مشكلات دائمة بين أبي وأمي

[ابوالوليد المسلم]

مشكلات دائمة بين أبي وأمي
الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل

السؤال:

♦ الملخص:
فتاة تذكُر أن بين أبيها وأمها مشكلات دائمة، سببُها عدم التوافق والتفاهم فيما بينهما، وتسأل عن حلٍّ.

♦ التفاصيل:
السلام عليكم ورحمة الله، لجأتُ إليكم بعد أن استعصت مشكلتنا على الحل، وكُلِّي أملٌ في أن أجد الحل لديكم.
منذُ نعومة أظافري وأنا أرى أمي وأبي في صراعٍ دائم، أسباب المشاكل بينهما عديدة وخلاصتها: عدم التوافق والتفاهم بينهما؛ فأمي تخبرني أن والدي خانها أكثر من مرةٍ بمحادثة النساء، ووالدي في كل مرةٍ ينكر ذلك، حتى صرَخت ذات مرة وأصرَّت أن يقول الحقيقة، ومع الأسف اعترف بذلك، وليس ذلك فقط، بل إنه لا يبالي بمرض أمي فهي تعاني دائمًا من الصداع وانخفاض الضغط، وإذا ما أخبرته بذلك، فإنه يتجاهلها.


هذه العلاقة غير المستقرة جعلت المنزل في توترٍ دائم، فلا يكاد يمر يوم بغير مشكلة، يزيد الأمر تعقيدًا أن إخوتي الكبار لا يبالون بهذه المشاكل، فأنا وإخوتي الصغار فقط من نهتم لشأن أمي.


أصبحت أكره جوَّ المنزل، تعبت من صراخ أبي وأمي، سئمت من المشاكل التي لا تنتهي، وفي الأيام الأخيرة بدأت تصرفات أمي تتغير؛ فتارة تحدِّثنا وتضحك معنا، وأخرى تكون حزينة ولا تُطيق حتى النظر في وجوهنا؛ لذلك أخشى عليها المرضَ الجسدي والنفسي، مع العلم أن أبانا غير مقصِّر معنا من الناحية المادية، أما من الناحية الأبوية، فهو بعيدٌ عنَّا بعضَ الشيء، أتمنى أن أجد عندكم الحل وجزاكم الله خيرًا.



الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فمشكلة والدكِ مع والدتكِ حفظهما الله يبدو أن لها أحد الأسباب التالية أو بعضها؛ وهي:
الأول: عدم التوافق القلبي أدَّى للتنافر في التعامل بينهما، ونتج عنه عدم تحمُّلِ كلٍّ منهما أيَّ خطأ من الآخر.

الثاني: حدة الغضب عندهما تجعلهما في صراع دائم.

الثالث: قوة شخصية كلٍّ منهما، ومحاولته فرض السيطرة على الآخر؛ أي: التعامل النِّدِّي بينهما.

الرابع: قد يكون أحدهما ارتكب معاصيَ، فتسببت في تسليط الآخر عليه.

الخامس: استهزاء وسخرية وقعت من أحدهما أو من كليهما فابتُليا.

السادس: قد يكون هناك ظلمٌ وقع من أحدهما أو من كليهما على الغير، فدعا عليهما.

السابع: طَبعٌ طُبِعَ عليه أحدهما أو كلاهما.

الثامن: نظرة الانتقاص عند أحدهما تؤدي لقلة الاحترام.

التاسع: اختلاف القناعات والتفكير والتربية عندهما فمثلًا: الوالد تربى في بيئة ترى أن الزوجة يجب أن تخضع لآراء الزوج دائمًا، وليس لها حق الاختلاف والمجادلة، والزوجة عاشت وتربَّت في بيئة تعطي الزوجة صلاحيات تتناقض مع ما عليه الزوج.

العاشر: يوجد احتمال ضعيف، ولكنه عمومًا لا يُستبعد في مثل هذه الحالات، خاصة إن كانوا عاشوا سنواتِ الزواج الأولى في قمة الود والتفاهم والاحترام، ثم تغيروا فجأة وبحدَّةٍ ومن دون أسباب واضحة، وهذا الاحتمال هو وجود أسباب خارجية من تحريض لأحدهما على الآخر من الغير، أو إصابة بحسدٍ أو بسحر ومَسٍّ، وهذه الاحتمالات كلها اجتهادية، فقد يصدُق بعضها أو أحدها، أو لا يوجد شيء منها، وعمومًا أيًّا كان السبب فالسؤال المهم جدًّا: ما العلاج؟ فأقول مستعينًا بالله ومتوكلًا عليه: لعل العلاج يكون بإذن الله في الآتي:
أولًا: الأخذ بأهم العلاجات، وهي العلاجات الشرعية (الدعاء - الاستغفار - الاسترجاع - الصدقة)، والإكثار من العبادات (الصلاة - قراءة القرآن - المحافظة على أذكار الصباح والمساء).

ثانيًا: محاسبة كل واحد منهما لنفسه على أخطائه وعدم المكابرة.

ثالثًا: التخلص من التعامل الندي خاصة من زوجته.

رابعًا: سؤال الله الشفاء لهما من الغضب والحقد.

خامسًا: التخلص من سماع كلام النمامين والمحرِّضين بينهما، حتى لو كانوا من إخوانهما.

سادسًا: تقديم التنازلات وعدم التشديد في المطالبة بالحقوق كاملة.

سابعًا: تطبيق مبادئ الشريعة في التغافل والتغاضي والتسامح؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((لا يَفْرَك مؤمنٌ مؤمنةً إن كرِه منها خلقًا رضِيَ منها آخر))؛ [رواه مسلم].

ثامنًا: يمكن عرْض كلٍّ منهما نفسه على طبيب نفسي، فلربما عندهما أو أحدهما حالة نفسية معينة تجعله متوترًا دائمًا، ولا يقبل الاختلاف والنقاش.

عاشرًا: رُقيتهما بالرقية الشرعية بأنفسهما أو أولادهما.

الحادي عشر: لا تنسَوا أهميةَ الصبر واحتساب الأجر، وأن ما يصيبهما ويصيبكم معهما قدرٌ، ولحِكَمٍ؛ منها: تكفير الخطايا، ورفع الدرجات؛ يقول الله تعالى في سورة البقرة: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 155 - 157].

ملحوظة: الحلول السابقة للوالدين ولكم جميعًا.

الثاني عشر: أَوصُوا الوالدة حفِظها الله أن تبتعد قدرَ الاستطاعة عن مجادلة الوالد أو الرد على ألفاظه الحادة؛ لأن هذه المجادلات والردود تشعل فتيل المشاكل.

الثالث عشر: يُناصَحُ الوالد حفظه الله بكظم الغيظ، ويُذكَّر بفضيلة العفو والرفق.

الرابع عشر: يُطلب من عقلاء الأقارب مناصحته، ويُطلب من خطيب الجامع إلقاء خطبة عما يعانيه والدكم.

الخامس عشر: ما يُصيبكم منه من تقصير في التربية والحنان لعله من نتائج الخلافات مع الأم، فيناصح فيه أيضًا؛ ويذكَّر بقوله سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6]، ويُذكَّر بقوله صلى الله عليه وسلم: ((كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته؛ الإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيده ومسؤول عن رعيته - قال: وحسبت أن قد قال: والرجل راعٍ في مال أبيه ومسؤول عن رعيته - وكلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته))؛ [أخرجهما البخاري ومسلم في صحيحهما عن ابن عمر].

السادس عشر: وانصحوا كلًّا منهما بالاستعاذة بالله من الغضب ومن سوء الظن؛ فإنهما ما دخلا بيتًا زوجيًّا إلا أفسداه، ويُذكَّران بقوله تعالى: ﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 134]، وبقوله سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحجرات: 12].

وختامًا: لا تنسَوا العنايةَ الفائقةَ بأعظم الحلول الشرعية التي ذكرتها أولًا؛ وهي:
الدعاء.
والاستغفار.
والاسترجاع.
والصدقة.
والإكثار من الصلاة والتلاوة والذكر.

حفِظكم الله، ورزَق والديكم الحِلمَ والرِّفق وحسن الأخلاق، وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.