بعضه في أصلاد الصخر، ثم نفَّس الله عنه من شدة الضيق والحصر فانبثقت عنه الحواجز الصم فجرى سيولاً في السهول والأودية، وتشعَّب ينابيع في القرى والمدائن، يحمل الخصب والنَّماء، ويوزع الري والغذاء، فأحيا موات الأرض، وروى غلة الناس، وكان منه العمارة والحضارة والخير. كانت هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة هي هذا الانبثاق الذي انساح به الإسلام في أقطار الأرض يحمل الهدى للأرواح الحائرة، والسلام للنفوس المحرومة، والإلفة للقلوب المختلفة، ويحقق لهذا الإنسان طريد العدوان وعبد الطغيان أحاديث أحلامه وهواجس أمانيه، من الأخوة التي يعم بها النعيم، والمساواة التي يقوم علىها العدل، والحرية التي تخصب بها المدارك. كان حادث الهجرة الذٍي جعل عامه عمر رضي الله عنه الحكيم العظيم تاريخاً للمسلمين منه أيامهم ويؤرخون به أحداثهم، ملحمة من ملاحم البطولة استمدت إلهامها من وحي الله سبحانه، وروحها من خلق محمد صلى الله عليه وسلم، وعملها من صدق العرب، واستقرت في مسامع الأجيال والقرون مثلاً مضروباً لقوّاد الإنسانية يعلمهم الصبر على مكاره الرأي، والاستمساك في مزالق الفتنة، والاستبسال في مواقف المحنة، والاستشهاد في سبيل المبدأ. ثم كانت الهجرة أساسا لصرح الوحدة ( الإسلامية ) أرساه الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة، ثم قوَّاه بفتح مكة، ثم أعلاه خلفاؤه الراشدون بجمعهم العرب باديهم وحاضرهم على نظام ديمقراطي (شوري) حر، وفي حكم تيوقراطي مُنزَّه، فأصبحت السيادة للدين لا للنسب، والإخاء في الله لا في العصب. ثم انصدع هذا الصرح بالفتنة الكبرى واشتداد النزاع على الإمامة بين على ومعاوية رضي الله عنهما، أو بين هاشم وأمية، وما اقتضته سياسة الأموي الأول من تغليب العصبية القبلية على القومية الإسلامية، وإيثار السياسة الدنيوية على السياسة الدينية;وجعله ولاية العهد لابنه المستهتر بطريق لا سليم ولا مستقيم، واستبداد الهوى المريض بقلب خليفته يزيد. وكان بنو علي رضي الله عنه قد ورثوا عنه ما ورثه هو بحكم مولده ومرباه من مناقب النبوة ومواهبالرسالة، فتولوا المعارضة بصراحة المؤمن،وقادوا حركة الإصلاح ببسالة المجاهد، وساسوا الناس بسياسة أبيهم، فما قارفوا الأثَرَة، ولا حاولوا الفرقة، ولا راقبو الفرصة، ولا أثاروا العصبية، ولا استخدموا المال; ولكن دنيا الفتوح كانت يومئذ قد أخذت تتجاهل دنيا البساطة والزهد، فلم تعد السياسة الدينية وحدها قادرة على كبح النفوس المفتونة بسرف القصر في الشام وترف العيش في العراق، ففسد أمر بني علي بين طغيان الحكومة وخذلان الشعب. وشقَّ على الحسين أن يرى دعوة جدِّه تصير دعاية، وخلافة أبيه تنقلب ملكاً، ووحدة قومه تصبح شتى، فنهض بنفسه للأمر وأخذ يستنفر القبائل ويستنصر الأحزاب فما رجع من سعيه لديهم بطائل. ورأى له القدر المقدور أن يلتمس النصرة عند شيعة أبيه في العراق، وكانوا قد وعدوه بالرسل، ومَنَّوه بالرسائل، أن يريِّضوا له الأمر ويجمعوا عليه البيعة. فشخص إليهم بقومه، وكانوا لا يزيدون على الثمانين، فيهم نساؤه وأولاده، وهو يردد في نفسه ما قاله لأخيه محمد في وصيته: «إني لم أخرج أشرا ولا بطرا، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر، فمن قبلني بقول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد عليَّ هذا صبرت حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين». ولكن جيش يزيد وكله من أهل العراق اعترض سبيله إلى الكوفة وفي قلب قائده العدوان وعلى لسانه التحدي، فقابل ابن زياد الحِلمَ بالسَّفَه، والمنطق بالعناد، والإباء بالتحرش، وحمل الحسين حملاً على قتال يائس، ثم منعه ورْد الفرات ، وأورده ظمآن حوض المنون، فقتل سبط الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه قتلةً لا يزال يرعد من هولها الدهر! هاتان ذكريان يخطرهما على البال حلول شهر المحرم من كل عام: ذكرى هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهي عيد انطلاق الدعوة المحمدية من حصار مكة، وانبثاق الرسالة الإلهية في أفق المدينة، وانعتاق الإنسانية كلها من رق الجهالة. وذكرى مصرع الحسين ، وهي مأتم الحق المقتول والمحق المخذول والوحدة التي انصدعت فلم تلتئم منذ يومئذ حتى اليوم. لذلك يستقبل المسلمون عامهم الهجري بوجهين مختلفين ومظهرين متباينين: بعضهم يذكر به انتصار المهاجر العظيم فيلقاه بوجهمنبسط وقلب مغبط;وبعضهم يذكر به استشهاد المجاهد الكريم فيلقاه بصدر ملتاع ووجه مكتئب، ولو أن وحدتنا ظلت جامعة لاستقبلناه بوجه وأحد ورأي جميع، وتركنا في ذمَّة التاريخ تلك المأساة التي شعبت الطريق وفرقت الأخوة وأوهنت العقيدة، وفوضنا إلى مالك يوم الدين الفصل بين خصوم ذهبوا في سبيل الغابرين منذ ثلاثة عشر قرنا وربع القرن، فيسامحهم الله تعالى بفضله، أو يجازيهم بعدله. وذلك هو الأحرى بأمة التوحيد، وزعماؤها الذين ادَّخرهم الله لتجديد دعوته وتوحيد كلمته هم اليوم بسبيل التأليف بين القلوب، والتوحيد بين المذاهب، والتوفيق بين المصالح، لينقطع الخلاف ويجتمع الشمل، وليس من الحكمة أن يختلف صحابيان في صدر الإسلام، ثم يظل الناس على اختلافهما يختلفون، ولا من العدالة أن يأكل الآباء الحصرم والأبناء يضرسون! وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |