|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() العلاقات الطيبة .. نبع الخير الدائم لا ريب أن للعلاقات الاجتماعية دورًا وأثرًا في حياتنا، من حيث القرارات والاختيارات والأنشطة المختلفة، وما يمكن أن نشعر به في أحايين كثيرة من فرح وسعادة، أو حزن وشقاء، بل لعل الأمر يصل في بعض الأحيان إلى أكثر من ذلك حتى قال بعض علماء الاجتماع: “إن كثيرًا من صور الاضطراب العقلي ينشأ عن اجتماع درجة عالية من المشاق مع درجة منخفضة من المساندة الاجتماعية” [1] التعارف.. أول الخيوط ويمكن القول إن حاجة الناس إلى العلاقات الاجتماعية حاجة مهمة وضرورية لثلاثة أسباب جوهرية، هي: المساعدة العملية في بعض الشئون، وإسداء النصح، وتقديم التعاطف، والاستماع إلى الشكوى بإخلاص وتفهم، وتماثل الاهتمامات والمشاركة في بعض الأنشطة [2]. وبناء على هذا فلن نعجب كثيرًا حين نجد أن رؤية الإسلام في مجال العلاقات الإنسانية تؤسس لعدد كبير من المفاهيم والأدبيات التي تدفع المرء إلى الالتحام بمجتمعه، وإلى إقامة شبكة واسعة من الصلات على مختلف المستويات، وفي كافة الاتجاهات، وحسبنا أن نستعرض النصوص القرآنية أو النبوية [3]، ويأتي في صدارة ما يحفظه أكثرنا قوله تعالى: { يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا } [الحجرات:13]. وقوله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا} [النساء:86]. ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم: “لا تحقرن من المعروف شيئًا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق [رواه مسلم]، وقوله: “لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم” [رواه مسلم]. ومن ثم فالتعارف مطلوب، والمسلم مطالب بأن يسلّم على من عرف، ومن لم يعرف، ومكلف بأن يرد التحية بمثلها أو بأحسن منها، وأن يلقى الناس بوجه هاش باش، ولا يستهين بهذه الآداب ويعرض عن تطبيقها إلا مصاب في أخلاقه بمرض الكبر والعجب بالنفس، أو بالأنانية المفرطة. سمة اجتماعية راقية إن فهمنا لهذه النصوص الشرعية يصير دافعًا لنا لتحسين رعاية علاقتنا وتنميتها، وهو ما يتطلب من المسلم الواعي المستنير بهدي دينه، وتوجيهات شريعته، أن يكون آلفًا مألوفًا، يألف الناس ويخالطهم ويوادهم، ويألفه الناس ويخالطونه ويحبونه، لما تمثله هذه الصفة من سمة اجتماعية راقية، يتصف بها المسلم الراقي الذي وعى رسالة دينه، وأدرك أن الاتصال بالناس في المجتمع وكسب ثقتهم من أهم واجبات المسلم، وأنه الوسيلة الفعالة الناجعة لإسماعهم كلمة الحق، وتعريفهم بالقيم والمثل العليا التي يحملها، ذلك أن الناس لا يستمعون إلا لمن يألفون ويثقون به، ولا يقتنعون بكلام إلا إذا صدر ممن يحملون له شيئًا من الثقة والود والقبول [4]. آلف وتآلف ومن هنا جاءت نصوص كثيرة في السنة تعلي من هذا النمط الذي يألف ويُؤْلف، وتجعله من الصفوة المختارة، بل أحب الفئات إلى رسولنا صلى الله عليه وسلم، حيث قال صلى الله عليه وسلم: “ألا أخبركم بأحبكم إلي وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة؟” فسكت القوم، فأعادها مرتين أو ثلاثًا، قال القوم: نعم يا رسول الله. قال: أحسنكم خلقًا” [رواه أحمد]. وزادت بعض الروايات: “الموطَّئُون أكنافًا، الذين يألفون ويُؤْلفون”. فإن من صفات المؤمن أن يكون آلفًا مألوفًا يحب الناس ويحبونه، يقبل عليهم ويقبلون عليه، وإذا لم يكن كذلك فإنه لا يستطيع أن يؤدي رسالة، ولا ينهض بعبء، ومن كان كذلك لا خير فيه كما قال صلى الله عليه وسلم: “المؤمن يألف ويُؤلف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يُؤلف” [رواه أحمد]. ولقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم لأمته المثل الأعلى في حسن سلوكه مع الناس، وبراعته في تأليف قلوبهم، ودعاها للتأسي به في القول والعمل والسلوك، ورسم لنا أقصر طريق لكيفية الدخول إلى قلوب الناس، والوصول إلى حبهم وإعجابهم والانسجام معهم، ولا يقتصر ذلك على من يعجبنا شكلهم، أو ملبسهم، أو كلامهم وفكرهم فحسب، بل يتعداه إلى كل الناس، فها هي السيدة عائشة تحدثنا أنه كان يتقي شرار الناس، ويستميلهم بلين الكلام وحسن المعاملة، فقد استأذن رجل عليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “بئس أخو العشيرة وبئس ابن العشيرة. فلما جلس تطلَّق النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه وانبسط إليه، فلما انطلق الرجل قالت عائشة: يا رسول الله، حين رأيت الرجل قلت له كذا وكذا، ثم تطلقت في وجهه، وانبسطت إليه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا عائشة متى عهدتني فحّاشًا، إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره. [رواه البخاري] [5]. العبور إلى الإنجاز وإذا كان للتعارف والعلاقات الإنسانية بعد وأثر دنيوي وأخروي لا يستهان بهما، فإن الاهتمام لا ينبغي أن ينصب على خطوة إقامة العلاقات ثم التوقف “لأننا حين نريد من صحبتنا للآخرين شيئًا آخر أكبر من الدعم الاجتماعي، أو أكثر من المؤانسة، فإن علينا آنذاك أن نبحث في كيفية إيجاد الأجواء التي تُمكن من التأثير والتأثر، وعبور الأفكار والقناعات والمشاعر بغية إنجاز أشياء مشتركة تعود علينا، أو على المصلحة العامة بالخير والنفع”. فنحن حين نرى شخصين منسجمين انسجامًا تامًا ومتفاهمين تفاهما كاملا أو شبه كامل، فإن هذا دليل على وجود الكثير من الأمور المشتركة بينهما، في طريقة التفكير وفي الاهتمامات والذوق وسلم القيم.. وربما كان من العسير على الواحد منا أن يحقق درجة عالية جدا من الألفة مع أعداد كبيرة من الناس، وعلى نحو مستمر، ولكن بالإمكان تحقيق ذلك مع عدد محدود من الناس، ومع ذلك فإن هذا العدد المحدود قابل للنمو والازدياد بقدر ما نرعى العلاقات التي ننشئها، ونمتنها بأسباب الألفة والوئام؛ لتشكل مع الأيام جسورًا لتواصل أعمق، وأبعد أثرًا [6]. سلوكيات تثمر التناغم إن كل سلوكيات إحداث الألفة والوئام تتمحور حول تعظيم القواسم المشتركة، وأوجه التشابه بين من يسعون إلى التآلف سواء أكانوا أفرادًا أو مجموعات، وهذا ما نسميه أحيانًا المجاملة المقننة [7]، والوسائل التي تؤدي إلى ولادة نوع من التآلف والانسجام والتناغم بين الأفراد أو المجموعات كثيرة، نذكر منها على سبيل التمثيل لا الحصر ما يلي:
والخلاصة أننا إذا راجعنا الحقوق والأدبيات التي يرتبها الإسلام على أشكال التواصل الاجتماعي، وأنماط العلاقات الإنسانية، وجدنا أنه يريد لها الاستمرار والنماء، فاستمرار العلاقات الطيبة هو نبع لخير دائم، حيث لا يمكن بناء مجتمع جيد من أفراد لا تسود بينهم درجة جيدة من الاندماج والتعاون [8]. يوسف إسماعيل – باحث شرعي ولغوي [1] عصرنا والعيش في زمانه الصعب، د/ عبد الكريم بكار، دار القلم – دمشق، الطبعة الأولى 1421-2000، ص 266. [2] المرجع السابق، ص 263، 264، بتصرف. [3] المرجع السابق ، ص 266 بتصرف. [4] شخصية المسلم كما يصوغها الإسلام في الكتاب والسنة، د/ محمد علي الهاشمي، بيروت- دار البشائر الإسلامية، ط 10، 1423هـ، 2002م، بتصرف يسير. [5] المرجع السابق، ص 294- 296، بتصرف. [6] عصرنا والعيش في زمانه الصعب، مرجع سابق، ص 282 بتصرف. [7] عصرنا والعيش في زمانه الصعب، مرجع سابق، ص 283. [8] المرجع السابق، ص 323 بتصرف يسير.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |