|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() أخلاق الإسلام في الحرب (١) شريعة الإسلام تلتزم الأخلاق والقيم وتسعى لتحقيقها
من أعظم ما تتميز به شريعة الإسلام أنها شريعة أخلاقية، تلتزم الأخلاق والقيم، وتسعى لتحقيقها وتكميلها في كل ظروفها وأحوالها، ولا سيما في أوقات الحروب التي تختبر فيها حقيقة هذه المبادئ، وتزول الأقنعة المزيفة التي تتجمل بها بعض الأمم في أوقات الرخاء والسلم، وهذه من أهم جوانب التفوق الحضاري للإسلام على ما سواه من الشرائع والنظم الدينية والوضعية، فالأديان السماوية التي عبثت بها أيدي البشر تأمر في نصوصها صراحة بقتل الأبرياء ومن لا ذنب لهم، فضلا عن الإفساد في الأرض. وإن المتأمل في الحروب العالمية يجد أنها خلّفت قتلى بالملايين، فضلا عن حرق المدن والتعذيب واغتصاب النساء والأطفال، وسياسة الأرض المحروقة التي تقوم على إبادة كل مظاهر الحياة في المدن، وغابت الإنسانية والأخلاق تمامًا عن هذه الحروب، وبعد انتهائها حاول المنتصرون فيها وضع أسس أخلاقية؛ لمنع تكرار هذه المآسي والكوارث الناشئة عن هدم كل المعايير الأخلاقية في أثناء الحرب، وتغنّى الكثيرون في العالم بشعارات هذه المواثيق، وأنها أرقى ما وصلت إليه البشرية في تاريخها كله. شعارات جوفاء ولكن لم تصمُد هذه الشعارات الجوفاء أمام اختبار الواقع والحقيقة، فثارت في ظل هذا النظام حروب كثيرة، انتُهكت فيها كل هذه المواثيق على يد من وضعوها وعظّموها، بل وفرضوا على العالم الضعيف احترامها، واستثنوا أنفسهم وحلفاءَهم من الالتزام بها، ويرجع ذلك إلى أن المرجعية الأخلاقية التي يحتكم إليها ساسة هذه النظم هي المصلحة والمنفعة، فإذا حصل التعارض تنكروا للأخلاق. النظرة الإلحادية الدارونية ويرجع ذلك أيضًا للكبر الذي أُشرِبه هؤلاء؛ فجعلهم ينظرون لغيرهم من البشر على أنهم (أغيار) ليسوا بشرًا كاملين في نفس درجة الإنسانية التي وصلوا إليها، وعزز هذه النظرة انتشار نظريات الإلحاد والداروينية، التي جعلت العلاقة بين البشر قائمة على الصراع للبقاء، وجعلت هناك جنسًا أرقى وجنسًا أدنى، وأن الصراع بينهم حتمي، والبقاء للأقوى؛ ولذلك في الوقت الذي كان يتغنى هؤلاء بشعارات الحقوق والحريات كان يمارس المحتل أبشعَ أنواع المظالم، وينتهك جميع الحقوق للشعوب الضعيفة المقهورة. عظمة مبادئ الإسلام وأحكامه لذلك كان لابد من بيان جانب يظهر به مدى عظمة الإسلام فيما شرعه وسنَّه من أحكام ومبادئ تنظم أحكام الحرب والقتال في جميع مراحله، وتبين كذلك المبادئ العامة التي يتعامل من خلالها المسلمون في هذا الباب.
قيمة العدل والإنصاف في الحروب وقد برزت قيمة العدل والإنصاف في الحروب في بواكير العمل العسكري بعد الإذن بالقتال، وهي سرية عبد الله بن جحش -رضي الله عنه- حينما تعقبوا قافلة لقريش، وقتلوا منها عمرو بن الحضرمي وأسروا اثنين، وفرَّ الرابع إلى قريش، فشنع المشركون عليهم بالقتل في الشهر الحرام، وشق ذلك على المسلمين، فنزل قوله -تعالى-: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} (البقرة: 217). فأجابت الآية ببيان حكم ما وقع من المسلمين، وأنه إثم كبير، ولا يجوز، وردّت على المشركين تشنيعهم على المسلمين، وأن ما هم عليه أعظم بكثير مما وقع من المسلمين، وأن انتهاكهم للشهر الحرام والبلد الحرام أعظم، وأعظم من كل ذلك فتنتهم المسلمين عن دينهم، وإجبارهم على الشرك. والشاهد أن القرآن لم يجعل القتال والحرب مسوّغًا لمخالفة الشريعة وانتهاك أحكامها، حتى ولو كان قد وقع من المشركين ذلك، وفي هذا أبلغ الدلالة على مدى التزام الإسلام بالأخلاق في حال الحرب.
(1) الدفاع عن المستضعفين قال -تعالى-: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا} (النساء: 75)، وقال -تعالى-: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (الحج: 39، 40). (2) منع الفتنة في الدين قال -تعالى-: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ} (البقرة: 193)، والفتنة هنا بإجماع المفسرين: الشرك، وليس المقصود بذلك إفناء جميع الكفار؛ فإن هذا بالقطع ليس الغاية التي ينتهي عندها القتال، وهو غير مقدور وغير مأمور، ولم يفعله النبي -صلى الله عليه وسلم -ولا المسلمون في تاريخهم، وإنما المقصود: ألا يكون هناك كفر ظاهر على بقعة، فيفتن المشركون المتسلطون المسلمين عن دينهم، كما قال -تعالى- {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} (البروج: 10). (3) حماية الدعوة إلى الله -تعالى فلم يشرع الجهاد لإكراه الناس على الدخول في الإسلام؛ فإن ذلك منفي في كتاب الله -تعالى-: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} (البقرة: 256)، ومن المعلوم أن المسلمين لم يكرهوا أهل البلدان المفتوحة على ترك دينهم، بل أقروهم على ما هم عليه، ولكن كانت وظيفة الجهاد إزاحة أئمة الكفر الذين يفرضونه على الناس، ويحولون بينهم وبين نور الإسلام، كما قال ربعي بن عامر في مقولته الشهيرة لرستم: «الله ابتعثنا، والله جاء بنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه، فمن قبل منا ذلك قبلنا ذلك منه ورجعنا عنه، وتركناه وأرضه يليها دوننا، ومن أبى قاتلناه أبدا حتى نفضي إلى موعود الله». (4) الحفاظ على وحدة المسلمين ولذلك شرع الإسلام قتال البغاة والخوارج، وهذا النوع من القتال وإن كان بين المسلمين، إلا أنه أيضا شرع لمنع الفتنة ودرءًا لفساد أعظم، ومع ذلك ضيّق الشرع فيه، فجعله آخر الدواء، بعد استنفاذ الطرائق الأخرى لرد عدوانهم، كالنظر في مطالبهم المشروعة، وإزالة شبهاتهم، ومحاورتهم ومناظرتهم، وغير ذلك من الطرائق السلمية، ثم عند الاضطرار لمحاربتهم يقتصر فقط على مقدار ما تندفع به الضرورة، فلا تنتهك جميع حرماتهم، فلا يتبع مدبرهم، ولا يجهز على جريحهم، وغير ذلك مما هو مذكور في أبواب قتال البغاة في كتب الفقه؛ لأن المقصود دفع العدوان ومنع الفتنة بالأسهل فالأسهل. فهذه أهداف القتال في الإسلام، وكلها أهداف أخلاقية، ليس منها التسلط على رقاب الخلق، ولا إعلاء جنس معين، ولا تسخير الشعوب لخدمته، أو السيطرة على ثرواتهم وخيراتهم.
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() ![]() أخلاق الإسلام في الحرب (٢) الوفاء بالعهود والمواثيق
من أعظم ما تتميز به شريعة الإسلام أنها شريعة أخلاقية، تلتزم بالأخلاق والقيم، وتسعى لتحقيقها وتكميلها في كل ظروفها وأحوالها، ولا سيما في أوقات الحروب التي تختبر فيها حقيقة هذه المبادئ، وتزول الأقنعة المزيفة التي تتجمل بها الأمم جميعها في أوقات الرخاء والسلم، وهذه من أهم جوانب التفوق الحضاري للإسلام على ما سواه من الشرائع والنظم الدينية والوضعية؛ فالأديان السماوية التي عبثت بها أيدي البشر، تأمر في نصوصها صراحة بقتل الأبرياء ومن لا ذنب لهم والإفساد في الأرض. وقد تكلمنا في الحلقة الماضية عن عظمة مبادئ الإسلام وأحكامه، وذكرنا من ذلك الأمر بالعدل مع الخلق جميعهم، وأهداف الحرب في الإسلام، وذكرنا أنها أهداف أخلاقية، واليوم نكمل الحديث عن هذه العظمة وهي التزام العهود والمواثيق، ووجوب الدعوة قبل القتال. ثالثًا: التزام العهود والمواثيق شدّد الإسلام في الوفاء بالعهود، وأغلظ الوعيد في نقضها، قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} (المائدة: 1)، وهذا شامل للعهود والمواثيق مع غير المسلمين، وقال -تعالى-: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلَا تَنقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91) وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} (النحل: 91، 92). قال ابن كثير -رحمه الله-: «هذا مما يأمر الله -تعالى- به، وهو الوفاء بالعهود والمواثيق والمحافظة على الأيمان المؤكدة»، قال ابن عباس: {أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ} أي: أكثر، وقال مجاهد: كانوا يحالفون الحلفاء فيجدون أكثر منهم وأعز، فينقضون حلف هؤلاء ويحالفون أولئك الذين هم أكثر وأعز، فَنُهوا عن ذلك، فانظر كيف أمرهم بالحفاظ على العهد، وإن كان مخالفًا للمصلحة في ظنهم. أهمية الوفاء بالعهود ومن أعظم ما يبين أهمية الوفاء بالعهود قوله -تعالى-: {وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ} (الأنفال: 72)، قال القرطبي -رحمه الله-: «يريد: إن دعوا هؤلاء المؤمنون الذين لم يهاجروا من أرض الحرب عونكم بنفير أو مال لاستنقاذهم فأعينوهم، فذلك فرض عليكم فلا تخذلوهم، إلا أن يستنصروكم على قوم كفار بينكم وبينهم ميثاق، فلا تنصروهم عليهم، ولا تنقضوا العهد حتى تتم مدته». تطبيق الوفاء في صلح الحديبية وهذا الأمر قد طبقه النبي -صلى الله عليه وسلم - في صلح الحديبية، وكان من بنودها ما طلبه سهيل بن عمرو: علَى أنَّه لا يَأْتِيكَ مِنَّا رَجُلٌ وإنْ كانَ علَى دِينِكَ إلَّا رَدَدْتَهُ إلَيْنَا، قالَ المُسْلِمُونَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! كيفَ يُرَدُّ إلى المُشْرِكِينَ وقدْ جَاءَ مُسْلِمًا؟! فَبيْنَما هُمْ كَذلكَ إذْ دَخَلَ أبو جَنْدَلِ بنُ سُهَيْلِ بنِ عَمْرٍو يَرْسُفُ في قُيُودِهِ، وقدْ خَرَجَ مِن أسْفَلِ مَكَّةَ حتَّى رَمَى بنَفْسِهِ بيْنَ أظْهُرِ المُسْلِمِينَ، فَقالَ سُهَيْلٌ: هذا -يا مُحَمَّدُ- أوَّلُ ما أُقَاضِيكَ عليه أنْ تَرُدَّهُ إلَيَّ، فَقالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّا لَمْ نَقْضِ الكِتَابَ بَعْدُ»، قالَ: فَوَاللَّهِ إذًا لَمْ أُصَالِحْكَ علَى شَيءٍ أبَدًا، قالَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم -: «فأَجِزْهُ لِي»، قالَ: ما أنَا بمُجِيزِهِ لَكَ، قالَ: «بَلَى فَافْعَلْ»، قالَ: ما أنَا بفَاعِلٍ، قالَ مِكْرَزٌ: بَلْ قدْ أجَزْنَاهُ لَكَ، قالَ أبو جَنْدَلٍ: أيْ مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ، أُرَدُّ إلى المُشْرِكِينَ وقدْ جِئْتُ مُسْلِمًا! ألَا تَرَوْنَ ما قدْ لَقِيتُ؟! وكانَ قدْ عُذِّبَ عَذَابًا شَدِيدًا في اللَّه. وفي رواية أبي داود: فَردَّ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أبا جَندَلٍ بنِ سُهَيلٍ يَومَئذٍ إلى أبيهِ سُهَيلٍ بنِ عَمرٍو، ولَم يَأتِ رَسولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أحَدٌ مِن الرِّجالِ، إلَّا ردَّهُ في تِلكَ المدَّةِ، فالتزم النبي -صلى الله عليه وسلم - بالعهد المبرم، الذي كان يحقق مصلحة المسلمين في الجملة وفي المآل، وإن حصل بسببه بعض الضرر لبعضهم في الحال. وقال -تعالى-: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} (الأنفال: 58)، قال ابن كثير -رحمه الله-: «يقول -تعالى- لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ} قد عاهدتهم {خِيَانَة} أي: نقضا لما بينك وبينهم من المواثيق والعهود، {فَانبِذْ إِلَيْهِم} أي: عهدهم { عَلَى سَوَاءٍ} أي: أعلمهم بأنك قد نقضت عهدهم، حتى يبقى علمك وعلمهم بأنك حرب لهم، وهم حرب لك، وأنه لا عهد بينك وبينهم على السواء، أي: تستوي أنت وهم في ذلك... {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} أي: حتى ولو في حق الكفار لا يحبها أيضا». الوفاء في حروب المسلمين وجهادهم وهذه الأمور طبقها المسلمون في حروبهم وجهادهم، فعَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: كَانَ مُعَاوِيَةُ يَسِيرُ بِأَرْضِ الرُّومِ، وَكَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ أَمَدٌ، فَأَرَادَ أَنْ يَدْنُوَ مِنْهُمْ، فَإِذَا انْقَضَى الْأَمَدُ غَزَاهُمْ، فَإِذَا شَيْخٌ عَلَى دَابَّةٍ يَقُولُ: اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وَفَاءٌ لَا غَدْرٌ، إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ فَلَا يَحِلَّنَّ عُقْدَةً وَلَا يَشُدَّهَا حَتَّى يَنْقَضِيَ أَمَدُهَا، أَوْ يَنْبِذَ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ»، فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةَ فَرَجَعَ، وَإِذَا الشَّيْخُ عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ، قال الشوكاني -رحمه الله-: «وفي الحديث دليل على أنه لا يجوز المسير إلى العدو في آخر مدة الصلح بغتة، بل الواجب الانتظار حتى تنقضي المدة أو النبذ إليهم على سواء». قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «ومعلوم أنه إنما نهى عن ذلك لئلا يكون فيه خديعة بالمعاهدين، إن لم يكن في ذلك مخالفة لما اقتضاه لفظ العهد، فعلم أن مخالفة ما يدل عليه العقد لفظًا أو عرفًا خديعةٌ، وأنه حرام». تأكيد السنة على الوفاء وأكدت السنة على هذا الأصل المهم: فعن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو -رضي الله عنهما-، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرَح رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا، وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ فَلَا يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ سَبْعِينَ عَامًا. والمعاهد هنا يشمل أنواع المعاهدين كلهم، وهم:
رابعا: وجوب الدعوة قبل القتال فلا يجوز القتال قبل الدعوة للإسلام، وتخييرهم بين الإسلام أو الجزية، فلما أعطى النبي - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب الراية يوم خيبر قال له علي: نُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا؟ فَقَالَ: «عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ، فَوَاللهِ لَأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ»، فحثه على دعوتهم، وألا يستعجل الفتح والغنائم، وأن هداية واحد منهم فقط خير من كل الغنائم. وفي حديث بريدة مرفوعا: «وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ أَوْ خِلَالٍ، فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ»، وهذا يبين أهمية الجانب الأخلاقي، وأن محبة هداية الخلق مع بقاء ملكهم على ما في أيديهم، وهدم الإسلام لما قبله، مقدّم على قتالهم وغنيمة أموالهم، أو الانتقام منهم على ما سلف منهم قبل إسلامهم. وهذه الدعوة قبل القتال تكون واجبة إذا لم تبلغهم الدعوة، وأما إذا بلغتهم من قبل فيستحب تجديدها، كما في حديث علي يوم خيبر، ولكن لا يجب ذلك، لأن النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَغَارَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهُمْ غَارُّونَ، أي: وهم غافلون، قال النووي -رحمه الله-: «وفي هذا الحديث: جواز الإغارة على الكفار الذين بلغتهم الدعوة من غير إنذار بالإغارة». في هذه المسألة ثلاثة مذاهب، حكاها المازري والقاضي:
من عجيب القصص ومن عجيب القصص في ذلك ما أورده الطبري في تاريخه: أن أهل سمرقند قد شكوا إلى عمر بن عبد العزيز ظلما أصابهم وتحاملا من قتيبة بن مسلم، فأمر عمر نائبه بتعيين قاض ينظر في أمرهم وقال له: «إذا أتاك كتابي فأجلس لهم القاضي، فلينظر في أمرهم، فإن قضى لهم فأخرجهم إلى معسكرهم (يعني المسلمين الغزاة) كما كانوا وكنتم، قبل أن يظهر عليهم قتيبة». فقضى القاضي بأن يخرج عرب سمرقند إلى معسكرهم وينابذوهم على سواء، فيكون صلحا جديدا أو ظفرا عنوة، فقال أهل سمرقند: بل نرضى بما كان، ولا نجدد حربا، وتراضوا بذلك. اعداد: مركز سلف للبحوث والدراسات
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() أخلاق الإسلام في الحرب (3) الالتزام بالأخلاق والأحكام الشرعية في أثناء القتال
من أعظم ما تتميز به شريعة الإسلام أنها شريعة أخلاقية، تلتزم بالأخلاق والقيم، وتسعى لتحقيقها وتكميلها في كل ظروفها وأحوالها، ولا سيما في أوقات الحروب التي تختبر فيها حقيقة هذه المبادئ، وتزول الأقنعة المزيفة التي تتجمل بها بعض الأمم في أوقات الرخاء والسلم، وهذه من أهم جوانب التفوق الحضاري للإسلام على ما سواه من الشرائع والنظم الدينية والوضعية، فالأديان السماوية المحرفة التي عبثت بها أيدي البشر تأمر في نصوصها صراحة بقتل الأبرياء ومن لا ذنب لهم والإفساد في الأرض. وقد تكلمنا في الحلقات الماضية عن عظمة مبادئ الإسلام وأحكامه، وذكرنا من ذلك الأمر بالعدل مع جميع الخلق، وأهداف الحرب في الإسلام وذكرنا أنها أهداف أخلاقية، ثم تكلمنا عن التزام الإسلام بالعهود والمواثيق، وذكرنا أن الإسلام شدّد في الوفاء بالعهود، وأغلظ الوعيد في نقضها، واليوم نتكلم عن الالتزام بالأخلاق والأحكام الشرعية في أثناء القتال. خامسًا: الالتزام بالأخلاق والأحكام الشرعية في أثناء القتال قال -تعالى-: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (البقرة: 190)، أي: ولا تعتدوا في هذا القتال بفعل ما لا يجوز وقتل من لا يحل قتله، قال ابن عباس في تفسير {وَلَا تَعْتَدُواْ}: «لا تقتلوا النساء، ولا الصبيان، ولا الشيخ الكبير، ولا من ألقى إليكم السلم وكف يده، فإن فعلتم هذا فقد اعتديتم». ومن الأحكام الشرعية التي سنها الإسلام في القتال ما يلي:
تقسيم الفقهاء للأسرى الفقهاء يقسمون الأسرى لنوعين:
اعداد: مركز سلف للبحوث والدراسات
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |