الفتور الدعوي

[ابوالفاروق الأثري]

الفتور

دعونا نتفق ابتداءا على أن هذا الموضوع انما نتوجه به الى فئة عاشت للدعوة وقاست معاناة السعي لهداية الناس وكابدت الأشواق لاقامةشرع الله ثم أصابها الفتور بعد ذلك , أما الذين تحملهم الدعوة ولايحملونها ويؤثرون الكلام على العمل أو من ألقت بهم الأقدار في حقل الدعوة فارتبطت بها معيشتهم على غير اختيار منهم ولا رغبة فعليهم أن يراجعوا جلال الله في قلوبهم وهناك فتور في الدعوة وفتور في العبادة وفتور في طلب العلم وغير ذلك ولكن أخطر هذه الأنواع هو الفتور في الدعوة حيث أن صوت الحق سيخفض وقد يتوقف وعندها يأتي العذاب من الله لأن الله يريد أن سيتمر ركب الدعوة الى الله وقد يأتي الله بأقوام آخرين ان لم يصلح الناس بعضهم بعضا .

تعريفه

يعرف علماء اللغة الفتور بعدة تعريفات متقاربة , ففي مختار الصحاح : الفترة الانكسار والضعف , وعند الأصبهاني في مفردات القرآن هو سكن بعد حدة ولين بعد شدة وضعف بعد قوة وهو أمر لابد منه ليقوى بعدها عود المؤمن ويجدد ايمانه , يقول ابن القيم رحمه الله : ( تخلل الفترات للسالكين أمر لابد منه فمن كانت فترته الى مقاربة وتسديد ولم تخرجه من فرض ولم تدخله في محرم رجي له أن يعود خيرا مما كان )وقد ورد عن على رضي الله عنه : ( إن النفس لها إقبال وإدبار , فاذا أقبلت فخذها بالعزيمة والعبادة واذا أدبرت فاقصرها على الفرائض والواجبات )

الفتور داء عضال لايعلمه الكثير من الملتزمين وأشد ما يكون المرض عندما يخفى في بدايته ثم يظهر عظيما بعد ذلك ولذا كان لابد من التعرف على هذا الداء , في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لكل عمل شره ولكل شره فترة فمن كانت فترته الى سنتي فقد اهتدى ومن كانت فترته الى غير ذلك فقد هلك ) - رواه ابن أبي عاصم وابن حبان في صحيحه وصححه الألباني _

من مظاهره :

أولا : الكسل واستثقال العمل الاسلامي

ثانيا : اهتزاز المفاهيم مثل الرزق والابتلاء

ثالثا : الاكتفاء بما سبق من الاعمال وعدم تقديم الجديد مع عدم الحرص على السابق وأحيانا التفاخر بما سبق من أعمال الخير مع الانشغال بتوافه الأمور .

رابعا : الاكثار من المزاح فتجده يميل دائما الى الضحك واللعب والبرامج الترفيهية

خامسا : تبني الرخص وتبرير الأخطاء فلايجد مخرجا برخصة من الرخص الا وتمسك به وبدلا من اعترافه بالاخطاء التي يرتكبها يبرر لها ويختلق الأعذار لنفسه من فراغ

ما يترتب على الفتور :

بدون أي شك من كان هذا حاله فهو في طريقه الى الانتكاس والانسلاخ عن دين الله بالكلية ان لم يسارع في العلاج ثم يتحسر بعد ذلك قال تعالى :

( يوم يعض الظالم على يديه يقول ياليتني اتخذت مع الرسول سبيلا ياويلتا ليتني لم اتخذ فلانا خليلا لقد أضلني عن الذكر بعد اذ جاءني وكان الشيطان للانسان خذولا) –الفرقان 27 –

أسباب الفتور

تنقسم أسباب الفتور الى قسمين : ذاتية / بيئية

أولا : الذاتية : ونعني بها ما يتعلق بالفرد نفسه من خلل في نهجه وسلوكه وطريقته في الحياة مثل ضعف الصلة بالله واللامبالاة بالعمل أهوقبل أم لا وكذلك تراكم الشبهات عليه مع عدم حرصه على ردها ومعرفة الحق حتى تهلكه فهو ان سكت عليها وان كان لايعتقد بها في البداية فهو سيسأل نفسه عنها ولايجد لها اجابة فيهوي بها في المعاصي وقد يصل به الحال الى الانحراف في العقيدة والعياذ بالله .

بعضهم يعتقد أنه فوق الجميع ولاينبغي أن ينصحه أحد وذلك لانبهاره بما يحوزه من علم أو مكانة بين الناس مما يدخل العجب والكبر في نفسه .

ثانيا : البيئية : وهي التي تتعلق بالمجتمع الذي يعيش فيه الفرد والمرء كما قيل أسير بيئته يأخذ منها ويكتسب صفاتها فبعض البيئات تعمل على بث الخمول والكسل في نفس الفرد الذي بدأ طريقه للحق والخير فيذكرون له عيوب الدعاة ما فيهم وماليس فيهم ويذكرون .

من الأسباب البيئية كذلك التكتل الدعوي وعدم احتواء الملتزمين حديثا أو عدم التوظيف لهم فيشعرون بالانعزال فلايستطيعون التعايش في مجتمع لايفتح لهم الأبواب وقد يجتمع مع هذا وجود من يجذبهم من جهات أخرى لهم أغراض خبيثة . وأشد هذه الأسباب الاشاعات الملفقة التي تطلق على الملتزمين بالحق فتنفر القريب والبعيد وتبث الرعب في الأسر والمجتمع .

سبل العلاج

أولا : الحرص على الواجبات وعدم التنازل عنها مهما كانت الأسباب ومعرفة الحد الأدنى وعدم الهبوط منه فاذا وجد المسلم في نفسه اقبالا على الخير فليكثر من النوافل وان وجد في نفسه ادبارا فعليه الا يتنازل عن الفرائض والواجبات .

ثانيا : قراءة القرآن و كتب السلف وتتبع آثار القدوات الحسنة

ثالثا : التوازن حيث لاافراط ولاتفريط فيكون وسطا لايغلو في الدين ويزيد فيه ما ليس منه وكذلك لايقصر في واجباته تجاه دينه وتجاه تربية نفسه التربية الاسلامية الصحيحة .