مراجعات ابن كثير ونقده لمتون مرويات السيرة النبوية في كتابه البداية والنهاية - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير (الجامع لأحكام القرآن) الشيخ الفقيه الامام القرطبى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 709 - عددالزوار : 141145 )           »          حياة القلوب - قلوب الصائمين انموذجا**** يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 29 - عددالزوار : 49 )           »          حقوق العمالة وواجباتها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          طهر قلبك من الحسد! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          البرنامج التأصيلي العلمي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          درر وفوائـد من كــلام السلف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 15 - عددالزوار : 10197 )           »          من يحمي المجتمع من عدوى الإعلانات؟!! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          مُثُــــل علـيـا في السلـوك الإداري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          مساجد غزة الأثرية.. معالم حضارية تقاوم محاولات طمس هويتها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          سلوكيات غير صحيحة سائدة في حياتنا الأسرية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3 - عددالزوار : 1401 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث > ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم قسم يختص بالمقاطعة والرد على اى شبهة موجهة الى الاسلام والمسلمين

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 07-05-2023, 10:49 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 156,650
الدولة : Egypt
افتراضي مراجعات ابن كثير ونقده لمتون مرويات السيرة النبوية في كتابه البداية والنهاية

مراجعات ابن كثير ونقده لمتون مرويات السيرة النبوية في كتابه البداية والنهاية
عبدالرحمن بن علي السنيدي





ملخص البحث:


يتناول البحث مراجعات ابن كثير ونقده لمتون مرويات السيرة النبوية في كتابه البداية والنهاية.

وكمقدمة بدأت الدراسة بتناول أهم ما ألف في السيرة النبوية في عصر ابن كثير بإيجاز مع التطرق إلى أبرز المؤلفين ذوي الاتجاه النقدي، تلا ذلك التعريف بابن كثير ثم نبذة عن السيرة النبوية المضمنة في كتابه البداية والنهاية، محتوياتها وموضوعاتها العامة. ثم تناولت الدراسة موضوعها الأساسي (مراجعات ابن كثير ونقده لمتون مرويات السيرة النبوية)، ومما تم تناوله هنا طبيعة هذه المراجعات والنقود والملحوظات التي يوردها ابن كثير على المتون التي يوردها نقلاً عن مصادره، ثم مقاييس ابن كثير في نقد المتن، ومنها عرض الرواية على رواية أصح منها، واستدعاء تاريخ التشريع واستدعاء الحقائق ومعلومات التاريخ والمحاكمة العقلية للمتون وأقوال شيوخه، وأخيرًا تناول البحث ما أهمل ابن كثير نقده من متون.


مقدمة:


جاء ابن كثير في عصر نشط فيه التأليف في كل فن من فنون الدراسات الدينية والعربية، ومن الطبيعي أن يكون التأليف في ميدان السيرة النبوية مواكبًا لهذا النشاط الذي استقى مواده ونصوصه من الثروة الضخمة من الكتب والآراء والروايات التي سجلها العلماء والمحدثون والحفاظ قبل ذلك العصر.

فلقد شهد القرن الثامن الهجري في مصر والشام المملوكيتين ظهور عدة مؤلفين في مجال السيرة النبوية، أخرجوا مؤلفاتهم في هذا الفن بشكل مفرد أو ضمن مؤلف موسوعي كبير.

ومن هؤلاء المؤلفين "عبدالمؤمن بن خلف الدمياطي" (ت705هـ) وله كتاب: "المختصر في سيرة سيد البشر" وكتاب "أسماء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم"[1]، وشيخ ابن كثير "كمال الدين بن الزملكاني (ت627هـ) ".

وله كتاب في مولد النبي صلى الله عليه وسلم، أشار إليه ابن كثير، وذكر أنه تضمن شيئًا في فضائل النبي صلى الله عليه وسلم وأنه عقد فصلاً في هذا الباب فأورد فيه أشياء حسنة ونبه على فوائد جمة وفوائد مهمة وترك أشياء أُخر حسنة[2].

ومن المؤلفين كذلك ابن سيد الناس محمد بن محمد بن سيد الناس الأندلسي الإشبيلي ولد بالقاهرة سنة 671هـ وتفقه على مذهب الشافعي، من شيوخه والده وابن دقيق العيد (ت702هـ)[3] والحافظ المزي وشيخ الإسلام ابن تيمية[4].

ألف في السيرة "عيون الأثر في فنون المغازي والسير" ومن ميزات هذا الكتاب تلك الدراسة النقدية التي جاءت في مقدمة الكتاب عن أبرز من ألف في السير والمغازي من الرواة الإخباريين وهما ابن إسحاق والواقدي[5] إضافة إلى شرحه للغريب من الألفاظ وذكره للفوائد والتعليق على بعض المتون[6] ومن المؤلفين الشاميين قطب الدين عبدالكريم بن عبدالنور الحلبي (ت735هـ) وله "المورد العذب الهني في الكلام على سيرة عبدالغني"[7].

ومحمد بن أحمد بن عبدالهادي (ت744هـ) وهو من تلاميذه شيخ الإسلام ابن تيمية والمزي والذهبي وقد ألف في السيرة جزءًا في مولد النبي صلى الله عليه وسلم، وجزءًا في المعجزات والكرامات[8].

ليس مهمًا رصد ما ألف في السيرة في عصر ابن كثير بقدر ما يهمنا معرفة مدى التنوع والجدة في العرض ومقدرة أولئك المؤلفين على غربلة الروايات وتمحيصها وتجاوز صناعة الجمع والاقتباس إلى النقد والتقويم.

لقد شهدت بلاد الشام ظهور مدرسة اجتهادية تأسست على علوم الحديث والسنة وعلى صحيح المنقول وصريح المعقول مثلها الإمام المجتهد ابن تيمية (ت728هـ) وتلاميذه وأبرزهم الذهبي وابن القيم وابن كثير. إضافة إلى الإمام الحافظ المزي (ت742هـ) وغيرهم من الأئمة المجتهدين، وقد جمع رموز هذه المدرسة بين التمسك بالنصوص والعقلية النقدية".

ومن مصنفات الذهبي وابن القيم، وكذلك ابن كثير تتجلى تأثيرات هذه المدرسة حيث يلمس الدارس العناية بغربلة الأخبار وتمحيصها ونقد متونها، فالذهبي أبو عبدالله محمد بن أحمد ابن عثمان (ت748هـ)، يعد من أبرز علماء عصره الذين ألفوا وكتبوا في تاريخ الإسلام بشكل عام وقد جاء ما دونه في السيرة النبوية مضمنًا في كتابه الشامل ((تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام)) موزعة على جزئين الأول: (المغازي)، والثاني (السيرة النبوية) وهو الترجمة النبوية، وقد قدم المغازي لأن من منهجيته تقديم الحوادث التي أسهم فيها صاحب الترجمة على الترجمة ذاتها[9] وينبه الذهبي إلى ما ينتاب بعض الأسانيد من ضعف ونكارة كقوله بعد إيراده رواية البراء في خبر سواد بن قارب، هذا حديث منكر بالمرة، ومحمد بن تراس وزياد مجهولان لا تقبل روايتهما وأخاف أن يكون موضوعًا على أبي بكر بن عياش ولكن أصل الحديث مشهور[10].

ومن نقوده الموجهة للمتن نقده لرواية عبدالرحمن بن غزوان[11] بسنده إلى أبي موسى الأشعري في سفر النبي صلى الله عليه وسلم إلى الشام بصحبة أبي طالب، وأشياخ من قريش ولقاؤه بحيرا الراهب[12]، وهو نقد مشهور، استند إلى معايير تاريخية وعقلية وحلل الخبر تحليلاً علميًا من جميع جوانبه في أحداثه وألفاظه ودلالاته واستخدم عقله والأدلة التاريخية ليثبت بطلانه[13]، وهي خطوات تنبئ عن تمكن الذهبي العلمي ورسوخ قدمه في ميدان نقد متون الروايات.

وفي كتبه الأخرى ناقش الذهبي العديد من الروايات في ميدان السيرة النبوية. ففي ميزان الاعتدال، رد رواية عمرو بن حَكَّام عن شعبة بسنده إلى أبي سعيد الخدري وفيها أن ملك الروم أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هدايا فكان فيها جرة زنجبيل.


قال الذهبي: هذا منكر من وجوه:


أحدهما: أنه لا يعرف أن ملك الروم أهدى شيئًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وثانيهما: أن هدية الزنجبيل من الروم إلى الحجاز شيء ينكره العقل فهو نظير هدية التمر من الروم إلى المدينة النبوية[14].

ورد قول من قال: إن سلمان الفارسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم عُمر ثلثمائة سنة يقول معقبًا على هذا القول: (ومجموع أمره وأحواله وغزوه وهمته وتصرفه وسفه للجريد وأشياء مما تقدم تبين بأنه ليس بمعمر ولا هرم فقد فارق وطنه وهو حَدَث ولعله قدم الحجاز وله أربعون سنة أو أقل. فلعله عاش بضعًا وسبعين وما أراه بلغ المئة)[15].

وقد نظر الذهبي إلى الموضوعات على أنها عبء كبير على السيرة، وأخذ على القاضي عياض (ت544هـ) مؤلف كتاب (الشفا بتعريف حقوق المصطفى) ما في كتابه من أحاديث مفتعلة واهية حيث قال عنه: (حشاه بالأحاديث المفتعلة، عمل إمام لا نقد له في الحديث ولا ذوق، والله يثيبه على حسن قصده، وينفع بشفائه، وقد فعل، وكذا فيه من التأويلات البعيدة ألوان، ونبينا صلى الله عليه وسلم غني بمدحة التنزيل عن الأحاديث وبما تواتر من الأخبار عن الآحاد، وبالآحاد النظيفة الأسانيد عن الواهيات فلماذا يا قوم التشبع بالموضوعات فيتطرَّق إلينا مقال ذوي الغل والحسد ولكن من لا يعلم معذور[16]، ويرى الذهبي أن الموضوعات والأخبار الواهية لا يلتفت إليها بل تروى للتحذير منها: (فمن دلسها أو غطى تبيانها فهو جان على السنة خائن لله ورسوله، فإن كان يجهل ذلك، فقد يعذر بالجهل ولكن سلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)[17].

وقد عاصر ابن كثير كذلك، ابن القيم: محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي (691-751هـ).

ويعد ابن كثير من أقرانه وأصحابه يقول عنه: (كنت من أصحب الناس له وأحب الناس إليه)[18]، وهذا القول يبين أن الشيخين إنما كانا صاحبين يلازمان أمثال ابن تيمية والمزي ولكن بعض المعاصرين يرى أن ابن كثير من تلاميذ ابن القيم[19]، وعلى كل فثمة عناصر جمعت بين الرجلين ثقافة ومنهجًا بالإضافة إلى التلمذة، على شيخ الإسلام ابن تيمية وقد كان الشيخان ضمن بعثة العلماء إلى الحج سنة 731هـ[20].

ألف ابن القيم في السيرة كتابه المتميز (زاد المعاد في هدي خير العباد) ويعد موسوعة جمعت بين علوم شتى من السيرة والفقه والتوحيد واللطائف في التفسير والحديث والفقه وغير ذلك.

ويرى بعض الباحثين أنه أول كتاب ألف في فقه السيرة، تميز هذا الكتاب بالموضوعات التي طرقها والآفاق التي نقل قارئه إليها من خلال كتابه، والجوانب الجيدة التي تناولها[21] وقد تميز كذلك بنقده لمتون كثيرة يرويها كتاب السيرة ورواتها.

فمن ذلك رواية يونس بن بكير عن سلمة بن عبد يسوع، أن رسول الله كتب إلى أهل نجران قبل أن ينزل عليه طس {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} يعني النمل، باسم إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب.

قال ابن القيم، ذلك غلط على غلط فإن هذه السورة مكية باتفاق وكتابه إلى نجران بعد مرجعه من تبوك[22].

ورد رواية الترمذي أن رسول الله دخل مكة يوم الفتح وعبدالله بن رواحة بين يديه ينشد (خلوا بني الكفار عن سبيله... الأبيات.


قال ابن القيم:


هذا وهم فإن ابن رواحة قتل في هذه الغزوة (مؤتة) وهي قبل الفتح بأربعة أشهر[23].

ويرد ابن القيم على رواية عرض أبي سفيان على رسول الله الزواج من ابنته أم حبيبة... رضي الله عنها، قائلاً:

إن أهل التاريخ أجمعوا على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج أم حبيبة قبل إسلام والدها بزمن طويل، ويرد على من ذهب إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج أم حبيبة بعد الفتح فيقول فيقول هذا باطل عند من له أدنى علم بالسيرة وتواريخ ما قد كان[24].

وثمة روايات أخرى حاكمها ابن القيم محاكمة نقدية كاشفًا ما فيها من تناقضات وأوهام كرواية البيهقي التي أسندها إلى محمد بن إسحاق وفيها أن رسول الله أبلغ حذيفة بالمنافقين الذين حاولوا المكر بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو عائد من تبوك، وفي الخبر قال: ادع عبدالله بن أبي وسعد أبي السرح، والروايات التي ذهبت إلى القول بأن إلى اعتبار سرية الخبط وأميرها أبو عبيدة بن الجراح، إنما وقعت في رجب سنة ثمان للهجرة[25].


ابن كثير والسيرة النبوية:


ليس ابن كثير فقيهًا مغمورًا خامل الذكر ولا هو ذاك المؤرخ غير المشهور الذي تجهل مكانته ولا تعرف مؤلفاته ولا هو ممن يحيط به طوق الإهمال والنسيان، فنحن أمام عالم موسوعي جمع بين العديد من العلوم والفنون وذاعت بعض كتبه خاصة التفسير وكتاب البداية والنهاية بين المسلمين قديمًا وحديثًا، كما كتب عنه عدد من الباحثين[26]، مما يجعلنا نقتصدُ في الترجمة لهذا العلم الموسوعي، والإمام المفسير المؤرخ.

ولد إسماعيل بن عمر بن كثير سنة سبعمائة أو بعدها بيسير، وقد عانى من اليتم منذ صغره حيث توفي والده سنة (703هـ)، نشأ بدمشق[27] وتتلمذ على يد مجموعة من علمائها من أبرزهم:

- كمال الدين ابن الزملكاني شيخ الشافعية بالشام (ت627هـ)[28].

- إبراهيم بن عبدالرحمن الفزاري (ت729هـ)[29].

- جمال الدين أبو الحجاج المزي (ت742هـ)[30].

- ابن تيمية تقي الدين أحمد بن عبدالحليم (ت728هـ)[31].


ورغم أن الغالب على الحياة العلمية والدراسات الدينية في بلاد الشام طابع التقليد ومحاكاة السابقين والعكوف على الشروح والمختصرات إلا أن تلك البلاد حظيت بوجود مدرسة حديثية جمعت بين الاتباع السلفي والعلم الراسخ والعقلية النقدية مثلها، الشيخ ابن تيمية والإمام المزي العالم المحدث ثم الذهبي وابن القيم وابن كثير نفسه، فتكون رحمة الله في ظل هذه المدرسة التي أثرت على تكوينه العلمي واتجاهات البحث عنده.


لازم ابن كثير والد زوجته الحافظ المزي[32] صاحب ابن تيمية والمحدث المشهور.

كما أخذ عن شيخه ابن تيمية وكانت له به خصوصية ومناضلة عنه واتباع له في كثير من آرائه[33]، وفي كتابه البداية والنهاية يبدو ابن كثير معجبًا بشيخه مسجلاً لكثير من مواقفه السياسية في حرب المغول وكذلك مواقفه في المسائل الدينية وخصوماته الحادة مع المخالفين[34]، ويذكر ابن شهبة (854هـ) أن ابن كثير كان يفتي برأي ابن تيمية في مسألة الطلاق وامتحن بسبب ذلك وأوذي[35].

يعد ابن كثير من فقهاء المذهب الشافعي وكذلك شيخاه المزي والذهبي بخلاف صاحبه ابن القيم (كما يصفه بذلك)[36].

وقد التفوا حول علامة السنة في وقته (ابن تيمية 661-728هـ) مما أزعج المذهبيين المتمسكين بالمذهب على حساب السنة والأثر، يتجلى ذلك في قول الشيخ عبدالوهاب السبكي (ت683هـ). صاحب طبقات الشافعية أن المزي والذهبي وكثيرٌ من أتباعهم أضر بهم ابن تيمية[37].

إن الخيط الذي جمع بين ابن تيمية وابن القيم الحنبليين والمزي والذهبي وابن كثير الشافعيين، ليس العامل الإقليمي، بل ارتباطهم بمدرسة الحديث والأثر التي ترى أن مصدر العقائد هو الكتاب والسنة، وهذه المدرسة هي التي منحت الذهبي وابن كثير تلك المنزلة والمكانة بين المؤلفين في السيرة والتاريخ فرأينا تميزًا نوعيًا في التأليف ومعالجات نقدية للروايات والآراء.

مارس ابن كثير التدريس في الجامع الأموي بدمشق وفي المدرسة النورية وفي عدة مساجد في دمشق وتولى مشيخة دار الحديث الأشرفية كما مارس الإفتاء والخطابة[38]، هذا إلى جانب النشاط التأليفي الذي يعد الظاهرة الأهم في حياة ابن كثير، حيث ألف وجمع العديد من المصنفات، التي يذكر بعض الباحثين أنها تربو على (60) كتابًا[39]. ومع كثرة مصنفاته إلا أن ما ناله من شهرة ومكانة إنما يرجع إلى كتابيه: تفسير القرآن العظيم والبداية والنهاية. وبعد حياة حافلة بالعطاء والإنتاج توفي ابن كثير في موطنه دمشق عام (774هـ)[40].


السيرة النبوية عند ابن كثير:


تعدُّ السيرة النبوية من الفنون الأساسية التي لا يستغني عن دراستها عالم أو فقيه، وفي نظر ابن كثير فإن الأيام النبوية مشتملة على علوم جمة وفوائد مهمة لا يستغني عنها عالم[41].

وما ذاك إلا لأن موضوع السيرة الجوهري هو تاريخ حياة النبي صلى الله عليه وسلم ومعرفة مراحل دعوته وجهاده، وتعاليمه وهديه ومعلوم أن الفقيه أو العالم (الديني) يتعامل مع النصوص والأحكام التشريعية التي جاء بها محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، ومن مهامه ووظائفه، فهم الشريعة، وشرحها للناس، وإنزال الأحكام الشرعية على الوقائع المتجددة والمتغيرة، ومن الوسائل والأدوات المعينة على ذلك فهم السيرة وواقعها التاريخي ومراحلها التي تزامنت مع نزول الأحكام والتشريعات.

فإذن لا غرابة أن يؤلف ابن كثير في السيرة النبوية، السيرة المطولة في البداية والنهاية والسيرة الموجزة وهي كتاب الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم.

ومسألة أخرى حدت بابن كثير إلى الاهتمام بالسيرة والتوسع فيها وتقصي رواياتها في كتابه الضخم (البداية والنهاية) فالمؤلف يرى في تاريخ السيرة واسطة عقد تاريخ الأمة المؤمنة التي يبدأ تاريخها منذ عهد آدم عليه السلام.

يضم كتاب ابن كثير البداية والنهاية سيرة مطولة، تضم السيرة بسياقها التاريخي المعروف ثم الشمائل والدلائل والفضائل والخصائص.

وقبل أن نبدأ في استعراض أهم عناصر هذه السيرة لابد من الإشارة إلى أن البداية والنهاية هو عبارة عن موسوعة تاريخية شاملة تؤرخ ببدايات الخلق ثم الأنبياء ثم السيرة التي استغرقت نحوًا من ستة أجزاء من الكتاب حسب طبعة مركز البحوث والدراسات العربية والإسلامية بدار هجر[42]، التي تضم (21) جزءًا بما فيها جزء الفهارس والجزءان (19 ،20) وقد خصصا (للفتن والملاحم وأشراط الساعة).

وقد جاء الكتاب ثمرة عوامل أثرت في مكوناته واتجاهه الموسوعي وطابعه العام ومنهجه التاريخي والنقدي ومن تلك العوامل:

- سعة اطلاع مؤلفه (ابن كثير) على كثير من المصادر ومنها دواوين السنة وكتب السير والمغازي وكتب الدلائل وكتب التاريخ العام.

- تأثر ابن كثير بمنهج مؤرخي الإسلام الذين كتبوا في التاريخ العام كابن جرير وابن الأثير وابن الجوزي.

- انتماؤه إلى عصر ساد فيه النمط الموسوعي في التأليف.

- إيمان ابن كثير بوحدة الأمة الإسلامية وإدراكه لأثر الرسالة المحمدية في الحركة التاريخية لهذه الأمة.

- انتماء المؤلف إلى مدرسة الحديث والأثر، حيث يتضح أثر خلفية المؤلف في الحديث وعلومه في جانب من أقسام الكتاب ومنها السيرة النبوية وتاريخ الخلفاء الراشدين، وتراجم العلماء والأئمة وآرائه في الرجال والآراء والمذاهب.


افتتح ابن كثير، قسم السيرة في البداية والنهاية بهذا العنوان "كتاب سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم" وذكر أيامه وغزواته وسراياه والوفود إليه، وشمائله وفضائله ودلائله الدالة عليه"[43].




وللموضوع تتمة
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 220.32 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 218.60 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (0.78%)]