|
ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم قسم يختص بالمقاطعة والرد على اى شبهة موجهة الى الاسلام والمسلمين |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() كُنْ أبا خيثمة عبدالله بن محمد بن مسعد في ذلك الوقت العصيب الذي كان يعيشه جيش المسلمين في طريقه إلى غزوة تبوك؛ بسبب الحر الشديد، والزاد القليل، وبُعد المسافة، في وقت طابت فيه الثمار والظلال، نرى معجزة من معجزات النبوة تتجلى بأبهى صورها، دون أن يحول بينها وبين ظهورها ذلك الوضع القاسي الذي لو عايشه غير النبي صلى الله عليه وسلم، لكان في شغل شاغل لِما يحيط به من ظروف تستدعي صرف كامل النظر والاهتمام إليها، ولكنها إحدى الميزات التي يحظى بها منذ شرَّفه الله سبحانه بمقام النبوة؛ ففي الأفق البعيد يبدو خيال ذلك القادم الذي يُكابد هذه الظروف الصعبة، ويسعى جاهدًا للحاق بجيش المسلمين، بعد أن أنَّبته نفسه لتخلُّفه عن المسير معهم؛ حيث آثَرَ الراحة والخلود إلى الدَّعَةِ بجانب زوجتيه، في ذلك العريش البارد الهانئ في حي من أحياء المدينة النبوية، يحتمي فيه من حر الصيف وعناء المسير. لقد أنَّبته نفسه عندما تركها في ذلك العيش المنبسط والظل الوفير، وتذكَّر ما عسى أن يكون عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه اللحظة، وهو يقود الجيش إلى تبوك؛ فالحَرُّ شديد، والزاد قليل، والجيش كثير، يتناوب فيه البعيرَ الواحد عدد من الرجال، ولا شكَّ أن مرد ذلك التأنيب هو أن المسلم الذي تمكَّن الإيمان من قلبه، فإنه لن يرضى بهذا الوضع، ولا وجه للمقارنة بين الحالتين، فالعدل هنا غير موجود، ولا بد من اتخاذ القرار الذي يكفل تحقيق العدل المنشود الذي ترتضيه نفسه وتطمئن إليه، لم يُطل ذلك التفكير في اتخاذ القرار، فالنفس المؤمنة يهديها ربُّها إلى ما يجب أن تكون عليه في مختلف حالاتها؛ وهنا قام بتجهيز عُدة السفر التي يحتاجها المُقاتل، فليس هناك قرار آخر يمكنه أن يكون بديلًا لهذا القرار. ومن فوره سارع بالمسير متتبعًا أثر الجيش يطوي الأرض على أمل ألَّا يفوته اللحاق به، فيرجع إلى تأنيب نفسه مرة ثانية، ويومًا بعد يوم، فإذا بالأمل يُشرق بقرب وصوله ولحاقه بالجيش. ومن الأفق البعيد يرى قائد الجيش خيال ذلك القادم وينطق بتلك العبارة المختصرة: ((كُن أبا خيثمة))، ويصل ذلك القادم ليكون فعلًا أبا خيثمة، وهذه المعجزة لا تقل أثرًا عن معجزاته صلى الله عليه وسلم في نفوس أصحابه، لقد كانت هذه العبارة المختصرة الوافية كافية لبيان ما ترمي إليه، وتُغني عن غيرها من الكلام الكثير. ((كُن أبا خيثمة)) تعني أن مكان أبي خيثمة يجب أن يكون هنا في تلك الظروف التي يعيشها إخوانه المجاهدون، وليس مكانَه ذلك العريش المعَدُّ له، حتى لو كان أحسن حالًا وأهنأ عيشًا، ولأن لكل ظروف متطلباتها، ولكل سلعة ثمنها، ومن الخسران أن يشتري المسلم بحظِّه الدائم حظَّه الزائل، حتى لو كان يرى في ذلك الحظ الزائل بهجة ومتعة لن تحصل له بحظه الدائم. ((كُن أبا خيثمة)) تختصر الألفاظ الكثيرة والتبريرات المقنعة في معنى واحد؛ وهو أن المؤمن من المتحتم عليه وجوده في الموقع الذي يجب أن يكون فيه، بغض النظر عن أي مؤثرات أخرى، أو موانع مصطنعة، قد تؤثر في تحقيق هذا المطلب.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |