نصيحة لله - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1376 - عددالزوار : 140061 )           »          معالجات نبوية لداء الرياء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          التربية بالحوار (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          صور من فن معالجة أخطاء الأصدقاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          في صحوةِ الغائب: الذِّكر بوابة الحضور (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          آيات السَّكِينة لطلب الطُّمأنينة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (العليم, العالم. علام الغيوب) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          سبل إحياء الدعوة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          التساؤلات القلبية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          الحب الذي لا نراه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى الشباب المسلم
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 09-01-2025, 10:25 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,150
الدولة : Egypt
افتراضي نصيحة لله

نصيحة لله (1/4)

يوسف إسماعيل سليمان

النصيحةُ المخلصة من الحقوق التي يَنتظر المسلمُ أن يحصل عليها من الآخَرِين، حين يشعر بحاجته الماسَّة إليها، خاصَّة حين يقع في مَأْزِق، أو يُقبِل على أمر أو شأن لا دِرايةَ له به، أو لا يثق بقدرتِه على التعامُل معه؛ ولذا فإنَّه يَطلبُها أحيانًا، وأحيانًا لا يستطيع طلَبَها، أو يخشى طلبَها في بعض المواطن خجلًا، أو كِبْرًا، أو لغَيرِ ذلك من الأسباب.

وفي المقابل، يُسرِف بعضُ الناس في ممارسة هذا الواجب عليه تُجاهَ الآخرين في كلِّ كبيرة وصغيرة، وقد يتعجَّب لضيق المنصوحين بذلك؛ لأنَّه يثق بأنَّه يُحسِن صُنعًا، وما هؤلاءِ المتبرِّمون بنصحه إلَّا قوم يجهلون.

والحقُّ أنَّ هناك نصوصًا كثيرة جاءت في الشريعة تحثُّ على النصيحة وتوجبها ؛ بل إنَّها رَفعتِ الحرج عن كلٍّ مِن طَلَبِ النُّصح أو إسدائه من الأقلِّ شأنًا إلى الأعظم، ومِن الأعلى إلى الأدنى، مُعتبِرةً أنَّ النُّصح مِن تمام الدِّين، بل هو لبُّ الدين نفسه؛ فعن تميم الداري، قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الدِّينُ النَّصِيحَةُ)) ثلاثًا، قلنا: لِمَن يا رسول الله؟ قال: ((للهِ، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمَّة، المسلمين وعامَّتِهم))؛ رواه مسلم.

وإذا كان البعضُ يراها تَدَخُّلًا في شؤون الآخرين بغير حق، وإحراجًا لهم، أو انتقاصًا مِن شأنهم، أو إظهارًا لفضْلِ الناصح على المنصوح، فإنَّا نراها - إذا استوفَتْ شرائِطَها - بُرهانَ مَحَبَّة، ودليلَ مودَّة.

كما نتفق مع القائلين عنها:
النصيحة أداةُ إصلاح، وأجرٌ ورباح، وصِدْقٌ وفلاح.
النصيحة باقةُ خير يُهديها الناصح، ونورٌ يتلألأ ليُنيرَ لك الطريق.
النصيحة قاربُ نجاةٍ يشقُّ عبابَ أمواج الفِتن الهائجة لتصلَ إلى بَرِّ الأمان.
النصيحة عبيرُ طهرٍ في خضمِّ طوفان الشَّهوات.

فهل بعدَ كلِّ هذا نُفسح للنصيحة مجالًا في صدورنا، ونَعلم أنَّ الناصح ما دَعاه إلى نُصحِنا إلَّا محبتُه وخوفُه علينا.

ولكنْ قبلَ الاستطراد في أمر النصيحة - التي غالبًا ما يفهمها الكثيرون في اتِّجاه واحد، خلافًا للحديث الذي نوَّع فُروعَها؛ لتصبَّ في النهاية في المصبِّ الأعظم، وهو صلاحُ النفس والمجتمع والدِّين - أذكِّر بأنَّ النصيحة في اللُّغة: هي الخلوص والصفاء، ونصحتُ الشيءَ خلَّصته وصفَّيته مِن شوائبه، وضدُّّ النُّصح - وهو إخلاص المشورة - الغِشُّ، أمَّا في الشَّرْع: فمِن معانيها التي ذَكَرها العلماء: أنَّها إرادةُ الخير للمنصوح قولًا وعملًا في دِينه، أو دُنياه، أو كليهما.

ومعنى آخر ذكره العلماء - وأحسبه أجودَ وأعمقَ - هو: أنَّ النصيحةَ هي عنايةُ القلْب بالمنصوح في دِينه ودنياه.

وهذه المعاني ستُساعدُ كثيرًا في فَهْم وإجابة بعضِ التساؤلات التي ستطرَحُ نفسَها بقوَّة في هذا السِّياق، مثل كيف ينصح المرءُ لله وهو ربُّ العالَمين؟ ولماذا كان البدء بالنُّصح لله؟ والانتهاء بالنُّصح للعامَّة؟ وكيف تفاعَلَ الصَّحابةُ مع النصيحة؟ وهل يمكن أن يرفضَ أجلَّاءُ الصحابة النصيحةَ، وإن استوفتْ أغلبَ شرائطها، وجاءت مِن أكثر الناس ورعًا وتقًى، ومِمَّن شهدَ لهم النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالفَضْل وبشَّرهم بالجنة؟ وما آثارُ النصح في الأمَّة؟ وكيف نَفيد مِن كلِّ ذلك في حاضرنا ومع مجتمعنا؟

وليس مِن غرضي في هذا المقال أن أتحدَّث عن وجوب النصيحة، أو كونها مندوبةً، أو شرائطها، أو أنسَب الطُّرُق لتغليفها وإهدائها للمنصوح، وإنَّما هي محاولةٌ للإجابة عن الأسئلة التي طرحتُها سلفًا، وأحسب أنَّ الإجابة عنها ستقدِّم لنا نظرةً أكثر جِديَّةً وإيجابيَّة إلى النصيحة.

إنَّ التساؤل الأوَّل: كيف يَنصَح المسلم لله؟ وهو سؤال يسترعي الانتباهَ، ويُحفِّز الحواسَّ جميعًا؛ إذ كيف يمكن للعبد الضعيفِ الحقير الذليل، أن ينصح لله ربِّ العالَمين وهو خالق الكون، ومُدبِّر أمرَه، والمتصرِّف فيه بكامل الحِكمة؟

وإجابة مثل هذا السُّؤال مُهمَّة وضروريَّة جدًّا؛ إذ عليها مَدارُ قَبول الأعمال، وسعادة الدنيا والآخرة، وقد كفانا شُرَّاحُ الحديث - ولله الحمد - المعنى بأيسر العبارات، فالنصح لله: هو اتِّباعُ أمرِه، واجتنابُ نَهيِه.

ولكنَّنا في هذا المقام نحبُّ أن نتوسَّع في معناها؛ لِنَلِجَ منه إلى موضع العظَمة في الحديث، لئلَّا تشتبهَ النصيحةُ بغيرها من المعاني التي لها ذاتُ الدلالة، فمثلًا عرَّف الإمام الخطابيُّ وغيره مِن العلماء النصيحةَ لله بقولٍ أكثرَ تفصيلًا، وأحسن بيانًا، فقالوا: معناها مُنصَرِف إلى الإيمان به، ونفيِ الشَّريك عنه، وترْك الإلحاد وصفاته، ووصْفه بصِفات الكمال والجلال كلِّها، وتنزيهه عن جميعِ النقائص، والقِيام بطاعته، واجتناب معصيته، والحبِّ فيه، والبغضِ فيه، وموالاةِ مَن أطاعه، ومعاداةِ مَن عصاه، وجهادِ مَن كفر به، والاعتراف بنعمته، والشُّكر عليها، والإخلاص في جميع الأمور...

ثم قال الخطابي مُعَلِّقًا: وحقيقةُ هذه الأوصاف راجعةٌ إلى العبد في نُصْحِه نفسَه، فإنَّ الله - سبحانه - غنيٌّ عن نُصْح الناصح.

ومهما قلْنا في أهمية النصيحة وفائدتها، فإنَّنا لا يمكن أن ننكرَ أبدًا أنَّها كثيرًا ما تكون ثقيلةَ الوطءِ على المنصوح، وإن كانت لمصلحته ومنفعته؛ لأنَّ فيها - في غالب الأحيان - ملاحظةً لقصوره في جانبٍ من الجوانب، أو إلقاءً لاتِّهام بخطأ - لم يُراعِ الناصحُ دوافعَه وظروفَه وملابساته - قبل إلقائه.

وعن طبيعةِ تفاعُلِ الصحابة مع النصيحة، وإمكانية رَفْضِها من أجلَّاء الصحابة، وإن استوفتْ أغلبَ شرائطها، وجاءتْ مِن أكثر الناس ورعًا وتقًى، وممَّن شَهد لهم النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالفضل وبشَّرهم بالجنة.

فيكفي هنا أن نَذكُر ذلك النموذجَ الفذَّ، الذي تذكره لنا كتبُ السيرة، ونرى فيه عظَمةَ الناصح، والمنصوح أعظم منه، وأدرَى بمحلِّ النصيحة، وكيف اختلفَا واتَّفقَا، ثم كان الانتصارُ للحقِّ قبلَ أيِّ شيء، وفوقَ كلِّ اعتبار.

إنَّه موقفُ الخليفة أبي بكر الصِّديق حين تُوفِّي رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وارتدَّ مَن ارتد مِن العرب، زاعمين أنَّ الزكاة كانوا يؤدُّونها لرسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقد مات رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فعزَم أبو بكر على قتالهم دون مشورةِ الصحابة؛ ليُعيدَ المرتدين إلى حظيرة الإسلام بإرادة أَصْلبَ مِن شُمِّ الجبال، فتَشاورَ الصحابة، ورأوا أنَّ أبا بكر يوشكُ أن يُغامِرَ بالبقية الباقية مِن المسلمين في المدينة لحرْب قبائل العرب التي ارتدَّت، والتي تَفوقُهم عددًا وعُدَّة فيما يُشبه الانتحار، وكان مِن نتائج ذلك أن ذَهَب إليه الفاروق عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وكان أحبَّ الناس إلى قلْب أبي بكر بعد النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقال: كيف تقاتل الناس وقد قالوا: لا إلهَ إلَّا الله، وقد قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أُمرِتُ أن أقاتلَ الناس حتى يقولوا: لا إله إلَّا الله.... )) الحديث، فقال أبو بكر - وقد اشتد غضبه -: إلَّا بحقِّها، يا عمرُ.

فيقول عمر: فهل تُقاتِل العربَ جميعًا؟! فيقول أبو بكر بحزم، ناصحًا لله ورافضًا لإشفاق عمرَ عليه، أو على المسلمين مِن جموع المُرتدِّين المُتكاثِرة: أينقص الدِّين وأنا حيٌّ، والله لو منعوني عَناقًا - وفي رواية: عِقالًا- كانوا يُؤدُّونه إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لَقاتلتُهم على مَنْعِه.

ثم قال في تقريعٍ لا مكانَ بعدَه لِجِدالٍ أو نقاش للفاروق عمر: أجبَّارٌ في الجاهليَّة خوَّارٌ في الإسلام يا عمر؟! واللهِ لو ظننتُ أنَّ الطير تَخَطَّفني لقاتلتُهم وحْدي.

وهنا نرى عجبًا، إنَّ محبَّة أبي بكر لِعُمَرَ لمْ تمنعْه أنُ يقول ما قال، ولم تَمنعْه مكانةُ عُمر في الإسلام، ولا سَبْقُه، ولا كونُه الفاروق، وما أدراك ما الفاروق؟! الذي شَهِد النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بفضلِه، وبشَّره بالجنة، وقال: ((لوكان بعدي نبيٌّ لكانَ عُمر))، وقال: ((إنَّ الحقَّ على لسان عُمر وقلْبِه))، والذي وافقَ القرآنُ قولَه في عدَّة مواضعَ.

بل والأعجبُ أن يَقْبَل عُمَرُ مِن أبي بكر ذلك، وينشرح صدرُه لقتال المرتدين، ولم تأخذْه العِزَّة برأيه، ويقول: كيف تقول لي هذا وأنا مَن يعلم الجميعُ قدري، وأنت أوَّلُهم يا أبا بكر؟!

لم يقلْ عمرُ هذا ولا غيره، بل انضوَى تحتَ لواء هذا الرأي، وثبَّته وآزره أعظمَ المؤازرة.

أمرٌ آخر يظهر لنا في قول أبي بكر لِعُمر، وهو أنَّ أبا بكر حفَّز همَّة عُمرَ بأقسى الكلمات، جبَّارٌ وخوَّار، وكأنَّه يقول له: كيف تقول ما قلتَ يا عُمر، وأنتَ مَن كنتَ لا تهاب أحدًا في الجاهلية، وليس لك مُعين إلَّا قوّتك، ومِن ورائها عشيرتُك، فكيف الحال بعد أن صار الله معنا وناصِرَنا؟! أتكون بعضلاتك جبَّارًا وأنت وحدَك، وحين يُكرمنا الله بالإسلام، ونَسْتلِهم منه العزَّة والنُّصْرة تخاف الناس وتخشاهم؟!

ورغم قسوةِ الكلمات إلَّا أنَّ تَفتُّحَ قلْب عُمر للحق، جعله يرى مواطنَ الحقِّ والحِكمة والعظمة فيها، ويَرى فيها - ونرى معه - أنَّ أبا بكر لم ينصحْ لله فقط مثل هذا النصح، بل إنَّه نَصَح لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمَّة المسلمين - أي: نفسه هنا - وعامَّتِهم، فيما قال وفعل.

وانظر إلى إخلاص أبي بكر في نُصْحِه كيف كان له أعظم الأثرِ في نفوس الصحابة، إذ تنشرح نفوسُ جميع الصَّحابة بعدئذٍ للقتال، ليس ذلك فقط، وإنَّما أيضًا تفيض حماستُها وتتدفَّق، حتى أعادتِ الجزيرةَ كلَّها لحظيرة الإسلام، كما كانتْ في عهد النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ثم يمنُّ الله بفضله ويَزيد، فهذا سُهيلُ بن عمرو الذي عقد مع النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - صُلحَ الحديبية، واغتاظ منه عُمر بن الخطاب يومئذ، وودَّ لو ينزع ثنيتَيه حتى لا يقوم خطيبًا في قريش ثانية، حيث كان يُحرِّضهم على النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - والمسلمين، فيقول له النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ببصيرة الوحي الذي لا ينطق عن الهوى: ((لعلَّه يقف يا عمر موقفًا تحمدُه عليه)).

فإذا بأهل مكَّة حين ارتدَّتِ العربُ تريد أن تُتابِعَهم على الرِّدَّة، فيقوم سهيلٌ خطيبًا فيهم، وكان ما قاله - ممَّا تعجز السيوف عن فِعْله -: "يا أهلَ مكَّة، كنتم آخِرَ الناس إسلامًا، فلا تكونوا أوَّلَ مَن نكث وبدَّل"، فإذا بكلماته المخلِصة، ونصيحتِه الرائعة تُثبِّتُ الناسَ على دِينهم، فلم يُغيِّروا، أو يُبدِّلوا، ويعلم عمرُ والمسلمون بذلك، فيَحمدون الله مُمْتنِّين لسهيل ومقالته.

ولكن هل يمكن أن يتكرَّر مثلُ ذلك في عصرنا، أحْسبُ أنَّه يمكن إن صحَّ العزم، وصدقتِ النوايا، وكلٌّ منَّا أدرى بقدراته وإمكاناته التي وهَبهَا الله له، ويُمكنه أن ينصحَ بها لله، وينفع بها الإسلام والأمَّة، وقد حَدَث بالفعل منذ مدَّة، وهي قصَّة وصلتْني على البريد الإلكتروني، ولعلَّ الكثيرين قرؤوها، ولكنَّها تُمثِّل دلالة مهمَّة وجوهريَّة في موضوعنا؛ ولذا أذكرها هنا:
ركب الشابُّ محمدٌ مِن المحطَّة القريبة مِن منزله، يريد التنزُّه في إحدى حدائق مدينة لندن، وبعد أن دَفَع للسائق، وأخذ الباقي، اتَّجه إلى كرسي فارِغ في آخر الأتوبيس، ثم عدَّ ما أعطاه السائق، فوجد أنَّ السائق أخطأ وأعطاه خمسةَ عشر فِلسًا زائدة على حقِّه، فأراد أن يقومَ ويُعيدها إليه، لكنَّه فكَّر، وقال لنفسه: إنَّه مبلغ تافهٌ زهيد لا يستحقُّ أن أقومَ مِن مكاني لأجله، فمكث مكانَه ولم يقم، وحين وصل الأتوبيس إلى الحديقة، واقترب محمدٌ مِن سُلَّم النزول وجد نفسَه يخرج الخمسةَ عشر فلسًا، ويُقدِّمها للسائق قائلًا: إنَّها زيادة، يبدو أنَّك أخطأتَ في الحساب، فرد عليه السائق قائلًا: شكرًا لك، ألستَ أنتَ إمامَ المسجد الجديد في منطقتنا؟! لقد أحببتُ أن أختبِرَك قبلَ أن آتيَك أنا وأُسرتي لنسألَك عن الإسلام.

نزل محمدٌ مِن الأتوبيس وتنفَّس نفسًا طويلًا، ثم قال: الحمد لله، كنتُ سأبيعُ الإسلام بخمسةَ عشرَ فِلسًا.

وهكذا يتبيَّن لنا كيف يمكن لكلٍّ منَّا أن يكون له دورٌ في حدود إمكاناته وقدراته لخِدمة الإسلام، والحِفاظ عليه، والارْتقاء بأمَّته، ولا يقولنَّ أحدٌ: وماذا أفعل أنا؟ وما قيمتي ووزني في المجتمع، وأنا لست مثل فلان الداعية، ولا فلان القائد العسكري، ولا...؟ لأنَّ النُّصح للإسلام لا يقتصر على الدُّعاة والمجاهدين في ميدان المعركة والقادة السياسيِّين، وإنَّما يستطيع كلٌّ منَّا أن يكون ناصحًا للإسلام، إذا أحسَن دورَه في الموقع الذي يتواجدُ فيه، إن كان طالبًا، أو عاملًا، أو ما شاء الله له أن يكونَ فيه من المواقع.

وللحديث بقيَّة...


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 09-01-2025, 10:26 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,150
الدولة : Egypt
افتراضي رد: نصيحة لله

نصيحة لله (2/4)

يوسف إسماعيل سليمان



إنَّ النصيحةَ لكتاب الله هي المدخلُ الأكبر، والباب الأصيل لمَن رامَ النُّصحَ لله، وإنَّ مَجيئَها تاليةً للنُّصح لله، وسابقةً للنُّصح لرسوله - لدليلٌ واضح، وبرهانٌ جليٌّ على منزلة القرآن العُظمى في الإسلام، كأصلٍ أوَّل وأساسٍ للهداية والرَّشاد، والمرجعيَّة الأُولى للمسلمين في فَهم مُراد الله منهم، والتَّعبُّد له بما يُحبُّ ويَرضى، والمشترك الأعظم بين المسلمين الذين لَا يَختلفُ أحدٌ منهم في أرجاء الأرض الفسيحة على صحَّة ما بين دفَّتَيْه دون أدنى مِراء أو جدالٍ أو شكٍّ؛ ﴿ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ولَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فصلت: 41 - 42].

خاصَّةً وأنَّ الله - سبحانه وتعالى - قد تكفَّل بحفظه تكفُّلًا تَطمئِنُّ له قلوبُ المسلمين في مشارق الأرض ومغاربِها؛ بأنَّ يدَ التَّحريف أو التَّبديل مهما امتدَّتْ إليه، فلن تنالَ منه، ولن تَمَسَّه إلَّا كمسِّ حصاة إذا ضُرِب بها الجبل الأشم.

والنصيحة لكتاب الله - وإن ذُكرتْ تاليةً للنصح لله - فإنَّه يُمكنُ النظرُ إليها باعتبارها الأولى ذِكْرًا وأهميَّة؛ ذلك لأنَّ النصح لله يُشبه البناءَ الكليَّ أو الإجماليَّ، الذي يأتي ما بعده ليوضِّحَ أجزاءَه، ويفصِّل أركانه؛ ذلك أنَّ النصح لله لَا يتأتَّى إلا بالنصح لكلِّ ما ورد تاليًا له في الحديث، كما أنَّه لَا يمكن الوصول لمراد الله - ومن ثَمَّ تحقيق النصح له - إلَّا مِن خلال النصح لكتابه، وسُنَّة نبيِّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - اللَّذين هما شِقَّا الوحي، والمرجعيَّةُ لكلِّ مسلمٍ في تعرُّف أحكام الإسلام، ووسيلة التَّعبد لمولاه بما يُحبُّه ويرضاه.

وهي كما يُعرِّفها العلاَّمة الحافظ ابنُ رجب الحنبليُّ في كتابه ذائع الشهرة "جامع العلوم والحكم" هي: "شدةُ حبِّه، وتعظيمُ قَدْره؛ إذ هو كلامُ الخالق، وشدَّة الرغبة في فهمه، وشدة العناية في تدبُّره، والوقوف عند تلاوته لطلب معاني ما أحبَّ مولاه أن يفهمَه عنه، أو يقومَ به له بعدما يفهمُه، وكذلك الناصح من العباد يفهم وصيَّةَ مَن ينصحُه، إنْ ورد عليه كتابٌ من غنيٍّ يفهمُه؛ ليقومَ عليه بما كُتب فيه إليه، فكذلك الناصح لكتاب ربِّه؛ يعني: يفهمُه ليقومَ لله بما أمره به كما يُحبُّ ربنُّا ويرضى، ثم ينشرُ ما فهم في العباد، ويُديمُ دراستَه بالمحبة له، والتَّخلُّق بأخلاقه، والتأدُّب بآدابه"ا.هـ.

كما يُعرِّفها العلاَّمة ابنُ العثيمين في إحدى خُطَبه[1] بقوله: "وأمَّا النَّصيحة لكتاب الله، فهي تلاوتُه بامتثال أوامرِه، واجتنابِ نواهيه، وتصديقِ أخباره، والذَّبِّ عنه، وحمايته من تحريف المبطلين، وزيغ الملحدين، واعتقادِ أنَّه كلامُ ربِّ العالمين، تكلَّم به وألقاه على جبريل، فنزل به على قلبِ النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم"ا.هـ.

ويتحصَّل من كلام الشيخين الجليلين أنَّ للنصح لكتاب الله جانبين؛ أحدُهما: معنويٌّ، والآخر: ماديٌّ، ويمكنُ القولُ - بناءً على ذلك -: إنَّ قراءة القرآن، وإنْ كانت ذاتَ ثواب عظيمٍ وجزيل، وكذا تعليمُ وتعلُّمُ تلاوته وتجويده، فإنَّ المنفعة الأعظم، والسُّموَّ في مدارج الكمال الإيماني يتحقَّق بالجمع بين الجانبين الماديِّ والمعنويِّ؛ لأنَّه بقدر ما نتمكَّنُ من الجمع بينهما، بقدر ما نقومُ بالنصح لكتاب الله.

ولعلَّ إلمامةً سريعة بحال السَّلف الصَّالح مع القرآن تُسلِّطُ الأضواء أكثرَ على اجتهادِهم وجدِّهم في تحقيق طَرَفَيِ المعادلة؛ اقتداءً بالنبيِّ الكريم - صلَّى الله عليه وسلَّم - الذي كانت حياتُه كلُّها تطبيقًا عمليًّا للقرآن، حتى وصفه الواصفوان بأنَّه قرآنٌ يمشي على الأرض، ولِمَ لا، وهو أعظمُ الأُمَّة وأفضلُها، وأقدرُها على فهم كتاب الله وتمثُّله، وإعطاء المثل والقدوة والنموذج من نفسِه في كلِّ أحواله؟!

فكان أنْ ربَّى جيلًا قرآنيًّا حقيقيًّا لَا يحفظُ آياتِ القرآن ليتلوَها في سحابة ليله ونهاره، أو يتأمَّل في بلاغتها وإعجازها وقَصَصها، أو يَنقلها لغيره، أو يُجوِّدها بصوته، أو يبحث عن معانيها وأسرارها، أو يُكرِّر سماعَها، أو كل ذلك مجتمعًا؛ طلبًا للثواب فحسب، وإنما كان جيلًا قرآنيًّا لَا تكاد كلماتُ آيةٍ من آيات الله تقرَعُ سمعَه حتى يكونَ أسرعَ الناس تلبيةً لأمْرها ونهيها، أو عملًا بمقتضاها، لتتحوَّل في ثوانٍ إلى واقعٍ عمليٍّ في سائر شؤون حياته، وليس أدل على ذلك من سيرة الصحابة - رضي الله عنهم أجمعين - ونذكر منها على سبيل المثال لَا الحصر:
1- قال أنسُ بنُ مالكٍ - رضي الله عنه -: "ما كان لنا خَمْرٌ غيرَ فَضِيخِكُم هذا الذي تُسَمُّونَهُ الفَضِيخَ، فإنِّي لَقائمٌ أَسْقِي أبا طلحةَ، وفلانًا وفلانًا، إذ جاء رجلٌ فقال: وهل بَلَغَكُم الخبرُ؟ فقالوا: وما ذاك؟ قال: حُرِّمَتِ الخَمرُ، قالوا: أَهْرِقْ هذه القِلالَ يا أنسُ، قال: فما سألُوا عنها ولا رَاجَعُوها بعد خَبَرِ الرَّجلِ"؛ رواه البخاري.

2- عن أُمِّ سلمةَ قالتْ : "لَمَّا نَزَلَتْ ﴿ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ﴾ [الأحزاب: 59]، خَرجَ نساءُ الأنصارِ كأنَّ على رؤُوسهِنَّ الغِرْبانَ مِن الأَكْسِيَةِ"؛ رواه أبو داود.

3- وذكر القرطبيُّ في تفسيره لقوله - تعالى -: ﴿ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 284]، لمَّا أُنزل هذا على النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - اشتدَّ ذلك على أصحاب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فأتَوْا رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ثم بَرَكُوا على الرُّكب، فقالوا: أيْ رسولَ الله، كُلِّفْنَا من الأعمال ما نطيق: الصلاة، والصيام، والجهاد، والصدقة، وقد أنزَلَ اللهُ عليك هذه الآية ولا نطيقها.

قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أتُريدُون أن تقولوا كما قال أهلُ الكتابَيْن من قبلكم: سمعنا وعصينا؟! بل قولوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير))، فقالوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير.

فلما اقترأها القومُ ذَلَّت بها ألسنتُهم، فأنزل الله في إثرها: ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾ [البقرة: 285].

فلمَّا فعلوا ذلك نسخَها اللهُ، فأنزَلَ اللهُ - عزَّ وجلَّ -: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ﴾، قال: ((نعم))، ﴿ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا ﴾، قال: ((نعم))، ﴿ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ﴾ قال: ((نعم))، ﴿ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ قال: ((نعم)).ا.هـ.

وهذه الأمثلة الثلاثة - وهي غيضٌ مِن فيضٍ - تدلُّ دَلالةً واضحة على أنَّ الصحابة - رضي الله عنهم - ضربوا لنا أيضًا أروعَ المثل والقدوة في النُّصح لكتاب الله، بكامل وكامن وظاهر حواسِّهم، وحيويَّة التفاعل معه، والانتصاح بآياته انتصاحًا يُثرِي الحياة، ويسمُو بها، ويُفجِّر ينابيعَ خيرِها، ويَضبطُ إيقاعَها؛ لتنسجم مع الكون الخاضع الخاشع لمدبِّره ومالكه.

ومن الأمثلة البارزة التي استحقَّتْ أن تُقيَّد في صحائفَ من نور، وتُنقَشَ بمداد من الذهب، وتُحفظَ في سجلات الخالدين: ذلكم العالِم الرَّباني، والذي كان ممَّن نصحوا للقرآن نصحًا عظيمًا، وأسدوا للأمة أعظمَ جميل إلى قيام الساعة، الإمام أحمد بن حنبل، الذي وقف في محنة خَلْقِ القرآن كالطَّود الشَّامخ، لَا يُزحزحُه ترهيبُ مُرهِّب، ولا ترغيبُ مرغِّب، ولا العذابُ الشديد الأليم عن موقِفِه الشجاع، فكان أنِ انجلتِ المحنة، وزالت الغُمَّة، وحفِظَ الله بهذا الإمامِ الهمام القرآنَ الكريمَ من زيغِ الزائغين، وكيدِ المفسدين الضَّالِّين، وفِتَنِ أهل الأباطيل والأضاليل، فاستحقَّ عن جدارة أن تَحفَظَ له الأُمَّة إلى قيام الساعة فضلَه وجهادَه ونصحَه لكتاب الله، وتُلقبه بإمام أهل السُّنَّة والجماعة، وما عند ربِّك خيرٌ وأبقى.

ومنهم في عصرنا الحديث ذلكم الشيخ المجاهد أحمد ياسين، بطلُ فلسطين، الذي ربَّى جيلًا من أطفال وشباب فلسطين على كتاب الله، وأعدَّهم للجهاد إعدادًا إيمانيًّا يرفعون فيه لواءَ الإسلام، ويتَّخذون من القرآن منهجًا ودستورًا، في وقت كان الفدائيُّون والمجاهدون فيه يرفعون أَلْوِيةَ العروبة والقوميَّة والوطنيَّة، فأثمرتْ تربيتُه ودعوتُه رجالًا أبطالًا، ودعوةً مباركة، وجنودًا استشهاديين كالأسود، يُذيقُون اليهودَ ألوانَ الخوف والرعب، ونساء حرائر خنساوات يتَّقينَ الله، ويحفظْنَ القرآن، ويُقدِّمْنَ أبناءَهن فداءً لله، ويبذلْنَ الغاليَ والنفيس لرفعة الإسلام، وتحرير الأقصى المبارك.

تتفاخَرُ إحداهُنَّ إنْ لقِيَ فتاها ربَّه في ساحات الجهاد، أو أُسِر وهو يُدافع عن أعراض المسلمات، و"تزغرد" فرحًا إن أكرم الله زوجَها، أو فلذةَ كَبدِها، وقرَّة عينها بالاستشهاد، وهذا الشيخ الذي - على الرغم من إعاقته - علَّم أطفالَ فلسطين في المساجد كيف يقفون أمام آليَّات الاحتلال ودباباته بصدور عارية، وأيدٍ فارغة من السلاح إلا من حجر صغير؛ غيرَ أنهم يقفون وهم الناهلون من مَعِينِ القرآن الكريم وعزَّته، والمتربُّون على سِيَر الصحابة وبطولاتهم، والموقنون بنصر الله وقدرته، والواثقون بوعد الله نصرًا أو جنَّةً.

ولا غَرْوَ إذًا أن يُخطِّط رئيسُ وزراء أقوى كيان في منطقة الشرق الأوسط بنفسه للقضاء على هذا الشيخ العاجز المشلول، وأن يُجيِّش إمكاناتِ دولته الغاصبة، وجنوده الجبناء، ويُرسلهم في طائراته ليُمزِّقوا جسدَ هذا الشيخ المشلول المناضل، فكانت نهاية الشيخ - رحمه الله - تليقُ بمقامه، فكيف لو كان يمشي على قدميه؟!

وكما نَصَحْتَ أيُّها الشيخ للأمة وكتابها المُنَزَّل، وحوَّلْتَ بصبرِك وجهادِك العظيم آياتِ القرآن من سطور في كتاب، ومن دندنةٍ في مسجد أو جوف بيت، إلى دستور في حياة، وشباب في جهاد، وإلى نساء في ثبات ونضال، إلى أطفال يَطمَحون ليوم الاستشهاد، إلى جيل ينهضُ بأُمَّته إلى مراقي الإيمان والعزَّة والمجد، كما كان آباؤه الأوَّلون، وسلفُهُ الماضون، فها هي المكافأة تأتيك أيُّها الشيخ، فتنال الشهادة التي طالما تَمنَّيْتَها، ووددتَ من أعماق قلبك أن تظفر بها، لتخرجَ من ضيق هذا الجسد الفاني إلى آفاق الأرواح السَّرمديَّة، حيثُ تسرحُ في حواصل طير خضر في رحمة ربك وجنته.

[1] انظر: http://www.alukah.net/articles/1/735.aspx.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 09-01-2025, 10:28 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,150
الدولة : Egypt
افتراضي رد: نصيحة لله

نصيحة لله (3/4)

يوسف إسماعيل سليمان



وأمَّا النصيحة لرسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيُعرِّفها المحدِّث الفقيه العلَّامة أبو عمرو بن الصلاح بقوله: "والنصيحة لرسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
1- الإيمانُ به وبما جاء به.
2- وتوقيرُه وتبجيلُه.
3- والتمسُّكُ بطاعته.
4- وإحياءُ سُنَّته.
5- ومطالعةُ علومه ونشرها.
6- ومعاداةُ مَن عاداه، وموالاةُ مَن والاه.
7- والتخلُّقُ بأخلاقه.
8- والتأدُّبُ بآدابه.
9- ومحبةُ آله وأصحابه ونحو ذلك".

وأما الحافظ الإمام الفقيه محمد بن نصر المروزي في كتابه "تعظيم قدر الصلاة"، فقسَّمها إلى قسمين؛ بقوله: "وأما النصيحة للرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - في حياته، فبذلُ المجهود في طاعته، ونصرته ومعاونته، وبذلُ المال إذا أراده، والمسارعة إلى محبته، وأما بعد وفاته، فـ:
العناية بطلب سُنَّته.
والبحث عن أخلاقه وآدابه.
وتعظيم أمره، ولزوم القيام به.
وشدة الغضب والإعراض عمَّن يدين بخلاف سنته، والغضب على مَن صنعها لأثرة دنيا وإن كان متدينًا بها.
—— وحبُّ مَن كان منه بسبيل، من قرابةٍ أو صهر، أو هجرة أو نُصرة، أو صحبة ساعة من ليل أو نهار على الإسلام.
—— والتشبه به في زِيِّه ولِباسه.

وأما الشيخ العلامَّة ابنُ العثيمين في كتابه "الضياء اللامع من الخطب الجوامع"، فعرَّفها بقريب مما سبق في إيجاز، بقوله: "وأما النصيحة لرسوله، فهي محبتُه، واتِّباعُه ظاهرًا وباطنًا، ونصرتُه حيًّا وميتًا، وتقديمُ قولِه وهديه على قول كلِّ أحد وهديه".

والذي نخلص إليه من كلِّ هذه التعريفات: أنها تتَّفق على أن النصيحة لرسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أشبهُ بطائر ذي جناحين، ولا يمكن له ينهض، أو يحلق بأحدهما من دون الآخر، فأمَّا الجَنَاح الأيمن، فالإيمان به ومحبته، وتبجيله وآله وصحبه الكرام، وأما الجناح الآخر، فالاقتداء به قولًا وعملًا وخُلُقًا، وظاهرًا وباطنًا، والدعوة والجهاد لإعلاء دينه ونشر سُنَّته.

ولعلَّ إطلالةً سريعة على نصح الصحابة والتابعين لهم بإحسان - رضي الله عنهم - للنبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في حياته وبعد وفاته - تُعطينا المَثَل، وتقدِّم لنا القدوةَ، التي نحن في أمسِّ الحاجة إليها، وتُسلِّطُ مزيدًا من الأضواء على تفاعُل الصحابة مع حديث النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الدينُ النصيحةُ))؛ لنرى كيف كانت سيرةُ الصحابة والسلف الصالح زاخرةً فيَّاضة بالنصح للنبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فلا غَرْوَ بعدَئذٍ أن يفتح الله لهم الدنيا في بضعة عقود من الزمان، وتدين لهم مشارق الأرض ومغاربها، حتى بلغ الأمر بآبائنا الأولين أن يخاطب أحدُهم سحابةً تمر في الأفق فيقول لها: "أمطري هنا، أو أمطري حيث شئتِ، فسيأتيني خَرَاجُك حيثما أمطرتِ".

ومن تلك الأمثلة التي نضربها هنا من حياتهم - وهي غيضٌ من فيض، وقَطْرٌ من بحر - والتي سجَّلتها كتب التاريخ والسيرة، والتي هي أحرى وأجدر أن تُسطَّر في صحائفَ من دُرٍّ وياقوت، وتُقيَّد في دواوين المجد والفخار، والتي سيشعر كلُّ مسلم بعد أن نُذكِّرَه بها أن قامته تكاد تطاول النجوم رفعة، وأنه حقيق أن يسير شامخًا يُباهي النجوم؛ لانتسابه إلى هذا الدين، وإلى هؤلاء الآباء والأجداد، والتي نرجو أن يكون في ذِكرها دافعٌ وحادٍ له أن يبذل وسعَه؛ لاستعادة هذا المجد الداثر، والعز الغابر، والشرف التليد.

فهيا نفتتح هذا السجل الرائع من تاريخنا العريق، الذي غفلنا عنه كثيرًا، أو تغافلنا، وأول الصفحات التي يقع عليها النظرُ ترى فيها بارزًا اسم أول المؤمنين بدعوة النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - والتي لا يكفينا في مواقفه المشهودة والمحمودة في الإسلام والنصح لرسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - مئاتُ الصفحات، فبأيِّ مواقفه نبدأ؟! وأيَّ نصح نختارُ لنذكره هنا؟! ولم يكن شيء من حياة أبي بكر إلا وأنت تلمس فيه خالص النصح لله ولكتابه ولرسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وللمؤمنين، من أول يوم دخل فيه الإسلام، حيث كان أوَّلَ مَن آمن وآزر النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بنفسه وكلِّ ماله، وكلِّ ما أمكنه، ودعا بدعوته، واحتمل الأذى الشديد دفاعًا عنه، وحرصًا عليه، وفداه بنفسه في كل موقف وخطر، وهو أكثر الناس حبًّا له، وملازمة لشخصه - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأفضلُهم صحبةً، وأفهمُهم لرسالته، وأعظمُهم تضحية، وأفضلُ مَن خلَفه بعد وفاته، وسدَّ أبواب الفتن، ولم يزل ناصحًا حتى آخر لحظات وفاته حين اختار للأمة عمرَ بن الخطاب خليفةً من بعده.

كم هو صعب أن نختار لأبي بكر - رضي الله عنه - موقفًا واحدًا مِن بين مواقفه الكثيرة التي نصح فيها للنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو الذي لم تكن حياتُه كلُّها بعد إسلامه إلَّا نصحًا للإسلام وللنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم.

ومع هذا؛ فإني أنتقي لكم هذا الموقفَ الرائع مِن نصح أبي بكر - رضي الله عنه - لحبيبه محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - بعد وفاته، وذلك أن النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان قبل وفاته قد انتدب أسامةَ بن زيد - رضي الله عنه - لقيادة جيش من المسلمين؛ لتأديب الروم على حدود الشام، وأوصى النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو على فراش الموت بإنفاذ بعْث أسامة، ويورد لنا الطبريُّ هذا الموقفَ في "تاريخه"[1]، فيذكر:
"عن الحسن بن أبي الحسن البصري، قال: ضرب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قبل وفاته بعثًا على أهل المدينة ومَن حولهم، وفيهم عمرُ بن الخطاب، وأمَّر عليهم أسامةَ بن زيد، فلم يجاوز آخرُهم الخندقَ حتى قُبِض رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فوقف أسامة بالناس، ثم قال لعمر: ارجع إلى خليفة رسول الله، فاستأذنه يأذن لي أن أرجع بالناس؛ فإن معي وجوه الناس، ولا آمَنُ على خليفة رسول الله، وثقل رسول الله، وأثقال المسلمين أن يتخطَّفهم المشركون.

وقالت الأنصار: فإن أبى إلَّا أن نمضي، فأبلغه عنا واطلب إليه أن يولِّيَ أمرنا رجلًا أقدم سنًّا من أسامة، فخرج عمر بأمر أسامة، وأتى أبا بكر فأخبره بما قال أسامة، فقال أبو بكر: لو خطفتني الكلاب والذئاب لم أَرُدَّ قضاءً قَضَى به رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: فإن الأنصار أمروني أنْ أُبلغك أنهم يطلبون إليك أن تولي أمرَهم رجلًا أقدم سنًّا من أسامة، فوثب أبو بكر - وكان جالسًا - فأخذ بلحية عمر، فقال له: "ثَكلَتْكَ أمُّكَ وعدمتك يا بنَ الخطاب؛ استَعْمَلَه رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وتأمرُني أن أنزعه؟!"، فخرج عمر إلى الناس فقالوا له: ما صنعتَ؟ فقال: "امضوا، ثَكلَتْكُم أمهاتُكم، ما لقيت في سَبَبِكم من خليفة رسول الله"، ثم خرج أبو بكر حتى أتاهم، فأشخصهم وشيَّعهم، وهو ماشٍ وأسامة راكبٌ، وعبدالرحمن بنُ عوف يقود دابَّة أبي بكر، فقال له أسامة: يا خليفةَ رسول الله، والله لتركبنَّ أو لأنزلنَّ، فقال: والله لا تنزل، ووالله لا أركب، وما علي أن أُغَبِّرَ قدمَيَّ في سبيل الله ساعة؛ فإن للغازي بكلِّ خُطوة يخطوها سَبعَمائة حسنة تكتب له... حتى إذا انتهى قال: إن رأيتَ أن تعينني بعمر فافعل، فأذن له".

ولنا مع هذا الموقف وقفاتٌ وتأملات، لنرى ونتأمَّل محتوياته ونأخذ العبرة:
1- هذا الخليفة أبو بكر - رضي الله عنه - الذي صارت مقاليد الأمور بيده، ورأى كيف ارتدَّ العرب عن الإسلام حول المدينة، ولم يبقَ على الإسلام إلا قلةٌ من أهل المدينة، وطائفة هنا، وأخرى هناك، وصار عليه أن يواجه قبائل العرب، التي انتقضت عليه بالفئة المؤمنة في المدينة، والتي منها جيش أسامة، الذي يضم وجوه الأنصار والمهاجرين، وبعضهم من أكفأ القواد، ويُصرُّ أبو بكر على إنفاذ بعْث أسامة، على الرغم من الأخطار المُحْدِقة ليس بالمدينة فحسب، بل بالإسلام جملة واحدة.

2- أسامة بن زيد القائد - رضي الله عنه - يدرك تغيُّر الظروف، وتبدُّل الأحوال، وعظم الأخطار، فيقول - لعُمر - رضي الله عنه - الذي كان جنديًّا في جيش أسامة وقتئذٍ - كلامًا يُفهم منه أنه يزيل عن أبي بكر أيَّ حرج في الاعتذار لأسامة عن خروجه قائدًا كما أمر النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قبيل وفاته، أو حتى خروج الجيش كله لمعركةٍ، يبدو للوهلة الأولى أنها ليست من الأولويات في هذه المرحلة الحرجة من حياة المسلمين.

3- عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يحمل طلب الأنصار بالرغبة في إبقاء الجيش؛ مراعاة للظروف الطارئة، أو على الأقل: تغيير هذا القائد حَدَثِ السن بآخرَ أسن ممن خاضوا غمرات الوغى، وحققوا انتصارات مشهودة، وفي الجيش منهم كثير، كلُّ هذا وعمر - رضي الله عنه - لا يُبدي اعتراضًا، وكأنه يوافقهم ضمنيًّا على رأيهم.

4- يرى أبو بكر - رضي الله عنه - اختلافَ الأمور عمَّا كانت عليه عندما عَقَد النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - لواءَ القيادة لأسامة: قبائل متكاثرة ترتد، وأصحاب رسول الله يستصغرون أسامة قائدًا، علمًا بأنهم أثاروا هذه المسألة في حياة النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فعن عبدِ الله بنِ عُمرَ - رضي اللَّه عنهما - قال: بَعَثَ النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بَعْثًا وأَمَّر عليهم أسامةَ بْنَ زيدٍ، فطَعَن بعضُ الناسِ في إمارتِه، فقال النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنْ تطعُنُوا في إمارتِه، فقد كنتم تَطْعُنُون في إمارة أبيه من قبلُ، وايمُ اللَّه، إن كان لَخَليقًا للإمارةِ، وإنْ كان لمِن أحبِّ الناس إليَّ، وإنَّ هذا لمِن أحبِّ النَّاس إليَّ بعدَه))؛ رواه البخاري، وعمر الفاروق - رضي الله عنه - يبلغ أبا بكر - رضي الله عنه - طلبَ الأنصار عزلَ أسامة دون إنكار منه لقولهم، فمَن بقي لتسْتَنِدَ عليه يا أبا بكر في قرارك الخطير بإنفاذ بعث أسامة؟

5- الخليفة أبو بكر - رضي الله عنه - ما أنْ يسمع رسالة أسامة إليه مع عمر - رضي الله عنه - حتى يرفضها؛ معللًا الأمرَ بأنه تنفيذ لأمرٍ قضاه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وكفى به سببًا، ولا يمكن لأبي بكر أن يعصي أبا القاسم حيًّا أو ميتًا، ولو تخطَّفتْه الذئاب والطير، فالعجب أشد العجب ممن يعصي النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في أهون الأمور، وهو في تمام القدرة على طاعته، ثم نتساءل في حيرة: لماذا تأخَّر المسلمون، وانحطَّتْ مكانتهم؟!

6- الخليفة أبو بكر - رضي الله عنه - ما زال يسمع عمر - رضي الله عنه - ولكنَّ عمر - رضي الله عنه - ما زالت لديه رسالةٌ أخرى، ظنَّ أنها ستكون أهونَ على أبي بكر - رضي الله عنه - حيث إنها تتيح لأبي بكر - رضي الله عنه - أن ينفذ جيش أسامة كما يُصِرُّ، ويكون قد حقق أمر النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لكنْ بقائد غير أسامة الشاب، حَدَث السن، ولكنَّ أبا بكر - رضي الله عنه - يُظهر الغضبَ والحزم لعمر - رضي الله عنه - غير مبالٍ بتأويلات الآخرين، أو بأيِّ شيء إلَّا النصح للنبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قائلًا في حسم لا مجال لحديث بعده: "ثكلتك أمك وعدمتك يا بن الخطاب؛ استعمله رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وتأمرني أن أنزعه؟!".

ثم إن أبا بكر - رضي الله عنه - بعد ذلك لا يمنُّ على أسامة؛ بل يعامله كقائد وضعه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - على رأس الجيش، ويستأذن منه في استبقاء عمر - رضي الله عنه - ليكون أبو بكر قدوةً لغيره من أصحاب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في جيش أسامة في أدب التعامل مع القائد، والتقدير والاحترام لمَن ولَّاه رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وإن كان حدَث السِّن.

فلله درُّك يا أبا بكر! كم نصحت لحبيبك النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم! وكم كنت نبراسًا يضيء لنا طريق الثبات على درب المصطفى- صلَّى الله عليه وسلَّم! حيث كان الخير كل الخير، والصوابُ كل الصوابِ في اختيارك وقرارك، وحصدتِ الأمةُ ببركة تمام وكمال اتباعك للمصطفى - صلَّى الله عليه وسلَّم - أسمى مكانة، وأعزَّ منزلة، فانتصرتِ الجيوش التي خرجت لقتال المرتدين، وحقَّق أسامة نصرًا مبينًا يغيظ الكافرين، ويُثْبتُ أن هذا الدين لا ينتصر إلا بحسن الاتِّباع لخير المرسلين.

ومن المواقف الأخرى التي يتجلى فيها النصح للنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: موقف أم سلمة يوم الحديبية؛ فقد روى البخاري في "صحيحه" من حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم: "فلمَّا فَرَغ من قضيَّةِ الكِتَاب، قال رسولُ اللَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - لأصحابه: ((قوموا فانْحروا، ثمَّ احْلِقوا))، قال: فـوالله ما قام منهم رجُلٌ، حتَّى قال ذلك ثلاثَ مرَّاتٍ، فلما لم يقُمْ منهم أحدٌ، دَخل على أُمِّ سَلَمةَ فذَكر لها ما لَقِيَ من الناس، فقالتْ أُمُّ سَلمةَ: يا نَبيَّ الله، أتحِبُّ ذلك؟ اخْرجْ ثُمَّ لا تُكلِّمْ أحدًا منهم كلمةً حتَّى تنْحرَ بدنَكَ، وتدعوَ حَالقَك فيَحْلِقك، فخرج فلم يُكلِّم أحدًا منهم حتى فَعَلَ ذلك، نَحَرَ بدنَه، ودعا حالقَه، فحَلَقَه، فلمَّا رأوْا ذلك قاموا فنَحرُوا، وجعلَ بعضُهم يَحْلِقُ بَعْضًا حتَّى كاد بعضُهم يقتلُ بعضًا غمًّا".

فأنقذ الله ببركة نصحها المسلمين من سوء عاقبة مخالفة أمر النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأزاحت عن كاهل النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - همًّا وغمًّا، كاد أن يَؤُودَه احتمالهُما، وينوء بثقلهما، وكفى بذلك فضلًا وشرفًا وفخرًا لأُمِّنا أم سلمة - رضي الله عنها.

ومنها موقف الصحابي الجليل علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - والصحابية الجليلة أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنهما - يوم الهجرة، والصحابي الحباب بن المنذر - رضي الله عنه - في غزوة بدر، وسَلمَان الفارسي - رضي الله عنه - في غزوة الخندق، والصحابية أم عِمَارة - رضي الله عنها - يوم غزوة أحد.

وما أكثرَ هذه المواقفَ وأغزرَها في سيرة سلفنا الصالحين! الذين نحن أحوج ما نكون إلى تلمُّس خطاهم، والسير على دربهم؛ لنستحق أن نكون أبناء بررة لهذا الجيل الرباني، الذي تزين بحسن الاقتداء، فتجلتْ على يديه آيات الخير والنصر والعزة.

وإني لأحسب أن أقل ما يمكن أن نقوم به نصحًا لنبينا - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن نحبَّه الحبَّ الذي يليق به، ويدفع إلى التضحية من أجل دينه والعمل بسنته، ولا بد لذلك من أن نُحسن معرفته، بأن نقرأ سيرته وسيرة أصحابه إن لم نقدر على حفظها، وأن نكثر من الصلاة عليه - صلَّى الله عليه وسلَّم - ونسعى لنشر سننه وآدابه وأخلاقه، بالأفعال قبل الأقوال، وبحسن الاقتداء به قبل إزجاء الأوامر والنواهي للآخرين، بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه.

[1] ذكر هذا الخبر أيضًا: الطبري في "تاريخ الأمم والملوك"، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"، وابن منظور في "مختصر تاريخ دمشق"، وابن كثير في "البداية والنهاية"، ولكن برواية أخصر من هاهنا.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 09-01-2025, 10:29 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,150
الدولة : Egypt
افتراضي رد: نصيحة لله

نصيحة لله (4/4)

يوسف إسماعيل سليمان



وأما النصيحة لأئمة المسلمين، فيفصلها المحدث الفقيه العلامة أبو عمرو بن الصلاح بقوله: "معاونتُهم على الحق، وطاعتُهم فيه، وتذكيرهم به، وتنبيههم في رفق ولطف، ومجانبة الوثوب عليهم، والدعاء لهم بالتوفيق، وحث الأغيار على ذلك"[1].

وأما العلَّامة ابن العثيمين فيعرفها مبينًا خطَر تركِها، وحكمتَها، ومشروعيتَها من نصوص الشريعة فيقول: "وأما النصيحة لأئمة المسلمين فهي صدق الولاء لهم، وإرشادهم لما فيه خير الأمة في دينها ودنياها، ومساعدتهم في إقامة ذلك، والسمع والطاعة لأوامرهم ما لم يأمروا بمعصية الله، واعتقاد أنهم أئمة متبوعون فيما أمروا به؛ لأن ضد ذلك هو الغش والعناد لأوامرهم، والتفرق والفوضى التي لا نهاية لها، فإنه لو جاز لكل واحد أن يركب رأسه، وأن يعتز برأيه، ويعتقد أنه هو المسدد الصواب، وهو المحنك الذي لا يدانيه أحد لزم من ذلك الفوضى والتفرق والتشتت؛ ولذلك جاءت النصوص القرآنية والسُّنَّة النبوية بالأمر بطاعة ولاة الأمور؛ لأن ذلك من النصيحة لهم التي بها تمام الدين، فقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾ [النساء:59]، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحبَّ وكَرِهَ ما لم يُؤمر بمعصية))، وقال: ((مَن خَلَع يدًا من الطاعة لَقِيَ اللهَ يومَ القيامة لا حجَّة له))، وقال: ((اسمعوا وأطيعوا وإن أمر عليكم عبدٌ حبشي))، وقال عبادة بن الصامت - رضي الله عنه -: ((بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرةٍ علينا، وألا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم فيه مِن الله برهان))"[2].

ولقد ضرب لنا الصحابة - رضي الله عنهم - المثل الأعلى في النصح لولاة الأمر، كما ضرب أولياء الأمور في تلك الفترة الفاضلة المباركة المثل الأفضل في الإنصات للناصحين، والعمل بمقتضى نصحهم في تواضع مثير للإعجاب ما دامت النصيحة تخدم الإسلام والمسلمين، حتى وإن كانت على ملأ، وحتى إن كانت من امرأة أو غلام لم يبلغ الحلم بعد، ويكفي في هذا المقام أن نورد المثالين التاليين، ففيهما بيان لما أشرنا إليه:
أما الأول: فما ذكره القرطبي في تفسيره لقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾ [النساء: 20]، حيث جاء فيه:
وخطب عمر - رضي الله عنه - فقال: ألا لا تغالوا في صَدُقات النساء؛ فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا، أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ما أَصْدَقَ قط امرأةً مِن نسائه ولا بناتِه فوق اثنتي عشرة أوقية.

فقامت إليه امرأة فقالت: يا عمر، يعطينا الله وتحرمنا! أليس الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿ وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا ﴾ [النساء: 20]. فقال عمر: أصابت امرأة وأخطأ عمر.

وفي رواية: فأطرق عمر ثم قال: كل الناس أفقهُ منك يا عمر![3].

وفي هذا النموذج الرائع من الإيحاءات والدلالات والمعاني ما يدل على ما أردنا بيانه وزيادة لمن تأمل وتدبر.

وأما النصيحة لعامَّة المسلمين - وهي المجال الأرحب للنفع وممارسة هذا الواجب والشعيرة باعتبارها لا ركنًا من أركان الدين بل هي الدين نفسه - فقد تعدَّدَت النصوص النبوية التي تحض عليها، ومنها على سبيل المثال: ما ورد في الصحيحين، عن جرير بن عبد الله قال: بايعتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - على إقامِ الصَّلاةِ، وإيتاءِ الزكاة، والنصح لكلِّ مسلم.

وفي صحيح مسلم، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((حقُّ المؤمن على المؤمن ستٌّ))، فذكر منها: ((وإذا استنصحك فانصَحْ له)).

وفي تعدد النصوص ما لا يخفَى من أهمية النصح وجليل أثره في حياة المسلم والأُمة كلها.

ويعرِّفها الفقيه العلَّامة ابن الصلاح بقوله: إرشادُهم إلى مصالحهم، وتعليمُهم أمور دينهم ودنياهم، وسترُ عوراتهم، وسدُّ خلَّاتهم، ونصرتُهم على أعدائهم، والذَّبُّ عنهم، ومجانبةُ الغش والحسد لهم، وأنْ يحبَّ لهم ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه[4].

وأما العلَّامة ابن العثيمين فيعرِّفها بقوله: وأما النصيحة لعامة المسلمين فهي أن تحب لهم ما تحب لنفسك، وأن تفتح لهم أبواب الخير، وتحثهم عليها، وتغلق دونهم أبواب الشر، وتحذرهم منها، وأن تبادل المؤمنين المودة والإخاء، وأن تنشر مَحاسنهم، وتستر مَساوئهم، وتنصر ظالمَهم ومظلومَهم؛ تنصر ظالمهم بمنعه من الظلم، وتنصر مظلومهم بدفع الظلم عنه.

والملاحظ على هذه التعريفات اتفاق المعنى، مع تنوع العبارات الدالة عليه، ما يشير إلى أنها تعود في كلٍّ إلى التعريف الأول الذي ذكرناه من قبل، وهو الأسهل حفظًا وتذكرًا، بأنها: إرادة الخير للمنصوح قولًا وعملًا في دينه، أو دنياه، أو كليهما.

ولقد نضحت حياة السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين بفيض زاخر من هذا النوع من النصح، الذي يمثل نوعًا من الالتزام الشرعي والأخلاقي والتوعوي، ومظهرًا من مظاهر الحب والإخاء والتآزر، بما يؤدي إلى تحسين دائم في حياة الأمة المسلمة ومسيرة الحضارة الإنسانية.

ونكتفي بذكر ثلاثة أمثلة توضح كيف تفاعَل السلف مع هذا النوع من النصح، وأظهروا فيه من العجائب ما يملأ القلوب إحساسًا بفضلهم، والعقول إدراكًا لمواطن عظمتهم، والحضارة فخرًا بحسن صنيعهم، وهذه الأمثلة هي:
1- نصح سهيل بن عمرو – وهو الذي عقد مع النبي - صلى الله عليه وسلم - صلح الحديبية حين كان يومئذ من صناديد الكفر والباطل - لأهل مكة حين ارتدَّت قبائل العرب عن الإسلام بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -: فقد أراد أهل مكة أن يرتدوا مع مَن ارتد من العرب، فقام سهيل- وكان قد أسلم وحسُن إسلامُه - خطيبًا في أهل مكة مُعرِّضًا نفسه للقتل والإيذاء، وكان مما قاله لهم: "يا أهل مكة، لا تكونوا آخر مَن أسلم وأول مَن ارتد"[5].

فإذا بكلماته المخلصة، ونصيحته المتجردة تثبِّت الناس على الإسلام، فلم يغيروا، ولم يبدلوا، وتبقى مكة أرضًا لا يخالطها الكفر بعد إذ نجاها الله منه، واستطاع سهيل بنصحه أن ينجو بأهل مكة ويقيهم من سوء عاقبة الردة في الدنيا، وحفظ أرض الحرم من أن تسفك فيها دماءٌ كان هو أدرى الناس بحرص النبي - صلى الله عليه وسلم - عليها سواء في صلح الحديبية، أو في فتح مكة، فإن أبا بكر والمسلمين في المدينة حين علموا بما فعله سهيل، حمدوا الله أن كفاهم قتال أهل مكة، وشكروا لسهيل مقالته وحُسْن صنيعه، وكرسوا جهودهم لإعادة بقية جزيرة العرب إلى حظيرة الإسلام.

2- نصح عثمان بن عفان - رضي الله عنه - للمسلمين في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -، والتي جاء ذكرُ بعضها في الحديث التالي:
عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ حَزْنٍ الْقُشَيْرِيِّ قَالَ: شَهِدْتُ الدَّارَ حِينَ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ عُثْمَانُ فَقَالَ: ائْتُونِي بِصَاحِبَيْكُمْ اللَّذَيْنِ أَلَّبَاكُمْ عَلَيَّ. قَالَ: فَجِيءَ بِهِمَا فَكَأَنَّهُمَا جَمَلانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا حِمَارَانِ، قَالَ: فَأَشْرَفَ عَلَيْهِمْ عُثْمَانُ فَقَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ وَالإِسْلامِ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ يُسْتَعْذَبُ غَيْرَ بِئْرِ رُومَةَ، فَقَالَ: مَنْ يَشْتَرِي بِئْرَ رُومَةَ فَيَجْعَلَ دَلْوَهُ مَعَ دِلاءِ الْمُسْلِمِينَ بِخَيْرٍ لَهُ مِنْهَا فِي الْجَنَّةِ. فَاشْتَرَيْتُهَا مِنْ صُلْبِ مَالِي، فَأَنْتُمْ الْيَوْمَ تَمْنَعُونِي أَنْ أَشْرَبَ حَتَّى أَشْرَبَ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ. قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ. قَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ وَالإِسْلامِ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الْمَسْجِدَ ضَاقَ بِأَهْلِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: مَنْ يَشْتَرِي بُقْعَةَ آلِ فُلانٍ فَيَزِيدَهَا فِي الْمَسْجِدِ بِخَيْرٍ مِنْهَا فِي الْجَنَّةِ. فَاشْتَرَيْتُهَا مِنْ صُلْبِ مَالِي فَأَنْتُمْ الْيَوْمَ تَمْنَعُونِي أَنْ أُصَلِّيَ فِيهَا رَكْعَتَيْنِ. قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ. قَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ وَالإِسْلامِ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنِّي جَهَّزْتُ جَيْشَ الْعُسْرَةِ مِنْ مَالِي. قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ...[رواه الترمذي].

فالله الله ما أعظم نصحك للمسلمين يا عثمان، ولله درُّك مِن ناصح يا ذا النورين.

3- أما المثال الثالث، فما أُثر عن الإمام الشافعي رضي الله عنه - الذي اشتهر بقوة حجَّته، وكانت تُعقد له المناظرات العلمية مع علماء عصره الذين يخالفونه الرأي، فيثبت صحة رأيه - مِن أنه كان يقول: "ما ناظرتُ أحدًا إلا أحببتُ أن يظهر الحقُّ على لسانه".

وفي رواية: "والله ما ناظرتُ أحدًا فأحببتُ أن يُخطئ"[6].

فانظر كيف كان نصحُه لِمُعارضيه ولِمَن يشهدون المناظرة مِن المسلمين، فإنه لم يكن همُّه أن يُقال: أصاب الشافعي، أو فاز الشافعي على مُعارضيه. وإنما كان أحبَّ شيء إليه أن يصِل الناس إلى الحق والصواب، حرصًا على مصلحة المسلمين وسلامة دينِهم، حتى ولو على لسان خصومه ومعارضيه في الرأي والفكر.

وأحسب أن الإسلام هيَّأ بهذا الحديث - حديث النصيحة - الأذهانَ أن تجتهد في بذل النصح في كل لحظة من الحياة، ما يعني إيجابية الشخصية المسلمة على كل مستوى، وبما يؤدِّي إلى قيام النصيحة بدورها في تهذيب الفرد وارتقائه وإتقانه، وكذا المجتمع والأمَّة كلها، وما يُثمر نهضةً روحيةً ومادِّيَّة نُعيد بها إلى الأمَّة سعادتَها ومجدَها، ويكُون سببًا مِن أسباب نجاتها وفلاحها.

[1] نقلًا عن جامع العلوم والحكم، لابن رجب الحنبلي، شرح الحديث السابع.

[2] انظر:http://www.alukah.net/articles/1/735.aspx.

[3] تفسير القرطبي، للإمام القرطبي، موسوعة المكتبة الشاملة.

[4] نقلًا عن جامع العلوم والحكم، لابن رجب الحنبلي، شرح الحديث السابع.

[5] أسد الغابة، لابن الأثير، موسوعة المكتبة الشاملة.

[6] تاريخ دمشق، لابن عساكر، موسوعة المكتبة الشاملة.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 103.10 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 100.05 كيلو بايت... تم توفير 3.05 كيلو بايت...بمعدل (2.96%)]