|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() ثلاثة أحاديث نبوية عليها مدار الإسلام وقواعد الدين -1 بدر عبدالله الصاعدي مقدمة: قال الإمام أحمد رحمه الله: أصول الإسلام على ثلاثة أحاديث: حديث عمر: (إنما الأعمال بالنيات)، وحديث عائشة: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه، فهو رد)، وحديث النُعمان بن بشير: (الحلال بيّن، والحرام بيّن) (1). فما الظن بمن عني بنيته وأخلصها لله، واتبع ولم يبتدع، وتفقه في دين الله وتوقى الشبهات، ما الذي يبقى عليه من شرائع الدين؟ وقد روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (لا ينفع قول إلا بعمل، ولا ينفع قول وعمل إلا بنية، ولا ينفع قول وعمل ونية إلا ما وافق السنة)(2) وقال ابن عجلان رحمه الله: (لا يصلح العمل إلا بثلاث: التقوى لله، والنية الحسنة، والإصابة) (3) أي: يكون العمل موافقاَ للشرع. بدر الصاعدي الحديث الأول مقصد الحديث: أهمية الإخلاص لله، وأن النية عليها مدار قبول العمل أو رده، وبالنية تتفاضل أعمال العباد، وبها تتمايز العبادات. عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ أَبِي حَفْصٍ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " « إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إلَى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ» ". الْبُخَارِيُّ [رقم:1]، مُسْلِمٌ [رقم:1907] منزلة الحديث: استفتح النووي بهذا الحديث في كتابه الأربعين، وكتابه رياض الصالحين، وكتابه الأذكار وقال في الأذكار: (هذا حديث صحيح متفق على صحته، مجمع على عظم مـوقعه وجلالته، وهـو أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام؛ وكان السلف وتابعوهم من الخلف رحمهم تعالى يستحبون استفتاح المصنفات بهذا الحديث، تنبيهـاً للمُطالع على حسن النية، واهتمامه بذلك والعناية به).(4) قال ابن دقيق العيد رحمه الله: (هو أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام، قال الإمام أحمد والشافعي رحمهما الله: يدخل في حديث الأعمال بالنيات ثلث العلم).(5) شرح الحديث: ( «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» ) النيات: جمع نية وهي قصد القلب وإرادته. قال الحافظ ابن رجب رحمه الله (والنية في كلام العلماء تقع بمعنيين: أحدهما: بمعنى تمييز العبادات بعضها عن بعض، كتمييز صلاة الظهر من صلاة العصر مثلاً، وتمييز صيام رمضان من صيام غيره، أو تمييز العبادات من العادات، كتمييز الغسل من الجنابة من غسل التّبرد والتنظف، ونحو ذلك، وهذه النية هي التي توجد كثيراً في كلام الفقهاء في كتبهم. والمعنى الثاني: بمعنى تمييز المقصود بالعمل، وهل هو الله وحده لا شريك له، أم غيره، أم الله وغيره، وهذه النية هي التي يتكلم فيها العارفون(6) في كتبهم في كلامهم على الإخلاص وتوابعه، وهي التي توجد كثيراً في كلام السلف المتقدمين).(7) وقال رحمه الله: (قوله: «الأعمال بالنيات»: الأعمال صالحة، أو فاسدة، أو مقبولة، أو مردودة، أو مثاب عليها، أو غير مثاب عليها، بالنيات، فيكونُ خبراً عن حكم شرعي) قال: (وقوله بعد ذلك: «وإنما لكل امرئ ما نوى» إخبار أنه لا يحصل له من عمله إلا ما نواه به، فإن نوى خيراً، حصل له خير، وإن نوى شراً حصل له شر).(8) ( «فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ» ) قال ابن دقيق العيد رحمه الله: (المتقرر عند أهل العربية أن الشرط والجزاء لابد أن يتغايرا، وهنا وقع الاتحاد - قلت: أي جملة الشرط نفس جملة الجزاء- وجوابه فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله نية وقصداً فهجرته إلى الله حكماً وشرعاً)(9) أي مثاب عليها. «(وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إلَى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ)» أياً كان هذا سبب الهجرة، تجارة أو زواج أو غيره من أمر الدنيا، وهو من عطف الخاص على العام ، وهنا لم يتطابق الجزاء مع الشرط فقال «(فَهِجْرَتُهُ إلَى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ)» تقليلا لشأنها، فإنما يبقى ما كان لله تعالى. والهجرة من مكة إلى المدينة انتهت بدخول مكة في الإسلام لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ) (مسلم1864) وأما الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام فباقية. تنبيهات:
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() ثلاثة أحاديث نبوية عليها مدار الإسلام وقواعد الدين -2 الحديث الثاني مقصد الحديث: التمسك بالسنة واجتاب المحدثات، والسير على نهج السلف الصالح. عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أُمِّ عَبْدِ اللَّهِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» ". [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ [رقم:2697]، وَمُسْلِمٌ [رقم:1718]] . وفي رواية لمسلم ( «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» ) منزلة الحديث: قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: وهذا الحديث أصلٌ عظيمٌ من أُصول الإسلام، وهو كالميزان للأعمال في ظاهرها كما أنَّ حديث: «الأعمال بالنـيَّات» ميزان للأعمال في باطِنها، فكما أنّ كل عمل لا يُراد به وجه الله تعالى فليس لعامله فيه ثواب، فكذلك كلُّ عمل لا يكون عليه أمر الله ورسوله فهو مردودٌ على عامله، وكلُّ مَن أحدثَ في الدِّين ما لم يأذن به الله ورسوله، فليس مِنَ الدِّين في شيء. (11) وقال ابن دقيق العيد رحمه الله: هذا الحديث قاعدة عظيمة من قواعد الدين، وقال: وهذا الحديث مما ينبغي العناية بحفظه وإشاعته، واستعماله في إبطال المنكرات. (12) شرح الحديث: ( «مَنْ أَحْدَثَ)» أي من أوجد شيئاً لم يكن (فِي أَمْرِنَا هَذَا) في ديننا وشريعتنا (مَا لَيْسَ مِنْهُ) مالم يشرعه الله ورسوله (فَهُوَ رَدٌّ) فهو مردود عليه حتى وإن صدر عن إخلاص.(13) والرواية الأولى (من أحدث) خاصة بمن يبتدئ العمل، والرواية الثانية – وهي رواية مسلم -: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) شاملة للمنشئ والتابع لغيره، فالرواية الأولى في رؤوس البدع الذين يخترعونها، والرواية الثانية شاملة لهم ولأتباعهم، فالذي يعمل البدعة المتوارثة من قرون داخل في الحديث بهذه الرواية الأخرى (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ).(14) فمن احتج بأنه لم يبتدع وإنما أخذ عن سلف يقتدي بهم، وأنه لم يحدث شيئاً، فيرد عليه بالرواية الثانية. والمحدثات نوعان: الأول: محدثات في الدين، فهذه مذمومة وسيأتي تفصيلها. الثانية: محدثات ليست في الدين، وهذه غير مذمومة مثل اتخاذ الدواوين والبناء والعناية بالمرافق وغير ذلك مما لم يكن في زمن الصحابة. قال عبد الكريم الخضير: ولا يدخل في قوله صلى الله عليه وسلم (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) أنَّ عثمان رضي الله عنه أحدث الأذان الأول يوم الجمعة؛ لأنَّه خليفة راشد، وقد أُمِرنا بالاقتداء به في قوله صلى الله عليه وسلم (عليكم بسنَّتي، وسنةِ الخلفاء الراشدين المهديينَ مِن بعدي، عضُّوا عليها بالنواجذ) (15) ومن هذا القبيل ما فعله عمر في صلاة التراويح. (16) ففعل عمر رضي الله عنه يجاب عنه بأمور:
وهناك تعريف قاصر وهو: (فعل ما لم يعهد في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم) قاله العز بن عبد السلام، وقسم البدعة إلى واجبه ومحرمة ومستحبة ومكروهة ومباحة، وقد نقض قوله الشاطبي نقضاً بليغاً لا مزيد عليه في كتاب الاعتصام. قال صالح آل الشيخ: (وتعريف البدعة بأنها (كل ما أحدث بعد رسول صلى الله عليه وسلم) هذا التعريف قال أصحابه: البدعة منها ما يكون بدعة حسنة. وهذا هو الذي مال إليه بل ابتدعه ونصره العز بن عبد السلام المعروف، وأوقع الأمة في بلاء تحسين البدع بعد أن قال هذا في كتابه (القواعد)، وتبعه عليه تلميذه القرافي في (الفروق)، وقد رد عليهما الشاطبي رحمه الله في كتابه (الاعتصام)، وكذلك شيخ الإسلام وعلم الأعلام ابن تيمية رحمه الله وابن القيم رحمه الله وجماعات من أهل العلم، ولكن تبع العز بن عبد السلام على تعريفه وتقسيماته جماعات، فلا تكاد تجد أحداً ممن شرح الحديث بعد العز بن عبد السلام إلا وقع فيما ذكره)، إلى أن قال: (والنبي لم يفصل ولم يبين أن بدعة دون بدعة لها حكم، بل قال (فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَهٌ)) (17) ولقبول العمل الصالح شرطان هما: الإخلاص، والمتابعة، والإخلاص دل عليه الحديث السابق (إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ)، والمتابعة دل عليها هذا الحديث، قال ابن عثيمين رحمه الله في شرحه لهذا الحديث: (المتابعة لا تتحقق إلا إذا كان العمل موافقاً للشريعة في أمور سته: سببه، وجنسه، وقدره، وكيفيته، وزمانه، ومكانه). (18) الأول: مخالفة الشريعة في السبب ومثاله: أن يصلي ركعتين كلما دخل بيته. الثاني: مخالفة الشريعة في الجنس ومثاله: أن يضحي بفرس، إذ أن الأضاحي تكون من بهيمة الأنعام الإبل والبقر والغنم. الثالث: مخالفة الشريعة في القدر ومثاله: أن يتوضأ أربع مرات فالرابعة لا تقبل، وقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثاً ثلاثاً، وقال (مَنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ أَسَاءَ وتَعَدَّى وظَلَمَ) أحمد6684 ماجة422. الرابع: مخالفة الشريعة في الكيفية ومثاله: أن يصلي فيسجد قبل أن يركع. الخامس: مخالفة الشريعة في زمان العبادة ومثاله: كصلاة الفريضة قبل دخول وقتها أو أن يؤخر صلاة مؤقتة بغير عذر إلى أن يخرج وقتها فإنها مردودة غير مقبولة. السادس: مخالفة الشريعة في مكان العبادة ومثاله: كالاعتكاف في غير المساجد كالبيت والمدرسة. (19) تنبيهات:
بدر الصاعدي
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() ثلاثة أحاديث نبوية عليها مدار الإسلام وقواعد الدين-3 الحديث الثالث مقصد الحديث: اجتناب الشبهات، والعناية بإصلاح القلب. عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " «إنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَّا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ، أَلَّا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ» ". [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ [رقم:52]، وَمُسْلِمٌ [رقم:1599]] . منزلة الحديث: قال الإمام ابن العطار تلميذ الإمام النووي رحمهما الله: (أجمع العلماء على عظم موقع هذا الحديث، وكثرة فوائده، وأنه أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام) (20) في الحديث تقسيم الأحكام إلى ثلاثة أقسام:
قوله صلى الله عليه وسلم: « (لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ)» يعني هذه المتشابهات لا يعلمهن كثير من الناس ويعلمهن كثير، فكثير لا يعلم وكثير يعلم، ولم يقل صلى الله عليه وسلم: لا يعلمهن أكثر الناس، ولو قال: لا يعلمهن أكثر الناس لصار الذين يعلمون قليلاً. (22) قال صالح آل الشيخ (المتشابهات هذه لها حالان الحالة الأولى ما تشتبه على العلماء، والحالة الثانية ما تشتبه على غير العالمِ فيجب ألا يوقعها حتى يردها إلى العالمِ)(23) وقال ابن العطار تلميذ الإمام النووي رحمهما الله (المتشابهات: معناها أنها ليست بواضحة الحل ولا الحرمة، فلهذا لا يعرفها كثير من الناس، ولا يعلمون حكمها، أما العلماء فيعرفون حكمها بنص أو قياس أو استصحاب أو غير ذلك)(24) (ويمتنع أن يوجد في النصوص ما يستغلق على جميع أهل العلم في جميع الأقطار وفي جميع العصور؛ لأنَّ القرآن تبيانٌ لكلِّ شيءٍ، كما قال تعالى: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ) [النحل 89] وقال تعالى: (مَّا فَرَّطۡنَا فِی ٱلۡكِتَـٰبِ مِن شَیۡءࣲۚ) [سورة الأنعام:38] والنبي صلى الله عليه وسلم أنزل إليه القرآن ليبين للناس، فما ترك شيئاً مما تحتاجه الأمة إلا بيَّنه. (25) من أساب الاشتباه:
«(فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ)» أي: تجنبها. « (اسْتَبْرَأَ)» أي أخذ البراءة «(لِدِينِهِ)» فيما بينه وبين الله تعالى. «(وَعِرْضِهِ) » فيما بينه وبين الناس، لأن الأمور المشتبهة إذا ارتكبها الإنسان صار عرضة للناس يتكلمون في عرضه. (27) قال ابن رجب رحمه الله: (والعرض: هو موضع المدح والذم من الإنسان، وما يحصل له بذكره بالجميل مدحٌ، وبذكره بالقبيح قدحٌ، وقد يكون ذلك تارةً في نفس الإنسان، وتارةً في سلفه، وتارةً في أهله) (28) «(وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ)» هل المراد أن ارتكاب الشبهات حرام، أو أن ارتكاب الشبهات سبب ووسيلة للوقع في الحرام؟ الجواب: أن الوقوع في الشبهات سبب ووسيلة للوقوع في الحرام وذلك من نفس الحديث، حيث ضرب صلى الله عليه وسلم مثلاَ بــــ «ـ(الرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ)» فمن وقوع في الشبهات يوشك أن يقع في الحرام، و (يوشك) من أفعال المقاربة. ولأنه صلى الله عليه وسلم قسم الأحكام هنا إلى ثلاثة أقسام حلال، وحرام، وشبهات، ولو كان فعل الشبهات محرماً لكانت القسمة حلالاً وحراماً فقط. ولا تعني هذه القسمة أن من وقع في الشبهات لا شيء عليه، فالشبهات قرِّبت وقرنت وربطت بالقسم الثالث وهو المحرم، وجعلت موصلة إليه دون القسم الأول وهو الحلال، وصُوِّر أن الواقع في الشبهات واقع في الحرام، إما لكونه انتقل به للقسم الثالث، أو لأنه وقع في أمر محرم حيث لم يستبرئ لدينه وأقدم على أمر دون حجة، فالمكلف واجب عليه التوقف، وسؤال أهل الذكر حتى يزول الاشتباه، وواجب الاستبراء للدين، وواجب عليه سد الذرائع الموصلة لانتهاك محارم الله، والوسائل لها حكم المقاصد، ومن تهاون في تعاطي المتشابهات فيوشك أن يأتي المحرمات البينة الواضحة ولا يبالي، وفي رواية عند البخاري « (ومَنِ اجْتَرَأَ علَى ما يَشُكُّ فيه مِنَ الإثْمِ، أوْشَكَ أنْ يُواقِعَ ما اسْتَبانَ) » (2051) وفي رواية «(مَن يُخالِطُ الرِّيبةَ يوشِكُ أنْ يَجسُرَ)» [أخرجه أبو داود 3329 ] يقول ابن رجب رحمه الله (من تعدى الحلال ووقع في الشبهات، فإنه قد قارب الحرام غاية المقاربة)(29) «(كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ)» راعي الماشية قد لا يستطيع منع الدواب من الرعي في المكان المحمي، وعادة يكون المرعى المحمي أكثر عشباً، فالماشية ترعى أولاً مما حولها، ثم تُستدرج فتأكل مما يليه حتى تصل للمكان المحمي، وهو مثل ضربه رسول الله صلى الله عليه وسلم. «(أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى)» (أَلَا) حرف تنبيه وتوكيد. (وَإِنَّ) حرف توكيد. «(لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى)» هذا بيان للواقع، والملوك يحمون، ومنهم من يحمي بحق فيكون من نوع المباح، ومنهم من يحمي ظلماً وعدواناً لمنع الناس مما أباحه الله لهم من المصالح الخاصة، وهذا من نوع المحرم. (30) «(أَلَّا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ)» وفي رواية عند أبي داود (وإنَّ حِمى اللهِ عزَ وجلَّ ما حَرَّم) (فمن يستعمل الوسائل الموصلة إلى المحرمات سيجد نفسه في يوم من الأيام مقارفاً للمحرمات، فقد يحرص الشخص على الحلال في أول الأمر ليستبرئ لدينه وعرضه، ثم يقوده النهم على الدنيا، المشار إليه في الأثر (منهومان لا يشبعان، طالب علم وطالب دنیا)، إلى أن يأتي إلى الأمور المختلف فيها وإن كان الراجح جوازها، ثم ينتقل إلى الأمور المختلف فيها حتى وإن كان المرجح تحريمها، ثم بعد ذلك ينتقل إلى المحرم المجمع عليه) (31) قلت لا يلزم أن يكون ذلك في جميع أحواله بل قد يواقع نوعاً من الشبهات في مسألة من المسائل وينتقل منها إلى المحرم في تلك المسألة، فمستقل ومستكثر، وكثير من الزلل سبقه التهاون في المتشابه الذي من جنسه، فهو ليس بمعنى الانتكاسة وترك الاستقامة بالكلية والله أعلم. «(أَلَّا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ)» قال ابن رجب رحمه الله (فيه إشارة إلى أن صلاح حركات العبد بجوارحه، واجتنابه للمحرمات واتِّقاءه للشبهات بحسب صلاح حركة قبله. فإن كان قلبه سليماً، ليس فيه إلا محبة الله ومحبة ما يحبه الله، وخشية الله وخشية الوقوع فيما يكرهه، صلحت حركات الجوارح كلُّها، ونشأ عن ذلك اجتناب المحرمات كلها، وتوقي الشبهات حذراً من الوقوع في المحرمات). (32) فيجب العناية بالقلب أكثر من العناية بعمل الجوارح، لأن القلب عليه مدار الأعمال، وهو الذي يُمتحن عليه الإنسان يوم القيامة، كما قال تعالى: {(أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ)} [سورة العاديات:9-10]، وقال تعالى: {(إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ)} [سورة الطارق:8-9] فطهِّر قلبه من الشرك والبدع والحقد على المسلمين والبغضاء، وغير ذلك من الأخلاق أو العقائد المنافية للشريعة، فإن القلب هو الأصل. (33) وتأمل في قول رسول اللهِ ﷺ: «(إِنَّ الله لا يَنْظُرُ إِلى أَجْسادِكْم، وَلا إِلى صُوَرِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ) » وفي لفظ «(إِنَّ الله لا يَنْظُرُ إِلى صُوَرِكُمْ وَأَمْوالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ)» (رواه مسلم 2564) فتدبر كلماته. ومن الكتب النافعة في العناية بالقلب:
من فوائد الحديث:
بدر الصاعدي الهوامش
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |