|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() من معاني خطبة الحاجة وفوائدها أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله، فلا مضلَّ له، ومن يضلل، فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]. ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]؛ أما بعد: فهذا هو نصُّ خطبة الحاجة الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، التي عمِل بها أصحابه رضي الله عنهم؛ وقال فيها ابن مسعود رضي الله عنه: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعلِّمنا التشهُّد والخطبة، كما يُعلِّمنا السورة من القرآن"[1]. من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في خطبة الحاجة: تكلم ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى[2] عن هذه الخطبة بكلام نفيس، ننقُله بحروفه كاملًا لِما فيه من النفع والفوائد: "الأذكار الثلاثة التي اشتملت عليها خطبة ابن مسعود وغيره؛ وهي (الحمد لله نستعينه ونستغفره) هي التي يُروَى عن الشيخ عبدالقادر ثم أبي الحسن الشاذلي أنها جوامع الكلام النافع، وهي: (الحمد لله، وأستغفر الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله)؛ وذلك أن العبد بين أمرين؛ أمرٍ يفعله الله به فهي نِعَمُ الله التي تنزل عليه، فتحتاج إلى الشكر، وأمرٍ يفعله هو، إما خير، وإما شر، فالخير يفتقر إلى معونة الله له، فيحتاج إلى الاستعانة، والشر يفتقر إلى الاستغفار ليمحو أثره؛ وجاء في حديث ضماد الأزدي: (الحمد لله، نحمده ونستعينه) فقط، وهذا موافق لفاتحة الكتاب؛ حيث قُسِمَت نصفين: نصفًا للرب، ونصفًا للعبد، فنصف الرب مُفتَتَح بالحمد لله، ونصف العبد مفتتح بالاستعانة به؛ فقال: (نحمده ونستعينه)، وقد يُقرَن بين الحمد والاستغفار كما في الأثر الذي رواه أحمد في الزهد: (أن رجلًا كان على عهد الحسن فقيل له: تلقَّينا هذه الخطبة عن الوالد عن والده، كما يقولها كثير من الناس: الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا)[3]، فأما (نحمده ونستعينه)، ففي حديث ضماد: (ونستعينه ونستغفره) في حديث ابن مسعود، وأما (نستهديه)، ففي فاتحة الكتاب؛ لأن نصفها للرب وهو الحمد، ونصفها للعبد وهو الاستعانة والاستهداء، وليس فيها الاستغفار؛ لأنه لا يكون إلا مع الذنب، والسورة أصل الإيمان، والفاتحة باب السعادة المانعة من الذنوب؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [العنكبوت: 45]، وعن ابن عباس ((أن ضمادًا قدِم مكةَ، وكان من أزد شنوءة، وكان يَرْقِي من هذه الريح، فسمِع سفهاء من أهل مكة يقولون: إن محمدًا مجنون، فقال: لو أني رأيت هذا الرجل؛ لعل الله يشفيه على يدي، قال: فلَقِيَه، فقال: يا محمدُ، إني أرقي من هذه الريح، وإن الله يشفي على يدي من شاء الله، فهل لك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهدِهِ الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله؛ أما بعدُ، قال: فقال أعِدْ عليَّ كلماتك هؤلاء، فأعادهن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات، قال: فقال لقد سمعت قول الكَهَنة، وقول السَّحَرة، وقول الشعراء، فما سمعت بمثل كلماتك هؤلاء، ولقد بلغت ناعُوسَ[4] البحر، قال: فقال: هاتِ يدك أبايِعْك على الإسلام، قال: فبايعه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وعلى قومك، فقال: وعلى قومي))[5] ؛ [رواه مسلم في صحيحه]؛ ولهذا استُحِبَّت وفُعلت في مخاطبة الناس بالعلم عمومًا وخصوصًا، من تعليم الكتاب والسنة والفقه في ذلك، وموعظة الناس ومجادلتهم أن يفتتح بهذه الخطبة الشرعية النبوية، وكان الذي عليه شيوخ زماننا الذين أدركناهم وأخذنا عنهم وغيرهم، يفتتحون مجلس التفسير أو الفقه في الجوامع والمدارس وغيرها بخطبة أخرى؛ مثل: (الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد خاتم المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ورضِيَ الله عنا وعنكم وعن مشايخنا، وعن جميع المسلمين، أو وعن السادة الحاضرين وجميع المسلمين)، كما رأيت قومًا يخطبون للنكاح بغير الخطبة المشروعة، وكل قوم لهم نوع غير نوع الآخرين، فإن حديث ابن مسعود لم يخصَّ النكاح، وإنما هي خطبة لكل حاجة في مخاطبة العباد بعضهم بعضًا، والنكاح من جملة ذلك، فإن مراعاة السنن الشرعية في الأقوال والأعمال في جميع العبادات والعادات هو كمال الصراط المستقيم، وما سوى ذلك إن لم يكن منهيًّا عنه، فإنه منقوص مرجوح؛ إذ خير الهَدْيِ هَدْيُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، والتحقيق أن قوله: (الحمد لله، نستعينه ونستغفره) هي الجوامع كما في الحديث النبوي، حديث ابن مسعود ذكر ذلك، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أُوتِيَ جوامع الكَلِمِ وخواتَمه وفواتَحه، كما في سورَتي أُبَيٍّ؛ فإن الاستهداء يدخل في الاستعانة، وتكرير (نحمده) قد استُغنِيَ به بقوله: (الحمد لله)، فإذا فصلت جاز؛ كما في دعاء القنوت: ((اللهم إنا نستعينك ونستهديك ونستغفرك، ونؤمن بك ونتوكل عليك، ونُثني عليك الخير كله، ونشكرك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجُرك))[6] ، فهذه إحدى سورتي أبيٍّ، وهي مفتتحة بالاستعانة التي هي نصف العبد مع ما بعدها من فاتحة الكتاب، وفي السورة الثانية: ((اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفِد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك الجِدَّ بالكفار مُلْحِق))، فهذا مفتتح بالعبادة التي هي نصف الرب مع ما قبلها من الفاتحة، ففي سورتي القنوت مناسبة لفاتحة الكتاب، وفيهما جميعًا مناسبة لخطبة الحاجة، وذلك جميعه من فواتح الكلم وجوامعه وخواتمه. وأما قوله: (ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا)، فإن المستعاذ منه نوعان: فنوع موجود يُستعاذ من ضرره الذي لم يوجد بعدُ، ونوع مفقود يُستعاذ من وجوده، فإن نفس وجوده ضررٌ؛ مثال الأول: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)، ومثل الثاني: ﴿ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ ﴾ [المؤمنون: 97، 98]، و((اللهم إني أعوذ بك أن أضِلَّ أو أُضَلَّ، أو أزِلَّ أو أُزَلَّ))[7]، وأما قوله: ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ﴾ [الفلق: 1 - 5] فيشترك فيه النوعان؛ فإنه يُستعاذ من الشر الموجود ألَّا يضر، ويُستعاذ من الشر الضار المفقود ألَّا يوجد، فقوله في الحديث: (ونعوذ بالله من شرور أنفسنا) يحتمل القسمين؛ يحتمل نعوذ بالله أن يكون منها شرٌّ، ونعوذ بالله أن يصيبنا شرُّها، وهذا أشبه، والله أعلم. وقوله: (ومن سيئات أعمالنا) السيئات هي عقوبات الأعمال؛ كقوله: ﴿ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا ﴾ [غافر: 45]، فإن الحسنات والسيئات يُراد بها النِّعَمُ والنِّقَمُ كثيرًا، كما يُراد بها الطاعات والمعاصي، وإن حُمِلت على السيئات التي هي المعاصي، فيكون قد استعاذ أن يعمل السيئات، أو أن تضره، وعلى الأول - وهو أشبهُ - فقد استعاذ من عقوبة أعماله أن تصيبه، وهذا أشبه، فيكون الحديث قد اشتمل على الاستعاذة من الضرر الفاعلي، والضرر الغائيِّ؛ فإن سبب الضرر هو شر النفس، وغايته عقوبة الذنب، وعلى هذا فيكون قد استعاذ من الضرر المفقود الذي انعقد سببه ألَّا يكون، فإن النفس مقتضية للشر، والأعمال مقتضية للعقوبة، فاستعاذ أن يكون شر نفسه، أو أن تكون عقوبة عمله، وقد يُقال: بل الشر هو الصفة القائمة بالنفس، الموجِبة للذنوب، وتلك موجودة كوجود الشيطان، فاستعاذ منها أن تضره أو تصيبه، كما يُقال: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)، وإن حُمِلَ على الشرور الواقعة، وهي الذنوب من النفس، فهذا قسم ثالث"؛ ا.ه. ومن كلامه أيضًا رحمه الله في موضعٍ آخرَ: ومن معانيها وفوائدها أيضًا ما ذكره رحمه الله في (مجموع الفتاوى)[8]: "فإذا تدبَّر العبدُ علِمَ أن ما هو فيه من الحسنات من فضل الله، فشَكَرَ الله، فزاده الله من فضله عملًا صالحًا، ونِعَمًا يُفيضها عليه، وإذا علِم أن الشر لا يحصل له إلا من نفسه بذنوبه، استغفر وتاب، فزال عنه سبب الشر، فيكون العبد دائمًا شاكرًا مستغفرًا، فلا يزال الخير يتضاعف له، والشر يندفع عنه؛ كما ((كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته: الحمد لله)) فيشكر الله، ثم يقول: ((نستعينه ونستغفره))؛ نستعينه على الطاعة، ونستغفره من المعصية، ثم يقول: ((ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا))، فيستعيذ به من الشر الذي في النفس، ومن عقوبة عمله، فليس الشر إلا من نفسه ومن عَمَلِ نفسه، فيستعيذ الله من شر النفس أن يعمل بسبب سيئاته الخطايا، ثم إذا عمِل استعاذ بالله من سيئات عمله، ومن عقوبات عمله، فاستعانه على الطاعة وأسبابها، واستعاذ به من المعصية وعقابها، فعِلْمُ العبدِ أنَّ ما أصابه من حسنة فمن الله، وما أصابه من سيئة فمن نفسه - يُوجِب له هذا وهذا، فهو سبحانه فرَّق بينهما هنا، بعد أن جمع بينهما في قوله: ﴿ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴾ [النساء: 78]، فبيَّن أن الحسنات والسيئات: النِّعم والمصائب، والطاعات والمعاصي، على قول من أدخلها في ﴿ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴾، ثم بيَّن الفرق الذي ينتفعون به؛ وهو أن هذا الخير من نعمة الله، فاشكروه يزِدْكم، وهذا الشر من ذنوبكم، فاستغفروه، يدفعه عنكم؛ قال الله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الأنفال: 33]، وقال تعالى: ﴿ الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ * أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ * وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ﴾ [هود: 1 - 3]، والمذنب إذا استغفر ربه من ذنبه، فقد تأسَّى بالسعداء من الأنبياء والمؤمنين، كآدم وغيره، وإذا أصرَّ واحتج بالقدر، فقد تأسَّى بالأشقياء، كإبليس ومن اتبعه من الغاوين، فكان من ذكره أن السيئة من نفس الإنسان بذنوبه، بعد أن ذَكَرَ أن الجميع من عند الله؛ تنبيهًا على الاستغفار والتوبة، والاستعاذة بالله من شر نفسه وسيئات عمله، والدعاء بذلك في الصباح والمساء، وعند المنام، كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك أبا بكر الصديق - أفضلَ الأمة - حيث علَّمه أن يقول: ((اللهم فاطرَ السماوات والأرض، عالمَ الغيب والشهادة، أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشِركِهِ، وأن أقترف على نفسي سوءًا، أو أجرَّه إلى مسلم))[9] ، فيستغفر مما مضى، ويستعيذ مما يُستقبَل، فيكون من حزب السعداء، وإذا علِم أن الحسنة من الله - الجزاء والعمل - سأله أن يُعينه على فعل الحسنات؛ بقوله: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5]، وبقوله: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ [الفاتحة: 6]، وقوله: ﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا ﴾ [آل عمران: 8]، ونحو ذلك، وأما إذا أخبر أن الجميع من عند الله فقط، ولم يذكر الفرق فإنه يحصل من هذا التسوية، فأعرض العاصي والمذنب عن ذمِّ نفسه وعن التوبة من ذنوبها، والاستعاذة من شرها، بل وقام في نفسه أن يحتجَّ على الله بالقدر، وتلك حُجَّةٌ داحضة، لا تنفعه، بل تزيده عذابًا وشقاء، كما زادت إبليس لما قال: ﴿ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ [الأعراف: 16]، وقال: ﴿ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [الحجر: 39]، وكالذين يقولون يوم القيامة: ﴿ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [الزمر: 57]، وكالذين قالوا: ﴿ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ ﴾ [الأنعام: 148]، فمن احتج بالقدر على ما فعله من ذنوبه، وأعرض عما أمر الله به من التوبة والاستغفار، والاستعانة بالله، والاستعاذة به، واستهدائه - كان من أخسر الناس في الدنيا والآخرة، فهذا من فوائد ذكر الفرق بين الجمع"؛ ا. ه فائدة في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نستعينه ونستغفره ونعوذ به))بالنون، والشهادتان بالإفراد: ((وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله)). هنا يذكر ابن القيم كلامًا نفيسًا[10]، بعد أن ذكر طرق حديث خطبة الحاجة ولفظه، نذكره بحروفه: "والأحاديث كلها متفقة على أن (نستعينه ونستغفره ونعوذ به) بالنون، والشهادتان بالإفراد، (وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله)؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية: لما كانت كلمة الشهادة لا يتحملها أحدٌ عن أحدٍ، ولا تقبل النيابة بحالٍ، أفرد الشهادة بها، ولما كانت الاستعانة والاستعاذة والاستغفار تقبل ذلك، فيستغفر الرجل لغيره، ويستعين الله له، ويستعيذ بالله له، أتى فيها بلفظ الجمع، ولهذا نقول: اللهم أعنَّا، وأعِذْنا، واغفر لنا، قال ذلك في حديث ابن مسعود وليس فيه: (نحمده)، وفي حديث ابن عباس: (نحمده) بالنون، مع أن الحمد لا يتحمله أحد عن أحد، ولا يقبل النيابة، فإن كانت هذه اللفظة محفوظة فيه... إلى ألفاظ الحمد والاستعانة على نسق واحد. وفيه معنى آخر؛ وهو أن الاستعانة والاستعاذة والاستغفار طلب وإنشاء، فيُستَحَبُّ للطالب أن يطلبه لنفسه ولإخوانه المؤمنين، وأما الشهادة فهي إخبار عن شهادته لله بالوحدانية، ولنبيه بالرسالة، وهي خبر يطابق عقد القلب وتصديقه، وهذا إنما يخبر به الإنسان عن نفسه لعلمه بحاله، بخلاف إخباره عن غيره، فإنه إنما يخبر عن قوله ونطقه، لا عن عقد قلبه، والله أعلم". والله تعالى أعلى وأعلم، ونسبة العلم إليه أسلم، وصلى الله على النبي محمد وعلى آله وصحبه وسلم. [1] أخرجه الطبراني في (المعجم الكبير)، ومن مسند عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، باب (10/ 45)، رقم (9906)، وابن مَنْدَه في التوحيد، ومن أسماء الله عز وجل: الرقيب (2/ 124)، رقم (268). [2] انظر: مجموع الفتاوى (18/ 285)، شرح حديث: (إنما الأعمال بالنيات)، فصل: خطبة الحاجة (18/ 285). [3] لم أقف عليه. [4] قال أبو نعيم في المستخرج (2/ 455)، رقم: (1954): "قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: قَامُوسُ الْبَحْرِ: لُجَّتُهُ وَوَسَطُهُ وَالنَّاعُوسُ مِثْلُهُ"، وقال أبو القاسم إسماعيل الأصبهاني الملقب بقوام السنة في (دلائل النبوة لقوام السنة، ص193، رقم: 257): "قَالَ الْإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ: قَامُوسُ الْبَحْرِ: قَعْرُ الْبَحْرِ". [5] صحيح مسلم (3/ 11)، رقم: (868). [6] أخرجه البيهقي في (السنن الكبرى)، (4/ 139) رقم: (3161)، (4/ 152) رقم: (3185)، (4/ 153) رقم: (3186)، (4/ 153) رقم: (3187)، وعبدالرزاق في مصنفه (3/ 384) رقم: (5108)، (3 / 385) رقم: (5109)، (3/ 392) رقم: (5130)، (3/ 394) رقم: (5138)، وابن أبي شيبة في مصنفه (4/ 512) رقم: (7072)، (4/ 541) رقم: (7209)، (4/ 542) رقم: (7213)، (4/ 543) رقم: (7214)، (16/ 314) رقم: (31689)، (16/ 317) رقم: (31695)، (16/ 317) رقم: (31697)، (16/ 318) رقم: (31699)، (16/ 318) رقم: (31700)، (16/ 318) رقم: (31707)، والطحاوي في (شرح معاني الآثار) (1/ 249) رقم: (1475). [7] أخرجه أبو داود في سننه (4/ 486) رقم: (5094). [8] الجزء 14، التفسير 1، الفاتحة – الأعراف، تفسير سورة النساء، فصل: في أنه على العبد أن يعلم أن ما هو فيه من الحسنات من فضل الله فيشكره، وأن الشر لا يحصل إلا بذنوبه فيتوب إليه ويستغفره، (14/ 261). [9] أخرجه الضياء المقدسي في (الأحاديث المختارة)، (1/ 114) رقم: (32). [10] انظر: تهذيب سنن أبي داود، كتاب: النكاح، باب: في خطبة النكاح (1/ 444)، رقم: (2032).
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |