|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() أُوغل فيه برفق د. حسام العيسوي سنيد المقدمة: من سنن الله في هذا الكون التدرج؛ فالله خلق السماوات والأرض في ستة أيام، ﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ... ﴾ [الأعراف: 54]، والسؤال: أليس الله قادرًا على أن يخلقهما في لحظة؟ بلى، الله قادر، ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [يس: 82]؛ لكن الله عزَّ وجلَّ يعلمنا التدرج في فعل الأشياء، كل شيء يحتاج إلى تدرج، وخصوصًا الترقي والوصول إلى الله يحتاج إلى تدرج، حتى يصل المسلم إلى إتقان العبادة وتذوقها وتأديتها على الوجه المطلوب. لذلك عاب النبي صلى الله عليه وسلم على قوم شددوا على أنفسهم، وتوغلوا في الدين، بدون وضع سنن الله -في الرفق والتدرج- في الاعتبار؛ ففي الحديث الذي رواه البيهقي في شعب الإيمان، عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ فَأَوْغِلْ فِيهِ بِرِفْقٍ، وَلَا تُكَرِّهْ عِبَادَةَ اللهِ إِلَى عِبَادِهِ، فَإِنَّ الْمُنْبَتَّ لَا يَقْطَعُ سَفَرًا، وَلَا يَسْتَبْقِي ظَهْرًا». 1- الرفق يبلِّغ المقصود: من الاستفادات من هذا الحديث الشريف: أن الرفق يوصل المسلم إلى مقصوده؛ فقد روى البيهقي عن أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الْخَيْرِ، وَمَنْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنَ الْخَيْرِ»، والرفق في الحديث يحمل معاني رفيعة: أ- التركيز والإتقان والتطبيق بحب: ففي الحديث الذي رواه أحمد في مسنده عن عمرو بن قيس، أن رجلًا، قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، إن شرائع الإسلام قد كثرت عليَّ، فمرني بأمر أتثبت به، فقال: «لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِن ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ». ب- تأهيل النفس واستكمال خصالها الحميدة: فقد روى البخاري في صحيحه عن حفصة رضي الله عنها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللهِ لَوْ كَانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ». جـ- استثمار المواهب وتنمية القدرات: فقد ورد في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع يده على كتفه ثم قال: «اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ». د- الرفق بالخلق والرحمة بالمخلوقات: في الحديث الذي رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها،أَنَّهَا كَانَتْ عَلَى جَمَلٍ فَجَعَلَتْ تَضْرِبُهُ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «عَلَيْكِ بالرِّفْقِ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْتَزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ». 2- التشدد عدو الإيمان: تعددت معاني الرفق -كما ذكرنا-؛ لكن أهم معانيها: السهولة والبساطة والسماحة، أو ما يمكن تلخيصه: ترك التشدد، والتنطُّع في الدين، فالتشدُّد أمر منبوذ، ولا نبالغ إذا قلنا: إنه عدوُّ الإيمان؛ فهو مصدر للهلاك، ووسيلة السقوط؛ قال صلى الله عليه وسلم -فيما رواه أبو داود عن عبدالله بن مسعود-: «ألا هَلَكَ المُتنطِّعون» ثلاث مرات. قال النووي: "المتنطعون: المتعمقون المغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم"[1]. وقد بيَّن صلى الله عليه وسلم بعضًا من آثار التشدد بقوله -في نهاية الحديث-: «إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ فَأَوْغِلْ فِيهِ بِرِفْقٍ، وَلَا تُكَرِّهْ عِبَادَةَ اللهِ إِلَى عِبَادِهِ، فَإِنَّ الْمُنْبَتَّ لَا يَقْطَعُ سَفَرًا، وَلَا يَسْتَبْقِي ظَهْرًا"؛ فمن آثار التشدد كما ذكر في الحديث الشريف: أ- الصورة السيئة للدين: وهو ما ورد في عبارة النبي صلى الله عليه وسلم: «وَلَا تُكَرِّهْ عِبَادَةَ اللهِ إِلَى عِبَادِهِ»، فتعاليم الدين تظهر المسلم في فطرته النقية، وتعلي من قيم الدين النبيلة، فالمسلم بهذه التعاليم كالنجم في السماء، يهدي الحيارى، وكالماء في الأرض يروي العطشى، ملاذ الناس أجمعين، وهدية الخلق من رب العالمين، وقدوتنا في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، خاطبه ربه بقوله: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]؛ وقال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]. ب- هلاك النفس وانعدام الوصول: وهو ما أشار إليه نبيُّنا الكريم صلى الله عليه وسلم بقوله: «فَإِنَّ الْمُنْبَتَّ لَا يَقْطَعُ سَفَرًا وَلَا يَسْتَبْقِي ظَهْرًا»، وهذه من الأمثلة النبوية، التي أكدتها التجربة، وأثقلها طول المشاهدة. وقد كان صلى الله عليه وسلم مثالًا حقًّا في تنفيذ تعاليم الله، والقيام بحقه: فقد أخرج مسلم عن أنس رضي الله عنه قوله: جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أُخْبِرُوا فَكَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، قَالُوا: أَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَدْ غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ أَحَدُهُمَا: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ الْآخَرُ: إِنِّي أَصُومُ الدَّهْرَ أَبَدًا وَلَا أُفْطِرُ، وَقَالَ الْآخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟ أَمَا وَاللهِ، إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ، وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي». وفي صحيح مسلم: جاء عمرو بن العاص إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو ابنه عبدالله، يقول: زوجته امرأة ذات حسب ونسب فعضلها؛ يصوم النهار، ويقوم الليل، ولا يؤدي حقها، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال له: «أنت الذي تقول وتحلف وتفعل كذا وكذا وكذا»، قال: نعم يا رسول الله، وما أردت إلا الخير، قال صلى الله عليه وسلم: «لا تفعل؛ إن لبدنك عليك حقًّا، ولزوجك عليك حقًّا، ولضيفك عليك حقًّا، صم وأفطر، وقم ونم، واقرأ القرآن في شهر، إن أفضل العمل عند الله أدومه، وإنه قد يطول بك العمر فتكبر، فتعجز عن أداء ما التزمت، ألم تر إلى فلان كان يقوم الليل فترك قيامه، فيا ليته لم يقم، لا تشددوا على أنفسكم، إن الله لا يمل حتى تملوا». 3- مواسم الخيرات والحنكة في التغيير: نستقبل بعد قليل موسمًا عظيمًا من مواسم الخيرات؛ وهو شهر رمضان المعظم، ينبغي أن نأخذ حذرنا، ونستيقظ من غفلتنا؛ فرمضان سريع الانتهاء، وما يلبث يأتي حتى ينتهي، فيجب أن نعد عدتنا، ونضع خطتنا؛ حتى لا تضيع هذه الأوقات الغاليات، وهذه الساعات الذهبيات، قال صلى الله عليه وسلم -فيما رواه ابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه-: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَقَامَهُ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». وهناك ظاهرة ينبغي أن نسلط الضوء عليها، قبل أن يأتي هذا الشهر الكريم: فإن بعض المسلمين يدخل إلى رمضان بكل همة ونشاط؛ لكن ما يلبث أن تنتهي أيام قليلة من الشهر، فيعود إلى ما كان عليه؛ بل قد يكون أسوأ: حين يتمنى أن ينتهي هذا الشهر، وتنتهي معاناة -على حد زعمه- الجوع والعطش والسهر، فما السبب في وصوله إلى هذه الحالة؟ وما الدواء منها؟ السبب الرئيس: أنه لم يتهيأ لهذا الشهر، ظن هذا المسلم أن العبادة فقط في رمضان، وأن باقي الشهور لا عبادة فيها، أصبح -مع الأسف الشديد- عبدًا موسميًّا؛ يعبد الله في مواسم الطاعات، وتنتهي علاقته بها بعد مضيها؛ لذلك فإن الله -سبحانه وتعالى- يحذرنا من هذه الحالة: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾ [الحج: 11]؛ وفي الحديث الذي رواه البخاري، سئلت السيدة عائشة رضي الله عنها: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يخص يومًا من القيام؟ فقالت: لا، كان عمله ديمة؛ وقد سئل بشر بن الحارث الحافي عن قوم: يعبدون ويجتهدون في شهر رمضان فقط، فقال: بئس القوم لا يعرفون الله حقًّا إلا في شهر رمضان، إن الصالح الذي يعبد ويجتهد السنة كلها[2]. السبب الثاني: عدم التدرج في العبادة في هذا الشهر المبارك: يدخل المسلم إلى الشهر بكل قوة، يقرأ أجزاء، ويصلي ركعات كثيرة، ويقوم مدة طويلة، لكنه يرجع القهقرى؛ لأنه لم يتدرج في العبادة، ولكونها فوق طاقته. ينبغي للمسلم أن يتدرج واحدة واحدة، ينتقل خطوة خطوة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -فيما رواه البخاري- عن عائشة رضي الله عنها لما دخل عليها وعندها امرأة من بني أسد، فقالت عائشة حين سألها عنها: فلانة تذكر من صلاتها [لا تنام من الليل]-: «مَهْ! عليكم بِما تُطِيقونَ، فوالله لا يَمَلُّ الله حتى تَمَلُّوا، وكانَ أَحَبَّ الدِّينِ إليهِ ما داوَمَ عليهِ صاحِبُه». أخي الكريم، ابدأ من الآن استعدادك لهذا الشهر، ضع خطتك المتدرجة، صحح نياتك، اعقد العزم على الاستمرار في طاعة مولاك؛ تكن من الفائزين، وتلحق بركب السابقين. [1] سنن أبي داود، تحقيق: شعَيب الأرنؤوط، ومحَمَّد كامِل قره بللي، ط1، دار الرسالة العالمية، 1430هـ/ 2009م، (7/ 19). [2] خالد أبو شادي: سباق نحو الجنان، ط1، 1420هـ/ 2000م، ص28.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |