|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() حديث: ((أنا بريءٌ من كلِّ مسلِمٍ يقيمُ بينَ أظْهُرِ المشرِكينَ)) عصام الدين بن إبراهيم النقيلي عن جرير بن عبدالله، أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّه عليه وسلم بعثَ سريَّةً إلى خثعمٍ، فاعتصمَ ناسٌ بالسُّجودِ، فأسرعَ فيهم القتل، فبلغَ ذلِكَ النبي صلَّى اللَّه عليه وسلم، فأمرَ لَهم بنصفِ العقلِ وقالَ: ((أنا بريءٌ من كلِّ مسلِمٍ يقيمُ بينَ أظْهُرِ المشرِكينَ))، قالوا: يا رسولَ اللَّهِ، ولَمَ؟ قالَ: ((لا تراءى ناراهما))[1]. الشرح: أوَّلًا: فإنَّ سبب اختياري لهذا الحديث، هو أنَّ أحدًا ممَّن يدَّعي العلم، نشر فيديو له على مواقع التواصل الاجتماعي، وشرح هذا الحديث، فأخذ من كل الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنا بريءٌ من كلِّ مسلِمٍ يقيمُ بينَ أظْهُرِ المشرِكينَ))، ولم يراعِ في ذلك سبب الحديث، ولا سياق الكلام، ولا شيئًا من ذلك، ثمَّ حكم بذلك أنَّ كل من يعيش في بلاد الكفر فإنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم بريء منه براءة مِلِّيَّة، فحكم بذلك تصريحًا ولفظًا وليس تلميحًا؛ أنَّ كل مسلم مقيم في أرض الكفر فهو كافر كفرًا أكبرَ مُخْرِجًا من الملَّة، وهذا والله لهو الجهل بعينه، فهذا الذي كفَّر كلَّ المسلمين المقيمين في أراضي الكفَّار، لم ينظر حتَّى إلى قصَّة الحديث، ولم يفهم معنى البراءة، أو سبب هذه البراءة، ولله المشتكى. ثانيًا: فإن هذا الحديثِ الذي يُخبِرُ جَريرُ بنُ عبدِاللهِ رَضِي اللهُ عَنه: "أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بعَث سَريَّةً إلى خَثْعمَ"؛ أي: لِتُقاتِلَهم وتَغزُوَهم، وخَثعَمُ: اسمُ قبيلةٍ في اليمَنِ، "فاعتَصَم ناسٌ"؛ أي: مِن خَثعمَ، "بالسُّجودِ"؛ أي: لَجَؤوا إلى السُّجودِ والصَّلاةِ؛ لإظهارِ أنَّهم مُسلِمون، فتَمتنِع السَّريَّةُ عن قَتْلِهم، "فأسرَع فيهم القتل"؛ أي: عمَد جيشُ المسلمين إلى قَتْلِهم دونَ تَحرٍّ لشَأنِهم؛ "فبلَغ ذلك النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم"؛ أي: علم ما فعَل الجيشُ، وخبَرَ قَتْلِهم للسَّاجدين، "فأمَر"؛ أي: النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم "لهم"؛ أي: لِمَن قُتِلوا مِن المسلمين "بنِصْفِ العَقْلِ"؛ أي: بنِصْفِ الدِّيَةِ، وهذا بيان أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلَّم مقرٌّ بإسلامهم، وإلَّا فما سبب الدية في الحرب ولو كانت نصفها، وقيل في سبب نصف الدية: إنَّ أمْرَه صلَّى اللهُ علَيه بذلك إنَّما كان بعدَ عِلْمِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بإسلامِهم؛ لأنَّهم أعانوا على أنفُسِهم بمُقامِهم بينَ ظَهرانَيِ الكُفَّارِ، وكانوا كمَن هلَك بجِنايةِ نفسِه وجنايةِ غيرِه، فتَسقُطُ حِصَّةُ جِنايتِه مِن الدِّيةِ، وقال صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: ((أنا بَريءٌ من كلِّ مُسلِمٍ))؛ أي: مِن دَمِه، وقيل: مِن مُوالاتِه، وليس بريئًا منه براء مِلَّة والعياذ بالله، بل هو بريء من دمه، كذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في خالد بن الوليد لمَّا بعثه إلى بَنِي جَذِيمَةَ، فَلَمْ يُحْسِنُوا أنْ يقولوا: أسْلَمْنَا، فَقالوا: صَبَأْنَا صَبَأْنَا، مع أنهم مسلمون، فَجَعَلَ خَالِدٌ يَقْتُلُ ويَأْسِرُ، ودَفَعَ إلى كُلِّ رَجُلٍ مِن أصحابه أسِيرَهُ، فأمَرَ كُلَّ رَجُلٍ مِنهم أنْ يَقْتُلَ أسِيرَهُ، فَقال عبدالله بن عمر (راوي الحديث): واللَّهِ، لا أقْتُلُ أسِيرِي، ولَا يَقْتُلُ رَجُلٌ مِن أصْحَابِي أسِيرَهُ، فَذَكَرْنَا ذلكَ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ: ((اللَّهُمَّ إنِّي أبْرَأُ إلَيْكَ ممَّا صَنَعَ خَالِدُ بنُ الوَلِيدِ مَرَّتَيْنِ))[2]، فهل هذه البراءة من صنيع خالد تحكم على خالد بالكفر؟ طبعًا لا، بل معناها وهو ما اتَّفق عليه القوم؛ أي: أعتَذِرُ إليكَ ممَّا فعَلَ خالدٌ، أو إنِّي بَريءٌ مِن أنْ أكونَ قد رَضيتُ بما فعَلَ خالدٌ من قَتلِ هؤلاء، وكذلك في براءة النبي صلى الله عليه وسلم ممَّن يقيم بين ظهراني الكافرين، فهي ليست براءة مِلَّة، بل براءة من دمهم، وممَّا يحدث لهم من شرٍّ ما دامت إقامتهم مع الكفار. وقوله صلى الله عليه وسلم: ((يُقيمُ بينَ أظهُرِ المشرِكين))؛ أي: تَكونُ إقامةُ المسلِمِ بأرضِ المشركين ومُساكَنتُهم بشكلٍ دائمٍ لا ينوي الهجرة إلى أرض الإسلام، ومع ذلك فهو بريء ممَّا يحدث له من شرٍّ بسبب إقامته الدائمة عندهم، لا بريء من إسلامه، فهو مسلم. وبعدما تبيَّن لنا أنَّ البراءة هنا براءة دم وموالاة، نقول: إنَّ هذا المقيم بين أظهر الكافرين ولو كان مسلمًا فهو ليس على خير حتى يهاجر إلى أرض الإسلام إن وُجدت، فإن لم توجد فيجب عليه الهجرة إلى أرض أقل كفرًا، وهكذا... هذا وأسأل الله تعالى أن يُعلِّمنا ما ينفعنا، وينفعنا بما علَّمنا، وأن يزيدنا علمًا، هذا وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وسلم، والحمد لله ربِّ العالمين. [1] أخرجه الترمذي 1604، وصححه الألباني، وقال: صحيح دون الأمر بنصف العقل، وأبو داود برقم 2465، وأخرجه النسائي برقم 4780، وأبو حاتم الرازي في البدر المنير 9 /163، وقد ذهب غير واحد من أئمة الحديث إلى ترجيح كون الحديث مرسلًا وليس مسندًا، منهم أبو حاتم والبخاري والترمذي والنسائي والدارقطني وغيرهم. [2] أخرجه البخاري 4339، من حديث عبدالله بن عمر.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |