الطريـق إلى النفـس المطمئـنة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         الموسوعة التاريخية ___ متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 349 - عددالزوار : 44538 )           »          حكم قراءة الحائض القرآن عن طريق الحاسوب المحمول (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          آدم عليه السلام ، قصة ادم عليه السلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          نساء لم يذكر القرآن أسمائهن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          ° l|l° ♥♥ حملة الحجاب الشرعي ♥♥ °l|l° (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          أقوال الإمام الشافعي،من أقوال الإمام الشافعي رحمه الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          الآثار السلبية للحمية القاسية وما يعالج منها معنوياً وكيميائياً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          من هو الذي ألقي عليه شبه عيسى عليه السلام ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          {قال إن فيها لوطًا} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          تقسيم الأعمال والمشاريع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصور والغرائب والقصص > ملتقى القصة والعبرة
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القصة والعبرة قصص واقعية هادفة ومؤثرة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17-10-2023, 12:17 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,445
الدولة : Egypt
افتراضي الطريـق إلى النفـس المطمئـنة

الطريـق إلى النفـس المطمئـنة





الحمد لله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وبعد:

فقد أشارت صحيفة الشرق الأوسط إلى أن إجمالي ما ينفقه المواطنون العرب على ممارسات الشعوذة المتنوعة يصل إلى خمسة مليارات دولار سنوياً، وأن هناك مشعوذاً لكل ألف نسمة وأن العالم العربي به أكثر من ربع مليون مشعوذ ودجال، وقد قام الدكتور محمد عبد العظيم بمركز البحوث الجنائية في القاهرة بدراسة حول السحر والشعوذة في العالم توضح أنَّ 250 ألف دجَّال يمارسون أنشطة الشعوذة في عموم الدول العربية، وأنَّ العرب ينفقون خمسة مليارات دولار سنويًّا في هذا المجال, وتؤكد الإحصائيات أنه يوجد في العالم العربي عرَّافٌ أو مشعوذٌ لكل ألف نسمة.
وفي دراسة أخرى أعدتها الدكتورة سامية الساعاتي عن السحر والشعوذة ونشرها موقع (الجزيرة) أكدت أنَّ 55% من المترددات على السحرة هنَّ من المتعلمات ومن المثقفات، و24% ممن يُجدن القراءة، وتعلق الدكتورة علياء شكري- أستاذ علم الاجتماع والفلكلور في جامعة عين شمس- على هذه الدراسة قائلةً: إنَّ هذه الأرقام كبيرة جدًا، ومن الصعب التحديد في هذه الموضوعات التي تأخذ طابعًا سريًّا في الغالب؛ ولذا فإنه من المتوقع أنَّ الأرقام قد تكون أكبر من ذلك بكثيرٍ جدًا!
ولأهمية هذا الموضوع أحببت أن أضع بين يدي القارئ العربي برنامجاً علاجياً يستطيع أن يطبقه على نفسه دون اللجوء للدجالين أو المشعوذين، وإذا عجز عن التطبيق فليذهب إلى أهل الطب والتخصص؛ ولذلك جعلت عنوان هذه السلسلة «الطريق إلى النفس المطمئنة»، سائلا ربي عز وجل أن يتقبل مني ومنكم صالح الأعمال.
ما السبب؟
سؤال كلنا نسأله: ما السبب في هذه الاضطرابات النفسية والاجتماعية التي تعانيها البشرية جمعاء؟ وإليكم في البداية هذه الإحصائيات المفزعة التي تم نشرها على موقع منظمة الصحة العالمية:
1- مرض الفصام العقلي (الشيزوفرينيا): ويعد من أسوأ الاضطرابات العقلية من حيث تأثيره على التفكير والسلوك، ويبلغ عدد حالات الفصام في بلدان العالم 45 مليون إنسان، وتصل نسبة الإصابة إلى 1% من السكان في أي مجتمع ، ويمثل مرضى الفصام أكثر من 90% من نزلاء المصحات والمستشفيات العقلية.
2- الاكتئاب النفسي : يطلق على الاكتئاب مرض العصر الحالي، وهو أحد أكثر الأمراض النفسية انتشارا، ويقدر عدد حالات الاكتئاب في العالم بحوالي 340 مليون حالة، ونسبة الإصابة بالاكتئاب تصل إلى 7% من سكان العالم، ويؤدي إلى ما يقرب من 800 ألف حالة انتحار كل عام.
3- حالات الخرف: تحدث هذه الحالات عادة في الشيخوخة، وتصاحبها تغييرات في الجهاز العصبي لكبار السن تؤدي إلى تدهور الذاكرة والسلوك وكل العمليات العقلية، وعدد هذه الحالات في دول العالم حوالي 25 مليون شخص في الوقت الحالي، وينتظر أن يزيد هذا العدد ليصل إلى 80 مليون شخص بعد سنوات عدة.
4- التخلف العقلي: ينشأ التخلف العقلي عن نقص الذكاء وعدم اكتمال نمو العقل، وتتراوح هذه الحالات في شدتها ودرجاتها، وتصل نسبة الإصابة بالحالات المتوسطة والشديدة منها إلى 2-4% من السكان، ويقدر عدد الحالات بحوالي 100 مليون إنسان.
4- أمراض أخرى: من الأمراض النفسية والعصبية الأخرى التي وردت في إحصائيات منظمة الصحة العالمية والاضطرابات التي تسبب العجز والإعاقة العقلية مرض الصرع، وهو أحد أكثر الأمراض العصبية انتشارا، ويتميز بنوبات من فقدان الوعي والتشنجات، وله أنواع متعددة، ويقدر عدد الحالات بحوالي 40 مليون شخص في العالم
5- مرض الوسواس القهري الذي اعتقد الأطباء لوقت طويل أنه نادر الحدوث، لكن الأرقام تشير إلى نسبة انتشار عالية لهذه الحالات تقدر بحوالي 3% من الناس .
6- مرض السرطان: أصدر متخصصو الوقاية من السرطان تحذيرا شديد اللهجة من أن العالم سوف يشهد زيادة انتشار مرض السرطان خلال الـ20 عاما القادمة، ومن المقدر أن يصل عدد الحالات المصابة بالسرطان على مستوى العالم ما بين عامى (2008 و2030) إلى الضعف، من 12.4 مليون حالة جديدة كل عام إلى حوالي 26.4 مليونا.
7- مرض القلب: ومن موقع منظمة الصحة العالمية هذه الإحصائية المفزعة « من المتوقع أن يقضي 20 مليون نسمة نحبهم، بحلول عام 2015، جرّاء الأمراض القلبية الوعائية، وجرّاء أمراض القلب والسكتة الدماغية على وجه التحديد، ومن المتوقّع أن تظلّ هذه الأمراض في صدارة أهمّ مسبّبات الوفيات.
8- أمراض القلوب مثل الحقد والحسد والكراهية والغيبة والنميمة والقطيعة بين المسلمين وغيرها من الأمراض التي تحرق أصحابها قبل الآخرين.
كل هذه الأمراض وغيرها جعلتني أقف كثيرًا للبحث عن السبب ثم العلاج بطريقة علمية سليمة بعيدة عن الخرافات، وحتى لا أطيل في هذه النقطة أبدأ بعرض الأسباب التي أدت إلى انتشار هذا الكم الهائل من الأمراض، وذلك من خلال القرآن الكريم.
السر في آية الابتلاء!
يقول الله تعالى في سورة البقرة: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (البقرة: 155- 157)، إن المتأمل لهذه الآية المباركة يجد كل أسباب الاضطرابات النفسية والاجتماعية والسياسية التي تصيب العالم أجمع، ثم تضع للعالم كيفية النجاة من هذه الاضطرابات، ويمكن تقسيم الآية الكريمة إلى العناصر الآتية:
أولا: حقيقة الدنيا متمثلة في الابتلاء والاختبار.
ثانيا: طبيعة الاختبار والابتلاء: الخوف، الجوع، الفقر، الموت، والأزمات الاقتصادية.
ثالثا: العقلاء هم أصحاب الفكر الراقي الذين سينجحون في هذا الاختبار وهم الصابرون؛ لأن لكل شيء جوهرا وجوهر الإنسان العقل وجوهر العقل الصبر!
رابعا: طريق النجاة متمثل في القول الثابت الذي لا يقبل الشك {إنا لله وإنا إليه راجعون}.
خامسا: النتيجة الحتمية لكل ما سبق: صلوات من الله تعني المغفرة، والرحمة ثم الاهتداء إلى طريق الجنة والوصول إلى أرقى أنواع النعيم وهو التمتع برؤية الله عز وجل.
وفى اللقاء القادم إن شاء الله نستكمل أهم هذه الأسباب وطرق علاجها.

د صلاح هارون أستاذ الصحة النفسية بجامعة الملك عبد العزيز بجدة




اعداد: د صلاح هارون




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 17-10-2023, 12:31 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,445
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الطريـق إلى النفـس المطمئـنة

الطريـــق إلى النـــفـس المطمئــنة (2)





في اللقاء الماضي تعرفنا على أسباب الاضطرابات النفسية من خلال آية الابتلاء، وفيما يلي النفحات الإيمانية المستنبطة من الآية الكريمة: يقول الله تعالى: {ولنبلونكم بشيء من الخوف} (البقرة: 155).
خلق الله الإنسان وجعله في الأرض للاختبار والابتلاء، فالخير ابتلاء والشر ابتلاء والصحة ابتلاء والمرض ابتلاء، ولتحقيق الأمن النفسي ذكر الله تعالى لفظة «بشيء» ولم يقل أشياء، فسبحانه من كريم حليم رؤوف بعباده. فما معنى الخوف؟ قال الإمام الغزالي: «الخوف عبارة عن تألم القلب واحتراقه بسبب توقع المكروه في الاستقبال»، فالتألم أثر الخوف وتوقع المكروه سبب.
وتكمن الخطورة في التوقع وليس في الحاضر لأن المسلم إذا انشغل بحاضره وفكر فيه بجد واجتهاد لما أُصيب بالهلع والفزع.
فإن المصيبة إذا وقعت نزل معها لطف الله، فإذا توقعناها قبل الوقوع لفزعنا وساعتها تركنا للشيطان مساحة للعب في عقولنا. والسؤال المهم الذي نطرحه الآن: من أي شيء يخاف المسلم؟ سؤال صعب واسمع الإجابة المعهودة التي تتمثل في قولنا نحن نخاف من الله! هل فعلا نحن نخاف من الله؟ فإذا كنا نخاف من الله فلماذا هذا الكم الهائل من الفساد والرشوة والقتل والبلطجة والإدمان وغيرها من الموبقات التي ترتكب في كل لحظة نعيشها على وجه الأرض؟ وعندما تتأمل كل ما سبق ستجد نفسك متحيراً باحثاً عن السبب، وأرى -والله أعلم- أننا نخاف من ثلاثة أمور هي التي أدت إلى كل هذه الاضطرابات:
1- الخوف من الرزق!!
من المؤسف أن أسألك: من الرزاق؟ لأن الإجابة واضحة ولكنها وللأسف إجابة نظرية فقط، فلو آمنا بان الله هو الرزاق لما انتشرت كل الجرائم التي أشرت إليها سابقاً؛ ولذلك نجد الكثير من الآيات التي وضعت لنا معالم الطريق لتحقيق الطمأنينة في قضية الرزق التي تُعد الشغل الشاغل لكل بني البشر على وجه الأرض ولذلك قال الله عز وجل: {وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا} (هود: 6) هذه الآية وحدها كافية في القطع بأن رزق الله مضمون لكل متحرك على الأرض بل في الأرض؛ فضلاً من الله تعالى ألزم به نفسه حتى إنه ساقه مساق الواجبات عليه مع أنه سبحانه لا يجب عليه شيء فقال: {عَلَى اللَّهِ}. ولتأكيد هذا المعنى قال سبحانه :{فِي الأَرْضِ} ليشمل هذا ما نعرفه مما يدب على الأرض وما يستقر في داخلها مما لا نعرفه ولا يعلمه إلا الله، ولذلك قال بعدها: {وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا} فهذه المعاني العظيمة التي يكتسبها المؤمن بإيمانه هي التي تساعده على تخطي عقبة الشره المادي والطمع فيما في أيدي الآخرين، والرضا بما قسمه الله للعبد .
وتحت تفسير الآية ذكر الفخر الرازي في تفسيره للآية السابقة: أن الله عز وجل أرسل موسى لبنى إسرائيل، ودار هذا الحوار:
قال الله عز وجل لموسى: أمامك صخرة فاضربها، فضربها بعصاه فانفلقت إلى نصفين، ثم أمره أن يضربها ثانية فانفلقت ثلاث فلقات، ثم أمره فضربها للمرة الرابعة فانفلقت أربع فلقات، فإذا بدودة في فمها طعام تأكل، الله أكبر، فقالت الدودة كلاماً رائعاً يطمئن كل نفس خائفة على رزقها:
سبحان من يرى مكاني، ويسمع كلامي ويرسل إلي الرزق من فوق عرشه بين الصخور ولا ينساني، الله أكبر كبيراً. دودة خرجت من الصخرة تعلمنا جميعاً أن الله هو الرزاق. فلابد للمسلم أن يطمئن على رزقه وليعلم علم اليقين أن رزقه يبحث عنه!!
فالخوف من الرزق هو الذي يدفع السارق إلى السرقة مع أنه لو صبر قليلاً لأخذ ما سرقه من حلال لكنه استعجل رزقه فحصل عليه من حرام، والخوف من الرزق هو الذي جعل الدول الكبرى تستحل ثروات الدول الصغرى، والخوف من الرزق هو الذي جعل القاتل يقتل لأجل الحصول على ما يريده من المقتول، بعض الناس يعتقد أن الرزق مال فقط وهذا خطأ ووهم كبير؛ وذلك لأن كل ما يحيط بالإنسان رزق فالملبس رزق، والمشرب رزق، والولد رزق، والهواء رزق، والماء رزق، فهل شكرنا الله على كل هذه النعم وغيرها؟؟ فهل تعلم أخي القارئ ما هي أعظم نعمة أنعمها الله علينا بعد الإسلام ؟ أرجو أن تفكر رويداَ قبل أن تجيب؛ لأن الإجابة سهلة وصعبة في الوقت نفسه؛ لأنها نعمة يجهلها كثير من الناس مع أنهم يستخدمونها مع كل شهيق وزفير، وتتمثل هذه النعمة في الطلب التالي:
إذا قلت لك : أرجو منك أن تسقيني شربة ماء، فهل ستأتي لي بقلم لأشرب منه؟! الإجابة: لا، ولكنك ستأتينى بكوب الماء لأشرب منه، فهل حمدنا ربنا على نعمة الفهم هذه؟ فنعمة العقل هي من أعظم النعم التي وهبها الله لكل بني البشر حتى المجنون يظن في نفسه أنه أعقل الناس .
نملة تعالج مشكلة البطالة!
وقضية الرزق شغلت كل الناس حتى رأينا الفقير يشتكي فقره والغنى لا يرضى بغناه ويحتاج للمزيد، وكلاهما مخطئ لأنهما يظنان أن الرزق مال فقط، وسأسرد قصة عجيبة أوردها الإمام ابن القيم في كتابه: «شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل» أن سيدنا سليمان عليه السلام أقام حوارا مع نملة وكان الحوار كالتالي :
سليمان : كم يكفيك من الطعام في السنة؟
النملة : ثلاث حبات من الحنطة .
سليمان : فأمر بإلقائها في قارورة وسد فم القارورة وجعل معها ثلاث حبات حنطة وتركها سنة بعد ما قالت، ثم أمر بفتح القارورة عند فراغ السنة فوجد حبة ونصف حبة
سليمان : أين زعمك؟ أنت زعمت أن قوتك كل سنة ثلاث حبات.
النملة : نعم ولكن لما رأيتك مشغولا بمصالح أبناء جنسك حسبت الذي بقي من عمري فوجدته أكثر من المدة المضروبة، فاقتصرت على نصف القوت، واستبقيت نصفه استبقاء لنفسي فعجب سليمان من شدة حرصها.
أليست البطالة أحد عوامل الاضطرابات النفسية والسياسية والاجتماعية؟ فهاهي ذي النملة تضع لنا حلاً لمشكلة البطالة، فما علينا إلا أن نسعى ونعمل ونجتهد في أعمالنا حتى ولو كان العمل بسيطاً فعلينا أن نبدأ ونسعى .
السعي أولاً ثم الدعاء
هل تغضب منى -عزيزي القارئ- إذا قلت لك إننا أمة التواكل مع أننا في الأصل أمة التوكل، وهاهي ذي النملة تعلم ملايين العاطلين عن العمل في كل بلاد الدنيا كيفية الجد والاجتهاد، ومن عجيب هدايتها أنها تعرف ربها بأنه فوق سمواته على عرشه كما رواه الإمام أحمد في كتاب (الزهد) من حديث أبي هريرة قال: خرج نبي من الأنبياء بالناس يستسقون، فإذا هم بنملة رافعة قوائمها إلى السماء تدعو مستلقية على ظهرها فقال ارجعوا فقد كفيتم أو سقيتم بغيركم. ولهذا الأثر طرق عدة، ورواه الطحاوي في (التهذيب) وغيره، وقال الإمام أحمد: حدثنا أنه خرج سليمان بن داود يستسقي فرأى نملة مستلقية على ظهرها رافعة قوائمها إلى السماء وهي تقول: اللهم إنا خلق من خلقك ليس بنا غنى عن سقياك ورزقك، فإما أن تسقينا وترزقنا وإما أن تهلكنا، فقال: ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم.
ومن حرصها أنا تكد طوال الصيف وتجمع للشتاء علما منها بإعواز الطلب في الشتاء وتعذر الكسب فيه وهي على ضعفها شديدة القوى فإنها تحمل أضعاف أضعاف وزنها وتجره إلى بيتها .
إنها الإرادة التي يجب أن نتعلمها من النمل. وفى اللقاء القادم بمشيئة الله نستكمل الطريق الى النفس المطمئنة.


اعداد: د صلاح هارون




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 18-10-2023, 10:40 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,445
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الطريـق إلى النفـس المطمئـنة

الطريـــق إلى النـــفـس المطمئــنة (3)



د صلاح هارون أستاذ الصحة النفسية بجامعة الملك عبد العزيز بجدة
أستكمل مع حضراتكم قضية الخوف من الرزق التي ما زلنا نبحث عنها لنصل إلى طريق الأمن والطمأنينة، فالخوف من الرزق أحد أسباب الاضطرابات النفسية والاجتماعية والسياسية ، فلو كان كل فرد راضياً عن ربه فيما أعطاه من النعم لزال الحقد والحسد من قلوب الناس جميعاً، فهيا بنا نحمد الله على نعمه التي لا تعد ولا تحصى ، فإن كنت فقيراً أجب عن الأسئلة الآتية:



هل تقبل أن يأخذ منك الغني نعمة الريق بمليون دينار؟

هل تقبل أن يأخذ منك نعمة التبول بمليون أخرى؟
هل تقبل أن يأخذ منك قدميك ويديك بمليار دينار؟
هل تقبل أن يمنع عنك الماء ولا تشرب أبدا ليشرب مكانك وتأخذ المال الذي تريد؟
هل تقبل أن تبيع عينيك لرجل غني وسيعطيك ما تطلب من الأموال، ما تريد؟
فإن كانت إجابتك: لا طبعاً مستحيل، فأنت من الأغنياء ولست فقيراً كما تدعى، فاحمد الله على كل هذه النعم، بالله عليك لو أعطيتك مالاً لتسد دينك فماذا ستصنع معي؟ بالطبع ستشكرني ولن تنسى الجميل. فاقرأ معي الآن قصة حاتم الأصم، التي ذكرها محمد أمين الجندي في كتابه «مائة قصة وقصة» فلقد أراد حاتم الأصم أن يحج إلى بيت الله فقالت زوجته: ليس في البيت طعام ، أتتركنا بلا مأوى ؟ فقالت ابنته عبارة في قمة الروعة : اذهب يا أبت إلى حج بيت الله فإنك لست برازق ؟ وذهب حاتم إلى الحج ، وبعد أن رحل من بيته وهو في الطريق إلى مكة ، مر أمير بلدة حاتم على بيته وأراد الماء فجاؤوا له بكوب من الماء من بيت حاتم ، فقال الأمير: بيت من هذا؟ فقالوا: بيت حاتم الأصم، فقال: لابد أن نكرم صاحب هذا البيت في غيابه، فألقى نقوداً من الذهب وأمر جنوده بإلقاء المال في بيت حاتم، ففرحت الأم وأولادها فرحاً شديداً، فقالت الأخت لأمها وأخواتها جملة تقشعر منها الجلود والأبدان، جملة يجب أن ننظر فيها بعمق وحب معاً، قالت: يا أماه هذا مخلوق قد نظر إلينا بعينه ففرحنا فكيف لو نظر الخالق إلينا.
مما سبق يتضح لنا بما لا شك فيه أن جزعنا وخوفنا من الرزق لا مسوغ له لأن الله ضمن لنا الرزق ونحن في بطون أمهاتنا فلا داعي للقلق ولابد أن نحمد الله على كل نعمه ونثق في ذلك لتطمئن نفوسنا.
يوم لك ويوم عليك
يجب على كل صاحب نعمة أن يتقي الله عز وجل ويستخدم نعم الله في طاعة الله، ولا يستغلها في معصية الله، فكيف نستخدم النعمة في معصية المنعم؟! وفي كتاب: «مائة قصة وقصة» حكاية رائعة تحكي لنا حقيقة الدنيا التي نلهث وراءها، بل تمادى كثير من الناس فظنوا أنهم سيخلدون فيها وتناسوا الموت، فقد حكى المؤلف أن رجلاً جلس يوماً يأكل هو وزوجته وبين أيديهما دجاجة مشوية فوقف سائل ببابه فخرج إليه وانتهره وطرده . ودارت الأيام وافتقر هذا الرجل وزالت نعمته حتى إنه طلق زوجته . وتزوجت من بعده برجل آخر فجلس يأكل معها في بعض الأيام وبين أيديهما دجاجة مشوية وإذا بسائل يطرق الباب، فقال الرجل لزوجته: ادفعي إليه هذه الدجاجة، فخرجت بها إليه فإذا به زوجها الأول فأعطته الدجاجة ورجعت وهي تبكي إلى زوجها، فسألها عن بكائها فأخبرته أن السائل كان زوجها وذكرت له قصتها مع ذلك السائل الذي انتهره زوجها الأول وطرده، فقال لها زوجها: ومم تعجبين وأنا والله السائل الأول؟!
أحاديث نبوية تطمئن القلب
يجب على كل مسلم أن يثق في كلام رسول الله[، وها هو الحبيب[ يطمئن النفس المضطربة التي تخاف من الرزق:
رزقك مكتوب وأنت جنين
في صحيح البخاري في كتاب الحيض (312) «عن عبيد الله بن أبي بكر عن أنس بن مالك عن النبي[ قال: إن الله عز وجل وكل بالرحم ملكا يقول: يا رب نطفة، يا رب علقة، يا رب مضغة، فإذا أراد أن يقضي خلقه قال: أذكر أم أنثى، شقي أم سعيد، فما الرزق والأجل؟ فيكتب في بطن أمه» اطمئني أيتها النفس الخائفة من الرزق فرزقك مكتوب وأنت في بطن الأم ما عليكِ إلا السعي .
عليك بالطاعة
في صحيح البخاري في كتاب البيوع (1961) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله[ يقول: «من سره أن يبسط له في رزقه أو ينسأ له في أثره فليصل رحمه»، أيتها النفس المضطربة إذا ضاقت بكِ الدنيا فاذهبي إلى أحد الأقارب صلة للرحم ولتعلمي أن الكرب بمشيئة الله سينكشف وسيتحول العسر إلى يسر .
البعد عن المعصية والاجتهاد في الطلب
وأخرج ابن ماجه والحاكم وصححه عن جابر رفعه: «أيها الناس اتقوا الله وأجملوا في الطلب؛ فإن نفسا لن تموت حتى تستوفي رزقها وإن أبطأ عنها ، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، خذوا ما حل ودعوا ما حرم ولا يحملنكم استبطاء الرزق على أن تطلبوه بمعصية الله، فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته».
وعن أبي الدرداء مرفوعاً: «إن الرزق ليطلب العبد كما يطلبه أجله» وللبيهقي عن جابر رفعه: «لا تستبطئوا الرزق فإنه لم يكن عبد يموت حتى يبلغه آخر الرزق فأجملوا في الطلب».
وأما حديث ابن ماجه والترمذي والحاكم وصححاه عن عمر رفعه: «لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطانًا» فقال الإمام أحمد: فيه ما يدل على الطلب لا القعود، أراد لو توكلوا في ذهابهم ومجيئهم وتصرفهم وعلموا أن الخير بيده ومن عنده لم ينصرفوا إلا سالمين غانمين كالطير ، ولكنهم يعتمدون على قوتهم وكسبهم وهذا خلاف التوكل.
النبيون قدوتنا
النبيون هم أفضل الخلق وبالرغم من اصطفائهم إلا أنهم كانوا يعملون ويكسبون من عمل أيديهم ولقد كان لهم عليهم الصلاة والسلام مهن وحرف صناعية شريفة، كمهنة نوح عليه السلام في صناعة السفن، وحرفة داوود عليه السلام في صناعته للدروع، واشتغل موسى عليه السلام برعي الغنم عند شعيب عليه السلام عشر سنين أجيراً في أرض مدين، واشتغل النبي عليه السلام بالتجارة في مال خديجة رضي الله عنها، وقبل ذلك كله عمل إدريس عليه السلام بالحياكة، وبذر آدم عليه السلام الأرض وحرثها وعمل فيها.
ماذا تريد؟
كل إنسان على وجه الأرض يبحث عن المال وبعضهم لا يبالى إن كان حلالاً أو حراماً، ولذلك كان لابد أن أذكر نفسي وإياكم بأن القضية كلها ليست في المال ولكنها في حلاله أو حرامه، وعلينا أن نتذكر يوم القيامة بكل ما يحدث فيه وعلى كل غني أو طالب للمال أن يتذكر شخصين وعليه أن يختار مع من سيسير؟ عليه أن يختار بين سليمان عليه السلام وبين قارون، وأبدأ بسيدنا سليمان عليه السلام لنتعلم منه الشكر على الرزق الذي ساقه الله إليه والى والده النبى داوود عليهما السلام ونبدأ بإحصاء مختصر لنعم الله عليه:
نعمة الفهم أفضل من نعمة المال!
نعمة الفهم من أعظم النعم التي منحها الله لسليمان عليه السلام حيث يقول الله عز وجل: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آَتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِين} (الأنبياء: 78 - 79) ذكر المفسرون: «أن زرعًا دخلت فيه غنم لقوم ليلاً فأكلته وأفسدته، فجاء المتخاصمون إلى داوود عليه السلام وعنده سليمان، وقصوا عليه القصة، فحكم داوود عليه السلام بالغنم لصاحب الزرع عوضًا عن حرثه الذي أتلفته الغنم ليلاً، فلما خرج الخصمان على سليمان وكان يجلس على الباب الذي يخرج منه الخصوم، وهو ابن إحدى عشرة سنة قال: بم قضى بينكما نبي الله داوود عليه السلام؟ فلما علم قال: انصرفا معي، فأتى أباه فقال: يا نبي الله إنك حكمت بكذا وكذا، وإني رأيت ما هو أرفق بالجميع، قال: وما هو؟ قال: ينبغي أن تدفع الغنم إلى صاحب الحرث فينتفع بألبانها وسمونها وأصوافها، وتدفع الحرث إلى صاحب الغنم ليقوم عليه، فإذا عاد الزرع إلى حاله التي أصابته الغنم في السنة المقبلة. رد كل واحد منهما ماله إلى صاحبه، فقال داوود عليه السلام : وفقت يا بني لا يقطع الله فهمك، وقضى بما قضى به سليمان». وفى اللقاء القادم إن شاء الله نستكمل هذه النعمة العظيمة.


اعداد: د صلاح هارون




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 22-10-2023, 04:52 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,445
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الطريـق إلى النفـس المطمئـنة

الطريـــق إلى النـــفـس المطمئــنة (4)

-الخـوف مـن المــرض



د صلاح هارون أستاذ الصحة النفسية بجامعة الملك عبد العزيز بجدة
من الناس من يظن أن المرض نهاية المطاف فاستسلموا له وسيطر عليهم اليأس وتملكهم، ومنهم من انتحر ومنهم من اشتكى الخالق للمخلوق؛ ولذلك فإنني آثرت أن أتحدث مع كل مريض على حدة لنتعرف على طبيعة مرضه ، وسنساعده في الوصول إلى النفس المطمئنة الراضية بقضاء الله:
سيدنا أيوب عليه السلام
{وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَـابِدِينَ} (الأنبياء: 83- 84) هو أيـــوب بن موص بن رعويل بن العيص ابن إسحاق بن يعقوب ، وقيل غير ذلك في نسبه، وحكى ابن عساكر أن أمه بنت لوط عليه السلام، وقيل: كان أبوه ممن آمن بإبراهيم عليه السلام يوم ألقي في النار فلم تحرقه، والمشهور الأول، ذكر الإمام القرطبي في تفسيره :
قوله تعالى: {وأيوب إذ نادى ربه} أي واذكر أيوب إذ نادى ربه {أني مسني الضر}، أي نالني في بدني ضر وفي مالي وأهلي. قال ابن عباس: سمي أيوب لأنه آب إلى الله تعالى في كل حال. وروي أن أيوب عليه السلام كان رجلا من الروم ذا مال عظيم، وكان برا تقيا رحيما بالمساكين يكفل الأيتام والأرامل ويكرم الضيف ويبلّغ ابن السبيل، شاكرا لأنعم الله تعالى، وقال علماء التفسير والتاريخ وغيرهم: كان أيوب رجلاً كثير المال من سائر صنوفه وأنواعه من الأنعام والعبيد والمواشي ، والأراضي المتسعة بأرض الثنية من أرض حوران، وحكى ابن عساكر : أنها كلها كانت له وكان له أولاد وأهلون كثير فسلب منه ذلك جميعه، وابتلي في جسده بأنواع من البلاء ولم يبق منه عضو سليم سوى قلبه ولسانه، يذكر الله عز وجل بهما وهو في ذلك صابر محتسب ذاكر لله عز وجل في ليله ونهاره وصباحه ومسائه.
قوله: {مسني الضر} ذكر الرازي في تفسيره: روى ابن شهاب عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله[: «إن أيوب عليه السلام بقي في البلاء ثماني عشرة سنة ، فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين من إخوانه كانا يغدوان ويروحان إليه، فقال أحدهما للآخر ذات يوم : والله لقد أذنب أيوب ذنباً ما أذنبه أحد من العالمين، فقال له صاحبه: وما ذاك؟ فقال : منذ ثماني عشرة سنة لم يرحمه الله تعالى ولم يكشف ما به، فلما راحا إلى أيوب لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك لأيوب عليه السلام. فقال أيوب: ما أدري ما تقولون، غير أن الله تعالى يعلم أني كنت أمر على الرجلين يتنازعان فيذكران الله عز وجل فأرجع إلى بيتي فأكفّر عنهما كراهية أن يذكر الله إلا في حق»، وفي رواية أخرى: «أن الرجلين لما دخلا عليه وجدا ريحاً فقالا: لو كان لأيوب عند الله خير ما بلغ إلى هذه الحالة، قال: فما شق على أيوب شيء مما ابتلي به أشد مما سمع منهما ، فقال : اللهم إن كنت تعلم أني لم أبت شبعانَ وأنا أعلم بمكان جائع فصدّقني، فصدّقه وهما يسمعان، ثم خر أيوب عليه السلام ساجداً ثم قال : اللهم إني لا أرفع رأسي حتى تكشف ما بي، قال: فكشف الله ما به».
مما سبق يتضح وقوع البلاء النفسي على سيدنا أيوب في كلام الناس عنه ولذلك فقد تعرض لكل أنواع البلاء ولكنه كان صابراً.
قوله تعالى: {فكشفنا ما به من ضر} ذكر الفخر الرازي فى تفسيره: {اركض بِرِجْلِكَ}، فالمعنى أنه لما شكا من الشيطان، فكأنه سأل ربه أن يزيل عنه تلك البلية فأجابه الله إليه بأن قال له: {اركض بِرِجْلِكَ} والركض هو الدفع القوي بالرجل، ومنه ركضك الفرس، والتقدير: قلنا له اركض برجلك، قيل: إنه ضرب برجله تلك الأرض فنبعت عين فقيل: {هذا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} أي هذا ماء تغتسل به فيبرأ باطنك، وظاهر اللفظ يدل على أنه نبعت له عين واحدة من الماء اغتسل فيها وشرب منها، والمفسرون قالوا نبعت له عينان فاغتسل من إحداهما وشرب من الأخرى، فذهب الداء من ظاهره ومن باطنه بإذن الله ، وقيل: ضرب برجله اليمنى فنبعت عين حارة فاغتسل منها ثم باليسرى فنبعت عين باردة فشرب منها.
وذكر القرطبي في تفسيره لقوله تعالى: {وآتيناه أهله ومثلهم معهم}. قال مجاهد وعكرمة: قيل لأيوب[: قد آتيناك أهلك في الجنة فإن شئت تركناهم لك في الجنة وإن شئت آتيناكهم في الدنيا. قال مجاهد: فتركهم الله عز وجل له في الجنة وأعطاه مثلهم في الدنيا.
إن الكثير من الناس يعتقد أن بلاء أيوب الأصعب في فقدانه لصحته وأهله وماله ، ولكن هذا الاعتقاد يعد غير صحيحاً؛ لأن مرحلة الصحة والقوة والمال والولد هي الابتلاء الأصعب فى حياة سيدنا أيوب عليه السلام وقد نجح فيها لأنه {نعم العبد إنه أواب}، فلم يغتر بماله ولا بصحته بل استخدم النعم في طاعة الله عز وجل .
فإذا كنت تعاني الصداع أحب أن أُذكَرك بالأحاديث النبوية التي تضع كل مرضى الصداع في مرتبة النفوس المطمئنة الراضية، ويكفيك شرفا أن الحبيب النبي[ كان مصاباً بالصداع، فقد روى البخاري في كتاب الطب (5347)عن ابن عباس: احتجم النبي[ في رأسه وهو محرم من وجع كان به بماء يقال له لحي جمل، وقال محمد بن سواء: أخبرنا هشام عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله[ احتجم وهو محرم في رأسه من شقيقة كانت به، وقد أخرج أحمد من حديث بريدة أنه[ كان ربما أخذته الشقيقة; فيمكث اليوم واليومين لا يخرج، وقد ذكر أبو نعيم في كتاب الطب النبوي له أن هذا النوع كان يصيب النبي[ فيمكث اليوم واليومين ولا يخرج . وفيه عن ابن عباس قال: خطبنا رسول الله[ وقد عصب رأسه بعصابة، وفى الصحيح أنه قال في مرض موته: «وارأساه» وكان يعصب رأسه في مرضه .
يا الله، صلى الله عليك يا رسول الله، يمكث في بيته اليوم والاثنين من شدة الصداع الذي لحق به[، يا سعادة من أبتُلي بالصداع وصبر كصبر النبي[ وروى أحمد في مسنده (21221) عن أبي الدرداء يقول: سمعت رسول الله[ يقول: «إن الصداع والمليلة لا تزال بالمؤمن وإن ذنبه مثل أحد فما تدعه وعليه من ذلك مثقال حبة من خردل»، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله[ يقول: «ما ضرب على مؤمن عرق قط إلا حط الله عنه خطيئة وكتب له حسنة ورفع له درجة» رواه الطبراني في (الأوسط)وإسناده حسن .
وإذا كنت تعاني من الحمى وهناك جملة من الأحاديث التي ذكرها علاء الدين البرهان فوري في كتابه «كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال» ما يلي:
1- الحمى حظ كل مؤمن من النار، وحمى ليلة تكفر خطايا سنة.
2- إنما مثل المؤمن حين يصيبه الوعك والحمى كمثل حديدة تدخل النار فيذهب خبثها ويبقى طيبها .
4- أبشروا فإن الله يقول: هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن في الدنيا لتكون حظه من النار يوم القيامة .
5- «لا تسبي الحمى؛ فإنها تذهب خطايا ابن آدم، كما يذهب الكير خبث الحديد».
6 - تجري الحسنات على صاحب الحمى ما اختلج عليه قدم أو ضرب عليه عرق .
7 - «لا تسبي الحمى؛ فإنها تنفي الذنوب، كما تنفي النار خبث الحديد».
وفى اللقاء القادم إن شاء الله سنختم أسباب الاضطرابات النفسية بالخوف من الموت، ثم ننتقل إلى الشفاء بالقرآن لكل هذه الأمراض النفسية والاجتماعية والاقتصادية بطريقة نفسية إسلامية.


اعداد: د صلاح هارون




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 23-10-2023, 04:36 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 165,445
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الطريـق إلى النفـس المطمئـنة

الطريق إلى النفس المطمئنة (5)

الخوف من الموت


د صلاح هارون أستاذ الصحة النفسية بجامعة الملك عبد العزيز بجدة
هناك قواعد عدة مهمة تجعل الإنسان يخاف من الموت وبسببها يصاب بفوبيا الموت:
الأولى: سأموت بمفردي ولا يوجد من يموت مكاني أو أعتمد عليه عند الموت، ومن هنا يأتي الخوف.
الثانية: الذين ماتوا قبلي لا أعرف عنهم شيئاً ولا هم يستطيعون نقل خبراتهم عن الموت لي.
الثالثة : الجهل التام بطبيعة العالم الجديد الذي سأنطلق إليه دون إرادتي أو حريتي .
ومن هذه القواعد الرئيسة بدأ الخوف من الموت يظهر عند الإنسان، بل انتقل الموضوع من الخوف من الموت إلى كراهية شديدة للموت؛ بدليل قول السيدة عائشة رضي الله عنها لرسول الله [: «كلنا يكره الموت»، والذي أدهشني قول لأحد الفلاسفة القدماء ويسمى سقراط كان يقول: الموت بين أمرين:إما أن يكون نوماً بلا أحلام، أو هجرة إلى عالم آخر، وسيغدو الموت كسباً لا نقاش فيه، فأي شيء سيكون أعظم من هذا؟!» وقد قال هذه الكلمات عند محاكمته وقرب الحكم عليه بالإعدام، وقد استطاع أن يفسر قضية الموت على أنها اكتساب لخبرات جدية لن يعلمها سوى من مات!!
والموت : صفة وجودية خلقت ضدا للحياة، وباصطلاح أهل الحق: قمع هوى النفس؛ فمن مات عن هواه فقد حيي بهداه.
والموت الأبيض: الجوع؛ لأنه ينور الباطن ويبيض وجه القلب فمن ماتت بطنته حييت فطنته.
والموت الأحمر: مخالفة النفس.
والموت الأخضر: لبس المرقع من الخرق الملقاة التي لا قيمة لها لاخضرار عيشه بالقناعة.
والموت الأسود: هو احتمال أذى الخلق (القاموس للفيروز آبادي ، جـ1 ، ص158)
وسأعقد في العنصر القادم مقارنة عجيبة بين الأرض والإنسان؛ ليعلم كل مخلوق أنه سيموت وعليه الاستعداد للموت، وقبلها سأعرض عمر الأنبياء والمرسلين عند الموت ليعلم الجميع ان الملك لله وحده.
وقضية الموت ليست خاصة بالإنسان فقط، ولكنها قضية عامة تتصل بالكون كله، وفيما يلي عرض لهذه المقارنة العجيبة بين الإنسان والأرض:
وقفة مع القصة الأولى
امرأة أمريكية حملت وفي شهرها التاسع ركبت سيارتها، وهي تسير في الطريق اصطدمت السيارة بشاحنة ضخمة فدكت السيارة بمن فيها، فجاءت سيارات الإسعاف ليروا المفاجأة غير المتوقعة: وجدوا المرأة قد ماتت وسقط الجنين حياً من بطنها بأمر الملك !!! سبحان من جمع الموت والحياة في وقت واحد ، فلحظة موت الأم هي نفسها لحظة خروج الجنين حياً من بطنها!
القصة الثانية
طائرة سودانية بها (111) راكب وفي أثناء رحلة الطيران احترقت الطائرة وسقطت على الأرض ، وجاءت سيارات الإسعاف مسرعة، فإذا بجميع الركاب وطاقم الطائرة احترقوا وماتوا جميعاً، وأخذوا يبحثون عن الجثث فعثروا على (110) ركاب فقط، وراجعوا أسماء الركاب فوجدوا أماً ومعها طفلها الذي يبلغ من العمر سنتين ، فوجدوا الأم جثة محترقة ولم يجدوا الطفل وأخذوا يبحثون عن جثة الطفل، فإذا بالمفأجاة الكبرى، إذا بالطفل على جذع شجرة يبكي ولم يحدث له سوى إصابة بسيطة جداً في ذراعه الأيمن، فسبحان الذي جمع الموت والحياة في وقت واحد!
شاب رأى مقعده من الجنة
يحكي طبيب مسلم ثقة هذه القصة الرائعة التي أختم بها رسالتي في الخوف من الموت فيقول: دخلت المسجد لأصلي الفجر، فوجدت شاباً لا يتعدى عمره سبعة عشر عاما يقف بجواري، فلما كبر الإمام إذا بالشاب قد وقع على الأرض، فلما انتهى الإمام من صلاته أخذت الشاب إلى المستشفى ، وأخذت أبحث له عن دواء لأداويه به، وفجأة وجدت الشاب يتحدث مع الممرض فذهبت إليهما فإذا بالشاب ينازع سكرات الموت وقد وجدت العرق على جبينه، فقلت له: يا ولدي قل: لا إله إلا الله، فقالها وهو في قمة الراحة وتبسم ابتسامة طيبة ثم مات الشاب ، فنظرت إلى الممرض فوجدته يبكي بشدة ، فقلت له : لماذا تبكي؟ فقال الممرض: قال الشاب لي قبل موته ألق السلام على الطبيب الذي أتى بي إلى هنا وقل له: لا تُتعب نفسك والله إنني سأموت. قلت يا ولدي لماذا تقول ذلك؟ فقال لي: لأني أرى الآن مقعدي من جنة الملك!! الله أكبر الله أكبر على حسن الخاتمة.... يا رب ارزقنا حسن الخاتمة.
هذا وإن كان من توفيق فمن الله وحده، وإن كان من خطأ أو سهو أو زلل فمن نفسي والشيطان، والله ورسوله منه براء، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وسنبدأ مع حضراتكم سلسلة جديدة عنوان: «الشفاء بالقرآن» بمشيئة الله تعالى.

الإنسان
خُلق الإنسان من تراب ثم نطفة إلى بقية مراحل التكوين، ثم انفصل الجنين عن الأم لقد خلق الله عز وجل الإنس والجن للطاعة والعبادة الخالصة له وحده، ولكن وضع للإنسان حرية الاختيار فله أن يؤمن أو يكفر.
في كل ثانية تموت ملايين الخلايا الفرعية داخل الجسم البشرى، وفي الوقت نفسه تحيا ملايين الخلايا وبالتالي تتبدل الخلايا كل 11 يوما؛ فسبحان الذي جمع الموت والحياة في وقت واحد
ملك الموت هو الموكل بقبض أرواح المخلوقات التي خلقها الله عز وجل
سيموت الإنسان وسيقبر في دار البرزخ، ثم يبعث يوم القيامة على ما مات عليه.
الأرض
حدث انفصال بين الأرض والسماء فكانتا رتقا أي جزءا واحدا ثم انفصلت الأرض عن السماء.
لقد خلق الله الأرض والسماء ثم خيرهما فقالتا أتينا طائعين، ثم قضى السموات سبعاً في يومين.
الأرض كذلك بها أجزاء ميتة وأخرى حية بدليل قوله تعالى: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (فصلت:39).
الله عز وجل سيقبض السموات والأرض بيمينه ثم يقول أنا الملك أين ملوك الأرض؟!
الأرض ستموت بمن عليها، ثم ستبعث الأرض والسموات، ولكنها ستتبدل إلى أرض وسماء جديدتين استعدادا لعرض العباد على الله


اعداد: د صلاح هارون




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 102.61 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 99.09 كيلو بايت... تم توفير 3.51 كيلو بايت...بمعدل (3.42%)]