|
الملتقى العلمي والثقافي قسم يختص بكل النظريات والدراسات الاعجازية والثقافية والعلمية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() المعرفة اللسانية والنقل الديداكتيكي عبداللطيف عبايل إن المعرفة اللسانية معرفةٌ مجردة تفُوقُ مداركَ المتعلمين، وبالتالي من الضروري العمل على تيسير هذه المعرفة حتى تكونَ أكثرَ ملاءمةً لقُدرات المتعلِّم الإدراكية، ونتبنَّى هنا مفهوم النقل الديداكتيكي الذي يتوسَّطُ بين المعرفة العالمة المجردة إلى المعرفة المراد تدريسها في الأقسام، وعلى هذا الأساس نتساءل: كيف يتمُّ النقل الديداكتيكي للغة العربية؟ قبل الإجابة عن هذا السؤال نودُّ أن نُشيرَ إلى أن مفهوم النقل الديداكتيكي وإن كان يبدو أنه مفهوم واضح، فإنه يطرح إشكالات كثيرة أثناء عملية التطبيق والأَجْرَأَةِ، فنقل المعرفة من مستواها العلمي إلى فضاء الممارسة التربوية لا يعني انتقاء المعرفة وتقديمها للمتعلمين؛ بل إن الانتقاء عنصر واحد فقط من عناصر النقل الديداكتيكي؛ لذلك وجب على المهتمِّ بتدريس اللغة العربية أن يكون على دراية بالأهداف المتوخَّاة من العملية التعليمية التعلُّمية، فلم يَعُد الهدف هو المعرفة المنقولة في حدِّ ذاتها بقدر ما يكون الهدف هو تدريس اللغة باستعمال هذه المعرفة. تقديم: يشغل مفهوم النقل الديداكتيكي مكانةً مهمةً في ميدان العلوم، واستُعمِل لأول مرة في ديداكتيك الرياضيَّات من قبل شوفلار، ثم انتقل بعد ذلك ليشمل باقي المواد التعليمية، ويعرف شوفلار النقل الديداكتيكي بأنه "مجموعة من التغييرات التي تُرافِق المعرفة حين نريد تدريسها"[1]، وذلك بالانتقال من المعرفة العلمية المجردة إلى المعرفة المتعلمة القابلة للتدريس، فالمعرفة التي يتعامل معها المتعلم في صيغة وضعيَّات تعليمية، تختلف عن تلك المعرفة المجردة التي يتعاطاها العلماء والباحثون المتخصِّصون؛ لأن المعرفة كي تكون قابلةً للتدريس، لا بد أن تخضَعَ لمجموعة من العمليات، وتمرَّ عبر مجموعة من المراحل. وقد ميَّز شوفلار بين مجموعة من المراحل: ♦ مرحلة المعرفة العلمية. ♦ مرحلة المعرفة الواجب تدريسها. ♦ مرحلة المعرفة المتداولة في القسم. ♦ مرحلة المعرفة التي يكتسبها المتعلم. ويُمكن تلخيص مفهوم النقل الديداكتيكي في الانتقال من المعرفة العالمة إلى المعرفة المتعلمة أو المعرفة الأدائية؛ كما هو موضح في الرسم الآتي: معرفة عالمة ← النقل الديداكتيكي ← معرفة أدائية ويُحدِّد عبدالإله سليم (2002): اللسانيات وتدريس اللغة العربية، ص:173_175) مجموعة من التقييدات الديداكتيكية التي ينبغي مراعاتها في تفعيل الدرس اللساني، وجعله في مستوى إدراك المتعلمين والمتمثلة فيما يلي: ♦ تحييد الشخص والسياق. ♦ اليُسْر والانسجام. ♦ التعزيز. ♦ الوظيفية. فتقديم المعرفة اللسانية لا بد أن تراعيَ مبدأ الانتقاء في اختيار المعارف المناسبة التي تخدم الجانب الأدائي، وتغييب المرجعيَّات النظرية والمعلومات السياقية المرتبطة بالاتجاهات والخلافات بين المدارس اللسانية التي تعيق تفعيل الدرس اللساني في المقررات الدراسية، وحتى تكون هذه المعرفة في متناول المتعلمين لا بد من مراعاة مبدأ اليُسْر والانسجام، فالمعرفة اللسانية هي معرفة تتَّسِم بالصورنة والتجريد، وعليه لا بد من الحرص على تيسير هذه المعرفة باعتماد آليات النقل الديداكتيكي لتقليص درجة تجريدها وتعقيدها، حتى تكون في مستوى إدراك المتعلمين، مع ضرورة الحرص على انسجام هذه المعرفة في المقررات الدراسية باعتماد مبدأ التدرُّج في عرض المادة اللغوية، وكذا تفادي الخلط بين التصوُّرات اللغوية القديمة ومضامين الدرس اللساني الحديث، وتجنُّب التناقُض الاصطلاحي وما يشوبه من غموض لدى المتعلِّم، ومعلوم أن الدرس اللساني هو وسيلة وليس غاية في حدِّ ذاته، وعلى الباحث الديداكتيكي أن يأخذ بعين الاعتبار الجانب الوظيفي في تمرير الظواهر اللغوية بما يخدِم القدرة التواصُليَّة لدى المتعلِّم. وفي نفس الإطار ناقَش عبدالإله سليم (2002 ص: 164 - 176) بشكل مُفصَّل بعض معوِّقات تفعيل الدرس اللساني في المقرَّرات الدراسية، ورَدَّها إلى ثلاث أصناف: تشويش في الاصطلاح، وتشويش في المنهج، وتشويش في الرؤية التربوية. وقد عرَف الدرس اللساني التوليدي تقدُّمًا مهمًّا، غير أن "الدرس اللغوي في المدرسة المغربية لم يُواكِب في عُمْقِه حيويةَ هذا النقاش اللغوي الحديث، ولا تلك المكتسبات اللسانية التي حصلت في الميدان"[2]، فالدرس اللغوي بالمدرسة المغربية لم يستفِد الاستفادة المطلوبة ممَّا أحرزَتْه اللسانيات الحديثة، فظلَّت تصوُّرات القدماء مسيطرةً على جُلِّ المقاربات التعليمية رغم النقلة النوعية التي شهدتْها اللسانيات التي يقتضي ضرورة الاستفادة منها واستثمارها في بلورة برامج ومُقرَّرات دراسية في المستوى المطلوب. في سياق التدريس يذهب الباحث عبد الإله سليم إلى أن عملية النقل الديداكتيكي لا يمكن أن يقوم بها إلَّا المختصُّون في ديداكتيك اللسانيات، وبناءً على هذا الأمر طرح الأستاذ مصطفى إستيتو مسألة المنزلقات الديداكتيكية[3]، مستحضرًا بعض الشروط التي ينبغي أن يلتزم بها الباحثُ المشرف على النقل الديداكتيكي؛ من أجل الابتعاد عن المخاطر والمنزلقات التي قد تؤدي إلى تشويه المادة المعرفية، والخروج بها عن جوهرها ومضمونها، فعلى الباحث الديداكتيكي أن يتَّخذ الحيطة والحذر ملتزمًا بالضوابط والمعايير العلمية والموضوعية أثناء عملية النقل الديداكتيكي، فهذه العملية لا بد أن تخضع لمصفاة ديداكتيكية تضمُّ عدة تقييدات وتُولِّد معرفة ملائمة لقُدْرات المتعلمين الإدراكية[4]. وهذا التمثيل يُوضِّح المراحل والقيود المتعلقة بالنقل الديداكتيكي[5]: ![]() فمبدأ الانتقاء يقتضي تحويل المعرفة العالمة إلى معرفة ميسَّرة، وذلك باختيار ما هو مناسب لتيسير العملية التعليمية التعلُّمية مع تكييف هذه المعارف مع خصوصيات المتعلمين العقلية والنفسية والاجتماعية، أما مبدأ الاقتصاد فمهمته الاحتفاظ بأقل قدرٍ من المعارف الديداكتيكية، وتجنُّب كل ما يشوِّش على المادة المعرفية مما ليس له علاقة بالمعرفة التي تخدم الجانب الأدائي[6]. خاتمة: يُعَدُّ مجال تعليم اللغة العربية من المجالات التي لم تستفد الاستفادة المطلوبة ممَّا أحرزته اللسانيات الحديثة من نتائج في وَصْفِ وتفسير جميع مكوناتها الصوتية والصرفية والمعجمية والتركيبية والدلالية، فظلَّتْ تصوُّرات القدماء مسيطرةً على جُلِّ المقاربات التعليمية رغم النقلة النوعية التي شهِدتها اللسانيات التي تقتضي ضرورة الاستفادة منها في تجويد تدريس اللغة العربية، فاللسانيات تُعَدُّ مدخلًا أساسيًّا في البحث الديداكتيكي اللغوي؛ فهي الأداة الضرورية لتحديد هدف تعليم اللغة وتوضيحه. مراجع بالعربية: • الأشهب، خالد والراضي، محمد (2006): اللسانيات ووضع الدرس اللغوي بالمدرسة المغربية: مقاربة أولية، أبحاث لسانية، المجلد: 11، العدد 2/1 ديسمبر، معهد الدراسات والأبحاث للتعريب، الرباط. • إستيتو، مصطفى (2012)، ديداكتيك اللغة العربية بالمدرسة الابتدائية بين التصوُّر والممارسة، مقاربة توليدية، بحث لنيل شهادة الدكتوراه، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط. • سليم، عبدالإله (2002)، اللسانيات وتدريس اللغة العربية، ضمن تعليم اللغة العربية والتعليم المتعدد، ج.1، منشورات معهد الدراسات والأبحاث للتعريب بالرباط. • النهيبي، ماجدولين (2016)، من المعرفة اللسانية إلى تدريس اللغة: ديداكتيك النطق وتأليف الأصوات العربية، مجلة التدريس، منشورات كلية علوم التربية، الرباط. مراجع أجنبية: Chovallard, Yves et Johsua M. : 1982, Un example d’ analyse de la transposition didactique. La notion de distance. Recherches en didactique des mathématiques, vol.3. n2, p. 39. [1] Chovallard, Yves et Johsua M. : 1982, Un example d’ analyse de la transposition didactique. La notion de distance. Recherches en didactique des mathématiques, vol.3. n2, p. 39. [2] الأشهب، خالد والراضي، محمد (2006): اللسانيات ووضع الدرس اللغوي بالمدرسة المغربية: مقاربة أولية، ضمن مجلة أبحاث لسانية، منشورات معهد الدراسات والأبحاث للتعريب، الرباط، ص: 77. [3] يقصد بالمنزلقات الديداكتيكية المخاطر التي تزج بمفاهيم المعرفة العلمية في دوامة التشويه والخروج بها عن جوهرها ومقاصدها، ولقد حدد الأستاذ مصطفى ستيتو (2012)، ص:26 ـــ 29، مجموعة من الخصائص التي تقوم مسار النقل الديداكتيكي من المخاطر والمنزلقات المعرفية. [4] عبدالإله سليم (2002): اللسانيات وتدريس اللغة العربية: تعليم اللغة العربية والتعليم المتعدد، ج1، ص: 172. [5] ماجدولين النهيبي (2016): من المعرفة اللسانية إلى تدريس اللغة: ديداكتيك النطق وتأليف الأصوات العربية، ضمن مجلة التدريس، منشورات كلية علوم التربية، الرباط، ص:33. [6] نفسه، ص: 33.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |