|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() "أَكْرِموا كَرِيمًا - الخُبْز - فإنَّ النِّعْمَةَ ما نَفَرَتْ عَنْ قَوْمٍ قَطُّ، فَعَادَتْ إِلَيْهِمْ": دراسة حديثية تحليلية أ. د. فهمي أحمد عبدالرحمن القزاز الحمدُ للهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلهِ وصحبهِ ومَنْ والاه، وبَعْدُ: فمما تعلمناه من الأخلاق الفاضلة من العجائز، حِفظُ النِّعَم وتكريمها؛ لئلا تزول فلا تعود، ولاسيَّما هذا في التعامل مع نعمة الخبز إذا سقط على الأرض، فعلمنا أن تتسارع الأيادي لحمله ونفض الغبار عنه سواء أُكل أو لم يؤكل، وهو مما تناقلته الأجيال جيلًا بعد جيلٍ، وأصبح من الأعراف التي يُعلِّمها الآباء لأبنائهم ويحثونهم عليها، وأصبحت في معتقد بعضهم فرضًا وواجبًا حتمًا؛ لما ورثوه وتعلَّموه منذ نعومة أظفارهم، ولهذا كله أصل من السنة قد يغفل عنه بعضهم؛ فأخرج أهل السنن والمسانيد والمعاجم وغيرهم بألفاظ متقاربة عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْبَيْتَ، فَرَأَى كِسْرَةً مُلْقاةً، فَأَخَذَها فَمَسَحَها، ثُمَّ أَكَلَهَا، وَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ، أَكْرِمِي كَرِيمًا، فَإِنَّها مَا نَفَرَتْ عَنْ قَوْمٍ قَطُّ، فَعَادَتْ إِلَيْهِمْ»[1]. وهذا الحديث مع اختلاف في بعض ألفاظه رُوي عن ثلاثة من الصحابة الكرام: اثنين منهم أحاديثهما مرفوعة، والثالث موقوف على أحدهم رضي الله عنهم، وراوي الحديث الأول: هو عائشة من طرق متعددة، وفي الباب أحاديث أخرى قريبة المعنى لفحوى الحديث؛ ولكن لا تصحُّ نسبتها إلىرسول الله صلى الله عليه وسلم. والتخصيص بالخبز دون غيره من النِّعم؛ لندرته وشحته وعدم المقدرة على تحصيله من عموم الناس في زمنه صلى الله عليه وسلم؛ لفقرهم وعوزهم، فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مِنْ خُبْزِ بُرٍّ مَأْدُومٍ ثَلاثةَ أَيَّامٍ حَتَّى لَحِقَ بِالله» [2]، وإلا فإنَّ التعظيم لجميع النعم ورمزها هو الخبز، والله أعلم بالصواب. وعَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ، فَدَعَتْ لِي بِطَعامٍ وَقَالَتْ: مَا أَشْبَعُ مِنْ طَعامٍ فَأَشاءُ أَنْ أَبْكِيَ إِلَّا بَكَيْتُ، قَالَ: قُلْتُ لِمَ؟ قَالَتْ: أَذْكُرُ الحَالَ الَّتِي فَارَقَ عَلَيْها رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الدُّنْيَا، وَاللَّهِ مَا شَبِعَ مِنْ خُبْزٍ وَلَحْمٍ مَرَّتَيْنِ فِي يَوْمٍ[3]. والتفت الحكيم الترمذي التفاتةً رائعةً بتخصيص الخبز دون غيره بالذكر دون باقي النعم، فقال: (الخبز غذاء الجَسَد، والغذاء قوام الرُّوح، وَقد جعل الله تَعالى الخبز أشرف الأرزاق، قَالَ صلى الله عليه وسلم: "أكْرمُوا الخُبْز فَإِن الله عز وجل أنزلهُ من بَرَكات السَّمَاء، وأخرج لَهُ من بَرَكات الأَرْض، فإكرامه أَلَّا يُوطأ وَلَا يُطْرَح، فإِذا رمي بِهِ أَو طَرحه مَطْرَح الرَّفْض والهوان، كَانَ قد كفر النِّعْمة وجفاها، وَفِي سَعة الرزق قُوَّة عَظِيمة على الدين، فإذا جفاها صيرت للنعمة الْعُظْمَى نفرة، وَإِذا نفرت لم تكد ترجع؛ لِأَنَّها قد وسمتهم بالجفاء)[4]. وهناك سبب آخر لتخصيصه بالذكر دون غيره؛ وذلك لأن الخبز رمز الطعام؛ فإذا ذكر الخبز ذكر الطعام عمومًا. والخبز- الحنطة-منتشر في كل دول العالم، في شرقها وغربها، وجبالها وسهولها وصحرائها، فتخصيصه بالذكر لمعرفة كل الناس به دون غيره من الأطعمة التي يعرفها بعض الناس في مكان ما دون غيره. ومما ينبغي أن يعلم أن أحد المقاييس الاقتصادية في دول العالم الرئيسة هو اكتفاء الدولة الذاتي من الحنطة، والله أعلم بالصواب. وجاء الآن ذكر الحديث وبيان طرقه واختلاف ألفاظه فأقول ومن الله العون والسداد: الحديث الأول: قال ابن ماجه: (حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا وَسَّاجُ بْنُ عُقْبَةَ بْنِ وَسَّاجٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُوَقَّرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْبَيْتَ، فَرَأَى كِسْرَةً مُلْقاةً، فَأَخَذَها فَمَسَحَها، ثُمَّ أَكَلَها، وَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ، أَكْرِمِي كَرِيمًا، فَإِنَّهَا مَا نَفَرَتْ عَنْ قَوْمٍ قَطُّ، فَعَادَتْ إِلَيْهِمْ»[5]. ومدار الحديث عروة بن هشام، وعنه خمسة طرق؛ وهي: الطريق الأول: عن الزهري عنه: فقال الوليد بن محمد الموقري، حدثنا الزهري، عن عروة، عن عائشة، وهو ما أخرجه: ابن ماجه، والطبراني، وابن أبي الدنيا، وقوام السنة، والبيهقي[6]. قال الطبراني بعد إخراجه: "لَمْ يَرْوِ هَذا الْحَدَيثَ عَنِ الزُّهْرِيِّ إِلَّا الْمُوقَّرِيُّ"[7]. وقال البيهقي: "الْموقَّرِيُّ: ضَعِيفٌ"، وَرَوَاهُ أَيْضًا خَالِدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمَخْزُومِيُّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، "وَهُوَ أَيْضًا ضَعِيفٌ". وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ هِشَامٍ، "وَاللهُ أَعْلَمُ بِصِحَّتِهِ"[8]. قال البوصيري: هَذَا إِسْناد ضَعِيف؛ لضعف الْوَلِيد بن مُحَمَّد الموقَّري أبي بشر البلْقاوِي[9]. وعلَّة هذا الطريق: الوليد بن محمد المُوَقَّري. وهو: الوليد بن محمد المُوَقَّري، بضم الميم وبقاف مفتوحة، أبو بِشْر البلْقاوي، مولى بني أُميّة، روى عن الزهري وعطاء الخراساني، وروى عنه ابن عائذ وعلي بن حجر؛ مات سنة اثنتين وثمانين، أخرج له الترمذي وابن ماجه. قال الذهبي: تركوه، وقال ابن حجر: متروك[10]. فالحديث ضعيف من هذا الطريق كما قال البوصيري وغيره، والله أعلم بالصواب. الطريق الثاني: عنعبدالله بْن مُصْعَب عنه؛ فأخرج الطبراني في الأوسط، قال: (حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عبدالله بْنِ عِرْسٍ، ثَنا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ نَضْلَةَ، ثَنَا عبدالله بْنُ مُصْعَبِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ عبدالله بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا، فَرَأَى كِسْرَةً مُلْقاةً، فَمَشَى إِلَيْها فَأَخَذَها، فَمَسَحَها ثُمَّ أَكَلَهَا، ثُمَّ قَالَ: «يَا عَائِشَةُ، أَحْسِنِي جِوَارَ نِعَمِ اللَّهِ، فَإِنَّهَا قَلَّ مَا تَزُولُ عَنْ أَهْلِ بَيْتٍ، فَكَادَتْ أَنْ تَعُودَ إِلَيْهِمْ». لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ إِلَّا عبدالله بْنُ مُصْعَبٍ، وَالْقَاسِمُ بْنُ غُصْنٍ، تَفَرَّدَ بِهِ عَنْ عبدالله بْنِ مُصْعَبٍ يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ، وَتَفَرَّدَ بِهِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ غُصْنٍ: آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ [11]. والعلة فيه: عبدالله بْن مُصْعَب. وهو:عبدالله بْن مُصْعَب بْن ثَابِتِ بْنِ عبدالله بْنِ الزُّبَيْرِ بْن الْعَوَّامِ، أبو بكر الأسدي الزُّبَيريُّ المدنيُّ الأمير، والدُ مُصْعَب-مصعب بن عبداللهبن مصعب- رَوَى عَنْ: هشام بن عُرْوة، وأبي حازم المَدِينيّ، وموسى بن عقبة، وطبقتهم، وَعَنْهُ: ابنه مُصْعَب، وهشام بن يوسف الصَّنْعانيّ، وإبراهيم بن خالد الصَّنْعانيّ، وُلِّي إمْرة المدينة وإمْرة اليمن، وحُمِدت سيرته، وكان وسيمًا جميلًا فصيحًا مُفَوَّهًا من سَرَوات قريش، أول ما اتَّصل بصُحْبة المهديّ أحبَّه، وصار من خواصِّه. قال الزُّبَير بن بكّار بن عبدالله: كان جدّي مِدْرَة قريش، وخطيبها، وواحدها شَرَفًا وَقَدْرًا، وصَونًا، وكان وسيمًا جميلًا فصيحًا، قد عرفت له مروءته وقدره بالبلد. قيل: مات عبداللهبالرَّقَّة في سنة أربعٍ وثمانين ومائة، وله نحوٌ من سبعين سنة [12]. ذكره ابن حبان في الثقات، وكذا ذكره ابن قُطْلُوبَغا في الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة [13]. قال أبو حاتم: هو شيخٌ بابهُ عبدالرحمنبن أبي الزناد [14]. وسُئل ابن مَعِين عنه فقال: ضعيف الحديث لم يكن له كتاب [15]. فعبدالله شيخ، وهو لفظ لا يدل على التعديل ولا التجريح كما يعلم، فهو أدنى درجات التعديل، فلم يكن له كتاب كما قال يحيى، وهو من الثقات عند ابن حبان وغيره، فحديثه مقبول ويُحتجُّ به، والله أعلم بالصواب. قلت: وأخرج له الطبراني هذا الحديث مقرونًا بالْقاسِم بْن غُصْنٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، وهو ما يقويه ويعضده كما سيأتي إن شاء الله تعالى. الطريق الثالث: عن القاسم بن غصن: فأخرج الخرائطي بسنده فقال: (حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْهَيْثَمِ الْبَلَدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ غُصْنٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَائِشَةُ، أَحْسِنِي جِوَارَ نِعَمِ اللَّهِ؛ فَإِنَّهَا قَلَّمَا زَالَتْ عَنْ قَوْمٍ فَعَادَتْ إِلَيْهِمْ») [16]. وعلته القاسم بن غصن. وهو: الْقَاسِم بن غُصْن، أَصله من العراق، سكن الشَّام، يروي عَن مسعر وَدَاوُد بن أبي هِنْد وسُلَيْمَان التَّيْمِيّ، روى عَنهُ مُحَمَّد بن عبدالْعَزِيز الرَّمْلِيّ وَأهل فلسطين [17]. قال ابن أبي حاتم: (القاسم بن غصن روى عن جميل بن زيد وعبدالرحمن بن إسحاق، وموسى الجهني روى عنه سويد بن سعيد ومحمد بن عبدالعزيز الواسطي الرملي، سمعت أبي يقول ذلك، ثنا عبدالرحمن أنا عبدالله بن أحمد بن محمد بن حنبل فيما كتب إلي قال: قال أبي: القاسم بن غصن يحدث بأحاديث منكرة، ثنا عبدالرحمن قال: سألت أبا زرعة عن القاسم بن غصن فقال: ليس بقوي، ثنا عبدالرحمن قال: سألت أبي عن القاسم بن غصن فقال: ضعيف الحديث) [18]. وذكره الساجي، والعقيلي، وابن شاهين، وابن الجارود، والفسوي، والحربي، والدولابي في الضعفاء [19]. وذكره ابن حبان في الثقات، وكذا ذكره ابن قُطْلُوبَغا في الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة [20]. وقال أبو داود: سئل عنه وكيع فقال: لا بأس به[21]. وأشار البزار إلى ملاحظة مهمة، فقال: (وقال البزار في هذا الحديث تفرد به القاسم بن غصن ولم يكن بالقوي في الحديث)[22]. وهذا ما أكَّده ابن حبان فقال: (لَا يَجُوز الاحْتِجاج بِهِ إِذا انْفَرد، فأما فِيما وَافق الثِّقات فإن اعْتبر بِهِ مُعْتَبر لم أر بذلك بَأْسًا)[23]. ووقف ابن عدي على علة ذلك فقال: (حَدَّثَنَا ابن قتيبة عن أحمد بن عبدالعزيز الواسطي، عَنِ القاسم بن غصن عن مسعر أحاديث مستقيمة، وأما إذا روى عَنِ القاسم بن غصن مُحَمد بن عبدالعزيز الرملي، فإنه يأتي عنه عن مشايخه بمناكير)[24]. قلت: فالعلة فيه إذا روى عنه محمد بن عبدالعزيز الرملي فلا يؤخذ حديثه، وهنا روى عنه غيره، وكذا إذا انفرد بالرواية، أما إذا وافقه غيره من الثقات فحديثُه معتبرٌ، وهنا لم ينفرد بالرواية، فضلًا عن توثيق ابن حبان وابن قُطْلُوبَغا له، وكذا قول وكيع: لا بأس به. وهنا توبع برواية عبدالله بن مصعب كما علمت؛ وعليه فحديثه ضعيف يتقوَّى بغيره. الطريق الرابع: عن خالد بن إسماعيل: فأخرج الخطيب في تاريخ بغداد: فقال: (أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ الْقَوَّاسُ، قَالَ: قُرِئَ على عمر بن يُوسُفَ الْمَيْدَانِيِّ الزَّعْفَرَانِيِّ- وَأَنَا أَسْمَعُ- قِيلَ لَهُ: حَدَّثَكُمْ سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ، حدَّثنا خالد بن إسماعيل، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَرَأَى كَسْرَةً مُلْقاةً، فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ، أَكْرِمِي جِوَارَ نِعَمِ اللَّهِ؛ فَإِنَّهَا قَلَّمَا يكشف عَنْ أَهْلِ بَيْتٍ فَكَادَتْ تَعُودُ فِيهِمْ»[25]. وعلته خالد بن إسماعيل هو المخزومي. وهو: خَالِد بْن إسماعيل، أبو الوليد المخزومي، رَوَى عَنْ: هشام بْن عُرْوَة، وابن جُرَيْج، وعبيدالله بن عمر، وابن أبي ذئب. وروى عنه الحسين بن الحسن الشيلماني، والعلاء بن مسلمة، وسعدان بن نصر، وأبو يوسف محمد بن أحمد الصيدلاني، ومحمد بن المغيرة الشهرزوري. قال ابن عدي: يضع الحديث على الثقات. وقال ابن حبان: لا تجوز الرواية عَنْهُ. وقال الذهبي: أحد المتروكين[26]. وعليه فالحديث من هذا الطريق لا يحتج به، والله أعلم بالصواب. الطريق الخامس: مالك بن أنس عنه: فعن العباس بن منصور الفرنداباذي، حدَّثنا مالك بن أنس، عن هشام بن عروة به بنحو الطريق الأول. قال الحكيم الترمذي: (عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: دخل عَليَّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَرَأى كسيرة ملقاة فَمشى إِلَيْهَا فمسحها، فَقَالَ: "يَا عَائِشَةُ، أحسني جوَار نعم الله تَعَالَى؛ فَإِنَّهَا قل مَا نفرت عَن أهل بَيت فَكَادَتْ ترجع إِلَيْهِم) [27]. وأخرجه المقدسي في "جزء منتقى من الأربعين في شعب الدين"[28]. وعلته العباس بن منصور. وهو: عباس بن منصور بن العباس بن شداد، أبو الفضل الفرنداباذي[29]. كان فقيهًا حنفيًّا. سَمِعَ: عتيق بن محمد، وأيوب بن الحسن الزاهد، وأحمد بن يوسف السُّلَميّ، والذُّهْليّ. وَعَنْهُ: أبو علي الحافظ، وأبو إسحاق المُزَكّيّ، والشيوخ، مات في ليلة الأربعاء ليومين بقيا من ذِي الْقعدَة سنة سِتٍّ وَعشْرين وثلاثمائة، وَكَانَ من أَصْحَاب الرَّأْي [30]. ومن خلال رجوعي لكتب التراجم لم أجد فيه جرحًا ولا تعديلًا، فهو مستور الحال، فعينه معروفة برواية غيره عنه، وجهالة العين ترفع عنه إذا روى عنه اثنان فأكثر كما هو معلوم عند أهل الاصطلاح، وتقبل روايته، وهو مذهب المحققين من المحدثين [31]. فالحديث مقبول من هذا الطريق ويتقوَّى ويعتضد بباقي الطرق، والله أعلم بالصواب، فحديث عائشة حديث حسن لغيره بمجموع طرقه، وفي أسوأ الأحوال فالحديث ضعيف يحتج به في فضائل الأعمال. الحديث الثاني: أخرجه أبو يعلى الموصلي من حديث أَنَسٍ، فقال: (حَدَّثَنا مُعَاذُ بْنُ شُعْبَةَ، بَصْرِيٌّ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَطَرٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَحْسِنُوا جِوَارَ نِعَمِ اللَّهِ، لَا تُنَفِّرُوها؛ فَقَلَّمَا زَالَتْ عَنْ قَوْمٍ فَعَادَتْ إِلَيْهِمْ» [32]. وأخرجه الديلمي باللفظ نفسه [33]. وقال البيهقي عنه: وَرَوَاهُ أَيْضًا عُثْمَانُ بْنُ مَطَرٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ [34]. وقال الهيثمي: رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى، وَفِيهِ عُثْمَانُ بْنُ مَطَرٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ [35]. وقال البوصيري: هَذَا إِسْنَادٌ ضَعِيفٌ؛ لِضَعْفِ عُثْمَانَ بْنِ مَطَرٍ [36]. وعلته عثمان بن مطر. وهو: عثمان بن مطر الشيْبانيُّ، أبو الفضل أو أبو عليّ، البصريُّ، ويقال: اسم أبيه عبدالله، يروي عن ثابت البناني ونحوه، ويروي عنه سريج، ومحمد بن الصباح الدولابي وجمع، أخرج له ابن ماجه. قال الذهبي: ضعَّفوه، وقال ابن حجر: ضعيف [37]. فالحديث ضعيف من هذا الطريق، ويتقوَّى بغيره كما هو معلوم، والله أعلم بالصواب. والحديث الثالث موقوف على أبي الدرداء. أخْرَجَ نعيم بن حماد في زوائده عن زهد بن المبارك موقوفًا على أبي الدرداء فقال: (أنا بَقِيَّةُ قَالَ: أنا أَبُو سَلَمَةَ الْحِمْصِيُّ قَالَ: قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: «أَحْسِنُوا مُجَاوَرَةَ نِعَمِ اللَّهِ، لَا تَمَلُّوها، وَلَا تَنْفِرُوها، فَإِنَّها لَقَلَّما نَفَرَتْ عَنْ قَوْمٍ فَعَادَتْ إِلَيْهِمْ») [38]. علمًا أن حماد بن نعيم ذكر هذا الأثر بعد أثر آخر في الباب نفسه فقال: (أنا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ قَالَ: نا أَبُو سَلَمَةَ الْحِمْصِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ جَابِرٍ الطَّائِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ امْرَأَةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْجَتْ صَبِيًّا لَهَا بِكِسْرَةٍ مِنْ خُبْزٍ، ثُمَّ جَعَلَتْهَا فِي جُحْرٍ، فَسَلَّطَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهَا الْجُوعَ حَتَّى أَكَلَتْها» [39]. قُلْتُ: وتوهم قوم فأعَلَّوا الأثر بجهالة: أبي سلمة الحمصي، فظنُّوا أنه من رواة ابن ماجه، وهذا ليس بصحيح [40]، فقد صرح باسمه -أَبُو مُحَمَّدٍ يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ- فرفع اللبس والجهالة عنه فقال في موضع آخر من كتابه فقال: (أَخْبَرَكُمْ أَبُو عُمَرَ بْنُ حَيَوَيْهِ، وَأَبُو بَكْرٍ الْوَرَّاقُ قَالَا: أَخْبَرَنَا يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَلَمَةَ الْحِمْصِيُّ - قَالَ: أَبُو مُحَمَّدٍ- اسْمُهُ سُلَيْمَانُ بْنُ سُلَيْمٍ، مِنْ ثِقَاتِ أَهْلِ الشَّامِ، وَحَبِيبُ بْنُ صَالِحٍ هَذَا أَيْضًا - عَنْ يَحْيَى بْنِ جَابِرٍ الطَّائِيِّ، عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ طَعَامٌ، وَثُلُثٌ شَرَابٌ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ»[41]. وهو: سليمان بن سليم الكناني الكلبي مولاهم، القاضي، أبو سلمة الحمصي. روى عن: عمرو بن شعيب، والزهري، وعبدالرَّحمن بن جبير بن نفير، وزيد بن أسلم، وصالح بن يحيى بن المقدام، ويحيى بن جابر، وجماعة. وروى عنه: إسماعيل بن عياش، وبقية، ومحمد بن حرب، وأبو المغيرة عبد القدوس، وجماعة. وثَّقه ابن معين وجماعة. وقال النسائي: ليس به بأس. وقال أحمد بن محمد بن عيسى البغدادي: مات سنة سبع وأربعين ومائة. وأخرج له الأربعة[42]. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |