صبح الأعشى بشرح حديث الأبرص والأقرع والأعمى - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         انتقاء الأفكار (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          الشعوبية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          الرد على من يصف الصحابة بالنفاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          الزاهدون في السعادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          من فوائد صلاة الفجر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          البِلى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          ومن يتصبر يصبره الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          العناية بالقرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          علاج الشح والبخل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          واعظ الصيف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 04-11-2024, 09:06 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 155,149
الدولة : Egypt
افتراضي صبح الأعشى بشرح حديث الأبرص والأقرع والأعمى

صُبْحُ الأعشى بشرح حديث الأبرص والأقرع والأعمى

أبو عاصم البركاتي المصري

أخرج البخاري ومسلم، واللفظ للبخاري، عن عَبْدالرَّحْمَنِ بن أَبِي عَمْرَةَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، حَدَّثَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: ((إِنَّ ثَلاَثَةً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ: أَبْرَصَ وَأَقْرَعَ وَأَعْمَى، بَدَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مَلَكًا، فَأَتَى الأَبْرَصَ، فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: لَوْنٌ حَسَنٌ، وَجِلْدٌ حَسَنٌ، قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ، قَالَ: فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ عَنْهُ، فَأُعْطِيَ لَوْنًا حَسَنًا، وَجِلْدًا حَسَنًا، فَقَالَ: أَيُّ المَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الإِبِلُ - أَوْ قَالَ: البَقَرُ، هُوَ شَكَّ فِي ذَلِكَ: إِنَّ الأَبْرَصَ، وَالأَقْرَعَ، قَالَ أَحَدُهُمَا: الإِبِلُ، وَقَالَ الآخَرُ: البَقَرُ - فَأُعْطِيَ نَاقَةً عُشَرَاءَ، فَقَالَ: يُبَارَكُ لَكَ فِيهَا، وَأَتَى الأَقْرَعَ فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: شَعَرٌ حَسَنٌ، وَيَذْهَبُ عَنِّي هَذَا، قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ، قَالَ: فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ وَأُعْطِيَ شَعَرًا حَسَنًا، قَالَ: فَأَيُّ المَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: البَقَرُ، قَالَ: فَأَعْطَاهُ بَقَرَةً حَامِلًا، وَقَالَ: يُبَارَكُ لَكَ فِيهَا، وَأَتَى الأَعْمَى فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: يَرُدُّ اللَّهُ إِلَيَّ بَصَرِي، فَأُبْصِرُ بِهِ النَّاسَ، قَالَ: فَمَسَحَهُ فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ بَصَرَهُ، قَالَ: فَأَيُّ المَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ الغَنَمُ، فَأَعْطَاهُ شَاةً وَالِدًا، فَأُنْتِجَ هَذَانِ وَوَلَّدَ هَذَا، فَكَانَ لِهَذَا وَادٍ مِنْ إِبِلٍ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنْ بَقَرٍ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنْ غَنَمٍ، ثُمَّ إِنَّهُ أَتَى الأَبْرَصَ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ، فَقَالَ: رَجُلٌ مِسْكِينٌ، تَقَطَّعَتْ بِيَ الحِبَالُ فِي سَفَرِي، فَلاَ بَلاغَ اليَوْمَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ، أَسْأَلُكَ بِالَّذِي أَعْطَاكَ اللَّوْنَ الحَسَنَ، وَالجِلْدَ الحَسَنَ، وَالمَالَ، بَعِيرًا أَتَبَلَّغُ عَلَيْهِ فِي سَفَرِي، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ الحُقُوقَ كَثِيرَةٌ، فَقَالَ لَهُ: كَأَنِّي أَعْرِفُكَ، أَلَمْ تَكُنْ أَبْرَصَ يَقْذَرُكَ النَّاسُ، فَقِيرًا فَأَعْطَاكَ اللَّهُ؟ فَقَالَ: لَقَدْ وَرِثْتُ لِكَابِرٍ عَنْ كَابِرٍ، فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا، فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ، وَأَتَى الأَقْرَعَ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِهَذَا، فَرَدَّ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا رَدَّ عَلَيْهِ هَذَا، فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا، فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ، وَأَتَى الأَعْمَى فِي صُورَتِهِ، فَقَالَ: رَجُلٌ مِسْكِينٌ، وَابْنُ سَبِيلٍ، وَتَقَطَّعَتْ بِيَ الحِبَالُ فِي سَفَرِي، فَلاَ بَلاغَ اليَوْمَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ، أَسْأَلُكَ بِالَّذِي رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ شَاةً أَتَبَلَّغُ بِهَا فِي سَفَرِي، فَقَالَ: قَدْ كُنْتُ أَعْمَى فَرَدَّ اللَّهُ بَصَرِي، وَفَقِيرًا فَقَدْ أَغْنَانِي، فَخُذْ مَا شِئْتَ، فَوَاللَّهِ لاَ أَجْهَدُكَ اليَوْمَ بِشَيْءٍ أَخَذْتَهُ لِلَّهِ، فَقَالَ: أَمْسِكْ مَالَكَ، فَإِنَّمَا ابْتُلِيتُمْ، فَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْكَ، وَسَخِطَ عَلَى صَاحِبَيْكَ)).

معاني الكلمات:
أَبْرَصَ: مرض يُحدِث بياضًا وتشوُّهًا في الجلد، وهو البهاق.
أقرع: هو الأصلع أو الأجلح.
أعمى: من فَقَدَ بصر عينيه.
بَدَا لِلَّهِ: أراد الله، أو سبق في علمه فأراد إظهاره[1]، وفي روايةِ مسلم: ((أَرَادَ اللَّه أَنْ يَبْتَلِيهِم)).
يَبْتَلِيَهُمْ: يختبرهم ويمتحنهم.
عُشَرَاءَ: ولدها في بطنها.
وَتَقَطَّعَتْ بِيَ الحِبَالُ: أي الأسباب.
فَلاَ بَلاغَ اليَوْمَ: أي لا وصول إلى مرادي.
لاَ أَجْهَدُكَ: لَا أَشُقُّ عَلَيْكَ فِي رَدِّ شَيْءٍ تَطْلُبُهُ مِنِّي أَوْ تَأْخُذُهُ.
سخط: غضب.

فوائد الحديث:
الفائدة الأولى: الحديث من الإسرائيليات المنقولة بالسند الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، نقلها النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أُوحِيَ إليه بها؛ لأن النبيَّ لم يشهد ذلك الزمان، ولا هو جلس لمعلم قطُّ.

الفائدة الثانية: الإسرائيليات في الحديث النبوي ثلاثة أنواع:
الأول منها: ما نُقل بالسند الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا مقبول.

الثاني: ما نُقِلَ عن أهل الكتاب ولا يخالف دين الإسلام، فهذا لا يُصدَّق ولا يُكذَّب؛ أخرج البخاري عن ‌أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية، ويفسِّرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذِّبوهم، وقولوا: ﴿ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا ﴾ [البقرة: 136])).

الثالث: مردود وهو ما نُقِلَ بأسانيدَ مكذوبةٍ، أو ما فيه من النكارة الظاهرة، وكذا ما يخالف دين الإسلام قرآنًا وسُنَّة، أو ما عُلِم كذبه مما أخبر به اليهود والنصارى - كافترائهم على الله ورسوله - فلا يَسَعُ المسلمَ إلا أن يكذِّبهم فيما قالوا.

الفائدة الثالثة: في الحديث دليلٌ على أن السُّنَّة وحيٌ من الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجلس لمعلم قطُّ، فلا سبيل لمعرفة مثل هذه القصص إلا بالوحي؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ﴾ [النجم: 3 - 5].

الفائدة الرابعة: التذكير بالقصص من قصص السالفين للعِبرة والعِظة؛ قال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [يوسف: 111].

الفائدة الخامسة: وجوب الإيمان بالملائكة، وأن الملائكة تأتي في صورة إنسان؛ أي: على غير صورتهم الحقيقية؛ أخرج مسلم عن عمر بن الخطاب قال: ((بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، إذ طلع علينا رجل شديدُ بياضِ الثياب، شديد سواد الشعر، لا يُرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم... فذكر الحديث المشهور وفي آخره، ثم قال لي: يا عمرُ، أتدري من السائل؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإنه جبريلُ أتاكم يعلِّمكم دينكم)).

الفائدة السادسة: الابتلاء بالنِّعم مثلُ الابتلاء بالمحن والمصائب؛ قال تعالى: ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ﴾ [الملك: 2]، وقال تعالى: ﴿ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ﴾ [آل عمران: 179]، وقال تعالى: ﴿ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الأعراف: 168]، وقال تعالى: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [الأنفال: 28]، وقال سبحانه: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ [الأنبياء: 35].

قال ابن كثير في تفسيره (5/ 342): "أي: نختبركم بالمصائب تارة، وبالنِّعم أخرى، لننظر من يشكر ومن يكفر، ومن يصبر ومن يقنط.

وعن ابن عباس قال: نبتليكم بالشر والخير فتنة، وبالشدة والرخاء، والصحة والسُّقم، والغِنى والفقر، والحلال والحرام، والطاعة والمعصية، والهدى والضلال"؛ [انتهى].

وأخرج مسلم عن صهيب بن سنان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن: إن أصابته سرَّاءُ شَكَرَ فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرَّاءُ صَبَرَ فكان خيرًا له)).

الفائدة السابعة: الابتلاء بالمرض وبالنقائص في البدن.

وذلك مثل البَرَصِ والصَّلع، والعمى والعَوَر، والحَوَل والعَرَجِ، وفَقْدِ الأطراف أو شيء منها؛ قال تعالى: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 155 - 157].

فعلى المبتلى أن يتحلَّى بالصبر، وليحتسب أجره؛ قال تعالى: ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216].

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن عِظَمَ الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحبَّ قومًا ابتلاهم، فمن رضِيَ فله الرضا، ومن سخِط فله السَّخَط))؛ [رواه الترمذي (2396) وحسنه، وابن ماجه (4031)].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله، حتى يلقى الله وما عليه خطيئة))؛ [رواه الترمذي (2399) وصححه].

وعن جابر رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يَوَدُّ أهل العافية يوم القيامة حين يُعطى أهلُ البلاء الثوابَ لو أن جلودهم كانت قُرِضت في الدنيا بالمقاريض))؛ [رواه الترمذي (2402)، وحسنه الألباني في "صحيح الترمذي"].

وروى البخاري (5645) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من يُرِدِ الله به خيرًا يُصِب منه))، ومعنى (يصب منه): يبتليه بالمصائب ليُثيبه عليها؛ والله تعالى يقول: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10].

وعن عبدالله بن مسعود، عند البخاري (5660)، ومسلم (2571) رفعه: ((ما من مسلم يُصيبه أذًى، مرضٌ فما سواه، إلا حطَّ الله له سيئاته، كما تحطُّ الشجرة ورقها)).

وعن سعد بن أبي وقاص، عند ابن ماجه (4023)، والترمذي (2561)، والنسائي في "الكبرى" (7439) قال: ((قلت: يا رسول الله، أيُّ الناس أشد بلاء؟ قال: الأنبياء، ثم الأمثلُ فالأمثل، يُبتلى الرجل على حسَبِ دينه، فإن كان دينه صُلبًا، اشتدَّ بلاؤه، وإن كان في دينه رِقَّةٌ، ابتُليَ على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة)).

وهذا عطاء بن أبي رباح كانت فيه مجموعة من الإعاقات، ومع ذلك ساد أهل زمانه بالعلم، وكان يُنادَى في موسم الحج: "لا يفتي الناس إلا عطاء بن أبي رباح".

جاء في ترجمته في "سير أعلام النبلاء" (5/ 80): أنه – رحمه الله - كان أعورَ، أشلَّ، أفطس، أعرج، أسود، وقُطعت يده مع ابن الزبير، وأصابه العمى بعد ذلك.

ومع ذلك ساد أهلَ العافية والسلامة في زمانه.

الفائدة الثامنة: جواز إصلاح ما طرأ من عيوب على البدن؛ مثل: زرع الشعر، وإصلاح الأنف، وتقويم الأسنان، وهذا مستفاد من طلب الأبرص أن يُشفَى من البرص، وكذا الأقرع أن يُعطى الشعر، والأعمى طلب البصر، والنفوس مجبولة على حب التمام؛ والله سبحانه يقول: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ [التين: 4]، وأخرج الترمذي، وأبو داود، والنسائي، وأحمد، وحسنه الألباني عن عبدالرحمن بن طرفة، عن عرفجة بن أسعد قال: ((أُصيب أنفي يوم الكلاب في الجاهلية، فاتخذت أنفًا من وَرِقٍ، فأَنْتَنَ عليَّ، فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتخذ أنفًا من ذهب)).

وأخرج أحمد، عن ابن مسعود، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما أنزل الله داءً، إلا قد أنزل له شفاءً، علِمه من علِمه، وجهِله من جهِله)).

الفائدة التاسعة: بيان طلاقة قدرة الله تعالى.
المعروف أن البرص ليس له دواء معلوم في علم البشر إلى الآن، وكذا بعض الأمراض كالعمى الذي ضمُرت فيه أعصاب العين والبصر، إلا أن الله تعالى لا يُعجزه شيء، فهو على كل شيء قدير، وهو يحيي الموتى ويبعثهم، ويحيي العظام وهي رميم، فأبرأ الأبرص وبدَّله الجلد الحسن واللون الحسن، وكذا أنبت للأقرع شعره مرة أخرى، وأبرأ الأعمى بردِّ بصره؛ والله يقول: ﴿ إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [النحل: 40].

الفائدة العاشرة: النفوس مفطورة على حبِّ المال.
وهذا مستفاد من طلب الثلاثة أصنافًا من بهيمة الأنعام؛ لدفع الفقر، والزيادة من المال والثَّراء والغِنى؛ قال الله تعالى: ﴿ وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا ﴾ [الفجر: 20]، وقال: ﴿ وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ ﴾ [العاديات: 8].

وفي الصحيحين عن أنس بن مالك، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لو كان لابن آدم وادٍ من ذهب، أحبَّ أن له واديًا آخرَ، ولن يملأ فاه إلا التراب، والله يتوب على من تاب)).

وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن هذا المال خَضِرَةٌ حُلوة، فمن أخذه بحقه، ووضعه في حقه، فنعم المعونة هو، ومن أخذه بغير حقه، كان كالذي يأكل ولا يشبع)).

وحذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من التكاثر في المال، والحرص عليه، والإمساك به؛ فأخرج البخاري عن أبي ذرٍّ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الأكثرين هم الأقلُّون، إلا من قال بالمال هكذا وهكذا - وأشار بين يديه وعن يمينه وعن شماله - وقليلٌ ما هم))، وفي رواية ابن ماجه: ((الأكثرون هم الأسفلون يوم القيامة، إلا من قال بالمال، هكذا، وهكذا، وكَسَبَهُ من طيب)).

وكذا حذَّر صلى الله عليه وسلم من الكسب الحرام؛ فقال صلى الله عليه وسلم: ((لَيأتِيَنَّ على الناس زمان، لا يبالي المرء بما أخذ المال، أمن حلال أم من حرام))؛ [صحيح البخاري برقم: (2083)].

الفائدة الحادية عشرة: ذم البخل والحرص على كَنْزِ المال.
في الحديث دلالة على ذمِّ البخل بالمال، وذلك لما أمسلك الأوَّلان عن الصدقة بقليل من المال؛ قال تعالى: ﴿ هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾ [محمد: 38]، وقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ ﴾ [التوبة: 34، 35]، وقال سبحانه: ﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [آل عمران: 180].

وفي الصحيحين قوله صلى الله عليه وسلم: ((إياكم والشحَّ؛ فإن الشُّحَّ أهَلَكَ من كان قبلكم، أمرهم بالبخل فبخِلوا، وأمرهم بالظلم فظلموا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا)).

وأخرج مسلم عن جابر بن عبدالله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((اتقوا الظُّلم؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشُّحَّ؛ فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلُّوا محارمهم)).

وأخرج مسلم عن أبي هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من صاحب ذهبٍ ولا فضة، لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة، صُفِحت له صفائحُ من نار، فأُحمِيَ عليها في نار جهنم، فيُكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بَرَدَتْ أُعيدت له، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يُقضى بين العباد، فيرى سبيله، إما إلى الجنة، وإما إلى النار، قيل: يا رسول الله، فالإبل؟ قال: ولا صاحب إبل لا يؤدي منها حقها، ومن حقها حلبها يومَ وِردِها، إلا إذا كان يوم القيامة، بُطِحَ لها بقاعٍ قرقرٍ، أوفرَ ما كانت، لا يَفْقِدُ منها فصيلًا واحدًا، تَطُؤه بأخْفَافِها وتعَضُّه بأفواهها، كلما مرَّ عليه أُولاها رُدَّ عليه أُخراها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يُقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة، وإما إلى النار، قيل: يا رسول الله، فالبقر والغنم؟ قال: ولا صاحب بقر، ولا غنم، لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة بُطِحَ لها بقاعٍ قرقرٍ، لا يفقد منها شيئًا، ليس فيها عَقْصَاءُ، ولا جَلْحَاء، ولا عَضْبَاء، تنطَحُهُ بقرونها وتطؤه بأظْلافِها، كلما مرَّ عليه أُولاها رُدَّ عليه أُخراها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يُقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة، وإما إلى النار)).

وأخرج أحمد والترمذي، عن كعب بن مالك الأنصاري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما ذئبان جائعان أُرسِلا في غنم بأفسدَ لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه)).

وأخرج البخاري عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((تعِس عبدُالدينار، وعبدُالدرهم، وعبدُالخَمِيصة، إن أُعطِيَ رَضِيَ، وإن لم يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وانتكس، وإذا شِيكَ فلا انْتَقَشَ)).

الفائدة الثانية عشرة: وجوب شكر الله.
ومن فوائد الحديث وجوب شكر الله على نعمه، ومن الشكر على المال النفقةُ منه في مرضاة الله تعالى، والاستعانة به على طاعة الله تعالى؛ قال سبحانه: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ﴾ [البقرة: 152]، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ [البقرة: 172]، وقال جل وعلا: ﴿ فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ [النحل: 114]، وقال: ﴿ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ ﴾ [سبأ: 15].

وقد عدَّد الله تعالى نِعَمَه على داود وسليمان عليهما السلام، ثم أمرهم بشكره؛ فقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ * يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [سبأ: 10 - 13].

وانظر إلى قارونَ الذي آتاه الله المال والكنوز فلم يقُم بشكرها؛ قال الله تعالى: ﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ * وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ﴾ [القصص: 81، 82].

الفائدة الثالثة عشرة: الاعتراف بنِعَمِ الله شُكرٌ.
ومن فوائد الحديث بيانُ وجوب الاعتراف والإقرار بنِعَمِ الله، وأن ذلك من شُكْرِ النِّعم، فقد اعترف الرجل الذي كان أعمى لما قال: "قد كنت أعمى فردَّ الله بصري، وفقيرًا فقد أغناني"، وجحد الآخران؛ الأبرص والأقرع لما قالا: "لقد ورثت لكابرٍ عن كابر"، وهو مثل قول قارون: ﴿ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ﴾ [القصص: 78]، وفي دعاء سيد الاستغفار قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أبُوءُ لك بنعمتك عليَّ، وأبوء بذنبي، فاغفر لي؛ فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت))؛ [أخرجه البخاري].

ومعنى أبُوء: أُقِرُّ وأعترف بالنعمة.

وأخرج أحمد عن النعمان بن بشير قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر: ((من لم يشكر القليل، لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس، لم يشكر الله عز وجل، والتحدث بنعمة الله شُكرٌ، وتركها كفرٌ، والجماعة رحمة، والفرقة عذاب)).

الفائدة الرابعة عشرة: شكر الله على النِّعَمِ سبب لبقائها والزيادة فيها.

وهذا مستفاد من الحديث؛ لقول الْمَلَكِ للذي كان أعمى: "أمْسِكْ مالك، فإنما ابتُليتم، فقد رضِيَ الله عنك، وسخِط على صاحبيك"؛ والله يقول: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7]، قال عز وجل: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ [النحل: 112]، وقد كان من دعائه عليه الصلاة والسلام: ((اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك))؛ [صحيح مسلم برقم: (2739)].

قد رُوِيَ عن علي رضي الله عنه قوله: "إن النعمة موصولة بالشكر، والشكر متعلق بالمزيد، وهما مقرونان في قرن، فلن ينقطع المزيد من الله حتى ينقطع الشكر من العبد"؛ [شعب الإيمان للبيهقي برقم: (4207)].

وقال الحسن البصري: "إن الله لَيُمتِّع بالنعمة ما شاء، فإذا لم يُشكَر، قَلَبها عليهم عذابًا"؛ [الشكر لله، لابن أبي الدنيا برقم: (17)].

الفائدة الخامسة عشرة: حقُّ المال النفقة منه في مرضاة الله.

حقُّ المال إخراج زكاته والنفقة منه في وجوه البِرِّ؛ قال تعالى: ﴿ وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 22]، وقال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ [سبأ: 39]، وقال سبحانه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ﴾ [فاطر: 29، 30].

وأخرج الترمذي وصححه، من حديث أبي كبشة الأنماري عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنما الدنيا لأربعة نفرٍ؛ عبدٍ رزقه الله مالًا وعلمًا فهو يتقي فيه ربه، ويصِل فيه رَحِمَه، ويعلم لله فيه حقًّا، فهذا بأفضل المنازل، وعبدٍ رزقه الله علمًا ولم يرزقه مالًا فهو صادق النية يقول: لو أن لي مالًا لَعمِلْتُ بعمل فلان، فهو بنيَّتِه، فأجرهما سواء...)).

الفائدة السادسة عشرة: ابن السبيل له حق في الزكاة.

والسبيل هو الطريق، وابن السبيل هو المسافر الذي انقطع به السفر؛ أي: ليس معه من النفقة ما يرجع به إلى بلده، فيُعطى من الزكاة ما يُبلِّغه مقصده، شريطة ألَّا يكون سفره لمعصية؛ لأن صرف الزكاة إليه إعانة على المعصية؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 60].

وفي الحديث قولُ الْمَلَكِ عن نفسه لما تصوَّر في صورة رجل: "مسكين، تقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ اليوم إلا بالله ثم بك"، فدلَّ على أن لابن السبيل حقًّا في المال في شرع مَن قبلَنا، وقد جعل له في الإسلام سهمٌ في الزكاة المفروضة.

الفائدة السابعة عشرة: ذم الكِبْرِ والجحود بفضل الله ونِعَمِهِ.

بعض الناس إذا استغنى وكثُر ماله يتكبَّر على خلق الله؛ قال تعالى: ﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ﴾ [العلق: 6، 7].

وهذا صاحب الجنتين لما رأى ماله وثماره قال لصاحبه: ﴿ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا ﴾ [الكهف: 34]، وهذا قارونُ صاحب المال والجاه والسلطان، الذي أنكر نعمة الله عليه وجَحَدَ فضله؛ فقال: ﴿ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ﴾ [القصص: 78]، فقال تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ ﴾ [القصص: 78]، فماذا كان المصير الذي ينتظر استكباره وجحوده؟! ﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ ﴾ [القصص: 81].

وفي الحديث يقول الأبرص والأقرع: "لقد ورثت لكابرٍ عن كابر"، فكذب وجحد فضل الله؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ﴾ [النحل: 53]، وقال: ﴿ مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ ﴾ [النساء: 79].

الفائدة الثامنة عشرة: إثبات صفات الرضا والغضب والسخط لله تعالى.

وذلك مستفاد من الحديث في قول الملك: "فقد رضِيَ الله عنك، وسخِط على صاحبيك"، والله تعالى متصف بصفة الرضا والغضب، والسخط والكراهية، على الوجه اللائق بالله تعالى، بغير تشبيه أو تمثيل بين الله تعالى وخلقه، فهي عند أهل الحق صفات حقيقية لله عز وجل، على ما يليق به سبحانه، ولا تُشبِهُ ما يتصف به المخلوق من ذلك، ولا يلزم منها ما يلزم في المخلوق.

قال تعالى: ﴿ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ﴾ [المائدة: 119]، فيه إثبات صفة الرضا لله، وفيه إثبات صفة الرضا للمخلوق، ورضا الله يختلف عن رضا المخلوق.

وقوله: ﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 93]، ويقول سبحانه وتعالى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ﴾ [محمد: 28]، ففيه إثبات السخط لله عز وجل، وهو بمعنى الكره.

ويقول الله عز وجل: ﴿ وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ ﴾ [التوبة: 46]، وهذه فيه إثبات صفة الكُره، ويقول: ﴿ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: 3]، والمقت هو الكره أيضًا.

هذا ما تيسَّر، والله وحده من وراء القصد.
وصلى الله وسلم وبارك على النبي محمد وآله وصحبه.

[1] وَلَيْسَ الْمُرَاد أَنَّهُ ظَهَرَ لَهُ بَعْد أَنْ كَانَ خَافِيًا لِأَنَّ ذَلِكَ مُحَال فِي حَقِّ اللَّه تَعَالَى.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 72.34 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 70.68 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.31%)]