|
ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الثبات على الكتاب والسنة في زمن المتغيرات {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}
لا شك أن الثبات على الكتاب والسنة الصالح من أبرز سمات أهل الحق؛ فإن هذا المنهج كسفينة نوح، من ركبها وتمسك بها نجا، ومن تركها هلك، فهذا أسلم المناهج، وأصفاها، وأنقاها، وأحكمها، وهو الطريق المستقيم، والحق المبين، والجادة السليمة، والمحجة البيضاء النقية التي تركنا عليها الرسول - صلى الله عليه وسلم -، والثبات على هذا المنهج مطلبُ كلِّ مؤمن، وهمُّ كل داعية، ولا سيما في هذا الزمن الذي كثرت فيه الابتلاءات والفتن بمختلف أنواعها، وتنوعت وسائل الإضلال والإفساد والمحن، حتى أصبح القابض على دينه كالقابض الجمر.
مفهوم منهج السلف تعريف المنهج لغة وشرعًا: النهج، والمنهج، والمنهاج: الطريق الواضح البيّن، قال الله -تعالى-: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} (المائدة 48). أي: شريعةً وطريقًا واضحًا بينًا. تعريف السلف لغةً وشرعًا: فالسلف ما مضى وتقدم، يقال: سلف الشيء سَلَفا: مضى، وسلف فلان سلفا: تقدم، والسالف: المتقدم، والسلف: الجماعة المتقدمون، والسلف: القوم المتقدمون في السير، قال الله -تعالى- في كتابه العزيز: {فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِّلْآخِرِينَ} (الزخرف: 55-56)، أي فلما أغضبونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين، فجعلناهم سلفا متقدمين لمن عمل بعملهم، ليعتبر من بعدهم وليتعظ بهم الآخرون. ومنهج السلف هو الإسلام الذي جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم -، والسلف الصالح، هم أصحاب نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وهم في كل عصر الفئة التي قال عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تزالُ طائفةٌ مِنْ أُمِّتي ظاهرينَ على الحقِّ أوْ على الحقِّ ظاهرينَ، لا يضرُّهُمْ مَنْ خذلَهُمْ وفارقَهمْ حتَّى يأتيَ أمرُ اللهِ، أوْ قال حتى تقومَ الساعةُ». ![]() لماذا فُضِّل السلف على مَن بعدهم؟ لقد فُضّل السلف -رضوان الله عليهم- بنصوص الكتاب والسُنَّة، فأما القرآن الكريم، فقد قال الله -تعالى-: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (التوبة: 100)، وقال -تعالى-: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} (الفتح: 29). وفي السُنَّة النبويَّة أحاديث كثيرة تبين فضل السلف -رضوان الله عليهم- من أهمها: قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «خيرُ الناس قرْني، ثمَّ الَّذين يلونَهم، ثمَّ الَّذين يلونَهم» وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا تسبوا أصحابي؛ فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا، ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه» وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: « النجومُ أمنَةٌ للسماءِ، فإذا ذَهَبَتِ النجومُ أتَى السماءَ ما توعَدُ، وأنا أمنَةٌ لأصحابي، فإذا ذهبْتُ أتى أصحابِي ما يوعدونَ، وأصحابي أمنَةٌ لأمَّتِي، فإذا ذهبَ أصحابي أتى أمتي ما يوعدونَ». الأمر بلزوم المنهج قال الله -تعالى- لنبيه - صلى الله عليه وسلم - -: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}، وعن سفيان بن عبدالله الثقفي قال: قلت: يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا غيرك، «قال أبو معاوية» بعدك قال: «قل آمنت بالله ثم استقم»، ولقد أمر المولى -سبحانه وتعالى- في آيات كثر بلزوم صراطه المستقيم، وأوجب اتباعه على الخلق أجمعين، فقال -سبحانه-: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}. قال الطحاوي -رحمه الله-: «ولا تثبت قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم والاستسلام». وقد ربط ابن القيم -رحمه الله- ربطًا دقيقًا بين الالتزام بالمنهج السلفي والثبوت عليه في الدنيا، وبين الثبوت عند المرور يوم القيامة على الصراط المنصوب على ظهر جهنم؛ حيث يقول: «من هدي في هذه الدار إلى صراط الله المستقيم الذي أرسل به رسله وأنزل به كتبه، هدي هناك إلى الصراط المستقيم الموصل إلى جنته ودار ثوابه، وعلى قدر ثبوت قدم العبد على هذا الصراط الذي نصبه الله لعباده في هذه الدار، يكون ثبوت قدمه على الصراط المنصوب على متن جهنم، وعلى قدر سيره على هذا الصراط، يكون سيره على ذاك الصراط». ![]() أهمية الثبات على المنهج الحق الثبات على المنهج الحق -وهو دين الله عز وجل النقي كما أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم -، من وصايا الأنبياء والمرسلين، قال -تعالى-: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (البقرة:13)، وهو هداية الصراط المستقيم، التي علمنا الله أن نسأله إياها في دعائنا، وفي كل ركعة من صلاتنا، حين نقرأ قوله -تعالى في سورة الفاتحة-: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}، والهدايات ثلاثة أنواع: (هداية الإرشاد والتعليم والدلالة، وهداية التوفيق لقبول الحق، وهداية التوفيق للثبات على الحق)، قال ابن تيمية -رحمه الله-: «ولهذا كان أنفع الدعاء، وأعظمه وأحكمه دعاء الفاتحة: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}؛، فإنه إذا هداه هذا الصراط، أعانه على طاعته وترك معصيته، فلم يصبه شر، لا في الدنيا ولا في الآخرة. طلب الثبات على الحق لمَّا كان المسلم مبتلى في دينه، كان طلب الثبات في كل وقت أمرا لازما له وعليه، أما هذه الابتلاءات بالصبر والثبات، وقد أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن زمان يشتد على المسلم الثبات على الحق، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -]- قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ الصَّابِرُ فِيهِمْ عَلَى دِينِهِ كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ»، وعن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، كَقَلْبٍ وَاحِدٍ، يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ»، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ، صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ»، ويقول شداد بن أوس - رضي الله عنه -: «كان رسول الله يعلمنا كلمات ندعو بهن في صلاتنا: «اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، وأسألك عزيمة الرشد». ![]() مواقف من ثبات السلف إن هذا الدين العظيم نُقل إلينا على أكتاف رجال عِظام، اختارهم الله لهذا الحمل الثقيل: {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} رجال كان لثباتهم في الملمات وبذلهم الغالي والرخيص وتضحياتهم الأثر الكبير في دين الله -عز وجل-، حتى توارثت الأجيال قصصهم المشرقة والمضيئة، بل واقتدوا بهم في صمودهم وصبرهم ومواقفهم، وصاروا مثلا يحتذى بهم، ونسوق في هذا المقام بعضًا من النماذج العظيمة لسلف الأمة في بعض مواقفهم المجيدة نصرة لدينهم، ودفاعًا عن الحق الذي تحمّلوه. ثبات النبي صلى الله عليه وسلم سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - يتعلم منها المؤمنون حقيقة الثبات؛ فلهم في ثباته - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة؛ فلقد آذاه المشركون وقتَلوا أصحابه، فلم يتراجع عن دعوته، وساوموه فلم يتنازل عن شيء منها، وأغرَوه بما يغرى به الأكابر من الناس، فما تزحزح عن موقفه، وكان ثابتًا ثبوتَ الجبال الرواسي. ويشهد على ثباته - صلى الله عليه وسلم - رفضُه لِما عرضه عليه رؤساء قريش ذات يوم عند ظهر الكعبة، فقالوا: «إن كنت إنما جئتَ بهذا الحديث تطلب به مالًا، جمعنا لك من أموالنا؛ حتى تكون أكثرنا مالًا، وإن كنت إنما تطلب به الشرف فينا، فنحن نُسَوِّدُك علينا، وإن كنت تريد به مُلكًا، ملَّكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيًا تراه قد غلب عليك - وكانوا يسمون التابع من الجن رئيًا - فربما كان ذلك، بذَلْنا لك أموالنا في طلب الطب لك؛ حتى نُبرئك منه أو نعذر فيك»، فقال لهم - صلى الله عليه وسلم -: «مَا بِي مَا تَقُولُونَ، مَا جِئْتُكُمْ بِمَا جِئْتُكُمْ بِهِ أَطْلُب أَمْوَالكُمْ، وَلَا الشَّرَف فِيكُمْ، وَلَا الْمُلْك عَلَيْكُمْ، وَلَكِنَّ اللهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ رَسُولًا، وَأَنْزَلَ عَلَيَّ كِتَابًا، وَأَمَرَنِي أَنْ أَكُون لَكُمْ بَشِيرًا وَنَذِيرًا، فَبَلَّغْتُكُمْ رِسَالَات رَبِّي وَنَصَحْت لَكُمْ، فَإِنْ تَقْبَلُوا مِنِّي مَا جِئْتُكُمْ بِهِ فَهُوَ حَظُّكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، وَإِنْ تَرُدُّوهُ عَلَيَّ أَصْبِر لِأَمْرِ اللَّه حَتَّى يَحْكُم اللَّه بَيْنِي وَبَيْنكُمْ». ![]() ثبات أبي بكر الصديق - رضي الله عنه كان موقف خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - حين ابتليت الأمة في زمن خلافته بما تنوء بحمله الجبال، من أروع الأمثلة على الثبات على الحق، فبعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، من الأمَّة من ارتد، ومنهم من منع الزكاة، وجيش أسامة على مشارف المدينة ينتظر الأمر بالخروج إلى الروم، ولو خرج فمن للمدينة يحميها من المتربصين بها؟ ومن للجزيرة العربية ينابذ الخارجين عن الأمة؟ ولكن الصديق - رضي الله عنه - بما أوتي من قوة العلم، وقوة الإيمان والثبات، يبين وجه الحق لمن استشكل عليه، فلا تفريق بين الصلاة والزكاة، ولو منعوه عقالاً كانوا يؤدونه لقاتلهم عليه، أفيُنتقص الدين والصديق حي؟! ويُنفذ جيش أسامة؛ حيث وصى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فما كان الصديق ليحل لواءً عقده النبي - صلى الله عليه وسلم -، وحدد مهمته ووصى بها، وهو يقاتل المرتدين؛ حتى يعيدهم لحظيرة الإسلام، ويقضي على فتنة مسيلمة الكذاب، والأسود العنسي، ويباغت من سولت لهم أنفسهم أن يهاجموا المدينة، وقد تصوروا أنها صارت لقمة سائغة لهم؛ لقلة الجند فيها بعد خروج جيش أسامة، فهزمهم بنفسه شر هزيمة في معركة (ذي القصة)، والقصة: موضع قرب المدينة على مرحلة منها، فلم تمضِ مدة خلافته على قصرها إلا وقد وحَّد الجزيرة كما كانت، وأعاد للإسلام هيبته، فكان فضله على الأمة بعد وفاة نبيها - صلى الله عليه وسلم - لا يقل روعة عن حاله في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم . ![]() ثبات الإمام أحمد بن حنبل من أهم سمات حياة الإمام أبي عبد الله أحمد بن حنبل -رحمه الله- منهجه في العقيدة، والتزامه نهج الكتاب والسنة، وما عليه سلف الأمة في التوحيد والصفات وإنزال القرآن، حتى أوذي وامتحن، فصبر وصابر، ولم يتزحزح عن قول الحق، حتى ربط موقفه في محنته بموقف الصديق - رضي الله عنه -، يقول علي ابن المديني: لقد أُعز الإسلام برجلين، بـأبي بكر - رضي الله عنه - يوم الفتنة، وبـأحمد بن حنبل -رحمه الله- يوم المحنة ويقصد محنة القول: بخلق القرآن. لقد ضرب الإمام أحمد -رحمه الله- أروع الأمثلة في الثبات على المبدأ والصبر أمام الفتن، فلم تلن عزيمته، أو يضعف إيمانه أو تهتز ثقته، فمكث في المسجد عامين وثلث عام، وهو صامد كالرواسي، وحُمل إلى الخليفة المعتصم، واتُّخذت معه وسائل الترغيب والترهيب، ليظفر المجتمعون منه بكلمة واحدة، تؤيدهم فيما يزعمون، يقولون له: ما تقول في القرآن؟ فيجيب: هو كلام الله، فيقولون له: أمخلوق هو؟ فيجيب: هو كلام الله، ولا يزيد على ذلك. ويبالغ الخليفة في استمالته وترغيبه ليجيبهم إلى مقالتهم، لكنه كان يزداد إصرارًا، فلما أيسوا منه علَّقوه من عقبيه، وراحوا يضربونه بالسياط، ولم تأخذهم شفقة وهم يتعاقبون على جلد جسد الإمام الواهن بسياطهم الغليظة حتى أغمي عليه، ثم أُطلق سراحه وعاد إلى بيته، ثم مُنع من الاجتماع بالناس في عهد الخليفة الواثق (227- 232هـ/ 841- 846م)، لا يخرج من بيته إلا للصلاة، حتى إذا ولي المتوكل الخلافة سنة (232هـ/ 846م)، فمنع القول بخلق القرآن، وردَّ للإمام أحمد اعتباره، فعاد إلى الدرس والتحديث في المسجد. ![]() من وسائل الثبات على الكتاب والسنة إنّ أعظم نعم الله على عبده إطلاقًا هدايته له وتثبيته له على الصراط المستقيم، بأن يرشده لسنن الهدى، ويأخذ بيده إلى سبيل الرّشاد، ويبعده عن مسالك الغواية، وطريق المغضوب عليهم، والضّالين، وباستقامة أهل الإيمان على الدّين، يثبتهم الله في الحياة الدنيا وفي الآخرة؛ لأنّ الجزاء من جنس العمل وكما تدين تدان، قال -تعالى-: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} (إبراهيم: 27)، ومن وسائل الثبات على منهج السلف ما يلي: العلم بالمنهج قال ابن القيم -رحمه الله-: «السائر إلى الله والدار الآخرة، بل كل سائر إلى مقصد، لا يتم سيره ولا يصل إلى مقصوده، إلا بقوتين قوة علمية وقوة عملية؛ فبالقوة العلمية يبصر منازل الطريق ومواضع السلوك؛ فيقصدها سائرا فيها، ويجتنب أسباب الهلاك، ومواضع العطب، وطرائق المهالك المنحرفة عن الطريق الموصل». العلم بالله -تعالى- وأسمائه وصفاته من أهم أسباب الثبات على المنهج الحق، العلم بالله -تعالى- وأسمائه وصفاته، وكتابه وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وفهم ذلك على منهج السلف الصالح -رضوان الله عليهم- الذين عرفوا مراد الله ومراد رسوله - صلى الله عليه وسلم -؛ فرضي الله عنهم وأرضاهم، فهذه مزية عظيمة مهمة توجب علينا أن نطلب العلم على جادتهم، وأن نحاول فهم الدين بفهمهم؛ لعلنا نحشر معهم، فتلك فضيلة كافية لتحفيز الهمم لمعرفة ما كانوا عليه من الدين الحق ومواصلة السير عليه. معرفة الحق الذي كان عليه السلف من سبل الثبات على الحق، معرفة ما كان عليه السلف -رضوان الله عليهم- في مسائل الدين جميعها، وألا نقدم شيئًا على الحق الواضح بدليله الساطع من كتاب ربنا -سبحانه- وسنة نبينا - صلى الله عليه وسلم -، وفهم سلفنا الصالح من إجماع أو أثر، فالحق لا يعرف بالرجال ولا بالكثرة، وإنما يعرف الحق بالعلم والحجة. دع عنك أراء الرجال وقولهم فقول رسول الله أولى وأشرح فإنك إذا عرفت الحق من الباطل والمحكم من المتشابه، والواضح من المبهم، والمجمل من المبين، والناسخ من المنسوخ، والعام من الخاص فكيف تقلد في دينك الرجال؟ وإذا عرفت السابق من اللاحق، فعرفت أحوال القوم الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، وطلبت اللحاق بهم مع من يطلبون ذلك، وعرفت حال المتأخرين عن ذلك فقد عرفت؛ فالزم. الدعاء بالثبات من الأمور التي يجب ألا تفارق المؤمن مداومة الدعاء بالثبات والتضرع إلى الله -تعالى- بصدق وإخلاص، والإلحاح عليه -سبحانه- بالتوفيق والسداد في القول والعمل، والثبات على الحق والمنهج القويم والصراط المستقيم الذي هداك إليه، فلا تنظر إلى بُنيّات الطريق، ولا تلتفت إلى مدح الناس أو ذمهم؛ فإن ذلك من معوقات الثبات، فعَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: «اللَّهُمَّ يَا مُقَلِّبَ القلوب، ثبت قلوبنا على دينك»، فقلت يا رسول الله، آمنا بك وبما جئت به، فهل تخاف علينا؟ قال: «نعم إن القلوب بين أصبعين من أصابع الله يقلبها كيف يشاء». الصبر والتواصي بالحق الصبر والتواصي بالحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبذل النصيحة وقبولها، من أعظم أسباب الثبات، ومن يتصبر يصبره الله -تعالى-، فإذا صاحبَ ذلك تواضعٌ وحلم فلا تسأل عن عواقبه الحميدة، وثماره السعيدة؛ فقد جعله الله أحد الأسباب الأربعة التي تنجي العبد من الخسارة المحققة في الدنيا والآخرة، قال -جل في علاه-: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |