|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() التناسب في بنية القصة القرآنية أم محمد عياطي إن المتتبع لمعاني القرآن ومفرداته لا شك أنه سيشعر بالتناسب المذهل بين أجزائه جملةً وتفصيلًا؛ ولذلك عرف علماء اللغة التناسب بأنه: "علم شريف تحرز به العقول، ويعرف به قدر القائل فيما يقول، والمناسبة فى اللغة: المقاربة، وفلان يناسب فلانًا؛ أي: يقرب منه ويشاكله، ومنه النسيب: الذي هو القريب المتصل؛ كالأخوين، وابن العم ونحوه"[1]، فالتناسب في النص القصصي القرآني هو الترابط والتلازم الذي تنثني عليه بنية القصة القرآنية، وبطرحنا لموضوع التناسب في السياق القصصي القرآني نكون بذلك قد جمعنا بين الأصالة والمعاصرة في مقاربة وتحليل البناء القصصي، ليتم لنا بعد ذلك اكتشاف العلاقات المضمرة التي أسهمت في تشكيل جدلية الخفاء والتمظهر في سياق مقصدية القصة القرآنية وفهم دلالاتها ومعالجة موضوعاتها. لأن علم التناسب القرآني- كما سبق إليه علماء العرب أمثال الجاحظ، والزركشي وغيرهما- لا يقل أهمية عما بادر إليه نقاد الحداثة في دراسة بنية القصة وفق المنهج البنيوي التحليلي وما توصلوا إليه من تطبيق نظرياتهم الحديثة في البحث اللغوي والتأسيسي في الأبنية والتراكيب التآلفية بأنواعه المتعددة في استعمالاتها اللغوية المختلفة التي تتلاءم مع السياق ومقتضى الحال، فهو علم علل ترابط الأجزاء البنيوية للنص القرآني مع بعضها البعض، وللتناسب في القصص القرآني عدة أقسام وأنواع متداخلة، وكل منها يكمل بعضه بعضًا، لكنه بأتمه يندرج تحت قسمين أساسين هما: "التناسب اللفظي"، "التناسب المعنوي"، فالناظر للنص القرآني وما يتضمنه من قصص مسرودة يجد أن القصص المبثوث في السورة الواحدة لا ينفصل موضوعه ومقصده العقدي والتربوي عن موضوع السورة الكلي؛ أي: إن السورة الواحدة تتضمن الوحدة العضوية سواء كان ذلك التربوي في الأسلوب التوجيهي السردي أو بنية القصة التي تنتمي إليها، هذا إذا تحدثنا عن السورة الواحدة، أما إذا توسعنا في البحث والتحري فإن السياق القرآني ككل يتناسب بعضه مع بعض، السور بعضها مع بعض في ترتيبها واستهلالها وخواتيمها والمواضيع المطروقة بدواخلها. فمثلًا نجد في سورة «القلم» وقصة «أصحاب الجنة» التناسب والترابط والانسجام بين موضوع قصة «أصحاب الجنة»، وما يدعو إليه من توجيه تربوي واعتباري؛ حيث يقول الله تعالى بعد حديثه على جحود الكفار ونكرانهم لنعمة النبوة المرسلة إليهم: ﴿ إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ ﴾ [القلم: 17]، فجاء الوصف والتهديد الإلهي لمشركي مكة من خلال طرح قصة «أصحاب الجنة»؛ وذلك للعظة والاعتبار بسوء الخاتمة لكل من يكفر بأنعم الله عليه ﴿ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ * قَالُوا يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ * عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ * كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [القلم: 30 - 33]، ونجد من خلال هذه المقارنة اليسيرة التماسك النصي القرآني في موضوع القصة والسورة، وإذا اتسعنا في المقارنة والوصف والتحري نجد أن هذا السبك القرآني لا يقل تآلفًا مع طريقة العرض التي بدورها تحقق التناسب المطلق والجمالي مع الوقائع والأحداث في بنية القصة، وذلك من ميزات التعامل الشكلي والأسلوبي لبیان المعنى القرآني، فالدارس لبنية النص القرآني يجد التناسب والترابط واضحًا بين بداية القصة واختتامها وإن اختلفت طريقة العرض وترتيب الأحداث داخل القصة الواحدة، لكن من الثابت وجود ذلك البناء المحكم النسيج والانسياق السردي المنطقي بين أجزاء القصة، حيث إن المتتبع لطرح الصور الفنية وتحركات الشخصيات والمشهد الحدثي يتجلى له الإطار الكلي المجمل الذي يحيط بالفكرة ويجمع التفاصيل من خلال براعة الاستهلال في استفتاح القصة وسلاسة النهاية المقنعة، وكل ذلك انتظام قوي ومتین، فمثلًا في قصة أصحاب الجنة نجدها تبدأ في دعوة للتفكر والاتعاظ من المصير نفسه، فهي تبدأ بأسلوب خطابي مباشر ﴿ إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ ﴾ [القلم: 17]، وفي ذلك إشارة للانتباه ولفت النظر لمعرفة مصير هؤلاء القوم، بعدها تختم بــ: ﴿ كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [القلم: 33]، ونلاحظ أن المخاطب في بداية القصة سيجد نفس المصير الذى لاقاه أصحاب القصة، وبذلك جاء النظام القصصي القرآني لا ينتابه النقص أو الضعف البنيوي والجمالي، وإن المتمعِّن في كتاب الله عز وجل يجد أن بعض السور قد ذكرت فيها أكثر من قصة واحدة، وأما الملاحظ فى الموضوعات المطروحة في جميع القصص سيجد أن هناك رابطًا مشترکًا سوى ترتيب الأحداث التاريخية أو مضمون القصة والعبرة الملموسة من الفكرة العامة، وكذلك التناسب السياقي. مثل أن نجد قصة هود اتبعت الترتيب الزمني، "حيث بدأت بنوح ثم هود ثم صالح ثم إبراهیم ثم لوط ثم شعیب ثم موسی علیه السلام"؛ وحيث إن القصة القرآنية تطرح سلسلة من الأحداث في نمط سردي، فإن موضوع القصة القرآنية منسجم ومتماسك مع موضوع السورة التي تتضمنها بشكل عام، فهناك ترابط معنوي ووقائعي بين أجزاء نص القصص والسياق المؤطَّر داخل محتوى السورة الواحدة أو في السياق القرآني بشكل عام؛ ولذلك تشكل القصة القرآنية منهجًا تربويًّا خاصًّا وفنيًّا بلاغيًّا، فالتناسب هو القدرة على ربط الأجزاء بعضها ببعض بأسلوب إعجازي محكم ومتكامل لا يعتريه النقص من أي جانب کان، تتشكل لدى القارئ نظرة كلية مقنعة لأي استفهام وقاطعة لأي شك، فالترابط الدلالي المعنوي يحقق الانسجام بين العلاقات الداخلية في النص، وتستمد منه البنية القصصية المتانة التركيبية، والثبات اللغوي والقوة البيانية المعجزة. [1] الجرجاني عبدالقاهر، دلائل الإعجاز، تح: عبدالسلام هارون، دار عمار، عمان، الأردن.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |