غمسة محو الذاكرة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 786 - عددالزوار : 118072 )           »          شرح كتاب الحج من صحيح مسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 56 - عددالزوار : 39962 )           »          التكبير لسجود التلاوة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          زكاة التمر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          صيام التطوع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          كيف تترك التدخين؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          حين تربت الآيات على القلوب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          تفسير القرآن الكريم ***متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3096 - عددالزوار : 366403 )           »          تحريم الاستعانة بغير الله تعالى فيما لا يقدر عليه إلا الله جل وعلا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          فوائد ترك التنشيف بعد الغسل والوضوء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 07-04-2025, 04:04 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,162
الدولة : Egypt
افتراضي غمسة محو الذاكرة

غمسة محو الذاكرة

سالم محمد أحمد

ما أقصر هذه الدنيا! وما أسرع زوالَها! تراها مترامية الأطراف، عامرةً باللذات، ثم لا تلبث أن تتلاشى كأنها لم تكن، كم من غنيٍّ مَلَكَ القصور، وأحاطت به المسرَّات، ثم لم يلبث أن صار خبرًا بعد عين! وكم من فقير ذاق من الشقاء ألوانًا، ثم أصبح في دار لا همَّ فيها ولا كدر! لو علم الناس حقيقة الدنيا، لَما اغتروا بنعيمها، ولا فزِعوا من مصائبها، فكل ذلك لا يعدو أن يكون ظلًّا زائلًا أمام لحظة واحدة في الدار الآخرة، غمسة واحدة في الجنة أو في النار كفيلة بأن تمحو ذاكرة الحياة بأكملها، فهل تأملت أيُّ الغمستَين ستكون نصيبك؟

أما الحديث الذي أشار إلى تلك المعاني؛ فهو قوله صلى الله عليه وسلم: ((يُؤتَى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيُصبغ في النار صَبغةً، ثم يُقال: يا بن آدم، هل رأيت خيرًا قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ويُؤتى بأشد الناس بؤسًا في الدنيا من أهل الجنة، فيُصبغ صَبغةً في الجنة، فيُقال له: يا بن آدم، هل رأيت بؤسًا قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ما مر بي بؤس قط، ولا رأيت شدةً قط))؛ [رواه مسلم]، فدعونا نتفيَّأ ظلال هذا الخبر النبوي.

إن بعض الناس ينظر إلى الحياة بعين ضيقة، تقيس الأقدار بموازينَ عاجزة، فلا يرى إلا وجهًا واحدًا للأيام؛ فإن أصابته نعمة، طار بها فرحًا وظن أنها دائمة، وإن مسَّته نقمة، غرق في يأسه ورأى الدنيا قد ضاقت عليه بما رحبت، ولو أنه أبصر ببصيرة الإيمان، لعلِم أن هذه الدنيا ظل زائل، وأن العِبرة ليست باللحظة التي يعيشها، ولكن بالمآل الذي يصير إليه.

وهذا الحديث النبوي العجيب ينسف كل الأوهام التي علِقت بأذهاننا عن النعيم والبؤس؛ يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن رجلٍ عاش في الدنيا، في بُحْبُوحة من العيش، لم ترَ عيناه مكروهًا، ولم يذُق قلبه ألمًا، كان سيدًا في قومه، تنحني له الرقاب، وتُفرش له الطرق بالورود، وتُفتح له الأبواب قبل أن يطرُقها، ثم جاء يوم القيامة، فإذا به من أهل النار، فيُغمس فيها غمسة، غمسة واحدة، لا أيام ولا شهور، مجرد لحظة، ثم يُسأل: هل رأيت خيرًا قط؟ فيجيب، وهو الذي ملك الدنيا ما ملك، بلسان ذليل وقلب مرتجف: لا والله يا رب!

أي عجب هذا؟ أين القصور والمراكب؟ أين الأهل والأحباب؟ أين الضحكات الصاخبة، والموائد المُترفة، والليالي العامرة؟ لقد ذهبت كلها أدراجَ الرياح، ومحا ألم لحظة في النار ذكرى عمرٍ من النعيم، لم يعُد يذكر شيئًا، والنعيم الذي كان فيه لم يكن شيئًا مذكورًا.

وفي الجهة الأخرى، رجل قضى عمره في البؤس والشقاء، لم يذُق في حياته إلا مرارةَ الفقر، وقسوة الدهر، كان جسده نهبًا للأوجاع، ووجهه مرآةً للآلام، قلَّ أن يعرف الفرح طريقًا إلى قلبه، حتى أتاه الموت وهو في شقاء دنيوي، لكنه كان من أهل الجنة، فلما جاء يوم القيامة، غُمس غمسةً واحدة في الجنة، مجرد لحظة، ثم سُئل: هل رأيت بؤسًا قط؟ فيقول، وهو الذي أفنى حياته في الألم: لا والله يا رب، ما مر بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط!

سبحان الله! غمسة واحدة في الجنة أنْسَتْهُ كل ما كان، أين الجوع؟ أين البرد؟ أين الظلم؟ أين الأمراض التي كانت تنهش بدنه، وتُطير نومه؟ أين الأحزان التي كانت تسحق قلبه؟ تبخَّرت كلها في لحظة، كأنها لم تكن!

هكذا يدرك العاقل أن الدنيا ظل سريع الزوال، لا عِبرة فيها لضحكة أو دمعة، فكلها سراب، لو أننا نظرنا إلى الأمور بعين الآخرة، لَما جزِعنا على فوات النعيم، ولا شكَونا من شدة المصائب، فلو أن لحظة في النار تُنسي الإنسان كل نعيم الدنيا، فكيف بمن كُتب عليه الخلود فيها؟ ولو أن لحظة في الجنة تمحو كل آلام الحياة، فكيف بمن وعده الله بالنعيم المقيم؟

ما أحوجنا إلى أن نزِنَ الدنيا بميزانها الصحيح، فلا نغتر بنعيمها، ولا نحزن على مصائبها، بل نجعل همَّنا في الذي يبقى، لا في الذي يفنى، اللهم اجعلنا من أهل الغمسة في الجنة، ولا تجعلنا من أهل الغمسة في النار.

وهنا بعض العِبر من هذا الحديث العظيم:
الدنيا ظل زائل: فالنعيم فيها لا يدوم، والبؤس فيها لا يستمر، والعبرة ليست بلحظة عابرة، وإنما بالمآل الذي يُفضي إليه العبد.

الآخرة هي المقياس الحق: فليست الدنيا ميزان السعادة أو الشقاء، وإنما الغمسة في الجنة أو النار هي التي تكشف الحقيقة كاملة.

نعيم الدنيا لا يُغني عن عذاب الآخرة: فلو أنَّ أرفعَ الناس نعيمًا في الدنيا دخل النار، نُسيت كل أيام سروره في لحظة.

بؤس الدنيا يزول أمام نعيم الآخرة: فمن صبر على الشدة، واحتسب البلاء، كان جزاؤه أن يغرق في النعيم، حتى ينسى كل ما مر به.

الدنيا ليست دارَ قرار: فما هي إلا ممرٌّ، والعاقل لا يبني آماله على ممر لا يلبث أن يُطوى.

الله أعدل العادلين: فالغنيُّ الكافر لا يخلُد في نعيمه، والفقير الصابر لا يُترك في بؤسه، بل لكلٍّ حساب وجزاء.

القلب ينسى كل شيء أمام الحقيقة الكبرى: فلا يذكر النعيم أمام العذاب، ولا يُحس بالبؤس أمام الجنة، فكيف بمن كتب عليه الخلود في أحدهما؟

العِبرة بالخاتمة: فليس من عاش في رخاء سعيدًا، وليس من عاش في بلاء شقيًّا، بل المعيار هو أين يكون المرء يوم القيامة.

الصبر مِفتاح النعيم الأبدي: فكل شدة يعقُبها الفرَج، لكن أعظم الفرج أن يُغمس العبد في الجنة، فلا يعود يذكر أوجاعه.

ما عند الله خير وأبقى: فمن جعل الآخرة نُصبَ عينيه، هان عليه ما يلقى في الدنيا، وعاش قريرَ العين، مطمئنَّ القلب.

يا بن آدم، لا تغترَّ بدنياك، فإنها والله كسراب بقيعة، يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئًا، أمَا رأيت الملوك كيف كانوا؟ أمَا سمعت عن أهل الغنى والسلطان كيف سكنوا القصور، وتقلبوا في الملذات، ثم لم تلبث الأيام أن طَوَتْ صفحاتهم، فصاروا في باطن الأرض بعد أن كانوا أعزة على ظهرها؟ أما رأيت المساكين الذين انحنت ظهورهم من البلاء، وذرفت عيونهم من الفقر، ثم جاء يوم الحساب فإذا هم في أعالي الجنان، ينسَون بغمسة واحدة كل ما كابدوه في الدنيا؟ فبأي قلب تعيش، وأنت لا تدري أين تكون الغمسة؟ أتغتر بلذائذَ تفنى، وغفلاتٍ تُوردك الهلاك؟ أما تخشى أن تكون ممن يُسأل يوم القيامة: ((هل رأيت خيرًا قط؟)) فلا تجد في ذاكرتك أثرًا لكل نعيمك الماضي؟ أمَا ترجو أن تكون من الذين يُسألون: ((هل رأيت بؤسًا قط؟)) فلا يبقى في قلبك ذكرى لكل شدة وألم مر بك؟ يا غافلًا عن مصيره، يا متعلقًا بزخرف فانٍ، إن أمامك يومًا يجعل الملوك أذلَّاءَ، ويرفع الفقراء إلى المقام العظيم، فاصبر على البلاء، واشكر في النعماء، وازهد في دنياك، فإنها ساعة، ثم تنقضي، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام.

يا بن آدم، إنما هي غمسة، ثم تنكشف لك الحقيقة الكبرى، فإما نعيمٌ ينسيك كل شقاء، وإما عذاب يمحو من قلبك ذكرى كل لذة، فهل تأملت إلى أين تسير؟ هل أعددت ليوم تُغمس فيه غمسة واحدة، فتزول دنياك كلها، وتبقى وحدك أمام مصيرك الأبدي؟ إن الدنيا مهما طالت فهي إلى زوال، وإن الآخرة مهما غابت فهي إلى مجيء، فلا تغتر بسراب لا يلبث أن يتبدد، ولا تأسَ على ألم سرعان ما يزول، ولكن أعدَّ لكل غمسة جوابًا، واجعل همك في الذي يبقى لا في الذي يفنى، اللهم اجعل لنا غمسة في الجنة تنسينا تعب الحياة، ولا تجعل لنا غمسة في النار تنسينا كل نعيم مر بنا، فأنت خير الراحمين، وأنت أكرم الأكرمين.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 51.00 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 49.33 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (3.27%)]