{يا عيسى إني متوفيك} - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4518 - عددالزوار : 1311403 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4943 - عددالزوار : 2041980 )           »          تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1174 - عددالزوار : 132249 )           »          3 مراحل لانفصام الشخصية وأهم أعراضها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          متلازمة الشاشات الإلكترونية: كل ما تود معرفته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          ما هي أسباب التعرق الزائد؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          أضرار الوجبات السريعة على الأطفال: عواقب يُمكنك تجنبها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          الوقاية من القمل بالقرنفل: أهم الخطوات والنصائح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          علاج جفاف المهبل: حلول طبيّة وطبيعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          الوقاية من القمل في المدارس: دليل شامل للأهل والمعلم! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 27-06-2024, 05:54 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,857
الدولة : Egypt
افتراضي {يا عيسى إني متوفيك}

﴿ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ ﴾

د. خالد النجار



﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ * فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ * وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾[آل عمران: 55 - 57].

﴿ إِذْ ﴾ اذكر إذ ﴿ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَىوفيه فضيلة عيسى ومنقبة له بخطاب الله إياه، فإن من خاطبه الله، فذلك فخر له بلا شك، خصوصًا أنه قال له أيضًا: ﴿ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [آل عمران: 55]، وذلك بالدفاع عنه مما نسبوه إليه من الزور والبهتان.

﴿ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ ﴾ التوفي لغة: أخذ الشيء كاملًا غير ناقص، والعرب تقول: توفَّى فلانٌ دَيْنَه يتوفَّاه، فهو متوفٍّ له: إذا قبضه وحازه إليه كاملًا من غير نقص.

فمعنى: ﴿ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ ﴾ في الوضع اللغوي؛ أي: حائزك إليَّ كاملًا بروحك وجسمك... قال مطر الوراق: متوفيك من الدنيا وليس بوفاة موت، وكذا قال ابن جرير: توفِّيه هو رَفْعه.

وقال الأكثرون: المراد بالوفاة ها هنا: «وفاة المنام»؛ أي: ورافعك وأنت نائم، حتى لا يلحقك خوف، وتستيقظ وأنت في السماء آمن مقرب؛ كما قال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ﴾ [الأنعام: 60].

وقال تعالى: ﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الزمر: 42].

وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول إذا قام من النوم: ((الْحَمْدُ لله الَّذِي أحْيَانَا بَعْدَمَا أمَاتَنَا وإلَيْهِ النُّشُورُ))؛ [البخاري]، فكل من النوم والموت يصدق عليه اسم التوفي، وهما مشتركان في الاستعمال العرفي.

فالصحيح أنها وفاة نوم؛ لأن الله عز وجل لما أراد أن يرفعه إلى السماء أنامه ليسهل عليه الانتقال من الأرض إلى السماء؛ لأن الانتقال من الأرض إلى السماء ليس بالأمر الهيِّن؛ لطول المسافة وبُعْدها، ورؤية الأهوال فيما بين السماء والأرض وفي السموات أيضًا، فأنامه الله ثم رفعه نائمًا حتى وصل إلى السماء.

قال الله تعالى: ﴿ وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا * وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ ﴾ [النساء: 156، 157] إلى قوله تعالى: ﴿ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا * وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ﴾ [النساء: 157 - 159].

والضمير في قوله: ﴿ قَبْلَ مَوْتِهِ ﴾ عائد على عيسى عليه السلام؛ أي: وإن من أهل الكتاب إلا يؤمن بعيسى قبل موت عيسى، وذلك حين ينزل إلى الأرض قبل يوم القيامة، فحينئذٍ يؤمن به أهل الكتاب كلُّهم؛ لأنه يضع الجزية ولا يقبل إلا الإسلام.

قال قتادة وغيره: هذا من المقدم والمؤخر، تقديره: إني رافعك إليَّ ومتوفيك، يعني بعد ذلك.

أما قوله تعالى: ﴿ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي ﴾ [المائدة: 117]، فدلالته على أن عيسى مات منفية من وجهين:
الأول منهما: أن عيسى يقول ذلك يوم القيامة، ولا شك أن يموت قبل يوم القيامة، فإخباره يوم القيامة بموته، لا يدل على أنه الآن قد مات كما لا يخفى.

والثاني منهما: أن ظاهر الآية أنه توفي رفع وقبض للروح والجسد، لا توفي موت.

وإيضاح ذلك أن مقابلته لذلك التوفي بالديمومة فيهم في قوله: ﴿ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي ﴾ [المائدة: 117]، تدل على ذلك؛ لأنه لو كان توفي موت، لقال: ما دمت حيًّا، فلما توفيتني؛ لأن الذي يقابل بالموت هو الحياة كما في قوله: ﴿ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ﴾ [مريم: 31].

أما التوفي المقابل بالديمومة فيهم، فالظاهر أنه توفي انتقال عنهم إلى موضع آخر.

وفيه إثبات منقبة لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وذلك أن النبي أُسري به إلى السموات السبع حتى اخترقها كلها وهو يقظان، وعيسى لم يُرفع إلا وهو نائم، ومعلوم أن ثبات قلب من يباشر الشيء وهو يقظان أقوى من ثبات من يباشره وهو نائم.


﴿ وَرَافِعُكَ ﴾ إلى السماء ﴿ إِلَيَّ ﴾ ظاهر في رفع الجسم والروح معًا كما لا يخفى.

والحاصل أن القرآن العظيم على التفسير الصحيح والسنة المتواترة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كلاهما دالٌّ على أن عيسى حيٌّ، وأنه سينزل في آخر الزمان، وأن نزوله من علامات الساعة، وأن معتمد الذين زعموا أنهم قتلوه ومن تبعهم هو إلقاء شبهه على غيره، واعتقادهم الكاذب أن ذلك المقتول الذي شبه بعيسى هو عيسى. وقد عرفت دلالة الوحي على بطلان ذلك.

وفيه ثبوت علو الله تعالى بذاته؛ لقوله: ﴿ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ؛ لأن الرفع معروف أنه الصعود إلى أعلى، فإذا قال: ﴿ إِلَيَّ؛ علم يقينًا أن الله عز وجل فوق، وهو كذلك، هو فوق كل شيء بذاته.


ولا ينافي هذا ما ثبت من أنه عز وجل ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، هو النازل وهو عالٍ، ولا ينافي هذا أيضًا أنه مع الخلق؛ كما قال عز وجل: ﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ﴾ [الحديد: 4]، فهو مع الخلق، وهو عالٍ عليهم، كما قال شيخ الإسلام في الواسطية: "عليٌّ في دنوِّه، قريب في علوِّه".


ولا ينافي هذا أيضًا أنه يأتي يوم القيامة للفصل بين العباد، فهو يأتي ولكنه فوق كل شيء، ولا ينافي هذا أنه يدنو عشية يوم عرفة يباهي بأهل الموقف الملائكة.


فإذا قال قائل: كيف لا ينافي هذا، أنا لا أتصور أن شيئًا يكون عاليًا نازلًا أبدًا.


قلنا: أنت لا تتصور هذا بالنسبة للمخلوق، أما بالنسبة للخالق فكل ما أخبر الله به عن نفسه فهو حق لا يتناقض، وليس فيه غير ممكن أبدًا.

إذا قلت: لا يمكن، معناه أنك لن تصدق أخبار الله ورسوله إلا إذا وافقت هواك وإلا فلا.. ولهذا ضلَّ مَنْ ضَلَّ من الناس في مثل هذه الأمور حيث قالوا: هذا غير ممكن، وبنوا عقيدتهم على أهوائهم.


إذا كنت تريد أن تبني عقيدتك على هواك، فما الفائدة من الرسل؟ لا فائدة من الرسل، إذا كنت أنت تريد أن تبني العقيدة على ما تهوى أنت، وإذا جاءت الرسل بكلام يخالف ما عندك ذهبتتُحرِّفه؛ إذن لا فائدة من الرسل.


ولهذا ينبغي أن يقبل المسلم كل ما جاء في الكتاب والسنة من صفات الله عز وجل، ومن صفات اليوم الآخر أيضًا؛ لأنه في اليوم الآخر أشياء لا تكون في الدنيا: دُنُو الشمس من الناس قدر ميل يوم القيامة، ولو كان في الدنيا لاحترقت الأرض ومَن عليها، لكن أحوالالآخرة شيء آخر، وأحوال الناس مختلفة، هذا في نور، وهذا في ظلمة، والموقف واحد. أما في الدنيا فغير ممكن، فلو أتيت بأدنى سراج معك لانتفع به مَن إلى جانبك.


وفي الآخرة الناس يعرفون على قدر أعمالهم بالعَرَق، فمنهم من يلجمه العرق، ومنهم من يكون العرق إلى كعبيه والمقام واحد.


فأمور الآخرة وأمور الغيب كلها لا يجوز لك أن تقيسها بما تشاهده في الدنيا؛ لأن القياس هنا ممتنع، فهو قياس مع الفارق لا سيما في صفات الخالق عزَّ وجل، فإن الفارق بعيد بين صفات الخالق وصفات المخلوق؛ ولذلك حذارِ أن تقيس ما أثبت الله لنفسه من صفاته جل وعلا بما تعرفه من صفات المخلوقين؛ فإنك ستضل لا محالة.


﴿ وَمُطَهِّرُكَ ﴾ تطهيرًا معنويًّا لا تطهيرًا حسيًّا ﴿ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ يريد مُنزِّهه من تهم اليهود الباطلة؛ إذ قالوا ساحر وابن زنى، ومبعده من ساحة مجتمعهم الذي تعفن بكفرهم والخبث والشر والفساد.. جعل الذين كفروا دنسًا ونجسًا فطهَّره منهم؛ لأن صحبة الأشرار وخلطة الفُجَّار تتنزل منزلة الدنس في الثوب.

ويستفاد من هذا أولًا: كفر هؤلاء، وثانيًا: أن كل من رماه بذلك فهو كافر؛ لأنه لم يقل: "مطهرك من الذين قدحوا فيك".

﴿ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَاتبعوا شريعتك ﴿ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾ وقد أنجز الله تعالى وعده، فأعَزَّ أهل الإِسلام ونصرهم، وأذلَّ اليهود والكُفَّار وأخزاهم.

وهذه الأخبار الأربعة ترتيبها في غاية الفصاحة، بدأ أولًا: بإخباره تعالى لعيسى أنه متوفيه، فليس للماكرين به تسلُّط عليه ولا توصُّل إليه.

ثم بشَّره ثانيًا: برفعه إلى سمائه وسكناه مع ملائكته وعبادته فيها، وطول عمره في عبادة ربه.

ثم ثالثًا: برفعه إلى سمائه بتطهيره من الكُفَّار، فعَمَّ بذلك جميع زمانه حين رفعه، وحين ينزله في آخر الدنيا، فهي بشارة عظيمة له أنه مطهر من الكفار أولًا وآخرًا.

ولما كان التوفي والرفع كل منهما خاص بزمان، بدأ بهما. ولما كان التطهير عامًّا يشمل سائر الأزمان أخر عنهما، ولما بشَّره بهذه البشائر الثلاث، وهي أوصاف له في نفسه، بشَّره برفعة أتباعه فوق كل كافر، لتقرَّ بذلك عينه، ويسرُّ قلبه.

ولما كان هذا الوصف من اعتلاء تابعيه على الكُفَّار من أوصاف تابعيه، تأخَّر عن الأوصاف الثلاثة التي لنفسه؛ إذ البداءة بالأوصاف التي للنفس أهم، ثم أتبع بهذا الوصف الرابع على سبيل التبشير بحال تابعيه في الدنيا، ليكمل بذلك سروره بما أوتيه، وأوتي تابعوه من الخير.

وهذه الآية مما يطبل بها النصارى اليوم ويقولون: نحن لنا العلو إلى يوم القيامة، ليس إلى أن بُعِث محمد؛ ولكن إلى يوم القيامة. فنقول: نعم صدق الله العظيم، إن الذين يتبعون عيسى لهم النصر على الكافرين إلى يوم القيامة، ولكن من الذين اتبعوا عيسى؟ هم الذين ردوا بشارته وكذبوا بمن بشَّر به؟! لا أبدًا أنتم لم تتبعوا عيسى، ووالله لو خرج عيسى لقاتلكم حتى ترجعوا إلى الإسلام؛ ولهذا في آخر الزمان لا يقبل إلا الإسلام، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير في آخر الزمان، ولا يقبل حتى الجزية التي كانت تقبل قبل نزوله من شدة كراهته لما عليه النصارى واليهود الآن.


إن الذين اتبعوا عيسى همالذين آمنوا بمحمد عليه الصلاة والسلام بعد بعثة محمد، أما قبل بعثة محمد، نعم لا شك أن أتباع عيسى هم المسلمون، وأنهم على الحق قبل أن يحرفوا ويبدلوا.


وهؤلاء النصارى الآن لم يتبعوا عيسى، ألم تسمعوا أن الله يقول يوم القيامة: ﴿ وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [المائدة: 116، 117].

﴿ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ ﴾ يوم القيامة، يعني ثم بعد هذه الغلبة في الدنيا، إليَّ مصيركم، وكل المصير إلى الله عز وجل في الدنيا وفي الآخرة، قال تعالى: ﴿ وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى ﴾ [النجم: 42].

﴿ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْولذلك قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَكَمُ، وَإِلَيْهِ الْحُكْمُ))، ففي الحديث الذي رواه أبو داود عن شُرَيْحٍ عَنْ أَبِيهِ هَانِئٍ أَنَّهُ لَمَّا وَفَدَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَ قَوْمِهِ سَمِعَهُمْ يَكْنُونَهُ بِأَبِي الْحَكَمِ، فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: ((إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَكَمُ، وَإِلَيْهِ الْحُكْمُ، فَلِمَ تُكْنَى أَبَا الْحَكَمِ؟))، فَقَالَ: إِنَّ قَوْمِي إِذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ أَتَوْنِي، فَحَكَمْتُ بَيْنَهُمْ، فَرَضِيَ كِلَا الْفَرِيقَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((مَا أَحْسَنَ هَذَا، فَمَا لَكَ مِنَ الْوَلَدِ؟))، قَالَ: لِي شُرَيْحٌ، وَمُسْلِمٌ، وَعَبْدُاللَّهِ، قَالَ: ((فَمَنْ أَكْبَرُهُمْ؟))، قُلْتُ: شُرَيْحٌ، قَالَ: ((فَأَنْتَ أَبُو شُرَيْحٍ))، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: «شُرَيْحٌ هَذَا هُوَ الَّذِي كَسَرَ السِّلْسِلَةَ، وَهُوَ مِمَّنْ دَخَلَ تُسْتَرَ» قَالَ أَبُو دَاوُدَ: «وَبَلَغَنِي أَنَّ شُرَيْحًا كَسَرَ بَابَ تُسْتَرَ، وَذَلِك أَنْهُ دَخَلَ مِنْ سِرْبٍ».

﴿ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْالعذاب فعل ما به مشقة، أو حصول ما به مشقة، سواء كان عن ذنب أو غير ذنب؛ كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِن الْعَذَابِ، يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَنَوْمَهُ، فَإِذَا قَضَى نَهْمَتَهُ فَلْيُعَجِّلْ إِلَى أَهْلِهِ))؛ [البخاري]، وقال: ((إِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْه))؛ [مسلم]، يعني هذا عذاب مشقة، ومن عذاب المشقة عذاب العقوبة؛ لأنه شاق على المعاقب، والمراد بالعذاب هنا عذاب مشقة العقوبة.


﴿ عَذَابًا شَدِيدًاوصف العذاب بالشدَّة لتضاعفه وازدياده، وقيل: لاختلاف أجناسه.


﴿ فِي الدُّنْيَاما يحصل لقلوبهم من الضيق والضنك والقلق والحسرة والذلة والمسكنة وغير ذلك، وما يحصل لهم على أيدي المؤمنين من القتل والأسر والجزية وغير ذلك، فعذابهم يكون بالألم النفسي والألم البدني. ومن لم ينله شيء من هذا فهو على وجل؛ إذ يعلم أن الإسلام يطلبه.


وعذاب الدنيا قضية جزئية لا تقتضي الاستمرار، فعذاب الدنيا يجري على نظام أحوال الدنيا: من شدة وضعف وعدم استمرار، فمعنى انتفاء الناصرين لهم منه انتفاء الناصرين في المدة التي قدرها الله لتعذيبهم في الدنيا، وهذا متفاوت، وقد وجد اليهود ناصرين في بعض الأزمان مثل قصة أستير في الماضي، وقضية فلسطين في هذا العصر.


والدنيا: هي هذه الحياة التي نحياها، ووصفت بذلك لوجهين:
۱ لدنوِّها؛ لأنها سابقة على الآخرة، فهي دانية.


۲- لنزول مرتبتها؛ كما يقال: دُنْيا وعُلْيا، فالدنيا نازلة في المرتبة عن الآخرة، مهما بلغ نعيمها فإنها نازلة عن الآخرة؛ لأن نعيم الدنيا إذا حصل فهو مشوب بالكدر.


﴿ وَالْآخِرَةِ ﴾ بعذاب النار ﴿ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ﴾ تأكيد لشدة العذاب الذي لا يهونه ناصر ولا ولي من دون الله تعالى.

﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْجزاء أعمالهم.. في الدنيا نصرًا وتمكينًا ورضا الله عنهم، وبركاته معهم، والحياة الطيبة، وحسن الذكر. وفي الآخرة قسم المنازل في الجنة بحسب الأعمال على ما رتَّبها جل وعلا.


والتوفية: دفع الشيء وافيًا من غير نقص، والأجور: ثواب الأعمال، شبهه بالعامل الذي يُوفَّى أجره عند تمام عمله.


كأن هؤلاء عمال يستحقون الأجر ولا بد، حيث سَمَّى الله جزاءهم أجرًا، والأجر من المستأجر حق يجب عليه، ولكن هذا من فضل الله عز وجل وكرمه؛ لأن الذي أوجب الأجر على نفسه الله عز وجل، ولم يوجبه أحد عليه، ولو شاء لأمرنا ونهانا، ولزمنا أن نطيعه بدون عوض؛ لأنه ربنا وخالقنا، وما نعمله من الطاعات فإنه لا يقابل واحدة من نعمه التي لا تُحصى سبحانه وتعالى؛ ولهذا قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ((لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا عَمَلُهُ الْجَنَّةَ))، قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ((لَا وَلَا أَنَا إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا))؛ [البخاري]، فهذه الأجور التي هي جزاء الأعمال التي سمَّاها الله أجرًا كالأجرة المفروضة على المستأجر لم يوجبها أحد على الله؛ بل هو الذي أوجب على نفسه هذا الأجر رحمةً منه وفضلًا.


﴿ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾؛ أي: ويحب الذين آمنوا وعملوا الصالحات.


ختم الآية بهذا مناسب؛ لأنه لما بيَّن أن هؤلاء آمنوا وعملوا الصالحات فيوفون أجورهم، بيَّن أن هؤلاء قد قاموا بما يلزمهم، وأنهم لم يظلموا أنفسهم؛ ولذلك أثابهم الله عز وجل هذا الثواب العظيم، وأن الله سبحانه وتعالى لا يحب الظالمين، فلو ظلموا أنفسهم ما استحقوا هذا الثواب.


وفيه إثبات المحبة لله عز وجل؛ فإن قال قائل: كيف تستدلون على إثبات المحبة بنفي المحبة؟ لأنه قال: ﴿ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ، فالجواب: أن نفي المحبة عن الظالمين دليل على ثبوتها لغيرهم، ولو كانت منتفية عن الجميع لم يكن لتخصيصها بالظالمين فائدة؛ ولهذا استدل الشافعي -رحمه الله- على ثبوت رؤية المؤمنين الله بقول الله تعالى عن الفجار: ﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ﴾ [المطففين: 15]، وقال في وجه الاستدلال: "ما حجب أعداءه عن رؤيته في الغضب إلا لثبوت رؤية أوليائه له في الرضا"، وهذا واضح.


وفيه شؤم الظلم على الإنسان، وأنه سبب لانتفاء محبة الله له، وإذا انتفت محبة الله للعبد فقد هلك.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 101.88 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 100.17 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.69%)]