|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() آداب تعامل العبد مع الأقدار المؤلمة هشام عقدة مقدمة: لما كانت دنيا كانت كثيرة المنغصات {وَقَالُوا الْـحَمْدُ لِلهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْـحَزَنَ إنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر:٣٤]...دار الدرهم والدينار، حتى قد تأتي الشدة والعناء من حيث تنتظر الراحة والرفاهية {فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ} [التوبة:55]. النـار آخـر دينـار نطقت بـه *** والهم آخر هذا الدرهـم الجـاري والمرء بينهما ما لم يكن ورعــًا *** معذب القلب بين الهـم والنـــار لذا لابد للعبد من أن يوطِّن نفسه فيها على المنغِّصات والكروب أو الأقدار المؤلمة. الإيمان بالقدر خيره وشره: هذه سنة الله في هذه الحياة: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْـمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْـخَيْرِ فِتْنَةً وَإلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء:35]، ولذلك من أركان الإيمان أن تؤمن بالقدر خيره وشره. حديث جبريل سبب روايته إثبات القدر؛ خيره وشره. وهذا الشر ليس شرًّا في حق الله، وإنما هو شر في حق العبد، أما الله عز وجل فلم يخلق شرًّا محضًّا، ولم يخلق شرًّا إلا لحكمة؛ ولذا لا يُنْسب له الشر سبحانه، فالشر ليس إليه -كما سيأتي-، وإن كان هو خالقه. كيف نستقبل أقدار الله المؤلمة؟ لما كان من القدر ما هو شر ولابد للعبد من شيء منه، كما قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْـخَوْفِ وَالْـجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة:155]؛ كان لابد من معرفة العبد لآداب تَلَقِّي البلاء أو القدر المؤلم، ومنها:
هو مرتبة شاملة لما هو أكثر من الصبر الذي قال الله فيه: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ . الَّذِينَ إذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إنَّا لِلهِ وَإنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة:155-156].
الفرق بين قبل وقوع القدر المؤلم وبعد أن وقع: الرضا بالقضاء لا يعارض الدعاء بتغييره، أو السعي ليخلفه ضده -وباء في ماشيتك عالجْه-، وتدعو:
قال الشافعي: دع الأيام تفعــــل ما تشــاء *** وطـب نفسًا إذا حكم القضـاء ولا تجــــــــزع لحادثة الليالي *** فما لحـــوادث الدنيا بقـــــاء وكن رجلًا على الأهوال جلـدًا *** وشيمتك السماحة والوفـــاء ثانياً-اعتقاد أن الشر ليس إلى الله ومن ثَمَّ تحاشي نسبته إلى الله: فكما سبق لم يخلق الله شرًّا محضًا، وما في كونه من شرٍّ ففي حق العبد، لكن وراءه خير يعم أو يخص هذا العبد فيما بعدُ، فهو سبحانه يبتليك ليعافيك، ويُمْرِضك لينجيك، ويضيِّق عليك ليرفعك في الآخرة، وينزل عليك الكرب ليستخرج عبوديتك له. ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: «والخير كله في يديك، والشر ليس إليك». (رواه مسلم [771]). والقرآن علَّمنا عدم نسبة الشر إلى الله:
ثالثاً-التفاؤل بتغيّر الشر وعدم اعتقاد دوامه: ما بين طرفة عين وانتباهتها *** يغير الله من حال إلى حال و: كم أمـر تســاء له صـباحًا *** وتأتـيك المســرة بالعـشي قال ابن عباس رضي الله عنهما -في قوله تعالى: {يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن:29]-: "يحيي ويميت، ويعز ويذل، ويفعل ما يشاء". وقال أبو الدرداء: "من شأنه أن يغفر ذنبًا، ويفرج كربًا، ويرفع قومًا ويضع آخرين". وعن مجاهد عن عبيد بن عمير: "من شأنه أن يجيب داعيًا، ويعطي سائلًا، ويفك عانيًا، أو يشفي سقيمًا". لذلك كان القنوط من رحمة الله ضلالًا وكفرانًا، {قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إلَّا الضَّالُّونَ} [الحجر:56]، {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللهِ إنَّهُ لا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف:87]. وفي أبيات الشافعي: ولا تَجْزَعْ لحـــادثـة اللَّيــــالي *** فما لحــوادثِ الـدنـيــا بَقَـــاءُ ولا حُـزْنٌ يَــدُومُ و لا سُــــرُور *** ولا بـؤس عليـك ولا رخاءُُ فدوام الحال من المحال، والله يغير أحوال العباد من قَدَرٍ إلى قَدَرٍ بما لا يفطن إليه عقل، وربما انعكست الأمور تمامًا، وأتى الخير من حيث كان الشر، وخرجت المنحة من رَحِم المحنة، وانطلق الفرج من مضيق الشدة، فمن ذلك:
ترى بنـاتِـك في الأطـمـار جــائعــةً *** يغزلنَ للنـاس لا يملكنَ قـطــميرَا برزنَ نحـوك للتـســليم خــاشــعةً *** أبصـــارهنّ حســيراتٍ مكـاسيرَا يطــأنَ في الطِّــين والأقـدام حـافيةً *** كأنها لم تـطــأ مـسـكًــا وكـافـورَا بل ربما حدث تغيّر من الحال إلى الضد في لحظات، وقد سجل بعض العلماء نكتًا تاريخية في ذلك، منها:
قد تُصاد القطـا فتنجو سريعًا *** ويَحِــلُّ القـضـاء بالصـياد
فمن الأضداد في الدنيا:
يُقتِّر عيسى على نفسه *** وليس بباقٍ ولا خـــالدِ فلو يستطـيع لتقـتيره *** تنفَّـس من منخـرٍ واحدِ
ومما قيل من طرائف قول تشرشل: "رأيت وأنا أسير في إحدى المقابر ضريحًا كُتب على رخامته: هنا يرقد الزعيم السياسي والرجل الصالح، فعجبتُ كيف يُدفن الاثنان في قبرٍ واحدٍ؟"، وهذا مبني على السياسة الحديثة التي أنتجها الغرب، وانتهجها العالم، إلا من رحم الله. وأطرف من ذلك ما رواه أنسٌ، حيث يتفل النبي صلى الله عليه وسلم في القصعة، فيبارك في الطعام ويكفي المئات، ويبصق مسيلمة في بئر لما ادَّعى النبوة، فتيبس، ومسح على رأس صبي فذهب شعره. ومن المناسب أنْ نختم بأبيات من الشعر لعلي بن الجهم، جمعت الآداب الثلاثة التي ذكرناها في التعامل مع الأقدار المؤلمة: الصبر والرضا، وأنها ليست شرًّا محضًّا، وأن دوام الحال من المحال: قالت: حُبِستَ. فقلتُ: ليس بضـائري *** حبسـي، وأيُّ مهنــَّـدٍ لا يُغــمــدُ أوَ مَا رأيـتِ الـلــيـث يـألــف غِــيلَـه *** كِـبـرًا، وأوباشُ السِّـــباعِ تـردّد والشــمـسُ لـولا أنـها مــحـجــوبـة *** عن ناظريكِ، لما أضاء الفرقـد[1] "الرضا". وَالزاعِـبِـيَّـةُ لا يُقـيـمُ كُــعــوبَـها *** إِلّا الثِّـقــافُ وَجَـــذوَةٌ تَـتَــوَقَّــدُ[2] وَالنـارُ في أَحـجــــارِها مَـخــــبـوءَةٌ *** لا تُصطَـلى إن لَم تُثِـرها الأَزنُــدُ[3] "النظر للخير الكامن في المحنة والشدة". وَالغَيـثُ يَحصُــرُهُ الغَـمـامُ فَــما يُـرى *** إِلّا وَرِيِّـــقُــهُ يُــراحُ وَيَــرعُـــدُ كَـم مِـن عَــليلٍ قَد تَـخَـطّـــاهُ الرّدى *** فَنَجــا وَمـاتَ طَـبـيـبُهُ وَالعُــوَّدُ "عدم دوام الحال". -------------------------------------------------------------------- [1] الفرقد: النجم الصغير. [2] الزاعبية: نسبة إلى زاعب: رجل أو بلدة. والثقاف: ما تسوى به الرماح، وهي حديدة تكون مع القوَّاس والرمَّاح يقوّم بها الشيء المعوج، ويفعل ذلك بالرِّمَاح وهي على النار. [3] الزَّند والزندة: خشــبتان يسـتقدح بهما، أي: تستخرج النار، فالزند العود الأعلى الذي يستقدح به النار، والسفلى زندة، {أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ. أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئُونَ} [الواقعة:71-72]، وكذا حك الزلط وضربه. المصدر: مجلة البيان العدد 321 جمادى الأولى 1435هـ، مارس 2014م.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |