|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الأحاديث والآثار الموضوعة وعدم جواز الاحتجاج بها(2) باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أما بعد: فإن هذا هو المقال الرابع في موضوعنا «شرح الصدور في الرد على من أجاز التمسح بالقبور»، وقد ذكرت فيما مضى من مقالات تحريم التمسح بالقبور والطواف بالأضرحة وعدم الاستغاثة بها والتضرع عندها، وبينت اعتقاد أهل البيت في التوحيد الخالص لله عز وجل والصحابة - رضي الله عنهم - أجمعين وأنهم قد حرموا هذا الأمر، ومقالي هذا الرابع هو تعقيب على الكاتب المتروك الذي أورد أحاديث موضوعة محتجاً بنسبتها إلى النبي [ مدعياً أنها نصرة لرسول الله [! ووالله إنها لإماتة وهدم لسنة النبي [ وإنها والله إحياء للتعلق بالقبورية، ولما كان انتشار الأحاديث الموضوعة في العقيدة له خطورته العظيمة في زعزعة اعتقاد المسلمين والتشكيك في دينهم الحق بجواز التضرع والاستغاثة والتمسح بالقبور، أحببت أن أقدم مقدمة هامة في ضرورة معرفة الأحاديث المكذوبة والآثار الباطلة التي أوردها المتروك محتجاً بنسبتها إلى النبي [. ونستكمل ماتبقى من حلقتنا قلت: والحديث الذي أشار إليه أبو حاتم بن حبان رحمه الله تعالى: عن سمرة بن جندب: عن النبي [ قال: «مَنْ حدث عني حديثاً وهو يَرَى أنه كَذِبٌ فهو أحد الكاذَبِيْنِ» أخرجه مسلم. قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: «إذا حدثت بالحديث فيكونُ عندك كذباً ثم تُحدِث به فأنت أحد الكاذبين في المأثم». وسأل أبو عيسى الترمذي رحمه الله تعالى الإمام الدارمي أبا محمد عبد الله بن عبد الرحمن عن فقه حديث سمرة، قال أبو عيسى: قلت له: مَن روى حديثاً وهو يعلم أن إسناده خطأ أيخاف أن يكون قد دخل في حديث النبي [؟ أو إذا روى الناس حديثاً مرسلاً فأسنده بعضهم أو قَلَبَ إسناده، قد دخل في هذا الحديث؟ فقال: لا، إنما معنى هذا الحديث: إذا روى الرجل حديثاً ولا يُعْرفُ لذلك الحديث عن النبي [ أصلٌ فحدَّث به؛ فأخاف أن يكون قد دخل في هذا الحديث. (سنن الترمذي : 2662). وقال أبو عيسى رحمه الله تعالى: كل مَنْ رُوِيَ عنه حديثٌ مِمَّن يُتَّهم أو يُضَعَّفُ لغفلته وكثرة خطئه ولا يُعرف ذلك الحديثُ إلا من حديثه فلا يُحتج به. (كتاب العلل 6/234). قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى بعد كلامه الماتع عن التوسل: «والمقصود أن هذه الأحاديث التي تُروى في ذلك من جنس أمثالها من الأحاديث الغريبة المنكرة بل الموضوعة التي يرويها من يجمع في الفضائل والمناقب الغث والسمين، كما يوجد مثل ذلك فيما يُصنَّف في فضائل الأوقات وفضائل العبادات وفضائل الأنبياء والصحابة وفضائل البقاع ونحو ذلك؛ فإن هذه الأبواب فيها أحاديث صحيحة وأحاديث حسنة وأحاديث ضعيفة وأحاديث كذب موضوعة، ولا يجوز أن يُعتمد في الشريعة على الأحاديث الضعيفة التي ليست صحيحة ولا حسنة. ثم قال رحمه الله تعالى مبيناً مذهب الأئمة: «ولم يقل أحدُ من الأئمة إنه يجوز أنْ يُجعل الشيء واجباً أو مُسْتحباً بحديث ضعيف، ومن قال هذا فقد خالف الإجماع». ثم قال رحمه الله تعالى: «ومن نَقَلَ عن أحمد أنه يحتج بالحديث الضعيف الذي ليس بصحيح ولا حسن فقد غلط عليه». (قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة/ تحقيق الشيخ الدكتور ربيع المدخلي ص175 فقرة رقم 477 و478 و 482). قلت: ومن فداحة الأمور: «أن يُحتج بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال، ولنا أن نقول: إذَا هو يساوي الحديث الصحيح في الاحتجاج بفضائل الأعمال مع أن الحديث الضعيف يفيد الظن الضعيف أو الظن المرجوح، وأن الحديث الصحيح يفيد اليقين والجزم بنسبته إلى النبي [ فكيف يستويان؟ ولا ريب أن الحديث الضعيف من تخاليط الرواة الضعاف والمغفلين والمدلسين. وقال أحمد بن مروان: «أتينا إبراهيم الحربي وهو جالس على باب داره فسلمنا عليه وجلسنا، فأخرجنا إليه كتاباً فقلنا: حدثنا، فجعل يَعْتلُ علينا ويُدافعنا، فلما أنْ أكثرنا عليه حدَّثَنَا حديثين، ثم قال لنا: مَثَلُ أصحاب الحديث مَثَلُ الصيَّاد الحريص الذي يُلْقي شبكته في الماء، فيجتهد؛ فإن أخرج سمكة وإلا أخرج صخرة. وتأمل حرص عمر رضي الله عنه وفقهه الثج ودقة نظره وشفوف علمه وحسن تصرفه رضي الله عنه ومن ذلك ما قاله السائب بن يزيد رحمه الله تعالى أنه سمع عمر يقول لأبي هريرة رضي الله عنه: «لتتركنَّ الحديثَ عن رسول الله [ أو لأُلَحِقنَّك بأرض دوس! وقال لكعب: لتتركنَّ الحديثَ، أو لأُلحقنَّك بأرض القردة». إسناده صحيح: أخرجه الحافظ أبو زرعة الدمشقي (1475)، وذكره الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (8/106). قال رحمه الله تعالى: وهذا محمول من عمرَ على أنه خشي من الأحاديث التي قد تَضَعها الناسُ على غير مواضع، وأنهم يتكلمون على ما فيها من أحاديث الرخص، وأن الرجل إذا أكثر من الحديث ربما وقع في أحاديثه بعض الغلط أو الخطأ فيحملها الناس عنه أو نحو ذلك. وعن ابن عجلان: أن أبا هريرة رضي الله عنه كان يقول: إني لأُحدثُ أحاديث، لو تكلمت بها زمن عمر لشج رأسي. قلت: فيه انقطاع؛ لأن ابن عجلان لم يسمع من أبي هريرة رضي الله عنه ويشهد له الحديث الآتي عند عبد الرزاق في المصنف رحمه الله (20496) عن الزهري: قال أبو هريرة: لما ولي عمر قال: أقلوا الرواية عن رسول الله [ إلا فيما يُعمل به، قال: ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه: «أفئن كنت محدثكم بهذه الأحاديث وعمر حي؟ أما والله إذاً لألفيت المخفقة ستباشر ظهري». قال الحافظ الذهبي: هكذا كان عمر رضي الله عنه يقول: أقلوا الحديث عن رسول الله [ وزجر غير واحد من الصحابة عن بثِّ الحديث، وهذا مذهبٌ لعمرَ وغيره، فبالله عليك إذا كان الإكثارُ من الحديث في دولة عمر رضي الله عنه كانوا يُمنعون منه مع صدقهم وعدالتهم وعدم الأسانيد، بل هو غضٌّ لم يُشَبْ؛ فما ظنُّك بالإكثار من رواية الغرائب والمناكير في زماننا مع طول الأسانيد وكثرة الوهم؟! فبالحَرَى أنْ نزجر القومَ عنه، فياليتَهُم يَقْتَصرون على رواية الغريب والضعيف بل يَروون والله الموضوعات والأباطيل والمستحيل في الأصول والفروع والملاحم والزهد، نسأل الله العافية. فَمَنْ روى ذلك مع علمه ببطلانه وغرَّ المؤمنين فهذا ظالمٌ جانٍ على السنن والآثار يُستتاب من ذلك، فإن أناب وأقْصر وإلا فهو فاسق كفى به إثماً أن يحدث بكل ما سمع، وإن هو لم يعلم فيتوَّرع وليستعنْ بمن يُعينُه على تنقية مروياته، نسأل الله العافية؛ فلقد عم البلاء وشملت الغفلةُ ودخل الداخلُ على المحدثين الذين يركن إليهم المسلمون، فلا عتبى على الفقهاء وأهل الكلام» انتهى من السير. قال أحمد بن إسحاق القاضي، بالدينور: سمعت أبا بكر الأثرم يقول: رأى أحمدُ بن حنبل يحيى بن معين رحمهما الله بصنعاء في زاوية، وهو يكتب صحيفة معمر عن أبان عن أنس، فإذا اطلع عليه إنسان كتمه، فقال له أحمد: تكتب صحيفة معمر عن أنس، وتعلم أنها موضوعة، فَلَو قال لك قائل: أنت تتكلم في أبان ثم تكتب حديثه على الوجه، فقال: رحمك الله يا أبا عبد الله، أكتب هذه الصحيفة عن عبد الرزاق عن معمر على الوجه فأحفظها كلها وأعلم أنها موضوعة؛ حتى لا يجيء بعده إنسان فيجعل بدل أبان ثابتاً ويرويها عن معمر عن ثابت عن أنس بن مالك فأقول له: كذبت إنما هي عن معمر عن أبان لا عن ثابت. إسناد هذا الأثر صحيح: أخرجه ابن حبان (1/31 – 32) مقدمة المجروحين، والخطيب البغدادي في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع« (1638)، (2/282) وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (65/25) وقال الحافظ أبو الفضل ابن حجر رحمه الله تعالى في تهذيب التهذيب: إن إسنادها صحيح، انظر ترجمة أبان بن أبي عياش. ويقول يحيى بن معين رحمه الله تعالى عن الكتابة عن الكذاب: كتبنا عن الكذابين وسجرنا به التنور وأخرجنا به خبزاً نضيجاً. أثر صحيح: أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد (14/184) وابن عساكر. الحديث الأول: «حياتي خير لكم تحدثون ويحدث لكم، ووفاتي خير لكم تُعرض علي أعمالكم، فما رأيت من خير حمدت الله عليه، وما رأيت من شر استغفرت الله لكم». إسناده ضعيف: أخرجه أبو بكر البزار في مسنده، من طريق سفيان عن عبد الله بن السائب عن زاذان عن عبد الله بن مسعود عن النبي [ قال: «إن لله ملائكة سياحين يبلغونني عن أمتي السلام» (رواه الدارمي برقم 2774، والنسائي برقم 1282 والبيهقي في شعب الإيمان برقم 1582، وابن حبان في صحيحه برقم 914، وهو صحيح). قال: وقال رسول الله [: «حياتي خير لكم تحدثون...» . قال البزار رحمه الله: لم نعرف آخره يروى عن عبد الله إلا من هذا الوجه. قال شيخنا الألباني رحمه الله تعالى بعد أن أورد هذا الحديث في السلسلة الضعيفة (رقم 975) عند قول الحافظ ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية (5/275) : وأما أوله وهو قوله عليه السلام: «إن لله ملائكة...»، فقد رواه النسائي من طرق متعددة عن سفيان الثوري وعن الأعمش، كلاهما عن عبدالله بن السائب. قلت: فاتفاق جماعة من الثقات على رواية الحديث عن سفيان دون آخر الحديث «حياتي ... »، ثم متابعة الأعمش له على ذلك، مما يدل عندي على شذوذ هذه الزيادة؛ لتفرد عبد المجيد بن عبد العزيز بها، لاسيما أنه مُتكلَّم فيه من قبل حفظه مع أنه من رجال مسلم وقد وثقه جماعة وضعفه آخرون، وبين بعضهم السبب، فقال الخليلي رحمه الله تعالى: «ثقة لكنه أخطأ في أحاديث». وقال النسائي: «ليس بالقوي يكتب حديثه». وقال ابن عبد البر: «روى عن مالك أحاديث أخطأ فيها». وقال ابن حبان في «المجروحين» (2/152): «منكر الحديث جداً، يقلب الأخبار ويروي المناكير عن المشاهير فاستحق الترك». قلت: ولهذا قال فيه الحافظ في التقريب: «صدوق يخطئ». قلت: ثم قال شيخنا رحمه الله تعالى حديثاً موضوعاً «تعرض عليَّ أعمالكم كل خميس...». أخرجه أبو طاهر المخلِّص في «الثاني من العاشر من حديثه (ق212/2). قال شيخنا رحمه الله تعالى: موضوع آفته الأنصاري (محمد بن عبد الملك بن زياد أبو سلمة الأنصاري) قال العقيلي: منكر الحديث، وقال ابن حبان: منكر الحديث جداً يروي عن الثقات ما ليس من حديثهم لا يجوز الاحتجاج به، وقال ابن طاهر: كذاب وله طامات، وقال الحاكم: يروي أحاديث موضوعة. ومن شاء الاستزادة فليرجع إلى «الضعيفة» لشيخنا رحمه الله تعالى (2/404 – 406 رقم 975). ثم قال رحمه الله تعالى: وجملة القول أن الحديث ضعيف بجميع طرقه، وخيرها حديث أبي بكر بن عبد الله المزني وهو مرسل، وهو من أقسام الحديث الضعيف عند المحدثين ثم حديث ابن مسعود وهو خطأ، وشرها حديث أنس بطريقيه. انتهى. وانظر ذخيرة الحفاظ (2694)، وكشف الخفاء (1178)، والمشتهر (16). وانظر إلى شدة جرأته وكذبه على عمر رضي الله عنه عندما قال: وتروي كتب التراث عن عمر رضي الله عنه أنه قال: كنا إذا اشتد بنا الكرب نلوذ بقبر رسول الله [!! ورفع رجل صوته على علي عليه السلام فنهاه عمر رضي الله عنه عن ذلك قائلاً: ألا تعلم أن إغضابك لعلي يغضب صاحب هذا القبر!! وهذا يدل على أن الصحابة رضي الله عنهم بعد وفاة نبيهم صلوات الله عليه وعلى آله كانوا يتحلقون حول قبره الشريف كملاذ لهم! قلت: أي كتب التراث هذه؟! سَمِّها لنا وحاشا عمر رضي الله عنه أن يفعل هذه الأمور الشركية البدعية، ولم يثبت أن صحابياً رضي الله عنه أتى قبره الشريف ولاذ به، ولا يجوز اللوذ شرعاً بالأموات؛ لأنه من اتخاذ الأنداد لله عز وجل، هل تعلم أيها الكاتب ما معنى اللوذ؟ هو الاحْتصان والاستتار والاحْتماء. والملاذ: الحصن، والاحتصان والاحتماء لا يكون إلا لله عز وجل؛ فهو الذي يكشف السوء كما قال جل وعلا: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} (النمل:62). وثبت عن عمر رضي الله عنه خلاف ما ذكره الكاتب الذي من الإنصاف أن أقول في حقه ولا أظلمه: إنه عنده جهل مركب في ذكره روايات موضوعة مكذوبة على رسول الله [ وعلى صحابته الأبرار الأخيار. وما أصدق قول ابن القيم رحمه الله عندما قال: قفل من الجهل المركب فوقه قفل التعصب كيف ينفتحان ومفاتح الأقفال في يد من له التصريف سبحانه عظيم الشان فاسأله فتح القفل مجتهدا على الأسنان إن الفتح بالأسنان وانظر رحمني الله وإياك إلى هذا الحديث العظيم الذي يرويه الصحابي الجليل أبو جري عن رسول الله [ وأنه أخبره أنه رسول من إذا أصابك ضر فدعوته كشفه، فعَنْ أَبِى جُرَىٍّ جَابِرِ بْنِ سُلَيْمٍ قَالَ: رَأَيْتُ رَجُلاً يَصْدُرُ النَّاسُ عَنْ رَأْيِهِ لاَ يَقُولُ شَيْئًا إِلاَّ صَدَرُوا عَنْه،ُ قُلْتُ، مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ [. قُلْتُ: عَلَيْكَ السَّلاَمُ يَا رَسُولَ اللَّه،ِ مَرَّتَيْنِ. قَالَ: «لاَ تَقُلْ عَلَيْكَ السَّلاَمُ؛ فَإِنَّ عَلَيْكَ السَّلاَمُ تَحِيَّةُ الْمَيِّت،ِ قُلِ: السَّلاَمُ عَلَيْكَ»، قَال:َ قُلْتُ: أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ [ ؟ قَالَ: «أَنَا رَسُولُ اللَّهِ الَّذِى إِذَا أَصَابَكَ ضُرٌّ فَدَعَوْتَهُ كَشَفَهُ عَنْكَ، وَإِنْ أَصَابَكَ عَامُ سَنَةٍ فَدَعَوْتَهُ أَنْبَتَهَا لَكَ، وَإِذَا كُنْتَ بِأَرْضٍ قَفْرَاءَ أَوْ فَلاَةٍ فَضَلَّتْ رَاحِلَتُكَ فَدَعَوْتَهُ رَدَّهَا عَلَيْكَ». قُلْتُ: اعْهَدْ إِلَىَّ، قَالَ: «لاَ تَسُبَّّنَّ أَحَدًا»، قَالَ فَمَا سَبَبْتُ بَعْدَهُ حُرًّا وَلاَ عَبْدًا وَلاَ بَعِيرًا وَلاَ شَاةً. قَالَ: «وَلاَ تَحْقِرَنَّ شَيْئًا مِنَ الْمَعْرُوفِ، وَأَنْ تُكَلِّمَ أَخَاكَ وَأَنْتَ مُنْبَسِطٌ إِلَيْهِ وَجْهُكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنَ الْمَعْرُوفِ وَارْفَعْ إِزَارَكَ إِلَى نِصْفِ السَّاق،ِ فَإِنْ أَبَيْتَ فَإِلَى الْكَعْبَيْنِ، وَإِيَّاكَ وَإِسْبَالَ الإِزَارِ فَإِنَّهَا مِنَ الْمَخِيلَةِ، وَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمَخِيلَةَ، وَإِنِ امْرُؤٌ شَتَمَكَ وَعَيَّرَكَ بِمَا يَعْلَمُ فِيكَ فَلاَ تُعَيِّرْهُ بِمَا تَعْلَمُ فِيهِ؛ فَإنمَّا وَبَالُ ذَلِكَ عَلَيْهِ». (رواه أبو داود برقم 4086، والنسائي 9496، وأحمد 15955 وهو حديث صحيح). اعداد: الشيخ: حاي بن سالم الحاي
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() الأحاديث والآثار الموضوعة وعدم جواز الاحتجاج بها(3) باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أما بعد: فإن هذا هو المقال الرابع في موضوعنا: «شرح الصدور في الرد على من أجاز التمسح بالقبور»، وقد ذكرت فيما مضى من مقالات تحريم التمسح بالقبور والطواف بالأضرحة وعدم الاستغاثة بها والتضرع عندها، وبينت اعتقاد أهل البيت في التوحيد الخالص لله عز وجل والصحابة - رضي الله عنهم - أجمعين وأنهم قد حرموا هذا الأمر، ومقالي هذا الرابع هو تعقيب على الكاتب المتروك الذي أورد أحاديث موضوعة محتجاً بنسبتها إلى النبي [ مدعياً أنها نصرة لرسول الله [! ووالله إنها لإماتة وهدم لسنة النبي [ وإنها والله إحياء للتعلق بالقبورية، ولما كان انتشار الأحاديث الموضوعة في العقيدة له خطورته العظيمة في زعزعة اعتقاد المسلمين والتشكيك في دينهم الحق بجواز التضرع والاستغاثة والتمسح بالقبور، أحببت أن أقدم مقدمة هامة في ضرورة معرفة الأحاديث المكذوبة والآثار الباطلة التي أوردها المتروك محتجاً بنسبتها إلى النبي [. ونستكمل ماتبقى من حلقتنا الحديث الثاني: «من حج فزار قبري بعد موتي كان كمن زارني في حياتي». حديث موضوع: أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (2/203/2) وفي المعجم الأوسط (1/126/2) من زوائد المعجمين الصغير والأوسط وابن عدي في الكامل، والدارقطني في سننه (ص279) والبيهقي (5/246) والسِِّلفي في الثاني عشر من المشيخة البغدادية (54/2) كلهم من طريق جعفر بن سليمان أبي عمر عن الليث بن أبي سليم عن مجاهد عن عبد الله بن عمر مرفوعاً، وزاد ابن عدي: «وصحبني». قال شيخنا رحمه الله تعالى- والذي تقدم من كلام كله له -: قلت: وهذا سند ضعيف جداً، وفيه علتان: الأولى: ضعف ليث بن أبي سليم. قلت: قال عنه الحافظ أبو الفضل ابن حجر رحمه الله تعالى: «صدوق اختلط أخيراً، ولم يتميَّز حديثه». والأخرى: أن حفص بن سليمان هذا – وهو القارئ – ويقال: الغاضري – ضعيف جداً كما أشار إليه الحافظ ابن حجر بقوله في التقريب: «متروك الحديث». قال عنه ابن معين: «كان كذاباً»، وقال ابن خراش: «كذاب يضع الحديث». وذكر شيخنا رحمه الله تعالى متابعاً لحفص بن سليمان عند الطبراني في الأوسط (126/2) عن زوائد المعجمين: حدثنا أحمد بن رشدين، ثنا علي بن الحسن بن هارون الأنصاري، حدثني الليث ابن بنت الليث بن أبي سليم: حدثتني عائشة بنت يونس امرأة الليث بن أبي سليم، عن ليث بن أبي سليم، به، وقال: لا يروى عن الليث إلا بهذا الإسناد تفرد به علي. قال شيخنا رحمه الله تعالى: ولم أجد له ترجمة، ومثله الليث ابن بنت الليث، وامرأته عائشة لم أجد من ذكرها، وبها أعل الهيثمي الحديث في المجمع (4/2) فقال: لم أجد من ترجمها. ثم إن شيخ الطبراني أحمد بن رشدين، قال ابن عدي: «كذبوه، وأُنكرت عليه أشياء»، وذكر له الذهبي أحاديث من أباطيله. وإذا عرفت حال هذا الإسناد تبين لك أن المتابعة المذكورة لا يعتد بها ألبتة؛ فلا تغتر بإيراد السبكي إياها في: (شفاء السقام ص20)، دون أن يتكلم عليها ولا على الطريق إليها! وقد قال المحقق العلامة محمد بن عبد الهادي رحمه الله في الرد عليه في الصارم المنكي (ص63): ليس هذا الإسناد بشيء يعتمد عليه ولا هو مما يُرجع إليه، بل هو إسناد مظلم ضعيف جداً... إلى أن قال بعد أن بين علله، قال عن الطرق: {ظلمات بعضها فوق بعض}. واعلم أنه قد جاءت أحاديث أخرى في زيارة قبره [ وقد ساقها كلها السبكي في «الشفاء» وكلها واهية وبعضها أوهى من بعض، وهذا أجودها كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية. قال شيخ الإسلام في «التوسل والوسيلة»، تحقيق الشيخ ربيع بن هادي حفظه الله تعالى: وأحاديث زيارة قبره [ كلها ضعيفة لا يعتمد على شيء منها في الدين؛ ولهذا لم يرو أهل الصحاح والسنن شيئاً منها، وإنما يرويها مَنْ يروي الضعاف كالدارقطني والبزار وغيرهما. ثم ذكر رحمه الله تعالى هذا الحديث، ثم قال: فإن هذا كذبه ظاهرٌ مخالف لدين المسلمين؛ فإن مَن زاره في حياته وكان مؤمناً به كان من أصحابه لاسيما إن كان من المهاجرين إليه المجاهدين معه، وقد ثبت عنه [ أنه قال: «لا تسبوا أصحابي؛ فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أُحُد ذهباً ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه» خرجاه في الصحيحين. والواحد بعد الصحابة لا يكون مثل الصحابة بأعمال مأمور بها واجبة كالحج، والجهاد، والصلوات الخمس، والصلاة عليه [، فكيف بعمل ليس بواجب باتفاق المسلمين (يعني زيارة قبره [)، بل ولا شُرِع السفر إليه؟! بل هو منهي عنه، وأما السفر إلى مسجده للصلاة فيه، فهو مستحب». < تنبيه: يظن كثير من الناس أن شيخ الإسلام ابن تيمية ومن نحا نحوه من السلفيين يمنع من زيارة قبره [، وهذا كذب وافتراء، وليست هذه أول فرية على ابن تيمية رحمه الله تعالى، وكل من له اطلاع على كتب ابن تيمية يعلم أنه يقول بمشروعية زيارة قبره [ واستحبابها إذا لم يقترن بها شيء من المخالفات والبدع، مثل شد الرحل، والسفر إليها؛ لعموم قوله [: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد». والمستثنى منه في هذا الحديث ليس هو المساجد فقط – كما يظن كثيرون – بل هو كل مكان يُقصد للتقرب إلى الله فيه، سواء كان مسجداً، أو قبراً، أو غير ذلك، بدليل ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال في حديث له: فلقيتُ بصرة بن أبي بصرة الغِفاري، فقال: من أين أقبلت؟ فقلت: من الطور، فقال: لو أدركتك قبل أن تخرج إليه ما خرجت! سمعتُ رسول الله [ يقول: «لا تُعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد...» الحديث. أخرجه أحمد وغيره بسند صحيح، وهو مخرَّج في «أحكام الجنائز» (ص226). فهذا دليل صريح على أن الصحابة فهموا الحديث على عمومه، ويؤيده أنه لم ينقل عن أحد منهم أنه شد الرحل لزيارة قبر ما، فهم سلف ابن تيمية في هذه المسألة؛ فمن طعن فيه، فإنما يطعن في السلف الصالح رضي الله عنهم، ورحم الله من قال: وكل خيرٍ في اتِّباعِ مَن سَلَفْ وكُلُّ شَرٍّ في ابْتِداعِ مَن خَلَفْ أثر عائشة رضي الله عنها: أخرجه الدارمي (93) من طريق سعيد بن زيد: حدثنا عمرو بن مالك النكري، حدثنا أبو الجوزاء أوس بن عبد الله قال: «قحط أهل المدينة قحطاً شديداً، فشكوا إلى عائشة فقالت: انظروا إلى قبر النبي فاجعلوا منه كوا إلى السماء حتى لا يكون بينه وبين السماء سقف، قال: فمطرنا مطراً حتى نبت العشب وسمنت الإبل حتى تفتَّقت من الشحم؛ فسمي عام الفتق». قلت: هذا حديث ضعيف؛ فإن عمرو بن مالك النكري صاحب غرائب ومناكير، قال عنه ابن حبان في «الثقات»: «يعتبر حديثه من غير رواية ابنه عنه يخطئ ويغرب»، وقال ابن عدي في الكامل (5/150 رقم 1315): «عمرو بن مالك النكري بصري منكر الحديث عن الثقات ويسرق الحديث، سمعت أبا يعلى يقول: عمرو بن مالك النكري كان ضعيفا»، وقال الحافظ ابن حجر: «صدوق له أوهام»، والراجح فيه أنه ضعيف. قلت: وقد أبعد النجعة محقق مسند الدارمي عندما قال عن هذا الأثر: رجاله ثقات ولم يصب فيما قاله؛ لأنه لم يتفطن لراوي الحديث وهو سعيد بن زيد، وإليك أقوال العلماء فيه: قال عنه يحيى بن سعيد: «ضعيف جداً»، وقال عنه أبو حاتم والنسائي: «ليس بالقوي»، وقال البزار: «ليِّن وقد تفرد بهذا الحديث ولا يحتمل منه هذا التفرد». وقال الجوزجاني: يضعفون حديثه وليس بحجه، وكذلك تفرد به عنه أبو النعمان وهو شيخ الدارمي واسمه محمد بن الفضل الملقب بـ«عارم» وهو ثقة حافظ إلا أنه اختلط اختلاطاً شديداً في آخره فلا يعلم هل سمع الدارمي منه هذا الخبر قبل الاختلاط أم بعده. ولو كان هذا الخبر صحيحاً فلماذا سكتت أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - عن إفتائهم بذلك لما قحطوا في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه؟ وقد قدّم عمر العباس رضي الله عنه للدعاء في الاستسقاء ولم يذهبوا إلى قبر النبي [ ليدعوا عنده لنزول الغيث؛ فدل ذلك الفعل منه - رضي الله عنه - على عدم جواز الاستغاثة والاستعانة بالأموات وإن كانوا أنبياء الله - صلوات الله وسلامه عليهم - لأن هذا يؤدي إلى الشرك الأكبر. والأمر الأعجب أن الكاتب المتروك أصبح إماماً في الجرح والتعديل والتصحيح والتضعيف، فأخذ يصحح الأحاديث الواهية الموضوعة محتجاً بنسبتها إلى رسول الله [. ووالله إنها لطامة كبرى أن ينْسب إلى النبي [ حديثاً لم يقله أو لصحابي أو لإمام من أئمة المسلمين. وتأمل كلامه عندما صرح قائلاً: «وقد صح عن الإمام مالك أن أبا جعفر المنصور قال له في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يا أبا عبدالله، أستقبل القبلة أم أستقبل رسول الله (عند الدعاء)؟». قلت: ولا شك في بطلان وسقوط هذه الرواية، فإن إسنادها مظلم منقطع. أخرجها القاضي عياض في كتابه «الشفا في حقوق المصطفى». وفيها محمد بن حميد الرازي، قال البخاري: حديثه فيه نظر، وقال عنه النسائي: ليس بثقة. وقال يعقوب بن شيبة السدوسي: محمد بن حميد الرازي كثير المناكير. وقال أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد الكريم الرازي ابن أخي أبي زرعة: سألت أبا زرعة عن محمد بن حميد، فأومأ إلى فمه، فقلت له: كان يكذب؟! فقال برأسه: نعم، قلت له: قد شاخ، لعله كان يُعمل عليه ويُدلس عليه؟ فقال: لا يا بني كان يتعمد. وقال أبو حاتم الرازي: حضرت محمد بن حميد وحضره عون بن جرير، فجعل ابن حميد يحدث بحديث عن جرير فيه شِعر، فقال عون: ليس هذا الشعر في الحديث، إنما هو من كلام أبي، فتغافل ابن حميد فمر فيه. وقال أبو نعيم عبد الملك بن محمد بن عدي: سمعت أبا حاتم محمد بن إدريس الرازي في منزله وعنده عبد الرحمن بن يوسف بن خراش وجماعة من مشايخ أهل الري وحفاظهم للحديث، فذكروا ابن حميد، فأجمعوا على أنه ضعيف في الحديث جداً، وأنه يحدث بما لم يسمعه وأنه يأخذ أحاديث لأهل البصرة والكوفة فيحدث بها الرازيين. فهذه حال محمد بن حميد الرازي عند أئمة هذا الشأن، ورغم ذلك يزعم الكاتب المتروك أن سندها صحيح، فالقصة مكذوبة، وسندها غريب. وهذه الحكاية أيضاً منقطعة؛ فإن محمد بن حميد الرازي لم يدرك مالكاً لا سيماً في زمن أبي جعفر المنصور، وفي الإسناد أيضاً من لا يعرف حاله. (انظر كشف شبهات الصوفية 1/109 – 110). قلت: ولله در شيخ الإسلام ابن تيمية عندما ذكر هذه القصة الباطلة فقال: - «والحكاية التي تذكر عن مالك أنه قال للمنصور لما سأله عن استقبال الحجرة فأمره بذلك وقال: «وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم»، كذب على مالك ليس لها إسناد معروف وهو خلاف الثابت المنقول عنه بأسانيد الثقات في كتب أصحابه، كما ذكره إسماعيل بن إسحاق القاضي وغيره. مثل ما ذكروا عنه أنه سئل عن أقوام يطيلون القيام مستقبلي الحجرة يدعو لأنفسهم، فأنكر مالك ذلك، وذكر أنه من البدع التي لم يفعلها الصحابة والتابعون لهم بإحسان، وقال: لا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها. ولا ريب أن الأمر كما قاله مالك؛ فإن الآثار المتواترة عن الصحابة والتابعين تبين أن هذا لم يكن من عملهم وعادتهم، ولو كان استقبال الحجرة عند الدعاء مشروعاً لكانوا هم أعلم بذلك وكانوا أسبق إليه ممن بعدهم. والداعي يدعو الله وحده، كما نهى عن استقبال الحجرة عند دعائه لله تعالى، وكذلك نهى عن استقبال الحجرة عند الصلاة لله تعالى كما ثبت في صحيح مسلم وغيره عن أبي مرثد الغنوي أن النبي [ قال: «لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها». فلا يجوز أن يصلي إلى شيء من القبور، لا قبور الأنبياء ولا غيرهم؛ لهذا الحديث الصحيح، ولا خلاف بين المسلمين أنه لا يشرع أن يقصد الصلاة إلى القبر، بل هذا من البدع المحدثة وكذلك قصد شيء من القبور لاسيما قبور الأنبياء والصالحين عند الدعاء، وإذا لم يجز قصد استقباله عند الدعاء لله تعالى فدعاء الميت نفسه أولى ألا يجوز، كما أنه لا يجوز أن يصلي مستقبله فألّا يجوز الصلاة له بطريق الأولى. فعلم أنه لا يجوز أن يسأل الميت شيئاً، لا يطلب منه أن يدعو الله ولا غير ذلك، ولا يجوز أن يشكى إليه شيء من مصائب الدنيا والدين» (انظر: قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ص 319 – 320). اعداد: أبو عمر حاي الحاي
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() الأحاديث والآثار الموضوعة وعدم جواز الاحتجاج بها(الحلقة الأخيرة) باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أما بعد: فإن هذا هو المقال الرابع في موضوعنا: «شرح الصدور في الرد على من أجاز التمسح بالقبور»، وقد ذكرت فيما مضى من مقالات تحريم التمسح بالقبور والطواف بالأضرحة وعدم الاستغاثة بها والتضرع عندها، وبينت اعتقاد أهل البيت في التوحيد الخالص لله عز وجل والصحابة - رضي الله عنهم - أجمعين وأنهم قد حرموا هذا الأمر، ومقالي هذا الرابع هو تعقيب على الكاتب المتروك الذي أورد أحاديث موضوعة محتجاً بنسبتها إلى النبي [ مدعياً أنها نصرة لرسول الله [! ووالله إنها لإماتة وهدم لسنة النبي [ وإنها والله إحياء للتعلق بالقبورية، ولما كان انتشار الأحاديث الموضوعة في العقيدة له خطورته العظيمة في زعزعة اعتقاد المسلمين والتشكيك في دينهم الحق بجواز التضرع والاستغاثة والتمسح بالقبور، أحببت أن أقدم مقدمة هامة في ضرورة معرفة الأحاديث المكذوبة والآثار الباطلة التي أوردها المتروك محتجاً بنسبتها إلى النبي [. ونستكمل ماتبقى في حلقتنا هذه. والله إن عجبي واستغرابي لا يكاد ينقطع من كلام هذا المتروك الذي صرح قائلاً: «فأقول إن هذا الموضوع الذي تحدثنا عنه لا يخصُّ فئةً أو مذهباً معيناً من مذاهب المسلمين بل هو مما يهم المسلمين جميعاً، وقد بينتُ هذا المعنى في المقال الأول ولم ترد في مقالاتي المنشورة كلمة شيعي أو سني، والله يعلم أن هذه المقالات لم أقصد فيها ترويجاً لمذهب أو تسفيهاً لآخر وإنما كانت نصرة لرسول الله [ فالله وحده يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور وكفى به حسيباً» اهـ. أقول له: إنك لست صادقاً في دعواك هذه والدليل: 1) أنك في أول مقال لك – وإني أحمد الله سبحانه كثيراً أن نزلت مقالاتك هذه ليتبيَّن للمسلمين المنصفين ضحالة هذا العلم الغث الذي أنت تحمله من جهل مطبق ولمن يُعينك في كتاباتك أو لا يعينك في ذكرك لروايات ساقطة مكذوبة على النبي [ فأين الأمانة العلمية التي تتبجح بها وأنت تنشر أحاديث مكذوبة موضوعة على النبي [؟! أهذه هي النصْرة للنبي [ والغيرة على دين الله سبحانه أهكذا تنصر أنت سنة النبي [ في ذكرك وحشدك لأحاديث باطلة؟! فإنك يا متروك لم تصب في إثبات حديث واحد إلا الثالث وهو حديث «لله ملائكة سياحون...» فإنه صحيح والباقي يدور بين الضعيف والموضوع. فلتعلم أيها الكاتب أنك بمقالاتك هذه روّجت وأحييت اعتقادات باطلة والنبي [ بريء منها ولم يقل بها صحابته وآل البيت -رضي الله عنهم-. والأمر الغريب: أنك لم تذكر حديثاً صحيحاً فيه النهي الشديد عن اتخاذ قبره عيداً. فالنصرة للنبي [ هي أن تذب عن سنته وتنفي عنها ما أحدثه المحدثون ووضعه الوضاعون، من الصلاة عند قبره واللوذ بقبره. وأريد أن أهمس في أذنك همسة عند ذكرك أثر عمر -رضي الله عنه-: «وتروي كتب التراث...». ورفع رجل صوته على علي عليه السلام فنهاه عمر -رضي الله عنه- عن ذلك قائلاً: ألا تعلم أن إغضابك لعلي يغضب صاحب هذا القبر! إذاً أنت ترى هذا الأثر صحيحاً فيدل عندك على أن الصحابة رضي الله عنهم وعمر منهم كان يحب علياً ويخصه بمزيد من محبة وإجلال عندما قال لرجل رفع صوته على علي رضي الله عنه: ألا تعلم إن إغضابك لعلي يغضب صاحب هذا القبر. قلت: فهذا الأثر الذي ذكرته أنت محتجاً به! يدل على أن المودة والمحبة بين الصحابة وعلي وآل البيت كانت مألوفة منتشرة. وليس بينهم -رضي الله عنهم- أحقاد أو ضغائن أو شحناء أو تقية! كما تذكر كتب الشيعة. كما وصفهم ربنا جل وعلا: {رحماء بينهم}، فهلا أنصفت في هذه المسألة ورجعت إلى الحق ولا تأخذك العزة بالإثم؟! قلت: فاتق الله تعالى وتوقف يا متروك عن نشر أحاديث باطلة وشبهات ساقطة. قال ابن القيم -رحمه الله تعالى- (270) النونية: شُبه تهافتُ كالزجاج تخالُها حقاً وقد سقطت على صفوان وقيل: شبه تهافت كالزجاج تخالها حـقــاً وكــــــل كــاســر ومكــــســور قلت: أي أدلة ذكرتها أيها الكاتب حتى نصطدم بها، هل هي أدلة القرآن العظيم أو أحاديث البشير النذير؟! إنما أولئك هي أقوال ونقول عن بعض العلماء وأنت تعلم – أو ربما لا تعلم – لأنك بذلت جُهداً جباراً في حشدك أحاديث مكذوبة يعلم بطلانها صغار طلاب العلم الذين لم يبلغوا عشرين سنة! أنه لا يجوز شرعاً أن نستدل على صحة الاعتقاد إلا بنص قرآني أو حديث صحيح. ولماذا الاتهام بقولك: إن الذي رد عليك أخذته العزة بالإثم، لا شك أن هذا تعسف ومكابرة واتهام باطل. والحق والإنصاف أنك لم تأت بمقالاتك الخمسة ولو بلغت الأربعمائة بدليل واحد من قرآن أو نص حديث صحيح يجيز التمسح والدعاء والسؤال لمن مات والتضرع عند القبور. ولو كنت مُنصِفاً لقرأت اعتقاد آل البيت -رضوان الله عليهم- في نصوص صحيحة ثابتة عنهم في الإنكار وتحريم دعاء الأموات وسؤالهم الحاجات وكشف الكربات. والعجب أنك تدعي الأمانة العلمية والمنهجية في البحث وأنت حاطب ليل، تأتي بروايات ساقطة باطلة مكذوبة في تعزيز رأيك وتقوية مذهبك في جواز دعاء واستغاثة المقبور واتخاذه نداً للرحمن، وهذا شرك أكبر كما نصَّت على ذلك نصوص من آل بيت [ كما تقدم بحمد الله عز وجل من نصوص ونقول عن أئمة آل البيت -رضي الله عنهم-. قال ابن القيم -رحمه الله-: والشرك فاحذره فشرك ظاهر ذا القسم ليس بقابل الغفران وهو اتخاذ الند للرحمــن أيا كان من حجر ومن إنسان يدعوه أو يرجوه ثم يخافه ويحبـــه كمـــحبــــة الــــــديـــان ولماذا ترمي من اعتقد أن الأموات لا يضرون ولا ينفعون وحذر المسلمين من اتخاذ قبور الأولياء أوثاناً، بأنه شاك. وهاك نص كلامه: قال الكاتب متعجباً ناقداً: «ومن هؤلاء من يعتقد أن الأموات لا يضرون ولا ينفعون وحذر المسلمين من اتخاذ قبور الأولياء أو ثاناً يعبدونها من دون الله كما فعل قوم نوح من قبل، وحذر الأمة من زيارة قبر الرسول صلوات الله عليه!! لأنه لا يضر ولا ينفع وإذا كان نبي هذه الأمة صلوات الله عليه!! موته كموتنا سواء بسواء، فلماذا تتوجه إليه ملايين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها خمس مرات في اليوم ليقولوا بصوت واحد في ختام صلواتهم: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته؟ والسؤال لهذا المشكك: إذا كان المسلمون يسلمون على من لا يستطيع أن يسمعهم، فلماذا هذا السلام الذي لا طائل من ورائه؟!!. وإليه وإلى أمثاله المشككين أورد الرويات التالية...». قلت: من أصول اعتقاد السلف الصالح أن الأموات لا يضرون ولا ينفعون ولا يسمعون دعاء المستغيثين بنص القرآن والسنة الصحيحة ويجب على كل مسلم أن يرجع عند الاختلاف إلى الله ورسوله لا إلى أحاديثَ موضوعة وروايات مكذوبة تالفة وحكايات باطلة. قال جل وعلا: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (النساء:59). وقال سبحانه: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (النساء:65). وقال -جل وعلا- مبيناً أن الموتى لا يضرون ولا ينفعون ولا يسمعون: {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ} (النمل:80). قلت: فالسلف الصالح ومن اتبعهم بإحسان لم يدعوا إلا إلى القرآن والحديث الصحيح أما أنتم فدعوتم إلى الأخذ بأقوال الرجال وحكمتم آراءهم وأقوالهم على كتاب الله جل وعلا وسنة النبي [: فحسبكم هذا التفاوت بيننا وكل إناء بالذي فيه ينضح قال ابن القيم -رحمه الله- تعالى مبيناً هدي السلف في أنهم لا يحكمون ولا يدعون لرأي فلان بل إلى القرآن وسنة النبي [ العدنان: ما منهم أحدٌ دعا لمقالة غير الحديث ومقتضى الفرقان فالقوم لم يدعو إلى غير الهدى ودعـــــــــــوتــُم أنـتــم لرأي فـــلان شتان بين الدعوتين فحسبكم يا قـوم ما بكـم مــن الخـــــذلان ثم قال -رحمه الله-: والله ما أوصاكم أن تتركوا قول الرسول لقولهم بلسان إذ قد أحاط العلمُ منهم أنهم ليسوا بمعصومين بالبرهان فلذلك أوصاكم بألا تجعلوا أقوالهم كالنص في الميزان لكن زنوها بالنصوص فإن توا فقها فتلك صحيحة الأوزان لكنكم قدَّمتم أقوالهم أبداً على النص العظيم الشان وقد بين ووضح النبي [ ذلك لأصحابه أتم بيان وأكمل إيضاح فنصوص القرآن والسنة لا لبس فيها ولا غموض، قال ابن القيم -رحمه الله- (ص110) النونية: فأصولُ دين نبيِّنا فيه أتتْ في غاية الإيضاح والتِّبيان قلت: وتأمل كلامه الغريب في مقاله الرابع وقد بدأ عليه شيء من التوتر وعدم الإنصاف عندما قال عن الرادين عليه. كانت تلك الردود ردود من أخذته العزة بالإثم حين صدم بالأدلة والنصوص المنقولة عن كبار الشخصيات من علماء المسلمين. وما الداعي لقولك هذا: إن الذي رد عليك أخذته العزة بالإثم؟ ! ولابد من الرد عليك لأنك أتيت بمقالاتك بأوابد وترهات وإن الذي كتبته يداك عاقبته وبيله وخاتمته وخيمة وآخرته مخزية ومغبته مُضِرَّة. ومقالاتك هذه تدعو إلى الشرك الأكبر بتعظيم وتقديس الأضرحة واللوذ بها والاستغاثة بها من دون الله، وهذه دعوة صريحة إلى القبورية التي أمرها وبيل مرتعُهُ، وخيمٌ مصرعه، منكر عواقبه، وهذا غش للمسلمين وعودة بهم إلى الجاهلية الجهلاء وقد بُعث النبي [ بتكسير الأصنام وتقويض الأضرحة ومحو الشرك وآثاره، وهذه المقالات دعوة سافرة إلى الوثنية. وقد روى مسلم في صحيحه (1967) عَنْ أَبِى أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ السُّلَمِيّ: كُنْتُ وَأَنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَظُنُّ أَنَّ النَّاسَ عَلَى ضَلاَلَةٍ وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى شَيءٍ وَهُمْ يَعْبُدُونَ الأَوْثَانَ، فَسَمِعْتُ بِرَجُلٍ بِمَكَّةَ يُخْبِرُ أَخْبَارًا فَقَعَدْتُ عَلَى رَاحِلَتِي فَقَدِمْتُ عَلَيْهِ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ [ مُسْتَخْفِيًا جُرَآءُ عَلَيْهِ قَوْمُهُ، فَتَلَطَّفْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَيْهِ بِمَكَّةَ فَقُلْتُ لَهُ: مَا أَنْتَ؟ قَالَ « أَنَا نَبِيٌ». فَقُلْتُ: وَمَا نَبِيٌ؟ قَال: «أَرْسَلَنِي اللَّهُ»، فَقُلْتُ وَبِأَىِّ شَىْءٍ أَرْسَلَكَ؟ قَالَ: «أَرْسَلَنِى بِصِلَةِ الأَرْحَامِ وَكَسْرِ الأَوْثَانِ وَأَنْ يُوَحَّدَ اللَّهُ لاَ يُشْرَكُ بِهِ شَيْءٌ». قُلْتُ لَهُ: فَمَنْ مَعَكَ عَلَى هَذَا؟ قَالَ: «حُرٌّ وَعَبْدٌ». قَالَ: وَمَعَهُ يَوْمَئِذٍ أَبُو بَكْرٍ وَبِلاَلٌ مِمَّنْ آمَنَ بِهِ. فَقُلْتُ: إِنِّي مُتَّبِعُكَ. قَالَ: «إِنَّكَ لاَ تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ يَوْمَكَ هَذَا؛ أَلاَ تَرَى حَالِي وَحَالَ النَّاسِ وَلَكِنِ ارْجِعْ إِلَى أَهْلِكَ فَإِذَا سَمِعْتَ بِي قَدْ ظَهَرْتُ فَأْتِنِى». قَالَ: فَذَهَبْتُ إِلَى أَهْلِي وَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ [ الْمَدِينَةَ وَكُنْتُ فِي أَهْلِى فَجَعَلْتُ أَتَخَبَّرُ الأَخْبَارَ وَأَسْأَلُ النَّاسَ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ حَتَّى قَدِمَ عَلَيَ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ يَثْرِبَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَقَالُوا النَّاسُ إِلَيْهِ سِرَاعٌ وَقَدْ أَرَادَ قَوْمُهُ قَتْلَهُ فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا ذَلِكَ. فَقَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَعْرِفُنِي؟ قَالَ: « نَعَمْ أَنْتَ الَّذِي لَقِيتَنِي بِمَكَّةَ». قَالَ: فَقُلْتُ: بَلَى. فَقُلْتُ: يَا نَبِىَّ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَمَّا عَلَّمَكَ اللَّهُ وَأَجْهَلُهُ...» الحديث. فرغم الأدلة الشرعية القطعية من القرآن والسنة المشهورة المستفيضة المتضافرة في تغليظ ذلك «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» وحديث: «اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ، اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ»، وهذه الأحاديث الصحيحة والآثار الصحابية الواضحة، وهذه الأقوال والنقول الرائعة من أهل العلم لهي شجَى في حلوق القبوريين وشَرَق في لهاتهم وغصة في مريئهم ولوعة في فؤادهم وصدعٌ في أكبادهم وقذى في عيونهم. اعداد: أبو عمر حاي الحاي
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |