|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() حديث الآحاد والعقل مركز جنات للدراسات من أعجب العجب.. عفوًا! ما كان ينبغي أنْ أصف ذلك بالعجب حتى أترُكَك أيُّها القارئ تحكُم بنفسك على ما سأقول لك من حال هؤلاء الذين أنا بصَدَدِ وَصْفِ حالهم. قومٌ يُحاوِلون إقناعَك بأنَّ حديث الآحاد ليس بحجَّة، ويأتُونك بكلِّ ما يستَطِيعون من حُجَجٍ وقرائن على هذا، ثم يقولون: من أجل ذلك لا نستَطِيع أنْ نَقبَل من الأحاديث إلاَّ ما يُوافِق القُرآن؛ فما وافَقَه أخَذنا به، وما لم يُوافِقه فهو غير صحيح، وما جاء مُستَقِلاًّ من غير موافقة ولا مُخالَفة، فهو من الفَضائل والزِّيادات؛ مَن شاء أخَذ به، ومَن لم يأخُذ به فلا شيءَ عليه. إلى هنا وهي شِنشِنة نَعرِفها من أخزم، لكن اسمع ماذا يقولون بعد ذلك. يقولون: ينبغي أنْ نُوافِق على حتميَّة تأويل الآيات القرآنيَّة؛ لأنَّ ظواهرها يستَحِيل أنْ تكون صحيحةً، ثم يضربون عشرات الأمثلة على آياتٍ لا يصحُّ الأخْذ بظواهرها، إلى هنا ينتهي كلامهم. وأنا أعرض عليك - أيها القارئ - كلامَهم، ولن أفنِّده بأدلَّة شرعيَّة، ولن أقول: الكتاب والسنَّة، ولن أقول: إنَّ الإجماع منعقد على خِلاف ما يقولون، ولكن سأجادلهم بالعقل وحدَه؛ لأنَّ هذا لا يَحتاج لمعرفةٍ ولا لبحثٍ في بطون الكتب، وإنْ كنتُ مُوقِنًا أنهم لا يخلُون من صفتين: الأولى: أنهم حَمقَى لا يعقلون؛ لأنَّ كلامهم لا يُعقَل - كما سيأتي بيانُه. الثانية: أنهم ضالُّون أصحاب أهواء يَعرِفون الحقَّ ويستَعمِلون السَّفسَطة لإثْبات الباطل. والحقُّ أنهم مزاج بين هذا وذاك. وتوضيح ذلك: أنهم أصلاً أصحاب أهواء، ولكن ليس بدرجة أنْ يعلموا أنهم على باطل ويُسَفسِطون؛ ولكن هَواهم بدرجةٍ بحيث يَسمَحون للشيطان أنْ يتَغلغَل داخِلَهم ويُملِي عليهم ما يَشاء من حُجَجٍ مموّهة لا تصحُّ عقلاً أصلاً، ولكنَّها تَرُوج عليهم وتَرُوج على بعض الحَمقَى ممَّن تميل نفوسُهم لذلك. وقد تبيَّنت أنَّ الحمق وحدَه غالِبًا لا يُسبِّب الضَّلال، ولا سيَّما والحمق دَرجات أصلاً، ولكن مَن كان عنده هَوى ولو قليلاً وكان أحمق، فإنَّ الهوى القليل الذي عنده يحمله على الضَّلال، ويَسِير به حيث يَشاء. أمَّا بَيان أنَّ ما قالوه لا يصحُّ عقلاً - فضلاً عن عدم صحَّته شرعًا - فهو أنهم لم يجعَلُوا في الأحاديث حجَّة إلاَّ ما وافَق القُرآن؛ حسنًا، وكيف نَعرِف أنَّ هذا وافَق القرآن وهذا لم يُوافِق؟ هل القرآن له تفسيرٌ واحد لا نِقاش فيه؟ إنَّ الذين أوجبوا الوَلِيَّ في النِّكاح استدلُّوا بالقرآن، والذين لم يُوجِبوه استدلُّوا بالقرآن... وهكذا في كثيرٍ من المسائل، بل جُلُّ المسائل الفرعيَّة التي ورَد فيها نصٌّ قرآني تجد الخلاف فيها، فبأيِّ فهْم للقرآن نجعَلُه فَيْصلاً في قبول الحديث وردِّه؟ ولكنْ لنفرض أنَّ للقرآن معنى نجعَلُه فَيْصلاً، وهذا المعنى هو ما يَظهَر من الآيات دون نظرٍ لاختِلاف أقوال فيها، فإِذًا ظاهر القرآن هو الفَيْصل، ولكنَّهم يقولون بحتميَّة تأويل الآيات القرآنية؛ لأنَّ ظاهرها غير مراد حتمًا! فإنْ قيل: كيف عرَفتُم أنَّ ظاهرها غير مُراد؟ لا ردَّ لكم إلاَّ شيء من ثلاث: • عرفتم ذلك من القرآن. • عرفتم ذلك من السنَّة. • عرفتم ذلك من العقل. وواضح أنَّ الثاني غير وارد؛ لأنَّهم يُنكِرون ما خالَف القرآن من السنَّة أصلاً، وكذلك الأوَّل غير صحيح؛ لأنَّ إيجاب تأويل موضع من القرآن لحمله على موضع آخَر، تحكُّم محض، فلم يبقَ لهم إلاَّ الثالث، وهو العقل! إذًا ففهمُكم للقرآن يكون بالعقل! ولكن أي عقل؟ هل العقول متَّحدة؟ الجواب: إمَّا أنْ تقولوا: نَفهَم القرآن بعَقلِنا فقط، وإمَّا أنْ تقولوا: كل إنسانٍ يَفهَم حسب عقله، فإنْ قُلتُم بالثاني، جعلتُم لكلِّ إنسانٍ شرعًا خاصًّا به، وإنْ قلتم بالأول كان حاصل كلامهم إنكار الشَّرع من أصله؛ لأنَّكم جعَلتُم مردَّ السنَّة للقرآن، ومردَّ القرآن للعقل، إذًا فلا شرعَ لكم، وإنما شرعُكم عقولُكم وأهواؤكم. والحقيقة أنَّ هذا هو مُرادُهم؛ لكنَّهم لا يستطيعون التَّصرِيحَ به؛ فهم يُرِيدون التحرُّر من الشَّرع أصلاً، ويتَّبِعون ما يحلو لهم، وينطَبِق عليهم قوله - تعالى -: ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ﴾ [الجاثية: 23]، وإذ لم يستطيعوا التصريح به - لأن ذلك كفرٌ جَلِيٌّ مبين - ذهَبُوا كلَّ مذهبٍ في الوَسوَسة كالشياطين، ويُحاوِلون زَعزَعة أوتاد الدِّين واحدًا واحدًا، حتى إذا لم يبقَ إلاَّ العمود، كان انهيارُه سهلاً وهو غير مثبت بالأوتاد. والمُضحِك في قولهم أنهم قالوا: لا نَقبَل من السنَّة إلاَّ ما وافَق القرآن، مع أنَّ القرآن يأمُرهم بعكس ذلك؛ لأنهم ردُّوا فهْم السنَّة لفهم القرآن، والقرآن جعَل فهمه مردودًا للسنة؛ فقال - تعالى -: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ﴾ [النحل: 44]، وهذه الآية واضِحَة الدلالة جدًّا في أنَّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - هو المكلَّف بتبيين القرآن للناس، ولم يَقُل الله - تعالى -: وأنزلنا إليك الذِّكر لتصمت ويَفهَمه الناس كما يَشاؤون، ولا يُصدِّقون ما تأتيهم به إلاَّ ما وافَق القرآن. فإنْ قالوا: إنَّ الأحاديث فيها صحيح وضعيف ومكذوب، قلنا: نعم، ولكن صعُبَ عليكم أنْ تتعَبُوا في طلَب العِلم فتعرفوا الصحيحَ من الضعيف، فآثَرتُم الدَّعَة والراحة، وصدَق فيكم قول عمر - رضي الله عنه -: أصحاب الأهواء أعداء السُّنَن؛ أعيَتْهم الأحاديث أنْ يحفَظُوها... إلخ. والعجيب أنَّهم يُصرِّحون بذلك من غير حَياءٍ، فقال واحدٌ من أحمق حمقاهم، وأجهل جهلائهم: "... وإذا شغل نفسه بالأحاديث، فكُتُب الأحاديث كثيرة، وكُتُب الجرح والتعديل كثيرة، وكُتُب الموضوعات كثيرة، والمستدرك على الأحاديث كثيرٌ، ويَلزَم لدارس الأحاديث دِراسَة عِلم أصول الفقه والفقه أيضًا والتفسير، ثم إنَّ التفاسير كثيرةٌ، ويَلزَم لمعرفتها معرفة علوم القرآن ومعرفة النحو والصرف والبلاغة، ومع هذا يَفنَى العمر ويَمُوت العالم وفي نفسه شيءٌ كان يُرِيد معرفته ولم يُسعِفه الوقت، فدس اليهود الباطل من القول في الأحاديث الصحيحة غرضهم منه قتل الوقت بلا فائدة... اليهود يَكتُبون في كتبهم أنَّ المسلمين لهم قدم صدق في المحافظة على السنَّة، ويثنون عليهم أنهم كتبوا في الجرح والتعديل؛ وذلك ليغترَّ المسلمون ويَزدادوا تمسُّكًا بالسُّنَّة، وإذ يجتمعون على العمل بالشريعة لا يقدرون؛ لأنَّ في الأحاديث أحاديث مُتَعارِضة، وأيضًا فيها ما يُعارِض القُرآن في المعنى، فإنْ أخَذوا بالقرآن فقط ثار عليهم العوام، وإنْ أخَذُوا بالقُرآن والسُّنَّة يَلزَم أنْ يَترُكوا بعض السُّنَّة، وهي المُعارَضة بالقرآن، وعندئذٍ يَثُورُ العوامُّ وأنصافُ المتعلِّمين وذوو الأغراض الدنيويَّة الرخيصة، وإنْ تحاشوا الثورة يَلزَمهم تَعطِيلُ الشريعة - وهذا هو هدف اليهود - وإنْ عطَّلُوا الشريعة فإنهم إذ يُعطِّلونها لا يَكُونون مُسلِمين ويستحقُّون عِقابَ الله وغضبه". هذا كلامُه، والحمق الذي فيه أكبر من أنْ يُوصَف، والجهل الذي فيه أعظم من أنْ يُنعَت، ولو قلتُ: إنَّه مأجورٌ من قِبَلِ اليهود، لم أبعد؛ إذ فيما قال - وليس في التمسُّك بالسنة - تعطيل الشريعة. وبعدما قلنا: إنَّ التأويل للنص الشرعي بمحملٍ بعيدٍ بغير دليلٍ، يُعَدُّ تقوُّلاً على الله ورسوله وضلالاً مبينًا، نقول: إنَّ التأويل الصحيح هو الذي يَجعَل النُّصوص الشرعيَّة تتَّحِد وتتَّسِق ولا يُوجَد بينَها تناقضٌ ولا تعارضٌ، والذين يَزعُمون حتميَّة تأويل الآيات القرآنيَّة نقول لهم: "أأنتم أعلم أم الله"؟ إنْ أوَّلتُم الآية بدليلٍ فلا خِلاف، أمَّا أنْ تَرفُضوا الآية بعقولكم أو الحديث، فهذا ما لا يقوله إلاَّ مَن اتَّخَذ إلهه هواه. مثال للتأويل الصحيح: قول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((المسلم مَن سلم المسلمون من لسانه ويده))، ظاهره أنَّ تعريف المسلم هو ذلك، ولكنَّ النصراني الذي يَسلَم المسلمون من لسانه ويده، وكذلك اليهودي والمجوسي - ليسوا بِمُسلِمين بالإجماع، فلمَّا تَعارَض ظاهر النصِّ مع الإجماع، بحثنا له عن تأويلٍ سائغ يتَّفِق وما تَقولُه العرب، ولا يبعد عن مُراد الشارِع، وهو أنَّ معنى الحديث: المسلِم الحق الذي ينبَغِي أنْ يكون على صفته مَن أسلم هو: مَن سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده؛ أي: يا أيُّها الذي أسلم بلسانه، ينبغي لك لكي يحسن إسلامُك أنْ يَسلَم المسلمون من لسانك ويدك، ولا يَجُوزُ أنْ يُفهَم من الحديث أنَّ المغتاب كافِرٌ مثلاً؛ فهذا مخالفٌ لإجماع المسلمين، فنحن لجأنا للتأويل؛ لكيلا يَتعارَض النصُّ مع الإجماع المقطوع به. مثال ثانٍ: قول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا يُؤمِن أحدُكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه))، الظاهر: أنَّ الإيمان يُحمَل على حقيقته، وأنَّ نفيَه نفيٌ للإيمان؛ أي: إثبات للكفر؛ أي: خروج عن الملَّة، ويندر في هذا الزمان أنْ تجد مَن يحبُّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه؛ وعليه: فجُلُّ هؤلاء كفَّار، وهذا ما لم يقل به أحدٌ؛ وإنما معنى هذا النص وأمثاله: أنَّ من صفات المؤمن الحق أنَّه يَفعَل ذلك، ولا يُؤمِن أحدكم الإيمانَ الكامل حتى يَفعَل ذلك، فهو ناقص الإيمان إنْ لم يفعل ذلك، والإيمان يزيد وينقص على مذهب أهل الحق والتحقيق، ويلزم مَن قال بأنَّ الإيمان لا يزيد ولا ينقص أنْ يكفر مَن لم يلتزم بهذا الحديث ونحوه لأنَّه نفي للإيمان. مثال ثالث: قول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((دينار تُنفِقه في سبيل الله، ودينار تنفقه في كذا.... ودينار تُنفِقه على أهلك، أعظَمُها أجرًا الذي أنفَقتَه على أهلك)). نقول: الأصل أنَّ الحديث على ظاهره وعمومه، فإذا أنفَقَ الرَّجل على أهلِه حاجتهم وزادَهم عليها حتى نعموا، ثم أراد أنْ يُنفِق دينارًا، فهل الأفضل إنفاقها على مسكين أو على أهله؟ لا يختلف اثنان في أنَّ التصدُّق في تلك الحال أفضَلُ، والحديث على ذلك مُؤوَّل بما يَكفِي أهله؛ فمعناه: الدِّينار الذي تُنفِقه في حاجات أهلك الضروريَّة أفضَلُ من الذي تُنفِقه على المساكين، فظاهِرُ الحديث من العموم غير مُراد بالإجماع؛ لأنَّه لو كان مُرادًا لأغلق باب الصدقة من أساسه، بل يُعلَم من حال السَّلَف أنهم كانوا يقتَصِرون في نفقاتهم على الضروريَّات فقط ويتصدَّقون بالباقي، وربما آثَرُوا الفُقَراء على أنفُسِهم بالطيِّبات، فالحديث محمولٌ على ضروريَّات المعيشة. والحمد لله ربِّ العالمين.
__________________
|
#2
|
|||
|
|||
![]() جزاك الله خيرا ونفع بك |
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |