يئست من حياتي

[ابوالوليد المسلم]

يئست من حياتي
أ. هنا أحمد

السؤال:

♦ الملخص:
فتاة حافظة لكتاب الله، ومخطوبة تنتظر الزواج، لكن فجأة تغيَّر كلُّ شيء، فتعسر الزواج وتسأل عن حلٍّ.

♦ التفاصيل:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
أنا فتاة أبلغ الثالثة والعشرين من العمر، كنتُ حافظة لكتاب الله، وأدرِّس بالتحفيظ، محبوبة بين الناس، وقد كان القرآن سعادتي بالحياة، وكنت مخطوبة أنتظر زواجي، كنت ملتزمة وأخاف الله، كنت أسعد امرأة، فجأةً كل شيء تغيَّر، فتعسر زواجي، وكل من كانوا يحبونني تغيَّروا عليَّ، وتم طردي من التحفيظ، وفقدتُ سعادتي وهي (كتاب الله)، وأصبحت أكثر غضبًا ونفورًا، وقد طرقت كل الأبواب، لكنها أغلقت في وجهي، ما أوصلني للبكاء والحزن والاكتئاب والمرض، وتدهورت حالتي النفسية كثيرًا بسبب كثرة التفكير، ووصلت لحد اليأس من الحياة، وقد شمت فيَّ بعض عائلتي؛ لأني خسرت من أحب، فما كان مني إلا أن حبست نفسي بالبيت، واعتزلت الناس جميعًا، وبتُّ كل ليلة أشكو همي وحزني إلى الله، وهو وحده سبحانه يعلم ما بداخلي، أرجوكم أرشدوني، فقد فقدتُ الأمل في الحياة، وأنا - واللهِ - أكتُب لكم هذه الرسالة ودموعي تنهمر، وادعوا الله لي؛ لعل الله يفرجها، وجزاكم الله خيرًا على ما تقدمونه لنا، والله يجعلها بموازين حسناتكم.



الجواب:

من أنتِ؟ أنت فتاة في الثالثة والعشرين من عمرها.
وما مؤهلاتكِ؟ حافظة لكتاب الله وتُعلِّمينه للناس.

ما مشكلتكِ؟ تعثَّرت زيجتكِ وترككِ الخاطب، ساءت علاقاتكِ الاجتماعية بمن حولكِ، وانكفأتِ على نفسكِ.

الصحة تمام والحمد لله، ولا يخلو سليمٌ من شيء ما.
لو جلسنا نعدد نِعَمَ الله عليكِ، ما كفانا العمر كله، ولكن ما مدى صعوبة حل مشكلتكِ يا عزيزتي؟
هل النصائح تحل مشكلتك؟


دعيني أقول لكِ: إذا جاءكِ مريض يشكو مرضه، أو مكلوم قد أخذ منه الموت حبيبًا، فهل تُشفي مرضَه الكلماتُ أو ترد فقيدَه الدعوات؟ فهل حالكِ مثل هؤلاء؟

عزيزتي، في الحقيقة إن مشكلتكِ ليست في خِطبة تعثرت أو علاقات اجتماعية تضررت، لكن مشكلتكِ في قدرتكِ على مواجهة ما أصابكِ.

عزيزتي، حلُّ مشكلتك لن يأتي مع رجل آخرَ يطرق بابكِ، أو دعوة من أصدقائكِ ومعارفكِ للعودة لحياتكِ السابقة بينهم.

حل مشكلتك يأتي بتغيُّر نظرتك للحياة، فالدنيا دار بلاء، وليست دارًا يستقر فيها المؤمن ويأمن لها الطيب، فهي خبيثة لئيمة تمكُر بكِ بالليل قبل أن يطلع عليكِ النهار، الحياة قاسية يا عزيزتي، لا يهزمها إلا الأقوياء، ولا يعيش فيها إلا من يغرز أنيابه فيها، ولا ينجو منها إلا من لا يركن إليها.

أنت كالغزالة الرقيقة الجميلة في غابة لا يوجد فيها إلا الكواسر، فانهضي وغيِّري من نفسكِ، ولا تكوني غزالة ضعيفة، بل غزالة قوية لا يجاريها ولا يسبقها أقوى الكواسر.

الحياة سوف تغض الطرف عنكِ إذا تلقيتِ الضربات، ثم قمتِ أقوى من ذي قبل، أو تسحقكِ إذا ما طرحتكِ الضربات أرضًا، فاستلقيتِ تبكين وتندبين حظك العسر.

ماذا نفعل؟ نستعد ونُلمْلِم شتات أنفسنا، ونعيد الثقة المفقودة بالنفس، والصلة بالله.
استعيدي سعادتكِ بالعودة لكتاب الله، تراجعين ما فاتكِ، وتثبتين حفظ ما معكِ.

ثم اذهبي لدار أخرى لا لتعملي محفِّظة فيها، ولكن لتكوني طالبة فيها، وكما هو الحال الذي أعرفه وتعرفينه، هذه أول خطوة للعودة لتحفيظ كتاب الله كمحفظة، ألم نبدأ هكذا كطالبات؟

لا بأس عودي خطوة للوراء وقت أن كنتِ طالبة تتعلم كتاب الله، بلا مسؤوليات كبرى تجاه الآخرين، وامشي في طريقكِ رويدًا، وسوف تنضبط الأمور بالتدريج.

أكره أن أقول لكِ: التمسي مساعدة في علاج داء العصبية الذي أصابكِ، ولكن هذا حلٌّ إن أفسدت عليكِ العصبية محاولتكِ للعودة للحياة، وهو أمر يسير يحتاج مختصًّا نفسيًّا، وإن شاء الله لا يحتاج لطبيب نفسي أو دواء.

اعلمي أن رزقكِ في الزواج مقدر لكِ قبل أن تخرجي من بطن أمكِ للحياة، فلا تتعجليه وترتبطي بأول طارق ربما لا يكون مناسبًا لكِ، في سبيل أن تعوضي ما تظنين أنكِ قد خسرتِهِ، وهو في الحقيقة لم يكن نصيبكِ من الحياة.

ثم عودي للاتصالات بصديقاتكِ ومعارفكِ بين الحين والآخر، ولا تطلُبي من أحد مساعدة، فقد قررتِ أن تعتمدي على نفسكِ في إصلاح ما فسَد، فقط تفقَّدي أحوالهم وطمئنيهم على نفسكِ أنكِ قد عدتِ من جديد إلى الحياة.