لا تقدموا بين يدي الله ورسوله - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4956 - عددالزوار : 2059963 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4532 - عددالزوار : 1328224 )           »          نباتات منزلية تمتص رطوبة الصيف من البيت.. الصبار أبرزها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          طريقة عمل برجر الفول الصويا.. وجبة سريعة وصحية للنباتيين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          4 وسائل علمية لتكون أكثر لطفًا فى حياتك اليومية.. ابدأ بتحسين طاقتك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          وصفة طبيعية بالقهوة والزبادى لبشرة صافية ومشرقة قبل المناسبات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          3 عادات يومية تزيد من تساقط الشعر مع ارتفاع درجات الحرارة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          6 خطوات فى روتين الإنقاذ السريع للبشرة قبل الخروج من المنزل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          تريندات ألوان الطلاء فى صيف 2025.. الأحمر مع الأصفر موضة ساخنة جدًا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          طريقة عمل كرات اللحم بالبطاطس والمشروم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28-06-2024, 07:47 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,655
الدولة : Egypt
افتراضي لا تقدموا بين يدي الله ورسوله

﴿ لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾

محمد حباش

عن ابن أبي مليكة، أن عبدالله بن الزبير، أخبرهم: (أنه قدم ركب من بني تميم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر: أَمِّر القعقاع بن معبد بن زُرارة، قال عمر: بل أَمِّر الأقرع بن حابس، قال أبو بكر: ما أردت إلا خلافي، قال عمر: ما أردت خلافك، فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما، فنزل في ذلك: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الحجرات: 1]، حتى انقضَتْ)[1].


ومعنى التقدم: السَّبْق، قال تعالى: ﴿ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُون [الأنبياء: 27]؛ أي: لا يصدر منهم قول قبل قوله.


فقوله تعالى: ﴿ لا تُقَدِّمُوا من غير ذكر مفعول، يتناول كل ما يقع في النفس مما يُقدَّم.


فلا تقولوا حتى يقول، ولا تأمروا حتى يأمر، ولا تُفتوا حتى يفتي، ولا تقطعوا أمرًا حتى يكون هو الذي يحكم فيه ويُمضيه.


والقول الجامع في معنى الآية: ألَّا يُقدَّم علمٌ ولا قولٌ ولا فعلٌ بين يدي (أَمَامَ) الكتاب والسنة.


وقال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ [الحجرات: 2].


قال ابن أبي مليكة: "كاد الخيِّران أن يهلكا أبو بكر وعمر رضي الله عنهما"[2]، فإن كان هذا في الخيِّرَيْنِ اللذين قال فيهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذان السمع والبصر"[3]، فكيف بما دونهما.


قال ابن الزبير: "فما كان عمر يُسْمِعُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية حتى يَسْتَفْهِمَهُ"[4].


فإذا كان رفع أصواتهم فوق صوته صلى الله عليه وسلم سببًا لحبوط أعمالهم، فكيف بمن قدَّموا آراءهم وعقولهم وأهواءهم عليه بعد موته، ومن خالفه بعد مماته فكأنما خالفه في حياته.


والصحابة رضي الله عنهم قد ضربوا أروع الأمثلة بعد نزول هذه السورة، فلا يقترح منهم مقترح على الله ورسوله، ولا يدلي منهم أحد برأي لم يطلب منه أن يدلي به، ولا يقضي برأيه في أمر أو حكم إلا أن يرجع قبل ذلك إلى قول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم.

حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألهم عما يعلمونه قطعًا في حجة الوداع، فيتحرجون أن يجيبوا إلا بقولهم: الله ورسوله أعلم، خشية أن يكون في قولهم تقدم بين يدي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، قال لهم: "أتدرون أي يوم هذا؟"، قالوا: الله ورسوله أعلم، حتى ظننا أنه سيسميه سوى اسمه، فقال: "أليس بيوم النحر؟" قلنا: بلى، يا رسول الله، قال: "فأي شهر هذا؟" قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: "أليس بذي الحجة؟"، قلنا: بلى، يا رسول الله، قال: "فأي بلد هذا؟" قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: حتى ظننا أنه سيسميه سوى اسمه، قال: "أليس بالبلدة؟"، قلنا: بلى، يا رسول الله، قال: "فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، فليبلغ الشاهد الغائب"[5].


فمن آداب العلم والفتوى: تعلُّم (الله أعلم، لا أدري) لما لا تعلمه؛ لأنك إذا قلت: (لا أدري) عُلِّمت حتى تدري، وإن قلت: (أدري) سألوك حتى لا تدري.


وحين سأل الله الملائكة، لم يستحوا أن يقولوا: لا نعلم، كما قال سبحانه: ﴿ قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [البقرة: 32].


ومن آداب التعلم: أن تبدأ بالكتاب والسنة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تركت فيكم أمرين، لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله، وسنة رسوله"[6]، ولن يكون التمسك عن جهل.


قال النووي في مقدمة كتابه "المجموع شرح المهذب"، وهو من أهم كتب الفقه: (وأول ما يُبتدأ به حفظ القرآن العزيز، فهو أهم العلوم، وكان السلف لا يُعلِّمون الحديث والفقه إلا لمن حفظ القرآن).


ولا ينبغي للعقل أن يتقدّم بين يدي الشَّرع، فإنَّه من التقدُّم بين يدي اللَّه ورسوله، قال تعالى: ﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء: 85]، وقال الخضر لموسى صلى الله عليه وسلم (وهو نبيّ) لما نقر عصفور نقرة من البحر: "ما علمي وعلمك من علم الله، إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر"[7].


كما أن أقوال أهل العلم مهما علا شأنهم يُحتج لها بالأدلة الشرعية، ولا يُحتج بها على الأدلة الشرعية، وتذكر وتورد في المعارضات والالتباس، لكن لا تُقدم بين يدي الله ورسوله. قال ابن القيم: (ومن له علم بالشرع والواقع يعلم قطعًا أن الرجل الجليل الذي له في الإسلام قَدَمٌ صالحة وآثار حسنة -وهو من الإسلام وأهله بمكان- قد تكون منه الهفوة والزلة فيما هو فيها معذور، بل مأجور لاجتهاده، فلا يجوز أن يُتَّبع فيها، ولا يجوز أن تُهدر مكانتُه وإمامته ومنزلته من قلوب المسلمين)[8].


ومن موجبات الإيمان تقديم حب الله ورسوله على حب ما سواهما، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يُقذف في النار"[9].


ولا شك أن من علامات حب الله ورسوله: النصيحة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة" قلنا لمن؟ قال: "لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم".


قال الخطابي: (فمعنى النصيحة لله سبحانه صحة الاعتقاد في وحدانيته، وإخلاص النية في عبادته، والنصيحةُ لكتاب الله الإيمانُ به والعمل بما فيه، والنصيحةُ لرسوله التصديقُ بنبوته وبذل الطاعة له فيما أمر به ونهى عنه، والنصيحة لأئمة المؤمنين أن يطيعهم في الحق وألَّا يرى الخروج عليهم بالسيف إذا جاروا، والنصيحةُ لعامة المسلمين إرشادُهم إلى مصالحهم)[10].


وقال القاضي عياض: (اعلم أن من أحبَّ شيئًا آثره وآثر موافقته، وإلا لم يكن صادقًا في حبه وكان مدعيًا، فالصادق في حب النبي صلى الله عليه وسلم من تظهر علامة ذلك عليه، وأولها:الاقتداء به واستعمال سنته، واتباع أقواله وأفعاله، وامتثال أوامره واجتناب نواهيه، والتأدُّب بآدابه في عسره ويسره، ومنشطه ومكرهه، وشاهد هذا قوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران: 31].


وإيثار ما شرعه على هوى نفسه وموافقة شهواته، قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ [الحشر: 9][11].


وقد أحسن من قال:
تَعصي الإلهَ وأنتَ تزعمُ حُبَّهُ
هذا لعمري في القياسِ شنيعُ
لو كانَ حُبُّك صادقًا لأطعته
إن المحب لمن يحب مطيعُ


وقال -رحمه الله-: (ومخالفة أمره وتبديل سنته ضلال وبدعة، متوعد من الله تعالى عليه بالخذلان والعذاب)[12]، قال تعالى: ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور: 63]، وقال سبحانه: ﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النساء: 115]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَلَا لَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ، أناديهم ألا هلم، فيقال: إنهم قد بدَّلوا بعدك، فأقول: سُحْقًا سُحْقًا"[13].

فالبدع بجميع أنواعها، العقدية والقولية والفعلية من التقدُّم بين يدي الله ورسوله، وهي أشدُّ التقدم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وإياكم ومحدثات الأمور، فإنَّ كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة"[14].

وصدق صلى الله عليه وسلم، فإن حقيقة حال المبتدع أنه يستدرك على الله ورسوله ما فات، كأنه يقول: إن الدين لم يكمل، وأنه كمَّله بما أتى به من البدعة، وهذا معارض لقوله تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة: 3].


وما أخطر المضلين للأمة! الذين يتخذون من كتاب الله وسنة رسوله مادة للتضليل، يلوون ألسنتهم به، ويحرفونه عن مواضعه، ويؤولون نصوصه لتوافق أهواء معينة، ويشترون بهذا كله ثمنًا قليلًا.

وهؤلاء الذين ينسبون إلى الدين ظلمًا، يحترفون الدين، ويسخرونه في تلبية الأهواء، ويحرفون الكلم عن مواضعه من أجل حطام يأخذونه، يفعلون هذا ويحسبون أنهم يحسنون صنعًا.


فما جاء عن الله ورسوله يجب أن يُتلقَّى بالسمع والطاعة، والقبول والانقياد، كما قال سبحانه: ﴿ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [النور: 51].


وإذا ثبت الحكم عن الله ورسوله، فإنه يجب اتباعه والأخذ به، كما قال سبحانه: ﴿ اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ [الأعراف: 3].


وقد أمر الله عزَّ وجلَّ جميع المؤمنين باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع الأحوال والأزمان؛ كما قال سبحانه: ﴿ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [الأعراف: 158].


وكل من خالف أمر الله ورسوله أو عارض ذلك فهو مستحق للعقوبة، كما قال سبحانه: ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور: 63].


وحذَّر سبحانه المؤمنين من القول على الله بلا علم، كما قال سبحانه: ﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ [النحل: 116].


ويحرم الإفتاء بغير علم، فإن الحلال ما أحَلَّه الله ورسوله، والحرام ما حَرَّمه الله ورسوله، فلا يحل لأحد أن يفتي إلا بما يعلمه يقينًا من كتاب الله وسنة رسوله، كما قال سبحانه: ﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ [النحل: 116].


ومن أفتى بغير علم فعليه إثم من أضَلَّهم، كما قال سبحانه: ﴿ لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ [النحل: 25].


وقال سبحانه: ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء: 36].


وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ"[15].


فلا يجوز لأحد أن يفتي أو يقضي في دين الله بما يخالف النصوص، ولا يجوز الاجتهاد والتقليد مع وجود النص.


قال بعض العلماء: ما أُخرج آدم من الجنة إلَّا بتقديم الرأي على النَّص، وما لُعِنَ إِبْلِيسُ وغُضِبَ عليه إلَّا بتقديم الرأي على النَّص، ولا هلكت أُمَّة من الأمم إلَّا بتقديم الرأي على النَّص.


ومن الأدب معه صلى الله عليه وسلم تقديم قوله والعمل به، ولا يوقف قبول ما جاء به على موافقة أحد أو فتواه، فكل هذا من قلة الأدب معه، وهو عين الجرأة على سنته وهديه: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا [الأحزاب: 36].


فلا يستشكل قوله صلى الله عليه وسلم، بل تُستشكل الآراء لقوله، ولا يعارض نصه بقياس بل تهدر الأقيسة وتلقى لنصوصه، ولا يحرف كلامه عن حقيقته لخيال يسميه أصحابه معقولًا.


ومن الأدب معه صلى الله عليه وسلم تقديم الصلاة عليه قبل دعاء المسلم لنفسه، فعن فضالة بن عبيد، قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد إذ دخل رجل فصلَّى، فقال: اللهم اغفر لي وارحمني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عجلت أيها المصلي، إذا صليت فقعدت، فاحمد الله بما هو أهله، وصلِّ عليَّ، ثم ادعه". قال: ثم صلى رجل آخر بعد ذلك، فحمد الله، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أيها المصلي ادْعُ تُجَبْ"[16].


وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "إن الدعاء موقوف بين السماء والأرض، لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك صلى الله عليه وسلم"[17].
ومن أشراط الساعة، وقد جاء أشراطها، تقديم من يحفظ بعض القرآن لحسن صوته، على من يحفظه كله ليصلي بالناس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بادروا بالأعمال ستًّا[18]: إمارة السفهاء، وكثرة الشرط[19]، وبيع الحكم[20]، واستخفافًا بالدم[21]، وقطيعة الرحم، ونشوًا[22] يتخذون القرآن مزامير[23]، يقدمون أحدهم ليغنيهم[24] وإن كان أقلهم فقهًا"[25]، وهذا من التقدم بين يدي الله ورسوله، وقد خالفوا رسولهم صلى الله عليه وسلم، الذي قال: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء، فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء، فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء، فأقدمهم سلمًا"[26].

فمن أصول عقيدة أهل السنة والجماعة في منهج التلقي والاستدلال: اتباع ما جاء في كتاب الله عز وجل، وما صحَّ من سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ظاهرًا وباطنًا، والتسليم لها، قال الله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 36]، فلا يقدمون على كلام الله، وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم كلام أحد من الناس، ويعلمون بأن التقدم بين يدي الله ورسوله من القول على الله بغير علم، وهو من تزيين الشيطان واتِّباع الهوى، والعقل الصريح عندهم يوافق النقل الصحيح، وعند الإِشكال يقدمون النقل الصحيح.

والتقدم بين يدي سنته صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، كالتقدم بين يديه في حياته.

سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، وصلِّ اللهم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وسلِّم تسليمًا كثيرًا.

[1] صحيح البخاري: 4367.

[2] صحيح البخاري: 4845.

[3] صحيح الترمذي: 3671.

[4] صحيح البخاري: 4845.

[5] صحيح مسلم: 30 - (1679).

[6] مشكاة المصابيح: (1/ 66/ 186).

[7] صحيح البخاري: 4448.

[8] إعلام الموقعين: (3/ 294).

[9] صحيح البخاري: 16

[10] معالم السنن: (4/ 126).

[11] الشفا بتعريف حقوق المصطفى - صلى الله عليه وسلم - للقاضي عياض، 2/ 24.

[12] الشفا بتعريف حقوق المصطفى - صلى الله عليه وسلم - للقاضي عياض، 2/ 559.

[13] صحيح مسلم: 39 - (249).

[14] صحيح أبي داود: 4607.

[15] متفق عليه.

[16] صحيح الترمذي: 3476.

[17] صحيح الترغيب والترهيب: 1676.

[18] إذ يعسر العمل ويصعب فيما بعدها.

[19] الشرطة.

[20] بأخذ الرشوة عليه.

[21] عدم مبالاة بسفكه وعدم الاقتصاص من القاتل.

[22] غلمان.

[23] وفيه: أن حسن الصوت لا اعتبار به في الإمامة.

[24] يتغنون به ويتمشدقون ويأتون به بنغمات مطربة، وقد كثر ذلك في هذا الزمان، وانتهى الأمر إلى التباهي بإخراج ألفاظ القرآن عن وضعها.

[25] الصحيحة: 979.

[26] صحيح مسلم: 290 - (673).





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 68.57 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 66.90 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.43%)]