الوجيز في مناهج المحدثين للكتابة والتدوين - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1389 - عددالزوار : 140350 )           »          معالجات نبوية لداء الرياء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          التربية بالحوار (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          صور من فن معالجة أخطاء الأصدقاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          في صحوةِ الغائب: الذِّكر بوابة الحضور (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          آيات السَّكِينة لطلب الطُّمأنينة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (العليم, العالم. علام الغيوب) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          سبل إحياء الدعوة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          التساؤلات القلبية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          الحب الذي لا نراه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 04-11-2024, 09:21 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,163
الدولة : Egypt
افتراضي الوجيز في مناهج المحدثين للكتابة والتدوين

الوجيز في مناهج الْمُحَدِّثِين للكتابة والتدوين (1)

د. عبدالسلام حمود غالب

نذكر في هذه السلسلة المختصرة نُبذة يسيرة حول مناهج المحدِّثين؛ عامة أو خاصة، وأهمية معرفة ذلك أن يكون للإنسان القدر اليسير من المعرفة حول آليَّة جمع الحديث وتدوينه، وبالله التوفيق، وعليه الاعتماد.

تعريف مناهج المحدِّثين:
أولًا: معنى المناهج في اللغة:
المناهج جمع منهج، والمنهج، والْمِنهاج، والنَّهج، بمعنًى واحد؛ وهو: الطريق الواضح، أو الطريق المستقيم، ويُقال: نهج الأمرُ، وأنهج: إذا وضح.

ومنه في القرآن الكريم: ﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾ [المائدة: 48]، وقد فُسِّرت لفظة المنهاج في الآية بالسبيل، والسُّنة، والطريق الواضح؛ قال ابن كثير: "أما المنهاج: فهو الطريق الواضح السهل".

ثانيًا: معنى المناهج اصطلاحًا:
لم نجد عند القدامى تعريفًا اصطلاحيًّا لمناهج المحدِّثين، بينما عرفها المعاصرون بعدة تعريفات؛ نختار منها ما يأتي:
1- عرَّفها الدكتور رفعت فوزي عبدالمطلب بأنها: "الطرق الواضحة التي اتبعها المحدِّثون في معالجة قضايا علوم الحديث، من رواية ودِراية"، وهذا التعريف اتَّسم بالإجمال وعدم التفصيل.

2- وعرَّفها الدكتور علي نايف بقاعي، فقال: "هي الطرق التي يسلكها المحدِّثون في رواية الأحاديث، والتعليق عليها، وتصنيفها، بحسب شروط معينة"، ومن خلال التعريف نرى أنه يشمل معظم ما يتعلق بالحديث؛ روايةً وتصنيفًا وضوابطَ.

فروايةُ الأحاديث: يُقصَد بها طرق التحمُّل والأداء الشفوية والكتابية، وتصنيفها: أي: جمعها في كتب ومصنَّفات، وذكره في التعريف على الرغم من كونه متضمنًا في الرواية؛ لأنها قد لا تكون تصنيفًا، كما في مرحلة ما قبل التدوين؛ ومنه: روايات الصحابة والتابعين قبل بَدءِ التصنيف.

بحسب شروط معينة: وهي الصفات التي يشترطها كل محدِّث فيمن يخرِّج لهم في كتابه، والوجه الذي روى به كل راوٍ عن الآخر، والتعليق عليها: وهو تلك الفوائد الفقهية والإسنادية التي يذكرها المصنِّف بعد إيراد الحديث.

أهمية دراسة مناهج المحدِّثين:
لدراسة مناهج المحدثين، ومعرفة أصولهم في مصنَّفاتهم الحديثية، وفي الكتابة في علوم الحديث المختلِفة فوائدُ كثيرةٌ؛ ومنها:
1- معرفة طرق تحمُّل الحديث وأدائه، سماعًا، أو عرضًا؛ ومن ثَمَّ الحكم على سند الحديث اتصالًا وانقطاعًا وغير ذلك.

2- معرفة طرق أصحاب المصنَّفات في تخريج الأحاديث في كتبهم.

3- الوقوف على شروط الأئمة، واختلافهم في ذلك بين مُتشدِّد، ومتساهِل، ومعتدل.

4- معرفة مسالك المحدِّثين في انتقاء أحاديث كتبهم، وطرق ترتيبها، والتبويب عليها، وشرح غريبها، ودفع تعارضها واختلافها، والتعليق عليها.

5- دفع الشُّبَهِ الْمُثارة حول الأئمة المحدِّثين، ومعرفة مكانتهم العلمية، خصوصًا صاحبي الصحيحين؛ لأن الجهل بمناهجهم يُوقِع في الاشتباه في بعض أحكامهم على الأحاديث لدى البعض؛ لجَهْلِهِ بهذا العلم الدقيق.

6- تيسير الاستفادة من المصنَّفات الحديثية؛ لأن الجهل بمنهج مؤلِّف يُبعد ثمرة كتابه عن القارئ.

7- تنمية التفكير العلمي والمنهجي لدى طالب العلم، وإكسابه مهارات البحث العلمي، من خلال التأسِّي بالأئمة المحدِّثين في مناهجهم وإبداعاتهم، وأخذ الفائدة منهم.

المقصود بمناهج المحدثين بشكل عام:
يقصد بمناهج المحدثين: الطرق التي سلكها الأئمة المحدِّثون في رواية الأحاديث، والتعليق عليها، وتصنيفها، بحسب شروط معينة، أو بمعنى آخر: أصولهم في نقدهم الرواةَ ومروياتهم، واصطلاحاتهم في فنِّهم، وشروطهم في تصنيف كتبهم، ومواردهم فيها، وكل ما يتعلق بهذه المسائل.

وقيل: يُقصَد بالمناهج العامة للمحدِّثين: الأساليب والطرق التي سلكها جميع المحدِّثين، أو اتفقوا عليها في طلب الحديث، أو روايته، أو كتابته وضبطه، أو تحمله وأدائه، وسوف نتعرض لأبرز تلك المناهج المتعددة في النقاط الآتية مرتبة حسب المراد:
أولًا: منهجهم في طلب الحديث:
1- إخلاص النية في طلب الحديث الشريف: كان المحدِّثون يحُثُّون طلبة الحديث على إخلاص النية لله جل وعلا في طلب الحديث؛ حتى يحذَرُوا من الدخول في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من تعلَّم علمًا مما يُبتغى به وجه الله عز وجل، لا يتعلمه إلا ليُصيب به عَرَضًا من الدنيا، لم يجد عَرفَ الجنة -أي: ريحها - يوم القيامة))؛ [رواه أبو داود، وابن ماجه].

2- التدرُّج في طلب الحديث والصبر عليه: دأب المحدِّثون على البدء بصغار العلم قبل كباره، والتدرج في الطلب؛ وكان الإمام الزهري يقول: "من طَلَبَ العلم جملةً فاته جملة، وإنما يدرك العلم حديث وحديثان"، وقال أيضًا: "إن هذا العلم إن أخذته بالمكابرة له غَلَبَك، ولكن خُذْه مع الأيام والليالي أخذًا رفيقًا تظفَر به"، وقال معمر بن راشد: "من طلب الحديث جملةً، ذهب منه جملة، إنما كنا نطلب حديثًا وحديثين"، ويقول الإمام النووي: "وينبغي أن يقدِّم - أي طالب الحديث - العناية بالصحيحين، ثم سنن أبي داود، والترمذي، والنسائي، ضبطًا لمشكلها، وفهمًا لخفيِّ معانيها..."، ويجدر بكلِّ من طلب الحديث أن يرجع إلى كتاب الخطيب البغدادي "الرحلة في طلب الحديث"، وإلى كتاب الشيخ عبدالفتاح أبو غدة "صفحات من صبر العلماء".

3 - العمل بالعلم: كانوا يعملون بكل ما يَرُوون من الأحاديث؛ قال الإمام ابن الصلاح: "وليستعمل ما يسمعه من الأحاديث الواردة بالصلاة والتسبيح، وغيرهما من الأعمال الصالحة، فذلك زكاة الحديث"، وقال وكيع: "إذا أردت أن تحفظ الحديث، فاعمل به".

4 - الحفظ والاستظهار: كانوا يعتمدون على الحفظ في تلقِّي الحديث؛ قال الإمام الأوزاعي: "ما زال هذا العلم عزيزًا تلقَّاه الرجال، حتى وقع في الصحف فحمله ودخل فيه مَن هو غيرُ أهلٍ له"، وقال هشيم بن بشير: "من لم يحفظ الحديث، فليس هو من أصحاب الحديث"، ولا يعني هذا إهمال الكتابة؛ قال الخليل: "ما سمعت شيئًا إلا كتبته، ولا كتبته إلا حفِظتُه، وما حفظته إلا نفعني"، وكما يُقال: من حفِظ حُجَّةٌ على من لم يحفظ، ومن حفِظ المتون حاز الفنون.

5- المناصحة وبذل الفائدة: حثَّ المحدِّثون طلبة الحديث على المناصحة، وإفادة بعضهم بعضًا؛ قال عبدالله بن المبارك: "إن أول منفعة الحديث أن يُفيد بعضكم بعضًا".

6- تعظيم المحدِّث وتبجيله: كانوا يُجِلُّون المحدِّث؛ لِما في صدره من العلم؛ قال الإمام النووي: "وينبغي أن يعظِّم شيخه ومن يسمع منه، فذلك من إجلال العلم، وبه يُفتَح على الإنسان، وينبغي أن يعتقد جلالة شيخه ورجحانه، ويتحرَّى رضاه، فذلك أعظم الطرق إلى الانتفاع به".



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 22-11-2024, 04:53 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,163
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الوجيز في مناهج المحدثين للكتابة والتدوين

الوجيز في مناهج الْمُحَدِّثِين للكتابة والتدوين (2)

د. عبدالسلام حمود غالب



ذكرنا سابقًا منهج المحدِّثين في الطلب بصورة مبسطة، مع ذكر أهمية معرفة مناهج المحدِّثين، ونكمل الموضوع بذكر مناهجهم في التحديث والتبليغ للحديث الشريف.

ثانيًا: منهجهم في التحديث:
1- عدم التصدي للتحديث قبل التأهُّل لذلك: كانوا لا يتعجلون الجلوس للتحديث قبل تأهلهم لذلك وإجازتهم؛ قال الإمام ابن الصلاح: "اختُلِفَ في السن التي إذا بلغها، استُحِب له التصدي لإسماع الحديث والانتصاب لروايته، والذي نقوله: إنه متى احتيج إلى ما عنده، استُحب له التصدي لروايته ونشره في أي سن كان".

2- الإمساك عن التحديث عند خوف الاختلاط: كانوا يتوَّرعون عن التحديث إذا كبِرت أعمارهم؛ قال ابن أبي ليلى: "كنا نجلس إلى زيد بن أرقم رضي الله عنه فنقول: حدثنا حدثنا، فيقول: إنا قد كبرنا ونسينا، والحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد"، وقال الإمام النووي: "وينبغي له أن يُمسِك عن التحديث إذا خُشِيَ عليه الـهَرَمُ والخَـرَفُ والتخليط، ورواية ما ليس من حديثه، وذلك يختلف باختلاف الناس"، فالمتأمل لكلام السلف هنا يعرف مدى الاحتياط عندهم حتى لا يقع منهم الخطأ في الرواية والتحديث.

3- توقير من هو أولى منه والدلالة عليه: قال سفيان الثوري لسفيان بن عيينة: ما لك لا تحدث؟ فقال: "أما وأنت حيٌّ، فلا"، وقال الإمام النووي: ولا ينبغي للمحدِّث أن يحدِّث بحضرة من هو أولى منه بذلك، وقيل: يُكرَه أن يحدِّث ببلد فيه من هو أولى منه لسنِّه أو غير ذلك"، وما تم ذكره هنا يدل على الاحترام للعلم والعلماء، وتطبيق ذلك، أما اليوم فيتصدر الجميع للتحديث والفتوى وادعاء العلم الواسع، والتحدث في كل فنٍّ دون الإحسان في ذلك، وهذا انعكس على وجود كثير من الفتاوى غير المنضبطة، وكذلك وجود الاختلاف وتوسُّعه بين العلماء، وبين طلابهم، والمدارس والجامعات المختلفة.

4- توقير مجلس التحديث: كان الإمام مالك بن أنس رحمه الله إذا أراد أن يحدِّث توضَّأ وجلس على صدر فراشه، وسرَّح لحيته، وتمكَّن في جلوسه بوقار وهيبة، وحدَّث، فقيل له، فقال: "أُحبُّ أن أُعظِّم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وقال الإمام ابن الصلاح: "ولا يسرُد الحديث سردًا يمنع السامع من إدراك بعضه، وليفتتح مجلسه وليختمه بذكر ودعاء يليق بالحال".

وهذا الأمر الذي ذُكِرَ لا نكاد نجده الآن إلا من رحم الله؛ لتصدُّر الأمر ممن ليس بأهله.

5- عدم التعجُّل في التصنيف: كانوا لا يتعجلون التصنيف حتى تكتمل مَلَكاتهم ويتأهلون لذلك؛ قال الإمام النووي: "وليشتغل بالتخريج والتصنيف إذا استعدَّ لذلك وتأهل له"، وقال الخطيب البغدادي: "وقلما يتمهر في علم الحديث، ويقف على غوامضه، ويستبين الخفيَّ من فوائده، إلا من جمع متفرِّقه، وألَّف مُشتَّته، وضمَّ بعضه إلى بعض"، أما واقعنا اليوم، فكلٌّ يكتب ويؤلف الكتب المتعددة، دون علم ودراية، ويتصدر دون تمكُّن، فوُجِدَ الخلط ووُجد التعارض هنا وهنا.

6- العناية بطلاب الحديث: كان المحدِّثون يعتنون بطلابهم، ويستغلون مَلَكَةَ الحفظ والفهم في وقت مبكر من أعمار طلابهم، وكان الحسن البصري يقول: "قدِّموا إلينا أحداثكم؛ فإنهم أفرغ قلوبًا، وأحفظ لما سمعوا، فمن أراد الله عز وجل أن يــتم ذلك له أتـمَّه".

ثالثًا: منهجهم في رواية الحديث:
1- عدم الإكثار من الرواية، والاقتصار على قدر الحاجة: كانوا يقلِّلون من الرواية؛ امتثالًا لِما رُوِيَ عن أبي قتادة رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على هذا المنبر: ((إياكم وكثرة الحديث عني، فمن قال عليَّ فليقل حقًّا – أو صدقًا – ومن تقوَّل عليَّ ما لم أقُلْ، فليتبوأ مقعده من النار))؛ [رواه ابن ماجه والحاكم]، ولا يخرِم هذا المنهج وجود بعض الْمُكثرين من الصحابة أو التابعين ومن بعدهم؛ لأن مروياتهم قد احتيج إليها، إضافة إلى أن عدد هؤلاء المكثرين قليل جدًّا، فلا يكون ذلك خرقًا لعدم الميل إلى الإكثار.

2- التثبت من صحة الرواية: كانوا يبذلون كل ما في وسعهم للتثبت من صحة الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال ابن عباس رضي الله عنهما: "إن كنت لأسأل عن الأمر الواحد ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم"، ولم يكن بُعْدُ المسافة عن الرواة مانعًا من التثبت، فقد سنُّوا رضي الله عنهم الرحلة في طلب الحديث، حتى إن شعبة بن الحجاج رحل ألفَ فرسخ في حديث واحد، وكتاب الخطيب البغدادي "الرحلة في طلب الحديث" أكبر شاهد على ذلك، وهذا المنهج مميز ورائع، حُفِظَ به الدين.

3- نقد الروايات: كانوا يعرِضون ما يسمعونه من بعضهم من الحديث على ما يحفظونه من الكتاب والسنة، وما رسخ في أذهانهم من قواعد هذا الدين الحنيف، فما وجدوه موافقًا أخذوا به، وما وجدوه مخالفًا توقَّفوا فيه؛ ولذلك نجد كثيرًا من الروايات فيها مقال، وفيه اعتراض، بيَّنها المحدِّثون بشكل واضح بيِّن، على وَفْقِ منهج المحدثين.

4- عدم التحديث بما يفوق أفهام العامة: أمْسَكَ بعض الصحابة والتابعين ومن بعدهم عن التحديث بما يكون ذريعة للتقصير والتهاون بسبب قصور النظر، أو يكون سُلَّمًا لأهل الأهواء والبدع ومن على شاكلتهم؛ حتى لا تكون فتنة في الأرض وفساد كبير؛ وفي هذا يقول ابن مسعود رضي الله عنه: "ما أنت بمحدِّث قومًا حديثًا لا تبلغه عقولهم، إلا كان لبعضهم فتنة"، وقال أبو هريرة رضي الله عنه: "حفِظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين، فأما أحدهما فَبَثَثْتُه، وأما الآخر فلو بَثَثْتُه قُطع هذا البُلعُوم"، والمراد أنه لم يحدِّث به كل أحد، بل حدَّث به خاصة أصحابه، وذلك ما يتعلق بالفتن وما شجر بين الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، وورد عن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "حدِّثوا الناس بما يفهمونه؛ أتريدون أن يُكذَّب الله ورسوله؟".

5- التقميش عند جمع الحديث، والتفتيش عند الاحتجاج به: كانوا يكتبون كل ما يسمعون دون تمييز، ولكنهم يميِّزون المقبول من غيره إذا أرادوا التحديث؛ قال الإمام أبو حاتم الرازي: "إذا كتبت فقمِّش، وإذا حدثت ففتِّش"؛ وذلك لأهمية كتابة المسائل والاهتمام بصيد الفوائد وتدوينها، ومن ثَمَّ الاهتمام بغربلة تلك المسائل على وفق المناهج المعتبرة، ولا يؤخذ الأمر على عواهنه، وهذا من أساسيات الباحث.

6- الاحتياط عند الشك وتوقير من يحدِّثون عنه: كانوا يحتاطون عند التحديث؛ حتى لا يتقوَّلوا على النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يقل؛ فعن عمرو بن ميمون قال: "ما أخطأني ابن مسعود عشية خميس إلا أتيته فيه، فما سمعته يقول بشيء قط: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كان ذات عشية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فَنَكَسَ، فنظرت إليه فهو قائم مُحلَّلةً أزرارُ قميصه، قدِ اغْرَوْرَقَتْ عيناه، وانتفخت أَوداجُه، قال: أو دون ذلك، أو فوق ذلك، أو قريبًا من ذلك، أو شبيهًا بذلك"، وقال الإمام النووي: "ينبغي له إذا اشتبه عليه لفظة، فقرأها على الشك أن يقول عقيبه: أو كما قال، كما فعل الصحابة فمن بعدهم".

رابعًا: منهجهم في كتابة الحديث وضبطه:
1- آداب كتابة الحديث: كانوا يحافظون على كتابة الصلاة والتسليم على رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذكره، وكانوا يستحبون أن يكون الخطُّ محققًا، وكانوا يتَّسمون بحسن الخط والدقة العالية.

2- ضبط الحروف المهملة والفصل بين الأحاديث: كانوا لا يقتصرون على ضبط الحروف المعجمة بالنقاط، بل كانت الحروف المهملة لها علامة أيضًا، وكان من عادتهم أن يضعوا دائرة بين كل حديثين للفصل بينهما.

3- التصحيح والتَّضْبِيب: كانت لهم علامات في مروياتهم التي دوَّنوها، ومن ذلك التصحيح؛ فإنه يكون بكتابة "صح" على الكلام أو مقابله في الحاشية، ولا يفعل ذلك إلا فيما صحَّ روايةً ومعنًى، غير أنه عُرضة للشك أو الخلاف، فيُكتب عليه "صحَّ" ليُعرف أنه لم يُغفَل عنه، وأنه قد ضُبِط وصحَّ على هذا الوجه.

وأما التضبيب - ويسمى أيضًا التمريض - فهو أن يجعل رمز "صــ" فوق الكلام الذي صح وروده من جهة النقل، غير أنه فاسد لفظًا أو معنًى، أو ضعيفٌ أو ناقص، أو أن يكون في الإسناد إرسال أو انقطاع.

4- الجمع بين اختلاف الروايات: كانوا لا يخلِطون بين الروايات ولا يُلفِّقون بينها، وإذا وصل إلى أحدهم الحديث من عدة طرق وبألفاظ مختلفة، فإنه يعتمد أوثق الروايات عنده، ثم يبين ما وقع فيه التخالف من زيادة أو نقص، أو إبدال لفظ بلفظ، أو حركة إعراب أو نحوها، وقد يستعمل بعضهم خطوطًا بألوان مختلفة يدل كل منها على رواية مختلفة.

5- الإشارة بالرمز: كانوا يختصرون بعض الكلمات التي يكثُر ذكرها، في الكتابة فقط، وينطقون بها كاملة دون اختصار، ومن ذلك: حدثنا = ثنا = نا = دثنا، أخبرنا = أنا = أرنا، (ح) عند تحويل السند، ولا يدخل في ذلك اختصار الصلاة والتسليم على النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ لم يفعل ذلك أحدٌ من السابقين.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 65.64 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 63.51 كيلو بايت... تم توفير 2.13 كيلو بايت...بمعدل (3.24%)]