حديث: سرية عَاصِمَ بنَ ثَابِتٍ الأنْصَارِيَّ - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-(سؤال وجواب) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 65 - عددالزوار : 52054 )           »          الحرص على الائتلاف والجماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 80 - عددالزوار : 45840 )           »          الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 196 - عددالزوار : 64229 )           »          فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 374 - عددالزوار : 155272 )           »          6 مميزات جديدة فى تطبيق الهاتف الخاص بنظام iOS 18 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          إيه الفرق؟.. تعرف على أبرز الاختلافات بين هاتف iPhone 12 و Google Pixel 9 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          برنامج الدردشة Gemini متاح الآن على Gmail لمستخدمى أندرويد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          كيفية حذف صفحة Word فى 3 خطوات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          خطوات.. كيفية إعادة ترتيب الأزرار وتغيير حجمها في مركز التحكم بـiOS 18 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 23-01-2024, 03:31 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,565
الدولة : Egypt
افتراضي حديث: سرية عَاصِمَ بنَ ثَابِتٍ الأنْصَارِيَّ





حديث: سرية عَاصِمَ بنَ ثَابِتٍ الأنْصَارِيَّ


الحديث:
«بَعَثَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَشَرَةَ رَهْطٍ سَرِيَّةً عَيْنًا، وأَمَّرَ عليهم عَاصِمَ بنَ ثَابِتٍ الأنْصَارِيَّ جَدَّ عَاصِمِ بنِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، فَانْطَلَقُوا حتَّى إذَا كَانُوا بالهَدَأَةِ -وهو بيْنَ عُسْفَانَ ومَكَّةَ- ذُكِرُوا لِحَيٍّ مِن هُذَيْلٍ، يُقَالُ لهمْ: بَنُو لَحْيَانَ، فَنَفَرُوا لهمْ قَرِيبًا مِن مِئَتَيْ رَجُلٍ، كُلُّهُمْ رَامٍ، فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ حتَّى وجَدُوا مَأْكَلَهُمْ تَمْرًا تَزَوَّدُوهُ مِنَ المَدِينَةِ، فَقالوا: هذا تَمْرُ يَثْرِبَ. فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ، فَلَمَّا رَآهُمْ عَاصِمٌ وأَصْحَابُهُ لَجَؤُوا إلى فَدْفَدٍ وأَحَاطَ بهِمُ القَوْمُ، فَقالوا لهمْ: انْزِلُوا وأَعْطُونَا بأَيْدِيكُمْ، ولَكُمُ العَهْدُ والمِيثَاقُ، ولَا نَقْتُلُ مِنكُم أحَدًا، قَالَ عَاصِمُ بنُ ثَابِتٍ أمِيرُ السَّرِيَّةِ: أمَّا أنَا فَوَاللَّهِ لا أنْزِلُ اليومَ في ذِمَّةِ كَافِرٍ، اللَّهُمَّ أخْبِرْ عَنَّا نَبِيَّكَ. فَرَمَوْهُمْ بالنَّبْلِ، فَقَتَلُوا عَاصِمًا في سَبْعَةٍ، فَنَزَلَ إليهِم ثَلَاثَةُ رَهْطٍ بالعَهْدِ والمِيثَاقِ، منهمْ خُبَيْبٌ الأنْصَارِيُّ، وابنُ دَثِنَةَ، ورَجُلٌ آخَرُ، فَلَمَّا اسْتَمْكَنُوا منهمْ أطْلَقُوا أوْتَارَ قِسِيِّهِمْ فأوْثَقُوهُمْ، فَقَالَ الرَّجُلُ الثَّالِثُ: هذا أوَّلُ الغَدْرِ، واللَّهِ لا أصْحَبُكُمْ، إنَّ لي في هَؤُلَاءِ لَأُسْوَةً. يُرِيدُ القَتْلَى، فَجَرَّرُوهُ وعَالَجُوهُ علَى أنْ يَصْحَبَهُمْ، فأبَى، فَقَتَلُوهُ، فَانْطَلَقُوا بخُبَيْبٍ وابْنِ دَثِنَةَ حتَّى بَاعُوهُما بمَكَّةَ بَعْدَ وقْعَةِ بَدْرٍ، فَابْتَاعَ خُبَيْبًا بَنُو الحَارِثِ بنِ عَامِرِ بنِ نَوْفَلِ بنِ عبدِ مَنَافٍ، وكانَ خُبَيْبٌ هو قَتَلَ الحَارِثَ بنَ عَامِرٍ يَومَ بَدْرٍ، فَلَبِثَ خُبَيْبٌ عِنْدَهُمْ أسِيرًا، فأخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بنُ عِيَاضٍ، أنَّ بنْتَ الحَارِثِ أخْبَرَتْهُ: أنَّهُمْ حِينَ اجْتَمَعُوا اسْتَعَارَ منها مُوسَى يَسْتَحِدُّ بهَا، فأعَارَتْهُ، فأخَذَ ابْنًا لي وأَنَا غَافِلَةٌ حِينَ أتَاهُ، قَالَتْ: فَوَجَدْتُهُ مُجْلِسَهُ علَى فَخِذِهِ والمُوسَى بيَدِهِ، فَفَزِعْتُ فَزْعَةً عَرَفَهَا خُبَيْبٌ في وجْهِي، فَقَالَ: تَخْشينَ أنْ أقْتُلَهُ؟ ما كُنْتُ لأفْعَلَ ذلكَ، واللَّهِ ما رَأَيْتُ أسِيرًا قَطُّ خَيْرًا مِن خُبَيْبٍ، واللَّهِ لقَدْ وجَدْتُهُ يَوْمًا يَأْكُلُ مِن قِطْفِ عِنَبٍ في يَدِهِ وإنَّه لَمُوثَقٌ في الحَدِيدِ، وما بمَكَّةَ مِن ثَمَرٍ، وكَانَتْ تَقُولُ: إنَّه لَرِزْقٌ مِنَ اللَّهِ رَزَقَهُ خُبَيْبًا، فَلَمَّا خَرَجُوا مِنَ الحَرَمِ لِيَقْتُلُوهُ في الحِلِّ، قَالَ لهمْ خُبَيْبٌ: ذَرُونِي أرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ. فَتَرَكُوهُ، فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: لَوْلَا أنْ تَظُنُّوا أنَّ ما بي جَزَعٌ لَطَوَّلْتُهَا، اللَّهُمَّ أحْصِهِمْ عَدَدًا ما أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا ... علَى أيِّ شِقٍّ كانَ لِلَّهِ مَصْرَعِي وَذلكَ في ذَاتِ الإلَهِ وإنْ يَشَأْ ... يُبَارِكْ علَى أوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ فَقَتَلَهُ ابنُ الحَارِثِ، فَكانَ خُبَيْبٌ هو سَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ لِكُلِّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ قُتِلَ صَبْرًا، فَاسْتَجَابَ اللَّهُ لِعَاصِمِ بنِ ثَابِتٍ يَومَ أُصِيبَ، فأخْبَرَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أصْحَابَهُ خَبَرَهُمْ وما أُصِيبُوا، وبَعَثَ نَاسٌ مِن كُفَّارِ قُرَيْشٍ إلى عَاصِمٍ حِينَ حُدِّثُوا أنَّه قُتِلَ، لِيُؤْتَوْا بشَيءٍ منه يُعْرَفُ، وكانَ قدْ قَتَلَ رَجُلًا مِن عُظَمَائِهِمْ يَومَ بَدْرٍ، فَبُعِثَ علَى عَاصِمٍ مِثْلُ الظُّلَّةِ مِنَ الدَّبْرِ، فَحَمَتْهُ مِن رَسولِهِمْ، فَلَمْ يَقْدِرُوا علَى أنْ يَقْطَعَ مِن لَحْمِهِ شيئًا» .
[الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 3045 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] التخريج : من أفراد البخاري على مسلم]
الشرح:
غَزوةُ الرَّجيعِ كانتْ في صَفَرٍ سَنةَ أربَعٍ مِنَ الهِجرةِ، والرَّجيعُ اسمٌ لِماءٍ بيْنَ مَكَّةَ وعُسْفانَ، وهو أقرَبُ إلى عُسفانَ، وهي قَريةٌ على مَسافةِ ثَمانينَ مِيلًا (128 كم تَقريبًا) مِن مَكَّةَ شَمالًا على طَريقِ المَدينةِ.
وفي هذا الحَديثِ يَرْوي أبو هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَعَثَ عَشَرةَ رَهْطٍ سَرِيَّةً عَينًا، والرَّهْطُ: الجَماعةُ مِنَ الرِّجالِ ما دُونَ العَشَرةِ، وقيلَ: ما دُونَ الأربَعينَ، والسَّرِيَّةُ: هي القِطعةُ مِنَ الجَيشِ يَبلُغُ أقصاها أربَعَ مِئةِ رَجُلٍ، والمُرادُ بالعَينِ: الذين يَستَطلِعونَ أخبارَ العَدُوِّ، وجَعَلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أميرَهم عاصِمَ بنَ ثابِتٍ الأنصاريَّ رَضيَ اللهُ عنه جَدَّ عاصِمِ بنِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ لِأُمِّه، فانطَلَقوا حتَّى بَلَغوا مَوضِعًا اسمُه الهَدأةُ، وهو بيْنَ عُسفانَ ومَكَّةَ، وهو على سَبعةِ أميالٍ مِن عُسفانَ، وذُكِروا لِحَيٍّ مِن هُذَيلٍ يُقالُ لهم: بَنو لِحيانَ، أي: عَرَفَ هذا الحَيُّ مِن هُذَيلٍ بهذِه السَّرِيَّةِ، فنَفَروا لهم، أي: فخَرَجتْ مَجموعةٌ مِن بَني لِحيانَ لِتِلكَ السَّرِيَّةِ يَتَّبِعونَهم فيما يُقارِبُ مِئَتَيْ رَجُلٍ، كُلُّهم يُحسِنُ رَمْيَ السِّهامِ، فتَتَبَّعوهم على ما يَبقَى مِن آثارٍ لهم حتى وَجَدوا في تلكَ الآثارِ بَقايا مَأْكَلِهم، وكانَ تَمرًا قد تَزوَّدوه مِنَ المَدينةِ قبْلَ خُروجِهم، ويَثرِبُ: اسمُ المَدينةِ المُنوَّرةِ القَديمُ، فلَمَّا عَثَروا على أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ورَآهُم عاصِمٌ وأصحابُه رَضيَ اللهُ عنهم، لَجَؤوا إلى فَدْفَدٍ -وهو المَكانُ المُرتَفِعُ- فحاصَرَهم فيه بَنو لِحيانَ، فأعطَى بَنو لِحيانَ لِعاصمٍ ومَن معه عَهدًا ومِيثاقًا أنْ يَستَسلِموا لهم وألَّا يَقتُلوا منهم أحَدًا، فقال عاصِمٌ رَضيَ اللهُ عنه أميرُ السَّرِيَّةِ: «أمَّا أنا فوَاللهِ لا أَنزِلُ اليَومَ في ذِمَّةِ كافِرٍ»، فرَفَضَ أنْ يَكونَ في عَهدِ كافِرٍ؛ لِأنَّه يَعلَمُ أنَّهم سيَغدِرُون به وأصحابِه، ثمَّ دَعا اللهَ قائِلًا: «اللَّهُمَّ أخبِرْ عَنَّا نَبِيَّكَ»، أي: بَلِّغْه خَبَرَنا وما حَدَثَ لنا، فلَمَّا امتَنَعَ عاصِمٌ ومَن معه عن الاستِسلامِ لهم رَمَوْهم بالنَّبْلِ، وهي السِّهامُ، فقَتَلوا عاصِمًا أميرَ السَّريَّةِ في سَبعةٍ مِن رِجالِ السَّرِيَّةِ، ونَزَلَ ثَلاثةٌ مِنهم على العَهدِ والمِيثاقِ الذي أَعطَوْهُ لهم، وهُم: خُبَيْبُ بنُ عَديٍّ الأنصاريُّ، وزَيدُ بنُ الدَّثِنةِ الأنصاريُّ، ورَجُلٌ آخَرُ، قيلَ هو: عَبدُ اللهِ بنُ طارِقٍ، فما أنْ نَزَلَ هؤلاء الثَّلاثةُ على عَهدِهم، واستَمكَنَ بَنو لِحيانَ مِنهم حتَّى أوثَقوهم بأَوتارِ قِسِيِّهم، وهي الحِبالُ المَشدودةُ التي تُستَخدَمُ في رَمْيِ السِّهامِ، فلَمَّا رأَى منهمُ الرَّجُلُ الثَّالِثُ عَبدُ اللهِ بنُ طارِقٍ غَدْرَهم هذا، قال: هذا أوَّلُ الغَدْرِ، وعَلِمَ أنَّهم سيَستَمِرُّونَ في غَدْرِهم لهم، فامتَنَعَ مِنَ الذَّهابِ معهم، فغَصَبوه وجَرُّوه، فامتَنَعَ، فقَتَلوه، وانطَلَقوا بخُبَيبٍ وابنِ دَثِنةَ، حتَّى باعُوهما بمَكَّةَ، وكان ذلك بعْدَ غَزوةِ بَدرٍ؛ إشارةً لِمَا تَرتَّبَ على تلك الغَزوةِ مِن بَعضِ الثَّأْرِ مِنَ المُشرِكينَ مع المُسلِمينَ، واشْتَرى بَنو الحارِثِ بنِ عامِرٍ خُبَيبًا، وهُم: عُقبةُ وأبو سِروَعةَ ابنا الحارِثِ، وأخوهما لِأُمِّهما حُجَيرُ بنُ أبي إهابٍ، وكانَ خُبَيبٌ قد قَتَلَ الحارِثَ بنَ عامِرٍ يَومَ بَدرٍ، فأصبَحَ خُبَيْبٌ عِندَ بَني الحارِثِ أسيرًا، واشتَرى صَفوانُ بنُ أُميَّةَ الأسيرَ الثَّانيَ، وهو ابنُ الدَّثِنَةِ، وقَتَلَه بمَكَّةَ.
ثمَّ أخبَرَ عُبَيدُ اللهِ بنُ عِياضٍ -أحَدُ رُواةِ الحَديثِ- أنَّ زَينَبَ بِنتَ الحارِثِ أخبَرَتْه عن بَعضِ ما حَدَثَ لِخُبَيبٍ عِندَهم؛ فأخبَرَتْه أنَّه لَمَّا اجتَمَعَ بَنو الحارِثِ لِقَتلِ خُبَيبٍ، استَعارَ خُبَيبٌ مِنَها مُوسى يَستَحِدُّ بها، أي: شَفرةً يُزيلُ بها شَعرَ العانةِ، فأعْطَتْه الشَّفرةَ التي طَلَبَها. وكان قدِ اقتَرَبَ ابنٌ لها مِن خُبَيبٍ رَضيَ اللهُ عنه حالَ وُجودِ الشَّفرةِ بيَدِه، وأمُّهُ غافِلةٌ عنه، فبَحَثتْ عنِ ابنِها فوَجَدَتْه يَجلِسُ على فَخِذِ خُبَيبٍ والشَّفرةُ بيَدِ خُبَيبٍ، فظَنَّتْ أنَّه قاتِلُه، ففَزِعَتْ لِوَلَدِها وخافَتْ، فعَرَفَ خُبَيبٌ ذلك في وجْهِها، فطَمْأنَها، وقال: تَخشَيْنَ أنْ أقتُلَه؟ ما كُنتُ لِأفعَلَ ذلك.
ثمَّ أخبَرَتْ بِنتُ الحارِثِ عن بَعضِ كَراماتٍ حَدَثتْ لِخُبَيبٍ، فقالت: واللهِ ما رَأيتُ أسيرًا قَطُّ خَيرًا مِن خُبَيبٍ؛ لقد وَجَدْتُه يَومًا يَأكُلُ مِن قِطْفٍ -وهو العُنقودُ- مِن عِنبٍ في يَدِه وإنَّه مُقيَّدٌ بالحَديدِ، وما بمَكَّةَ مِن ثَمَرِ العِنَبِ شَيءٌ، وكانت تَقولُ وتَجزِمُ: إنَّهُ لَرِزقٌ مِنَ اللهِ رَزَقَه خُبَيبًا، وهذا مِن كَراماتِه رَضيَ اللهُ عنه.
فلَمَّا عَزَموا على قَتْلِه، خَرَجَ به بَنو الحارِثِ مِنَ الحَرَمِ إلى الحِلِّ؛ لِيَقتُلوه خارِجَ الحَرَمِ المَكِّيِّ، فطَلَبَ منهم خُبَيبٌ أنْ يَدَعوه يُصَلِّي رَكعَتَيْنِ، فتَرَكوه، ثمَّ قال: لَولا أنْ تَظنُّوا أنَّ بي خَوفًا وضَجَرًا مِن قَتلِكم لي، لَطَوَّلتُ صَلاتي، ثمَّ دَعا عليهم بقَولِه: «اللَّهُمَّ أحصِهم عَدَدًا»، أي: استأْصِلْهم بالهَلاكِ وعَدَمِ البَقاءِ على أحَدٍ منهم. ثمَّ قال:
ولَستُ أُبالي حِينَ أُقتَلُ مُسلِمًا ... على أيِّ شِقٍّ كانَ للهِ مَصرَعي
والشِّقُّ: الجَنبُ، والمَصرَعُ: المَوتُ والهَلاكُ.
وذلك في ذاتِ الإلهِ وإنْ يَشَأْ ... يُبارِكْ على أوْصالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ
أي: إنَّه لا يُبالي بالمَوتِ ما دامَ في سَبيلِ اللهِ، وإنْ يَشأِ الإلهُ أنْ يُبارِكَ أعضاءَ جَسَدٍ يُقطَّعُ، والأوْصالُ: المَفاصِلُ، والشِّلْوُ: العُضوُ مِن أعضاءِ الجَسَدِ، والمُمَزَّعُ: المُقَطَّعُ، ثمَّ قَتَلَه ابنُ الحارِثِ بالتَّنعيمِ، وصَلَبَه هناك، وكانَ خُبَيبٌ رَضيَ اللهُ عنه هو مِنْ أوَّلِ مَن سَنَّ رَكعتَيْنِ لكُلِّ امرئٍ مُسلِمٍ قُتِلَ صَبرًا، أي: مَحبوسًا لِلقَتلِ.
وقدِ استَجابَ اللهُ لِعاصِمِ بنِ ثابِتٍ رَضيَ اللهُ عنه يَومَ أُصيبَ، فأخبَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أصحابَه خَبَرَهم وما أصابَهُم مِن قَتْلٍ. وكانَ عاصِمٌ قدْ قَتَلَ مِن قُرَيشٍ رَجُلًا مِن عُظَمائِهم، وهو عُقبةُ بنُ أبي مُعَيطٍ، فلَمَّا أُخبِروا أنَّه قد قُتِلَ بَعَثوا ناسًا لهم لِيَأتوا بقِطعةٍ مِن جَسَدهِ يُعرَفُ بها لِيَتأكَّدوا مِن مَقْتَلِه، فأرسَلَ اللهُ على جَسَدِه مِثلَ الظُّلَّةِ مِنَ الدَّبْرِ، والظُّلَّةُ: السَّحابةُ، والدَّبْرُ: ذُكورُ النَّحلِ، والمُرادُ: أنَّ اللهَ حَمَى جَسَدَ عاصِمٍ مِن كُفَّارِ قُرَيشٍ بتَظليلِ ذُكورِ النَّحلِ لِجَسَدِهِ، فلم يَقدِروا على أنْ يَقطَعوا مِن لَحمِه شَيئًا.
وفي الحَديثِ: عَلَمٌ مِن أعلامِ نُبُوَّتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفيه: بَيانُ أنَّ اللهَ تَعالى يَحفَظُ عِبادَه المُؤمِنِينَ في الحَياةِ وبعْدَ المَماتِ، وأنَّ المَوتَ شَهادةٌ، ليس هَلاكًا لِلمُسلِمِ، وإنَّما هو كَرامةٌ وفَضلٌ.
وفيه: أنَّ المُسلِمَ الحَقَّ لا يَغدِرُ بمَن غَدَرَ به.
وفيه: مَنقَبةٌ وفَضيلةٌ ظاهِرةٌ لِعاصِمِ بنِ ثابِتٍ الأنصاريِّ، وخُبَيبِ بنِ عَديٍّ رَضيَ اللهُ عنهما.
وفيه: إثباتُ كَراماتِ الأوْلياءِ، وحِفظِ اللهِ تَعالى لِأوليائِه وعِبادِه الصَّالِحينَ، واستِجابَتِه لِدَعوَتِهم.

الدرر السنية







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 53.77 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 52.10 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (3.10%)]